تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

تذكرة الفقهاء7%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-435-3
الصفحات: 510

الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 510 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 419170 / تحميل: 5498
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٥-٣
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

[ ويلزمه كفن الزوجة ](١) وهو أحد قولي الشافعي(٢) .

وقال في الآخَر : لا يلزمه كفنها - وبه قال أحمد - لأنّ النفقة وجبت في مقابلة الاستمتاع وقد فات بالموت ، فسقطت النفقة ، بخلاف الأقارب ، فإنّ قرابتهم باقية(٣) .

وينتقض بالعبد ؛ فإنّ النفقة وجبت بالملك وقد زال بموته ومع هذا يجب تجهيز العبد.

إذا ثبت هذا ، فإنّه يكفّن الكفن الواجب ، وهو ثلاثة أثواب : مئزر ، وقميص ، وإزار عندنا.

ومَن اقتصر في الواجب على الواحد اقتصر عليه(٤) هنا.

ولا يجوز أن يكفّن أزيد ممّا تستحبّ زيادته ، إلّا بإذن الغرماء.

مسألة ٣٠٩ : لا يؤمر المفلس بتحصيل ما ليس بحاصلٍ له‌ وإن لم يُمكَّن من تفويت ما عنده حتى لو جنى على المفلس أو على عبده جانٍ ، فله القصاص ، ولا يلزمه أن يعفو على المال ؛ لأنّه اكتساب.

ولو أوجبت الجناية المالَ ، لم يكن له العفو مجّاناً ؛ لأنّه تفويت ، إلّا بإذن الغرماء.

وكذا لو قُتل المفلس ، لم يكن لوارثه العفوُ مجّاناً إن كان قُتل خطأً.

ولو أسلم في شي‌ء ، لم يكن له أن يقبض أدون صفةً أو قدراً ، إلّا بإذن الغرماء.

____________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٣٢٧.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٣٢٧ ، المغني ٤ : ٥٣٤ - ٥٣٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٣٩.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « عليها ». والصحيح ما أثبتناه.

٦١

فإذا قُسّم ماله وقصر عن الديون أو لم يكن له مالٌ ألبتّة ، لم يؤمر بالتكسّب ولا بأن يؤاجر نفسه ليصرف الأُجرة والكسب في الديون أو في نفقتها - وبه قال الشافعي ومالك وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لقوله تعالى :( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ) (٢) .

ولما رواه العامّة عن أبي سعيد الخدري : أنّ رجلاً أُصيب في ثمار ابتاعها فكثر دَيْنه ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « تصدّقوا عليه » فتصدّقوا عليه فلم يبلغ وفاء دينه ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « خُذُوا ما وجدتم [ و ](٣) ليس لكم إلّا ذلك »(٤) .

ولأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لمـّا حجر على معاذ لم يزد على بيع ماله(٥) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه غياث بن إبراهيم عن الصادق عن الباقرعليهما‌السلام : « أنّ عليّاًعليه‌السلام كان يحبس في الدَّيْن ، فإذا تبيّن له إفلاس وحاجة خلّى سبيله حتى يستفيد مالاً »(٦) .

واستعدت امرأة على زوجها عند أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه لا ينفق عليها وكان زوجها معسراً ، فأبى أن يحبسه وقال : « إنّ مع العسر يسراً »(٧) ولو كان التكسّب واجباً لأمر به.

ولأنّ هذا تكسّب للمال ، فلا يُجبر عليه ، كما لا يُجبر على قبول الهبة‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٣٢٥ ، حلية العلماء ٤ : ٤٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٢ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٤٢٢ ، المعونة ٢ : ١١٨٣ ، المغني ٤ : ٥٣٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٤٧.

(٢) البقرة : ٢٨٠.

(٣) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) تقدّم تخريجه في ص ٥٧ ، الهامش (٤)

(٥) راجع : الهامش (٤) من ص (٧)

(٦) التهذيب ٦ : ٢٩٩ / ٨٣٤ ، الاستبصار ٣ : ٤٧ / ١٥٦.

(٧) التهذيب ٦ : ٢٩٩ - ٣٠٠ / ٨٣٧.

٦٢

والصدقة ولا تُجبر المرأة على التزويج لتأخذ المهر ، كذا هنا.

وعن مالك رواية أُخرى : أنّه إن كان ممّن يعتاد إجارة نفسه ، لزمه(١) .

وقال أحمد - في الرواية الشهيرة عنه - وإسحاق : يؤاجر ، فإن امتنع أجبره القاضي - وبه قال عمر بن عبد العزيز وعبيد الله بن الحسن العنبري وسوار القاضي - لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله باع سرقاً في دَيْنه ، وكان سرق رجلاً دخل المدينة وذكر أنّ وراءه مالاً ، فداينه الناس ، فركبته الديون ولم يكن وراءه مال ، فأُتي به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فسمّاه [ سرقاً ](٢) وباعه بخمسة أبعرة. قالوا : والحُرّ لا يجوز بيعه ، فثبت أنّه باع منافعه. رواه العامّة(٣) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه السكوني عن الصادق عن الباقرعليهما‌السلام : « أنّ عليّاًعليه‌السلام كان يحبس في الدَّيْن ثمّ ينظر فإن كان له مالٌ أعطى الغرماء ، وإن لم يكن له مالٌ دَفَعَه إلى الغرماء ، فيقول لهم : اصنعوا به ما شئتم ، إن شئتم آجروه ، وإن شئتم استعملوه »(٤) وذكر الحديث.

ولأنّ المنافع تجري مجرى الأعيان في صحّة العقد عليها وتحريم أخذ الزكاة ، كالأعيان(٥) .

والحديث الذي رووه من طريق العامّة منسوخ بالإجماع ؛ لأنّ البيع وقع على رقبته ، ولهذا روي في الحديث أنّ غرماءه قالوا للّذي يشتريه :

____________________

(١) الوسيط ٤ : ١٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣.

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) المغني ٤ : ٥٤٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٤٨.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٠٠ / ٨٣٨ ، الاستبصار ٣ : ٤٧ / ١٥٥.

(٥) المغني ٤ : ٥٤٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٤٨ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٢٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٠٧ ، الوسيط ٤ : ١٥ ، حلية العلماء ٤ : ٤٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٣.

٦٣

ما تصنع به؟ فقال : أعتقه ، فقالوا : لسنا بأزهد منك في إعتاقه ، فأعتقوه(١) .

وحديث الخاصّة ضعيف السند ؛ لأنّه رواية السكوني ، وهو عامّيّ المذهب.

والمنافع لا تجري مجرى المال في جميع الأحكام ، فإنّه لا يجب عليه الحجّ لأجل المنافع ، ولا الزكاة.

مسألة ٣١٠ : لو كانت له أُمّ ولدٍ أو ضيعةٌ موقوفة عليه ، ففي وجوب مؤاجرتهما نظر‌ : من حيث إنّ المنافع وإن لم تكن مالاً فإنّها تجري مجراها ، فيجعل بدلها للدَّيْن ، ومن حيث إنّ المنافع لا تُعدّ أموالاً حاضرة حاصلة ، ولو كانت تُعدّ من الأموال ، لوجب إجارة المفلس نفسه ، ولوجب بها الحجّ والزكاة. والثاني أقرب.

وللشافعيّة وجهان(٢) كهذين.

فعلى الأوّل يؤاجره مرّةً بعد أُخرى إلى أن يفنى الدَّيْن ، فإنّ المنافع لا نهاية لها ، وقضيّته إدامة الحجر إلى قضاء الدَّيْن. لكنّه كالمستبعد.

وفي جواز بيع أُمّ الولد نظرٌ ، أقربه ذلك إن كانت قد رُهنت قبل الاستيلاد ، فإنّها تُباع في الرهن ، أو كان ثمنها دَيْناً على مولاها ولا وجه له سواها.

مسألة ٣١١ : إذا قسّم الحاكمُ مالَ المفلس بين الغرماء ، انفكّ حجره ، ولا حاجة إلى حكم الحاكم بذلك ؛ لأنّ الحجر لحفظ المال على الغرماء وقد حصل الغرض ، فيزول الحجر ، وهو أحد قولي الشافعي.

____________________

(١) المغني ٤ : ٥٤٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٤٩.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٠٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٢ ، منهاج الطالبين : ١٢١.

٦٤

والأظهر عنده : أنّه لا بُدَّ من فكّ القاضي ؛ لأنّه حَجْرٌ لا يثبت إلّا بإثبات القاضي ، فلا يرفع إلّا برفعه ، كالسفيه. ولأنّه حجر يحتاج إلى نظر واجتهاد كحجر السفيه(١) .

ونمنع الملازمة الأُولى ؛ فإنّ الحجر هنا لمعنىً وقد زال ، بخلاف السفيه ، فإنّه لا يُعلم زواله إلّا بعد الاختيار المستند إلى الحاكم. ولأنّ هذا الحجر لتفريق ماله وقد حصل ، وذلك لحفظ ماله ، فتركه محجوراً عليه يزيد في الغرض. ولأنّه حجر للغرماء وقد اعترفوا بسقوطه.

هذا إذا اعترف الغرماء بأن لا مال له سواه ، ولو ادّعوا مالاً ، فسيأتي.

مسألة ٣١٢ : لو اتّفق الغرماء على رفع الحجر عنه ، فالأقوى رفعه‌ ؛ لأنّ الحجر لهم ، وهو حقّهم ، وهُمْ في أموالهم كالمرتهن في حقّ المرهون ، وهو أحد قولي الشافعي.

والآخَر : أنّه لا يرتفع ؛ لاحتمال أن يكون هناك غريمٌ آخَر - سواهم - غائب ، فلا بُدَّ من نظر الحاكم واجتهاده(٢) .

وإدامة العقوبة بالتجويز غير جائز ، ولهذا إذا قسّم المال ، لم يزل تجويز ورود غريمٍ.

ولو باع المفلس مالَه من غريمٍ بدَيْنه ولا يُعرف له غريمٌ سواه ، فالأقرب : صحّة البيع ؛ لأنّ الحجر عليه لدَيْن ذلك الغريم ، فإذا رضي وبرئت ذمّته ، وجب أن يصحّ ، وهو أحد قولي الشافعي(٣) .

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٥١٩ ، الوسيط ٤ : ١٥ ، الوجيز ١ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٢.

(٢) الوسيط ٤ : ١٥ ، الوجيز ١ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤ - ٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٣.

(٣) الوجيز ١ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٣.

٦٥

والأظهر عنده(١) : أنّه لا يصحّ من غير مراجعة القاضي ؛ لأنّ الحجر على المفلس لا يقتصر على الغريم الملتمس ، بل يثبت على العموم ، ومن الجائز أن يكون له غريمٌ آخَر(٢) .

والوجهان مفرَّعان على أنّ بيع المفلس من الأجنبيّ لا يصحّ ، فإن صحّ ، فهذا أولى(٣) .

ولو حجر لديون جماعة وباع أمواله منهم بديونهم ، فعلى الخلاف(٤) .

ولو باع ماله من غريمه الواحد بعين أو ببعض دَيْنه ، فهو كما لو باع من الأجنبيّ ؛ لأنّ ذلك لا يتضمّن ارتفاع الحجر ، بخلاف ما إذا باع [ بكلّ الدَّيْن ، فإنّه يسقط الدَّين ، فإذا سقط الدَّيْن ارتفع الحجر.

ولو باع ](٥) من أجنبيّ بإذن الغرماء ، لم يصح(٦) .

والوجه : الصحّة - وهو أحد قولي الشافعي(٧) - كما يصحّ بيع المرهون بإذن المرتهن.

وإذا قلنا : إنّه إذا فُرّقت أمواله وقُضيت الديون ارتفع الحجر عنه ، صحّ البيع من الغريم بالدَّيْن ؛ لتضمّنه البراءة من الدَّيْن.

ويمكن أن يقال : لا نجزم بصحّة البيع.

وإن قلنا : إنّ سقوط الدَّيْن يُسقط الحجر ؛ لأنّ صحّة البيع إمّا أن تفتقر إلى ارتفاع الحجر أو لا ، فإن افتقرت ، وجب الجزم بعدم الصحّة ، وإلّا لزم‌

____________________

(١) في « ج ، ر » : « عندهم ».

(٢) الوجيز ١ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥.

(٥) ما بين المعقوفين أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز » و« روضة الطالبين ».

(٦ و ٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٣.

٦٦

الدور ؛ لأنّه لا يصحّ البيع ما لم يرتفع الحجر ، ولا يرتفع الحجر ما لم يسقط الدَّيْن ، ولا يسقط الدَّيْن ما لم يصحّ البيع.

وإن لم تفتقر ، فغاية الممكن اقتران صحّة البيع وارتفاع الحجر ، فلتخرج الصحّة على الخلاف فيما إذا قال : كلّما ولدت ولداً فأنت طالق ، فولدت ولداً بعد ولد هل تطلّق بالثاني؟ وفيما إذا قال العبد لزوجته : إن مات سيّدي فأنتِ طالق طلقتين ، وقال السيّد لعبده : إذا متُّ فأنت حُرٌّ ، فمات السيّد ، هل له نكاحها قبل زوج وإصابة؟(١) .

وهذا عندنا لا يتأتّى.

البحث الثالث : في حبسه

مسألة ٣١٣ : مَنْ وجب عليه دَيْنٌ حالّ فطُولب به ولم يؤدّه ، نظر الحاكم فإن كان في يده مالٌ ظاهر‌ ، أمره الحاكم بالقضاء ، فإن ذكر أنّه لغيره ، حكم عليه بإقراره إن صدّقه المـُقرّ له أو لم يُعلم منه تصديق ولا تكذيب.

فإن كذّبه ، لم يقبل منه إقراره ، وألزمه بالخروج من الديون ، فإن امتنع مع قدرته على القضاء، حبسه الحاكم.

ويحلّ لصاحب الدَّيْن الإغلاظ له في القول بأن يقول : يا ظالم ، يا معتدي ، ونحو ذلك ؛ لقولهعليه‌السلام : « ليّ الواجد يُحلّ عقوبتَه وعِرْضَه »(٢) .

والليّ : المطل. والعقوبة : حبسه. والعرض : الإغلاظ له في القول.

وقالعليه‌السلام : « إنّ لصاحب الحقّ مقالاً »(٣) .

ولو ظهر عناده بإخفاء ماله وعلم يساره وتمكّنه ، كان للحاكم ضربه.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ١٥٥.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ١٥٥ ، صحيح مسلم ٣ : ١٢٢٥ / ١٦٠١.

٦٧

ولو لم يكن في يده مالٌ ظاهر ، فإن كان أصل الدعوى مالاً أو كان قد عُرف له أصلُ مالٍ ثمّ خفي أمره ، طُولب بالبيّنة على الإعسار. وإن كانت الدعوى غرامةً عن إتلافٍ أو جناية ولم يُعرف له قبل ذلك أصلُ مالٍ ، حكم بقوله مع اليمين.

مسألة ٣١٤ : إذا ثبت إعسار المديون عند الحاكم بالبيّنة أو بإقرار الغريم ، لم يجز حبسه ولا ملازمته‌ ، ووجب إنظاره ؛ لقوله تعالى :( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ) (١) .

ولما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لغرماء الذي كثر دَيْنه : « خُذُوا ما وجدتم ، وليس لكم إلّا ذلك »(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام : « إنّ عليّاًعليه‌السلام كان يحبس في الدَّيْن ، فإذا تبيّن له إفلاس وحاجة خلّى سبيله حتى يستفيد مالاً »(٣) .

ولأنّ الحبس إمّا لإثبات الإعسار أو لقضاء الدَّيْن ، والأوّل ثابت ، والقضاء متعذّر ، فلا فائدة في الحبس.

وقال أبو حنيفة : للغريم ملازمته ، لكن لا يمنعه من التكسّب(٤) .

مسألة ٣١٥ : إذا كان للمديون مالٌ ، أمره الحاكم ببيعه وإيفاء الدَّيْن من ثمنه مع مطالبة أربابها‌ ، فإن امتنع ، باع الحاكم متاعه عليه ، وقضى منه الدَّيْن ، وبه قال الشافعي وأحمد(٥) .‌

____________________

(١) البقرة : ٢٨٠.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٥٧ ، الهامش (٤)

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٦١ ، الهامش (٦)

(٤) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٨٦ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٧٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٣٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١١٦ ، حلية العلماء ٤ : ٤٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٣ ، المغني ٤ : ٥٤٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٠.

(٥) تقدّم تخريجه في ص ٤٥ ، الهامش (١)

٦٨

وقال أبو حنيفة : لا يبيع الحاكم ، بل يحبس الغريم إلى أن يبيع هو بنفسه(١) .

وقد تقدّم(٢) البحث في ذلك.

وهل للحاكم أن يحجر عليه؟ الأقرب عندنا : المنع ؛ لأنّ التقدير أنّه متمكّن من الإيفاء ، فلا معنى للحجر ، بل يُحبس أو يُباع عليه ، وهو أحد وجهي الشافعي.

والثاني : أنّه يحجر عليه إذا التمسه الغرماء ؛ لئلّا يتلف ماله(٣) .

ولو أخفى ماله ، حبسه القاضي حتى يُظهره.

روي أنّهعليه‌السلام قال : [ « ليّ الواجد يُحلّ عِرْضَه وعقوبته »(٤) .

قال المفسّرون : أراد بالعقوبة الحبس و ](٥) الملازمة ، فإن لم ينزجر [ بالحبس ](٦) زاد في تعزيره بما يراه من ضرب وغيره.

ولو كان له مالٌ ظاهر ، فهل يحبسه لامتناعه؟ الأولى ذلك ؛ لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله حبس رجلاً أعتق شقصاً له من عبد في قيمة الباقي(٧) .

فإن ادّعى أنّه قد تلف ماله وصار معسراً ، فعليه البيّنة ، فإن شهدوا على التلف ، قُبلت شهادتهم ولم يُعتبر فيهم الخِبْرة الباطنة. وإن شهدت على إعساره ، قُبلت إن كانوا من أهل الخِبْرة الباطنة.

____________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٤٦ ، الهامش (٥)

(٢) في ص ٤٥ ، المسألة ٢٩١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧٢.

(٤) صحيح البخاري ٣ : ١٥٥.

(٥ و ٦) ما بين المعقوفين أضفناه من العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦ ، وروضة الطالبين ٣ : ٣٧٢.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦ ، وراجع سنن البيهقي ٦ : ٤٩.

٦٩

ويُحمل قولهم : « إنّه(١) معسر » على أنّهم وقفوا على تلف المال.

فإن ادّعى المديون أنّه معسر لا شي‌ء له ، أو قُسّم مال المحجور على الغرماء وبقي بعض الدَّيْن فزعم أنّه لا يملك شيئاً آخَر وأنكر صاحب الدَّيْن أو الغرماء إعسارَه ، فإن كان الدَّيْن لزمه في مقابلة مالٍ - كما إذا ابتاع أو استقرض ، أو باع سَلَماً - فهو كما لو ادّعى هلاك المال ، فعليه البيّنة. وإن لزم لا في مقابلة مالٍ ، قُبل قوله مع اليمين ؛ لأنّ الأصل العدم ، وهو أصحّ وجوه الشافعيّة.

والثاني : أنّه لا يُقبل ، ويحتاج إلى البيّنة ؛ لأنّ الظاهر من حال الحُرّ أنّه يملك شيئاً ، قلّ أم كثر.

والثالث : أنّه إن لزمه باختياره - كالصداق والضمان - لم يُقبل قوله ، وعليه البيّنة. وإن لزمه لا باختياره - كأرش الجناية وغرامة المتلف - قُبل قوله مع اليمين ؛ لأنّ الظاهر أنّه لا يشغل ذمّته اختياراً ، ولا يلتزم بما لا يقدر عليه(٢) .

مسألة ٣١٦ : إذا ادّعى المديون الإعسار وكان أصل الدعوى مالاً‌ ، أو كان له مالٌ فادّعى تلفه ، افتقر إلى البيّنة ؛ لأنّ الأصل بقاء المال في يده ، فإذا ادّعى خلاف الأصل ، كان عليه البيّنة. فإن لم تكن بيّنة ، حلف الغرماء على عدم التلف. فإذا حلفوا ، حُبس.

قال ابن المنذر : أكثر مَنْ يُحفظ عنه العلم من علماء الأمصار وقُضاتهم يرون الحبس في الدَّيْن ، منهم : مالك والشافعي وأبو عبيد‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ويُحمل على قولهم : إنّهم ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧٣.

٧٠

والنعمان وسوار وعبيد الله بن الحسن وشريح والشعبي(١) .

وقال عمر بن عبد العزيز : يُقسّم ماله بين الغرماء ، ولا يُحبس. وبه قال [ عبيد الله بن أبي ](٢) جعفر والليث بن سعد(٣) .

وإن شهدت البيّنة بتلف ماله ، سُمعت. فإن طلب الغرماء يمينه على ذلك مع البيّنة ، لم يُجابوا؛ لأنّ ذلك تكذيب للشهود.

وإن شهدت البيّنة بالإعسار وقد كان له مالٌ ، لم تُسمع إلّا أن تكون البيّنة من أهل الخِبْرة الباطنة ؛ لأنّ الإعسار أمر خفيّ ، فافتقرت الشهادة به إلى العِشرة الطويلة والاختبار في أكثر الأوقات.

فإن شهدت بذلك وكانت من أهل الخِبْرة الباطنة ، سُمعت الشهادة ، وثبت الإعسار عندنا - وبه قال الشافعي وأحمد(٤) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لقبيصة بن المخارق : « يا قبيصة إنّ المسألة لا تحلّ إلّا لأحد ثلاثة : رجل تحمّل حمالةً فحلّت له المسألة حتى يؤدّيها ثمّ يمسك ، ورجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله فحلّت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش - أو‌

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ١٤٥ - ١٤٦ ، المغني ٤ : ٥٤٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٩٧ ، المدوّنة الكبرى ٥ : ٢٠٤ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٣ ، التفريع ٢ : ٢٤٧ ، التلقين ٢ : ٤٢٩ ، الذخيرة ٨ : ٢٠٤ ، المعونة ٢ : ١١٨٢ ، النوادر والزيادات ١٠ : ١٥ ، التنبيه : ١٠١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٧ ، الوسيط ٤ : ١٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦ - ٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٠٤ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٤١.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « عبد الله بن ». وما أثبتناه كما في الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ١٤٦ ، وتاريخ مدينة دمشق ٣٧ : ٤٠٨.

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ١٤٦ ، المغني ٤ : ٥٤٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٩٧.

(٤) المغني ٤ : ٥٤٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٩٧.

٧١

قال : سداداً من عيش - ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه : لقد أصاب فلاناً فاقة ، فحلّت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش - أو قال : سداداً من عيش »(١) .

وقال مالك : لا تُسمع البيّنة على الإعسار ؛ لأنّها شهادة على النفي ، فلا تُسمع ، كما لو شهدت أنّه لا حقّ لزيد على عمرو(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّ هذه الشهادة وإن تضمّنت النفي إلّا أنّها تشهد بثبوت حال تظهر ويوقف عليها ، كما لو شهد أن لا وارث غير هذا ، فإنّه تُسمع شهادته ، بخلاف الشهادة بأنّه لا حقّ عليه ؛ لأنّ ذلك ممّا لا يوقف عليه ولا يشهد به حال يتوصّل بها إلى معرفته ، بخلاف صورة النزاع.

مسألة ٣١٧ : تُسمع بيّنة الإعسار في الحال‌ - وبه قال الشافعي وأحمد(٣) - لأنّ كلّ بيّنةٍ جاز سماعها بعد مدّة جاز سماعها في الحال ، كسائر البيّنات.

وقال أبو حنيفة : لا تُسمع في الحال ، ويُحبس المفلس. واختلف أصحابه في الضابط لمدّة الحبس. فقال بعضهم : يُحبس المفلس شهرين ثمّ تُسمع البيّنة. وقال الطحاوي : يُحبس شهراً. وروي ثلاثة أشهر. وروي أربعة أشهر حتى يغلب على ظنّ الحاكم أنّه لو كان له مال لأظهره(٤) .

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٧٢٢ / ١٠٤٤ ، سنن أبي داوُد ٢ : ١٢٠ / ١٦٤٠ ، سنن النسائي ٥ : ٨٩ ، ولا يخفى أنّ الحديث ورد في النسخ الخطّيّة والحجريّة بتفاوت وتقديمٍ وتأخيرٍ في بعض الكلمات والجملات. والمثبت قريب لما في المصادر.

(٢) النوادر والزيادات ١٠ : ١٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧ ، المغني ٤ : ٥٤٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٩٨.

(٣) حلية العلماء ٤ : ٤٨٦ ، الوسيط ٤ : ١٧ ، الوجيز ١ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧٣ ، المغني ٤ : ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٩٨.

(٤) فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٥ : ٢٢٦ ، حلية العلماء ٤ : ٤٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧ ، المغني ٤ : ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٩٨.

٧٢

وليس بصحيح ، وإلّا لاستُغني بذلك عن البيّنة.

مسألة ٣١٨ : إذا أقام مدّعي الإعسار البيّنةَ ، شرط فيها أن يكونوا من أهل الخِبْرة الباطنة‌ والعشرة المتقادمة وكثرة الملابسة سرّاً وجهراً وكثرة المجالسة وطول الجوار ، فإنّ الأموال قد تخفى ولا يُعرف تفصيلها إلّا بأمثال ذلك. فإن عرف القاضي أنّهم من أهل الخِبْرة ، فذاك ، وإلاّ جاز له أن يعتمد على قولهم إذا كانوا بهذه الصفة.

ويكفي شاهدان على ذلك ، كما في سائر الأموال.

وقال بعض الشافعيّة : لا تُقبل هذه الشهادة إلّا من ثلاثة(١) ؛ لأنّ رجلاً ذكر لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ جائحة أصابت مالَه ، وسأله أن يُعطيه من الصدقة ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « حتى يشهد ثلاثة من ذوي الحجى من قومه »(٢) .

وهو محمول على الاحتياط والاستظهار.

وإذا لم يُعرف له أصل مالٍ ولم يكن أصل الدعوى مالاً ، قُدّم قوله فيحلف وتسقط عنه المطالبة.

وإن أقام بيّنةً بالإعسار ، قُبلت.

فإن طلب غريمه يمينه مع البيّنة ، لم يُجب إليه ؛ لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « البيّنة على المدّعي واليمين على المنكر »(٣) .

وقال الشافعي : يحلف(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧٣.

(٢) كما في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧ ، وراجع المصادر في الهامش (١) من ص ٧١.

(٣) سنن البيهقي ١٠ : ٢٥٢ ، وفيه : « على مَنْ أنكر ».

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٧ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٣٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١١٦ ، حلية العلماء ٤ : ٤٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧٤ ، المغني ٤ : ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٩٩.

٧٣

وهل الإحلاف واجب أو مستحبّ؟ قال في حرملة : إنّه واجب ؛ لجواز أن يكون له مال لم تقف عليه البيّنة ، فإذا ادّعى ذلك ، حلف له(١) .

وقال في الأُمّ : إنّه مستحبّ ؛ لأنّ ذلك قدح في الشهادة فلم يُسمع ، كما إذا شهد شاهدان على رجل أنّه أقرّ لزيد بكذا ، فقال المـُقرّ له : احلفوا لي المـُقرّ أنّني أقررت له ، لم يلزم ؛ لأنّه قدح في الشهادة ، كذا هنا(٢) .

مسألة ٣١٩ : صورة الشهادة بالإعسار يجب أن تكون على الإثبات المتضمّن للنفي‌ ، ولا يجعل الشهادة على النفي صرفة خالصةً عن الإثبات ، فيقول الشهود : إنّه معسر لا يملك إلّا قوت يومه وثياب بدنه. وإن قالوا مع ذلك : « إنّه ممّن تحلّ له الصدقة » كان جيّداً ، وليس شرطاً.

ولا يقتصرون على قولهم : لا شي‌ء له ، لئلّا تتمحّض شهادتهم نفياً لفظاً ومعنى. فإن طلب الغرماء إحلافه مع البيّنة ، لم يلزم ، خلافاً للشافعي في أحد قوليه. وفي الثاني : أنّه مستحبّ(٣) .

نعم ، لو ادّعى أنّ له مالاً لا يعرفه الشاهد ، فالأقوى عندي أنّ له إحلافه على ذلك ؛ لإمكان صدقه في دعواه ، وحينئذٍ تتوقّف اليمين على استدعاء الخصم ؛ لأنّها حقّه :

ويجوز أن يعفو عنها ، فلا يتبرّع الحاكم بإحلافه.

والشافعي لمـّا أثبت اليمين مطلقاً إمّا على سبيل الوجوب أو على سبيل الاستحباب - على اختلاف قوليه - تردّد في أنّه هل يتوقّف الحلف‌

____________________

(١) لاحظ : التهذيب - للبغوي - ٤ : ١١٦ ، والعزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨ ، وروضة الطالبين ٣ : ٣٧٤.

(٢) لاحظ الأُمّ ٣ : ٢١٢ ، والتهذيب - للبغوي - ٤ : ١١٦ ، والعزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨ ، وروضة الطالبين ٣ : ٣٧٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧٤.

٧٤

على استدعاء الخصم؟ على وجهين :

أحدهما : لا ، كما لو كانت الدعوى على ميّت أو غائب ، وعلى هذا فهو من آداب القضاء.

وأظهرهما : نعم ، كيمين المدّعى عليه(١) .

مسألة ٣٢٠ : قد بيّنّا أنّه يُقبل قوله في الإعسار إذا لم يُعرف له سابقة مال‌ ، مع يمينه ، فحينئذٍ نقول : إنّه يُقبل في الحال ، كما لو أقام البيّنة تُسمع في الحال ، وهو قول أكثر الشافعيّة(٢) .

وقال بعضهم : يتأنّى القاضي ويبحث عن باطن حاله ، ولا يقنع بقوله ، بخلاف ما إذا أقام البيّنة(٣) .

وحيث قلنا : إنّه لا يُقبل قوله إلّا بالبيّنة لو ادّعى أنّ الغرماء يعرفون إعساره ، كان له إحلافهم على نفي المعرفة ، فإن نكلوا ، حلف ، وثبت إعساره. وإن حلفوا ، حُبس. وكلّما ادّعى ثانياً وثالثاً وهلُمّ جرّاً أنّه قد ظهر لهم إعساره ، كان له تحليفهم ، إلّا أن يعرف القاضي أنّه يقصد الإيذاء واللجاج. فإذا حبسه فلا يغفل عنه بالكلّيّة.

ولو كان غريباً لا يتمكّن من إقامة البيّنة ، وكّل به القاضي مَنْ يبحث عن منشئه ومنتقله ويفحص عن أحواله بقدر الطاقة ، فإذا غلب على ظنّه إفلاسه ، شهد به عند القاضي ؛ لئلّا تتخلّد عليه عقوبة السجن.

مسألة ٣٢١ : إذا ادّعى الإعسار وأقام البيّنة عليه ، لم يكن للغرماء مطالبته باليمين مع البيّنة على ما تقدّم‌(٤) ، سواء شهدت البيّنة بالإعسار أو‌

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧٤.

(٤) في ص ٧٢ ، ضمن المسألة ٣١٨.

٧٥

بتلف المال الذي كان في يده ، وهو أحد قولي الشافعي ، وظاهر كلام أحمد(١) .

ولهما قولٌ آخَر : إنّه يستحلف ؛ لاحتمال أن يكون له مالٌ لا يعرفه الشهود(٢) .

ويُحتمل قويّاً إلزامه باليمين على الإعسار إن شهدت البيّنة بتلف المال ، وسقوطها عنه إن شهدت بالإعسار ؛ لأنّها إذا شهدت بالتلف ، صار كمن ثبت له أصل مالٍ واعترف الغريم بتلفه وادّعى مالاً غيره ، فإنّه يلزمه اليمين ، كذا هنا إذا قامت البيّنة بالتلف ، فإنّها لا تزيد على الإقرار.

مسألة ٣٢٢ : لو ثبت الإعسار ، خلّاه الحاكم على ما تقدّم‌(٣) ، فإن عاد الغرماء بعد أوقات وادّعوا أنّه استفاد مالاً ، وأنكر ، قُدّم قوله مع اليمين وعدم البيّنة ، وعليهم إقامة البيّنة ، فإن جاؤا بشاهدَيْن شهدا بأنّهما رأيا في يده مالاً يتصرّف فيه ، أخذه الغرماء.

فإن قال : أخذته من فلان وديعةً أو مضاربةً ، وصدّقه المـُقرّ له ، حُكم عليه بذلك ، وليس للغرماء فيه حقٌّ.

وهل للغرماء إحلافه على عدم المواطأة مع المـُقرّ له وأنّه أقرّ عن تحقيقٍ؟ الأقرب : المنع ؛ لأنّه لو رجع عن إقراره لم يُقبل ، فلا معنى لتحليفه.

ويُحتمل إحلافه ؛ لجواز المواطأة ، فإذا امتنع من اليمين ، حُبس حتى يسلّم المال ، أو يحلف. ولأنّه لو أقرّ بالمواطأة ، حُبس على المال مع تصديق الغير.

____________________

(١ و ٢) المغني ٤ : ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٩٨ - ٤٩٩.

(٣) في ص ٦٧ ، المسألة ٣١٤.

٧٦

ولو طلب الغرماء يمين المـُقرّ له ، فالأقرب : أنّ لهم إحلافَه ؛ لأنّه لو كذّب المـُقرّ ثبت المال لهم ، فإذا صدّقه ، حلف.

وللشافعي الوجهان(١) .

وإن كذّبه المـُقرّ له ، صرف إليهم ، ولم يُفدْ إقراره شيئاً.

ولو أقرّ به ثانياً لغير الأوّل ، لم يلتفت إليه.

ولو أقرّ به لغائبٍ ، وقف حتى يحضر الغائب ، فإن صدّقه ، أخذه ، ولا حقّ فيه للغرماء. وإن كذّبه ، أخذه الغرماء ، أو يحلف بأنّه للغائب ، وتسقط المطالبة عنه ؛ لأصالة العسرة ، وإمكان صدقه.

مسألة ٣٢٣ : لو ادّعى الغرماء بعد فكّ الحجر أنّه قد استفاد مالاً ، كان القولُ قولَه مع اليمين وعدم البيّنة‌ ؛ لأنّ الأصل بقاء العسرة.

وإن أقرّ بالمال أنّه استفاده وطلب الغرماء الحَجْرَ عليه ، نظر الحاكم فإن كان ما حصل له يفي بالديون ، لم يحجر عليه. وإن كان أقلّ ، حجر عليه ، وقسّم ماله بين الغرماء.

وإن كان قد تجدّد له غرماء قبل الحجر الثاني ، قسّم بينهم وبين الأوائل - وبه قال الشافعي(٢) - لاستواء حقوقهم في الثبوت في الذمّة حال الحجر ، فأشبه غرماء الحجر الأوّل.

وقال مالك : يختصّ به الغرماء المتأخّرون ؛ لأنّه استفاده من جهتهم(٣) .

وهو غلط ؛ لأنّا لا نعلم ذلك. ولأنّا نقسّم مال المفلس بين غرمائه‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧٥.

(٢) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ١٥٢.

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ١٥١.

٧٧

وزوجته وإن كان حقّها ثبت لا بمعاوضةٍ.

مسألة ٣٢٤ : لو ثبت للولد على والده مالٌ وكان الأب معسراً ، لم تحلّ مطالبته‌. وإن كان موسراً ، كان له مطالبته إجماعاً.

فإن امتنع من الأداء ، فالأقرب عندي : أنّه لا يُحبس لأجل ولده ؛ لأنّ الحبس نوع عقوبةٍ ، ولا يعاقب الوالد بالولد.

ولأنّ الله تعالى قد بالغ في الوصيّة في الأبوين حتى أنّهما لو أمراه بالكفر لم يُطعهما ومع ذلك يقول لهما قولاً حسناً(١) .

ولقولهعليه‌السلام : « أنت ومالك لأبيك »(٢) أي في حكم مال الأب ، فكما أنّه لا يُحبس في ماله ، كذا في مال ولده الذي هو في حكم ماله.

ولما رواه الحسين بن أبي العلاء عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : ما يحلّ للرجل من مال ولده؟ قال : « قوته بغير سرف إذا اضطرّ إليه » قال : فقلت له : فقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للرجل الذي أتاه فقدّم أباه فقال : « أنت ومالك لأبيك » فقال : « إنّما جاء بأبيه إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له : يا رسول الله هذا أبي قد ظلمني ميراثي من أُمّي ، فأخبره الأب أنّه قد أنفقه عليه وعلى نفسه ، فقال : أنت ومالك لأبيك ، ولم يكن عند الرجل شي‌ء ، أفكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يحبس الأب للابن؟ »(٣) وهذا استفهام في معرض الإنكار ، وهو يدلّ على المراد.

____________________

(١) العنكبوت : ٨.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٦٩ / ٢٢٩١ و ٢٢٩٢ ، سنن سعيد بن منصور ٢ : ١١٥ / ٢٢٩١ و ٢٢٩٢ ، سنن البيهقي ٧ : ٤٨١ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٧ : ١٥٨ / ٢٧٣٦ و ٢٧٤٢ و ٢٧٥٠.

(٣) الكافي ٥ : ١٣٦ / ٦ ، الفقيه ٣ : ١٠٩ / ٤٥٦ ، التهذيب ٦ : ٣٤٤ / ٩٦٦ ، الاستبصار ٣ : ٤٩ / ١٦٢.

٧٨

وهو أحد قولي الشافعي(١) .

وله قولٌ آخَر : إنّه يُحبس ، وإلّا لعجز الابن عن الاستيفاء ، ويضيع حقّه(٢) .

وهو ممنوع ، بل إذا أثبت الابن الدَّيْنَ عند القاضي ، أخذه القاضي منه قهراً من غير حبس ، وصرفه إلى دَيْنه. ولأنّه قد يتمكّن من أخذه غيلةً ، فلا يكون عاجزاً.

ولا فرق بين دَيْن النفقة وغيرها ، ولا بين أن يكون الولد صغيراً أو كبيراً ، وبه قال الشافعي(٣) .

وقال أبو حنيفة : إنّه لا يُحبس ، إلّا في نفقة الولد إذا كان صغيراً أو زَمِناً(٤) .

مسألة ٣٢٥ : لو استؤجر المديون إجارة متعلّقة بعينه ووجب حبسه ، ففي منع الإجارة المتعلّقة بعينه نظر‌ ينشأ : من جواز الحبس مطلقاً ؛ عملاً بإطلاق الأمر ، ومن كون عينه مستحقّةَ المنافع للغير ، فلا يجوز حبسه ؛ لئلّا يتعطّل شغل الغير.

والأقرب : الأوّل.

هذا فيما إذا لم يمكن الجمع بين الحبس واستيفاء المنافع ، أمّا لو لم يمتنع الجمع ، فإنّه يجوز حبسه قطعاً.

____________________

(١ و ٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١١٧ ، الوسيط ٤ : ١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧٥.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧٥.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠.

٧٩

البحث الرابع : في الاختصاص

مسألة ٣٢٦ : مَنْ أفلس وحجر عليه الحاكم وكان من جملة ماله عينٌ اشتراها من غيره ولم يُقبضه الثمن فوجدها بائعها ، كان بالخيار‌ بين أن يفسخ البيع ويأخذ عينه بالشرائط الآتية ، وبين الضرب مع الغرماء بالثمن - وبه قال في الصحابة : عليّعليه‌السلام وعثمان وأبو هريرة ، وفي التابعين : عروة ابن الزبير ، ومن الفقهاء : مالك والأوزاعي والشافعي والعنبري وأحمد وإسحاق(١) - لما رواه العامّة عن أبي هريرة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « إذا أفلس الرجل ووجد البائع سلعته بعينها فهو أحقّ بها من الغرماء »(٢) .

وعن ابن خلدة الزرقي(٣) قاضي المدينة قال : أتينا أبا هريرة في صاحبٍ لنا أفلس ، فقال أبو هريرة : هذا الذي قضى فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أيّما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحقّ بمتاعه إذا وجده بعينه »(٤) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه عمر بن يزيد - في الصحيح - عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل يركبه الدَّيْن فيوجد متاع رجل عنده‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٤٩٣ - ٤٩٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٣.

(٢) صحيح مسلم ٣ : ١١٩٤ / ٢٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٩٠ / ٢٣٥٨ ، سنن البيهقي ٦ : ٤٦ بتفاوت.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « أبي حلوة الفروفي ». وفي « ث ، ج » : « البروقي ». وفي « ر » : « حلوة البروقي ». وكلّها خطأ ، والصحيح ما أثبتناه كما في المصادر. واسمه : عمر بن خلدة ، كما في المستدرك - للحاكم - ٢ : ٥٠ ، وتهذيب التهذيب ٧ : ٣٨٨ / ٧٢٩.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٩٠ / ٢٣٦٠ ، سنن الدار قطني ٣ : ٢٩ / ١٠٧ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٥٠ - ٥١.

٨٠

بعينه ، قال : « لا يحاصّه الغرماء »(١) .

ولأنّ هذا العقد يلحقه الفسخ بتعذّر العوض ، فكان له الفسخ ، كما لو تعذّر المـُسْلَم فيه. ولأنّه لو شرط في البيع رهناً فعجز عن تسليمه ، استحقّ البائع الفسخ وهو وثيقة بالثمن ، فالعجز عن تسليم الثمن إذا تعذّر أولى.

وقال أبو حنيفة : ليس للحاكم أن يحجر عليه ، وليس للبائع الرجوع في عينه ، بل يكون أُسوة الغرماء ؛ لتساويهم في سبب الاستحقاق ، فيتساوون في الاستحقاق. ولأنّ البائع كان له حقُّ الإمساك لقبض الثمن فلمّا سلّمه قبل قبضه فقد أسقط حقّه من الإمساك ، فلم يكن له أن يرجع في ذلك بالإفلاس ، كالمرتهن(٢) .

والبائع وإن ساوى الغرماء في السبب لكن اختلفوا في الشرط ، فإنّ بقاء العين شرط لملك(٣) الفسخ ، وهو موجود في حقّ مَنْ وجد متاعه دون مَنْ لم يجده.

والفرقُ : أنّ الرهن مجرّد الإمساك على سبيل الوثيقة وليس ببدلٍ ، وهنا(٤) هو(٥) بدل عنها(٦) ، فإذا تعذّر استيفاؤه ، رجع إلى المـُبدل(٧) .

قال أحمد : لو أنّ حاكماً حكم أنّه(٨) أُسوة الغرماء ثمّ رفع(٩) إلى‌

____________________

(١) التهذيب ٦ : ١٩٣ / ٤٢٠ ، الاستبصار ٣ : ٨ / ١٩.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٨٥ و ٢٨٧ ، المغني ٤ : ٤٩٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٣.

(٣) في « ث ، ر » والطبعة الحجريّة : « تملّك » بدل « لملك ».

(٤) في « ث ، ج » والطبعة الحجريّة : « رهنا ». والصحيح ما أثبتناه.

(٥) هو ، أي الثمن.

(٦) أي : عن العين.

(٧) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « في البدل » بدل « إلى المبدل ». والظاهر ما أثبتناه.

(٨) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « له » بدل « أنّه ». والصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.

(٩) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « رجع » بدل « رفع ». وما أثبتناه كما في المصدر.

٨١

حاكمٍ يرى العمل بالحديث(١) ، جاز له نقض حكمه(٢) .

إذا عرفت هذا ، فلو مات المفلس قبل القسمة ، فإن كان في التركة وفاء للديون ، اختصّ صاحب العين بماله ، وإلّا كان أُسوةَ الغرماء ؛ لما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « أيّما رجل باع متاعاً فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض البائع من ثمنه شيئاً فوجده بعينه فهو أحقّ به ، وإن مات فهو أُسوة الغرماء »(٣) وغالب الإفلاس إنّما يكون مع قصور المال عن الديون على ما سلف(٤) .

ومن طريق الخاصّة : رواية أبي ولّاد عن الصادقعليه‌السلام ، وقد سلفت(٥) .

ومالكُ لم يفصّل ، بل أطلق القول بأنّ الغريم لا يختصّ بعين ماله في صورة الميّت ، بل يشارك الغرماء ؛ لما تقدّم(٦) من الرواية.

وقد بيّنّا أنّ الإفلاس إنّما يكون مع القصور.

ولأنّه إذا مات انتقل الملك إلى الورثة فمَنَع ذلك الرجوعَ ، كما لو باعه المشتري ثمّ أفلس(٧) .

وهو ممنوع ؛ لأنّ الوارث يقوم مقام المورّث ، ولهذا تتعلّق به ديونه ،

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بالرجوع » بدل « بالحديث ». وما أثبتناه كما في المصدر. والمراد بالحديث حديث ابن خلدة الزرقي ، المتقدّم في ص ٧٩.

(٢) المغني ٤ : ٤٩٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٤.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٨ ، الهامش (٣)

(٤) في ص (٦)

(٥) في ص ٨.

(٦) آنفاً.

(٧) راجع : الهامش (١) من ص ٨ ، المسألة ٢٥٩.

٨٢

بخلاف ما لو باعه.

مسألة ٣٢٧ : وهذا الخيار يثبت للبائع والمـُقرض والواهب بشرط الثواب‌. وبالجملة ، كلّ معاوضة ، سواء وجد غير هذه العين ، أو لم يوجد سواها ؛ للعموم(١) .

والأقرب : أنّ هذا الخيار على الفور - وهو أحد قولي الشافعي ، وإحدى الروايتين عن أحمد(٢) - لأنّ الأصل عدم الخيار ، فيكون الأصل عدم بقائه لو وُجد. ولأنّه خيار يثبت في البيع لنَقْصٍ في العوض ، فكان على الفور ، كالردّ بالعيب والخلف(٣) والشفعة. ولأنّ القول بالتراخي يؤدّي إلى الإضرار بالغرماء من حيث إنّه يؤدّي إلى تأخير حقوقهم.

والثاني : أنّه على التراخي ؛ لأنّه حقّ رجوع لا يسقط إلى عوض ، فكان على التراخي ، كالرجوع في الهبة(٤) .

وما قلناه أشبه من خيار الهبة.

فعلى ما اخترناه من الفوريّة لو علم بالحجر ولم يفسخ ، بطل حقّه من الرجوع.

وقال بعض الشافعيّة : يتأقّت بثلاثة أيّام ، كما هو أحد أقوال الشافعي في خيار المعتقة تحت الرقيق وفي الشفعة(٥) .

____________________

(١) راجع : الهامش (٤) من ص ٧٩.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٩ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٧٠ ، حلية العلماء ٤ : ٤٩٦ ، الوسيط ٤ : ٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٣ ، منهاج الطالبين : ١٢٢ ، المغني ٤ : ٤٩٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٤.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الحلب » بدل « الخلف ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) نفس المصادر في الهامش (٢)

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٣.

٨٣

مسألة ٣٢٨ : لا يفتقر هذا الخيار إلى إذن الحاكم‌ ، بل يستبدّ به الفاسخ من غير الحاجة إلى حكم الحاكم ؛ لأنّه ثابت بالسنّة الصحيحة ، فصار كخيار المرأة فسخَ النكاح ، والعتق.

ولوضوح الحديث ذهب بعض الشافعيّة إلى أنّه لو حكم حاكمٌ بالمنع من الفسخ ، نقض حكمه(١) .

وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : أنّه يفتقر إلى حكم الحاكم وإذنه ؛ لأنّه فسخٌ مختلفٌ فيه ، كالفسخ بالإعسار(٢) .

مسألة ٣٢٩ : الفسخ قد يحصل بالقول ، كما ينعقد البيع به. وصيغة الفسخ : فسخت البيع ، ونقضته ، ورفعته.

ولو اقتصر على قوله : رددت الثمن ، أو : فسخت البيع ، فيه إشكال أقربه : الاكتفاء به ، وهو أصحّ قولي الشافعي.

والثاني : لا يكتفى بذلك ؛ لأنّ حقّ الفسخ أن يضاف إلى العقد المرسل ، ثمّ إذا انفسخ العقد ، ثبت مقتضاه(٣) .

وقد يحصل بالفعل ، كما لو باع صاحب السلعة سلعتَه ، أو وهبها ، أو دفعها.

وبالجملة ، إذا تصرّف فيها تصرّفاً يدلّ على الفسخ ، كوطئ الجارية المبيعة ، على الأقوى ؛ صوناً للمسلم عن فاسد التصرّفات ، وتكون هذه التصرّفات تدلّ على حكمين : الفسخ ، والعقد ، وهو أحد قولي الشافعي.

والأصحّ عنده : أنّه لا يحصل الفسخ بها ، وتلغو هذه التصرّفات(٤) .

____________________

(١ و ٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٨٥ ، حلية العلماء ٤ : ٤٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٣.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٩ - ٣٣٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٨٦ ، الحاوي =

٨٤

واعلم أنّ حقّ الرجوع للبائع لا يثبت على الإطلاق بالإجماع ، بل هو مشروط بأُمور يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى.

ولا يختصّ الرجوع بالبيع على ما تقدّم(١) ، بل يثبت في غيره من المعاوضات ، وإنّما يظهر الغرض بالنظر في أُمور ثلاثة : العوض المتعذّر تحصيله ، والعرض(٢) المسترجع ، والمعاوضة التي بها انتقل الملك إلى المفلس.

النظر الأوّل : في العوض

يشترط في العوض أمران : الحلول ، وتعذّر استيفائه بسبب الإفلاس ، فلو كان الثمن مؤجَّلاً ، لم يكن له الرجوع ؛ لأنّه لا مطالبة له في الحال ، فكيف يفسخ البيع اللازم بغير موجب!؟ وإلّا لحلّ الأجل بالفلس على ما تقدّم(٣) .

ولو حلّ الأجل قبل انفكاك الحجر ، فالأقرب : أنّه لا يشارك صاحبه الغرماء ؛ لسبق تعلّق حقّهم بالأعيان ، بخلاف ما لو ظهر دَيْنٌ حالّ سابق ، فإنّه يشارك الغرماء ، فعلى هذا ليس لصاحب الدَّيْن الذي قد حلّ الرجوعُ في عين ماله ، سواء كان الحاكم قد دفعها في بعض الديون أو لا.

مسألة ٣٣٠ : لو كانت أمواله وافيةً بالديون ، لم يجز الحجر عندنا ،

____________________

= الكبير ٦ : ٢٧٠ ، حلية العلماء ٤ : ٤٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٣.

(١) في ص ٨٢ ، المسألة ٣٢٧.

(٢) أي المعوّض.

(٣) في ص ١٦ ، المسألة ٢٦٣.

٨٥

وهو الظاهر من مذهب الشافعي(١) .

وله قولٌ آخَر : إنّه يجوز الحجر عليه(٢) .

فعلى تقدير جواز الحجر لو حجر ، فهل لصاحب العين الرجوع في عينه؟ للشافعي وجهان :

أحدهما : أنّه لا يرجع ؛ لأنّه يصل إلى الثمن.

والثاني : أنّه يرجع ؛ لأنّه لو لم يرجع لما أمن أن يظهر غريمٌ آخَر فيزاحمه فيما أخذه(٣) .

وهذان الوجهان عندنا ساقطان ؛ لأنّهما فرع الحجر وقد منعناه.

مسألة ٣٣١ : لو ترك الغرماء لصاحب السلعة الثمن ليتركها ، قال الشيخرحمه‌الله : لم يلزمه القبول‌ ، وكان له أخذ عينه(٤) - وبه قال الشافعي وأحمد(٥) - لما فيه من تحمّل المنّة ، ولعموم الخبر(٦) ، ولأنّه ربما يظهر غريمٌ آخَر فيزاحمه فيما أخذ.

وللشافعيّة فيه وجهٌ آخَر : أنّه لا يبقى له الرجوع في العين ، تخريجاً‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٨٥ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٦٥ ، حلية العلماء ٤ : ٤٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧ - ٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٥.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٨٥ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٦٥ ، حلية العلماء ٤ : ٤٨٨ - ٤٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧ - ٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٥.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٢٦٥ - ٢٦٦ ، حلية العلماء ٤ : ٤٨٩ - ٤٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٤.

(٤) الخلاف ٣ : ٢٦٥ ، المسألة (٤)

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٤ ، المغني ٤ : ٤٩٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٥.

(٦) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٦ - ٢٨٧ / ٣٥٢٠ و ٣٥٢٢.

٨٦

ممّا إذا حجر عليه الحاكم وفي ماله وفاء(١) .

وقال مالك : ليس له الرجوع في العين ؛ لأنّ ذلك إنّما جُعل له لما يلحقه من النقص في الثمن ، فإذا بذل له ، لم يكن له الرجوع ، كما إذا زال العيب من المبيع ، لم يكن له ردّه(٢) .

ويمكن أن نقول : إن كان المدفوع من مال المفلس ، لم يجب القبول ؛ لإمكان تجدّد غريمٍ آخَر ، فلا يأمن من مزاحمته ، فكان له الرجوعُ في العين.

وإن كان من مال الغرماء أو تبرّع به أجنبيٌّ ، فإنّه لا يجب عليه الإجابة أيضاً ؛ لأنّه تبرّع بدفع الحقّ غير مَنْ هو عليه ، فلم يُجبر صاحب الحقّ على قبضه ، كما لو أعسر الزوج بالنفقة فبذل غيره النفقة ، أو عجز المكاتب فبذل عنه متبرّعٌ ما عليه لسيّده.

والوجه أن نقول : إذا دفع الغرماء من خالص أموالهم ثمن السلعة وكان في السلعة زيادة بأن غلا سعرها أو كثر الراغبون إليها ويرجى لها صعود سعرٍ ، كان على صاحب السلعة أخذ ما بذله الغرماء ؛ لما فيه من انتفاعهم بالسلعة ، بخلاف التبرّع عن الزوج والمكاتب ؛ إذ لا حقّ لهم في المعوّض ، والغرماء لهم حقٌّ في المعوّض ، فكان لهم ذلك ؛ لما في منعهم من الإضرار بالمفلس ، وهو منفيّ.

مسألة ٣٣٢ : إذا أوجبنا عليه أخذ ما بذله الغرماء من مالهم(٣) ، أو أجابهم إليه تبرّعاً منه ثمّ ظهر غريمٌ آخَر‌ ، لم يشارك صاحب السلعة فيما‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١.

(٢) المدوّنة الكبرى ٥ : ٢٣٧ ، الذخيرة ٨ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١ ، المغني ٤ : ٤٩٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٥.

(٣) في « ج » : « أموالهم ».

٨٧

أخذه منهم ، أمّا لو كان المدفوع من مال المفلس وخصّوه ثمّ ظهر غريمٌ آخَر ، شاركه فيما أخذه.

ولو دفع الغرماء الثمن إلى المفلس من مالهم فبذله للبائع ، لم يكن له الفسخُ ؛ لأنّه زال العجز عن تسليم الثمن فزال ملك الفسخ ، كما لو أسقط سائر الغرماء حقوقهم عنه ، ملك الثمن.

ولو أسقط الغرماء حقّهم عنه فتمكّن من الأداء ، أو وُهب له مالٌ فأمكنه الأداء منه ، أو غلت أعيان أمواله فصارت قيمتها وافيةً بحقوق الغرماء بحيث يمكن أداء الثمن كلّه ، لم يكن للبائع الفسخُ ؛ لزوال سببه ، ولأنّه أمكنه الوصول إلى ثمن سلعته من المشتري ، فلم يكن له الفسخ ، كما لو لم يفلس.

ولو دفع الغرماء إلى المفلس من عين ماله قدر الثمن ليدفعه إلى البائع ، لم يجب على البائع القبول حذراً من ظهور آخَر.

مسألة ٣٣٣ : لو مات المشتري المفلس ، لم يزل الحجر عن المال ، بل يتأكّد‌ ، فإنّه لو مات غير محجور عليه ، حُجر عليه ، فلو قال وارثه للبائع والسلعة باقية : لا ترجع حتى أُقدّمك على الغرماء ، لم يلزمه القبول أيضاً ؛ لما ذكرناه من محظور ظهور غريمٍ آخَر.

ولو قال : أُؤدّي الثمن من مالي ، فالوجه : أنّ عليه القبول ، ولم يكن له الفسخ ؛ لأنّ الوارث خليفة المورّث ، فله تخليص المبيع ، وكما أنّ المديون لو دفع الثمن إلى [ البائع ](١) ، لم يكن له الفسخ ، كذا وارثه.

هذا على تقدير أن يكون المديون قد خلّف وفاءً ، أمّا إذا لم يخلّف‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « المشتري ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

٨٨

وفاءً ، فإنّه لا اختصاص له بالعين على ما بيّنّاه.

مسألة ٣٣٤ : لو امتنع المشتري من تسليم الثمن مع يساره ، أو هرب أو مات وهو مليٌّ‌ فامتنع الوارث من دفع الثمن ، فإن كان الثمن حالّاً ولم تُسلّم السلعة إلى المشتري ، فإنّه يتخيّر البائع بعد ثلاثة أيّام في الفسخ والصبر عندنا خاصّةً.

ولو كان البائع قد سلّم السلعة إلى المشتري ، لم يكن له الفسخ وإن تعذّر عليه ثبوته(١) أو مطله أو شبه ذلك - وهو أصحّ وجهي الشافعي(٢) - لأنّه لم يوجد عيب الإفلاس ، ويمكن التوصّل إلى الاستيفاء بالسلطان ، فإن فُرض عجْزٌ ، كان نادراً لا عبرة به.

والثاني : أنّ له الفسخ ؛ لتعذّر الوصول إلى الثمن(٣) .

مسألة ٣٣٥ : لو باع السلعة وضمن المشتري ضامنٌ بالثمن‌ ، فإن كان البائع قد رضي بضمانه ، انتقل حقّه عن المشتري إلى الضامن ؛ لأنّ الضمان عندنا ناقل وقد رضي بانتقال المال من ذمّة المشتري إلى ذمّة الضامن ، فبرئت ذمّة المشتري ، ولم يكن للبائع الرجوعُ في العين ، سواء تعذّر عليه الاستيفاء من الضامن أو لا.

ولو لم يرض البائع بضمانه ، لم يكن بذلك الضمان اعتبارٌ.

إذا عرفت هذا ، فإنّه لا اعتبار لإذن المشتري في الضمان عندنا ، بل متى ضمن ورضي البائع صحّ الضمان ، سواء ضمن بإذن المشتري أو تبرّع بالضمان عنه.

____________________

(١) أي : ثبوت التسليم. والظاهر : « إثباته ».

(٢ و ٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١ - ٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٤.

٨٩

وقال الشافعي : إن ضمن بإذن المشتري ، فلا رجوع للبائع في العين ؛ لأنّه ليس بمتبرّعٍ على المشتري ، والوصول من يده كالوصول من يد المشتري. وإن ضمن بغير إذنه ، فوجهان :

أحدهما : أنّه يرجع ، كما لو تبرّع متبرّعٌ بالثمن.

والثاني : أنّه لا يرجع ؛ لأنّ الحقّ قد تقرّر في ذمّته ، وتوجّهت المطالبة عليه ، بخلاف المتبرّع(١) .

تذنيب : لو أُعير [ من ](٢) المشتري ما يرهنه بالثمن ، صحّ‌ ، ولم يكن له الرجوعُ في العين ؛ لإمكان إيفائه من الدَّيْن بالرهن.

وللشافعي الخلافُ السابق في الضمان(٣) .

مسألة ٣٣٦ : لو انقطع جنس الثمن ، فإن جوّزنا الاعتياضَ عنه إذا كان في الذمّة والاستبدالَ ، فلا تعذّر في استيفاء عوضٍ عنه ، ولم يكن للبائع فسخ البيع.

وإن منعنا من الاعتياض ، فهو كانقطاع المـُسْلَم فيه ، والمـُسْلَم فيه إذا انقطع ، كان أثره ثبوت حقّ الفسخ - وهو أصحّ قولي الشافعي. وفي الثاني : الانفساخ ، وهو أضعف قوليه(٤) - فكذا هنا.

النظر الثاني : في المعاوضة.

يُعتبر في المعاوضة - التي يملك فيها المفلس - شرطان : سَبْقُ المعاوضة على الحَجْر ، وكونها محضَ معاوضةٍ ، فلو باع من المفلس شيئاً بعد الحجر عليه ، فالأقرب : الصحّة على ما تقدّم(٥) .

____________________

(١ و ٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٥.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٥) في ص ٢٧ ، المسألة ٢٧٣.

٩٠

وهل يثبت له حقّ الفسخ والرجوع في العين؟ خلافٌ سبق(١) . فإن قلنا : لا رجوع ، تحقّق شرط سَبْق المعاوضة على الحجر ، وإلّا فلا.

ولو آجر الإنسان دارَه وسلّمها إلى المستأجر وقبض الأُجرة ثمّ أفلس وحُجر عليه ، فالإجارة مستمرّة بحالها لا سبيل للغرماء عليها ، كالرهن يختصّ به المرتهن.

فإن انهدمت الدار في أثناء المدّة وفُسخت الإجارة فيما بقي منها ، ضارَب المستأجر مع الغرماء بحصّة ما بقي منها إن كان الانهدام قبل قسمة المال بينهم.

وإن كان بعد القسمة ، فالأقوى : أنّه يضارب أيضاً - وهو أصحّ وجهي الشافعي(٢) - لأنّه دَيْنٌ أُسند إلى عقدٍ سابق على الحجر ، وهو الإجارة ، فصار كما لو انهدمت(٣) قبل القسمة.

وفي الآخَر : أنّه لا يضارب ؛ لأنّه دَيْنٌ حدث بعد القسمة ، فصار كما لو استقرض(٤) .

ويضعَّف بأنّ السبب متقدّم ، فيكون مسبَّبه كالمتقدّم.

مسألة ٣٣٧ : لو باعه جاريةً بعبدٍ وتقابضا ثمّ أفلس مشتري الجارية‌ وحُجر عليه وهلكت الجارية في يده ثمّ وجد بائعها بالعبد عيباً فردّه ، فله طلب قيمة الجارية قطعاً.

والأقرب في الطلب : أنّه يضارب كسائر أرباب الديون ، وهو أصحّ‌

____________________

(١) في ص ٣٣ ، ضمن المسألة ٢٨٠.

(٢ و ٤) الحاوي الكبير ٦ : ٣١٠ ، حلية العلماء ٤ : ٥١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٠.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « انهدم ». والظاهر ما أثبتناه.

٩١

وجهي الشافعيّة.

والثاني : أنّه يقدّم على سائر الغرماء بقيمتها ؛ لأنّه أدخل في مقابلتها عبداً في مال المفلس(١) .

وهذان الوجهان يخالفان الوجهين في رجوع مَنْ باع منه بعد الحجر عليه(٢) شيئاً بالثمن إذا قلنا : لا يتعلّق بعين متاعه ، فإنّا في وجهٍ نقول : يضارب. وفي وجهٍ نقول : يصبر إلى أن يستوفي الغرماء حقوقهم ، ولا نقول بالتقدّم بحال.

والفرق : أنّ الدَّيْن هناك حادث بعد الحجر ، وهنا مستند إلى سببٍ سابق على الحجر ، فإذا انضمّ إليه إدخال شي‌ء في ملك المفلس ، أثّر في التقديم على أحد القولين(٣) .

مسألة ٣٣٨ : قد بيّنّا اشتراط التمحّض للمعاوضة فيها‌ ، فلا يثبت الفسخ في النكاح والخلع والصلح بتعذّر استيفاء العوض ، وهو ظاهر على معنى أنّ المرأة لا تفسخ النكاح بتعذّر استيفاء الصداق ، ولا الزوج الخلعَ ولا العافي عن القصاص الصلحَ بتعذّر استيفاء العوض.

وللشافعي قولٌ بتسلّط المرأة على الفسخ بتعذّر استيفاء الصداق(٤) وسيأتي إن شاء الله تعالى.

وكذا ليس للزوج فسخُ النكاح إذا لم تسلّم المرأة نفسَها ، وتعذّر الوصول إليها.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٠.

(٢) كلمة « عليه » من « ث ، ج ، ر ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٠.

(٤) الأُم ٥ : ٩١ ، مختصر المزني : ٢٣٢ ، الحاوي الكبير ١١ : ٤٦١ ، التهذيب - للبغوي - ٦ : ٣٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ١٠ : ٥٣ ، روضة الطالبين ٦ : ٤٨٣.

٩٢

أمّا إذا انفسخ النكاح من جهتها فسقط صداقها ، أو طلّقها قبل الدخول فسقط نصفه وبقي نصفه فاستحقّ الزوج الرجوعَ بما دفعه أو بنصفه فأقلّ وعين الصداق موجودة ، فهو أحقّ بعين ماله ؛ لقولهعليه‌السلام : « مَنْ أدرك متاعه بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحقّ به »(١) .

مسألة ٣٣٩ : إذا أفلس المـُسْلَم إليه قبل توفية مال السَّلَم ، فأقسامه ثلاثة :

أ : أن يكون رأس المال باقياً بحاله‌ ، فللمُسْلِم فسخُ العقد والرجوع إلى رأس ماله ، كما في البائع. وإن أراد أن يضارب مع الغرماء بالمـُسْلَم فيه ولا يفسخ ، أُجيب إليه.

ب : أن يكون بعض رأس المال باقياً وبعضه تالفاً‌ ، وحكمه حكم ما لو تلف بعض المبيع دون بعضٍ ، وسيأتي.

ج : أن يكون رأس المال تالفاً‌ ، فالأقرب أنّه لا ينفسخ السَّلَم بمجرّد ذلك ، كما لو أفلس المشتري بالثمن والمبيع تالف ، بخلاف الانقطاع ؛ فإنّه هناك إذا فسخ ، رجع إلى رأس المال بتمامه، وهنا إذا فسخ ، لم يكن له [ إلّا ](٢) المضاربة برأس المال. ولو لم يفسخ ، لضارَب بالمـُسْلَم فيه ، وهذا [ أنفع ؛ إذ الغالب ](٣) زيادة قيمة المـُسْلَم فيه على رأس المال ، فحينئذٍ‌

____________________

(١) ورد نصّه في المغني ٤ : ٤٩٧ ، والشرح الكبير ٤ : ٥٠٧ ، وبتفاوت يسير في صحيح البخاري ٣ : ١٥٥ - ١٥٦ ، وصحيح مسلم ٣ : ١١٩٣ / ١٥٥٩ ، وسنن البيهقي ٦ : ٤٥.

(٢) الزيادة يقتضيها السياق ، وكما هي مقتضى قول المصنّفقدس‌سره في قواعد الأحكام ٢ : ١٤٨.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يقع إذا تعالت ». وهي تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه.

٩٣

[ يُقوَّم ](١) المـُسْلَم فيه ، ويضارب المُسْلِم بقيمته مع الغرماء ، فإذا عُرفت حصّته ، نُظر إن كان في المال من جنس الـمُسْلَم فيه ، أخذ منه بقدر نصيبه ، وإن لم يكن ، اشتري له من جنس حقّه ، ويبقى له الباقي في ذمّة المفلس ، وليس له أن يأخذ القيمة إذا لم يكن من جنس الحقّ ؛ لأنّه يأخذ بدل المـُسْلَم فيه. وهو(٢) أصحّ وجهي الشافعيّة.

والثاني : أنّ للمُسْلِم فسخَ العقد والمضاربة(٣) مع الغرماء برأس المال ؛ لأنّه تعذّر عليه الوصول إلى تمام حقّه ، فليمكَّن من فسخ السَّلَم ، كما لو انقطع جنس المـُسْلَم فيه(٤) .

وليس عندي بعيداً من الصواب.

وعلى هذا فهل يجي‌ء قول بانفساخ السَّلَم كما لو انقطع جنس المُسْلَم فيه؟

قال بعض الشافعيّة : نعم ، إتماماً للتشبيه(٥) .

وقال بعضهم : لا ؛ لإمكان حصوله باستقراضٍ وغيره ، بخلاف الانقطاع(٦) .

وإذا كان رأس المال تالفاً وانقطع جنس الـمُسْلَم فيه ، فالأقوى أنّه‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يقدم ». وهي تصحيف ، والمثبت هو الصحيح.

(٢) في « ر » والطبعة الحجريّة : « وهذا ».

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « المعاوضة » بدل « المضاربة ». وما أثبتناه من المصادر.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٠٨ ، حلية العلماء ٤ : ٥١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٦.

(٥ و ٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٦.

٩٤

يثبت له حقّ الفسخ ؛ لأنّ سببه ثابت ، وهو الانقطاع ، فإنّه سبب للفسخ في حقّ غير المحجور عليه ففي حقّه أولى ، ولأنّ ما يثبت في حقّ غير المحجور عليه يثبت في حقّ المحجور عليه كالردّ بالعيب.

وله فائدة هنا ؛ فإنّ ما يخصّه لو فسخ ، لصُرف إليه في الحال عن جهة رأس المال ، وما يخصّه لو لم يفسخ ، لم يُصرف إليه ، بل يُوقف إلى أن يعود المُسْلَم فيه فيشتري به.

مسألة ٣٤٠ : لو قُوِّم الـمُسْلَم فيه فكانت قيمته - مثلاً - عشرين ، فأفرزنا(١) من المال للمُسْلِم(٢) عشرةً ؛ لكون الديون ضِعْف المال ، ثمّ رخص السعر قبل الشراء فكانت العشرة تفي بثمن جميع الـمُسْلَم فيه ، فالأقرب : أنّه يشترى به جميع حقّه ويسلّم إليه ؛ لأنّ الاعتبار إنّما هو بيوم(٣) القسمة.

والموقوف وإن لم يملكه المُسْلِم لكنّه صار كالمرهون بحقّه وانقطع حقّه عن غيره من الحصص حتى لو تلف قبل التسليم إليه لم يتعلّق بشي‌ء ممّا عند الغرماء ، فكان حقّه في ذمّة المفلس.

ولا خلاف في أنّه لو فضل الموقوف عن جميع حقّ الـمُسْلِم ، كان الفاضل للغرماء ، وليس له أن يقول : الزائد قد زاد لي ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : أنّا نردّ الموقوف إلى ما يخصّه باعتبار قيمة الأجزاء فتُصرف إليه خمسة ، والخمسة الباقية تُوزّع عليه وعلى باقي الغرماء ؛ لأنّ الموقوف لم يدخل في ملك الـمُسْلِم ، بل هو باقٍ على ملك المفلس ، وحقّ الـمُسْلِم‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة إضافة « له » وحذفناها لزيادتها.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « المسلم ». والمثبت هو الصحيح.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يوم ». والمثبت هو الصحيح.

٩٥

في الحنطة(١) ، لا في ذلك الموقوف ، فإذا صارت القيمة عشرةً ، فليس دَيْنه إلّا ذلك(٢) .

ولا استبعاد فيه.

ولو غلا السعر وكُنّا قد أوقفنا العشرة ولم يوجد القدر الذي أسلم فيه إلّا بأربعين ، فعلى الأوّل لا يزاحمهم ، وليس له إلّا ما وقف له ، وهو العشرة يشتري له بها ربع حقّه ، ويبقى الباقي في ذمّة المفلس. وعلى الوجه [ الثاني ](٣) ظهر أنّ الدَّيْن أربعون ، فيسترجع من سائر الحصص ما تتمّ به حصّة الأربعين.

مسألة ٣٤١ : إذا ضرب الغرماء على قدر رؤوس أموالهم وأخذ الـمُسْلِم ممّا خصّه قدراً من الـمُسْلَم فيه‌ وارتفع الحَجْر عنه ثمّ حدث له مالٌ وأُعيد الحَجْر واحتاجوا إلى الضرب ثانياً ، قوّمنا الـمُسْلَم فيه ، فإن اتّفقت قيمته الآن والقيمة السابقة ، فذاك ، وإلّا فالتوزيع الآن يقع باعتبار القيمة الزائدة.

وإن نقصت ، فالاعتبار بالقيمة الثانية أو بالأقلّ؟ الأقرب : الأوّل ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٤) .

ولو كان الـمُسْلَم فيه ثوباً أو عبداً ، فحصّة الـمُسْلِم يشترى به شقصٌ منه ، للضرورة ، فإن لم يوجد ، فللمُسْلِم الفسخُ.

مسألة ٣٤٢ : الإجارة نوعان :

الأوّل : ما تتعلّق بالأعيان‌ ، كالأرض المعيّنة للزرع ، والدار للسكنى ،

____________________

(١) ذكر الحنطة من باب المثال ، حيث لم يسبق لها ذكر.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٦.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الأوّل ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٧.

٩٦

والعبد للخدمة ، والدابّة للحمل.

ثمّ في كلّ واحدٍ من القسمين(١) إمّا أن يفلس المستأجر أو المؤجر.

فلو استأجر(٢) أرضاً أو دابّةً ثمّ أفلس قبل تسليم الأُجرة وقبل مضيّ شي‌ء من المدّة ، كان للمؤجر فسخ الإجارة ، تنزيلاً للمنافع في الإجارة منزلة الأعيان في البيع ، وهو المشهور عند الشافعيّة(٣) .

وحكى الجويني قولاً آخَر للشافعي : إنّه لا يثبت الرجوع بالمنافع ، ولا تُنزّل منزلة الأعيان القائمة ؛ إذ ليس لها وجود مستقرّ(٤) .

إذا عرفت هذا ، فنقول : للمؤجر الخيار في فسخ الإجارة والرجوع بالعين والمنافع ، وفي إمضاء الإجارة والضرب مع الغرماء بالأُجرة.

فإن كانت العين المستأجرة فارغةً ، آجرها الحاكم على المفلس ، وصرف الأُجرة إلى الغرماء.

ولو كان التفليس بعد مضيّ بعض المدّة ، فللمؤجر فسخ الإجارة في المدّة الباقية ، والمضاربة مع الغرماء بقسط المدّة الماضية من الأُجرة المسمّاة ، بناءً على أنّه إذا باع عبدين فتلف أحدهما ثمّ أفلس ، يفسخ البيع في الباقي ، ويضارب بثمن التالف ، وبه قال الشافعي(٥) ، خلافاً لأحمد حيث يذهب أنّه إذا تلف بعض المبيع ، لم يكن للبائع الرجوعُ في البعض الباقي ، كذا هنا إذا مضى بعض المدّة ، كان بمنزلة تلف بعض المبيع(٦) .

____________________

(١) كذا ، والظاهر : « من النوعين ».

(٢) من هنا شرع المصنّفقدس‌سره فيما يتعلّق بالقسم الأوّل. ويأتي القسم الثاني في ص ١٠١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٧ ، المغني ٤ : ٤٩٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٦ - ٥٠٧.

(٦) المغني ٤ : ٤٩٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٦.

٩٧

ويُحتمل فسخ العقد في الجميع إذا مضى بعض المدّة ، ويضرب بقسط ما حمل من أُجرة المثل.

مسألة ٣٤٣ : لو أفلس مستأجر الدابّة وحُجر عليه في خلال الطريق ففسخ المؤجر ، لم يكن له طرح متاعه في البادية المهلكة‌ ، ولا في موضعٍ غير محترز ، بل يجب عليه نقله إلى مأمن بأُجرة المثل لذلك النقل من ذلك المكان ، ويقدّم به على الغرماء ؛ لأنّه لصيانة المال وحفظه وإيصاله إلى الغرماء ، فأشبه أُجرة الكيّال والحمّال وأُجرة المكان المحفوظ فيه ، فإذا وصل إلى المأمن ، وَضَعه عند الحاكم.

ولو وَضَعه على يد عَدْلٍ من غير إذن الحاكم ، فوجهان.

وكذا لو استأجر لحمل متاع فحمل بعضه.

فروع :

أ - لو كان المأمن في صوب المقصد ، وجب المضيّ إليه.

وهل للمؤجر تعجيل الفسخ في موضع العلم بالحجر ، أو يجب عليه الصبر إلى المأمن؟ الأقرب : الأوّل ؛ لأنّ الحجر سبب في تخييره بين الفسخ والإمضاء ، وقد وُجد السبب ، فيوجد المسبّب.

ويُحتمل الثاني ؛ لأنّه يجب عليه المضيّ إلى المأمن ، سواء فسخ أو لا ، فلا وجه لفسخه.

ب - تظهر الفائدة فيما لو كان الأجر(١) في نقله من موضع الحجر إلى موضع المأمن مخالفاً لما يقع له بعد التقسيط من المسمّى‌ ، فإن قلنا : له الفسخ ، ففسخ ، كان له أُجرة المثل إلى المأمن ، سواء زادت عن القسط من المسمّى أو نقصت أو ساوته. وإن قلنا : ليس له الفسخ ، فله القسط من‌

____________________

(١) في « ث » والطبعة الحجريّة : « الأُجرة ».

٩٨

المسمّى.

ج - لو قلنا : ليس له الفسخ ، أو قلنا : له الفسخ ، ولم يفسخ ، هل يقدّم بقسط النقل من موضع الحجر إلى المأمن من المسمّى؟ إشكال‌ ينشأ : من أنّه مستمرّ على الإجارة السابقة التي يجب الضرب بمسمّاها مع الغرماء ، فلم يقدّم على باقي الغرماء في هذا القسط ، كما لم يقدّم في القسط للنقل من مبدأ المسافة إلى موضع الحجر ، ومن أنّ له النقل من المخافة إلى المأمن بأُجرة مقدّمة ، فيجب تقديم هذا القسط من المسمّى.

د - لو كان النقل إلى المأمن إنّما هو في منتهى مسافة الإجارة ، وجب النقل إليه.

ويجي‌ء الاحتمالان في أنّ المؤجر هل له الفسخ أم لا؟ لكن احتمال عدم الفسخ هنا أقوى منه في الأوّل.

ه- لو كان النقل إلى المأمن إنّما يحصل بأُجرة مساوية للنقل إلى المقصد أو أكثر ، فالأولى وجوب النقل إلى المقصد‌ ، وعدم تخييره في الفسخ ، بل يجب عليه إمضاء العقد.

وهل يقدّم بالقسط للنقل من موضع الحجر إلى المقصد من المسمّى أم لا؟ إشكال.

و - لو كان المأمن في صوب المقصد وصوب مبدأ المسافة على حدٍّ واحد‌ أو تعدّدت مواضع الأمن وتساوت قُرْباً وبُعْداً ، فإن كانت أُجرة الجميع واحدةً ، نُظر إلى المصلحة ، فإن تساوت ، كان له سلوك أيّها شاء ، لكنّ الأولى سلوك ما يلي المقصد ؛ لأنّه مستحقّ عليه في أصل العقد. وإن اختلفت الأُجرة ، سلك أقلّها أُجرةً.

وإن تفاوتت المصلحة ، فإن اتّفقت مصلحة المفلس والغرماء في‌

٩٩

شي‌ء واحد ، تعيّن المصير إليه. وإن اختلفت ، فالأولى تقديم مصلحة المفلس.

مسألة ٣٤٤ : لو فسخ المؤجر للأرض إجارتها ؛ لإفلاس المستأجر ، فإن كانت فارغةً ، أخذها ، فإن كان قد مضى من المدّة شي‌ء ، كان كما تقدّم(١) ، وينبغي أن يكون الماضي من الزمان له وَقْعٌ بحيث يقسط المسمّى عليه ، فيرجع في الباقي من المدّة بقسطه.

وإن كانت الأرض مشغولةً بالزرع ، فإن كان الزرع قد استُحصد ، فله المطالبة بالحصاد وتفريغه(٢) .

وإن لم يكن استُحصد ، فإن اتّفق الغرماء والمفلس على قطعه ، قُطع. وإن اتّفقوا على التبقية إلى الإدراك ، فلهم ذلك بشرط أن يقدّموا المؤجر بأُجرة المثل لبقيّة المدّة - محافظةً للزرع - على الغرماء.

وإن اختلفوا فأراد بعضُهم القطعَ وبعضُهم التبقيةَ ، فالأولى مراعاة ما فيه المصلحة حتى لو كانت الأُجرة تستوعب الحاصل وتزيد عليه ، قُطع ، وإلّا فلا ، وهو أحد قولي الشافعي.

وفي الآخَر يُنظر إن كانت له قيمة لو قُطع ، أُجيب مَنْ يريد القطع من المفلس والغرماء ؛ إذ ليس عليه تنمية ماله لهم ، ولا عليهم الصبر إلى أن ينمو.

ولا بأس به عندي.

فعلى هذا لو لم يأخذ المؤجر أُجرة المدّة الماضية ، فهو أحد الغرماء ، فله طلب القطع.

____________________

(١) في ص ٩٦ ، ضمن المسألة ٣٤٢.

(٢) كذا ، والظاهر : « تفريغها ». أي تفريغ الأرض.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510