تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

تذكرة الفقهاء11%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-435-3
الصفحات: 510

الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 510 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 418490 / تحميل: 5468
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٥-٣
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

بعينه ، قال : « لا يحاصّه الغرماء »(١) .

ولأنّ هذا العقد يلحقه الفسخ بتعذّر العوض ، فكان له الفسخ ، كما لو تعذّر المـُسْلَم فيه. ولأنّه لو شرط في البيع رهناً فعجز عن تسليمه ، استحقّ البائع الفسخ وهو وثيقة بالثمن ، فالعجز عن تسليم الثمن إذا تعذّر أولى.

وقال أبو حنيفة : ليس للحاكم أن يحجر عليه ، وليس للبائع الرجوع في عينه ، بل يكون أُسوة الغرماء ؛ لتساويهم في سبب الاستحقاق ، فيتساوون في الاستحقاق. ولأنّ البائع كان له حقُّ الإمساك لقبض الثمن فلمّا سلّمه قبل قبضه فقد أسقط حقّه من الإمساك ، فلم يكن له أن يرجع في ذلك بالإفلاس ، كالمرتهن(٢) .

والبائع وإن ساوى الغرماء في السبب لكن اختلفوا في الشرط ، فإنّ بقاء العين شرط لملك(٣) الفسخ ، وهو موجود في حقّ مَنْ وجد متاعه دون مَنْ لم يجده.

والفرقُ : أنّ الرهن مجرّد الإمساك على سبيل الوثيقة وليس ببدلٍ ، وهنا(٤) هو(٥) بدل عنها(٦) ، فإذا تعذّر استيفاؤه ، رجع إلى المـُبدل(٧) .

قال أحمد : لو أنّ حاكماً حكم أنّه(٨) أُسوة الغرماء ثمّ رفع(٩) إلى‌

____________________

(١) التهذيب ٦ : ١٩٣ / ٤٢٠ ، الاستبصار ٣ : ٨ / ١٩.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٨٥ و ٢٨٧ ، المغني ٤ : ٤٩٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٣.

(٣) في « ث ، ر » والطبعة الحجريّة : « تملّك » بدل « لملك ».

(٤) في « ث ، ج » والطبعة الحجريّة : « رهنا ». والصحيح ما أثبتناه.

(٥) هو ، أي الثمن.

(٦) أي : عن العين.

(٧) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « في البدل » بدل « إلى المبدل ». والظاهر ما أثبتناه.

(٨) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « له » بدل « أنّه ». والصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.

(٩) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « رجع » بدل « رفع ». وما أثبتناه كما في المصدر.

٨١

حاكمٍ يرى العمل بالحديث(١) ، جاز له نقض حكمه(٢) .

إذا عرفت هذا ، فلو مات المفلس قبل القسمة ، فإن كان في التركة وفاء للديون ، اختصّ صاحب العين بماله ، وإلّا كان أُسوةَ الغرماء ؛ لما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « أيّما رجل باع متاعاً فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض البائع من ثمنه شيئاً فوجده بعينه فهو أحقّ به ، وإن مات فهو أُسوة الغرماء »(٣) وغالب الإفلاس إنّما يكون مع قصور المال عن الديون على ما سلف(٤) .

ومن طريق الخاصّة : رواية أبي ولّاد عن الصادقعليه‌السلام ، وقد سلفت(٥) .

ومالكُ لم يفصّل ، بل أطلق القول بأنّ الغريم لا يختصّ بعين ماله في صورة الميّت ، بل يشارك الغرماء ؛ لما تقدّم(٦) من الرواية.

وقد بيّنّا أنّ الإفلاس إنّما يكون مع القصور.

ولأنّه إذا مات انتقل الملك إلى الورثة فمَنَع ذلك الرجوعَ ، كما لو باعه المشتري ثمّ أفلس(٧) .

وهو ممنوع ؛ لأنّ الوارث يقوم مقام المورّث ، ولهذا تتعلّق به ديونه ،

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بالرجوع » بدل « بالحديث ». وما أثبتناه كما في المصدر. والمراد بالحديث حديث ابن خلدة الزرقي ، المتقدّم في ص ٧٩.

(٢) المغني ٤ : ٤٩٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٤.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٨ ، الهامش (٣)

(٤) في ص (٦)

(٥) في ص ٨.

(٦) آنفاً.

(٧) راجع : الهامش (١) من ص ٨ ، المسألة ٢٥٩.

٨٢

بخلاف ما لو باعه.

مسألة ٣٢٧ : وهذا الخيار يثبت للبائع والمـُقرض والواهب بشرط الثواب‌. وبالجملة ، كلّ معاوضة ، سواء وجد غير هذه العين ، أو لم يوجد سواها ؛ للعموم(١) .

والأقرب : أنّ هذا الخيار على الفور - وهو أحد قولي الشافعي ، وإحدى الروايتين عن أحمد(٢) - لأنّ الأصل عدم الخيار ، فيكون الأصل عدم بقائه لو وُجد. ولأنّه خيار يثبت في البيع لنَقْصٍ في العوض ، فكان على الفور ، كالردّ بالعيب والخلف(٣) والشفعة. ولأنّ القول بالتراخي يؤدّي إلى الإضرار بالغرماء من حيث إنّه يؤدّي إلى تأخير حقوقهم.

والثاني : أنّه على التراخي ؛ لأنّه حقّ رجوع لا يسقط إلى عوض ، فكان على التراخي ، كالرجوع في الهبة(٤) .

وما قلناه أشبه من خيار الهبة.

فعلى ما اخترناه من الفوريّة لو علم بالحجر ولم يفسخ ، بطل حقّه من الرجوع.

وقال بعض الشافعيّة : يتأقّت بثلاثة أيّام ، كما هو أحد أقوال الشافعي في خيار المعتقة تحت الرقيق وفي الشفعة(٥) .

____________________

(١) راجع : الهامش (٤) من ص ٧٩.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٩ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٧٠ ، حلية العلماء ٤ : ٤٩٦ ، الوسيط ٤ : ٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٣ ، منهاج الطالبين : ١٢٢ ، المغني ٤ : ٤٩٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٤.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الحلب » بدل « الخلف ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) نفس المصادر في الهامش (٢)

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٣.

٨٣

مسألة ٣٢٨ : لا يفتقر هذا الخيار إلى إذن الحاكم‌ ، بل يستبدّ به الفاسخ من غير الحاجة إلى حكم الحاكم ؛ لأنّه ثابت بالسنّة الصحيحة ، فصار كخيار المرأة فسخَ النكاح ، والعتق.

ولوضوح الحديث ذهب بعض الشافعيّة إلى أنّه لو حكم حاكمٌ بالمنع من الفسخ ، نقض حكمه(١) .

وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : أنّه يفتقر إلى حكم الحاكم وإذنه ؛ لأنّه فسخٌ مختلفٌ فيه ، كالفسخ بالإعسار(٢) .

مسألة ٣٢٩ : الفسخ قد يحصل بالقول ، كما ينعقد البيع به. وصيغة الفسخ : فسخت البيع ، ونقضته ، ورفعته.

ولو اقتصر على قوله : رددت الثمن ، أو : فسخت البيع ، فيه إشكال أقربه : الاكتفاء به ، وهو أصحّ قولي الشافعي.

والثاني : لا يكتفى بذلك ؛ لأنّ حقّ الفسخ أن يضاف إلى العقد المرسل ، ثمّ إذا انفسخ العقد ، ثبت مقتضاه(٣) .

وقد يحصل بالفعل ، كما لو باع صاحب السلعة سلعتَه ، أو وهبها ، أو دفعها.

وبالجملة ، إذا تصرّف فيها تصرّفاً يدلّ على الفسخ ، كوطئ الجارية المبيعة ، على الأقوى ؛ صوناً للمسلم عن فاسد التصرّفات ، وتكون هذه التصرّفات تدلّ على حكمين : الفسخ ، والعقد ، وهو أحد قولي الشافعي.

والأصحّ عنده : أنّه لا يحصل الفسخ بها ، وتلغو هذه التصرّفات(٤) .

____________________

(١ و ٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٨٥ ، حلية العلماء ٤ : ٤٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٣.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٩ - ٣٣٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٨٦ ، الحاوي =

٨٤

واعلم أنّ حقّ الرجوع للبائع لا يثبت على الإطلاق بالإجماع ، بل هو مشروط بأُمور يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى.

ولا يختصّ الرجوع بالبيع على ما تقدّم(١) ، بل يثبت في غيره من المعاوضات ، وإنّما يظهر الغرض بالنظر في أُمور ثلاثة : العوض المتعذّر تحصيله ، والعرض(٢) المسترجع ، والمعاوضة التي بها انتقل الملك إلى المفلس.

النظر الأوّل : في العوض

يشترط في العوض أمران : الحلول ، وتعذّر استيفائه بسبب الإفلاس ، فلو كان الثمن مؤجَّلاً ، لم يكن له الرجوع ؛ لأنّه لا مطالبة له في الحال ، فكيف يفسخ البيع اللازم بغير موجب!؟ وإلّا لحلّ الأجل بالفلس على ما تقدّم(٣) .

ولو حلّ الأجل قبل انفكاك الحجر ، فالأقرب : أنّه لا يشارك صاحبه الغرماء ؛ لسبق تعلّق حقّهم بالأعيان ، بخلاف ما لو ظهر دَيْنٌ حالّ سابق ، فإنّه يشارك الغرماء ، فعلى هذا ليس لصاحب الدَّيْن الذي قد حلّ الرجوعُ في عين ماله ، سواء كان الحاكم قد دفعها في بعض الديون أو لا.

مسألة ٣٣٠ : لو كانت أمواله وافيةً بالديون ، لم يجز الحجر عندنا ،

____________________

= الكبير ٦ : ٢٧٠ ، حلية العلماء ٤ : ٤٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٣.

(١) في ص ٨٢ ، المسألة ٣٢٧.

(٢) أي المعوّض.

(٣) في ص ١٦ ، المسألة ٢٦٣.

٨٥

وهو الظاهر من مذهب الشافعي(١) .

وله قولٌ آخَر : إنّه يجوز الحجر عليه(٢) .

فعلى تقدير جواز الحجر لو حجر ، فهل لصاحب العين الرجوع في عينه؟ للشافعي وجهان :

أحدهما : أنّه لا يرجع ؛ لأنّه يصل إلى الثمن.

والثاني : أنّه يرجع ؛ لأنّه لو لم يرجع لما أمن أن يظهر غريمٌ آخَر فيزاحمه فيما أخذه(٣) .

وهذان الوجهان عندنا ساقطان ؛ لأنّهما فرع الحجر وقد منعناه.

مسألة ٣٣١ : لو ترك الغرماء لصاحب السلعة الثمن ليتركها ، قال الشيخرحمه‌الله : لم يلزمه القبول‌ ، وكان له أخذ عينه(٤) - وبه قال الشافعي وأحمد(٥) - لما فيه من تحمّل المنّة ، ولعموم الخبر(٦) ، ولأنّه ربما يظهر غريمٌ آخَر فيزاحمه فيما أخذ.

وللشافعيّة فيه وجهٌ آخَر : أنّه لا يبقى له الرجوع في العين ، تخريجاً‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٨٥ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٦٥ ، حلية العلماء ٤ : ٤٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧ - ٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٥.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٨٥ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٦٥ ، حلية العلماء ٤ : ٤٨٨ - ٤٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧ - ٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٥.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٢٦٥ - ٢٦٦ ، حلية العلماء ٤ : ٤٨٩ - ٤٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٤.

(٤) الخلاف ٣ : ٢٦٥ ، المسألة (٤)

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٤ ، المغني ٤ : ٤٩٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٥.

(٦) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٦ - ٢٨٧ / ٣٥٢٠ و ٣٥٢٢.

٨٦

ممّا إذا حجر عليه الحاكم وفي ماله وفاء(١) .

وقال مالك : ليس له الرجوع في العين ؛ لأنّ ذلك إنّما جُعل له لما يلحقه من النقص في الثمن ، فإذا بذل له ، لم يكن له الرجوع ، كما إذا زال العيب من المبيع ، لم يكن له ردّه(٢) .

ويمكن أن نقول : إن كان المدفوع من مال المفلس ، لم يجب القبول ؛ لإمكان تجدّد غريمٍ آخَر ، فلا يأمن من مزاحمته ، فكان له الرجوعُ في العين.

وإن كان من مال الغرماء أو تبرّع به أجنبيٌّ ، فإنّه لا يجب عليه الإجابة أيضاً ؛ لأنّه تبرّع بدفع الحقّ غير مَنْ هو عليه ، فلم يُجبر صاحب الحقّ على قبضه ، كما لو أعسر الزوج بالنفقة فبذل غيره النفقة ، أو عجز المكاتب فبذل عنه متبرّعٌ ما عليه لسيّده.

والوجه أن نقول : إذا دفع الغرماء من خالص أموالهم ثمن السلعة وكان في السلعة زيادة بأن غلا سعرها أو كثر الراغبون إليها ويرجى لها صعود سعرٍ ، كان على صاحب السلعة أخذ ما بذله الغرماء ؛ لما فيه من انتفاعهم بالسلعة ، بخلاف التبرّع عن الزوج والمكاتب ؛ إذ لا حقّ لهم في المعوّض ، والغرماء لهم حقٌّ في المعوّض ، فكان لهم ذلك ؛ لما في منعهم من الإضرار بالمفلس ، وهو منفيّ.

مسألة ٣٣٢ : إذا أوجبنا عليه أخذ ما بذله الغرماء من مالهم(٣) ، أو أجابهم إليه تبرّعاً منه ثمّ ظهر غريمٌ آخَر‌ ، لم يشارك صاحب السلعة فيما‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١.

(٢) المدوّنة الكبرى ٥ : ٢٣٧ ، الذخيرة ٨ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١ ، المغني ٤ : ٤٩٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٥.

(٣) في « ج » : « أموالهم ».

٨٧

أخذه منهم ، أمّا لو كان المدفوع من مال المفلس وخصّوه ثمّ ظهر غريمٌ آخَر ، شاركه فيما أخذه.

ولو دفع الغرماء الثمن إلى المفلس من مالهم فبذله للبائع ، لم يكن له الفسخُ ؛ لأنّه زال العجز عن تسليم الثمن فزال ملك الفسخ ، كما لو أسقط سائر الغرماء حقوقهم عنه ، ملك الثمن.

ولو أسقط الغرماء حقّهم عنه فتمكّن من الأداء ، أو وُهب له مالٌ فأمكنه الأداء منه ، أو غلت أعيان أمواله فصارت قيمتها وافيةً بحقوق الغرماء بحيث يمكن أداء الثمن كلّه ، لم يكن للبائع الفسخُ ؛ لزوال سببه ، ولأنّه أمكنه الوصول إلى ثمن سلعته من المشتري ، فلم يكن له الفسخ ، كما لو لم يفلس.

ولو دفع الغرماء إلى المفلس من عين ماله قدر الثمن ليدفعه إلى البائع ، لم يجب على البائع القبول حذراً من ظهور آخَر.

مسألة ٣٣٣ : لو مات المشتري المفلس ، لم يزل الحجر عن المال ، بل يتأكّد‌ ، فإنّه لو مات غير محجور عليه ، حُجر عليه ، فلو قال وارثه للبائع والسلعة باقية : لا ترجع حتى أُقدّمك على الغرماء ، لم يلزمه القبول أيضاً ؛ لما ذكرناه من محظور ظهور غريمٍ آخَر.

ولو قال : أُؤدّي الثمن من مالي ، فالوجه : أنّ عليه القبول ، ولم يكن له الفسخ ؛ لأنّ الوارث خليفة المورّث ، فله تخليص المبيع ، وكما أنّ المديون لو دفع الثمن إلى [ البائع ](١) ، لم يكن له الفسخ ، كذا وارثه.

هذا على تقدير أن يكون المديون قد خلّف وفاءً ، أمّا إذا لم يخلّف‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « المشتري ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

٨٨

وفاءً ، فإنّه لا اختصاص له بالعين على ما بيّنّاه.

مسألة ٣٣٤ : لو امتنع المشتري من تسليم الثمن مع يساره ، أو هرب أو مات وهو مليٌّ‌ فامتنع الوارث من دفع الثمن ، فإن كان الثمن حالّاً ولم تُسلّم السلعة إلى المشتري ، فإنّه يتخيّر البائع بعد ثلاثة أيّام في الفسخ والصبر عندنا خاصّةً.

ولو كان البائع قد سلّم السلعة إلى المشتري ، لم يكن له الفسخ وإن تعذّر عليه ثبوته(١) أو مطله أو شبه ذلك - وهو أصحّ وجهي الشافعي(٢) - لأنّه لم يوجد عيب الإفلاس ، ويمكن التوصّل إلى الاستيفاء بالسلطان ، فإن فُرض عجْزٌ ، كان نادراً لا عبرة به.

والثاني : أنّ له الفسخ ؛ لتعذّر الوصول إلى الثمن(٣) .

مسألة ٣٣٥ : لو باع السلعة وضمن المشتري ضامنٌ بالثمن‌ ، فإن كان البائع قد رضي بضمانه ، انتقل حقّه عن المشتري إلى الضامن ؛ لأنّ الضمان عندنا ناقل وقد رضي بانتقال المال من ذمّة المشتري إلى ذمّة الضامن ، فبرئت ذمّة المشتري ، ولم يكن للبائع الرجوعُ في العين ، سواء تعذّر عليه الاستيفاء من الضامن أو لا.

ولو لم يرض البائع بضمانه ، لم يكن بذلك الضمان اعتبارٌ.

إذا عرفت هذا ، فإنّه لا اعتبار لإذن المشتري في الضمان عندنا ، بل متى ضمن ورضي البائع صحّ الضمان ، سواء ضمن بإذن المشتري أو تبرّع بالضمان عنه.

____________________

(١) أي : ثبوت التسليم. والظاهر : « إثباته ».

(٢ و ٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١ - ٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٤.

٨٩

وقال الشافعي : إن ضمن بإذن المشتري ، فلا رجوع للبائع في العين ؛ لأنّه ليس بمتبرّعٍ على المشتري ، والوصول من يده كالوصول من يد المشتري. وإن ضمن بغير إذنه ، فوجهان :

أحدهما : أنّه يرجع ، كما لو تبرّع متبرّعٌ بالثمن.

والثاني : أنّه لا يرجع ؛ لأنّ الحقّ قد تقرّر في ذمّته ، وتوجّهت المطالبة عليه ، بخلاف المتبرّع(١) .

تذنيب : لو أُعير [ من ](٢) المشتري ما يرهنه بالثمن ، صحّ‌ ، ولم يكن له الرجوعُ في العين ؛ لإمكان إيفائه من الدَّيْن بالرهن.

وللشافعي الخلافُ السابق في الضمان(٣) .

مسألة ٣٣٦ : لو انقطع جنس الثمن ، فإن جوّزنا الاعتياضَ عنه إذا كان في الذمّة والاستبدالَ ، فلا تعذّر في استيفاء عوضٍ عنه ، ولم يكن للبائع فسخ البيع.

وإن منعنا من الاعتياض ، فهو كانقطاع المـُسْلَم فيه ، والمـُسْلَم فيه إذا انقطع ، كان أثره ثبوت حقّ الفسخ - وهو أصحّ قولي الشافعي. وفي الثاني : الانفساخ ، وهو أضعف قوليه(٤) - فكذا هنا.

النظر الثاني : في المعاوضة.

يُعتبر في المعاوضة - التي يملك فيها المفلس - شرطان : سَبْقُ المعاوضة على الحَجْر ، وكونها محضَ معاوضةٍ ، فلو باع من المفلس شيئاً بعد الحجر عليه ، فالأقرب : الصحّة على ما تقدّم(٥) .

____________________

(١ و ٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٥.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٥) في ص ٢٧ ، المسألة ٢٧٣.

٩٠

وهل يثبت له حقّ الفسخ والرجوع في العين؟ خلافٌ سبق(١) . فإن قلنا : لا رجوع ، تحقّق شرط سَبْق المعاوضة على الحجر ، وإلّا فلا.

ولو آجر الإنسان دارَه وسلّمها إلى المستأجر وقبض الأُجرة ثمّ أفلس وحُجر عليه ، فالإجارة مستمرّة بحالها لا سبيل للغرماء عليها ، كالرهن يختصّ به المرتهن.

فإن انهدمت الدار في أثناء المدّة وفُسخت الإجارة فيما بقي منها ، ضارَب المستأجر مع الغرماء بحصّة ما بقي منها إن كان الانهدام قبل قسمة المال بينهم.

وإن كان بعد القسمة ، فالأقوى : أنّه يضارب أيضاً - وهو أصحّ وجهي الشافعي(٢) - لأنّه دَيْنٌ أُسند إلى عقدٍ سابق على الحجر ، وهو الإجارة ، فصار كما لو انهدمت(٣) قبل القسمة.

وفي الآخَر : أنّه لا يضارب ؛ لأنّه دَيْنٌ حدث بعد القسمة ، فصار كما لو استقرض(٤) .

ويضعَّف بأنّ السبب متقدّم ، فيكون مسبَّبه كالمتقدّم.

مسألة ٣٣٧ : لو باعه جاريةً بعبدٍ وتقابضا ثمّ أفلس مشتري الجارية‌ وحُجر عليه وهلكت الجارية في يده ثمّ وجد بائعها بالعبد عيباً فردّه ، فله طلب قيمة الجارية قطعاً.

والأقرب في الطلب : أنّه يضارب كسائر أرباب الديون ، وهو أصحّ‌

____________________

(١) في ص ٣٣ ، ضمن المسألة ٢٨٠.

(٢ و ٤) الحاوي الكبير ٦ : ٣١٠ ، حلية العلماء ٤ : ٥١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٠.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « انهدم ». والظاهر ما أثبتناه.

٩١

وجهي الشافعيّة.

والثاني : أنّه يقدّم على سائر الغرماء بقيمتها ؛ لأنّه أدخل في مقابلتها عبداً في مال المفلس(١) .

وهذان الوجهان يخالفان الوجهين في رجوع مَنْ باع منه بعد الحجر عليه(٢) شيئاً بالثمن إذا قلنا : لا يتعلّق بعين متاعه ، فإنّا في وجهٍ نقول : يضارب. وفي وجهٍ نقول : يصبر إلى أن يستوفي الغرماء حقوقهم ، ولا نقول بالتقدّم بحال.

والفرق : أنّ الدَّيْن هناك حادث بعد الحجر ، وهنا مستند إلى سببٍ سابق على الحجر ، فإذا انضمّ إليه إدخال شي‌ء في ملك المفلس ، أثّر في التقديم على أحد القولين(٣) .

مسألة ٣٣٨ : قد بيّنّا اشتراط التمحّض للمعاوضة فيها‌ ، فلا يثبت الفسخ في النكاح والخلع والصلح بتعذّر استيفاء العوض ، وهو ظاهر على معنى أنّ المرأة لا تفسخ النكاح بتعذّر استيفاء الصداق ، ولا الزوج الخلعَ ولا العافي عن القصاص الصلحَ بتعذّر استيفاء العوض.

وللشافعي قولٌ بتسلّط المرأة على الفسخ بتعذّر استيفاء الصداق(٤) وسيأتي إن شاء الله تعالى.

وكذا ليس للزوج فسخُ النكاح إذا لم تسلّم المرأة نفسَها ، وتعذّر الوصول إليها.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٠.

(٢) كلمة « عليه » من « ث ، ج ، ر ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٠.

(٤) الأُم ٥ : ٩١ ، مختصر المزني : ٢٣٢ ، الحاوي الكبير ١١ : ٤٦١ ، التهذيب - للبغوي - ٦ : ٣٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ١٠ : ٥٣ ، روضة الطالبين ٦ : ٤٨٣.

٩٢

أمّا إذا انفسخ النكاح من جهتها فسقط صداقها ، أو طلّقها قبل الدخول فسقط نصفه وبقي نصفه فاستحقّ الزوج الرجوعَ بما دفعه أو بنصفه فأقلّ وعين الصداق موجودة ، فهو أحقّ بعين ماله ؛ لقولهعليه‌السلام : « مَنْ أدرك متاعه بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحقّ به »(١) .

مسألة ٣٣٩ : إذا أفلس المـُسْلَم إليه قبل توفية مال السَّلَم ، فأقسامه ثلاثة :

أ : أن يكون رأس المال باقياً بحاله‌ ، فللمُسْلِم فسخُ العقد والرجوع إلى رأس ماله ، كما في البائع. وإن أراد أن يضارب مع الغرماء بالمـُسْلَم فيه ولا يفسخ ، أُجيب إليه.

ب : أن يكون بعض رأس المال باقياً وبعضه تالفاً‌ ، وحكمه حكم ما لو تلف بعض المبيع دون بعضٍ ، وسيأتي.

ج : أن يكون رأس المال تالفاً‌ ، فالأقرب أنّه لا ينفسخ السَّلَم بمجرّد ذلك ، كما لو أفلس المشتري بالثمن والمبيع تالف ، بخلاف الانقطاع ؛ فإنّه هناك إذا فسخ ، رجع إلى رأس المال بتمامه، وهنا إذا فسخ ، لم يكن له [ إلّا ](٢) المضاربة برأس المال. ولو لم يفسخ ، لضارَب بالمـُسْلَم فيه ، وهذا [ أنفع ؛ إذ الغالب ](٣) زيادة قيمة المـُسْلَم فيه على رأس المال ، فحينئذٍ‌

____________________

(١) ورد نصّه في المغني ٤ : ٤٩٧ ، والشرح الكبير ٤ : ٥٠٧ ، وبتفاوت يسير في صحيح البخاري ٣ : ١٥٥ - ١٥٦ ، وصحيح مسلم ٣ : ١١٩٣ / ١٥٥٩ ، وسنن البيهقي ٦ : ٤٥.

(٢) الزيادة يقتضيها السياق ، وكما هي مقتضى قول المصنّفقدس‌سره في قواعد الأحكام ٢ : ١٤٨.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يقع إذا تعالت ». وهي تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه.

٩٣

[ يُقوَّم ](١) المـُسْلَم فيه ، ويضارب المُسْلِم بقيمته مع الغرماء ، فإذا عُرفت حصّته ، نُظر إن كان في المال من جنس الـمُسْلَم فيه ، أخذ منه بقدر نصيبه ، وإن لم يكن ، اشتري له من جنس حقّه ، ويبقى له الباقي في ذمّة المفلس ، وليس له أن يأخذ القيمة إذا لم يكن من جنس الحقّ ؛ لأنّه يأخذ بدل المـُسْلَم فيه. وهو(٢) أصحّ وجهي الشافعيّة.

والثاني : أنّ للمُسْلِم فسخَ العقد والمضاربة(٣) مع الغرماء برأس المال ؛ لأنّه تعذّر عليه الوصول إلى تمام حقّه ، فليمكَّن من فسخ السَّلَم ، كما لو انقطع جنس المـُسْلَم فيه(٤) .

وليس عندي بعيداً من الصواب.

وعلى هذا فهل يجي‌ء قول بانفساخ السَّلَم كما لو انقطع جنس المُسْلَم فيه؟

قال بعض الشافعيّة : نعم ، إتماماً للتشبيه(٥) .

وقال بعضهم : لا ؛ لإمكان حصوله باستقراضٍ وغيره ، بخلاف الانقطاع(٦) .

وإذا كان رأس المال تالفاً وانقطع جنس الـمُسْلَم فيه ، فالأقوى أنّه‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يقدم ». وهي تصحيف ، والمثبت هو الصحيح.

(٢) في « ر » والطبعة الحجريّة : « وهذا ».

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « المعاوضة » بدل « المضاربة ». وما أثبتناه من المصادر.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٠٨ ، حلية العلماء ٤ : ٥١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٦.

(٥ و ٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٦.

٩٤

يثبت له حقّ الفسخ ؛ لأنّ سببه ثابت ، وهو الانقطاع ، فإنّه سبب للفسخ في حقّ غير المحجور عليه ففي حقّه أولى ، ولأنّ ما يثبت في حقّ غير المحجور عليه يثبت في حقّ المحجور عليه كالردّ بالعيب.

وله فائدة هنا ؛ فإنّ ما يخصّه لو فسخ ، لصُرف إليه في الحال عن جهة رأس المال ، وما يخصّه لو لم يفسخ ، لم يُصرف إليه ، بل يُوقف إلى أن يعود المُسْلَم فيه فيشتري به.

مسألة ٣٤٠ : لو قُوِّم الـمُسْلَم فيه فكانت قيمته - مثلاً - عشرين ، فأفرزنا(١) من المال للمُسْلِم(٢) عشرةً ؛ لكون الديون ضِعْف المال ، ثمّ رخص السعر قبل الشراء فكانت العشرة تفي بثمن جميع الـمُسْلَم فيه ، فالأقرب : أنّه يشترى به جميع حقّه ويسلّم إليه ؛ لأنّ الاعتبار إنّما هو بيوم(٣) القسمة.

والموقوف وإن لم يملكه المُسْلِم لكنّه صار كالمرهون بحقّه وانقطع حقّه عن غيره من الحصص حتى لو تلف قبل التسليم إليه لم يتعلّق بشي‌ء ممّا عند الغرماء ، فكان حقّه في ذمّة المفلس.

ولا خلاف في أنّه لو فضل الموقوف عن جميع حقّ الـمُسْلِم ، كان الفاضل للغرماء ، وليس له أن يقول : الزائد قد زاد لي ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : أنّا نردّ الموقوف إلى ما يخصّه باعتبار قيمة الأجزاء فتُصرف إليه خمسة ، والخمسة الباقية تُوزّع عليه وعلى باقي الغرماء ؛ لأنّ الموقوف لم يدخل في ملك الـمُسْلِم ، بل هو باقٍ على ملك المفلس ، وحقّ الـمُسْلِم‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة إضافة « له » وحذفناها لزيادتها.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « المسلم ». والمثبت هو الصحيح.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يوم ». والمثبت هو الصحيح.

٩٥

في الحنطة(١) ، لا في ذلك الموقوف ، فإذا صارت القيمة عشرةً ، فليس دَيْنه إلّا ذلك(٢) .

ولا استبعاد فيه.

ولو غلا السعر وكُنّا قد أوقفنا العشرة ولم يوجد القدر الذي أسلم فيه إلّا بأربعين ، فعلى الأوّل لا يزاحمهم ، وليس له إلّا ما وقف له ، وهو العشرة يشتري له بها ربع حقّه ، ويبقى الباقي في ذمّة المفلس. وعلى الوجه [ الثاني ](٣) ظهر أنّ الدَّيْن أربعون ، فيسترجع من سائر الحصص ما تتمّ به حصّة الأربعين.

مسألة ٣٤١ : إذا ضرب الغرماء على قدر رؤوس أموالهم وأخذ الـمُسْلِم ممّا خصّه قدراً من الـمُسْلَم فيه‌ وارتفع الحَجْر عنه ثمّ حدث له مالٌ وأُعيد الحَجْر واحتاجوا إلى الضرب ثانياً ، قوّمنا الـمُسْلَم فيه ، فإن اتّفقت قيمته الآن والقيمة السابقة ، فذاك ، وإلّا فالتوزيع الآن يقع باعتبار القيمة الزائدة.

وإن نقصت ، فالاعتبار بالقيمة الثانية أو بالأقلّ؟ الأقرب : الأوّل ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٤) .

ولو كان الـمُسْلَم فيه ثوباً أو عبداً ، فحصّة الـمُسْلِم يشترى به شقصٌ منه ، للضرورة ، فإن لم يوجد ، فللمُسْلِم الفسخُ.

مسألة ٣٤٢ : الإجارة نوعان :

الأوّل : ما تتعلّق بالأعيان‌ ، كالأرض المعيّنة للزرع ، والدار للسكنى ،

____________________

(١) ذكر الحنطة من باب المثال ، حيث لم يسبق لها ذكر.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٦.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الأوّل ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٧.

٩٦

والعبد للخدمة ، والدابّة للحمل.

ثمّ في كلّ واحدٍ من القسمين(١) إمّا أن يفلس المستأجر أو المؤجر.

فلو استأجر(٢) أرضاً أو دابّةً ثمّ أفلس قبل تسليم الأُجرة وقبل مضيّ شي‌ء من المدّة ، كان للمؤجر فسخ الإجارة ، تنزيلاً للمنافع في الإجارة منزلة الأعيان في البيع ، وهو المشهور عند الشافعيّة(٣) .

وحكى الجويني قولاً آخَر للشافعي : إنّه لا يثبت الرجوع بالمنافع ، ولا تُنزّل منزلة الأعيان القائمة ؛ إذ ليس لها وجود مستقرّ(٤) .

إذا عرفت هذا ، فنقول : للمؤجر الخيار في فسخ الإجارة والرجوع بالعين والمنافع ، وفي إمضاء الإجارة والضرب مع الغرماء بالأُجرة.

فإن كانت العين المستأجرة فارغةً ، آجرها الحاكم على المفلس ، وصرف الأُجرة إلى الغرماء.

ولو كان التفليس بعد مضيّ بعض المدّة ، فللمؤجر فسخ الإجارة في المدّة الباقية ، والمضاربة مع الغرماء بقسط المدّة الماضية من الأُجرة المسمّاة ، بناءً على أنّه إذا باع عبدين فتلف أحدهما ثمّ أفلس ، يفسخ البيع في الباقي ، ويضارب بثمن التالف ، وبه قال الشافعي(٥) ، خلافاً لأحمد حيث يذهب أنّه إذا تلف بعض المبيع ، لم يكن للبائع الرجوعُ في البعض الباقي ، كذا هنا إذا مضى بعض المدّة ، كان بمنزلة تلف بعض المبيع(٦) .

____________________

(١) كذا ، والظاهر : « من النوعين ».

(٢) من هنا شرع المصنّفقدس‌سره فيما يتعلّق بالقسم الأوّل. ويأتي القسم الثاني في ص ١٠١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٧ ، المغني ٤ : ٤٩٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٦ - ٥٠٧.

(٦) المغني ٤ : ٤٩٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٦.

٩٧

ويُحتمل فسخ العقد في الجميع إذا مضى بعض المدّة ، ويضرب بقسط ما حمل من أُجرة المثل.

مسألة ٣٤٣ : لو أفلس مستأجر الدابّة وحُجر عليه في خلال الطريق ففسخ المؤجر ، لم يكن له طرح متاعه في البادية المهلكة‌ ، ولا في موضعٍ غير محترز ، بل يجب عليه نقله إلى مأمن بأُجرة المثل لذلك النقل من ذلك المكان ، ويقدّم به على الغرماء ؛ لأنّه لصيانة المال وحفظه وإيصاله إلى الغرماء ، فأشبه أُجرة الكيّال والحمّال وأُجرة المكان المحفوظ فيه ، فإذا وصل إلى المأمن ، وَضَعه عند الحاكم.

ولو وَضَعه على يد عَدْلٍ من غير إذن الحاكم ، فوجهان.

وكذا لو استأجر لحمل متاع فحمل بعضه.

فروع :

أ - لو كان المأمن في صوب المقصد ، وجب المضيّ إليه.

وهل للمؤجر تعجيل الفسخ في موضع العلم بالحجر ، أو يجب عليه الصبر إلى المأمن؟ الأقرب : الأوّل ؛ لأنّ الحجر سبب في تخييره بين الفسخ والإمضاء ، وقد وُجد السبب ، فيوجد المسبّب.

ويُحتمل الثاني ؛ لأنّه يجب عليه المضيّ إلى المأمن ، سواء فسخ أو لا ، فلا وجه لفسخه.

ب - تظهر الفائدة فيما لو كان الأجر(١) في نقله من موضع الحجر إلى موضع المأمن مخالفاً لما يقع له بعد التقسيط من المسمّى‌ ، فإن قلنا : له الفسخ ، ففسخ ، كان له أُجرة المثل إلى المأمن ، سواء زادت عن القسط من المسمّى أو نقصت أو ساوته. وإن قلنا : ليس له الفسخ ، فله القسط من‌

____________________

(١) في « ث » والطبعة الحجريّة : « الأُجرة ».

٩٨

المسمّى.

ج - لو قلنا : ليس له الفسخ ، أو قلنا : له الفسخ ، ولم يفسخ ، هل يقدّم بقسط النقل من موضع الحجر إلى المأمن من المسمّى؟ إشكال‌ ينشأ : من أنّه مستمرّ على الإجارة السابقة التي يجب الضرب بمسمّاها مع الغرماء ، فلم يقدّم على باقي الغرماء في هذا القسط ، كما لم يقدّم في القسط للنقل من مبدأ المسافة إلى موضع الحجر ، ومن أنّ له النقل من المخافة إلى المأمن بأُجرة مقدّمة ، فيجب تقديم هذا القسط من المسمّى.

د - لو كان النقل إلى المأمن إنّما هو في منتهى مسافة الإجارة ، وجب النقل إليه.

ويجي‌ء الاحتمالان في أنّ المؤجر هل له الفسخ أم لا؟ لكن احتمال عدم الفسخ هنا أقوى منه في الأوّل.

ه- لو كان النقل إلى المأمن إنّما يحصل بأُجرة مساوية للنقل إلى المقصد أو أكثر ، فالأولى وجوب النقل إلى المقصد‌ ، وعدم تخييره في الفسخ ، بل يجب عليه إمضاء العقد.

وهل يقدّم بالقسط للنقل من موضع الحجر إلى المقصد من المسمّى أم لا؟ إشكال.

و - لو كان المأمن في صوب المقصد وصوب مبدأ المسافة على حدٍّ واحد‌ أو تعدّدت مواضع الأمن وتساوت قُرْباً وبُعْداً ، فإن كانت أُجرة الجميع واحدةً ، نُظر إلى المصلحة ، فإن تساوت ، كان له سلوك أيّها شاء ، لكنّ الأولى سلوك ما يلي المقصد ؛ لأنّه مستحقّ عليه في أصل العقد. وإن اختلفت الأُجرة ، سلك أقلّها أُجرةً.

وإن تفاوتت المصلحة ، فإن اتّفقت مصلحة المفلس والغرماء في‌

٩٩

شي‌ء واحد ، تعيّن المصير إليه. وإن اختلفت ، فالأولى تقديم مصلحة المفلس.

مسألة ٣٤٤ : لو فسخ المؤجر للأرض إجارتها ؛ لإفلاس المستأجر ، فإن كانت فارغةً ، أخذها ، فإن كان قد مضى من المدّة شي‌ء ، كان كما تقدّم(١) ، وينبغي أن يكون الماضي من الزمان له وَقْعٌ بحيث يقسط المسمّى عليه ، فيرجع في الباقي من المدّة بقسطه.

وإن كانت الأرض مشغولةً بالزرع ، فإن كان الزرع قد استُحصد ، فله المطالبة بالحصاد وتفريغه(٢) .

وإن لم يكن استُحصد ، فإن اتّفق الغرماء والمفلس على قطعه ، قُطع. وإن اتّفقوا على التبقية إلى الإدراك ، فلهم ذلك بشرط أن يقدّموا المؤجر بأُجرة المثل لبقيّة المدّة - محافظةً للزرع - على الغرماء.

وإن اختلفوا فأراد بعضُهم القطعَ وبعضُهم التبقيةَ ، فالأولى مراعاة ما فيه المصلحة حتى لو كانت الأُجرة تستوعب الحاصل وتزيد عليه ، قُطع ، وإلّا فلا ، وهو أحد قولي الشافعي.

وفي الآخَر يُنظر إن كانت له قيمة لو قُطع ، أُجيب مَنْ يريد القطع من المفلس والغرماء ؛ إذ ليس عليه تنمية ماله لهم ، ولا عليهم الصبر إلى أن ينمو.

ولا بأس به عندي.

فعلى هذا لو لم يأخذ المؤجر أُجرة المدّة الماضية ، فهو أحد الغرماء ، فله طلب القطع.

____________________

(١) في ص ٩٦ ، ضمن المسألة ٣٤٢.

(٢) كذا ، والظاهر : « تفريغها ». أي تفريغ الأرض.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

اذل الحياة و عز الممات

و كلاّ أراه طعاما وبيلا

فإن كان لا بدّ من واحد

فسيروا إلى الموت سيرا جميلا

و ذكروا : أنّ عبد الجبار الأزدي خرج على المنصور ، فانهزم ، فحمل إليه فقال للمنصور : قتلة كريمة . قال تركتها وراءك يابن اللخناء .

و قال البحتري في بني حميد ، و قد قتلوا في الحرب ، لأبيهم :

أبا غانم أردى بنيك اعتقادهم

بأن الردى في الحرب أكبر مغنم

مضوا يستلذّون المنايا حفيظة

و حفظا لذاك السؤدد المتقدّم

و لمّا رأوا بعض الحياة مذلّة

عليهم و عز الموت غير محرم

أبوا أن يذوقوا العيش و الذم واقع

عليه و ماتوا ميتة لم تذمم

« ألا و ان معاوية قاد لمة » بتخفيف الميم ، أي : جماعة . ذكره الجوهري في لام ، و قال : و الهاء عوض عن الهمزة الذاهبة في وسطه . و في ( الجمهرة ) : اللمة منقوصة : الجماعة ، و الجمع لمات ، و ظاهره كون الأصل : لما .

و كيف كان فالظّاهر انّه ليس بمعنى مطلق الجماعة ، بل جماعة موافقة ،

ففي ( النهاية ) ١ : في الخبر : ليتزوج الرجل لمته من النساء ، و لتتزوج المرأة لمتها من الرجال . و حينئذ فمعنى كلامه عليه السّلام : أنّه قاد جماعة موافقة له في الخبث ، و يشهد له موارد استعماله .

قال الشاعر :

سبحان من منتطق المأثور

جهلا لدى سرادق الحصير

وسط لمات الملأ الحضور

إنّ السباب و غر الصدور

فالحصير : الملك ، و الملأ : جماعته .

« من الغواة » جمع الغاوي . أي : الضالين .

ــــــــــــ

 ( ١ ) النهاية ٤ : ٢٧٤ .

٢٢١

« و عمس » في ( الصحاح ) العمس أن ترى أنّك لا تعرف الأمر و أنت عارف به . قال ابن السكّيت : أمر عموس و عماس ، أي : مظلم لا يدرى من أين يؤتى له ،

و منه قولهم جاءنا بامور معمسات ، أي : مظلمة ملوية عن جهتها .

« عليهم الخبر حتى جعلوا نحورهم » جمع النحر ، بمعنى : المنحر .

« أغراض » جمع الغرض ، أي : الهدف .

« المنية » أي : الموت ، ففي ( صفين نصر ) ١ : أنّ معاوية لما أتاه كتاب علي عليه السّلام بعزله عن الشام بعد عثمان صعد المنبر ، و قال : يا أهل الشام ، قد علمتم أنّي خليفة أمير المؤمنين عمر و خليفة عثمان و قتل مظلوما . و تعلمون أنّي وليّه . و اللّه يقول : . . . و من قتل مظلوما فقد جعلنا لوليّه سلطانا . . . ٢ . . . .

و وضع من يقوم في الناس و يروي لهم أن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال : إنّ عثمان كان على الحق ، و بث فيهم أنّ عليّا لا يصلّي .

و في ( صفين نصر ) ٣ : ذكروا أنّه لما غلب أهل الشام على الفرات فرحوا بالغلبة ، فقال لهم : يا أهل الشام هذا و اللّه أوّل الظفر ، لا سقاني اللّه و لا سقى أبا سفيان إن شربوا منه ، حتى يقتلوا بأجمعهم عليه .

و فيه ٤ : خرج رجل من أهل الشام ، فقال : من يبارز فخرج إليه رجل من أصحاب علي عليه السّلام فاقتتلا ساعة ، ثم إنّ العراقي ضرب رجل الشامي فقطعها ، فقاتل و لم يسقط الى الأرض ، ثم ضرب يده فقطعها ،

فرمى الشامي سيفه بيده اليسرى الى أهل الشام و قال لهم : دونكم سيفي هذا ، فاستعينوا به على عدوّكم . فأخذوه ، فاشترى معاوية ذلك السيف

ــــــــــــ

 ( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٨١ .

 ( ٢ ) الإسراء : ٣٣ .

 ( ٣ ) صفين لنصر بن مزاحم : ١٦٣ .

 ( ٤ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٣٨٨ .

٢٢٢

من أولياء المقتول بعشرة آلاف .

٥

من الخطبة ( ٢٦ ) ( و منها ) :

وَ لَمْ يُبَايِعْ حَتَّى شَرَطَ أَنْ يُؤْتِيَهُ عَلَى اَلْبَيْعَةِ ثَمَناً فَلاَ ظَفِرَتْ يَدُ اَلْبَائِعِ وَ خَزِيَتْ أَمَانَةُ اَلْمُبْتَاعِ فَخُذُوا لِلْحَرْبِ أُهْبَتَهَا وَ أَعِدُّوا لَهَا عُدَّتَهَا فَقَدْ شَبَّ لَظَاهَا وَ عَلاَ سَنَاهَا وَ اِسْتَشْعِرُوا اَلصَّبْرَ فَإِنَّهُ أَدْعَى إِلَى اَلنَّصْرِ أقول : رواه الثقفي في ( غاراته ) ١ و ابن قتيبة في ( خلفائه ) و الكليني في ( رسائله ) جزء كتاب كتبه عليه السّلام ليقرأ على الناس ، لما سألوه عن قوله في الثلاثة المتقدمين بعد فتح مصر ، مع زيادة و نقيصة و اختلاف .

ففي الأول : « لقد انهي إليّ أنّ ابن النابغة لم يبايع معاوية حتى أعطاه و شرط له : أن يؤتيه إتاوة هي أعظم مما في يده من سلطانه ، ألا صفرت يد هذا البايع دينه بالدنيا ، و خزيت أمانة هذا المشتري بنصرة فاسق غادر بأموال المسلمين الى أن قال بعد كلام طويل خذوا للحرب اهبتها و أعدوا لها عدّتها ،

فقد شب نارها ، و علا سناها ، و تجرّد لكم الفاسقون ، كي يعذبوا عباد اللّه ،

و يطفئوا نور اللّه . . . » و مثله الثاني و الثالث .

قول المصنّف : « و منها » هكذا في ( المصرية ) ٢ ، و مثلها ( ابن أبي الحديد ) و المراد من تلك الخطبة ، أي : الخطبة ( ٢٥ ) ، و لكن في ( ابن ميثم ) ٣ : « و من خطبة له عليه السّلام يذكر فيها عمرو بن العاص » .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الغارات للثقفي ١ : ٣١٧ ، ضمن رسالة لأصحابه عليه السّلام .

 ( ٢ ) الطبعة المصرية : ٦٣ الخطبة ٢٦ .

 ( ٣ ) شرح ابن ميثم ٢ : ٢٧ ، و فيه : « و منها » .

٢٢٣

قوله عليه السّلام « و لم يبايع » هكذا في ( المصرية ) و مثله ( ابن أبي الحديد ) و لكن في ( ابن ميثم ) ١ : « و لم يبايع معاوية » .

« حتى شرط » عليه .

« أن يؤتيه » أي : يعطيه .

« على البيعة » أي : بيعته معه .

« ثمنا فلا ظفرت يد البايع » قال ابن أبي الحديد : و في أكثر النسخ « المبايع » .

« و خزيت » أي : ذلت و هانت .

« امانة المبتاع » قال ابن أبي الحديد ٢ : يعني عليه السّلام بالمبتاع : عمرا ، و بالبايع معاوية .

قلت : بل بالعكس ، فعمرو بايع دينه بدنيا معاوية و هذا واضح ، قال تعالى : . . . و لبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون ٣ ، . . . و لقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق . . . ٤ ، اولئك الّذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفّف عنهم العذاب و لا هم ينصرون ٥ اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم و ما كانوا مهتدين ٦ اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى و العذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار ٧ ،

و اشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون ٨ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن ميثم ٢ : ٧٢ ، و فيه : « و لم يبايع حتى . . . » .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٦٠ .

 ( ٣ ) البقرة : ١٠٢ .

 ( ٤ ) البقرة : ١٠٢ .

 ( ٥ ) البقرة : ٨٦ .

 ( ٦ ) البقرة : ١٦ .

 ( ٧ ) البقرة : ١٧٥ .

 ( ٨ ) آل عمران : ١٨٧ .

٢٢٤

و ننقل كيفية بيعته من كتاب ( صفين نصر ) ١ بمعناه ، و قد نقله ابن أبي الحديد ٢ بلفظه ، ففيه : لما كتب معاوية الى عمرو يستدعيه الى نصرته و قد كان اعتزل أيّام عثمان في فلسطين شاور ابنيه عبد اللّه و محمدا ، فقال له ابنه عبد اللّه : قر في بيتك ، فلست مجعولا خليفة ، و لا ترد أن تكون حاشية لمعاوية على دنيا قليلة ، أوشك أن تهلك فتشقى فيها . و قال له ابنه محمد : أرى أنّك شيخ قريش ، و صاحب أمرها و إن تصرّم هذا الأمر و أنت فيه خامل تصاغر أمرك ،

فالحق بجماعة أهل الشام . و دعا غلامه وردان أيضا و كان راهبا ماردا فقال له : أرحل أحط ؟ فقال : إن شئت أنبأتك بما في نفسك . قال : هات ، قال : اعترك الدنيا و الآخرة على قلبك ، فقلت علي معه الآخرة في غير دنيا ، و في الآخرة عوض الدنيا ، و معاوية معه الدنيا بغير آخرة ، و ليس في الدنيا عوض من الآخرة ، فأنت واقف بينهما . قال : و اللّه ما أخطأت ، فما ترى يا وردان ؟ قال أرى أن تقيم في بيتك ، فإن ظهر أهل الدين عشت في عفو دينهم ، و إن ظهر أهل الدنيا لن يستغنوا عنك . قال : الآن لمّا شهدت العرب مسيري الى معاوية ؟ فارتحل و هو يقول :

يا قاتل اللّه وردانا و قرحته

أبدى لعمرك ما في النفس وردان

لما تعرضت الدنيا عرضت لها

بحرص نفسي و في الأطباع إدهان

نفس تعف و اخرى الحرص يقلبها

و المرء يأكل تبنا و هو غرثان

أمّا عليّ فدين ليس يشركه

دنيا و ذاك له دنيا و سلطان

فاخترت من طمعي دنيا على بصر

و ما معي بالذي أختار برهان

فسار الى معاوية ، فقال له معاوية : أدعوك الى جهاد هذا الرجل الذي عصى ربّه ، و قتل الخليفة ، و أظهر الفتنة ، و فرّق الجماعة . قال عمرو : إلى جهاد

ــــــــــــ

 ( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٣٤ ، ٣٦ ٣٩ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٦١ ٦٢ .

٢٢٥

من ؟ قال : عليّ . فقال عمرو : و اللّه ما أنت و علي بعكمي بعير ، مالك هجرته و لا سابقته و لا صحبته و لا جهاده و لا فقهه و لا علمه ، فما تجعل لي إن شايعتك على حربه ، و أنت تعلم ما فيه من الغرر و الخطر ؟ قال حكمك : قال : مصر. قال :

إنّي أكره أن يتحدّث عنك العرب : أنّك انّما دخلت في هذا الأمر لغرض الدنيا.

قال : دعني عنك . قال معاوية : إنّي لو شئت أن أخدعك لفعلت . قال : مثلي يخدع؟

قال له : ادن مني اسارّك . فدنا منه ليسارّه ، فعض معاوية اذنه ، و قال : هذه خدعة ، هل ترى في بيتك أحدا غيري و غيرك ؟ فأنشأ عمرو يقول :

معاوي لا اعطيك ديني و لم أنل

بذلك دنيا فانظرن كيف تصنع

فإن تعطني مصرا فأربح بصفقة

أخذت بها شيخا يضرّ و ينفع

و ما الدين و الدنيا سواء فإنّني

لآخذ ما تعطي و رأسي مقنع

و لكنّني اغضي الجفون و إنّني

لأخدع نفسي و المخادع يخدع

و اعطيك أمرا فيه للملك قوّة

و إنّي به إن زلّت النعل اصرع

و تمنعني مصرا و لست نزعته

و إنّي بذا الممنوع قدما لمولع

قال له معاوية : أ لم تعلم أنّ مصر مثل العراق ؟ قال : بلى ، و لكنها إنّما تكون لي إذا كانت لك ، و إنّما تكون لك إذا غلبت عليّا على العراق . فدخل عتبة بن أبي سفيان فقال لمعاوية : أما ترضى أن تشتري عمرا بمصر ان صفت لك وليتك لا تغلب على الشام ؟ فأعطاه و كتب له كتابا ، و كتب معاوية : « على ان لا ينقض شرط طاعته » . فكتب عمرو : « و لا تنقض طاعته شرطا » . و كايد كلّ واحد منهما صاحبه ، فلمّا بلغ عليّا عليه السّلام ما صنعا ، قال :

يا عجبا لقد سمعت منكرا

كذبا على اللّه يشيب الشعرا

ما كان يرضى أحمد لو خبرا

أن يقرنوا وصيّه و الابترا

شاني الرسول و اللعين الأخزرا

كلاهما في جنده قد عسكرا

٢٢٦

قد باع هذا دينه فأفجرا

من ذا بدنيا بيعه قد خسرا

بملك مصر ان أصاب الظفرا

إلى أن قال ١ : فقال له عمرو : رأس أهل الشام شرحبيل بن السمط الكندي ، و هو عدوّ جرير البجليّ الذي أرسله اليك عليّ ، فأرسل إليه و وطّن له ثقاتك فليفشوا في الناس : أن عليّا قتل عثمان ، و ليكونوا أهل الرضا عند شرحبيل ، فإنّها كلمة جامعة لك أهل الشام على ما تحب و إن تعلّق بقلبه لم يخرجه شي‏ء أبدا . فكتب معاوية إليه في ذلك ، و دعا يزيد بن أسد و بسر بن أرطأة و عمر بن سفيان و مخارق بن الحرث و حمزة بن مالك و حابس بن سعد رؤوس قحطان و اليمن و كانوا خاصة معاوية و بني عم شرحبيل فأمرهم أن يلقوه و يخبروه : أنّ عليّا قتل عثمان إلى أن قال ثم خرج شرحبيل فلقيه هؤلاء النفر الموطّئون له ، فكلّهم يخبره بأن عليّا قتل عثمان ، فدخل على معاوية فقال له : أبي الناس إلاّ أنّ عليّا قتل عثمان ، و اللّه لئن بايعت له لنخرجنك من الشام أو لنقتلنّك . فقال له معاوية : ما كنت لاخالف عليكم ، ما أنا إلاّ رجل من أهل الشام . فقال شرحبيل : فردّ هذا الرجل أي : جريرا إلى صاحبه . فعرف معاوية أنّ شرحبيل قد نفذت بصيرته في حرب العراق ، و أنّ الشام كلّه معه .

و فيه ٢ : أنّ معاوية طلب من عمرو ان يسوي له صفوف أهل الشام ،

فقال له عمرو : على أنّ لي حكمي إن قتل علي بن أبي طالب ، و استوسقت لك البلاد . فقال : أليس حكمك في مصر ؟ قال : و هل مصر تكون عوضا عن الجنة ،

و قتل ابن أبي طالب ثمنا لعذاب النار الذي لا يفتر عنهم و هم فيه

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٧٠ .

 ( ٢ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٢٣٧ .

٢٢٧

مبلسون ١ ؟ فقال له معاوية : إنّ لك حكمك إن قتل ، رويدا لا يسمع أهل الشام كلامك .

و فيه ٢ : جاء رجل الى عمّار فقال له : إنّ صلاتنا واحدة و كتابنا واحد و رسولنا واحد . فقال له عمّار : هل تعرف الراية السوداء في مقابلتي ؟ إنّها راية عمرو بن العاص قاتلتها مع النبي صلّى اللّه عليه و آله ثلاث مرات ، و هذه الرابعة ، ما هي بخيرهن و لا أبرهن ، بل شرّهن و أفجرهن .

« فخذوا للحرب » أي : الحرب الثانية مع معاوية ، فقد عرفت أنّه عليه السّلام قاله بعد فتح مصر .

« اهبتها » أي : تهيئتها .

« و أعدّوا لها عدتها » أي : استعدادها ، و الأصل فيه قوله تعالى : و أعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة و من رباط الخيل ٣ .

« فقد شب » أي : توقد ، و الشبوب : ما توقد به النار .

« لظاها » أي : التهاب نارها .

« و علا سناها » أي : ضوؤها .

« و استشعروا الصبر » أي : اجعلوه شعارا لكم كالثوب الملصق بالبدن .

« فإنّه » أي : الصبر .

« أدعى الى النصر » قال موسى لقومه استعينوا باللّه و اصبروا إنّ الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين ٤ .

ــــــــــــ

 ( ١ ) الزخرف : ٧٥ .

 ( ٢ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٣٢١ .

 ( ٣ ) الانفال : ٦٠ .

 ( ٤ ) الاعراف : ١٢٨ .

٢٢٨

٦

الكتاب ( ١٧ ) و من كتاب له عليه السّلام إلى معاوية جوابا عن كتاب منه إليه:

فَأَمَّا طَلَبُكَ إِلَيَّ ؟ اَلشَّامَ ؟ فَإِنِّي لَمْ أَكُنْ لِأُعْطِيَكَ اَلْيَوْمَ مَا مَنَعْتُكَ أَمْسِ وَ أَمَّا قَوْلُكَ إِنَّ اَلْحَرْبَ قَدْ أَكَلَتِ اَلْعَرَبَ إِلاَّ حُشَاشَاتِ أَنْفُسٍ بَقِيَتْ أَلاَ وَ مَنْ أَكَلَهُ اَلْحَقُّ فَإِلَى اَلْجَنَّةِ وَ مَنْ أَكَلَهُ اَلْبَاطِلُ فَإِلَى اَلنَّارِ وَ أَمَّا اِسْتِوَاؤُنَا فِي اَلْحَرْبِ وَ اَلرِّجَالِ فَلَسْتَ بِأَمْضَى عَلَى اَلشَّكِّ مِنِّي عَلَى اَلْيَقِينِ وَ لَيْسَ أَهْلُ ؟ اَلشَّامِ ؟ بِأَحْرَصَ عَلَى اَلدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ ؟ اَلْعِرَاقِ ؟ عَلَى اَلْآخِرَةِ وَ أَمَّا قَوْلُكَ إِنَّا ؟ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ ؟ فَكَذَلِكَ نَحْنُ وَ لَكِنْ لَيْسَ ؟ أُمَيَّةُ ؟ ؟ كَهَاشِمٍ ؟ وَ لاَ ؟ حَرْبٌ ؟ ؟ كَعَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ ؟ وَ لاَ ؟ أَبُو سُفْيَانَ ؟ ؟ كَأَبِي طَالِبٍ ؟ وَ لاَ اَلْمُهَاجِرُ كَالطَّلِيقِ وَ لاَ اَلصَّرِيحُ كَاللَّصِيقِ وَ لاَ اَلْمُحِقُّ كَالْمُبْطِلِ وَ لاَ اَلْمُؤْمِنُ كَالْمُدْغِلِ وَ لَبِئْسَ اَلْخَلْفُ خَلْفٌ يَتْبَعُ سَلَفاً هَوَى فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَ فِي أَيْدِينَا بَعْدُ فَضْلُ اَلنُّبُوَّةِ اَلَّتِي أَذْلَلْنَا بِهَا اَلْعَزِيزَ وَ نَعَشْنَا بِهَا اَلذَّلِيلَ وَ لَمَّا أَدْخَلَ اَللَّهُ اَلْعَرَبَ فِي دِينِهِ أَفْوَاجاً وَ أَسْلَمَتْ لَهُ هَذِهِ اَلْأُمَّةُ طَوْعاً وَ كَرْهاً كُنْتُمْ مِمَّنْ دَخَلَ فِي اَلدِّينِ إِمَّا رَغْبَةً وَ إِمَّا رَهْبَةً عَلَى حِينَ فَازَ أَهْلُ اَلسَّبْقِ بِسَبْقِهِمْ وَ ذَهَبَ اَلْمُهَاجِرُونَ اَلْأَوَّلُونَ بِفَضْلِهِمْ فَلاَ تَجْعَلَنَّ لِلشَّيْطَانِ فِيكَ نَصِيباً وَ لاَ عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلاً قول المصنّف : « و من كتاب له عليه السّلام الى معاوية جوابا عن كتاب منه إليه » ليس في ( ابن أبي الحديد ) ١ و ( الخطية ) كلمة « إليه » ، روى الكتابين نصر بن مزاحم في ( صفينه ) ٢ ، و المسعودي في ( مروجه ) ٣ و ابن قتيبة في

ــــــــــــ

 ( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١١٧ .

 ( ٢ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٤٧١ .

 ( ٣ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٢٢ ٢٣ .

٢٢٩

( خلفائه ) ١ ، و كذا عن البيهقي في ( محاسنه ) .

ففي الأوّل و نقله ابن أبي الحديد ٢ أيضا مع اختلاف : ذكروا ٣ أنّ عليّا عليه السّلام أظهر يوما أنّه مصبح غدا معاوية و مناجزه ، فبلغ ذلك معاوية و فزع أهل الشام لذلك و انكسروا لقوله الى أن قال: و قال الأشتر حين قال عليه السّلام ذلك:

قد دنا الفضل في الصباح و للسلم

رجال و للحروب رجال

فرجال الحروب كلّ حدب

مقحم لا تهدّه الأهوال

يضرب الفارس المدجج بالسيف

إذا فلّ في الوغى الأكفال

يا بن هند شد الحيازيم للموت

و لا يذهبن بك الآمال

إنّ في الصبح إن بقيت لأمرا

تتفادى من هو له الأبطال

فيه عز العراق أو ظفر الشام

بأهل العراق و الزلزال

فاصبروا للطعان بالأسل السمر

و ضرب يجري به الأمثال

ان تكونوا قتلتم النفر البيض

و غالت اولئك الآجال

فلنا مثلهم و إن عظم الخطب

قليل أمثالهم أبدال

يخضبون الوشيج طعنا اذا جرّت

إلى الموت بينهم أذيال

طلب الفوز في المعاد و في ذا

تستهان النفوس و الأموال

فلما انتهى الى معاوية شعر الأشتر قال : شعر منكر من شاعر منكر ،

رأس أهل العراق و عظيمهم ، و مسعر حربهم ، و أوّل الفتنة و آخرها . و قد رأيت أن أكتب الى علي كتابا أسأله الشام و هو الشي‏ء الأول الذي ردّني عنه و القي

ــــــــــــ

 ( ١ ) الخلفاء لابن قتيبة : ١١٧ ، ١١٨ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١١٧ .

 ( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١٢٠ ، صفين لنصر بن مزاحم : ٤٦٨ .

٢٣٠

في نفسه الشك و الرقة . فضحك عمرو بن العاص و قال له : أين أنت من خدعة علي ؟ فقال : ألسنا بني عبد مناف ؟ قال : بلى ، و لكن لهم النبوّة دونك ، و إن شئت أن تكتب فاكتب . فكتب مع رجل من السكاسك يقال له : عبد اللّه بن عقبة و كان من ناقلة أهل العراق : أما بعد ، فإنّي أظنّك أن لو علمت و علمنا أنّ الحرب تبلغ بنا و بك ما علمت ، لم يجنها بعضنا على بعض ، و إنّا و إن كنّا قد غلبنا على عقولنا ،

فقد بقي لنا ما نندم به على ما مضى و نصلح به ما بقي ، و قد كنت سألتك الشام على ألا يلزمني لك طاعة و لا بيعة ، فأبيت ذلك عليّ فأعطاني اللّه ما منعت ، و أنا أدعوك اليوم إلى ما دعوتك إليه أمس ، فإنّي لا أرجو من البقاء إلاّ ما ترجو ، و لا أخاف من الموت إلاّ ما تخاف ، و قد و اللّه رقت الأجناد و ذهبت الرجال ، و نحن بنو عبد مناف ليس لبعضنا على بعض فضل ، إلا فضل لا يستذل به عزيز و لا يسترقّ به حرّ . و السلام . فلما انتهى كتاب معاوية الى علي عليه السّلام قرأه ، ثم قال :

العجب لمعوية و كتابه . ثم دعا عبيد اللّه بن أبي رافع كاتبه فقال له : اكتب الى معاوية : « أمّا بعد ، فقد جاءني كتابك تذكر أنك لو علمت و علمنا أنّ الحرب تبلغ بنا و بك ما بلغت لم يجنها بعضنا على بعض ، فأنا و إياك منها في غاية لم تبلغها ، و إنّي لو قتلت في ذات اللّه و حييت ، ثم قتلت ثم حييت سبعين مرة لم أرجع عن الشدة في ذات اللّه ، و الجهاد لأعداء اللّه . و أمّا قولك : إنّه قد بقي من عقولنا ما نندم به على ما مضى، فإني ما نقصت عقلي و لا ندمت على فعلي .

فأمّا طلبك الشام فإنّي لم أكن لاعطيك اليوم ما منعتك أمس . و امّا استواؤنا في الخوف و الرّجاء فإنّك لست بأمضى على الشك مني على اليقين ، و ليس أهل الشام بأحرص على الدنيا من أهل العراق على الآخرة . و أمّا قولك : انّا بنو عبد مناف ليس لبعضنا على بعض فضل ، فعلمري إنّا بنو أب واحد ، و لكن ليس امية كهاشم ، و لا حرب كعبد المطلب ، و لا أبو سفيان كأبي طالب ، و لا المهاجر

٢٣١

كالطليق ، و لا المحقّ كالمبطل ، و في أيدينا فضل النبوّة التي أذللنا بها العزيز و أعززنا بها الذليل » . فلما أتى معاوية كتاب عليّ عليه السّلام كتمه عن عمرو أيّاما ، ثمّ دعاه بعد ذلك فأقرأه الكتاب ، فشمت به . و لم يكن أحد من قريش أشدّ تعظيما لعلي عليه السّلام من عمرو ، منذ يوم لقيه و صفح عنه .

و في الأخير بعد ذكر معنى ما مرّ عن نصر : فقال معاوية لعمرو : قد علمت أنّ إعظامك لعلي لما فضحك ، فقال عمرو : لم يفتضح امرؤ بارز عليّا ،

و إنّما افتضح من دعاه الى البراز فلم يجبه .

قوله عليه السّلام : « فأمّا طلبك إليّ الشام فإنّي لم أكن أعطيك اليوم ما منعتك أمس » في ( الاستيعاب ) ١ : نادى حوشب الحميري عليّا عليه السّلام يوم صفين ، فقال:

انصرف عنّا يابن أبي طالب ، فانّا ننشدك اللّه في دمائنا و دمك ، و نخلي بينك و بين عراقك ، و تخلّي بيننا و بين شامنا ، و تحقن دماء المسلمين . فقال عليّ عليه السّلام : هيهات يابن امّ ظليم و اللّه لو علمت انّ المداهنة تسعني في دين اللّه لفعلت ، و لكان أهون عليّ في المؤنة ، و لكن اللّه لم يرض من أهل القرآن بالسكوت و الإدهان ، إذا كان اللّه يعصى و هم يطيقون الدفاع و الجهاد ، حتى يظهر أمر اللّه .

و في ( الأغاني ) ٢ : سار زياد بن الأشهب و كان شريفا سيّدا الى أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام يصلح بينه و بين معاوية ، فلم يجبه و في ذلك يقول نابغة بني جعدة يعتدّ على معاوية :

و قام زياد عند باب ابن هاشم

يريد صلاحا بينكم و يقرّب

ــــــــــــ

 ( ١ ) الاستيعاب ١ : ٣٩٥ .

 ( ٢ ) الأغاني لأبي الفرج ١٢ : ٢٣ .

٢٣٢

و في ( صفين نصر ) ١ : و خرج رجل من أهل الشام ينادي بين الصفين :

يا أبا الحسن ابرز لي . فخرج إليه عليّ عليه السّلام حتى اذا اختلفت أعناق دابتيهما بين الصفين قال له : يا علي إنّ لك قدما في الاسلام و هجرة ، فهل لك في أمر أعرضه عليك يكون فيه حقن هذه الدماء و تأخير هذه الحروب ، حتى ترى من رأيك ؟ فقال له عليّ عليه السّلام : و ما ذاك ؟ قال : ترجع الى عراقك ، فنخلي بينك و بين العراق ، و نرجع الى شامنا ، و تخلّي بيننا و بين شامنا . فقال له عليّ عليه السّلام : لقد عرفت انّما عرضت هذا نصيحة و شفقة ، و لقد أهمني هذا الأمر و أسهرني ،

و ضربت أنفه و عينه فلم أجد إلاّ القتال ، أو الكفر بما أنزل على محمّد صلّى اللّه عليه و آله . إنّ اللّه تعالى لم يرض من أوليائه أن يعصى في الأرض و هم سكوت مذعنون ، لا يأمرون بالمعروف و لا ينهون عن المنكر ، فوجدت القتال أهون عليّ من معالجة الأغلال في جهنم . فرجع الشامي و هو يسترجع .

« و أمّا قولك : ان الحرب قد أكلت العرب إلاّ حشاشات » في ( الصحاح ) :

الحشاش و الحشاشة : بقية الروح في جسد المريض .

« أنفس بقيت » في ( المروج ) ٢ : اختلف في عدّة من قتل من الفريقين ، فعن يحيى بن معين : قتل من الشام تسعون ألفا ، و من أهل العراق عشرون ألفا .

و ذكر الهيثم بن عدي و الشرقي بن القطامي و أبو مخنف : أنّه قتل من أهل الشام خمسة و أربعون ألفا ، و من أهل العراق خمسة و عشرون ألفا ، فيهم خمسة و عشرون بدريا . و كان الاحصاء للقتلى يقع بالقضيب .

« ألا و من أكله الحق فإلى الجنّة و من أكله الباطل فإلى النار » هكذا في

ــــــــــــ

 ( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٤٧٤ .

 ( ٢ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٤٠٤ .

٢٣٣

( المصرية ) ١ و لكن في ( ابن أبي الحديد ) ٢ و ( ابن ميثم ) ٣ إنّما هكذا : « ألا من أكله الحق فإلى النار » . و لم يشر ابن ميثم الى رواية اخرى . و أمّا ابن أبي الحديد ٤ فقال : رواية « ألا و من أكله الحق فإلى النار » أليق من الرواية المذكورة في أكثر الكتب . . .

و أشار الى مثل ما في ( المصرية ) و ظاهر كلامه كون النهج بلفظ : « ألا و من أكله الحق فإلى النار » ، حيث نسب مثل ما في ( المصرية ) إلى كتب اخرى لا نسخ النهج ، و يشهد له اقتصار ابن ميثم مع كون نسخته بخط المصنّف على ما مر . و حينئذ المراد بقوله عليه السّلام « من أكله الحق » أي : من أمر الحق بقتله ،

و الأصل فيه قوله تعالى . . . و لا تقتلوا النفس التي حرّم اللّه إلاّ بالحق . . . ٥ و أما ما في ( المصرية ) فالمراد واضح : أنّ من قتل في سبيل الحق فإلى الجنّة ،

و من قتل في سبيل الباطل فإلى النار . و يمكن تأييده بما روى ( صفين نصر ) ٦:

أن عتبة بن أبي سفيان أخا معاوية قال لجعدة بن هبيرة ابن اخت أمير المؤمنين عليه السّلام : ما أقبح بعلي أن يكون في قلوب المسلمين أولى الناس بالناس ،

حتى اذا أصاب سلطانا أفنى العرب فقال له جعدة : و أمّا قتل العرب فإنّ اللّه كتب القتال ، فمن قتله الحق فإلى اللّه .

و كيف كان ، ففي ( صفين نصر ) ٧ : أنّ الأحنف قال في صفين لأصحابه

ــــــــــــ

 ( ١ ) الطبعة المصرية : ١٩ ، الكتاب ١٧ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١١٧ .

 ( ٣ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٣٨٨ و فيه : « ألا و من أكله الحق فإلى الجنّة . . . » .

 ( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١١٨ .

 ( ٥ ) الأنعام : ١٥١ .

 ( ٦ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٤٦٤ .

 ( ٧ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٣٨٧ .

٢٣٤

و كان مع عليّ عليه السّلام : هلكت العرب . قالوا : و إن غلبنا ؟ قال : نعم . قالوا : و إن غلبنا ؟ قال : نعم . قالوا : ما جعلت لنا مخرجا . قال . إن غلبنا لم نترك بها رئيسا إلاّ ضربنا عنقه ، و إن غلبنا لم يعرج رئيس عن معصية اللّه .

« و أمّا استواؤنا في الحرب و الرجال فلست بأمضى على الشك منّي على اليقين » في ( صفين نصر ) ١ : نادى عتبة بن أبي سفيان جعدة المخزومي ابن اخت عليّ عليه السّلام ، و اذن عليّ عليه السّلام له في الخروج إليه ، و اجتمع الناس لكلامهما ،

فقال عتبة : يا جعدة ، و اللّه ما أخرجك علينا إلاّ حبّ خالك ، و إنّا و اللّه ما نزعم أنّ معاوية أحقّ بالخلافة من عليّ عليه السّلام لو لا أمره في عثمان ، و لكن معاوية أحقّ بالشام لرضا أهلها به ، فاعفوا لنا عنها ، فو اللّه ما بالشام رجل به ظرف إلاّ و هو أجدّ من معاوية في القتال ، و ليس بالعراق من له جدّ من مثل جدّ علي ، و نحن أطوع لصاحبنا منكم لصاحبكم . فقال له جعدة : إن كان لك خال مثلي لنسيت أباك ، و أمّا رضاك اليوم بالشام فقد رضيتم بها أمس . و أمّا قولك : إنّه ليس بالشام من رجل إلاّ و هو أجدّ من معاوية ، و ليس بالعراق لرجل مثل جدّ علي ،

فهكذا ينبغي أن يكون ، مضى بعلي عليه السّلام يقينه ، و قصر بمعاوية شكه ، و قصد أهل الحقّ خير من جهد أهل الباطل .

« و ليس أهل الشام بأحرص على الدنيا من أهل العراق على الآخرة » في ( صفين نصر ) ٢ : قيدت عك من أهل الشام أرجلها بالعمائم ، ثم طرحوا حجرا بين أيديهم و قالوا لا نفرّ حتى يفرّ هذا الحكر أي : الحجر ، فعك تقلب الجيم كافا و فعل أهل العراق كذلك ، و تجادلوا حتى أدركهم الليل ، فقالت همدان : يا معشر عك إنّا و اللّه لا ننصرف حتى تنصرفوا . و قال عك مثل ذلك . فأرسل

ــــــــــــ

 ( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٤٦٣ ٤٦٤ .

 ( ٢ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٤٣٤ .

٢٣٥

معاوية الى عك : أبرّوا قسم القوم . فانصرفت عك ، ثم انصرفت همدان .

و فيه ١ : أرسل ابن حنش رأس خثعم مع معاوية الى أبي كعب رأس خثعم مع علي عليه السّلام : إن شئت توافقنا فلم نقتتل ، فإن ظهر صاحبك كنّا معكم ،

و إن ظهر صاحبنا كنتم معنا و لم يقتل بعضنا بعضا . فأبى أبو كعب ذلك . و قال ابن حنش لقومه : قد عرضت لقومنا من أهل العراق الموادعة ، صلة لأرحامهم و حفظا لحقهم ، فأبوا إلاّ قتالنا الى أن قال فاشتد القتال و أخذ أبو كعب يقول لأصحابه : يا معشر خثعم خذموا أي : اضربوهم في سوقهم و أخذ صاحب الشام يقول : يا أبا كعب قومك فأنصف .

و فيه ٢ : خرج اثال بن حجل من عسكر علي عليه السّلام و نادى : هل من مبارز ؟

فدعا معاوية حجلا فقال : دونك الرجل . و كانا مستبصرين في رأيهما ، فبرز كلّ واحد منهما إلى صاحبه ، فبدره الشيخ بطعنة ، فطعنه الغلام و انتمى ، فاذا هو ابنه فنزلا فاعتنق كلّ واحد منهما صاحبه و بكيا ، فقال له الأب : أي اثال ،

هلم الى الدنيا . فقال له الغلام : يا أبه هلم الى الآخرة ، و اللّه يا أبه لو كان من رأيي الانصراف إلى أهل الشام ، لوجب عليك أن يكون من رأيك لي أن تنهاني ،

واسوأتاه فماذا أقول لعلي عليه السّلام و للمؤمنين الصالحين ؟ كن أنت على ما أنت عليه ، و أنا أكون على ما أنا عليه . و انصرف حجل الى أهل الشام و اثال الى أهل العراق ، فخبر كلّ واحد منهما أصحابه .

« و أمّا قولك : إنّا بنو عبد مناف فكذلك » الأصل في شبهة كون كلّ منهما ابن عبد مناف عمر ، حيث أراد في شوراه جعل عثمان في مقابله عليه السّلام فقال : « و لكن الستة علي و عثمان ابنا عبد مناف . . . » فيقال لعمر : على قاعدتك يتساوى

ــــــــــــ

 ( ١ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٢٥٧ .

 ( ٢ ) صفين لنصر بن مزاحم : ٤٤٣ .

٢٣٦

النبي صلّى اللّه عليه و آله و أبو سفيان ، فكلّ منهما ابنا عبد مناف .

« و لكن ليس امية » قال جارية بن قدامة لمعوية في منافرة بينهما : ما معاوية إلاّ كلبة تعاوي الكلاب ، و ما اميّة إلاّ تصغير الأمة .

« كهاشم » في ( الطبري ) ١ : اسمه عمرو ، و إنّما قيل له : هاشم ، لأنّه أوّل من هشم الثريد لقومه بمكة و أطعمهم . و له يقول مطرود الخزاعي : و قال ابن الكلبي : يقول ابن الزبعرى :

عمرو الذي هشم الثريد لقومه

و رجال مكة مسنتون عجاف

ذكروا أنّ قومه من قريش كانت أصابتهم لزبة و قحط ، فرحل الى فلسطين فاشترى منها الدقيق ، فقدم به مكة فأمر به فخبز له ، و نحر جزورا ، ثم اتّخذ لقومه مرقة ثريد بذلك الخبز .

قال وهب بن عبد قصي في ذلك :

تحمّل هاشم ما ضاق عنه

و أعيى أن يقوم به ابن بيض

أتاهم بالغرائر متأنقات

من ارض الشام بالبر النفيض

فأوسع أهل مكة من هشيم

و شاب الخبز باللحم الغريض

فظل القوم بين مكللات

من الشيزى و حائرها يفيض

فحسده اميّة ، و كان ذا مال ، فتكلّف أن يصنع صنيع هاشم ، فعجز عنه فشمت به ناس من قريش ، فغضب و نال من هاشم و دعاه الى المنافرة ، فكره هاشم ذلك لسنه و قدره ، و لم تدعه قريش و أحفظوه . قال : فإنّي انافرك على خمسين ناقة سود الحدقة ننحرها ببطن مكة ، و الجلاء عن مكة عشر سنين .

فرضي بذلك امية ، و جعلا بينهما الكاهن الخزاعي ، فنفّر هاشما على امية ،

فأخذ هاشم عن أمية الإبل ، فنحرها و أطعمها من حضره ، و خرج امية الى

ــــــــــــ

 ( ١ ) تاريخ الطبري ٢ : ٢٥١ .

٢٣٧

الشام فأقام بها عشر سنين ، فكانت هذه أوّل عداوة وقعت بين هاشم و امية .

و في ( لطائف الثعالبي ) : و قيل في هاشم :

ما أحد كهاشم و ان هشم

لا لا و لا كحاتم و إن حتم

و في ( إثبات وصية المسعودي ) ١ في خطبته عليه السّلام في انتقال نور النبي صلّى اللّه عليه و آله من آدم أبا بعد أب الى ولادته : حتى نقلت نوره الى هاشم خير آبائه بعد إسماعيل ، فأي أب و جدّ و والد أسرة و مجمع عترة و مخرج طهر و مرضع فخر جعلت يا رب هاشما لقد أقمته لدن بيتك و جعلت له المشاعر و المتاجر .

و قال الجاحظ و قد نقله ابن أبي الحديد ٢ في موضع آخر : صنع اميّة في الجاهلية صنعا لم يصنعه أحد من العرب : زوّج ابنه أبا عمرو امرأته في حياته منه ، فأولدها أبا معيط . و المقتيون في الاسلام هم الذين نكحوا نساء آبائهم بعد موتهم . فأمّا ان يتزوجها في حياة الأب و يبني عليها و هو يراه ، فإنّه شي‏ء لم يكن قط . . . و يأتي أنّ عبد المطلب بن هاشم حرّم زوجة الأب في الجاهلية ، فأمضاه الاسلام .

و عن كتاب ( هاشم و عبد شمس ) للدباس : روى هشام الكلبي : أنّ اميّة لمّا كان غلاما كان يسرق الحاجّ ، فسمّي حارسا .

و عنه : قال عثمان لرجل من حضر موت : أفرأيت اميّة ؟ قال : نعم ، رأيت رجلا آدم دميما قصيرا أعمى ، يقال : انّه كان أنكد و إن فيه نكدا أي : مشؤوما و فيه عسر فقال عثمان : يكفيك من شرّ سماعه . و أمر بإخراجه .

و عن ( أنساب قريش ابن بكار ) : اصطلحت قريش على ان يولّى هاشم

ــــــــــــ

 ( ١ ) إثبات الوصية للمسعودي : ١٠٩ .

 ( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ٢٠٧ .

٢٣٨

بعد موت أبيه السقاية و الرفادة ، و ذلك انّ عبد شمس كان يسافر و قلّ أن يقيم بمكة و كان رجلا معيلا ، و كان له ولد كثير و كان هاشم رجلا موسرا ، فكان إذا حضر الحج قام في قريش فقال : إنّكم جيران اللّه و أهل بيته ، و إنّه يأتيكم في هذا الموسم زوّار اللّه يعظمون حرمة بيته ، فهم لذلك ضيف اللّه ، و أحق ضيف بالكرامة ضيف اللّه ، و قد خصّكم اللّه بذلك و أكرمكم به ، ثم حفظ منكم أفضل ما حفظ جار من جاره ، فأكرموا ضيفه و زوّاره ، فإنّهم يأتون شعثا غبرا من كلّ بلد ، ضوامر كالقداح و قد ارجفوا و تفلوا و قملوا و ارسلوا ، فأقروهم و أعينوهم .

فكانت قريش تترافد على ذلك ، و كان هاشم يخرج في كلّ سنة مالا كثيرا ،

و كان يقول لقريش : فوربّ هذه البنيّة لو كان لي مال يحمل ذلك لكفيتموه ، ألا و إني مخرج من طيّب مالي و حلاله ما لم يقطع فيه رحم و لم يؤخذ بظلم ، و لم يدخل فيه حرام . و أسألكم بحرمة هذا البيت ألا يخرج منكم رجل من ماله لكرامة زوّار بيت اللّه و معونتهم إلاّ طيبا ، لم يؤخذ ظلما ، و لم يقطع فيه رحم ،

و لم يغتصب . فكانت قريش تخرج من صفو أموالها ما تحتمله أحوالها ، و تأتي بها الى هاشم فيضعه في دار الندوة لضيافة الحاج ، و كان هاشم يأمر بحياض من ادم ، يجعل في موضع زمزم من قبل أن تحتفر ، يستقي فيها من البئار التي بمكة فيشرب الحاج ، و كان يطعمهم أوّل ما يطعم قبل يوم التروية بيوم ، بمكة و منى و بجمع و بعرفة ، و كان يثرد لهم الخبز و اللحم و السمن و السويق و التمر ، و يحمل لهم الماء فيسقون بمنى و الماء يومئذ قليل الى أن يصدروا .

و قال الجاحظ : كان يقال لهاشم : القمر . كان بين مطرود الخزاعي و بعض قريش شي‏ء ، فدعاه الى المحاكمة الى هاشم ، و قال :

الى القمر الساري المنير دعوته

و مطعمهم في الازل من قمع الجزر

و قال ابن بكار : قالوا لهاشم : عمرو العلي لمعاليه ، و كان أول من سن

٢٣٩

الرحلتين : رحلة الى الحبشة و رحلة الى الشام ، و كانت قريش لا تعدو تجارتهم مكة ، إنّما تقدم عليهم الأعاجم بالسلع فيشترونها منهم و يتبايعون بها بينهم ،

و يبيعون من حولهم من العرب حتى رحل هاشم الى الشام ، فنزل بقيصر فكان يذبح كلّ يوم شاة ، و يضع جفنة من ثريد يدعو الناس فيأكلون . و كان من أحسن الناس خلقا و تماما ، فذكر لقيصر و قيل له : هاهنا رجل من قريش يهشم الخبز ثم يصبّ عليه المرق و يفرغ عليه اللحم و يدعو الناس . و كانت الأعاجم و الروم تضع المرق في الصحف تأتدم عليه بالخبز ، فدعا به قيصر ، فلمّا رآه و كلّمه اعجب به ، و جعل يرسل إليه فيدخل عليه ، فلمّا رأى مكانه منه سأله أن يأذن لقريش في القدوم عليه بالمتاجر ، و أن يكتب لهم كتاب الأمان في ما بينهم و بينه ، ففعل . فبذلك ارتفع هاشم من قريش .

« و لا حرب كعبد المطلب » عن ( الأغاني ) : أنّ معاوية قال لدغفل النسابة :

أ رأيت عبد المطلب كيف كان ؟ قال : رأيت رجلا نبيلا و ضيئا كأنّ على وجهه نور النبوّة .

و في ( الكافي ) ١ : عن الصادق عليه السّلام : جاء النبي صلّى اللّه عليه و آله و هو طفل يدرج حتى جلس على فخذ عبد المطلب ، فأهوى بعض ولده إليه لينحيه عنه ، فقال له : دع ابني فان الملك قد أتاه ٢ .

و عنه عليه السّلام : قال النبي صلّى اللّه عليه و آله : سنّ عبد المطلب في الجاهلية خمس سنن أجراها اللّه له في الاسلام : حرّم نساء الآباء على الأبناء ، فأنزل تعالى : و لا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء . . . ٣ . و وجد كنزا فأخرج منه الخمس

ــــــــــــ

 ( ١ ) الكافي ١ : ٤٤٨ ح ٢٦ .

 ( ٢ ) ذكره شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ٢٢٩ الباب ٢٨ .

 ( ٣ ) النساء : ٢٢ .

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510