تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

تذكرة الفقهاء11%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-435-3
الصفحات: 510

الجزء ١٤
  • البداية
  • السابق
  • 510 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 435972 / تحميل: 6084
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٤

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٥-٣
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

بعينه ، قال : « لا يحاصّه الغرماء »(١) .

ولأنّ هذا العقد يلحقه الفسخ بتعذّر العوض ، فكان له الفسخ ، كما لو تعذّر المـُسْلَم فيه. ولأنّه لو شرط في البيع رهناً فعجز عن تسليمه ، استحقّ البائع الفسخ وهو وثيقة بالثمن ، فالعجز عن تسليم الثمن إذا تعذّر أولى.

وقال أبو حنيفة : ليس للحاكم أن يحجر عليه ، وليس للبائع الرجوع في عينه ، بل يكون أُسوة الغرماء ؛ لتساويهم في سبب الاستحقاق ، فيتساوون في الاستحقاق. ولأنّ البائع كان له حقُّ الإمساك لقبض الثمن فلمّا سلّمه قبل قبضه فقد أسقط حقّه من الإمساك ، فلم يكن له أن يرجع في ذلك بالإفلاس ، كالمرتهن(٢) .

والبائع وإن ساوى الغرماء في السبب لكن اختلفوا في الشرط ، فإنّ بقاء العين شرط لملك(٣) الفسخ ، وهو موجود في حقّ مَنْ وجد متاعه دون مَنْ لم يجده.

والفرقُ : أنّ الرهن مجرّد الإمساك على سبيل الوثيقة وليس ببدلٍ ، وهنا(٤) هو(٥) بدل عنها(٦) ، فإذا تعذّر استيفاؤه ، رجع إلى المـُبدل(٧) .

قال أحمد : لو أنّ حاكماً حكم أنّه(٨) أُسوة الغرماء ثمّ رفع(٩) إلى‌

____________________

(١) التهذيب ٦ : ١٩٣ / ٤٢٠ ، الاستبصار ٣ : ٨ / ١٩.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٨٥ و ٢٨٧ ، المغني ٤ : ٤٩٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٣.

(٣) في « ث ، ر » والطبعة الحجريّة : « تملّك » بدل « لملك ».

(٤) في « ث ، ج » والطبعة الحجريّة : « رهنا ». والصحيح ما أثبتناه.

(٥) هو ، أي الثمن.

(٦) أي : عن العين.

(٧) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « في البدل » بدل « إلى المبدل ». والظاهر ما أثبتناه.

(٨) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « له » بدل « أنّه ». والصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.

(٩) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « رجع » بدل « رفع ». وما أثبتناه كما في المصدر.

٨١

حاكمٍ يرى العمل بالحديث(١) ، جاز له نقض حكمه(٢) .

إذا عرفت هذا ، فلو مات المفلس قبل القسمة ، فإن كان في التركة وفاء للديون ، اختصّ صاحب العين بماله ، وإلّا كان أُسوةَ الغرماء ؛ لما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « أيّما رجل باع متاعاً فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض البائع من ثمنه شيئاً فوجده بعينه فهو أحقّ به ، وإن مات فهو أُسوة الغرماء »(٣) وغالب الإفلاس إنّما يكون مع قصور المال عن الديون على ما سلف(٤) .

ومن طريق الخاصّة : رواية أبي ولّاد عن الصادقعليه‌السلام ، وقد سلفت(٥) .

ومالكُ لم يفصّل ، بل أطلق القول بأنّ الغريم لا يختصّ بعين ماله في صورة الميّت ، بل يشارك الغرماء ؛ لما تقدّم(٦) من الرواية.

وقد بيّنّا أنّ الإفلاس إنّما يكون مع القصور.

ولأنّه إذا مات انتقل الملك إلى الورثة فمَنَع ذلك الرجوعَ ، كما لو باعه المشتري ثمّ أفلس(٧) .

وهو ممنوع ؛ لأنّ الوارث يقوم مقام المورّث ، ولهذا تتعلّق به ديونه ،

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بالرجوع » بدل « بالحديث ». وما أثبتناه كما في المصدر. والمراد بالحديث حديث ابن خلدة الزرقي ، المتقدّم في ص ٧٩.

(٢) المغني ٤ : ٤٩٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٤.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٨ ، الهامش (٣)

(٤) في ص (٦)

(٥) في ص ٨.

(٦) آنفاً.

(٧) راجع : الهامش (١) من ص ٨ ، المسألة ٢٥٩.

٨٢

بخلاف ما لو باعه.

مسألة ٣٢٧ : وهذا الخيار يثبت للبائع والمـُقرض والواهب بشرط الثواب‌. وبالجملة ، كلّ معاوضة ، سواء وجد غير هذه العين ، أو لم يوجد سواها ؛ للعموم(١) .

والأقرب : أنّ هذا الخيار على الفور - وهو أحد قولي الشافعي ، وإحدى الروايتين عن أحمد(٢) - لأنّ الأصل عدم الخيار ، فيكون الأصل عدم بقائه لو وُجد. ولأنّه خيار يثبت في البيع لنَقْصٍ في العوض ، فكان على الفور ، كالردّ بالعيب والخلف(٣) والشفعة. ولأنّ القول بالتراخي يؤدّي إلى الإضرار بالغرماء من حيث إنّه يؤدّي إلى تأخير حقوقهم.

والثاني : أنّه على التراخي ؛ لأنّه حقّ رجوع لا يسقط إلى عوض ، فكان على التراخي ، كالرجوع في الهبة(٤) .

وما قلناه أشبه من خيار الهبة.

فعلى ما اخترناه من الفوريّة لو علم بالحجر ولم يفسخ ، بطل حقّه من الرجوع.

وقال بعض الشافعيّة : يتأقّت بثلاثة أيّام ، كما هو أحد أقوال الشافعي في خيار المعتقة تحت الرقيق وفي الشفعة(٥) .

____________________

(١) راجع : الهامش (٤) من ص ٧٩.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٩ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٧٠ ، حلية العلماء ٤ : ٤٩٦ ، الوسيط ٤ : ٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٣ ، منهاج الطالبين : ١٢٢ ، المغني ٤ : ٤٩٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٤.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الحلب » بدل « الخلف ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) نفس المصادر في الهامش (٢)

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٣.

٨٣

مسألة ٣٢٨ : لا يفتقر هذا الخيار إلى إذن الحاكم‌ ، بل يستبدّ به الفاسخ من غير الحاجة إلى حكم الحاكم ؛ لأنّه ثابت بالسنّة الصحيحة ، فصار كخيار المرأة فسخَ النكاح ، والعتق.

ولوضوح الحديث ذهب بعض الشافعيّة إلى أنّه لو حكم حاكمٌ بالمنع من الفسخ ، نقض حكمه(١) .

وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : أنّه يفتقر إلى حكم الحاكم وإذنه ؛ لأنّه فسخٌ مختلفٌ فيه ، كالفسخ بالإعسار(٢) .

مسألة ٣٢٩ : الفسخ قد يحصل بالقول ، كما ينعقد البيع به. وصيغة الفسخ : فسخت البيع ، ونقضته ، ورفعته.

ولو اقتصر على قوله : رددت الثمن ، أو : فسخت البيع ، فيه إشكال أقربه : الاكتفاء به ، وهو أصحّ قولي الشافعي.

والثاني : لا يكتفى بذلك ؛ لأنّ حقّ الفسخ أن يضاف إلى العقد المرسل ، ثمّ إذا انفسخ العقد ، ثبت مقتضاه(٣) .

وقد يحصل بالفعل ، كما لو باع صاحب السلعة سلعتَه ، أو وهبها ، أو دفعها.

وبالجملة ، إذا تصرّف فيها تصرّفاً يدلّ على الفسخ ، كوطئ الجارية المبيعة ، على الأقوى ؛ صوناً للمسلم عن فاسد التصرّفات ، وتكون هذه التصرّفات تدلّ على حكمين : الفسخ ، والعقد ، وهو أحد قولي الشافعي.

والأصحّ عنده : أنّه لا يحصل الفسخ بها ، وتلغو هذه التصرّفات(٤) .

____________________

(١ و ٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٨٥ ، حلية العلماء ٤ : ٤٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٣.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٩ - ٣٣٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٨٦ ، الحاوي =

٨٤

واعلم أنّ حقّ الرجوع للبائع لا يثبت على الإطلاق بالإجماع ، بل هو مشروط بأُمور يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى.

ولا يختصّ الرجوع بالبيع على ما تقدّم(١) ، بل يثبت في غيره من المعاوضات ، وإنّما يظهر الغرض بالنظر في أُمور ثلاثة : العوض المتعذّر تحصيله ، والعرض(٢) المسترجع ، والمعاوضة التي بها انتقل الملك إلى المفلس.

النظر الأوّل : في العوض

يشترط في العوض أمران : الحلول ، وتعذّر استيفائه بسبب الإفلاس ، فلو كان الثمن مؤجَّلاً ، لم يكن له الرجوع ؛ لأنّه لا مطالبة له في الحال ، فكيف يفسخ البيع اللازم بغير موجب!؟ وإلّا لحلّ الأجل بالفلس على ما تقدّم(٣) .

ولو حلّ الأجل قبل انفكاك الحجر ، فالأقرب : أنّه لا يشارك صاحبه الغرماء ؛ لسبق تعلّق حقّهم بالأعيان ، بخلاف ما لو ظهر دَيْنٌ حالّ سابق ، فإنّه يشارك الغرماء ، فعلى هذا ليس لصاحب الدَّيْن الذي قد حلّ الرجوعُ في عين ماله ، سواء كان الحاكم قد دفعها في بعض الديون أو لا.

مسألة ٣٣٠ : لو كانت أمواله وافيةً بالديون ، لم يجز الحجر عندنا ،

____________________

= الكبير ٦ : ٢٧٠ ، حلية العلماء ٤ : ٤٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٣.

(١) في ص ٨٢ ، المسألة ٣٢٧.

(٢) أي المعوّض.

(٣) في ص ١٦ ، المسألة ٢٦٣.

٨٥

وهو الظاهر من مذهب الشافعي(١) .

وله قولٌ آخَر : إنّه يجوز الحجر عليه(٢) .

فعلى تقدير جواز الحجر لو حجر ، فهل لصاحب العين الرجوع في عينه؟ للشافعي وجهان :

أحدهما : أنّه لا يرجع ؛ لأنّه يصل إلى الثمن.

والثاني : أنّه يرجع ؛ لأنّه لو لم يرجع لما أمن أن يظهر غريمٌ آخَر فيزاحمه فيما أخذه(٣) .

وهذان الوجهان عندنا ساقطان ؛ لأنّهما فرع الحجر وقد منعناه.

مسألة ٣٣١ : لو ترك الغرماء لصاحب السلعة الثمن ليتركها ، قال الشيخرحمه‌الله : لم يلزمه القبول‌ ، وكان له أخذ عينه(٤) - وبه قال الشافعي وأحمد(٥) - لما فيه من تحمّل المنّة ، ولعموم الخبر(٦) ، ولأنّه ربما يظهر غريمٌ آخَر فيزاحمه فيما أخذ.

وللشافعيّة فيه وجهٌ آخَر : أنّه لا يبقى له الرجوع في العين ، تخريجاً‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٨٥ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٦٥ ، حلية العلماء ٤ : ٤٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧ - ٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٥.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٨٥ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٦٥ ، حلية العلماء ٤ : ٤٨٨ - ٤٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٧ - ٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦٥.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٢٦٥ - ٢٦٦ ، حلية العلماء ٤ : ٤٨٩ - ٤٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٤.

(٤) الخلاف ٣ : ٢٦٥ ، المسألة (٤)

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٤ ، المغني ٤ : ٤٩٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٥.

(٦) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٦ - ٢٨٧ / ٣٥٢٠ و ٣٥٢٢.

٨٦

ممّا إذا حجر عليه الحاكم وفي ماله وفاء(١) .

وقال مالك : ليس له الرجوع في العين ؛ لأنّ ذلك إنّما جُعل له لما يلحقه من النقص في الثمن ، فإذا بذل له ، لم يكن له الرجوع ، كما إذا زال العيب من المبيع ، لم يكن له ردّه(٢) .

ويمكن أن نقول : إن كان المدفوع من مال المفلس ، لم يجب القبول ؛ لإمكان تجدّد غريمٍ آخَر ، فلا يأمن من مزاحمته ، فكان له الرجوعُ في العين.

وإن كان من مال الغرماء أو تبرّع به أجنبيٌّ ، فإنّه لا يجب عليه الإجابة أيضاً ؛ لأنّه تبرّع بدفع الحقّ غير مَنْ هو عليه ، فلم يُجبر صاحب الحقّ على قبضه ، كما لو أعسر الزوج بالنفقة فبذل غيره النفقة ، أو عجز المكاتب فبذل عنه متبرّعٌ ما عليه لسيّده.

والوجه أن نقول : إذا دفع الغرماء من خالص أموالهم ثمن السلعة وكان في السلعة زيادة بأن غلا سعرها أو كثر الراغبون إليها ويرجى لها صعود سعرٍ ، كان على صاحب السلعة أخذ ما بذله الغرماء ؛ لما فيه من انتفاعهم بالسلعة ، بخلاف التبرّع عن الزوج والمكاتب ؛ إذ لا حقّ لهم في المعوّض ، والغرماء لهم حقٌّ في المعوّض ، فكان لهم ذلك ؛ لما في منعهم من الإضرار بالمفلس ، وهو منفيّ.

مسألة ٣٣٢ : إذا أوجبنا عليه أخذ ما بذله الغرماء من مالهم(٣) ، أو أجابهم إليه تبرّعاً منه ثمّ ظهر غريمٌ آخَر‌ ، لم يشارك صاحب السلعة فيما‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١.

(٢) المدوّنة الكبرى ٥ : ٢٣٧ ، الذخيرة ٨ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١ ، المغني ٤ : ٤٩٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٥.

(٣) في « ج » : « أموالهم ».

٨٧

أخذه منهم ، أمّا لو كان المدفوع من مال المفلس وخصّوه ثمّ ظهر غريمٌ آخَر ، شاركه فيما أخذه.

ولو دفع الغرماء الثمن إلى المفلس من مالهم فبذله للبائع ، لم يكن له الفسخُ ؛ لأنّه زال العجز عن تسليم الثمن فزال ملك الفسخ ، كما لو أسقط سائر الغرماء حقوقهم عنه ، ملك الثمن.

ولو أسقط الغرماء حقّهم عنه فتمكّن من الأداء ، أو وُهب له مالٌ فأمكنه الأداء منه ، أو غلت أعيان أمواله فصارت قيمتها وافيةً بحقوق الغرماء بحيث يمكن أداء الثمن كلّه ، لم يكن للبائع الفسخُ ؛ لزوال سببه ، ولأنّه أمكنه الوصول إلى ثمن سلعته من المشتري ، فلم يكن له الفسخ ، كما لو لم يفلس.

ولو دفع الغرماء إلى المفلس من عين ماله قدر الثمن ليدفعه إلى البائع ، لم يجب على البائع القبول حذراً من ظهور آخَر.

مسألة ٣٣٣ : لو مات المشتري المفلس ، لم يزل الحجر عن المال ، بل يتأكّد‌ ، فإنّه لو مات غير محجور عليه ، حُجر عليه ، فلو قال وارثه للبائع والسلعة باقية : لا ترجع حتى أُقدّمك على الغرماء ، لم يلزمه القبول أيضاً ؛ لما ذكرناه من محظور ظهور غريمٍ آخَر.

ولو قال : أُؤدّي الثمن من مالي ، فالوجه : أنّ عليه القبول ، ولم يكن له الفسخ ؛ لأنّ الوارث خليفة المورّث ، فله تخليص المبيع ، وكما أنّ المديون لو دفع الثمن إلى [ البائع ](١) ، لم يكن له الفسخ ، كذا وارثه.

هذا على تقدير أن يكون المديون قد خلّف وفاءً ، أمّا إذا لم يخلّف‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « المشتري ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

٨٨

وفاءً ، فإنّه لا اختصاص له بالعين على ما بيّنّاه.

مسألة ٣٣٤ : لو امتنع المشتري من تسليم الثمن مع يساره ، أو هرب أو مات وهو مليٌّ‌ فامتنع الوارث من دفع الثمن ، فإن كان الثمن حالّاً ولم تُسلّم السلعة إلى المشتري ، فإنّه يتخيّر البائع بعد ثلاثة أيّام في الفسخ والصبر عندنا خاصّةً.

ولو كان البائع قد سلّم السلعة إلى المشتري ، لم يكن له الفسخ وإن تعذّر عليه ثبوته(١) أو مطله أو شبه ذلك - وهو أصحّ وجهي الشافعي(٢) - لأنّه لم يوجد عيب الإفلاس ، ويمكن التوصّل إلى الاستيفاء بالسلطان ، فإن فُرض عجْزٌ ، كان نادراً لا عبرة به.

والثاني : أنّ له الفسخ ؛ لتعذّر الوصول إلى الثمن(٣) .

مسألة ٣٣٥ : لو باع السلعة وضمن المشتري ضامنٌ بالثمن‌ ، فإن كان البائع قد رضي بضمانه ، انتقل حقّه عن المشتري إلى الضامن ؛ لأنّ الضمان عندنا ناقل وقد رضي بانتقال المال من ذمّة المشتري إلى ذمّة الضامن ، فبرئت ذمّة المشتري ، ولم يكن للبائع الرجوعُ في العين ، سواء تعذّر عليه الاستيفاء من الضامن أو لا.

ولو لم يرض البائع بضمانه ، لم يكن بذلك الضمان اعتبارٌ.

إذا عرفت هذا ، فإنّه لا اعتبار لإذن المشتري في الضمان عندنا ، بل متى ضمن ورضي البائع صحّ الضمان ، سواء ضمن بإذن المشتري أو تبرّع بالضمان عنه.

____________________

(١) أي : ثبوت التسليم. والظاهر : « إثباته ».

(٢ و ٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١ - ٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٤.

٨٩

وقال الشافعي : إن ضمن بإذن المشتري ، فلا رجوع للبائع في العين ؛ لأنّه ليس بمتبرّعٍ على المشتري ، والوصول من يده كالوصول من يد المشتري. وإن ضمن بغير إذنه ، فوجهان :

أحدهما : أنّه يرجع ، كما لو تبرّع متبرّعٌ بالثمن.

والثاني : أنّه لا يرجع ؛ لأنّ الحقّ قد تقرّر في ذمّته ، وتوجّهت المطالبة عليه ، بخلاف المتبرّع(١) .

تذنيب : لو أُعير [ من ](٢) المشتري ما يرهنه بالثمن ، صحّ‌ ، ولم يكن له الرجوعُ في العين ؛ لإمكان إيفائه من الدَّيْن بالرهن.

وللشافعي الخلافُ السابق في الضمان(٣) .

مسألة ٣٣٦ : لو انقطع جنس الثمن ، فإن جوّزنا الاعتياضَ عنه إذا كان في الذمّة والاستبدالَ ، فلا تعذّر في استيفاء عوضٍ عنه ، ولم يكن للبائع فسخ البيع.

وإن منعنا من الاعتياض ، فهو كانقطاع المـُسْلَم فيه ، والمـُسْلَم فيه إذا انقطع ، كان أثره ثبوت حقّ الفسخ - وهو أصحّ قولي الشافعي. وفي الثاني : الانفساخ ، وهو أضعف قوليه(٤) - فكذا هنا.

النظر الثاني : في المعاوضة.

يُعتبر في المعاوضة - التي يملك فيها المفلس - شرطان : سَبْقُ المعاوضة على الحَجْر ، وكونها محضَ معاوضةٍ ، فلو باع من المفلس شيئاً بعد الحجر عليه ، فالأقرب : الصحّة على ما تقدّم(٥) .

____________________

(١ و ٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٥.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٥) في ص ٢٧ ، المسألة ٢٧٣.

٩٠

وهل يثبت له حقّ الفسخ والرجوع في العين؟ خلافٌ سبق(١) . فإن قلنا : لا رجوع ، تحقّق شرط سَبْق المعاوضة على الحجر ، وإلّا فلا.

ولو آجر الإنسان دارَه وسلّمها إلى المستأجر وقبض الأُجرة ثمّ أفلس وحُجر عليه ، فالإجارة مستمرّة بحالها لا سبيل للغرماء عليها ، كالرهن يختصّ به المرتهن.

فإن انهدمت الدار في أثناء المدّة وفُسخت الإجارة فيما بقي منها ، ضارَب المستأجر مع الغرماء بحصّة ما بقي منها إن كان الانهدام قبل قسمة المال بينهم.

وإن كان بعد القسمة ، فالأقوى : أنّه يضارب أيضاً - وهو أصحّ وجهي الشافعي(٢) - لأنّه دَيْنٌ أُسند إلى عقدٍ سابق على الحجر ، وهو الإجارة ، فصار كما لو انهدمت(٣) قبل القسمة.

وفي الآخَر : أنّه لا يضارب ؛ لأنّه دَيْنٌ حدث بعد القسمة ، فصار كما لو استقرض(٤) .

ويضعَّف بأنّ السبب متقدّم ، فيكون مسبَّبه كالمتقدّم.

مسألة ٣٣٧ : لو باعه جاريةً بعبدٍ وتقابضا ثمّ أفلس مشتري الجارية‌ وحُجر عليه وهلكت الجارية في يده ثمّ وجد بائعها بالعبد عيباً فردّه ، فله طلب قيمة الجارية قطعاً.

والأقرب في الطلب : أنّه يضارب كسائر أرباب الديون ، وهو أصحّ‌

____________________

(١) في ص ٣٣ ، ضمن المسألة ٢٨٠.

(٢ و ٤) الحاوي الكبير ٦ : ٣١٠ ، حلية العلماء ٤ : ٥١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٠.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « انهدم ». والظاهر ما أثبتناه.

٩١

وجهي الشافعيّة.

والثاني : أنّه يقدّم على سائر الغرماء بقيمتها ؛ لأنّه أدخل في مقابلتها عبداً في مال المفلس(١) .

وهذان الوجهان يخالفان الوجهين في رجوع مَنْ باع منه بعد الحجر عليه(٢) شيئاً بالثمن إذا قلنا : لا يتعلّق بعين متاعه ، فإنّا في وجهٍ نقول : يضارب. وفي وجهٍ نقول : يصبر إلى أن يستوفي الغرماء حقوقهم ، ولا نقول بالتقدّم بحال.

والفرق : أنّ الدَّيْن هناك حادث بعد الحجر ، وهنا مستند إلى سببٍ سابق على الحجر ، فإذا انضمّ إليه إدخال شي‌ء في ملك المفلس ، أثّر في التقديم على أحد القولين(٣) .

مسألة ٣٣٨ : قد بيّنّا اشتراط التمحّض للمعاوضة فيها‌ ، فلا يثبت الفسخ في النكاح والخلع والصلح بتعذّر استيفاء العوض ، وهو ظاهر على معنى أنّ المرأة لا تفسخ النكاح بتعذّر استيفاء الصداق ، ولا الزوج الخلعَ ولا العافي عن القصاص الصلحَ بتعذّر استيفاء العوض.

وللشافعي قولٌ بتسلّط المرأة على الفسخ بتعذّر استيفاء الصداق(٤) وسيأتي إن شاء الله تعالى.

وكذا ليس للزوج فسخُ النكاح إذا لم تسلّم المرأة نفسَها ، وتعذّر الوصول إليها.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٠.

(٢) كلمة « عليه » من « ث ، ج ، ر ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٠.

(٤) الأُم ٥ : ٩١ ، مختصر المزني : ٢٣٢ ، الحاوي الكبير ١١ : ٤٦١ ، التهذيب - للبغوي - ٦ : ٣٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ١٠ : ٥٣ ، روضة الطالبين ٦ : ٤٨٣.

٩٢

أمّا إذا انفسخ النكاح من جهتها فسقط صداقها ، أو طلّقها قبل الدخول فسقط نصفه وبقي نصفه فاستحقّ الزوج الرجوعَ بما دفعه أو بنصفه فأقلّ وعين الصداق موجودة ، فهو أحقّ بعين ماله ؛ لقولهعليه‌السلام : « مَنْ أدرك متاعه بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحقّ به »(١) .

مسألة ٣٣٩ : إذا أفلس المـُسْلَم إليه قبل توفية مال السَّلَم ، فأقسامه ثلاثة :

أ : أن يكون رأس المال باقياً بحاله‌ ، فللمُسْلِم فسخُ العقد والرجوع إلى رأس ماله ، كما في البائع. وإن أراد أن يضارب مع الغرماء بالمـُسْلَم فيه ولا يفسخ ، أُجيب إليه.

ب : أن يكون بعض رأس المال باقياً وبعضه تالفاً‌ ، وحكمه حكم ما لو تلف بعض المبيع دون بعضٍ ، وسيأتي.

ج : أن يكون رأس المال تالفاً‌ ، فالأقرب أنّه لا ينفسخ السَّلَم بمجرّد ذلك ، كما لو أفلس المشتري بالثمن والمبيع تالف ، بخلاف الانقطاع ؛ فإنّه هناك إذا فسخ ، رجع إلى رأس المال بتمامه، وهنا إذا فسخ ، لم يكن له [ إلّا ](٢) المضاربة برأس المال. ولو لم يفسخ ، لضارَب بالمـُسْلَم فيه ، وهذا [ أنفع ؛ إذ الغالب ](٣) زيادة قيمة المـُسْلَم فيه على رأس المال ، فحينئذٍ‌

____________________

(١) ورد نصّه في المغني ٤ : ٤٩٧ ، والشرح الكبير ٤ : ٥٠٧ ، وبتفاوت يسير في صحيح البخاري ٣ : ١٥٥ - ١٥٦ ، وصحيح مسلم ٣ : ١١٩٣ / ١٥٥٩ ، وسنن البيهقي ٦ : ٤٥.

(٢) الزيادة يقتضيها السياق ، وكما هي مقتضى قول المصنّفقدس‌سره في قواعد الأحكام ٢ : ١٤٨.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يقع إذا تعالت ». وهي تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه.

٩٣

[ يُقوَّم ](١) المـُسْلَم فيه ، ويضارب المُسْلِم بقيمته مع الغرماء ، فإذا عُرفت حصّته ، نُظر إن كان في المال من جنس الـمُسْلَم فيه ، أخذ منه بقدر نصيبه ، وإن لم يكن ، اشتري له من جنس حقّه ، ويبقى له الباقي في ذمّة المفلس ، وليس له أن يأخذ القيمة إذا لم يكن من جنس الحقّ ؛ لأنّه يأخذ بدل المـُسْلَم فيه. وهو(٢) أصحّ وجهي الشافعيّة.

والثاني : أنّ للمُسْلِم فسخَ العقد والمضاربة(٣) مع الغرماء برأس المال ؛ لأنّه تعذّر عليه الوصول إلى تمام حقّه ، فليمكَّن من فسخ السَّلَم ، كما لو انقطع جنس المـُسْلَم فيه(٤) .

وليس عندي بعيداً من الصواب.

وعلى هذا فهل يجي‌ء قول بانفساخ السَّلَم كما لو انقطع جنس المُسْلَم فيه؟

قال بعض الشافعيّة : نعم ، إتماماً للتشبيه(٥) .

وقال بعضهم : لا ؛ لإمكان حصوله باستقراضٍ وغيره ، بخلاف الانقطاع(٦) .

وإذا كان رأس المال تالفاً وانقطع جنس الـمُسْلَم فيه ، فالأقوى أنّه‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يقدم ». وهي تصحيف ، والمثبت هو الصحيح.

(٢) في « ر » والطبعة الحجريّة : « وهذا ».

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « المعاوضة » بدل « المضاربة ». وما أثبتناه من المصادر.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٣٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٠٨ ، حلية العلماء ٤ : ٥١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٦.

(٥ و ٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٦.

٩٤

يثبت له حقّ الفسخ ؛ لأنّ سببه ثابت ، وهو الانقطاع ، فإنّه سبب للفسخ في حقّ غير المحجور عليه ففي حقّه أولى ، ولأنّ ما يثبت في حقّ غير المحجور عليه يثبت في حقّ المحجور عليه كالردّ بالعيب.

وله فائدة هنا ؛ فإنّ ما يخصّه لو فسخ ، لصُرف إليه في الحال عن جهة رأس المال ، وما يخصّه لو لم يفسخ ، لم يُصرف إليه ، بل يُوقف إلى أن يعود المُسْلَم فيه فيشتري به.

مسألة ٣٤٠ : لو قُوِّم الـمُسْلَم فيه فكانت قيمته - مثلاً - عشرين ، فأفرزنا(١) من المال للمُسْلِم(٢) عشرةً ؛ لكون الديون ضِعْف المال ، ثمّ رخص السعر قبل الشراء فكانت العشرة تفي بثمن جميع الـمُسْلَم فيه ، فالأقرب : أنّه يشترى به جميع حقّه ويسلّم إليه ؛ لأنّ الاعتبار إنّما هو بيوم(٣) القسمة.

والموقوف وإن لم يملكه المُسْلِم لكنّه صار كالمرهون بحقّه وانقطع حقّه عن غيره من الحصص حتى لو تلف قبل التسليم إليه لم يتعلّق بشي‌ء ممّا عند الغرماء ، فكان حقّه في ذمّة المفلس.

ولا خلاف في أنّه لو فضل الموقوف عن جميع حقّ الـمُسْلِم ، كان الفاضل للغرماء ، وليس له أن يقول : الزائد قد زاد لي ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : أنّا نردّ الموقوف إلى ما يخصّه باعتبار قيمة الأجزاء فتُصرف إليه خمسة ، والخمسة الباقية تُوزّع عليه وعلى باقي الغرماء ؛ لأنّ الموقوف لم يدخل في ملك الـمُسْلِم ، بل هو باقٍ على ملك المفلس ، وحقّ الـمُسْلِم‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة إضافة « له » وحذفناها لزيادتها.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « المسلم ». والمثبت هو الصحيح.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يوم ». والمثبت هو الصحيح.

٩٥

في الحنطة(١) ، لا في ذلك الموقوف ، فإذا صارت القيمة عشرةً ، فليس دَيْنه إلّا ذلك(٢) .

ولا استبعاد فيه.

ولو غلا السعر وكُنّا قد أوقفنا العشرة ولم يوجد القدر الذي أسلم فيه إلّا بأربعين ، فعلى الأوّل لا يزاحمهم ، وليس له إلّا ما وقف له ، وهو العشرة يشتري له بها ربع حقّه ، ويبقى الباقي في ذمّة المفلس. وعلى الوجه [ الثاني ](٣) ظهر أنّ الدَّيْن أربعون ، فيسترجع من سائر الحصص ما تتمّ به حصّة الأربعين.

مسألة ٣٤١ : إذا ضرب الغرماء على قدر رؤوس أموالهم وأخذ الـمُسْلِم ممّا خصّه قدراً من الـمُسْلَم فيه‌ وارتفع الحَجْر عنه ثمّ حدث له مالٌ وأُعيد الحَجْر واحتاجوا إلى الضرب ثانياً ، قوّمنا الـمُسْلَم فيه ، فإن اتّفقت قيمته الآن والقيمة السابقة ، فذاك ، وإلّا فالتوزيع الآن يقع باعتبار القيمة الزائدة.

وإن نقصت ، فالاعتبار بالقيمة الثانية أو بالأقلّ؟ الأقرب : الأوّل ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٤) .

ولو كان الـمُسْلَم فيه ثوباً أو عبداً ، فحصّة الـمُسْلِم يشترى به شقصٌ منه ، للضرورة ، فإن لم يوجد ، فللمُسْلِم الفسخُ.

مسألة ٣٤٢ : الإجارة نوعان :

الأوّل : ما تتعلّق بالأعيان‌ ، كالأرض المعيّنة للزرع ، والدار للسكنى ،

____________________

(١) ذكر الحنطة من باب المثال ، حيث لم يسبق لها ذكر.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٦.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الأوّل ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٧.

٩٦

والعبد للخدمة ، والدابّة للحمل.

ثمّ في كلّ واحدٍ من القسمين(١) إمّا أن يفلس المستأجر أو المؤجر.

فلو استأجر(٢) أرضاً أو دابّةً ثمّ أفلس قبل تسليم الأُجرة وقبل مضيّ شي‌ء من المدّة ، كان للمؤجر فسخ الإجارة ، تنزيلاً للمنافع في الإجارة منزلة الأعيان في البيع ، وهو المشهور عند الشافعيّة(٣) .

وحكى الجويني قولاً آخَر للشافعي : إنّه لا يثبت الرجوع بالمنافع ، ولا تُنزّل منزلة الأعيان القائمة ؛ إذ ليس لها وجود مستقرّ(٤) .

إذا عرفت هذا ، فنقول : للمؤجر الخيار في فسخ الإجارة والرجوع بالعين والمنافع ، وفي إمضاء الإجارة والضرب مع الغرماء بالأُجرة.

فإن كانت العين المستأجرة فارغةً ، آجرها الحاكم على المفلس ، وصرف الأُجرة إلى الغرماء.

ولو كان التفليس بعد مضيّ بعض المدّة ، فللمؤجر فسخ الإجارة في المدّة الباقية ، والمضاربة مع الغرماء بقسط المدّة الماضية من الأُجرة المسمّاة ، بناءً على أنّه إذا باع عبدين فتلف أحدهما ثمّ أفلس ، يفسخ البيع في الباقي ، ويضارب بثمن التالف ، وبه قال الشافعي(٥) ، خلافاً لأحمد حيث يذهب أنّه إذا تلف بعض المبيع ، لم يكن للبائع الرجوعُ في البعض الباقي ، كذا هنا إذا مضى بعض المدّة ، كان بمنزلة تلف بعض المبيع(٦) .

____________________

(١) كذا ، والظاهر : « من النوعين ».

(٢) من هنا شرع المصنّفقدس‌سره فيما يتعلّق بالقسم الأوّل. ويأتي القسم الثاني في ص ١٠١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٧ ، المغني ٤ : ٤٩٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٦ - ٥٠٧.

(٦) المغني ٤ : ٤٩٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٦.

٩٧

ويُحتمل فسخ العقد في الجميع إذا مضى بعض المدّة ، ويضرب بقسط ما حمل من أُجرة المثل.

مسألة ٣٤٣ : لو أفلس مستأجر الدابّة وحُجر عليه في خلال الطريق ففسخ المؤجر ، لم يكن له طرح متاعه في البادية المهلكة‌ ، ولا في موضعٍ غير محترز ، بل يجب عليه نقله إلى مأمن بأُجرة المثل لذلك النقل من ذلك المكان ، ويقدّم به على الغرماء ؛ لأنّه لصيانة المال وحفظه وإيصاله إلى الغرماء ، فأشبه أُجرة الكيّال والحمّال وأُجرة المكان المحفوظ فيه ، فإذا وصل إلى المأمن ، وَضَعه عند الحاكم.

ولو وَضَعه على يد عَدْلٍ من غير إذن الحاكم ، فوجهان.

وكذا لو استأجر لحمل متاع فحمل بعضه.

فروع :

أ - لو كان المأمن في صوب المقصد ، وجب المضيّ إليه.

وهل للمؤجر تعجيل الفسخ في موضع العلم بالحجر ، أو يجب عليه الصبر إلى المأمن؟ الأقرب : الأوّل ؛ لأنّ الحجر سبب في تخييره بين الفسخ والإمضاء ، وقد وُجد السبب ، فيوجد المسبّب.

ويُحتمل الثاني ؛ لأنّه يجب عليه المضيّ إلى المأمن ، سواء فسخ أو لا ، فلا وجه لفسخه.

ب - تظهر الفائدة فيما لو كان الأجر(١) في نقله من موضع الحجر إلى موضع المأمن مخالفاً لما يقع له بعد التقسيط من المسمّى‌ ، فإن قلنا : له الفسخ ، ففسخ ، كان له أُجرة المثل إلى المأمن ، سواء زادت عن القسط من المسمّى أو نقصت أو ساوته. وإن قلنا : ليس له الفسخ ، فله القسط من‌

____________________

(١) في « ث » والطبعة الحجريّة : « الأُجرة ».

٩٨

المسمّى.

ج - لو قلنا : ليس له الفسخ ، أو قلنا : له الفسخ ، ولم يفسخ ، هل يقدّم بقسط النقل من موضع الحجر إلى المأمن من المسمّى؟ إشكال‌ ينشأ : من أنّه مستمرّ على الإجارة السابقة التي يجب الضرب بمسمّاها مع الغرماء ، فلم يقدّم على باقي الغرماء في هذا القسط ، كما لم يقدّم في القسط للنقل من مبدأ المسافة إلى موضع الحجر ، ومن أنّ له النقل من المخافة إلى المأمن بأُجرة مقدّمة ، فيجب تقديم هذا القسط من المسمّى.

د - لو كان النقل إلى المأمن إنّما هو في منتهى مسافة الإجارة ، وجب النقل إليه.

ويجي‌ء الاحتمالان في أنّ المؤجر هل له الفسخ أم لا؟ لكن احتمال عدم الفسخ هنا أقوى منه في الأوّل.

ه- لو كان النقل إلى المأمن إنّما يحصل بأُجرة مساوية للنقل إلى المقصد أو أكثر ، فالأولى وجوب النقل إلى المقصد‌ ، وعدم تخييره في الفسخ ، بل يجب عليه إمضاء العقد.

وهل يقدّم بالقسط للنقل من موضع الحجر إلى المقصد من المسمّى أم لا؟ إشكال.

و - لو كان المأمن في صوب المقصد وصوب مبدأ المسافة على حدٍّ واحد‌ أو تعدّدت مواضع الأمن وتساوت قُرْباً وبُعْداً ، فإن كانت أُجرة الجميع واحدةً ، نُظر إلى المصلحة ، فإن تساوت ، كان له سلوك أيّها شاء ، لكنّ الأولى سلوك ما يلي المقصد ؛ لأنّه مستحقّ عليه في أصل العقد. وإن اختلفت الأُجرة ، سلك أقلّها أُجرةً.

وإن تفاوتت المصلحة ، فإن اتّفقت مصلحة المفلس والغرماء في‌

٩٩

شي‌ء واحد ، تعيّن المصير إليه. وإن اختلفت ، فالأولى تقديم مصلحة المفلس.

مسألة ٣٤٤ : لو فسخ المؤجر للأرض إجارتها ؛ لإفلاس المستأجر ، فإن كانت فارغةً ، أخذها ، فإن كان قد مضى من المدّة شي‌ء ، كان كما تقدّم(١) ، وينبغي أن يكون الماضي من الزمان له وَقْعٌ بحيث يقسط المسمّى عليه ، فيرجع في الباقي من المدّة بقسطه.

وإن كانت الأرض مشغولةً بالزرع ، فإن كان الزرع قد استُحصد ، فله المطالبة بالحصاد وتفريغه(٢) .

وإن لم يكن استُحصد ، فإن اتّفق الغرماء والمفلس على قطعه ، قُطع. وإن اتّفقوا على التبقية إلى الإدراك ، فلهم ذلك بشرط أن يقدّموا المؤجر بأُجرة المثل لبقيّة المدّة - محافظةً للزرع - على الغرماء.

وإن اختلفوا فأراد بعضُهم القطعَ وبعضُهم التبقيةَ ، فالأولى مراعاة ما فيه المصلحة حتى لو كانت الأُجرة تستوعب الحاصل وتزيد عليه ، قُطع ، وإلّا فلا ، وهو أحد قولي الشافعي.

وفي الآخَر يُنظر إن كانت له قيمة لو قُطع ، أُجيب مَنْ يريد القطع من المفلس والغرماء ؛ إذ ليس عليه تنمية ماله لهم ، ولا عليهم الصبر إلى أن ينمو.

ولا بأس به عندي.

فعلى هذا لو لم يأخذ المؤجر أُجرة المدّة الماضية ، فهو أحد الغرماء ، فله طلب القطع.

____________________

(١) في ص ٩٦ ، ضمن المسألة ٣٤٢.

(٢) كذا ، والظاهر : « تفريغها ». أي تفريغ الأرض.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

خلفتموني فيهما.

قال: فأعضل علينا ما ندري ما الثقلان حتى قام رجل من المهاجرين قال: بأبي وأمي أنت يا رسول الله وما الثقلان؟ قال: الاكبر منهما كتاب الله، سبب طرف بيد الله وطرف بأيديكم، تمسكوا به ولا تزلوا ولا تضلوا، والاصغر منهما عترتي، من استقبل قبلتي وأجاب دعوتي فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ولا تقصروا عنهم، فاني قد سألت لهم اللطيف الخبير فأعطاني، وناصرهما لي ناصر وخاذلهما لي خاذل ووليهما لي ولي وعدوهما لي عدو، ألا فانها لن تهلك أمة قبلكم حتى تدين بأهوائها وتظاهر على نبيها وتقتل من قام بالقسط.

ثم أخذ بيد علي بن أبى طالبرضي‌الله‌عنه ورفعها وقال: من كنت مولاه فهذا مولاه، ومن كنت وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ».

ترجمته:

وترجم له جماعة من العلماء، ومما يدل على عظمته وجلالته استناد العلامة الامير الى كتابه ( محاسن الازهار )، ونقله عنه كثيراً في كتابه ( الروضة الندية )، مع وصفه بـ « العلامة الفقيه » وتارة « الفقيه العلامة حميد الشهيدرحمه‌الله ».

وكذا رواية القاضي الشوكاني لكتابه المذكور، فانه يعد بذلك من جملة مشايخ الشوكانى في الاجازة، قال الشوكاني: « محاسن الازهار لحميد الشهيد، أرويها بالاسناد المتقدم في الديباج الى الداودي عن القاسم بن أحمد ابن حميد عن المؤلف »(١) .

____________________

(١). اتحاف الاكابر باسناد الدفاتر: ٧٨.

٤٢١

*(١٣١)*

رواية نور الدين الهيثمي

روى الهيثمي حديث الثقلين في كتابه ( مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ) - وهو الكتاب الذي جمع فيه زوائد الكتب الستة من ( مسند أحمد ) و ( مسند البزار ) و ( مسند أبي يعلى ) و ( المعاجم الثلاثة للطبراني ) - على ما نص عليه المناوي إذ قال في شرح الحديث: « قال الهيثمي رجاله موثقون، ورواه أيضاً أبو يعلى بسند لا بأس به، والحافظ عبد العزيز بن الاخضر، وزاد أنه قال في حجة الوداع، ووهم من زعم ضعفه كابن الجوزي. قال السمهودي: وفي الباب ما يزيد على عشرين من الصحابة »(١) .

ترجمته:

١ - شمس الدين السخاوي : « على بن أبى بكر بن سليمان بن أبي بكر ابن عمر بن صالح، نور الدين أبو الحسن الهيثمي القاهري الشافعي الحافظ، ويعرف بالهيثمي، كان أبوه صاحب حانوت بالصحراء، فولد له هذا في رجب سنة خمس وثلاثين وسبعمائة، فنشأ فقرأ القرآن، ثم صحب الزين العراقي وهو بالغ، ولم يفارقه سفراً وحضراً حتى مات وهو مكثر سماعاً وشيوخاً، ولم يكن الزين يعتمد في شيء من أموره الا عليه، حتى أنه أرسله مع ولده الولي لما ارتحل بنفسه الى دمشق، وزوجه ابنته خديجة ورزق منها عدة أولاد.

وكتب الكثير من تصانيف الشيخ، بل قرأ عليه أكثرها، وتخرج به في الحديث، بل دربه في افراد زوائد كتب كالمعاجم الثلاثة للطبراني والمسانيد لأحمد والبزار وأبي يعلى على الكتب الستة. وابتدأ أولا بزوائد أحمد فجاء في مجلدين، وكل واحد من الخمسة الباقية في تصنيف مستقل الا الطبراني

____________________

(١). فيض القدير - شرح الجامع الصغير ٣ / ١٥ وانظر: مجمع الزوائد ٩ / ١٦٣.

٤٢٢

الاوسط والصغير منهما في تصنيف، ثم جمع الجميع في كتاب واحد محذوف الاسانيد سماه ( مجمع الزوائد ). وكذا أفرد زوائد صحيح ابن حبان على الصحيحين، ورتب أحاديث الحلية لابي نعيم على الابواب، ومات عنه مسودة فبيّضه وأكمله شيخنا في مجلدين، واحاديث الغيلانيات والخلعيات وفوائد ابى تمام والافراد للدارقطنى أيضاً على الابواب في مجلدين. ورتب كلا من ثقات ابن حبان والعجلي على الحروف

وكان عجباً في الدين والتقوى والزهد والاقبال على العلم والعبادة والاوراد، وخدمة الشيخ وعدم مخالطة الناس في شيء من الامور، والمحبة في الحديث وأهله، وحدث بالكثير رفيقاً للزين، بل قل أن حدث الزين بشيء الا وهو معه، وكذلك قل أن حدث هو بمفرده، لكنهم بعد وفاة الشيخ أكثروا عنه، ومع ذلك فلم يغير حاله ولا تصدر وتمشيخ

وقد ترجمه ابن خطيب الناصرية في ذيل تاريخ حلب، والتقي الفاسي في ذيل التقييد، وشيخنا في معجمه وانبائه ومشيخة البرهان الحلبي، والغرس خليل الاقفهسي في معجم ابن ظهيرة، والتقى ابن فهد في معجمه وذيل الحفاظ وخلق كالمقريزي في عقوده.

قال شيخنا في معجمه: وكان خيراً ساكناً ليناً سليم الفطرة، شديد الانكار للمنكر، كثير الاحتمال لشيخنا ولاولاده، محباً في الحديث وأهله

وقال في أنبائه: انه صار كثير الاستحضار للمتون جداً لكثرة الممارسة، وكان هيناً ليناً ديناً خيراً محباً في أهل الخير، لا يسأم ولا يضجر من خدمة الشيخ وكتابة الحديث، سليم الفطرة كثير الخير والاحتمال والاذى، خصوصاً عن جماعة الشيخ، وقد شهد لي بالتقدم في الفن جزاه الله عني خيراً.

وقال البرهان الحلبي: انه كان من محاسن القاهرة.

وقال التقي الفاسي: كان كثير الحفظ للمتون والاثار صالحاً خيراً

٤٢٣

وقال الاقفهسي: كان اماماً عالماً حافظاً زاهداً متواضعاً متودداً الى الناس، ذا عبادة وتقشف وورع - انتهى.

والثناء على دينه وزهده وورعه ونحو ذلك كثير جداً، بل هو في ذلك كلمة اتفاق، وأما في الحديث فالحق ما قاله شيخنا »(١) .

٢ - الجلال السيوطي : « الهيثمي الحافظ قال الحافظ ابن حجر: كان خيراً ساكناً صيناً ليناً سليم الفطرة شديد الانكار للمنكر لا يترك قيام الليل، مات في تاسع عشرين رمضان سنة ٨٠٧ »(٢) .

٣ - الجلال السيوطي أيضاً في ذكر من كان بمصر من حفاظ الحديث ونقاده، كما تقدم(٣) .

٤ - والشوكانى بمثل ما تقدم(٤) .

*(١٣٢)*

رواية المجد الفيروزآبادي

روى حديث الثقلين قائلا: « والثقل محركة متاع المسافر وحشمه وكل شيء نفيس مصون، ومنه الحديث: انّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي »(٥) .

ترجمته:

١ - ابن قاضي شهبة في ( طبقات الشافعية ٤ / ٧٩ ).

٢ - وتقى الدين الفاسى في ( العقد الثمين في تاريخ البلد الامين ).

____________________

(١). الضوء اللامع ٥ / ٢٠٠.

(٢). طبقات الحفاظ: ٥٤١.

(٣). حسن المحاضرة ١ / ٣٦٢.

(٤). البدر الطالع ١ / ٤٤.

(٥). القاموس المحيط ٣ / ٣٤٣.

٤٢٤

٣ - والسخاوي في ( الضوء اللامع لاهل القرن التاسع ١٠ / ٧٩ ).

٤ - والجلال السيوطي في ( بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة ١١٧ - ١١٨ ).

٥ - والشوكانى في ( البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع ٢ / ٢٨٠ ).

٦ - والقنوجى في ( التاج المكلل ٨١٧ ) وغيرهم.

وبملاحظة هذه المصادر يتبين شأن المجد الشيرازي الفيروزآبادي لدى أبناء السنة.

*(١٣٣)*

رواية الحافظ البخاري المعروف بـ ( خواجة بارسا )*

روى حديث الثقلين في كتابه ( فصل الخطاب ) فقد قال فيه ما نصه: « وقال الشيخ الامام العارف الولي أبو عبد الله محمد بن علي الحكيم الترمذي قدس الله تعالى روحه في كتاب ( نوادر الاصول في معرفة أخبار الرسول ) في الاصل الموفي خمسين: حدثنا نصر بن عبد الرحمن الوشاء، قال حدثنا زيد بن الحسن الانماطي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه رضي الله عنهما، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: يا أيها الناس قد تركت ما ان أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي.

حدثنا نصر، قال حدثنا زيد بن الحسن، قال حدثنا معروف بن خربوذ المكي عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن حذيفة بن أسيد الغفاريرضي‌الله‌عنه قال: لما صدر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع خطب فقال: يا أيها الناس انه قد نبأنى اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي الا مثل نصف عمر الذي بليه من قبل، واني أظن أن يوشك أن أدعى فأجيب، واني فرطكم على الحوض، واني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين، فانظروا

٤٢٥

كيف تخلفوني فيهما، الثقل الاكبر كتاب الله عز وجل، سبب طرفه بيد الله سبحانه وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا به ولا تضلوا ولا تبدلوا. وعترتي أهل بيتي، فاني قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ».

وقال فيه نقلا عن جامع الاصول: « وقال زيد بن أرقمرضي‌الله‌عنه : قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً فيناً خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة فحمد الله عز وجل وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: أما بعد، ألا أيها الناس انما أنا بشر يوشك أن يأتينى رسول ربى فأجيب، واني تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله عز وجل فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به. فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي. أخرجه مسلم رحمه الله تعالى.

قال زيدرضي‌الله‌عنه : اهل بيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حرم الصدقة بعده، آل عليّ وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس رضي الله عنهم. قيل لزيد: أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته أهله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده - كذا أخرجه مسلمرحمه‌الله ».

ترجمته:

١ - الكفوى : « محمد بن محمد بن محمود الحافظي البخاري المعروف بخواجه محمد بارسا. أعز خلفاء الشيخ الكبير خواجه بهاء الدين نقشبند قدس الله أرواحهما. كان من نسل حافظ الدين الكبير تلميذ شمس الأئمة الكردري قد نص عليه في ذكر محمود الانجير الماضي في قلب الكتيبة الحادي عشر.

ولد سنة ست وخمسين وسبعمائة، وقرأ العلوم على علماء عصره، وقد كان قد بهر على أقرانه في دهره، وحصل الفروع والاصول، وبرع في المعقول

٤٢٦

والمنقول، وكان شاباً.

أخذ الفقه عن قدوة وبقية أعلام الهدى الشيخ الامام الشيخ العارف الولي أبو الطاهر محمد بن الحسن بن علي الطاهر، ووقع منه الاجازة في أواخر شعبان سنة ست وسبعين وسبعمائة في بخارى. وروي عن خواجه محمد بارسا أنه قال: أجازنى بقية أعلام الهدى أبو الطاهر اني أروي عنه ما قرأت عليه وما سمعت من الفروع والاصول، وأدرس ما أحرزته من المعقول والمنقول على الشرط المشروط عند النقلة والرواة، وقد أكملت في تلك السنة عشرين، وذلك في أواخر شعبان سنة ست وسبعين وسبعمائة.

وأخذ أبو الطاهر عن الشيخ الامام مولانا صدر الشريعة عبيد الله البرهاني المحبوبى، ووقع الاجازة منه في ذي القعدة سنة خمس وأربعين وسبعمائة. وهو أخذ عن جده تاج الدين محمود بن صدر الشريعة أحمد بن جمال الدين عبيد الله المحبوبي، عن أبيه أحمد عن أبيه جمال الدين، عن الشيخ الامام المفتي امام زاده صاحب الشرعة، عن العماد الزرنجري عن أبيه شمس الائمة الزرنجرى عن شمس الأئمة السرخسي، عن شمس الائمة الحلواني عن أبي على النسفي عن الشيخ الامام أبي بكر محمد بن أبي الفضل، عن عبد الله السدموني عن أبي عبد الله عن أبي حفص الكبير، عن أبيه عن محمد عن أبي حنيفة رحمة الله عليهم أجمعين.

وأخذ الفروع والاصول عنه المولى العالم الكامل الياس بن يحيى بن حمزة الرومي، وأجازه ببخارى يوم الجمعة الحادي والعشرين من شعبان سنة احدى وعشرين وثمانمائة، وأخذ عنه أيضاً ولده المولى العارف الرباني حافظ الدين محمد بن محمد بن محمد بن محمود الحافظى البخاري الشهير بخواجه أبو نصر بارسا »(١) .

٢ - غياث الدين المدعو بـ ( خواندمير ) في تاريخه ( حبيب السيرفي

____________________

(١). كتائب اعلام الاخيار.

٤٢٧

اخبار افراد البشر ): « كان من أولاد عبد الله بن جعفر الطيار رضي الله عنهما، توجه في محرم سنة ٨٢٢ لاداء فريضة الحج وزيارة قبر خير الانام عليه الصلاة والسلام وكلما دخل بلدة أو قرية تلقاه أهلها وعلماؤها بالاكرام والاعزاز، وعند ما وصل مكة وفرغ من المناسك ابتلي بمرض شديد حتى انه طاف الطواف الاخير وهو محمول. ثم انه توجه الى المدينة على ما هو عليه من الضعف والمرض، فبينما هو في بعض الطريق اذ أمر أحد أصحابه بكتابة هذه الكلمات:

بسم الله الرحمن الرحيم. جاءنى سيد الطائفة الجنيد قدس الله سره في ضحوة يوم السبت التاسع عشر من ذي لحجة سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة عند انصرافنا من مكة المكرمة زادها الله تعالى تكريما، ونحن نسير مع الركب وأنا بين النوم واليقظة، فقال لي: زيارة وبشارة، القصد مقبول. فحفظت هذه الكلمة وسررت بها، ثم استيقظت من الحالة الواقعة بين النوم واليقظة، والحمد لله على ذلك.

حتى وصل المدينة المنورة يوم الاربعاء في الثالث والعشرين من الشهر نفسه، فتوفي يوم الخميس، فصلى عليه مولانا شمس الدين الفناري، وأهل الركب ليلة الجمعة، ودفن في تلك الليلة بجوار العباسرضي‌الله‌عنه .

ومن مؤلفات الخواجة محمد پارسا كتاب ( فصل الخطاب ) وهو الكتاب الذي لا ينظر اليه علماء الشيعة بنظر الاعتبار ».

٣ - ومجد الدين البدخشانى في ( جامع السلاسل - مخطوط ).

٤ - وعبد الرحمن الجامى كما تقدم(١) .

وهذا المقدار كاف لمعرفة عظمة الرجل

____________________

(١). نفحات الانس: ٣٩٢.

٤٢٨

*(١٣٤)*

رواية ملك العلماء شهاب الدين الدولت آبادي

روى حديث الثقلين بطرق عدة من الكتب المعتبرة في الاخبار والسنة، مع بيانات له تؤكد معنى الحديث وتصريح بما هو الحق الذي لا ريب فيه.

قال في الجلوة الاولى فيما جاء في تمسكهم: « وفي ( دستور الحقائق ) للامام فخر الدين الهانسويرحمه‌الله : روى عن زيد بن أرقم قال: لما رجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن حجة الوداع ونزل عند غدير خم - وهو اسم موضع بين مكة والمدينة - فأخر أن يجمع رحال الابل، فجعلها كالمنبر فصعد عليها وقال: اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، ان تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي.

و فيه أيضاً: من أراد أن يتمسك بالحبل المتين فليحب علياً وذريته.

و في ( المشارق ) في باب أما و ( المصابيح ) عن زيد بن أرقم قال: قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فينا خطيباً بماء يسمى خماً بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: أما بعد يا أيها الناس، انما أنا بشر مثلكم يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، واني تارك فيكم الثقلين كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي.

و في ( العمدة ) و ( الدرر ) و ( تاج الاسامي ): اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، ولن تضلوا أبداً ان تمسكتم بهما.

و في ( الاربعين عن الاربعين ) و ( كتاب الشفاء ) و ( نصاب الاخبار ) و ( المصابيح ) و ( مشكاة الانوار ) و ( النسائية ): أنا محمد بن المثنى، قال نبأ يحيى [ بن حماد، قال أنا أبو عوانة، عن سليمان، قال ثنا حبيب ] بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال: لما رجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن حجة الوداع ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقممن ثم قال: اني

٤٢٩

دعيت فأجبت، واني تارك فيكم الثقلين، أحدهما أعظم من الاخر وأكبر، كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الارض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما.

و في ( المصابيح ) في الحسان: عن جابررضي‌الله‌عنه قال: رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الناقة القصواء يخطب فسمعته يقول: يا أيها الناس اني تركت فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي »(١) .

ثم انه تكلم على هذا الحديث وأحاديث أخرى بما لا مزيد عليه، إذ شرحها شرحاً يكشف عن أسرارها ويوضح مقصود النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تلك الاقوال، كلمة كلمة.

ثم انه رواه في الجلوة الثالثة والخامسة والسادسة من كتابه المذكور.

كما رواه في كتابه الاخر ( مناقب السادات ).

ترجمته:

١ - الشيخ عبد الحق الدهلوي في ( أخبار الاخيار ).

٢ - ومحمد محبوب عالم في ( تفسير شاهي ) حيث ينقل عنه.

٣ - وولى الله الدهلوي ( والد الدهلوي ) في ( المقدمة السنية ).

٤ - والكاتب الجلبى في ( كشف الظنون ) حيث ذكر كتبه.

٥ - وغلام على آزاد في ( سبحة المرجان في علماء هندوستان ٣٩ ).

٦ - ورشيد الدين خان الدهلوي في ( ايضاح لطافة المقال ) و ( غرة الراشدين ).

وهذا تعريب ما ذكره الشيخ عبد الحق الدهلوي في ترجمة الدولت آبادي:

« القاضي شهاب الدين الدولت آبادي، أوصافه أشهر من أن تذكر،

____________________

(١). هداية السعداء - مخطوط.

٤٣٠

فانه - وان كان في عصره علماء وأساتذة كثيرون - اشتهر من بينهم ونال القبول التام في أهل زمانه دونهم.

ومن تصانيفه ( حواشي الكافية ) وهو في غاية اللطافة والمتانة، وقد اشتهر في زمانه وانتشر في الاقطار، و ( الارشاد ) في النحو، وقد التزم فيه التمثيل في ضمن التعبير، ورتبه ترتيباً جيداً، وهو أيضاً فريد من نوعه، و ( بديع البيان ) في علم البلاغة، وقد تقيد فيه بالسجع، و ( البحر المواج ) وهو تفسير للقرآن الكريم بالفارسية وله ( شرح أصول البزودي ) الى مباحث الامر ورسائل وكتب أخرى بالعربية والفارسية. وله رسالة في تقسيم العلوم، وأخرى في ( الصنائع ) بالفارسية. وكان ينظم الشعر أيضاً.

توفي في سنة ثمان وأربعين وثمانمائة، وقبره في مدينة ( جونبور ).

وللقاضي شهاب الدين رسالة تسمى بـ ( مناقب السادات ) ذكر فيها وجوب محبة أهل البيتعليهم‌السلام ، وأسأله تعالى أن يسعده في الاخرة ببركاتها »(١) .

*(١٣٥)*

رواية ابن الصباغ المالكي

« روى حديث الثقلين حيث قال:

« وروى الترمذي أيضاً عن زيد بن أرقمرضي‌الله‌عنه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه. هذا اللفظ بمجرده رواه الترمذي ولم يزد عليه.

و زاد غيره - وهو الزهري - ذكر اليوم والزمان والمكان، قال: لما حج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حجة الوداع وعاد قاصداً المدينة قام بغدير خم - وهو ما بين مكة والمدينة - وذلك في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة

____________________

(١). وتوجد ترجمته في نزهة الخواطر ٣ / ١٩.

٤٣١

الحرام وقت الهاجرة وقال: أيها الناس اني مسؤول وأنتم مسؤولون، هل بلغت ونصحت؟ قالوا: نشهد أنك بلغت ونصحت. ثم قال: وأنا أشهد أني قد بلغت ونصحت. ثم قال: أيها الناس تشهدون أن لا اله الا الله وأني رسول الله؟ قالوا: نشهد أن لا اله الا الله وأنك رسول الله. قال: وأنا أشهد مثل ما شهدتم. ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيها الناس قد خلفت فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وأهل بيتي، ألا وان اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، وسعة حوضي ما بين بصرى وصنعاء، عدد آنيته عدد النجوم، ان الله سائلكم كيف خلفتموني في كتابه وفي أهل بيتي. ثم قال: أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين؟ قالوا: الله ورسوله أولى بالمؤمنين يقول ذلك ثلاث مرات. ثم قال في الرابعة - وأخذ بيد عليرضي‌الله‌عنه -: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاده - يقولها ثلاث مرات - ألا فليبلغ الشاهد الغائب »(١) .

ترجمته:

وقد ترجم له ونقل عنه معتمداً عليه جماعة من مشاهير العلماء منهم:

١ - نجم الدين عمر بن فهد المكي في ( اتحاف الورى بأخبار أم القرى ).

٢ - وشمس الدين السخاوي في ( الضوء اللامع لاهل القرن التاسع ٥ / ٢٨٣ ).

٣ - ونور الدين السمهودي في ( جواهر العقدين - مخطوط ).

٤ - ونور الدين الحلبي في ( السيرة الحلبية ).

٥ - والشيخانى القادرى في ( الصراط السوي - مخطوط ).

٦ - وعبد الرحمن الصفورى في ( نزهة المجالس ).

____________________

(١). الفصول المهمة: ٢٣.

٤٣٢

٧ - ومحمد محبوب عالم في ( تفسير شاهي ).

٨ - واكرام الدين الدهلوي في ( سعادة الكونين ).

٩ - ومحمد الصبان في ( اسعاف الراغبين ).

١٠ - والعجيلى في ( ذخيرة المآل - مخطوط ).

١١ - والعدوى الحمزاوى في ( مشارق الانوار ).

١٢ - والشبلنجي في ( نور الابصار ).

والخلاصة: ان الرجل من كبار علماء أهل السنة البارزين الذين اعتمدوا على كتبهم ونقلوا رواياتهم.

*(١٣٦)*

رواية شمس الدين السخاوي الشافعي

روى حديث الثقلين يطرق وأسانيد متكثرة، فقال في بيان تفسير آية المودة:

« واذ قد بان لك الصحيح في تفسير هذه الاية فأقول: قد جاءت الوصية الصريحة بأهل البيت في غيرها من الاحاديث، فعن سليمان بن مهران الاعمش عن عطية بن سعيد العوفي وحبيب بن أبي ثابت، أولهما عن أبي سعيد الخدريرضي‌الله‌عنه وثانيهما عن زيد بن أرقمرضي‌الله‌عنه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الاخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الارض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما. أخرجه الترمذي في جامعه وقال: حسن غريب - انتهى.

وحديث أبي سعيد عند أحمد في مسنده من حديث الاعمش، وكذا من حديث أبي اسرائيل الملائي اسماعيل بن خليفة وعبد الملك بن سليمان، ورواه الطبراني في الاوسط من حديث كثير النواء أربعتهم عن عطية، ورواه

٤٣٣

أبو يعلي وآخرون.

وتعجبت من ايراد ابن الجوزي له في العلل المتناهية، بل أعجب من ذلك قوله: انه حديث لا يصح، مع ما سيأتي من طرقه التي بعضها في صحيح مسلم، فقد أخرج في صحيحه حديث زيد من طريق سعيد بن مسروق وأبي حيان يحيى بن سعيد بن حيان كلاهما واللفظ الثاني - عن يزيد بن حيان عن ثانيهما عن زيد بن أرقمرضي‌الله‌عنه قال: قام فينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ ثم ذكر ثم قال: أما بعد أيها الناس فانما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، واني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى النور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي ثلاثاً. فقيل لزيد: من أهل بيته، أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قيل: ومن هم؟ قال: هم آل عليّ وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس رضي الله عنهم. قيل: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم.

و في لفظ: قيل لزيدرضي‌الله‌عنه : من أهل بيته؟ نساؤه؟ فقال: لا أيم الله ان المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع الى أمها. وفي رواية غيره: الى أبيها وأمها، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده. أخرجه مسلم أيضاً، وكذلك النسائي باللفظ الاول، وأحمد والدارمي في مسنديهما وابن خزيمة في صحيحه، وآخرون كلهم من حديث أبي حيان التيمي يحيى بن سعيد بن حيان عن يزيد بن حيان.

و أخرجه الحاكم في المستدرك من حديث الاعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عامر بن واثلة عن زيد بن أرقمرضي‌الله‌عنه .

و من حديث سلمة بن كهيل عن أبيه عن أبي الطفيل أيضاً.

وحديث أبي الضحى مسلم بن صبيح عن زيد بن أرقمرضي‌الله‌عنه .

وقال عقب كل طريق من الطرق الثلاثة: انه صحيح على شرط

٤٣٤

الشيخين ولم يخرجاه.

وكذا اخرجه من طريق يحيى بن جعدة عن زيد بن أرقم، وافقه على تخريج هذه الطريق الطبراني في الكبير وأخرجه الطبراني أيضاً من حديث حكيم بن جبير عن أبي الطفيل عن زيد

وفي الباب عن جابر، وحذيفة بن أسيد، وخزيمة بن ثابت، وسهل بن سعد، وضميره، وعامر بن أبي ليلى، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر، وعدي بن حاتم، وعقبة بن عامر، وعليّ بن أبي طالب، وأبي ذر، وأبي رافع، وأبي الشريح الخزاعي، وأبي قدامة الانصاري، وأبي هريرة، وأبي الهيثم بن التيهان ورجال من قريش، وام سلمة وام هاني ابنة أبى طالب الصحابية رضوان الله عليهم.

أما حديث جابر فرواه الترمذي في ( جامعه ) من طريق زيد بن الحسن ورواه أبو العباس ابن عقدة في ( الولاية ) من طريق يونس بن عبد الله بن أبي فروة

وأما حديث حذيفة بن أسيد الغفاري فرواه الطبراني في ( معجمه الكبير ) من طريق سلمة بن كهيل عن أبي الطفيل عنه وزيد بن أرقم ومن هذا الوجه أورده الضياء في ( المختارة ). ورواه أبو نعيم في ( الحلية ) وغيره من حديث زيد بن الحسن الانماطي عن معروف بن خربوذ عن أبي الطفيل عن حذيفة وحده به.

و أما حديث خزيمة فهو عند ابن عقدة من طريق محمد بن كثير عن فطر وأبي الجارود كلاهما عن أبي الطفيل أن علياًرضي‌الله‌عنه قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أنشدكم الله من شهد غدير خم الاقام، ولا يقوم رجل يقول نبئت أو بلغني الا رجل سمعت أذناه ووعاه قلبه. فقام سبعة عشر رجل منهم: خزيمة ابن ثابت وسهل بن سعد وعدى بن حاتم وعقبة بن عامر وأبو أيوب الانصاري أبو سعيد الخدري وأبو شريح الخزاعي وأبو قدامة الانصاري وأبو ليلى وأبو الهيثم بن التيهان ورجال من قريش، قال عليرضي‌الله‌عنه وعنهم:

٤٣٥

هاتوا ما سمعتم.

فقالوا: نشهد أنا أقبلنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع حتى إذا كان الظهر خرج رسول الله، فأمر بشجرات شذ بن والقي عليهن ثوب ثم نادى بالصلاة، فخرجنا فصلينا، ثم قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس ما أنتم قائلون؟ قالوا: قد بلغت. قال: اللهم اشهد - ثلاث مرات. قال: اني أوشك أن أدعى فأجيب، واني مسؤول وأنتم مسؤولون. ثم قال: ألا ان أموالكم ودماءكم حرام كحرمة يومكم هذا وحرمة شهركم هذا، أوصيكم بالنساء، أوصيكم بالجار، أوصيكم بالمماليك، أوصيكم بالعدل والاحسان. ثم قال: أيها الناس اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، نبأني بذلك اللطيف الخبير. وذكر الحديث في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « من كنت مولاه فعليّ مولاه ».

فقال عليرضي‌الله‌عنه : صدقتم وأنا على ذلك من الشاهدين.

وأما حديث زيد فرواه أحمد في ( مسنده )

وأما حديث سهل فقد تقدم مع خزيمة.

وأما حديث ضميرة الاسلمي فهو في ( الموالاة ) من حديث ابراهيم بن محمد الاسلمي عن حسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جدهرضي‌الله‌عنه

وأما حديث عامر فأخرجه ابن عقدة في ( الموالاة ) من طريق عبد الله ابن سنان عن أبي الطفيل عن عامر بن ليلى بن ضمرة وحذيفة بن أسيد رضي الله عنهما ومن طريق ابن عقدة أورده أبو موسى المديني في ( ذيله ) في الصحابة وقال: انه عزيز جداً.

وأما حديث عبد الرحمن بن عوف فهو عند ابن أبي شيبة، وعند أبي يعلى في ( مسنديهما )، وكذا أخرجه البزار في ( مسنده ) أيضاً

وأما حديث ابن عباس فأشار اليه الديلمي في ( مسنده ).

٤٣٦

وأما حديث ابن عمر فهو في ( المعجم الاوسط ) للطبراني بلفظ: آخر ما تكلم به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أخلفوني في أهل بيتي.

وأما حديث عدي بن حاتم وعقبة بن عامر فقد تقدم حديثهما في خزيمة.

وأما حديث على فهو عند اسحاق بن راهويه في ( مسنده ) من طريق كثير بن زيد عن محمد بن عمر بن علي أبي طالب وكذا رواه الدولابي في ( الذرية الطاهرة ). ورواه الجعابي من حديث عبد الله بن موسى عن أبيه عن عبد الله بن حسن عن أبيه عن جده عن عليرضي‌الله‌عنه . ورواه البزار

وأما حديث أبي ذر فأشار اليه الترمذي في ( جامعه )، وأخرجه ابن عقدة من حديث سعد بن طريف عن الاصبغ بن نباتة عن أبي ذررضي‌الله‌عنه

وأما حديث أبي رافع فهو عند ابن عقدة أيضاً من طريق محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده أبي رافع مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

وأما حديث أبي شريح وأبي قدامة فقد تقدما في خزيمة.

وأما حديث أبي هريرة فهو عند البزار في ( مسنده )

وأما حديث الهيثم ورجال من قريش فقد تقدموا في خزيمة.

وأما حديث أم سلمة فحديثها عند ابن عقدة من حديث هارون بن خارجة عن فاطمة ابنة علي عن أم سلمة رضى الله عنها

وأما حديث أم هاني فحديثها عنده أيضاً من حديث عمر بن سعيد عن عمر ابن جعدة بن هبيرة عن أبيه »(١) .

____________________

(١). استجلاب ارتقاء الغرف - مخطوط.

٤٣٧

ترجمته:

ذكرنا ترجمته مفصلة عن جماعة في مجلد حديث ( مدينة العلم )، وهنا نكتفي بخلاصة ما ذكره هو بترجمة نفسه:

« ولد في ربيع الاول سنة احدى وثلاثين وثمانمائة، وأدخله أبوه المكتب بالقرب من الميدان عند المؤدب الشرف عيسى بن أحمد المقسى الناسخ، فأقام عنده يسيراً جداً، ثم نقله لزوج أخيه الفقيه الصالح البدر حسين بن أحمد الازهري أحد أصحاب العارف بالله يوسف الصفي، فقرأ عنده القرآن وصلى به الناس التراويح في رمضان، ثم توجه به أبوه لفقيه المجاور لمسكنه المفيد النفاع القدوة الشمس محمد بن أحمد التحريري الضرير مؤدب البرهان ابن خضر والجلال ابن الملقن، وابن اسد، وغيرهم من الائمة، ولزم الاستاذ الفريد البرهان ابن خضر، وكذا قرأ على أوحد النحاة الشهاب أبي العباس الحناوي. وأخذ العربية أيضاً عن الشهاب الابدي المغربي، والجمال ابن هشام الحنبلي حفيد سيبويه وقته الشهير وغيرهما، وحضر عند الشمس الوقائى وكذا أخذ اليسير من الفقه عن العلم صالح البلقينى

وحضر تقسيم البهجة بتمامه عند الشرف المناوي وتقسيم المهذب أو غالبه عند الزين البوتنجى، وتردد اليه في الفرائض وغيرها، بل أخذ عن الشهاب ابن المجدي، وقرأ الاصول عن الكمال ابن امام الكاملية، وحضر كثيراً من دروس التقي الشمني، وأخذ دروساً كثيرة عن الامين الاقصرائى، وكثير من التفسير وغيره عن السعد ابن الديري، ومن شرح ألفية العراقي عن الزين السندبيسي، بل قرأ الشرح بتمامه على الزين العراقي، وأخذ قطعة من القاموس في اللغة تحريراً واتقانا مع المحب ابن الشحنة، ولزم الشمس الطبنداني الحنفي امام مجلس التدرسية فيها أياماً، ولبس الخرقة مع التلقين من المحيوي حفيد الكمال يوسف العجمي، وأبي محمد مدين الاشموني، وأبي الفتح الفوي وعمر التنيسى في آخرين في هذه العلوم وغيرها كابن الهمام، وأبي القاسم النويرى، والعلاء القلقشندي، والجلال المحلي، والمحب

٤٣٨

الاقصرائي. وقبل ذلك كله سمع مع والده الكثير من الحديث على شيخه امام الائمة الشهاب ابن حجر، حتى صار أكثر أهل العصر مسموعاً وأوسعهم دراية.

ومن محاسن من أخذ عنه من عنده الصلاح ابن أبي عمر، وابن أميلة، وابن النجم، وابن الهبل، والشمس ابن المحب، والفخر ابن يسارة، وابن الخوجي، والمنبجي، والزيتاوي، والبياني، والسوقي والطبقة، ثم من عنده القاضي العز ابن جماعة، والتاج السبكى، وأخوه البهاء، الجمال الاسنائي، والشهاب الاذرعي، والكرماني، والصلاح الصفدي، والقيراطي، والحراوي، ثم الحسين التكريتي، والاميوطي، والباجي، وأبو البقاء السبكى، والنشاوري، وابن الذهبي، وابن العلائي، والآمدي، والنجم ابن الكشك، وأبو اليمن، وابن الكويك، وابن الخشاب، وابن حاتم، والمليحي، وابن رزين، والبدر ابن الصاحب، ثم السراج الهندي، وأكمل الدين البلقينى، وابن الملقن، والعراقي، والهيثمي، والابناسي، والبرهان ابن فرحون.

وهكذا سمع من أصحاب أبي طاهر ابن الكويك، والعز ابن جماعة، وابن خير، ثم من أصحاب الولي العراقي، والفوي، وابن الجزري، ثم من يليهم، والبرهان الزمزمي، والتقى ابن فهد، والزين الامياطي، والشهاب الشوابطي، وأبي السعادات، وابن ظهيرة، وابن حامد بن العيناء، والبدر عبد الله بن فرحون، والشهاب أحمد بن النور المحلي، وابن الفرج المراغي، والثغر الاسكندري.

ولهذا كله زاد عدد من أخذ عنه من الاعلى والدون والمساوي حتى الشعراء ونحوهم على ألف ومائتين، والاماكن التي تحمل فيها من البلاد والقرى على الثمانين.

واجتمع له من المرويات بالسماع والقراءة ما يفوق الوصف. وهي تتنوع أنواعاً:

٤٣٩

أحدها: ما رتب على الابواب الفقهية ونحوها، وهي كثيرة جداً.

ثانيها: ما رتب على المسانيد.

ثالثها: ما هو على الاوامر والنواهي.

رابعها: ما هو على الحروف في أول كلمات الاحاديث.

خامسها: ما هو في الاحاديث الطوال خاصة.

سادسها: ما يقتصر فيه على أربعين حديثاً فقط.

سابعها: ما هو على الشيوخ.

ثامنها: ما هو على الرواة.

تاسعها: ما يقتصر فيه على الافراد والغرائب.

عاشرها: ما لا تقيد فيه بشيء مما ذكر.

حادي عشرها: مالا اسناد فيه بل اقتصر فيه على المتون مع الحكم عليها.

الى غيرها من المسموعات التي لا تقيد فيها بالحديث كالشاطبية والرائية في علم القراءة والرسم والالفية في علمي النحو والصرف وجمع الجوامع في الاصلين التصوف. كما أنه ليس المراد بما ذكر من الانواع الحصر، اذ لو سرد كل نوع منه لطال ذكره وعسر الان حصره، بل لو سرد مسموعه ومقروه على شيخه فقط لكان شيئاً عجباً. وأعلى ما عنده من المروي ما بينه وبين الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسند المتماسك فيه عشرة أنفس.

وشرع في التصنيف والتخريج قبيل الخمسين وهلم جراً. ومما صنفه في علوم هذا الشأن: فتح المغيث بشرح ألفية الحديث، الغاية في شرح منظومة ابن الجوزي الهداية في مجلد لطيف، والايضاح في شرح نظم العراقي للاقتراح في مجلد لطيف أيضاً، والنكت على الالفية وشرحها بيض منه نحو ربعه في مجلد وشرح التقريب للنووي في مجلد، وبلوغ الامل بتلخيص كتاب الدارقطني في العلل كتب منه الربع مع زوائد مفيدة، وتكملة تلخيص شيخنا للمتفق والمفترق ومنه في الشروح تكملة شرح الترمذي للعراقي كتب منه أكثر

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510