نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٩

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار13%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 449

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 449 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 204041 / تحميل: 6974
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٩

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

فقال النبيّ صلّى الله عليه: من سرّه أنْ ينظر إلى آدم في علمه، و [ إلى ] نوح في فهمه، و [ إلى ] إبراهيم في حلمه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب.

وأخبرني جدّي أحمد بن المهاجر رحمه ‌الله قال: أخبرنا أبو علي الهروي، عن أبي عروة قال: حدّثنا الحسن بن عرفة العبدي، قال: حدّثنا عمر - يعني أبا حفص الأبّار - عن الحكم بن عبدالملك، عن حارث بن حصيرة عن أبي طادق عن أبي ربيعة بن ناجد عن علي بن أبي طالب قال:

قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فيك مثل عيسى بن مريم أبغضته يهود حتّى بهتوا اُمّه، وأحبّته النصارى حتّى أنزلوه بالمنزل الذي ليس به ثم قال علي بن أبي طالب: يهلك فيّ رجلان محب مطر يعرّفني بما ليس فيّ، ومبغض مفتر يحمله شنآني على أنْ يبهتني ».

قال: « فَدلَّت هذه الأخبار على حسن مذهبنا في ذكر المشابه، وعلى أنّا اقتدينا في ذلك بالرّسولعليه‌السلام ، وكفانا ذلك شرفاً وقدوة، إذ جعله الله تعالى للمسلمين وزيراً وأسوة، فلا يظننّ جاهل غبيّ أو ناصب غويّ أنّا ارتكبنا مطايا العدوان، واعتدينا في طريقنا هذا بعد هذا البيان، والله المستعان من شرّ الزمان، وعليه التكلان في مصارع الحدثان ».

وقال: « أخبرنا الحسين بن محمّد البستي قال: حدّثنا عبدالله بن أبي منصور قال: حدّثنا محمّد بن بشر قال: حدّثنا محمّد بن إدريس الحنظلي قال: حدّثنا محمّد بن عبدالله بن المثنى الأنصاري قال: حدّثني حميد، عن أنس قال: كنّا في بعض حجرات مكة فتذاكرنا عليا، فدخل علينا رسول الله فقال:

أيّها الناس! من أراد أنْ ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في شدّته، وإلى عيسى في زهادته، وإلى محمّد وبهائه، وإلى جبرئيل وأمانته، وإلى الكوكب الدريّ والشمس الضحيّ

١٤١

والقمر المضيّ، فليتطاول ولينظر إلى هذا الرجل، وأشار إلى علي ابن أبي طالب ».

(١٣)

رواية النطنزي

ورواه أبو الفتح النطنزي: « عن أبي الحمراء مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: كنّا حول النبيّ، فطلع علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من سرّه أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في خلّته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب»(١) .

ترجمة النطنزي

١ - السمعاني: « النطنزي - أبو الفتح محمّد بن علي بن إبراهيم النطنزي، أفضل من بخراسان والعراق في اللغة والأدب، والقيام بصنعة الشعر.

قدم علينا مرو سنة إحدى وعشرين، وقرأت عليه طرفاً صالحاً من الأدب، واستفدت منه واغترفت من بحره، ثمّ لقيته بهمدان، ثمّ قدم علينا بغداد غير مرة من مدة مقامي بها، وما لقيته إلّاوكتبت عنه واقتبست منه. سمع بأصبهان أبا سعد المطرّز، وأبا علي الحداد، وغانم بن أبي نصر البرجي، وببغداد أبا القاسم بن بيان الرزاز، وأبا علي بن نبهان الكاتب، وطبقتهم. سمعت منه أخيراً بمرو الحديث »(٢) .

____________________

(١). الخصائص العلويّة - مخطوط.

(٢). الأنساب - النطنزي.

١٤٢

٢ - الصّفدي: « كان من بلغاء أهل النظم والنثر، سافر البلاد ولقي الأكابر، وكان كثير المحفوظ، محبّ العلم والسنّة، ومكثر الصدقة والصيام، ونادم الملوك والسلاطين، وكانت له وجاهة عظيمة عندهم، وكان تيّاهاً عليهم، متواضعاً لأهل العلم، سمع الحديث الكثير بأصبهان وخراسان وبغداد، ولم يتمتّع بالرواية »(١) .

٣ - ابن النجار: « كان نادرة الفلك، ونابغة الدهر، فاق أهل زمانه في بعض فضائله »(٢) .

(١٤)

رواية السنائي

وقد نظم العارف الشهير أبو المجدود بن آدم الغزنوي، الملقّب بالحكيم السّنائي في ( حديقة الحقيقة ) مضمون هذه المنقبة، ومفاد هذا الحديث الشريف، في بيتين من الشعر، في مدح مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال:

« عالمى بود همچو نوح استاخ

عالمى بود همچو روح فراخ

دل أو عالم معاني بود

لفظ أو آب زندگانى بود »

قال ( الدهلوي ): السنائي من أهل السنّة

ثمّ إنّ ( الحكيم السنائي ) من مشاهير الشعراء العرفاء، وأشعاره الحكمية من الأشعار المتداولة المحفوظة لدى أهل الأدب والمعرفة، وقد ذكره

____________________

(١). الوافي بالوفيات ٤ / ١٦١.

(٢). ذيل تاريخ بغداد. عن كتاب اليقين للسيّد ابن طاوس الحلّي: ٩٥.

١٤٣

عبدالرحمن الجامي في كتابه الذي ألّفه في تراجم مشاهير العرفاء وسمّاه بكتاب ( نفحات الأنس في حضرات القدس ).

ويفيد كلامٌ لمخاطبنا ( الدهلوي ) في كتابه ( التحفة ) أنّ السنائي من كبار شعراء أهل السنّة المقبولين عند علمائهم، فقال في مبحث ( المكائد ) التي ينسبها إلى الشيعة: « المكيدة السادسة والثلاثون: إضافتهم البيت من الشعر أو البيتين إلى شعر أحد كبار شعراء أهل السنّة، يكون صريحاً في التشيّع، وفي مخالفة مذهب أهل السنّة، مع رعاية الوزن والقافية، ثمّ يزعمون وجود ما أضافوه في أصل الشعر، وأنّ أهل السنّة قد أسقطوه لئلّا يتذرّع به الشيعة.

وإنّ أكثر صنيعهم هذا يكون بالنسبة إلى أشعار الشعراء المقبولين الممدوحين عند أهل السنّة، كالشيخ فريد الدين العطّار، والشيخ الأوحدي، وشمس الدين التبريزي، والحكيم السنائي، ومولانا الرومي، والحافظ الشيرازي، والخواجة قطب الدين الدهلوي، وأمثالهم.

ولقد ألحق قدماء الشيعة بأشعار الإمام الشافعي ثلاثة أبيات، فقد قال الشافعي:

يا راكباً قف بالمحصّب من منى

واهتف بساكن خيفها والناهض

سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى

فيضاً كملتطم الفرات الفائض

إن كان رفضاً حب آل محمّد

فليشهد الثقلان أنّي رافضي

وهو يقصد بهذه الأبيات الردّ على النواصب الذين كانوا ينسبون كلّ من أحبّ آل محمّد إلى الرفض.

لكن ألحق بها في بعض كتب الشيعة أبيات صريحة في مذهب التشيّع، وهي:

قف ثمَّ ناد فإنّني لمحمّد

ووصيّه وبنيه لست بباغض

١٤٤

أخبرهم أنّي من النفر الذي

بولاء أهل البيت ليس بناقض

وقل ابن إدريس بتقديم الذي

قدّمتموه على علي ما رضي

فهذه مكيدة من مكايدهم، وهي باردة جدّاً، فقد كان هؤلاء الشعراء على مذهب أهل السنّة، ودعوى كونهم من الشيعة من جهة نسبة بيت أو بيتين من الشعر إليهم لا تصدر من أدنى الطلبة»(١) .

(١٥)

رواية شهردار الديلمي

وقد أسند شهردار بن شيرويه الديلمي حديث التشبيه الذي رواه والده في كتاب الفردوس. قال:

« أخبرنا أبي، حدّثنا مكي بن دكين القاضي، حدثنا علي بن محمّد بن يوسف، حدّثنا الفضل الكندي، حدّثنا عبدالله بن محمّد بن الحسن مولى بني هاشم بالكوفة، حدّثنا علي بن الحسين، حدّثنا أحمد بن أبي هاشم النوفلي، حدّثنا عبدالله بن عبيدالله بن موسى، حدّثنا كامل أبو العلاء، عن أبي إسحاق السبيعي، عن أبي داود، عن نفيع، عن أبي الحمراء مولى النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من أراد أنْ ينظر إلى آدم في علمه، وإلى موسى في شدّته، وإلى عيسى في زهده، فلينظر إلى هذا المقبل. فأقبل علي »(٢) .

____________________

(١). التحفة الاثنا عشرية: ٤٥.

(٢). مسند الفردوس - مخطوط.

١٤٥

وستعلم روايته من عبارة الخوارزمي الآتية أيضاً.

ترجمة شهردار الديلمي

١ - الذهبي: « شهردار ابن الحافظ شيرويه بن شهردار الديلمي، المحدِّث، أبو منصور. قال ابن السمعاني: كان حافظاً عارفاً بالحديث فهماً عارفاً بالأدب ظريفاً »(١) .

٢ - السبكي: « قال ابن السمعاني: كان حافظاً عارفاً بالحديث فهماً، عارفاً بالأدب، ظريفاً خفيفاً، لازماً مسجده، متّبعاً أثر والده في كتابة الحديث وسماعه وطلبه. رحل إلى أصبهان مع والده ثمّ إلى بغداد »(٢) .

٣ - وذكره ابن قاضي شهبة والأسنوي في ( طبقات الشافعيّة )(٣) .

٤ - وأورد الثعالي في ( مقاليد الأسانيد ) عبارة الذهبي السالفة الذكر.

٥ - وأثنى عليه ( الدهلوي ) في كتاب ( بستان المحدّثين ) منتحلاً كلمات الثعالبي، كما هو دأبه وديدنه في كتابه المذكور.

____________________

(١). العبر في خبر من غبر. حوادث سنة ٥٥٨.

(٢). طبقات الشافعية الكبرى ٧ / ١١٠.

(٣). طبقات الأسدي طبقات الأسنوي ٢ / ٢١.

١٤٦

(١٦)

رواية الخوارزمي

لقد روى الموفق بن أحمد المكي الخوارزمي، الشهير بالخطيب الخوارزمي، حديثاً بالسند الآتي، قال:

« أخبرنا الشيخ الزاهد الحافظ أبو الحسين علي بن أحمد العاصمي الخوارزمي، فقال: أخبرنا شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الواعظ قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي » ثمّ قال:

« وبهذا الإسناد عن أحمد بن الحسين هذا، قال: أخبرنا أبو عبدالله الحافظ في التاريخ: حدّثنا أبو جعفر محمّد بن أحمد بن سعيد حدّثني محمّد بن مسلم بن وارة قال: حدّثني عبيدالله بن موسى العبسي: حدّثنا أبو عمر الأزدي، عن أبي راشد الحبراني، عن أبي الحمراء قال:

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى يحيى بن زكريّا في زهده، وإلى موسى بن عمران في بطشه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب.

قال أحمد بن الحسين البيهقي: لم أكتبه إلّابهذا الإسناد، والله أعلم »(١) .

ترجمة الخوارزمى

١ - العماد الإصفهاني: « خطيب خوارزم، أبو المؤيد الموفق بن أحمد بن محمّد المكي الخوارزمي، من الأفاضل الأكابر، فقهاً وأدباً، والأماثل الأكارم

____________________

(١). مناقب علي بن أبي طالب: ٤٠.

١٤٧

حسباً ونسباً »(١) .

مصادر ترجمة العماد الكاتب

وتوجد ترجمة العماد الأصفهاني الكاتب في:

وفيات الأعيان ٤ / ٢٣٣.

معجم الأدباء ١٩ / ١١.

والعبر في خبر من غبر ٤ / ٢٩٩.

والمختصر في أخبار البشر ٣ / ١٠٥.

ومرآة الجنان ٣ / ٤٩٢.

وطبقات الشافعية الكبرى ٦ / ١٧٨.

وغيرها من كتب التاريخ والتراجم المعتبرة.

٢ - أبو الفتوح المطرزي: فإنّه وصف الخوارزمي في مواضع عديدة من كتاب ( الإيضاح في شرح المقامات ) بأوصافٍ جليلة لدى النقل عنه، مع الإعتماد عليه، وهذه نصوصٌ من ذلك:

قال في الكلام على زهد أويس القرنيرضي‌الله‌عنه :

« فممّا يدلّ على زهده: ما أخبرني به الإمام الأجل العلّامة أبو المؤيد الموفّق بن أحمد المكي قال: أخبرنا الشيخ أبو الغنائم محمّد بن علي النرسي المعدّل، أنا الشريف أبو عبدالله محمّد بن علي بن عبدالرحمن العلوي الحسيني، أنا أحمد بن علي العطّار المقرئ قراءةً، ثنا علي بن أحمد بن عمرو، ثنا محمّد ابن منصور المقرئ، ثنا محمّد بن علي خلف، ثنا حسين الأشقر، ثنا مخلّد بن الحسين، عن رجل، عن أسيد بن عمرو قال:

____________________

(١). خريدة القصر وجريدة العصر - مخطوط.

١٤٨

كان أويس القرني إذا أمسى أخذ قطيفةً فغطّى بها رأسه ورجليه، وتصدّق بفضلها، وينظر إلى قوته فيعزله ويتصدّق بفضله، ويقول:

اللّهمّ من كان أمسى عارياً أو جائعاً ليس له عندي فضل ».

« وممّا يدلّ على كثرة عبادته ما أخبرني به مولاي أيضاً بهذا الإسناد إلى محمّد بن منصور، ثنا عبدالله بن أبي زياد، ثنا سيار، ثنا جعفر بن سليمان، عن إبراهيم بن عيسى السّكري قال:

قال أويس القرني: لأعبدنّ الله في الأرض كما تعبده الملائكة في السماء، فكان إذا استقبل الليل قال: يا نفس، الليلة القيام، فيصفّ قدميه حتّى يصبح، ثمّ يستقبل الليلة الثانية فيقول: يا نفس، الليلة الركوع، فلا يزال راكعاً حتّى يصبح، ثمّ يستقبل الليلة الثالثة فيقول: يا نفس الليلة السجود، فلا يزال ساجدا حتّى يصبح ».

« وأما قوله: وأحد جناحي الدّنيا، فقد أخبرني مولاي الصّدر السعيد الشهيد، صدر الصدور أبو المؤيّد، موفق بن أحمد المكي إجازة، أنا الشيخ أبو الغنائم محمّد بن علي النرسي المعدّل، أنا الشريف أبو عبدالله محمّد بن علي ابن عبدالله العلوي الحسيني، أنا علي بن الفضل الدهقان، أنا محمّد بن زيد الرطّاب قال: قال إبراهيم بن محمّد الثقفي، وسمعنا أهل البصرة افتخروا بما يذكر عن أبي هريرة أنّ الدّنيا مثّلت على صورة طائر فالبصرة ومصر جناحان، فإذا خربا وقع الأمر الخ ».

حدّثنا صدر الأئمّة أخطب خطباء خوارزم، موفق بن أحمد المكي ثمّ الخوارزمي قال: أخبرني السّيّد الإمام المرتضى أبو الفضل الحسيني في كتابه أتى من مدينة الرّي جزاه الله عنّي خيراً أخبرنا السيّد أبو الحسن عليّ بن أبي طالب الحسيني الشيباني بقراءتي عليه، أخبرني الشيخ العالم أبو النجم محمّد

١٤٩

ابن عبدالوهّاب بن عيسى التمّار الرازي، أخبرنا الشيخ العالم أبو سعيد محمّد بن أحمد بن الحسين النيسابوري، أخبرنا محمّد بن عليّ بن جعفر الأديب بقراءتي عليه، حدّثني المعافا بن زكريا أبو الفرج، عن محمّد بن أحمد بن أبي الثلج، عن الحسن بن محمّد بن بهرام، عن يوسف بن موسى القطّان، عن جرير، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عبّاس قال:

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لو أنّ الرّياض أقلام، والبحر مداد، والجنّ حسّاب، والإنس كتّاب، ما أحصوا فضائل عليّ بن أبي طالب ».

« أخبرني مولاي الصّدر العلّامة، قال قال فخر خوارزم: ضرب المزامير مثلاً لحسن صوت داود وحلاوة نغمته الخ ».

سمعت مولاي الصدر الكبير العلاّمة يقول: سمعت فخر خوارزم يقول: لمـّا كان ليلة ولد فيها رسول الله ارتج أيوان كسرى، فسقطت منه أربع عشرة شرفة، وخمدت نار فارس، وغاصت بحيرة ساوة ».

« وقوله أضاعوني وأيَّ فتى أضاعوا.

تضمين، وهو لاُميّة بن أبي الصّلت وتمامه: ليوم كريهة وسداد ثغر.

ويروى أنّه كان لأبي حنيفة جار فاسق يتغنّى كثيراً بهذا البيت، فاتّفق أن خرج ذات ليلة سكران، فأخذه العسس وحبس، فلمـّا سمع ذلك أبو حنيفة نهض إليه مسرعاً من الغد، وتكلّم فيه حتّى أطلق من الحبس، فلمـّا أدخله منزله قال: هل أضعناك؟ فأخذه بيده وتاب ببركات سعيه.

وسمعت هذه الحكاية على مولاي الصّدر في مناقب أبي حنيفة، بإسناده إلى أبي يوسف بلفظٍ قريب ممّا ذكرت ».

٣ - ابن النجّار: « الموفّق بن أحمد المكي، كان خطيب خوارزم، وكان

١٥٠

فقيهاً فاضلاً أديباً شاعراً بليغاً، من تلامذة الزمخشري »(١) .

٤ - محمّد بن محمود الخوارزمي: فإنّه قد ذكر الموفّق الخوارزمي في مواضع من كتابه ( جامع مسانيد أبي حنيفة ) محتجّاً بأقواله، مع وصفه بأوصافٍ جليلةٍ عالية، وإليك موارد من ذلك:

قال - بعد ذكر القول المنسوب إلى الشافعي: الناس عيال على أبي حنيفة:

« وقد نظم هذا المعنى أخطب الخطباء شرقاً وغرباً أبو المؤيد المكي الخوارزمي، على ما أنشدني الصّدر الكبير شرف الدّين أحمد بن موفق المكي الخوارزمي قال: أنشدني الصّدر العلاّمة، أخطب خطباء الشرق والغرب، صدر الأئمّة أبو المؤيد موفق بن أحمد المكّي الخوارزمي لنفسه، في عدّة أبيات له يمدح بها أبا حنيفةرضي‌الله‌عنه .

أئمّة هذه الدنيا جميعاً

بلا ريب عيال أبي حنيفة

« أنشدني الصدر الكبير شرف الدّين أحمد بن مؤيّد بن موفق المكي الخوارزمي قال: أنشدني جدّي البدر العلّامة أخطب خطباء الشرق والغرب، أبو المؤيّد موفق بن أحمد المكي الخوارزميرحمه‌الله لنفسه:

أيا جَبَلي نعمان إنّ حصاكما

لتحصى ولا تحصى فضائل نعمان

جلائل كتب الفقه طالع تجد بها

دقائق نعمان شقائق نعمان »

« وأنشدني الصدر الكبير شرف الدّين أحمد بن المؤيّد المكّي الخوارزمي قال: أنشدني الصدر العلّامة صدر الأئمّة أبو المؤيّد الموفّق بن أحمد المكي لنفسه:

رسول الله قال سراج ديني

وأمّتي الهداة أبو حنيفة

____________________

(١). ذيل تاريخ بغداد، عنه كتاب اليقين لابن طاوس الحلّي: ١٦٦.

١٥١

غدا بعد الصّحابة في الفتاوي

لأحمد في شريعته خليفة

سدى ديباج فتياه اجتهاد

ولحمته من الرّحمن خيفة »

« أنشدني الصّدر الكبير شرف الدّين أحمد بن مؤيّد قال: أنشدني الصدر العلّامة صدر الأئمّة أبو المؤيّد الموفّق بن أحمد المكي الخوارزمي لنفسه:

غدا مذهب النعمان خير المذاهب

كذا القمر الوضّاح خير الكواكب

تفقه في خير القرون مع التقى

فمذهبه لا شك خير المذاهب »

« وقد ذكر خطيب خطباء خوارزم صدر الأئمّة أبو المؤيّد موفّق بن أحمد المكي في مناقب أبي حنيفةرضي‌الله‌عنه سبعمائة وثلاثين رجلاً من مشايخ المسلمين في الآفاق وأقطار الأرضين، ممّن رووا عنه،رضي‌الله‌عنه ».

وأمّا النوع السّادس من مناقبه - أي مناقب أبي حنيفة - وفضائله الّتي تفرد بها: التلمّذ عند أربعة آلاف من شيوخ أئمّة التابعين دون من بعده، أي أبي حنيفة، فالدّليل عليه ما أخبرنا جماعة من ثقات المشايخ، عن الصدر العلّامة أخطب خطباء خوارزم، صدر الأئمّة أبي المؤيد، موفق بن أحمد المكي، عن أبي حفص عمر بن الإمام أبي الحسن علي الزمخشري، عن والدهرحمه‌الله أنّه قال:

وقعت منازعة بين أصحاب الإمام الأعظم أبي حنيفة وأصحاب الإمام المـُعَظَّم الشافعيرضي‌الله‌عنه ، ففضل كلّ طائفة صاحبها ».

« النّوع السّابع من مناقبه - أي مناقب أبي حنيفة - الّتي تفرّد بها، إنّه إتّفق له من الأصحاب ما لم يتّفق لأحد من بعده، فالدليل عليه: ما أخبرني المشايخ الثقات عن صدر الأئمّة أبي المؤيّد موفّق بن أحمد المكي، قال أخبرني الإمام العلّامة ركن الإسلام أبو الفضل عبدالرحمن بن أميرويه، قال: أنا قاضي القضاة أبو بكر عتيق بن داود اليماني في ترجيح مذهب أبي حنيفةرضي‌الله‌عنه على

١٥٢

سائر المذاهب، في كلام طويل فصيح بليغ إلى أنْ قال:

هو إمام الأئمّة، سراج الأمّة، ضخم الدسيعة، السّابق إلى تدوين علم الشريعة، ثمّ أيده الله تعالى بالتوفيق والعصمة، فجمع له من الأصحاب والأئمّة عصمة منه تعالى لهذه الأمة ما لم يجتمع في عصر من الأعصار في الأطراف والأقطار »(١) .

« الباب الأوّل في ذكر شيء من فضائله التي تفرّد بها إجماعاً فنقول - وبالله التوفيق - مناقبه وفضائله كالحصى لا تُعَدّ ولا تُحصى، ولا يمكن أن تستقصى، لكن من فضائله الخاصة التي تفرد بها ولم يشاركه إجماعاً من بعده فيها، يمكن إحصاؤها وضبطها في أنواع عشرة: الأوّل في الأخبار والآثار المرويّة في مدحه دون من بعده، الثاني في أنّه ولد في زمان الصّحابة والقرن الّذي شهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دون من بعده ». « أمّا الأوّل، فقد أخبرني الصدر الكبير شرف الدين أحمد بن مؤيد بن موفق بن أحمد المكي

وقد أنبأني الصّدر الكبير شرف الدّين أحمد بن مؤيّد بن موفق بن أحمد المكي الخوارزمي، عن جدّه صدر الأئمّة أبي المؤيد الموفق بن أحمد المكي، عن عبدالحميد بن أحمد البراتقيني، عن الإمام محمّد بن إسحاق السّراجي الخوارزمي، عن أبي جعفر عمر بن أحمد الكرابيسي، عن أبي الفتح محمّد بن الحسن الناصحي، عن الزاهد أبي محمّد الحسن بن علي بن محمّد، عن أبي سهيل عبدالحميد بن محمّد الصوافي، عن أبيه، عن أبي القاسم يونس بن الطاهر البصري، عن أبي النصر أحمد بن الحسين الأديب، عن أبي سعيد أحمد بن محمّد بن بشر، عن محمّد بن يزيد، عن سعيد بن بشر، عن حماد، عن رجل، عن نافع، عن ابن عمررضي‌الله‌عنه تبارك وتعالى وتقدّس قال:

____________________

(١). جامع مسانيد أبي حنيفة ١ / ٣١.

١٥٣

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يظهر من بعدي رجل يعرف بأبي حنيفة يحيي الله سنّتي على يديه »(١) .

ترجمة الخوارزمي صاحب جامع المسانيد

ومحمّد بن محمود الخوارزمي، صاحب ( جامع مسانيد أبي حنيفة ) من كبار أئمّة الحنفيّة في الفقه والحديث، وهذه جملة من كلماتهم في الثناء عليه:

قال الكفوي: « الشيخ الإمام أبو المؤيّد محمّد بن محمود بن محمّد بن الحسن، الخوارزمي، الخطيب، ولد سنة ٦٠٣، وتفقّه على منشي النظر الأستاذ نجم الملّة والدين طاهر بن محمّد الحفصي، سمع بخوارزم وقد قدم بغداد وسمع بها، وحدّث بدمشق، وولي قضاء خوارزم وخطابتها بعد أخذ التتار لها، ثمّ تركها وقدم بغداد حاجّاً، ثمّ حجّ وجاور ورجع على طريق ديار مصر، وقدم دمشق ثمّ عاد إلى بغداد، ودرس بها، إلى أن مات سنة خمس وخمسين وستمائة »(٢) .

وقال القرشي: « محمّد بن محمود بن حسن الإمام أبو المؤيّد الخوارزمي، الخطيب، مولده سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة، تفقّه على الإمام طاهر بن محمّد الحفصي، سمع بخوارزم، وقدم بغداد وسمع بها، وحدّث بدمشق، وولي قضاء خوارزم وخطابتها بعد أخذ التّاتار لها، ثمّ تركها وقدم بغداد حاجّاً، ثمّ حجّ وجاور ورجع على طريق ديار مصر وقدم دمشق ثمّ عاد إلى بغداد، ودرّس بها، ومات بها سنة خمس وخمسين وستمائة »(٣) .

____________________

(١). جامع مسانيد أبي حنيفة ١ / ١٤ - ١٥.

(٢). كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار - مخلوط.

(٣). الجواهر المضيّة في طبقات الحنفيّة ٣ / ٣٦٥.

١٥٤

وقال الجلبي: « مسند الإمام الأعظم، أبي حنيفة نعمان بن ثابت الكوفي، المتوفى سنة خمسين ومائة، رواه حسن بن زياد اللؤلؤي، ورتّب المسند المذكور الشّيخ قاسم بن قطلوبغا الحنفي، برواية الحارثي على أبواب الفقه، وله عليه الأمالي في مجلّدين، ومختصر المسند المسمّى بالمعتمد، لجمال الدّين محمود بن أحمد القونوي الدمشقي، المتوفى سنة سبعين وسبعمائة، ثمّ شرحه وسمّاه المستند وجمع زوائده أبو المؤيّد محمّد بن محمود الخوارزمي، المتوفى سنة خمس وستين وستمائة، أوّله: الحمد لله الّذي سقانا بطوله من أصفى شرائع الشرايع »(١) .

وقال الدهّان في ( كفاية المتطلّع ): « كتاب جمع المسانيد للإمام الأعظم أبي حنيفة تأليف العلّامة قاضي القضاة أبي المؤيّد، محمّد بن محمود بن محمّد الخوارزمي رحمه ‌الله ، يرويه عن الفقهاء الحنفيين ».

٥ - الصفدي: « كان متمكّناً في العربية، غزير العلم، فقيهاً، فاضلاً، أديباً، شاعراً، قرأ على الزمخشري، وله خطب وشعر ومناقب »(٢) .

من مصادر ترجمة الصفدي

وقد ترجموا للصفدي في الكتب المعتبرة، وأثنوا عليه، فانظر منها:

١ - المعجم المختص للذهبي: ٩١.

٢ - الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ٢ / ٨٧.

٣ - طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة الأسدي ٦ / ٤.

٦ - عبدالقادر القرشي: « الموفق بن أحمد بن محمّد المكي، خطيب

____________________

(١). كشف الظنون: ١٦٨٠.

(٢). كذا في ( بغية الوعاة ) للسيوطي، وسيأتي.

١٥٥

خوارزم، أستاذ ناصر بن عبدالله صاحب المغرب، أبو المؤيد، مولده في حدود سنة ٤٨٤.

ذكره القفطي في أخبار النحاة.

أديب، فاضل، له معرفة في الفقه والأدب.

روى مصنّفات محمّد بن الحسن، عن عمر بن محمّد بن أحمد النسفي.

ومات رحمه الله تعالى سنة ٥٦٨.

وأخذ علم العربية عن الزمخشري »(١) .

ترجمة عبدالقادر القرشي

وعبد القادر القرشي من كبار علماء القوم:

قال محمود بن سليمان الكفوي: « المولى الفاضل، والنحرير الكامل، عبدالقادر بن محمّد بن نصر الله بن سالم، أبي الوفاء القرشي، كان عالماً فاضِلاً جامعاً للعلوم، له مجموعات وتصانيف وتواريخ ومحاضرات وتواليف.

ولد سنة ست وسبعين وسبعمائة، وأخذ العلوم عن جماعة كثيرة، منهم علاء الدّين التركماني ووالده قاضي القضاة شمس الدّين وفخر الدّين عثمان المارديني التركماني والد علاء الدّين التركماني وهبة الله التركماني وغير ذلك، وسمع وحدّث وأفتى ودرّس، وصنف كتاب العناية في تحرير أحاديث الهداية، والطرق والوسائل في تخريج أحاديث خلاصة الدلائل، ويسميه أيضاً المجموع، وشرح معاني الآثار للطحاوي، وكتاب الدرر المنيفة في الرد على ابن أبي شيبة عن الإمام أبي حنيفة، وكتاب ترتيب تهذيب الأسماء واللغات، وكتاب البستان في فضائل النعمان، وكتاب الجواهر المضية في طبقات

____________________

(١). الجواهر المضية في طبقات الحنفية ٣ / ٥٢٣.

١٥٦

الحنفيّة، ومختصر في علوم الحديث، ومسائل مجموع في الفقه، وقطعة من شرح الخلاصة في مجلّدين، وتفسير آيات وفوائد.

وسمع منه وأخذ المولى الفاضل قاسم بن قطلوبغا صاحب تلخيص التراجم.

مات سنة خمس وسبعين وسبعمائة رحمه الله تعالى »(١) .

وقال السيوطي: « عبد القادر بن محمّد بن محمّد بن نصر الله بن سلام محيي الدين أبو محمّد بن أبي الوفا القرشي، درّس وأفتى، وصنف شرح معاني الآثار وطبقات الحنفية وشرح الخلاصة وتخريج أحاديث الهداية، وغير ذلك.

ولد سنة ست وسبعين وستمائة، ومات في ربيع الأول سنة خمس وسبعين وسبعمائة »(٢) .

وقال الجلبي في ذكر كتابه ( الجواهر المضيّة ):

« طبقات الحنفية، أوّل من صنّف فيه الشيخ عبدالقادر بن محمّد القرشي، المتوفى سنة ٧٧٥، صاحب الجواهر المضيّة في طبقات الحنفيّة، كما قال في خطبته: لم أر أحداً جمع طبقات أصحابنا وهم أمم لا يحصون.

فجمعها بإمداد الشيخ قطب الدين عبدالكريم الحلبي، وأبي العلاء البخاري، وأبي الحسن السبكي، وأبي الحسن علي المارديني، فصار شيئاً كثيراً من التراجم والفوائد الفقهية »(٣) .

____________________

(١). كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار - مخطوط.

(٢). حسن المحاضرة في محاسن مصر والقاهرة ١ / ٤٧١.

(٣). كشف الظنون ١ / ٦١٦.

١٥٧

ترجمة القفطي

والقفطي الّذي ذكر الخطيب الخوارزمي في طبقاته، ترجم له السيوطي قائلاً:

« القفطي الوزير جمال الدّين علي بن يوسف بن إبراهيم الشيباني، وزير حلب، صاحب تاريخ النحاة وتاريخ اليمن وتاريخ مصر وتاريخ بني بويه وتاريخ بني سلجوق، ولد بقفط سنة ثمان وستين وخمسمائة، ومات بحلب سنة ست وأربعين وستمائة »(١) .

وقال السيوطي: « علي بن يوسف بن إبراهيم بن عبدالواحد بن موسى بن أحمد بن محمّد بن إسحاق بن محمّد بن ربيعة بن الحارث، أبو الحسن القفطي، يعرف بالقاضي الأكرم صاحب تاريخ النحاة، قال ياقوت: ولد في ربيع سنة ثمان وستّين وخمسمائة بقفط، وكان جمّ الفضل كثير النبل عظيم القدر، إذا تكلم في فنّ من الفنون كالنحو واللغة والقراءة والفقه والحديث والأصول والمنطق والرّياضية والنجوم والهندسة والتاريخ والجرح والتعديل، قام به أحسن قيام، كان سمح الكفّ طلق الوجه، صنّف الإصلاح للخلل الواقع في الصحاح للجوهري، الضاد والظا، تاريخ النحاة، تاريخ مصر، المحلّى في استيعاب وجوه كلّا »(٢) .

٧ - التقي الفاسي: « الموفق بن أحمد بن محمّد بن محمّد المكي، أبو المؤيد، العلّامة خطيب خوارزم، كان أديباً فصيحاً مفوّهاً، خطب بخوارزم دهراً وأنشأ الخطب وأقرأ النّاس، وتخرّج به جماعة، وتوفّي بخوارزم في صفر

____________________

(١). حسن المحاضرة في محاسن مصر والقاهرة ١ / ٥٥٤.

(٢). بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة: ٣٥٨.

١٥٨

سنة ثمان وستين وخمسمائة، ذكره هكذا الذهبي في تاريخ الإسلام، وذكره الشيخ محيي الدّين عبدالقادر الحنفي في طبقات الحنفيّة وقال: ذكره القفطي في أخبار النحاة، أديب فاضل، له معرفة بالفقه والأدب. وروى مصنّفات محمّد بن الحسن عن عمر بن محمّد بن أحمد، عن النّسفي »(١) .

ترجمة التقي الفاسي

وقد ترجم الحافظ السخاوي للتقي الفاسي بقوله:

« محمّد بن أحمد بن علي بن أبي عبدالله محمّد بن محمّد بن عبدالرحمن ابن محمّد بن أحمد بن علي بن عبدالرحمن بن سعيد بن عبدالملك، التقيّ، أبو عبدالله، وأبو الطيّب وبها اشتهر، ابن الشهاب أبي العبّاس بن أبي الحسن الفاسي المكّيّ المالكي، شيخ الحرم، والماضي أبوه، ويعرف بالتقي الفاسي.

ولد في ربيع الأول سنة خمس وسبعين وسبعمائة بمكة، ونشأ بها وبالمدينة لتحوله إليها مع اُمّه في سنة ثلاث وثمانين وقتاً

وعني بعلم الحديث أتمّ عناية، وكتب الكثير وأفاد وانتفع الناس به، وأخذوا عنه، ودرّس وأفتى، وحدث بالحرمين والقاهرة ودمشق وبلاد اليمن بجملة من مرويّاته ومؤلفاته، سمع منه الأئمّة، وفي الأحياء بمكّة جماعة ممّن أخذ عنه.

قال شيخنا في معجمه: حدّثني من لفظه بأحاديث، وأجاز لأولادي، ولم يخلّف بالحجاز مثله، وقرض له شيخنا غير ما تصنيف، وكان هو يعترف بالتلمذة لشيخنا وتقدّمه على سائر الجماعة، حتّى شيخهما العراقي كما ثبت ذلك في الجواهر، وخرّج له الجمال بن موسى معجماً مات قبل إكماله.

____________________

(١). العقد الثمين في أخبار البلد الأمين ٧ / ٣١٠.

١٥٩

وكان ذايدٍ طولى في الحديث والتاريخ والسّير، واسع الحفظ، واعتنى بأخبار بلده، فأحيى معالمها وأوضح مجاهلها وجدّد مآثر ها وترجم أعيانها، فكتب بها تاريخاً حافلاً سمّاه شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، في مجلّدين، جمع فيه ما ذكره الأزرقي وزاد عليه ما تجدّد بعده بل وما قبله، واختصره مراراً.

وعمل العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين في أربع مجلّدات، ترجم فيه جماعة من حكّام مكة وولاتها وقضاتها وخطبائها وأئمّتها ومؤذّنيها، وجماعة من العلماء والرّواة من أهلها، وكذا من سكنها سنين أو مات بها، وجماعة لهم مآثر فيها أو في ما أضيف له، رتّبه على المعجم ثمّ اختصره، وكذا ذيّل على سير النبلاء وعلى التقييد لابن نقطة وكتاباً في الآخريات سوّد غالبه، وفي الأذكار والدعوات، وفي المناسك على مذهب الشافعي ومالك، واختصر حياة الحيوان للدميري، وخرّج الأربعين المتباينات والفهرست كِلاهما لنفسه، وكذا خرّج لجماعة من شيوخه »(١) .

وقال السيوطي: « الفاسي الحافظ تقيّ الدين محمّد بن أحمد بن علي بن عبد الرحمن الشريف المكّي، أبو الطيّب، ولد سنة خمس وسبعين وسبعمائة، وأجاز له أبو بكر بن أحمد المحبٍ، وإبراهيم بن السّلار، رحل وبرع وخرّج، وأذن له الشيخ زين الدّين العراقي بإقراء الحديث، ودرّس وأفتى، وصنّف كتباً منها تاريخ مكة، وولي قضاء المالكية بها. مات في شوال سنة ٨٣٢. قال ابن حجر: ولم يخلف في الحجاز مثله »(٢) .

٨ - السيّد شهاب الدين أحمد: « ولم يزل أصحاب العلم والعرفان لا

____________________

(١). الضوء اللامع لأهل القرن التاسع ٧ / ١٨.

(٢). طبقات الحفاظ: ٥٤٩.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

فقام اسيد بن حضير ـ وهو ابن عم سعد بن معاذ ـ وقال : كذبت والله لنقتلنّه وأنفك راغم. فانك منافق تجادل عن المنافقين ، والله لو نعلم ما يهوى رسول الله من ذلك في رهطي الأدنين ما رام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكانه حتى آتيك برأسه ، ولكني لا أدري ما يهوى رسول الله.

ثم تغالظوا ، وقام آل الخزرج من جانب ، وآل الأوس من جانب آخر ، وكادوا أن يشتبكوا ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المنبر ، فأشار رسول الله إلى الحيّين جميعا أن اسكتوا ، ونزل عن المنبر فهدّأهم وخفضهم حتى انصرفوا ...

هذا القسم من القصة المذكورة في رواية البخاري غير صحيح ، ولا يتلاءم مع التاريخ الثابت الصحيح لأن « سعد بن معاذ » كان قد مات بعد إصدار حكمه في بني قريظة متأثرا بجرح أصابه في معركة « الاحزاب » ، وقد وقعت حادثة « الإفك » بعد واقعة بني قريظة ، وقد صرّح البخاري نفسه بهذا في صحيحه ( ج ٥ ص ١١٣ ) في باب « معركة الاحزاب وبني قريظة » ، فكيف يمكن والحال هذه أن يحضر مجلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويجادل سعد بن عبادة في قصة الإفك التي وقعت بعد واقعة بني قريظة بعدة شهور؟!(١)

لقد ذهب المؤرخون الى أن معركة الخندق ثم واقعة بني قريظة وقعتا في شهر شوال من السنة الخامسة للهجرة ، فتكون النتيجة ان قضية بني قريظة انتهت في التاسع عشر من شهر ذي الحجة ، وقد توفي سعد بن معاذ في أعقاب هذه الحادثة مباشرة لمّا انفجر به جرحه(٢) في حين وقعت غزوة بني المصطلق في شهر شوال

__________________

القبيلتين منافسة قديمة ، وكان « عبد الله بن أبي » خزرجيا ، فاعتبر « سعد بن عبادة » كلام « سعد بن معاذ » تعريضا بالخزرج وحطا من شأنهم.

(١) نفس المصدر السابق ، والجدير بالذكر أن ابن هشام لم يذكر في سيرته « سعد بن معاذ » ، ولكنه روى جدال اسيد مع سعد بن عبادة راجع السيرة النبوية : ج ٢ ص ٣٠٠ ، وهكذا فعل ابن الاثير في الكامل في التاريخ : ج ٢ ص ١٣٤ ، ولكن المغازي ذكر القصة كاملة ، واتى باسم سعد بن معاذ راجع : ج ٢ ص ٤٣١.

(٢) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٢٥٠.

٣٢١

من السنة السادسة(١) .

أجل إنّ ما هو مهمّ في المقام هو أن نعرف أنّ حزب النفاق حاول أن يزلزل النفوس ، ويبلبلها ببهت امرأة صالحة ذات مكانة في المجتمع الاسلامي يومذاك.

وقد فسر قوله : « الّذي تولى كبره » أي الذي تحمل القسط الاكبر من هذه العملية الخبيثة بعبد الله بن ابي ، فهو الذي قاد هذه العملية الرخيصة والخطرة كما صرحت بذلك عائشة نفسها أيضا.

الرواية الاخرى في سبب النزول :

وتقول هذه الرواية أن الآيات الحاضرة نزلت في « مارية القبطيّة » زوجة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووالدة إبراهيم.

فان هذه الرواية تقول : لما مات إبراهيم بن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حزن عليه حزنا شديدا ، فقالت عائشة : ما الذي يحزنك عليه؟ ما هو إلاّ ابن جريح ، فبعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّا صلوات الله عليه وأمره بقتله ، فذهب علي صلوات الله عليه ومعه السيف ، وكان جريح القبطي في حائط ( أي بستان ) ، فضرب « علي » باب البستان ، فأقبل جريح له ليفتح الباب ، فلما رأى عليّا صلوات الله عليه ، عرف في وجهه الغضب ، فأدبر راجعا ولم يفتح باب البستان ، فوثب عليعليه‌السلام على الحائط ونزل إلى البستان ، وأتبعه ، وولّى جريح مدبرا ، فلما خشي أن يرهقه ( أي يدركه ) صعد في نخلة وصعد « علي » في أثره ، فلما دنا منه رمى بنفسه من فوق النخلة ، فبدت عورته ، فاذا ليس له ما للرجال ولا له ما للنساء ، فانصرف عليّعليه‌السلام إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٢٩٧ ، ولعلّه فطن ابن هشام لهذه الناحية فترك ذكر سعد بن معاذ ، بينما غفل عنها البخاري في صحيحه ، راجع شروح البخاري منها : فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر : ج ٨ ص ٤٧١ و ٤٧٢ للوقوف على اضطراب الشرّاح في معالجة هذا التناقض.

٣٢٢

فقال له : يا رسول الله إذا بعثتني في الأمر أكون كالمسمار المحمى في الوبر أم أتثبّت؟

قال : لا بل تثبت.

قال : والذي بعثك بالحق ما له ما للرجال وما له ما للنساء.

فقال : الحمد لله الذي صرف عنا السوء أهل البيت.

وهذه الرواية التي نقلها « المحدث البحراني » في « تفسير البرهان » ج ٢ ص ١٢٦ ـ ١٢٧ و « الحويزي » في تفسير « نور الثقلين » ج ٣ ص ٥٨١ ـ ٥٨٢ ضعيفة وغير مستقيمة من حيث المفاد ، وهو ضعف ظاهر لا يحتاج الى البيان ولذلك.

ومن هنا لا يمكن القبول بها في شأن نزول هذه الآيات.

فالمهم هو وقوع أصل هذه الحادثة ، كان من كان المتّهم في هذه الحادثة.

٣٢٣

٤٢

رحلة سياسيّة دينيّة

كانت السنة الهجرية السادسة بكل حوادثها المرة والحلوة تقترب من نهايتها عند ما رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام أنه دخل البيت ( الكعبة ) وحلق رأسه ، وأخذ مفتاح البيت ، وعرّف مع المعرفين ، فقصّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه الرؤيا على أصحابه وتفاءل به خيرا(١) .

ولم يلبث أن أمر أصحابه بالتهيّؤ للعمرة ، ودعا القبائل المجاورة التي كانت لا تزال على شركها وكفرها الى مرافقة المسلمين في هذه السفرة ، ولهذا شاع في جميع أنحاء الجزيرة العربية أن المسلمين سيتجهون في شهر ذي القعدة صوب مكة يريدون العمرة.

ولقد كانت هذه السفرة الروحانية تنطوي ـ مضافا إلى العطاء الروحاني والمعنوي ـ على مصالح اجتماعية وأهداف سياسية ، فقد عززت مكانة المسلمين في شبه الجزيرة العربية ، وتسببت في انتشار دين التوحيد في أوساط المجتمع العربي آنذاك ، وذلك :

أولا : لأنّ القبائل العربية المشركة كانت تتصوّر أن النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخالف كل عقائد العرب ، وتقاليدهم الشعبية ، والدينية حتى فريضة الحج ، والعمرة التي كانت تعد من ذكريات الاسلاف ومواريثهم.

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٩ ص ١٢٦.

٣٢٤

من هنا كانوا يخافون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويتوجسون خيفة من دينه ، وعقيدته ، ولكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استطاع في هذه المناسبة ـ باشتراكه ، واشتراك أصحابه في مراسيم العمرة أن يخفف هذا الخوف لدى القبائل المشركة إلى حدّ كبير ، وأن يوضح بعمله أنّ رسول الإسلام لا يعارض زيارة بيت الله الحرام ، والفريضة المذكورة التي تعد من طقوسهم الدينية ، وتقاليدهم المذهبية ، بل يعتبرها فريضة مقدسة ، فهو مثل والد العرب الاكبر « إسماعيل بن إبراهيم الخليل »عليهما‌السلام يعمل على المحافظة على هذه التقاليد الدينية ، وبهذا استطاع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يستقطب قلوب من كان يتوهم أن رسالة « محمّد » ودعوته ، ودينه يعارض جميع شئونهم وتقاليدهم وأعرافهم الدينية ، والشعبية ، ويخالفها مخالفة مطلقة ، ويقلّل من خوفهم ، واستيحاشهم.

ثانيا : إذا استطاع المسلمون أن يحرزوا في هذا السبيل نجاحا ، ويؤدوا مناسك العمرة في المسجد الحرام بحرية ، أمام أعين الآلاف من المشركين ، فان عملهم هذا بنفسه سيكون تبليغا ناجحا للإسلام ، لأن أخبار المسلمين ستنتشر بواسطة المشركين الذين قدموا مكة من جميع المناطق لاداء مناسك العمرة ، فسيحملون أنباء ما رأوه وشاهدوه من أفعال المسلمين الرشيدة ، وأخلاقهم الفاضلة ، إلى أوطانهم لدى عودتهم من مكة إلى بلادهم ، وبهذا ينتشر نداء الإسلام في تلكم المناطق التي لم يستطع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان يبعث إليها الدعاة والمبلغين حتى ذلك الحين ، ويترك هذا الأمر أثره المطلوب.

ثالثا : إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكّر الناس في المدينة بحرمة الأشهر الحرم وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وأمر المسلمين بأن لا يحملوا معهم من الاسلحة شيئا إلاّ السيف الذي يحمله كل مسافر معه.

ولقد جلب هذا الامر عواطف كثير من الغرباء عن الإسلام نحو هذا الدين ، وغيّر من نظرتهم السلبية تجاه دعوة الإسلام ، لأنهم شاهدوا بام أعينهم أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحرّم القتال في هذه الاشهر ، ويدافع بنفسه عن

٣٢٥

هذه السنّة الدينية القديمة ويدعو إلى رعايتها خلافا لكل الدعايات التي كانت تبثها قريش عن أن الاسلام لا يحترم هذه الأشهر ، ويجيز الاقتتال وسفك الدماء فيها.

لقد فكر القائد الاسلاميّ مع نفسه بانه لو أصاب المسلمون في هذا السبيل أيّ نجاح ، فانهم يكونون قد حققوا أملا قديما من آمالهم التي طالما تشوقوا إلى تحقيقها.

كما أنه سوف يستطيع المهاجرون الذي طال بعدهم عن وطنهم ، وأهليهم ، أن يزوروا ذويهم وأقربائهم. هذا إذا سمحت قريش لهم بدخول مكة.

وأمّا إذا منعتهم قريش عن الدّخول في الحرم فان مكانة قريش ستتعرض ـ حينئذ ـ لخطر السقوط في العالم العربي ، وسيلومهم العرب على ذلك ، لأن جميع ممثلي القبائل العربية المحايدة سترى كيف عاملت قريش جماعة مسالمة أرادت دخول مكة لأداء مراسيم العمرة ، وزيارة الكعبة المعظمة ، ولا تحمل معها أيّ سلاح إلاّ ما يحمله المسافر في سفره عادة ، في حين يرتبط المسجد الحرام بالعرب كافة ، وانما تقوم قريش بمجرّد سدانته ، وادارة شئونه.

وهنا تتجلى حقانية المسلمين بشكل واضح ، ويتضح عدوان قريش وينكشف للجميع بطلان مواقفها ، فلا تستطيع قريش بعد ذلك أن تواصل تأليبها للقبائل العربية ضدّ الإسلام ، وعقد تحالفات عسكرية واتحاد نظاميّ مع قواها المحاربة المسلمين لانها قد منعت الزوّار المسلمين أمام أعين الآلاف من الحجيج والزائرين من حقهم المشروع.

لقد لا حظ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّ هذه الجوانب وغيرها فامر المسلمين بالتوجّه نحو مكة ، وأحرم الف واربعمائه(١) أو الف وستمائة(٢) أو الف وثمانمائة(٣) في « ذي الحليفة » وقلّد سبعين بدنة ( بعيرا ) وبهذا أعلن عن هدفه من تلك الرحلة.

__________________

(١) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٣٠٩.

(٢) مجمع البيان : ج ٢ ص ٢٨٨.

(٣) روضة الكافي : ص ٣٢٢.

٣٢٦

ولقد أرسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عينا له ليخبره عن قريش إذا وجدهم في أثناء الطريق.

ولما كان رسول الله بعسفان ( وهي منطقة بين الجحفة ومكة ) أتاه رجل خزاعيّ كان يتقصى الاخبار لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : يا رسول الله هذه قريش قد سمعت بمسيرك ، فعاهدوا الله أن لا تدخلها أبدا وهذا « خالد بن الوليد » في خيلهم ( وكانوا مائتين ) قد قدّموها الى كراع الغميم. ( وهي موضع بين مكة والمدينة أمام عسفان بثمانية أميال ).

فلما سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعزم قريش على منعه ومنع اصحابه من العمرة قال :

« يا ويح قريش ، لقد أكلتهم الحرب ما ذا عليهم لو خلّوا بيني وبين سائر العرب ، فان هم أصابوني كان الذي أرادوا ، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين ، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة ، فما تظنّ قريش ، فو الله لا أزال اجاهد على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله به ، أو تنفرد هذه السالفة(١) ( أي أقتل أو أموت ).

ثم طلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من يدلّه على طريق آخر غير الطريق الذي هم بها لكي يتجنب مواجهة طليعة قريش بقيادة « خالد بن الوليد ».

فتعهّد رجل من بني أسلم بذلك فسلك برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه طريقا وعرا كثيرة الحجارة بين شعاب حتى انتهوا إلى منطقة سهلة تدعى بالحديبية ، فبركت هناك ناقة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما هذا لها عادة ، ولكن حبسها حابس الفيل بمكة »(٢) .

ثم أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناس أن ينزلوا في ذلك المكان فنزلوا.

__________________

(١) السالفة : صفحة العنق ، وكنى بهذه الجملة عن الموت لأنّها لا تنفرد عمّا يليها الاّ بالموت.

(٢) بحار الانوار : ج ٢٠ ص ٣٢٩ وغيره. وقد أشار بهذا الكلام إلى واقعة الفيل.

٣٢٧

ولما علمت طليعة قريش بمسير رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لحقت به ، حتى اقتربت منه وحاصرت موكبه ورجاله فكان على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اذا أراد أن يواصل سيره باتجاه مكة ان يخترق صفوف رجال قريش ، فيسفك دماءهم ، ويعبر على أجسادهم ، وحينئذ كان الجميع يرى أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يهدف العمرة والزيارة بل يريد الحرب والقتال ، فكان مثل هذا العمل يسيء إلى سمعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويضر بهدفه السلميّ.

ثم إن قتل هؤلاء النفر من طليعة قريش لا يزيل جميع الموانع من طريقه ، لأن قريشا كانت تبعث بإمدادات مستمرة ، ولم يكن لينته إلى هذا الحدّ.

هذا مضافا إلى أن المسلمين ما كانوا يحملون معهم حينذاك ـ إلاّ ما يحمله المسافر العاديّ من السلاح ، ومع هذه الحال لم يكن القتال أمرا صحيحا ، وحكيما بل كان يجب ان تحلّ المشكلة عن طريق التفاوض.

ولهذا عند ما نزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تلك المنطقة قال :

« لا تدعوني قريش اليوم إلى خطّة يسألونني فيها صلة الرحم إلاّ أعطيتهم إياها »(١) .

ولقد بلغ كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا مسامع الناس ، وكان من الطبيعي أن يسمع به العدو أيضا ، ولهذا بعثوا برجال من شخصيّاتهم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليتعرفوا على هدفه الاصلي من هذا السفر.

مندوبو قريش عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

بعثت قريش بعدة مندوبين إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليتعرفوا على مقصده وهدفه في هذا السفر.

وكان أول أولئك المبعوثين هو : « بديل بن ورقاء الخزاعي » الذي أتى

__________________

(١) تاريخ الطبري : ج ٢ ص ٢٧٠ ـ ٢٧٢.

٣٢٨

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في رجال من خزاعة فكلّموه نيابة عن قريش وسألوه : ما الذي جاء به؟ فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« إنّا لم نجيء لقتال أحد ، ولكنّا جئنا معتمرين ».

فرجعوا إلى قريش وأخبروهم بأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يات لقتال وإنما جاء معتمرا زائرا لبيت الله ، ولكن قريشا لم يصدقوهم وقالوا : وإن كان جاء ولا يريد قتالا فو الله لا يدخلها علينا عنوة أبدا ، ولا تحدّث بذلك عنّا العرب.

ثم بعثوا « مكرز بن حفص » فسمع من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما سمعه سابقه ، فعاد وصدّق ما أخبر بديل قريشا به ، ولكن قريشا لم تصدق مكرزا أيضا كما لم تصدّق سابقه.

فبعثت في المرة الثالثة الحليس بن علقمة(١) وكبير رماة العرب ، لحسم الموقف ، فلما رآه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مقبلا قال :

« إن هذا من قوم يتألّهون ( أي يعظمون أمر الله ) فابعثوا الهدي في وجهه حتى يراه ».

فلما رأى الحليس ، الهدي يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده ، وقد أكل أوباره من طول الحبس عن محلّه ، رجع إلى قريش ، ولم يصل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إعظاما لما رأى ، فقال لهم : يا معشر قريش والله ما على هذا حالفناكم ، ولا على هذا الّذي عاقدناكم ، أيصدّ عن بيت الله من جاء معظما له وقد ساق الهدي معكوفا إلى محلّه؟! ، والذي نفس الحليس بيده لتخلّنّ بين محمّد وما جاء له ، أو لأنفّرنّ بالأحابيش نفرة رجل واحد ، وهكذا امتنع الحليس من مواجهة رسول الله بالقوة واستخدام العنف معه لصده ، وقد لاحظ بأم عينيه ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمين لا يريدون إلاّ العمرة والزيارة لا القتال

__________________

(١) لقد جاء الحليس إلى النبي بعد عروة الثقفي حسب رواية الطبري في تاريخه : ج ٢ ص ٢٧٦.

٣٢٩

والحرب ، بل عاد يهدد قريشا اذا هي أرادت صدّه عن ذلك.

فشق هذا الكلام وهذا التهديد على قريش وخافوا من مخالفته ، فقالوا : مه ، كفّ عنا يا حليس حتّى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به.

ثمّ بعثوا أخيرا « عروة بن مسعود الثقفي » وكان رجلا لبيبا تطمئن قريش إلى درايته وحكمته وخيره وكان لا يحبّ أن يمثّل قريشا في هذه المفاوضات لما رآه من معاملتهم مع الممثلين السابقين ، ولكن قريشا تعهدت له بان تقبل بما تقول ، وأعلنت له عن ثقتها الكاملة به ، وبما سيخبر به ، وبأنه غير متّهم عندهم.

فخرج من عندهم حتى أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجلس بين يديه ثم قال : يا محمّد جمعت أو شاب الناس ( أي أخلاطهم ) ثم جئت بهم إلى أهلك وقبيلتك ، إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل ، قد لبسوا جلود النمور ، يعاهدون الله لا تدخلها عليهم عنوة أبدا ، وأيم الله لكأنّي بهؤلاء قد انكشفوا عنك غدا ، ( أو قال : أن يفرّوا عنك ويدعوك ).

وعند ما بلغ ابن مسعود في كلامه إلى هذا قال له أبو بكر وكان جالسا خلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنحن ننكشف عنه ، وندعه؟

لقد كان « عروة » كأيّ دبلوماسيّ ماكر ، يحاول إضعاف معنويات أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكلامه ، وروغانه.

وأخيرا انتهت المباحثات دون جدوى. وهنا جعل « عروة » يتناول لحية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ازدراء بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمغيرة بن شعبة ـ وكان واقفا على رأس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ يقرع يده إذا تناول لحية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقول اكفف يدك عن وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن لا تصل إليك.

فسأل عروة : يا محمّد من هذا؟ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة ( ويبدو أن جميع من كان حول النبي آنذاك أو بعضهم كانوا مقنعين رعاية للظروف الأمنية ).

٣٣٠

فغضب عروة وقال : « أي غدر ، وهل غسلت سوءتك إلاّ بالأمس » وكان المغيرة قد قتل قبل إسلامه ثلاثة عشر رجلا من بني مالك من ثقيف فودى عروة المقتولين وأصلح الأمر.

فقطع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكلام على عروة وقال له مثل ما قال لبديل ورفيقيه ، وأنه لم يات يريد حربا ، بل جاء يريد العمرة ، ولاجل أن يرى عروة مكانته بين أصحابه وأتباعه ، قامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتوضأ أمامه ، فرأى عروة بام عينيه كيف أنه لا يتوضّأ إلاّ وتسابق أصحابه على التقاط القطرات المتناثرة من وضوئه ، فرجع إلى قريش وقال لهم : يا معشر قريش إنّي قد جئت كسرى في ملكه ، وقيصر في ملكه ، والنجاشيّ في ملكه ، وإنّي والله ما رأيت ملكا في قوم قطّ مثل محمّد في أصحابه ، ولقد رأيت قوما لا يسلمونه لشيء قط فروا رأيكم(١) .

رسول الله يبعث مندوبا الى قريش :

لم تثمر الاتصالات التي جرت بين مبعوثي قريش ، وبين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكان من الطبيعي أن يتصور رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ مبعوثي قريش لم يستطيعوا نقل هدفه إلى قريش ، وإسماعهم الحقيقة ، وأن اتهامهم لهم بالجبن والكذب منعهم من قبول ما قد أخبروا به ، ولهذا قرّر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يبعث هو مندوبا عنه إلى رءوس الشرك ليوضّح لهم هدف رسول الاسلام من هذا السفر ، وأنه ليس إلاّ زيارة بيت الله وأداء مناسك العمرة لا غير.

فاختار رجلا لبيبا حازما من بني خزاعة يدعى « خراش بن اميّة » فبعثه إلى قريش بمكّة وحمله على بعير يقال له « الثعلب ». ليبلّغ أشرافهم عنه ما جاء له من

__________________

(١) المغازي : ج ٢ ص ٥٩٨ ، امتاع الاسماع : ج ١ ص ٢٨٧.

٣٣١

الزيارة والعمرة ، فدخل مكة ، وبلّغ سادة قريش رسالة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكن قريشا ـ خلافا لكل الأعراف الدولية والاجتماعية قديما وحديثا. والقاضية بحصانة السفراء وضرورة احترام كل مما يمت إليهم بصلة من ممتلكاتهم عمدت الى جمل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي امتطاه سفير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى مكة فعقروه عدوانا ، وكادوا أن يقتلوا سفير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه ، ولكن وساطة جماعة من قادة العرب ادت إلى أن تخلّي قريش سبيله حتى أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

إن هذا العمل الدنيء أثبت ـ بوضوح ـ أن قريشا لم تكن تريد السلام بل كانت دائما في صدد اشعال قتيل الحرب.

ولم تلبث قريش أن كلّفت خمسين رجلا من فتيانها بالطواف بعسكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغية أخذ شيء من أمواله ، أو أسر بعض أصحابه لو أتيح لهم ذلك ، ارعابا للمسلمين وتخويفا لهم. ولكن هذه الخطة فشلت فشلا ذريعا ، فان هؤلاء لم يصيبوا شيئا بل أسرهم المسلمون جميعا وأتى بهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعفا عنهم ، وخلّى سبيلهم مع أنهم كانوا قد رموا في عسكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالحجارة والنبل.

وبهذا ثبت رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرة اخرى أنه يحب السلام ويسعى إليه ، وانه جاء معتمرا لا معتديا ولا محاربا(١) .

النبي يبعث سفيرا آخر الى قريش :

رغم كل هذه الامور ورغم كلّ التصلّب والتعصّب الذي أبدته القيادة القرشية المشركة ضدّ الاسلام والمسلمين وضد محاولات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم السلميّة لم ييأس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تحقيق السلام

__________________

(١) تاريخ الطبري : ج ٢ ص ٢٧٨.

٣٣٢

فقد كان يريد ـ واقعا ـ أن يعالج المشكلة من طريق المفاوضات ، ومن طريق تغيير التصورات التي كان يحملها اشراف قريش وسادتها المتعنتين المتصلبين عن رسول الله ودعوته.

ومن هنا كان يجب هذه المرّة أن يختارصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلا لم تخض يده في دماء قريش ، ولهذا لم يصلح « علي بن أبي طالب » ولا « الزبير » ولا غير هم من فرسان الاسلام وشجعانه الذين جالدوا صناديد قريش في ميادين القتال وأردوا فريقا منهم صرعى ، لمثل هذه السفارة ، وهذه المهمة.

ولهذا تقرر ـ بعد التأمل. انتداب « عمر بن الخطاب » لهذه المهمة ، أي الذهاب الى مكة ، والتحدث الى سادة قريش ، ورؤسائها ، لأنه لم يكن قد أراق من المشركين حتى ذلك اليوم ولا قطرة دم ، ولكن « عمر » اعتذر عن تحمل هذه المسئولية ، والقيام بهذه المهمة المحفوفة بالمخاطر قائلا : يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ إني أخاف قريشا على نفسي ، وليس بمكة من بني عديّ ( وهم عشيرته ) من يمنعني ، ولكني ادلّك على رجل أعزّ بها مني ، « عثمان بن عفان ». ( لكونه أمويا بينه وبين أبي سفيان زعيم قريش قرابة )(١) .

فدعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « عثمان بن عفان » فبعثه إلى « أبي سفيان » وأشراف قريش ، ليخبرهم أنه لم يأت لحرب ، وأنه انما جاء زائرا لهذا البيت ومعظما لحرمته.

فخرج عثمان الى مكة ، فلقيه « أبان بن سعيد بن العاص » حين دخل مكة ، أو قبل أن يدخلها فحمله بين يديه ، ثم أجاره حتى بلّغ رسالة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فانطلق « عثمان » حتى أتى أبا سفيان وأشراف قريش فبلغهم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أرسله به ، فقالوا لعثمان حين فرغ من رسالة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليهم : إن شئت أن تطوف بالبيت فطف ،

__________________

(١) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٣١٥.

٣٣٣

فامتنع عثمان عن الطواف احتراما لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ثم إن قريشا احتبست عثمان عندها ، ولعلّهم فعلوا ذلك ريثما يتوصلوا إلى حلّ ثم يطلقوه ليبلّغ الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأيهم.

بيعة الرضوان :

إلاّ أن إبطاء مبعوث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن العودة من مكة أوجد قلقا شديدا في نفوس المسلمين ، خاصّة وأنه شاع أن عثمان قد قتل ، فثارت ثائرة المسلمين ، واستعدّوا للانتقام من قريش وعمد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا إلى مخاطبتهم قائلا :

« لا نبرح حتى نناجز القوم ».

وذلك تقوية لارادة المسلمين ، وتحريكا لمشاعرهم الطاهرة.

وفي هذه اللحظات الخطيرة ، وفي ما كان الخطر على الابواب ، وبينما لم يكن المسلمون متهيئين للقتال قرر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يجدّد بيعته مع المسلمين.

فجلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحت شجرة ، وأخذ أصحابه يبايعونه على الاستقامة والثبات والوفاء واحدا واحدا ، ويحلفون له أن لا يتخلوا عنه أبدا ، وأن يدافعوا عن حياض الإسلام حتى النفس الأخير ، وقد سمّيت هذه البيعة ببيعة « الرضوان » التي جاء ذكرها في قوله تعالى :

«لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ، فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً »(١) .

فاتضح موقف المسلمين بعد هذه البيعة ، فإمّا أن تسمح لهم قريش بدخول مكة لزيارة بيت الله المعظّم ، وإمّا أن تتصلّب في موقفها الرافض فيكون بينهم

__________________

(١) الفتح : ١٨.

٣٣٤

القتال والحرب(١) .

وبينما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذه الحال اذ طلع عليهم « عثمان بن عفان » ، وكان ذلك بنفسه طليعة سلام كان يريده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فأخبر عثمان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن الذي يمنع قريشا من السماح لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدخول مكة هو اليمين التي الزموا بها انفسهم أن لا يدعوه يدخل مكة هذا العام وانهم سيبعثون إليه من يتفاوض معه بهذا الشأن.

سهيل بن عمرو يفاوض رسول الله :

بعثت قريش ـ في المرة الخامسة ـ « سهيل بن عمرو » الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد كلّفته بانهاء المشكلة ضمن شروط خاصّة سنقرؤها في ما يأتي.

فأقبل « سهيل بن عمرو » على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولما رآه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل.

فلما انتهى « سهيل » إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تكلّم في المسألة كما يتكلّم أي دبلوماسيّ بارع ، فقال وهو يحاول إثارة عواطف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأحاسيسه :

يا أبا القاسم إن مكة حرمنا وعزّنا ، وقد تسامعت العرب بك إنك قد غزوتنا ومتى ما تدخل علينا مكة عنوة تطمع فينا فنتخطّف ، وإنا لنذكّرك الحرم ، فان مكة بيضتك التي تفلّقت عن رأسك.

فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فما تريد »؟

__________________

(١) ولقد كان لهذه البيعة في نفسها أثرا سياسيا مهما في نفس العدو ، يقول الواقدي : فلما رأت عيون قريش سرعة الناس إلى البيعة وتشميرهم إلى الحرب اشتدّ رعبهم وخوفهم وأسرعوا إلى القضية ( ج ٢ ص ٦٠٤ ). وراجع امتاع الاسماع : ج ١ ص ٢٩١ أيضا.

٣٣٥

قال : اريد أن أكتب بيني وبينك هدنة على أن اخلّيها لك في قابل(١) فتدخلها ، ولا تدخلها بخوف ولا فزع ، ولا سلاح إلاّ سلاح الراكب ، السيف في القراب.

فقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعقد مثل هذا الصلح.

وهكذا أدّت مفاوضات « سهيل » مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى عقد صلح شامل وواسع بين قريش وبين المسلمين.

ولقد تشدد « سهيل » في شروط هذا الصلح كثيرا ، حتى كاد أن ينتهي هذا التشدّد إلى قطع المفاوضات أحيانا ، ولكن حيث إن الطرفين كانا يرغبان في الصلح والموادعة ، لهذا كانا يستأنفان التحاور والتفاوض مرة اخرى ، بعد كلّ أزمة تطرأ على المباحثات.

وأخيرا انتهت مفاوضات الجانبين ـ رغم كل ما أبداه مندوب قريش من التصلّب ـ الى عقد وثيقة موادعة وهدنة نظّمت في نسختين ووقع عليها الجانبان.

ويروي كافّة المؤرخين وأرباب السير أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استدعى عليّاعليه‌السلام ، وامره أن يكتب تلك الوثيقة قائلا له : اكتب « بسم الله الرحمن الرحيم » فكتب « عليّ » ذلك فقال سهيل : لا أعرف هذا ، ولكن أكتب : باسمك اللهم!!

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اكتب : باسمك اللهم وامح ما كتبت.

ففعل « علي » ذلك.

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أكتب « هذا ما صالح عليه رسول الله سهيل بن عمرو ».

فقال سهيل ، لو أجبتك في الكتاب إلى هذا لأقررت لك بالنبوّة فامح هذا الاسم واكتب : محمّد بن عبد الله ( أو قال : لو شهدت انك رسول الله لم اقاتلك.

__________________

(١) أي افرغ لك مكة في العام القادم لتدخلها.

٣٣٦

ولكن أكتب اسمك واسم ابيك ).

ولم يرض بعض من حضر من المسلمين في هذه النقطة بأن يرضخ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمطالب « سهيل » الى هذه الدرجة ، ولكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي كان يلاحظ مصالح عليا غفل عنها ذلك البعض كما سنذكرها فيما بعد رضي بمطلب « سهيل » ، وقال لعليّعليه‌السلام : امحها يا عليّ.

فقال عليّعليه‌السلام بأدب بالغ : يا رسول الله إن يديّ لا تنطلق لمحو اسمك من النبوة.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فضع يدي عليها ، فمحى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده كلمة : رسول الله نزولا عند رغبة « سهيل » مفاوض قريش(١) .

ان التسامح الذي أبداه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تنظيم وثيقة الصلح هذه لا يعرف له نظير في تاريخ العالم كله ، لأنه اظهر بجلاء أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقع فريسة بيد الاهواء والاغراض الشخصية والعواطف والاحاسيس العابرة ، وكان يعلم أن الحقائق لا تتبدّل ولا تتغيّر بالكتابة والمحو ، من هنا تسامح مع مفاوض قريش « سهيل » الذي تصلّب في مطاليبه غير المشروعة كثيرا ، حفاظا على أصل الصلح. وحرصا على السلام.

التاريخ يعيد نفسه :

ولقد ابتلي عليعليه‌السلام تلميذ النبي الأول بمثل هذه التجربة المرّة بعد

__________________

(١) الارشاد : ص ٦٠ ، اعلام الورى : ١٠٦ ، بحار الأنوار : ج ٢٠ ص ٣٦٨ وقد اخطأ الطبري في هذا المقام اذ قال : في احدى رواياته لهذه الحادثة : قال لعلىعليه‌السلام : امح « رسول الله » ، قال : لا والله لا أمحاك أبدا فأخذه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس يحسن يكتب فكتب مكان « رسول الله » : محمّد.

وهكذا نسب الكتابة إلى شخص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحن نعلم انه أمي لا يحسن الكتابة ، وقد حققنا هذه المسألة في المجلد الثالث من موسوعة مفاهيم القرآن ٣١٩ ـ ٣٧٤.

٣٣٧

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فيوم امتنع عليعليه‌السلام عن محو كلمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن اسم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

يا عليّ إنّك أبيت أن تمحو اسمي من النبوّة فو الّذي بعثني بالحق نبيّا لتجيبنّ أبناءهم إلى مثلها وأنت مضيض مضطهد »(١)

ولقد بقيت هذه القضية في ذاكرة عليّعليه‌السلام ، حتى إذا كان يوم « صفين » وخدع أصحاب الامام عليّعليه‌السلام بالاسلوب الماكر الذي اتبعه جيش الشّام الذي قاتل عليّاعليه‌السلام بقيادة معاوية بن أبي سفيان ومساعدة عمرو بن العاص ، وأجبروا الامامعليه‌السلام على عقد الصلح مع معاوية فشكّل الجانبان لجنة لتنظيم وثيقة ذلك الصلح ، كلّف « عبيد الله بن رافع » كاتب الامام من جانب الامام عليّعليه‌السلام بأن يكتب وثيقة الصلح ، فكتب :

« هذا ما تقاضى عليه أمير المؤمنين علي » قال عمرو بن العاص ممثل معاوية في تلك المفاوضات : لو علمنا أنك أمير المؤمنين لم ننازعك!!

وهكذا طالب عمرو بن العاص بحذف عبارة أمير المؤمنين.

وطال الكلام والتشاجر في هذا الموضوع ، ولم يكن الامام علي يريد ان يعطي حجة للبسطاء من أصحابه ، ولهذا لم يرضخ لهذا المطلب ، ولكنه بعد إلحاح من أحد قادة جيشه سمح بأن يمحى لقب « أمير المؤمنين » من اسمه ثم قال : « الله اكبر سنة بسنة ».

وهو بذلك يشير إلى حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له يوم الحديبية(٢) .

__________________

(١) الكامل في التاريخ : ج ٢ ص ١٣٨ ، بحار الأنوار : ج ٢٠ ص ٣٥٣.

(٢) الكامل في التاريخ : ج ٣ ص ١٦٢ ، راجع المصدر لتقف على القصة بكاملها ولتقف على ما دار بين الامام وابن العاص.

٣٣٨

نصّ صلح الحديبية :

وأخيرا عقدت اتّفاقية صلح وهدنة بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقريش تضمنت المواد والشروط التالية :

١ ـ تعهّد المسلمون ، وقريش بترك الحرب عشر سنين يأمن فيهن الناس ، ويكف بعضهم عن بعض.

٢ ـ من أتى محمّدا من قريش بغير إذن وليّه ردّه عليهم ، ومن جاء قريشا ممّن مع محمّد لم يردّوه عليه.

٣ ـ من أحبّ أن يدخل في عقد محمّد وعهده ( أي يتحالف معه ) دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه.

٤ ـ انّ محمّدا يرجع بأصحابه إلى المدينة عامه هذا ولا يدخل مكة ، وانما يدخل مكة في العام القابل في أصحابه فيقيم فيها ثلاثة أيام ، لا يدخل فيها بسلاح إلاّ سلاح المسافر ، السيوف في القرب(١) .

٥ ـ أن لا يستكره أحد على ترك دينه ويعبد المسلمون الله بمكة علانية وبحرية ، وان يكون الاسلام ظاهرا بمكة وان لا يؤذي أحد ولا يعيّر(٢) .

٦ ـ لا إسلال ( سرقة ) ولا إغلال ( خيانة ) بل يحترم الطرفان أموال الطرف الآخر ، فلا يخونه ولا يسرق منه(٣) .

٧ ـ أن لا تعين قريش على محمّد وأصحابه أحدا بنفس ولا سلاح(٤) .

هذا هو نص وثيقة « صلح الحديبية » ، وقد جمعنا بنوده من المصادر المتنوعة

__________________

(١) السيرة الحلبية : ج ٣ ص ٢١.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٠ ص ٣٥٢.

(٣) مجمع البيان : ج ٩ ص ١١٧ أو : « من قدم مكة من أصحاب محمّد حاجّا أو معتمرا أو يبتغي من فضل الله فهو آمن على دمه وماله ، ومن قدم المدينة من قريش مجتازا إلى مصر أو الشام فهو آمن على دمه وماله ».

(٤) بحار الأنوار : ج ٢٠ ص ٣٥٢.

٣٣٩

التي أشرنا الى بعضها في الهامش ، وقد كتبت هذه الوثيقة في نسختين ، ثم وقع عليها جماعة من شخصيات قريش ، والمسلمين وشهدوا عليها واعطيت نسخة الى « سهيل بن عمرو » ممثل قريش ، وتركت نسخة عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

نشيد الحرية :

لقد كان كل عاقل لبيب يحسن تقدير الامور يسمع نشيد الحريّة من ثنايا هذا الصلح التاريخيّ ، ومع أن كل بنود هذه المعاهدة جديرة بالاهتمام والاكبار ، إلاّ أن النقطة التي تستحق الاهتمام والتقدير أكثر من سواها هي المادّة الثانية في هذا الصلح ، وهي المادّة التي أزعجت بعض الصحابة يوم انعقاد تلك المعاهدة.

فقد انزعج صحابة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذا التمييز الصارخ ، وقالوا حول قرار القيادة الحكمية المتمثلة في قائد محنّك كرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان ينبغي أن لا يقولوه ، في حين تعتبر هذه المادة من أعظم بنود الوثيقة إذ تعكس نظرة رسول الاسلام ، وتفكيره حول كيفيّة تبليغ الاسلام ، وإشاعته ونشره ، فانه يظهر منها ـ وبجلاء ـ مدى احترام رسول الاسلام لمبدإ الحرية.

ولقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في معرض الاجابة على من اعترض من صحابته على البند القاضي بتسليم كل مسلم فرّ من قريش إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمين إلى قريش ، دون العكس قائلا :

« من جاءهم منّا فأبعده الله ومن جاءنا منهم رددناه إليهم فلو علم الله الاسلام من قلبه جعل له مخرجا ».

وأراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن الذي يهرب من جماعة المسلمين ويلجأ إلى المشركين فلا قيمة لإيمانه وإسلامه ، إذ أن ذلك يدل على أنه لم يؤمن بهذه الدين حق الإيمان فلا داعي لأن يعاد إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449