نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٩

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار8%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 449

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 449 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 204076 / تحميل: 6977
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٩

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

تشقها خمراً بين الفواطم وهنّ: فاطمة ابنة حمزة وفاطمة بنت عتبة وفاطمة أمّ عليّ وفاطمة بنته صلّى الله عليه وسلّم، وإرساله لتلك الحلة كان بعد وصوله إلى المدينة، فليتأمّل.

قال في الفصول المهمّة: وقال له أي لعليّ: إذا أبرمت ما أمرتك به، كن على اُهبة الهجرة إلى الله ورسوله، ويقدم كتابي عليك، وإذا جاء أبو بكر توجّهه خلفي نحو بئر أمّ ميمون، وكان ذلك في فحمة العشاء والرصد من قريش قد أحاطوا بالدّار ينتظرون أنْ تنتصف اللّيلة وتنام الناس، ودخل أبو بكر على عليّ وهو يظنّه أي وأبو بكر يظنّ عليّاً رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال له علي: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج نحو بئر أُم ميمون وهو يقول لك أدركني، فلحقه أبو بكر، ومضيا جميعاً يتسايران حتّى أتيا جبل ثور، فدخلا الغار، فليتأمّل الجمع بينه وبين ما تقدّم »(١) .

قال: « وفي الفصول المهمّة: لما اتّصل خبر مسيره صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة، وذلك في اليوم الثاني من خروجه صلّى الله عليه وسلّم من الغار، جمع الناس أبو جهل وقال: بلغني أنّ محمّداً قد مضى نحو يثرب على طريق السّاحل ومعه رجلان آخران، فأيّكم يأتيني بخبره، فوثب سراقة فقال: أنا لمحمّد يا أبا الحكم، ثمّ إنّه ركب راحلته واستجنب فرسه، وأخذ معه عبداً أسود، وكان ذلك العبد من الشجعان المشهورين، فسارا أي في أثر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم سيراً عنيفاً حتّى لحقا به.

فقال أبو بكر: يا رسول الله قد دهينا، هذا سراقة قد أقبل في طلبنا ومعه غلامه الأسود المشهور.

____________________

(١). انسان العيون في سيرة الأمين المأمون ٢ / ٢٠٤.

٢٢١

فلمّا أبصرهم سراقة نزل عن راحلته وركب فرسه وتناول رمحه وأقبل نحوهم.

فلمـّا قرب منهم قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: اللّهمّ اكفنا أمر سراقة بما شئت وكيف شئت وأنّى شئت.

فغابت قوائم فرسه في الأرض حتّى لم يقدر الفرس أنْ يتحرّك.

فلمـّا نظر سراقة إلى ذلك هاله ورمى نفسه عن الفرس إلى الأرض، ورمى رمحه، وقال: يا محمّد أنت أنت وأصحابك أي أنت كما أنت أي آمن وأصحابك، فادع ربّك يطلق لي جوادي، ولك عهد وميثاق أن أرجع عنك.

فرفع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يديه إلى السّماء وقال: اللّهمّ إنْ كان صادقاً فيما يقول فأطلق له جواده. قال: فأطلق الله تعالى له قوائم فرسه حتّى وثب على الأرض سليماً، أي ولعلّ هذا في المرّة الثانية، أو المرّة الأخيرة من السّبع على ما تقدم، وتقدّم أنّ الإقتصار على القوائم لا ينافي الزيادة عليها، فلا يخالف ما سبق في هذه الرواية.

ورجع سراقة إلى مكّة، فاجتمع الناس عليه، فأنكر أنّه رآى محمّداً، فلا زال به أبو جهل حتّى اعترف وأخبرهم بالقصّة، وفي ذلك يقول سراقة مخاطباً لأبي جهل:

أبا حكم والله لو كنتَ شاهداً

لأمر جوادي إذ تسوخ قوائمه

علمت ولم تشكك بأنّ محمّداً

رسول ببرهان فمن ذا يقاومه »(١)

وقال الصفوري: « رأيت في الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة بمكة المشرفة شرّفها الله تعالى لأبي الحسن المالكي، أنّ عليّاً ولدته أُمّه بجوف الكعبة شرّفها الله تعالى ».

____________________

(١). إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون ٢ / ٢١٩.

٢٢٢

وقد ذكر إكرام الدين الدهلوي كتاب ( الفصول المهمّة ) في مصادر كتابه ( سعادة الكونين في فضائل الحسنين )، فأكثر من النقل عنه جدّاً، والمولوي إكرام الدين الدهلوي من كبار علماء الهند، ومن أجلّاء المعاصرين لمخاطبنا ( الدهلوي )، وهو معظّم لدى علماء أهل السنّة، إذ يذكرونه بكلّ تبجيل واحترام، حتّى أنّ المولوي حيدر علي الفيض آبادي في ( إزالة الغين ) يذكره من أقران الشيخ عبدالحق الدهلوي، وشاه ولي الله الدهلوي، و ( الدهلوي ) وأمثالهم من مشاهير أئمّة أهل السنّة الّذين يفتون بجواز لعن يزيد بن معاوية، لعنة الله عليه وعلى أبيه.

كما أنّ رشيد الدين خان الدهلوي - وهو أفضل تلامذة ( الدهلوي ) - يذكر كتاب الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة في مصنّفات أهل السنّة في فضائل أهل البيت.

كما اعتمد على الفصول المهمّة: الشيخ حسن العدوي الحمزاوي في كتابه ( مشارق الأنوار ) الّذي نصّ على التزامه بنقل الأحاديث الصحيحة فيه

(٢٨)

رواية الميبدي

ورواه الحسين الميبدي اليزدي - في ( الفتواح - شرح ديوان علي ) - حيث قال: « روى البيهقي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في تقواه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب ».

٢٢٣

ترجمة الميبدي

١ - غياث الدين المدعو بخواند أمير، في تاريخه ( حبيب السير ) الّذي نصّ الكاتب الجلبي باعتباره، واعتمد عليه ( الدهلوي ) وحسام الدين صاحب ( المرافض ). قال: « القاضي كمال الدين مير حسين اليزدي. كان من أفاضل علماء العراق بل من أعاظم علماء الآفاق، ولي القضاء في يزد مع الأمانة، ومن مصنّفاته: شرح ديوان أمير المؤمنين. وهو كتاب غنّي بالعلم ومرغوب فيه لدى الفضلاء. وله أيضاً: شروح على الكافية والهداية في الحكمة، وعلى الطوالع والشمسيّة، وله تعليقات دقيقة ».

٢ - وقد اعتمد عليه الكفوي في طبقاته ( كتاب أعلام الأخيار في طبقات مذهب النعمان المختار ) هذا الكتاب الّذي استند إليه ( مخاطبنا ) في ( بستان المحدّثين ).

٣ - وذكره الكاتب الجلبي في الحكماء الإسلاميّين عند كلامه على الحكمة والحكماء وما يتعلّق بذلك.

٤ - وأيضاً نقل عنه ولي الله الدهلوي في ( رسالة النوادر ) له.

(٢٩)

رواية الصّفوري

ورواه الصفوري الشّافعي في ( نزهة المجالس ) بقوله: « وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: من أراد أنْ ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في همّته، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في زهده، وإلى محمّد في بهائه، فلينظر إلى علي.

ذكره ابن الجوزي ».

٢٢٤

كلام الصّفوري في خطبة كتابه

وقد قال الصفوري في مقدّمة كتابه ( نزهة المجالس ): « فأحببت - لقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: عند ذكر الصالحين يبارك عليكم وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عند ذكر الصالحين تتنزّل الرّحمة - أنْ أجمع ما تيسَّر من أخبارهم وما اشتملوا عليه من العبادة في ليلهم ونهارهم، وأنْ أطرّز ذلك باللطائف والفوائد السنيّة، والزواجر للنفوس الغويّة من المواعظ القويّة، مع ما أذكره من المسائل الفقهيّة والمنافع الطبيّة، وقطرة من مناقب خير البريّة ومن هو حيٌّ في قبره حياةً حقيقيّة، وذاته في ضريحه المكرم على العرش طريّة، وأزواجه وأصحابه وأمّته المرضيّة، وقد جعلته أبواباً وفصولاً حوت معاني قويّة، وسمّيته نزهة المجالس ومنتخب النفائس، وختمته بذكر الجنّة ».

ولهذا الكتاب تقريظ من العلّامة محمّد حسين الخشّاب.

(٣٠)

رواية الوصّابي اليماني

ورواه إبراهيم بن عبدالله الوصابي اليماني الشافعي في كتابه ( أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب ) وهو اسم الباب الرابع من كتابه ( الإكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء ) ولكلٍّ من الأبواب الأخرى اسم يخصّه فرواه عن أنس حيث قال:

« عنه. قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من سرّه أنْ ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في خلقه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب.

٢٢٥

أخرجه أبو نعيم في فضائل الصّحابة »(١) .

كتاب الوصّابي

وقد اعتمد على كتاب الوصابي المذكور محمّد محبوب عالم في تفسيره ( تفسير شاهي )، وشهاب الدين العجيلي في كتابه ( ذخيرة المآل )، وبذلك يظهر كونه من الكتب المعتمدة المفيدة لدى أهل السنّة.

(٣١)

رواية الجمال المحدِّث

ورواه جمال الدين عطاء الله بن فضل الله المعروف بالمحدِّث: « عن أبي الحمراء قال قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أراد أنْ ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في فهمه - وفي رواية: إلى نوح في تقواه - وإلى يحيى ابن زكريّا في زهده وإلى موسى بن عمران في بطشه - وفي رواية: وإلى موسى في هيبته - وإلى عيسى في عبادته فلينظر إلى علي بن أبي طالب »(٢) .

ترجمة الجمال المحدّث

والسيّد جمال الدّين المحدّث الشّيرازي من مشايخ ( الدّهلوي ) في الإجازة، وقد ذكر في مقدّمة كتابه ( الأربعين ) أنّه ينقل أحاديثه عن الكتب المعتبرة، وله كتاب ( روضة الأحباب في سيرة النبيّ والآل والأصحاب ).

____________________

(١). أسنى المطالب للوصابي - مخطوط.

(٢). الأربعين في مناقب أمير المؤمنين.

٢٢٦

وقد ذكره صاحب ( حبيب السّير ) بقوله: « مير جمال الدين بن عطاء الله سلّمه الله وأبقاه صار - كعمّه العظيم مير سيّد أصيل الدين - وحيداً في علم الحديث وسائر العلوم الدينيّة والفنون اليقينيّة، وحصل له التقدّم على جميع المحدّثين من أهل عصره، وكتابه روضة الأحباب في سيرة النّبيّ والآل والأصحاب مشهور في الأقطار، ولا يوجد له نظير ألبتة ».

وقال الشيخ علي القاري: « جمعت نسخ المصححة المقروّة المسموعة المصرّحة التي تصلح للإعتماد، وتصحّ عند الإختلاف للإستناد، فمنها نسخة هي أصل السيّد أصيل الدين والسيّد جمال الدين ونجله السعيد ميركشاه المحدثين المشهورين ثمّ إنّي قرأت أيضاً بعض أحاديث المشكاة على منبع بحر العرفان مولانا عطاء الله الشيرازي الشهير بمير كلان، وهو قرأ على زبدة المحقّقين وعمدة المدقّقين ميركشاه، وهو على والده السيّد السند مولانا جمال الدين المحدّث صاحب روضة الأحباب، وهو عن عمّه السيّد أصيل الدين، وهذا الإسناد لا يوجد أعلى منه للإعتماد»(١) .

وقال في ( المرقاة ) في شرح حديث « لا تدخلوا الجنّة حتّى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتّى تحابّوا »: « أمّا نسخ المشكاة المصحّحة المعتمدة المقروّة على المشايخ الكبار كالجزري والسيّد أصيل الدين وجمال الدين المحدّث وغيرها من النسخ الحاضرة، فكلّها بحذف النون ».

وقد ذكر الشنواني السيّد جمال الدين في طريق سند روايته لكتاب المشكاة، في كتابه ( الدرر السنيّة في الأسانيد الشنوانيّة ).

وكذا ( الدهلوي ) نفسه - في ( اُصول الحديث ) - حيث قال: « [ مشكاة المصابيح ]: الشيخ أبو طاهر، عن الشيخ إبراهيم الكردي، عن الشيخ أحمد

____________________

(١). المرقاة في شرح المشكاة - مقدمة الكتاب.

٢٢٧

القشاشي، عن الشيخ أحمد بن عبدالقدوس الشناوي، عن السيّد غضنفر ابن السيّد جعفر النهرواني عن الشيخ محمّد سعيد المعروف بميركلان الذي كان شيخ مكة في وقته، وهو عن السيّد نسيم الدين ميركشاه، عن والده العظيم السيّد جمال الدين عطاء الله ».

كما وقع إسناد الشيخ أبي علي محمّد إرتضاء العمري الصفوي، كما لا يخفى على من راجع كتاب ( مدارج الإسناد ) له.

وقد اعتمد على السيّد جمال الدين ونقل عنه الشيخ عبدالحق الدهلوي في كتابه ( أسماء رجال المشكاة ).

وقال الصديق حسن خان القنوجي في ( الحطّة ): « وكتاب روضة الأحباب للسيّد جمال الدين المحدّث أحسن السير ».

(٣٢)

رواية ابن باكثير المكي

ورواه أحمد بن الفضل بن باكثير الشافعي المكّي عن الحاكمي والملّا في سيرته، وهذا لفظه: « عن أبي الحمراءرضي‌الله‌عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من أراد أنْ ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى يحيى بن زكريّا في زهده، وإلى موسى في بطشه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب.

أخرجه أبو الخير الحاكمي.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من أراد أنْ ينظر إلى إبراهيم في حلمه، وإلى نوح في حكمه، وإلى

٢٢٨

يوسف في جماله، فلينظر إلى علي بن أبي طالب.

أخرجه الملّا في سيرته »(١) .

ترجمة ابن باكثير

وقد ترجم له المحبّي قائلاً: « الشيخ أحمد بن الفضل بن محمّد بن باكثير، المكي الشافعي، من أدباء الحجاز وفضلائها المتمكّنين. كان فاضلاً أديباً، له مقدار عليّ وفضل جلّي، وكان له في العلوم الفلكيّة وعلم الآفاق والزايرجا يد عالية، وكان له عند أشراف مكّة منزلة وشهرة، وكان في الموسم مجلس في المكان الّذي يقسّم فيه الصرّ السلطاني بالحرم الشريف بدلاً عن شريف مكة. ومن مؤلفاته: حسن المآل في مناقب الآل »(٢) .

وقد ذكر في مقدّمة كتابه المذكور: « فرأيت أنْ أجمع في تأليفي هذا من درر الفوائد المثمنة وغرر الأحاديث الصحيحة والحسنة ممّا هو مختصّ بالعترة النبويّة والبضعة الفاطميّة، وأذكره بلفظ الإجمال، ثمّ ما ورد من مناقب أهل الكساء الأربعة نخبة الآل، واُصرّح فيه بأسمائهم، ثمّ ما ورد لكلّ واحدٍ منهم بصريح اسمه الشريف.

فجمعت في كتابي هذا زبدة ما دوّنوه وعمدة ما صحّحوه من ذلك وأتقنوه، وما رقموه في مؤلّفاتهم وقنوه فيه، مقتصراً على ما يؤدي المطلوب، ويوصل إليه بأحسن نمط وأسلوب، سالكاً في ذلك طريق السداد، ومقتصراً فيه على ما يحصلّ المراد وتركت ما اشتدّ ضعفه منها وما لم نجد له شاهداً يقويه، وجانبت عمّا تكلّم في سنده وقد عدّه الحفاظ من الموضوع الّذي يجب

____________________

(١). وسيلة المال في عدّ مناقب الآل - مخطوط.

(٢). خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ١ / ٢٧١.

٢٢٩

أن نتّقيه، وأتيت بالمشهور من كتب التواريخ تتبّعت فيه من الأحاديث ما يشرح صدور المؤمنين، وتقرّ به عيون المتّقين، ويضيق بسببه ذرع المنافقين ».

(٣٣)

رواية البدخشاني

ورواه الميرزا محمّد بن معتمد خان البدخشاني عن البيهقي حيث قال:

« أخرج البيهقي في فضائل الصحابة عن أنس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من أراد أنْ ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في تقواه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب »(١) .

ترجمة البدخشاني

والبدخشاني من علماء أهل السنّة الّذين يفتخر محمّد رشيد تلميذ ( الدّهلوي ) بتأليفهم كتباً خاصّة بفضائل أهل البيت، ويقول بأنّ علماء أهل السنّة لا يبغضون ولا يعادون أهل البيت.

وذكره المولوي حيدر علي الفيض آبادي، في جملة كبار علماء أهل السنّة الّذين يفتون بجواز لعن يزيد بن معاوية.

و ( الدهلوي ) نفسه اعتمد على البدخشاني في جواب سؤالٍ ورد عليه حول السبب في تلقيب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمصطفى، وتلقيب

____________________

(١). مفتاح النجا في مناقب آل العبا - مخطوط.

٢٣٠

أمير المؤمنين بالمرتضى فقال: « والميرزا محمّد بن معتمد خان الحارثي المؤرّخ الشهير في هذه البلاد أيضاً يلقّب عليّاً بالمرتضى، في رسالتيه في فضائل الخلفا وفضائل أهل البيت، وهما من عمدة مصنّفاته ».

(٣٤)

رواية محمّد صدر العالم

ورواه الشيخ محمّد صدر العالم بقوله: « أخرج أبو نعيم في فضائل الصحابة مرفوعاً: إنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: من سرّه أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوحٍ في فهمه، وإلى إبراهيم في خلّته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب »(١) .

شعر ولي الله الدهلوي بمدح محمّد صدر العالم

قال الشيخ ولي الله والد مخاطبنا ( الدهلوي ) وإمامه ومقتداه في ( التفهيمات الإلهيّة ):

إنّ محمّد صدر العالم ألّف كتاباً - وهو معارج العلى - فضّل فيه عليّاً على الخلفاء تفضيلاً كليّاً، وكان من جملة ما ذكر فيه قصة شقّ القمر له كرّم الله وجهه، ثمّ أرسله إليَّ وطالعته، ونظمت هذه الأبيات:

رعاك الله يا صدر العوالي

وطول الدهر كان لك البقاء

لقد أوتيت في الآباء فخراً

وبالأبناء يرتفع العلاء

وجدّك آية لا ريب فيها

وبحر لا تكدّره الدلاء

____________________

(١). معارج العلى في مناقب المرتضى - مخطوط.

٢٣١

وفي كشف المعارف كان فرداً

وما في القوم كان له كفاء

لقد كوشفت ما كوشفت حقّاً

وفضل الله ليس له انتهاء

أتاك الثلج والإتقان لمـّا

رأيت الشق وانكشف اللواء

وإذ أدناك سيّدنا علي

بإكرام وعلم ما يشاء

تؤلف في مناقبه كتاباً

وعند الله في ذاك الجزاء

ومكثر مدح مولانا علي

مقلّ لا يكون له وفاء

فما من مشهدٍ إلّا وفيه

له فخر كبير وازدهاء

وما من منهل إلّا وفيه

له شرب عظيم وارتواء

وللقرآن تنزيل وظهر

يقاتلهم عليه الأنبياء

وللقرآن تأويل وبطن

يخاصمهم عليه الأوصياء

قبول الناس للتنزيل فيه

سياسات له منها نماء

فمنها ردّ تحريف ومدّ

لأسباب له منها انتشاء

وصلح واختصام وائتلاف

بأقوام قلوبهم هواء

لهذا القسم أسرار عظام

وللشيخين فيه اعتلاء

وفي علم النبوة إنّ هذا

ملاك الأمر ليس بها خفاء

وما زال الصحابة عارفيه

يقيناً مثل ما طلعت ذكاء

فأثبت ذاك للشيخين واختر

من الأوصاف مدحاً ما تشاء ».

٢٣٢

(٣٥)

رواية وليّ الله الدّهلوي

قال وليّ الله الدّهلوي والد مخاطبنا ( الدهلوي ) - في ( قرة العينين ) - بعد جوابه على كلام المحقّق نصير الدين الطوسي في أفضليّة أمير المؤمنين:

« وبعد هذا كلّه، فإنّ جميع ما ذكره المتأخّرون من المعتزلة - كما ينقل عن الإمام الرازي في كتاب الأربعين، واختصره نصير الدين الطوسي - حججنا في أفضليّة المرتضى ممّن كان في أيّام خلافته، ونعترف بأصله ونتمسّك بثبوته في محلّه، لا بالنسبة إلى الشيخين ».

هذا كلام ولي الله الدهلوي، ومن راجع الأربعين للرازي وكلام النصير الطوسي، وجد فيه حديث التشبيه. قال الرازي:

« الحجة التاسعة عشر - روى أحمد والبيهقي في فضائل الصحابة قال: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في تقواه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب.

ظاهر الحديث يدلّ على أنّ عليّاً كان مساوياً لهؤلاء الأنبياء في هذه الصفات، ولا شكّ أنّ هؤلاء الأنبياء في هذه الصفات كانوا أفضل من أبي بكر وسائر الصحابة، والمساوي للأفضل أفضل، فيكون علي أفضل منهم »(١) .

____________________

(١). الأربعين في أصول الدين: ٣١٣.

٢٣٣

(٣٦)

رواية محمّد الأمير

وقال العلّامة محمّد الأمير الصنعاني في ( الروضة النديّة - شرح التحفة العلويّة ) ما نصّه: « فائدة: قد شبهه بخمسة من الأنبياء كما قال المحبّ الطبريرحمه‌الله ما لفظه: ذكر تشبيه عليرضي‌الله‌عنه بخمسةٍ من الأنبياء:

عن أبي الحمراء قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من أراد أنْ ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى يحيى ابن زكريّا في زهده، وإلى موسى في بطشه، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب.

أخرجه أبو الخير الحاكمي.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من أراد أن ينظر إلى إبراهيم في حلمه، وإلى نوح في حكمه، وإلى يوسف في جماله، فلينظر إلى علي بن أبي طالب.

أخرجه الملّا في سيرته.

قلت: وقد شبّهه صلّى الله عليه وسلّم بهؤلاء الخمسة الرسل في اكتسابه للخصال الشريفة من خصالهم ».

ترجمة الأمير

١ - الحفظي الشافعي: « وأولاد الإمام المتوكِّل علماء جهابذة وأبرار، أعظمهم ولده الإمام المؤيّد بالله محمّد بن إسماعيل، قرأ كتب الحديث وبرع فيها، كان إماماً في الزهد والورع، يعتقده العامّة والخاصّة.

٢٣٤

ومن أعيان آل الإمام: السيّد المجتهد الشهير، والمحدّث الكبير، السراج المنير، محمّد بن إسماعيل الأمير، مسند الديار ومجدد الدين في الأقطار، صنّف أكثر من مائة مؤلَّف، وهو لا ينسب إلى مذهب، بل مذهبه الحديث »(١) .

٢ - الشوكاني: « الإمام الكبير، المجتهد المطلق، صاحب التصانيف

برع في جميع العلوم، وفاق الأقران، وتفرّد برياسة العلم في صنعاء، وتظهّر بالإجتهاد، وعمل بالأدلّة، ونفر عن التقليد، وزيّف ما لا دليل عليه من الآراء الفقهيّة وبالجملة، فهو من الأئمّة المجدّدين لمعالم الدين »(٢) .

٣ - القنوجي: « وهو الإمام الكبير، المحدّث الأصولي، المتكلّم الشهير، قرأ كتب الحديث وبرع فيها، وكان إماماً في الزهد والورع، وكان ذا علم كير ورياسة عالية، وله في النظم اليد الطولى، بلغ رتبة الإجتهاد المطلق، ولم يقلَّد أحداً من أهل المذاهب، وصار إماماً كاملاً مكملاً بنفسه ...»(٣) .

(٣٧)

رواية الحفظي الشافعي

ورواه شهاب الدين الحفظي العجيلي الشافعي بقوله: « روى البيهقي يرفعه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من أراد أن ينظر إلى نوح في تقواه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في زهادته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب »(٤) .

____________________

(١). ذخيرة المآل - مخطوط.

(٢). البدر الطالع ٢ / ١٣٣.

(٣). أبجد العلوم، التاج المكلّل.

(٤). ذخيرة المآل في عدّ مناقب الآل - مخطوط.

٢٣٥

ترجمة العجيلي

وترجم الصديق حسن القنوجي: « وله مناقب وفضائل شهيرة، وكان لا يسمع بذي فضيلة من جهةٍ من الجهات إلّاوتعرّف به واستطلع حقيقة فضيلته، ومكث على هذه الحالة دهراً طويلاً، ثمّ آثر الخلوة والعزلة إلى أنْ انتقل إلى جوار رحمة الله تعالى »(١) .

(٣٨)

رواية وليّ الله اللّكهنوي

ورواه المولوي ولي الله اللكهنوي بقوله: « قال صلّى الله عليه وسلّم: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في تقواه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في زهادته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب »(٢) .

أقول:

قد عرفت بما تلوناه عليك ونقلناه لك من كلمات أساطين أئمّة أهل السنّة، وكبار حفّاظهم، ومشاهير علمائهم في مختلف العلوم أنّ حديث التشبيه - بمختلف ألفاظه وأسانيده - حديث صحيح لا مرية فيه ولا شك يعتريه

____________________

(١). التاج المكلل: ٥٠٩.

(٢). مرآة المؤمنين في مناقب أهل بيت سيّد المرسلين - مخطوط.

٢٣٦

إنّه حديث رووه بأسانيدهم عن عدّةٍ من الصحابة عن النبيّ الأكرم والرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

رووه وأخرجوه في كتبهم، واستشهدوا به في كلماتهم، ونظموه في أشعارهم

فكيف ينفي ( الدهلوي ) صحّته! وينكر وجوده في كتب أهل السنّة! ويزعم عدم قبولهم إيّاه؟!

فالله حسيبه على ما قال وكفى به حسيباً.

لكن الّذي نتوخّاه ونرجوه أنْ لا يقدم أحد على ما أقدم عليه، ولا يغترّ بما قاله وتقوّله، فإنّ( كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) و( اللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ ) .

هذا كلّه بالنسبة إلى سند هذا الحديث.

وقس عليه في البطلان كلماته في الدلالة، كما سيتّضح لك، وعلى الله التكلان:

٢٣٧

٢٣٨

نقض كلمات الدهلوي

حول سند حديث التشبيه

٢٣٩

٢٤٠

قوله:

الحديث السادس: وهو ما رواه الإماميّة

أقول:

إنّ الإماميّة يروون حديث التشبيه، في كتبهم في الأخبار والمناقب، بطرقٍ وألفاظٍ مختلفة، وهم غير محتاجين إلى رواية غيرهم، غير أنّهم يوردونه في كتبهم عن أهل السنّة أيضاً من باب الإلزام، كما هو المتّبع في قانون المناظرة:

الحديث في كتب الإماميّة

١ - قال الوزير علي بن عيسى بن أبي الفتح الإربليرحمه‌الله : « فصلٌ في مناقبه، وما أعدّ الله تعالى لمحبّيه، وذكر غزارة علمه، وكونه أقضى الأصحاب:

من مناقب الخوارزمي: عن مجاهد عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو أنّ الرياض أقلام، والبحر مداد، والجنّ حسّاب، والإنس كتّاب، ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب».

ثمّ قال بعد نقل أحاديث أخرى -:

« ومنه عن أبي الحمراء قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أراد أنْ ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى يحيى بن زكريا في

٢٤١

زهده، وإلى موسى بن عمران في بطشه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب ».

قال أحمد بن الحسين البيهقي: لم أكتبه إلّا بهذا الإسناد.

وقد روى البيهقي في كتابه المصنّف في فضائل الصحابة يرفعه بسنده إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّه قال: من اراد أنْ ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوحٍ في تقواه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب.

فقد ثبت لعليعليه‌السلام ما ثبت لهمعليهم‌السلام من هذه الصّفات المحمودة، واجتمع فيه ما تفرّد في غيره »(١) .

ترجمة الإربلي

وقد ترجم ابن شاكر الكتبي علي بن عيسى الإربلي في ( فواته ) بقوله:

« علي بن عيسى بن أبي الفتح، الصاحب، بهاء الدين، ابن الأمير فخر الدين، الإربلي، المنشيء الكاتب البارع. له شعر وترسّل، وكان رئيساً، كتب لمتولّي أربل ثمّ خدم ببغداد في ديوان الإنشاء، أيام علاء الدين صاحب الديوان، ثمّ إنّه فتر سوقه في دولة اليهود، ثمّ تراجع بعدهم وسلّم ولم ينكب، إلى أنْ مات سنة ٦٩٢.

وكان صاحب تجمّل وحشمة ومكارم أخلاق، وفيه تشيّع.

وكان أبوه والياً بأربل.

ولبهاء الدين مصنّفات أدبية، مثل المقامات الأربع، ورسالة الطيف، المشهورة، وغير ذلك. وخلَّف لمـّا مات تركة عظيمة، نحو ألفي ألف درهم،

____________________

(١). كشف الغمة في معرفة الأئمّة ١ / ١١٣ - ١١٤.

٢٤٢

تسلّمها إبنه أبو الفتح، ومَحَقها، ومات صعلوكاً »(١) .

ولابن شاكر مقام جليل لدى أهل السنّة، ولا يخفى ما لكتبه من قيمةٍ واعتبار(٢) .

٢ - وروى زين الدين محمّد بن علي بن شهرآشوب السروي المازندراني حديث التشبيه عن أحمد بن حنبل وابن بطة. كما عرفته سابقاً.

٣ - وأورد أبو الحسن يحيى بن الحسن بن البطريق الحلي -رحمه‌الله حديث التشبيه عن أبي الحسن ابن المغازلي حيث قال: « وبالإسناد قال:

أخبرنا أحمد بن محمّد بن عبدالوهّاب قال: حدّثنا الحسين بن محمّد بن الحسين العدل العلوي الواسطي قال: حدّثنا محمّد بن محمود قال: حدّثنا إبراهيم بن مهدي الابلي قال: حدّثنا إبراهيم بن سليمان بن رشيد قال: حدّثنا زيد بن عطيّة قال: حدّثنا أبان بن فيروز، عن أنس بن مالك قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أراد أن ينظر إلى علم آدم، وفقه نوح، فلينظر إلى علي بن أبي طالب »(٣) .

٤ - ونقل الشيخ الحسن بن محمّد بن علي السهمي الحلّي - طاب ثراه - حديث التشبيه عن ( وسيلة المتعبّدين ) لعمر بن محمّد بن خضر المعروف بالملّا الأردبيلي(٤) .

٥ - وأورد العلّامة الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي - طاب ثراه - في ( بحار الأنوار ) عبارة ابن شهرآشوب، التي روى فيها هذا الحديث عن أحمد وابن بطّة.

____________________

(١). فوات الوفيات ٢ / ٦٦.

(٢). انظر: الدرر الكامنة ٣ / ٤٥١، كشف الظنون: ٢٩٣، ١١٨٥، ١٢٩٢، ٢٠١٩.

(٣). عمدة عيون صحاح الأخبار: ٣٦٩.

(٤). الأنوار البدريّة في دفع شبه النواصب والقدريّة - مخطوط.

٢٤٣

فما قصده ( الدهلوي ) بهذا الكلام حيث نسب رواية الحديث إلى الإماميّة - من نفي رواية أهل السنّة إيّاه - واضح الفساد، بل إنّ الإماميّة يروونه بطرقهم، وينقلونه عن أهل السنّة أيضاً لإفحامهم.

ثمّ إنّه كان الأحرى بـ ( الدّهلوي ) أنْ ينقل جميع طرق هذا الحديث أو أكثرها، ولا أقلّ من أنْ يصرِّح بكثرة طرقه ورواته، لا أنْ يكتفي بطرقٍ واحدٍ منها.

قوله:

وفساد مبادئ هذا الإستدلال ومقدّماته من الصدر إلى الذيل ظاهر على كلّ خبير.

أقول:

زعم فساد هذا الإستدلال إنّما ينشأ ممّن فسدت مبادئ عقله بالوساوس الشيطانيّة، وإنّ العالم الخبير صاحب الفطرة المستقيمة والعقل السليم لا يصغي إلى تشكيكات ( الدهلوي ) وخرافاته الهزيلة نسأل الله الهداية إلى نهج السداد، وهو الصائن من أنْ يمتلئ الإنسان من الرأس إلى القدم بالحقد والعناد، لفضائل وصيّ شفيع الاُمم، ويتنكّب عن الطّريق الأمم.

قوله:

أوّلاً: إنّ هذا الحديث ليس من أحاديث أهل السنّة.

٢٤٤

أقول:

العجب من هذا الرجل!! أليس عبدالرزاق الصنعاني، وأحمد بن حنبل، وأبو حاتم الرازي، وابن شاهين، وابن بطّة، والحاكم النيسابوري، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي، وابن المغازلي، وشيرويه الديلمي، والسّنائي، والعطّار، وشهردار الديلمي، والخوارزمي، وأبو الخير الحاكمي، والصالحاني، وابن طلحة، والكنجي، والمحبّ الطبري، والسيّد علي الهمداني، وأمير ملّا، والشهاب الدولت آبادي الهندي، وابن الصبّاغ، وحسين الميبدي اليزدي، وعبد الرحمن الصفوري، وإبراهيم الوصّابي، وجمال الدين المحدّث، وأحمد ابن باكثير المكي، والميرزا محمّد البدخشي، ومحمّد صدر العالم، ومحمّد بن إسماعيل الأمير

أليس هؤلاء وأمثالهم الّذين رووا حديث التشبيه، من أكابر أساطين أهل السنّة، ومن مفاخرهم في كلّ عصر وزمان؟!

إن كان هؤلاء خارجين عن زمرة أهل السنّة، وداخلين في زمرة أهل الضلال والبدع، فهل يكون أبوه ( ولي الله الدهلوي ) الّذي كان باعتقاد إبنه ( الدهلوي ) آيةً من الآيات الإلهيّة ومعجزةً من المعجزات النبويّة، خارجاً عن أهل السنّة كذلك؟

وإذا كان كلّ أولئك خارجين من أهل السنّة، ومعدودين في زمرة المبتدعين والهالكين، فلا مانع منْ أن يقال ذلك في حق معاصري ( الدهلوي ) من أمثال: أحمد بن عبدالقادر العجيلي، والمولوي ولي الله بن حبيب الله اللكهنوي

وإذا كان كلّ هؤلاء خارجين، فلا شك في خروج من يمدحهم ويثني

٢٤٥

عليهم ويوثّقهم، لاشتراك العلّة والسّبب

فانحصر التسنّن في شخص ( الدّهلوي ).

ولكنّ ( الدهلوي ) أيضاً ممّن يمدح ويثني على طائفة من الأشخاص المذكورين، فيلزم أنْ يخرج هو من بين أهل السنّة، فلم يبقَ في العالم سنّي أصلاً

فبطل مذهب السنيّة، وانهدم من الرأس إلى القدم.

( وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ) .

إنكار رواية البيهقي والردُّ عليه

قوله:

وقد أورده ابن مطهّر الحلّي في كتبه، ونسبه إلى البيهقي مرّةً، وإلى البغوي أخرى، وليس في تصانيفهما أثر منه.

أقول:

رواه عن أهل السنّة جماعة من علمائنا قبل العلّامة الحلّي، كالإربلي صاحب ( كشف الغمة )، وابن شهرآشوب السروي صاحب ( مناقب آل أبي طالب ) وابن البطريق صاحب ( العمدة ) كما دريت آنفاً، فلا وجه لتخصيص إيراد الحديث بالعلّامة الحلّي إلّا تقليد الكابلي.

ولقد أورده العلّامة الحلّي عن البيهقي حيث قال في كتاب ( منهاج الكرامة في الإمامة ) في ذكر أعلمية الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام : « عن البيهقي في كتابه بإسناده عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: من أراد أنْ ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في تقواه، وإلى إبراهيم في خلّته، وإلى

٢٤٦

موسى في هيبته، وإلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب.

فأثبت له ما تفرّق فيهم ».

ورواه عن البيهقي في كتاب ( نهج الحق ) كذلك.

وهذا الحديث موجود في كتاب البيهقي بالقطع واليقين، وقد نصَّ على ذلك جماعة من أكابر أهل السنّة، أمثال:

الموفّق بن أحمد المكي أخطب خطباء خوارزم.

ومحمّد بن طلحة النصيبي الشّافعي.

ونور الدين علي ابن الصبّاغ المالكي.

والحسين الميبدي اليزدي.

والميرزا محمّد بن معتمد خان البدخشاني.

وأحمد بن عبدالقادر العجيلي الشافعي.

والميرزا محمّد البدخشاني مقبول لدى ( الدهلوي )، وقد وصفه تلميذه محمّد رشيد خان الدهلوي بأنّه من عظماء علماء أهل السنّة، فإنْ لم يثق ( الدهلوي ) وأتباعه بنقل الآخرين عن البيهقي، فلا محيص عن قبول نقل مثل البدخشاني.

فالحمد لله على ما أزاح الباطل عن نصابه، وأوضح الحق المشرق، ولزمت الحجة الكافية، والبيّنة الشافية.

عدم إنكار ابن تيميّة رواية البيهقي

وبالرغم من أنّ ( الدهلوي ) يدّعي طول الباع وسعة الإطّلاع على كتب الفريقين، فإنّه لم ير الكتب الحديثيّة ولم يعثر عليها، بل قلَّد الكابلي في نفيٍ وجود أثرٍ من حديث التشبيه في تصانيف البيهقي باليقين والجزم رجماً

٢٤٧

بالغيب فليته قال: لم أره في تصانيفه البيهقي، بأنْ يقصد: إنّي لمـّا لم أر كتب البيهقي، فلا جرم لم أعثر على هذا الحديث فيها، وأمّا النفي الواقعي والإخبار الحقيقي عن عدم وجوده في تصانيف البيهقي، فذلك كذب صريح يستبعد صدوره بالنسبة إلى الأمور الدينيّة من أجهل الناس فضلاً عن الأفاضل.

أللّهمّ إلّا أنْ يعتذر أولياء ( الدهلوي ) بأنّه نفى وجود أثر من هذا الحديث في مصنّفات البيهقي، ونفي وجود الأثر لا ينافي وجود العين!!

إنّا لا نستبعد أنْ يلتجئ أولياء ( الدهلوي ) إلى هذا العذر الواهي إنّهم يجدون أنّ ابن تيميّة الذي هو إمامهم في المكابرة والعناد وإنكار الحقائق والفضائل الثابتة لا ينكر وجود هذا الحديث في مصنّفات البيهقي، لأنّه يعلم بوجوده فيها، فيضطر إلى جرح البيهقي نفسه والقدح فيه، إنّه يقول في جواب عبارة العلّامة الحلّي المتقدّمة:

« والجواب أن يقال: أوّلاً: أين إسناد هذا الحديث؟ والبيهقي يروي في الفضائل أحاديث كثيرة ضعيفة بل موضوعة، كما جرت عادة أمثاله من أهل العلم. ويقال ثانياً: هذا الحديث كذب موضوع على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بلا ريب عند أهل العلم بالحديث، ولهذا لا يذكره أهل العلم بالحديث، وإن كانوا حريصاً على جمع فضائل علي، كالنسائي، قصد أن يجمع فضائل علي في كتابٍ سمّاه الخصائص، والترمذي قد ذكر أحاديث متعددة في فضائله، وفيها ما هو ضعيف بل موضوع، ومع هذا لم يذكروا هذا ونحوه »(١) .

فأنت ترى ابن تيمية يرمي الحديث بالضعف بل بالوضع، ويصف البيهقي وأمثاله برواية أحاديث ضعيفة بل موضوعة، فلو لم يكن العلّامة الحلّي صادقاً في عزو الحديث إلى البيهقي، لكان الردّ عليه من هذه النّاحية أقوى وأشد

____________________

(١). منهاج السنّة ٥ / ٥١٠.

٢٤٨

فابن تيميّة - هذا المتعصّب العنيد - لا ينكر وجود هذا الحديث في مصنّفات البيهقي، كما أنّه لا ينفي دلالته على أفضليّة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ولا يجعله من قبيل تشبيهات الشعراء في مدائحهم للأشخاص

لكنّ ( الدهلوي ) ينكر وجوده في مصنّفات البيهقي بل سائر كتب أهل السنّة ولو بإسنادٍ ضعيف، ويجعله من قبيل إغراقات الشعراء وتشبيهاتهم في الأشعار

والواقع الذي يذعن به كلّ منصف، ويعترف به كلّ خبير هو: صحّة هذا الحديث، وثبوت صدوره عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ووجوده في كتب أهل السنّة المعتبرة المشهورة، وفي كتب البيهقي ومصنّفاته، فدعوى إبن تيميّة ضعف هذا الحديث أو وضعه دعوى بلا دليل، والبيهقي قد التزم بأنْ لا يروي حديثاً يعلم بكونه موضوعاً، ومن هنا لم يرم العلماء ما أخرجه البيهقي بالوضع.

كلمات في وصف البيهقي وكتبه

وقول ابن تيميّة: « ولهذا لا يذكره أهل العلم بالحديث » يستشم منه الإزراء الشّديد بحقّ البيهقي

إنّه لم يصف أحدٌ البيهقي بما وصفه به إبن تيميّة، وما هذا إلّا لغرض ردّ أحاديث فضائل أهل البيت والطّعن فيها، ولنذكر شيئاً من كلمات القوم في وصف البيهقي:

١ - قد ذكرنا سابقاً أنّ صاحب ( المشكاة ) يقول في حق جماعةٍ فيهم البيهقي: « إني إذا أسندت الحديث إليهم كأني أسندت إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ».

٢٤٩

٢ - ياقوت الحموي: « وقد أخرجت هذه الكورة من لا يحصى من الفضلاء والعلماء والفقهاء والأدباء، ومع ذلك، فالغالب على أهلها مذهب الرافضة الغلاة.

ومن أشهر أئمّتهم الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين بن عبدالله بن موسى البيهقي، من أهل خسروجرد، صاحب التصانيف المشهورة، وهو الإمام الحافظ، الفقيه الأصولي، الدّين الورع، أوحد الدهر في الحفظ والإتقان، مع الدين المتين، من أجلّ أصحاب أبي عبدالله الحاكم والمكثرين عنه، ثمّ فاقه في فنونٍ من العلم تفرَّد بها، رحل إلى العراق وطوّف الآفاق، وألّف من الكتب ما يبلغ قريباً من ألف جزء، ممّا لم يسبق إلى مثله »(١) .

٣ - السمعاني: « كان إماماً فقيهاً حافظاً، جمع بين معرفة الحديث والفقه، وكان تتبّع نصوص الشافعي، وجمع كتاباً سمّاه كتاب المبسوط، وكان اُستاذه في الحديث الحاكم أبو عبدالله محمّد بن عبدالله الحافظ، وتفقّه على أبي الفتح ناصر بن محمّد العمري المروزي، وسمع الحديث الكثير، وصنّف فيه التصانيف التي لم يسبق إليها، وهي مشهورة موجودة في أيدي الناس، سمعت منها وأدركت عشرة من أصحابه الذين حدّثوني عنه.

وكانت ولادته في سنة ٣٨٤ في شعبان. ووفاته في سنة ٤٥٨ »(٢) .

٤ - ابن خلكان: « الفقيه الشافعي، الحافظ الكبير المشهور، واحد زمانه وفرد أقرانه في الفنون، من كبار أصحاب الحاكم أبي عبدالله ابن البيّع في الحديث، ثمّ الزائد عليه في أنواع العلوم وهو أوّل من جمع نصوص الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه في عشر مجلّدات وكان قانعاً من الدنيا بالقليل.

____________________

(١). معجم البلدان ١ / ٥٣٨، ٢ / ٣٧٠.

(٢). الانساب ٢ / ٣٨١.

٢٥٠

وقال إمام الحرمين في حقّه: ما من شافعي المذهب إلّا وللشّافعي عليه منّة، إلّا أحمد البيهقي فإنّ له على الشافعي منة

وكان على سيرة السّلف، وأخذ عنه الحديث جماعة من الأعيان »(١) .

٥ - الذهبي: « البيهقي هو: الحافظ، العلّامة، الثبت، الفقيه، شيخ الإسلام

قال الحافظ عبدالغافر بن إسماعيل في تاريخه: كان البيهقي على سيرة العلماء، قانعاً باليسير، متجمّلاً في زهده وورعه.

وقال أيضاً: هو أبو بكر، الفقيه الحافظ، الأصولي، الدّين والورع، واحد زمانه في الحفظ وفرد أقرانه في الإتقان والضبط، من كبار أصحاب الحاكم، ويزيد على الحاكم بأنواع من العلوم، كتب الحديث وحفظه من صباه، وتفقّه وبرع، وأخذ فن الأصول، وارتحل إلى العراق والجبال والحجاز، ثمّ صنّف، وتواليفه تقارب ألف جزء ممّا لم يسبقه إليه أحد، جمع بين علم الحديث والفقه وبيان علل الحديث ووجه الجمع بين الأحاديث، طلب منه الأئمّة الإنتقال من بيهق إلى نيسابور لسماع الكتب، فأتى في سنة ٤٤١، وعقدوا له المجلس لسماع كتاب المعرفة، وحضره الأئمّة.

قال شيخ القضاة أبو علي إسماعيل ابن البيهقي، قال أبي: حين ابتدأت بتصنيف هذا الكتاب - يعني كتاب المعرفة من السنن والآثار - وفرغت من تهذيب أجزاء منه، سمعت الفقيه محمّد بن أحمد - وهو من صالحي أصحابي وأكثرهم تلاوةً وأصدقهم لهجة - يقول: رأيت الشافعيرحمه‌الله في النوم، وبيده أجزاء هذا الكتاب وهو يقول: كتبت اليوم من كتاب الفقيه سبعة أجزاء أو قال: قرأتها، ورآه يعتد بذلك. قال: وفي صباح ذلك اليوم رأى فقيه آخر من

____________________

(١). وفيات الأعيان ١ / ٧٥.

٢٥١

إخواني الشافعيَّ قاعداً في الجامع على سرير وهو يقول: قد استفدت اليوم من كتاب الفقيه حديث كذا وكذا.

وأخبرنا أبي قال: سمعت الفقيه أبا محمّد الحسن بن أحمد السمرقندي الحافظ يقول: سمعت الفقيه محمّد بن عبدالعزيز المروزي يقول: رأيت في المنام كأنَّ تابوتاً علا في السماء يعلوه نور، فقلت: ما هذا؟ فقال: تصنيفات أحمد البيهقي.

ثمّ قال شيخ القضاة: سمعت الحكايات الثالث من الثلاثة المذكورين.

قلت: هذه الرؤيا حق، فتصانيف البيهقي عظيمة القدر، غزيرة الفوائد، قلَّ من جوّد تواليفه مثل الإمام أبي بكر، فينبغي للعالم أنْ يعتني بها، ولا سيّما سننه الكبير.

وقد قدم قبل موته بسنةٍ أو أكثر إلى نيسابور وتكاثر عليه الطلبة، وسمعوا منه كتبه، وجلبت إلى العراق والشام والنواحي، واعتنى بها الحافظ أبو القاسم الدمشقي، وسمعها من أصحاب البيهقي، ونقلها إلى دمشق هو وأبو الحسن المرادي.

وبلغنا عن إمام الحرمين أبي المعالي الجويني قال: ما من فقيهٍ شافعي إلّا وللشافعي عليه منّة إلّا أبا بكر البيهقي، فإنّ المنّة له على الشافعي، لتصانيفه في نصرة مذهبه.

قلت: أصاب أبو المعالي هكذا، ولو شاء البيهقي أنْ يعمل لنفسه مذهباً لكان قادراً على ذلك، لسعة علومه ومعرفته بالإختلاف، ولهذا تراه يلوح بنصر مسائل ممّا صحّ في الحديث ...»(١) .

٦ - أيضاً: « البيهقي الإمام الحافظ العلّامة شيخ خراسان فذكر

____________________

(١). سير أعلام النبلاء ١٨ / ١٦٣.

٢٥٢

مشايخه ومصنّفاته، وكلمات إمام الحرمين وعبد الغافر في حقّه وما نقله ولده من الرؤيا، ثمّ ذكر وفاته، ومن روى عنه(١) .

٧ - أيضاً: « البيهقي الإمام العالم وبلغت تصانيفه ألف جزءٍ، ونفع الله بها المسلمين شرقاً وغرباً، لأمانة الرجل ودينه وفضله وإتقانه. فالله يرحمه »(٢) .

٨ - اليافعي: « الإمام الكبير، الحافظ النحرير، أحمد بن الحسين، البيهقي، الفقيه الشافعي، واحد زمانه وفرد أقرانه في الفنون، من كباد أصحاب الحاكم أبي عبدالله ابن البيع في الحديث، الزائد عليه في أنواع العلوم، له مناقب شهيرة، وتصانيف كثيرة بلغت ألف جزء » ثمّ نقل ما قيل في حقّه من كلمات الثناء(٣) .

٩ - السبكي: « كان الإمام البيهقي أحد أئمة المسلمين، وهداة المؤمنين، والدعاة إلى حبل الله المتين، فقيه جليل، حافظ كبير، اُصولي نحرير، زاهد ورع، قانت لله، قائم بنصرة المذهب اصولاً وفروعاً، جبلاً من جبال العلم صار واحد زمانه، وفارس ميدانه، وأحذق المحدّثين ذهناً، وأسرعهم فهماً وأجودهم قريحةً. وبلغت تصانيفه ألف جزء، ولم يتهيّأ لأحدٍ مثلها، أمّا السنن الكبير، فما صنّف في علم الحديث مثله تهذيباً وترتيباً وجودةً، وأمّا المعرفة معرفة السنن والآثار، فلا يستغني عنه فقيه شافعي وكلّها مصنّفات لطاف، مليحة الترتيب والتهذيب، كثيرة الفائدة، يشهد من يراها من العارفين بأنّها لم يتهيّأ لأحدٍ من السابقين.

____________________

(١). تذكرة الحفّاظ ٢ / ١١٣٢.

(٢). العبر في خبر من غبر ٣ / ٢٤٢١.

(٣). مرآة الجنان - حوادث: ٤٥٨.

٢٥٣

وفي كلام شيخنا الذهبي أنّه أوّل من جمع نصوص الشافعي. وليس ذلك، بل هو آخر من جمعها، ولذلك استوعب أكثر ما في كتب السابقين، ولا أعرف أحداً بعده جمع النصوص، لأنّه سدّ الباب على مَن بعده.

وكانت إقامته ببيهق، ثمّ استدعاه والي نيسابور ليقرأ عليه كتاب المعرفة

قال عبدالغافر

قال شيخنا الذهبي

وقال إمام الحرمين

وقال شيخ القضاة أبو علي ولد البيهقي »(١) .

١٠ - إبن الأثير: « كان إماماً في الحديث والفقه »(٢) .

١١ - أبو الفداء: « كان إماماً في الحديث والفقه على مذهب الشافعي، وكان زاهداً أوحد زمانه »(٣) .

١٢ - ابن الوردي: « إمام في الحديث والفقه رحل في طلب الحديث إلى العراق والجبال والحجاز، وهو أول من جمع نصوص الشافعي في عشر مجلّدات، ومن تصانيفه قال إمام الحرمين وكان قانعاً من الدنيا بالقليل »(٤) .

١٣ - الأسنوي: « الحافظ الفقيه الأصولي، الزاهد الورع، القائم في نصرة المذهب »(٥) .

____________________

(١). طبقات الشافعية ٤ / ٨.

(٢). الكامل في التواريخ ٨ / ٣٧٧. حوادث سنة ٤٥٨ - ١٠ / ٥٢.

(٣). المختصر في أخبار البشر. حوادث سنة ٤٥٨ - ٢ / ١٥٨.

(٤). تتمة المختصر في أخبار البشر. حوادث سنة ٤٥٨ - ١ / ٥٥٩.

(٥). طبقات الشافعية ١ / ١٩٨.

٢٥٤

١٤ - ابن قاضي شهبة: « الإمام الحافظ الكبير أبو بكر البيهقي، الخسروجردي، سمع الكثير ورحل وجمع وحصّل وصنّف وكان كثير التحقيق والإنصاف، حسن التصنيف

قال عبدالغافر وقال إمام الحرمين »(١) .

١٥ - الخطيب التبريزي: « كان أوحد دهره في الحديث والتصانيف ومعرفة الفقه، وهو من كبار أصحاب الحاكم أبي عبدالله.

قالوا: سبعة من الحفاظ أحسنوا التصنيف، وعظم الانتفاع بتصانيفهم: أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني، ثمّ الحاكم أبو عبدالله النيسابوري، ثمّ أبو محمّد عبد الغني الأزدي حافظ مصر، ثمّ أبو نعيم أحمد بن عبدالله الإصفهاني، ثمّ أبو عمرو ابن عبدالبر النمري حافظ أهل المغرب، ثمّ أبو بكر أحمد بن حسين البيهقي، ثمّ أبو بكر أحمد الخطيب البغدادي »(٢) .

١٦ - السيوطي: « البيهقي الإمام الحافظ العلامة، شيخ خراسان لزم الحاكم وتخرّج به، وأكثر منه جدّاً، وهو من كبار أصحابه، بل زاد عليه بأنواعٍ من العلوم، كثير الحديث وحفظه من صباه، برعٍ وأخذ في الأصول وانفرد بالإتقان والضبط والحفظ، ورحل وعمل كتباً لم يسبق إليها وبورك له في علمه، لحسن قصده وقوّة فهمه وحفظه، وكان على سيرة العلماء، قانعاً باليسير، مات في عاشر جمادى الأولى ٤٥٥ بنيسابور، ونقل في تابوت إلى بيهق مسيرة يومين »(٣) .

____________________

(١). طبقات الشافعية ١ / ٢٢٦.

(٢). الإكمال في أسماء الرجال - ط مع المشكاة.

(٣). طبقات الحفّاظ: ٤٣٣.

٢٥٥

أقول:

وهكذا تجد الثناء عليه وعلى مصنفاته في غير هذه الكتب، فراجع مثلاً: ( فيض القدير ) و ( المرقاة ) و ( شرح المواهب اللدنيّة ) و ( مقاليد الأسانيد ) و ( التاج المكلّل ) وغيرها، ولولا خوف الإطالة لأوردنا كلّ ذلك، ولكنّا حاولنا الإختصار بقدر الإمكان.

وعلى الجملة، فإنّك إذا وضعت يدك على أيّ كتابٍ ترجم فيه للبيهقي، فلا تجد إلّا الثناء عليه وعلى سائر آثاره ومصنّفاته، فكلّهم يصفونه بالحفظ والإتقان والإمامة والديانة والورع وأمثال ذلك من الأوصاف الحميدة، ويصفون مصنّفاته بالجودة والتهذيب والإعتبار وقد رأيت كيف أقبل حفّاظ عصره والمتأخّرون عنه على مصنّفاته وتناقلوها وسمعوها وناهيك بالرؤيا التي رآها أحد معاصريه من الأعلام، تلك الرؤيا الّتي قال الذّهبي وغيره « هي حق »

أقول:

فثبت أنّ البيهقي لا يروي في الفضائل الأحاديث الضعيفة بل الموضوعة كما زعم إبن تيميّة، ولكن الحقيقة هي أن من يروي شيئاً من مناقب عليعليه‌السلام يتّهم بأنواع التّهم وإن وافقه في روايته الجمّ الغفير والجمع الكثير من الأعلام والمشاهير، كما هو الشأن في حديث التشبيه الّذي رواه من أعلام القوم من عرفت، وأخرجه عبدالرزاق بسندٍ صحيح. هذا، ولا يخفى التناقض الموجود في كلام ابن تيميّة، فإنّه بعد أن أخرج البيهقي من زمرة أهل العلم بالحديث لروايته هذا الحديث الموضوع بزعمه، ذكر أنّ أهل العلم بالحديث لا

٢٥٦

يذكرونه لكونه موضوعاً، وصرّح منهم باسم النسائي والترمذي، ومعنى كلامه هنا أنّ كتابيهما مجرّدان عن الأحاديث الضعيفة والموضوعة. لكنّه يعلم بوجود بعض المناقب فيهما، فحمله تعصّبه على أنْ يناقض نفسه فيدّعي وجود ما هو ضعيف بل هو موضوع في كتابيهما أيضاً. فالعياذ بالله من التعصّب والعناد.

كما ثبت أنّ حديث التشبيه من الأحاديث التي أخرجها البيهقي، فلا شك في صحة نسبة العلّامة الحلّي رواية الحديث إليه.

فظهر بطلان ما ذكره ( الدهلوي ) تبعاً للكابلي.

ولقد تبع القاضي ثناء الله الهندي أيضاً الكابلي في هذه الدعوى، فأنكر وجود الحديث في كتب البيهقي، حيث قال بعد أن ذكره في ( السيف المسلول ):

« والجواب: إنّ هذا الحديث ليس من أحاديث أهل السنّة، وقد أورده ابن المطهّر الحلّي في كتبه، فعزاه تارةً إلى البيهقي وأخرى إلى البغوي. وهو غير موجود في كتبهما ».

وقد عرفت كذب هذه الدعوى. والحمد لله.

غلط القوم في فهم عبارة العلّامة الحلّي

وأمّا دعوى ( الدهلوي ) عزو العلّامة الحلّيقدس‌سره حديث التشبيه إلى البغوي، فهي ناشئة من سوء الفهم وإنّ أوّل من وقع في هذا الإشتباه والغلط هو ( الفضل بن روزبهان ) صاحب الردّ على ( نهج الحق ) للعلّامة الحلّي، ثمّ تبعه على ذلك ( الكابلي ) صاحب الصواقع، ثمّ ( الدهلوي ) و ( القاضي ثناء الله الهندي ).

ولكي تتّضح حقيقة الأمر ننقل نصّ عبارة العلّامة الحلّي طاب ثراه في ( نهج الحق وكشف الصدق ) فإنّه قال: « المطلب الثاني: العلم. والناس كلّهم -

٢٥٧

بلا خلاف - عيال عليعليه‌السلام ، في المعارف الحقيقيّة والعلوم اليقينيّة والأحكام الشرعيّة والقضايا النقليّة، لأنّهعليه‌السلام كان في غاية الذكاء والحرص على التعلّم، وملازمته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو أشفق الناس عليه، لا ينفكّ عنه ليلاً ونهاراً، فيكون بالضرورة أعلم من غيره.

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقّه: أقضاكم علي. والقضاء يستلزم العلم والدين.

وروى الترمذي في صحيحه: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها.

وذكر البغوي في الصحاح: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أنا دار الحكمة وعلي بابها.

وفيه عن أبي الحمراء قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أراد أنْ ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى يحيى بن زكريا في زهده، وإلى موسى بن عمران في بطشه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب.

وروى البيهقي بإسناده إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أراد أنْ ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في تقواه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب ».

هذا نصّ عبارة العلامة ابن المطهّر الحلّي، وليس فيها تصريح ولا تلويح بنسبته الحديث إلى البغوي، وهم قد توهّموا ذلك من قوله « وفيه عن أبي الحمراء » جاعلين ( البغوي ) مرجع الضمير، ولم يلتفتوا إلى أنّ مرجع الضمير هو ( عليعليه‌السلام ) كما أنّه مرجع الضمير في كلمة « في حقه ».

وحديث أبي الحمراء هذا هو الحديث الذي رواه القوم في كتبهم، كالخوارزمي في ( المناقب )، ونقله عن الخوارزمي الشيخ الإربليرحمه‌الله في ( كشف الغمة ).

٢٥٨

هذا كلّه في دفع هذا التوهّم، ولا بأس بإيراد بعض كلمات القوم في الثناء على العلّامة الحلّي.

ترجمة العلّامة ابن المطهّر الحلّي

فإنّ العلّامة الحلّي -رحمه‌الله - موصوف في كلمات بعض رجالات العلم من أهل السنّة بالأوصاف الحميدة والألقاب الفائقة:

[ ١ ] - قال أكمل الدين محمّد بن محمود البابرتي الحنفي في كتاب ( نقود وردود ): « أمّا بعد، فلمّا كان توقّف استنباط الأحكام الشرعية من مسالكها، واستخراج الأوامر السمعيّة من مداركها، على معرفة الصانع والتصديق بصفاته، والنظر في أمر النبوّة وتحقيق معجزاته، وكان علم الكلام هو المتكفّل بهذا المرام، لا جرم بعد الفراغ من كتاب الكواشف البرهانيّة في شرح المواقف السلطانية اشتغلت بعلم اُصول الفقهيات ومدارك الفرعيات، الّذي هو العروة الوثقى للطالب المستمسك والسّعادة العظمى للراغب المتمسّك، ما استضاء بنوره ذو رويّة إلّا أصاب واهتدى، وما استنار بضوءه ذو بصيرة إلّا فاز وارتقى.

وكان خير الكتب المؤلّفة فيه عند أصحاب هذا العلم وذويه ( منتهى السئول والأمل ) الّذي صنفه الإمام العلّامة الشيخ جمال الدين أبو عمرو ابن الحاجب، بلّغه الله أعلى المراتب - في علم الأصول والجدل، ولهذا صار مشتهراً في مشارق الأرض ومغاربها كالشمس في وسط النهار، مستهتراً إليه أصحاب الفقهاء الأربعة وأرباب مذاهبها، استهتاراً أيّ استهتار.

وخير شروحها المشهورة شهرة المتن، جامعاً للضروريات ولخاصيات الفن: الشرح الّذي لأستاذي وأستاذ الكلّ في الكلّ، الإمام ابن الإمام ابن الإمام، أفضل علماء الإسلام، عضد الملّة والدين، عبدالرحمن الصديقي،

٢٥٩

الّذي أعلى الله بكلمته كلمة الدين، وعضد به الإيمان والمؤمنين، جزاه الله أفضل مجازاته، رافعاً في أعلى عليّين درجاته، إذ هو ملازم لتفسير نصوصه، محقّقاً لدقائقه، مداوم على تقرير فصوصه، مدقّقاً لحقائقه، كاشف مخبيّات مشكلاته، مصحّحاً لمقاصده، مشيراً إلى مكنيّات مفصّلاته، منقّحاً لفرائده، حتّى صار كتابه مجموعاً مستحقاً لأن يكون على الرأس محمولاً وعلى العين موضوعاً. فيالها من المناقب، ما أحسن مناصبه بين المناصب، وما يعرفه إلّا من حقّق كلام غيره تحقيقاً، وجرى في ميدانه أشواطاً وعرق فيه تعريقاً، وهو مليّ كثير البضاعة طويل الباع في هذه الصناعة: إنّما يعرف ذا الفضل من الناس ذووه.

وقد وقع إليّ من الشروح عشرة أخرى، حريّة بأنْ تكتب على الأحداق، بل أحرى، أشهرها السبعة السّيارة في الآفاق، المنسوبة إلى أكابر الفضلاء بالإستحقاق: المولى الأعظم شيخ الدنيا قطب الدين الشيرازي قدّس نفسه. والمولى السيّد ركن الدين الموصلي روّح رمسه. والمولى الشيخ جمال الدين الحلّي طابت تربته. والمولى القدوة زين الدين الخنجي زيدت درجته. والمولى العلّامة شمس الدين الإصفهاني نوّر الله مضجعه. والمولى الأفضل بدر الدين التستري عطّر مهجعه. والمولى الأعلم شمس الدين الخطيبي طيّب مريعه. المذكور أسماء هؤلاء العلماء الكرام البررة المعظَّمة على ترتيب وجود الشروح التي كأنّها صحف مكرّمة.

واتّفق لي قراءته على مؤلّفه مرةً والإستماع عنه اُخرى، مقتبساً من أشعة أنوار فوائده بمقدار مقدرتي القصرى، فرأيته وإنْ كان شرحاً - كتاباً مستقلّاً، وإنْ جعل فرعاً كان أصلاً أصيلاً، يحتاج ألفاظه في جلّها لا بل كلّها إلى حلّها، ممّا يزيل من مسالك شعابه صعابها، ويكشف عن وجوه فرائده

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449