نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٩

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار13%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 449

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 449 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 204011 / تحميل: 6971
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٩

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

الخطاب، عن موسى بن بشار العطار(١) ، عن المسعودي، عن عبدالله بن الزبير، عن أبان بن تغلب والربيع بن سليمان وأبان بن أرقم وغيرهم، قالوا: أقبلنا من مكة حتى إذا كنا بوادي الاجفر(٢) إذا نحن برجل يصلي، ونحن ننظر إلى شعاع الشمس، فوجدنا(٣) في أنفسنا، فجعل يصلي ونحن ندعو عليه، حتى صلى ركعة ونحن ندعو عليه ونقول: هذا من شباب أهل المدينة، فلما أتيناه إذا هو أبوعبدالله جعفر بن محمّد عليهما السلام، فنزلنا فصلينا معه، وقد فاتتنا ركعة، فلما قضينا الصلاة قمنا إليه، فقلنا: جعلنا فداك، هذه الساعة تصلي؟ فقال: إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت(٤) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله الطاهرين وسلم كثيرا

______________

(١) كذا في النسخ: وفي الكافي ٢: ٤٦٦/٣ كتاب العشرة، باب ٣، روى موسى بن يسار القطان عن المسعودي، فالظاهر إتحاده مع ما هنا ووقوع التحريف في أحد الموضعين.

(٢) الاجفر: موضع بين فيد والخزيمية، بينه وبين فيد ستة وثلاثون فرسخا نحو مكة.«معجم البلدان ١: ١٠٢».

(٣) وجد: غضب.

(٤) بحار الانوار ٨٣: ٥٩/١٨.

١٤١

[ ١٩ ]

المجلس التاسع عشر

وهو يوم الجمعة

الثاني والعشرين من شهر رمضان سنة سبع وستين وثلاثمائة

١٤٤/١ - حدّثنا الشيخ أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن محمّد بن عيسى وأبي إسحاق النهاوندي، عن عبدالله بن حماد، قال: حدّثنا عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: أقبل جيران أم أيمن إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقالوا: يا رسول الله: إن أم أيمن لم تنم البارحة من البكاء، لم تزل تبكي حتى أصبحت، قال: فبعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى أم أيمن فجاءته، فقال لها: يا أم أيمن، لا أبكى الله عينيك، إن جيرانك أتوني وأخبروني أنك لم تزلي الليل تبكين أجمع، فلا أبكى الله عينيك، ما الذي أبكاك؟ قالت: يا رسول الله، رأيت رؤيا عظيمة شديدة، فلم أزل أبكى الليل أجمع. فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: فقصيها على رسول الله، فإن الله ورسوله أعلم. فقالت: تعظم علي أن أتكلم بها. فقال لها: إن الرؤيا ليست على ما ترى، فقصيها على رسول الله.

قالت: رأيت في ليلتي هذه، كأن بعض أعضائك ملقى في بيتي. فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: نامت عينك يا أم أيمن، تلد فاطمة الحسين، فتربينه وتلينه، فيكون بعض أعضائي في بيتك.

١٤٢

فلما ولدت فاطمة الحسين عليهما السلام، فكان يوم السابع، أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فحلق رأسه وتصدق بوزن شعره فضة وعق عنه، ثم هيأته أم أيمن ولفته في برد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثم أقبلت به إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: مرحبا بالحامل والمحمول، يا أم أيمن، هذا تأويل رؤياك(١) .

١٤٥/٢ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن إبراهيم بن رجاء الجحدري، عن عليّ بن جابر، قال: حدثني عثمان بن داود الهاشمي، عن محمّد بن مسلم، عن حمران بن أعين، عن أبي محمّد شيخ لاهل الكوفة، قال: لما قتل الحسين بن عليّ عليهما السلام أسر من معسكره غلامان صغيران، فأتي بهما عبيد الله بن زياد، فدعا سجانا له، فقال: خذ هذين الغلامين إليك، فمن طيب الطعام فلا تطعمهما، ومن البارد فلا تسقهما، وضيق عليهما سجنهما، وكان الغلامان يصومان النهار، فإذا جنهما الليل أتيا بقرصين من شعير وكوز من الماء القراح(٢) .

فلما طال بالغلامين المكث حتى صارا في السنة، قال أحدهما لصاحبه: يا أخي، قد طال بنا مكثنا، ويوشك أن تفنى أعمارنا وتبلى أبداننا، فإذا جاء الشيخ فأعلمه مكاننا، وتقرب إليه بمحمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم لعله يوسع علينا في طعامنا، ويزيد في شرابنا.

فلما جنهما الليل أقبل الشيخ إليهما بقرصين من شعير وكوز من الماء القراح، فقال له الغلام الصغير: يا شيخ، أتعرف محمّدا؟ قال: فكيف لا أعرف محمّدا وهو نبيي! قال: أفتعرف جعفر بن أبي طالب؟ قال: وكيف لا أعرف جعفرا، وقد أنبت الله له جناحين يطير بهما مع الملائكة كيف يشاء! قال: أفتعرف عليّ بن أبي طالب؟ قال: وكيف لا أعرف عليا، وهو ابن عم نبيي وأخو نبيي! قال له: يا شيخ، فنحن من عترة

______________

(١) بحار الانوار ٤٣: ٢٤٢/١٥.

(٢) القراح من كل شئ: الخالص.

١٤٣

نبيك محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، ونحن من ولد مسلم بن عقيل بن أبي طالب، بيدك أسارى، نسألك من طيب الطعام فلا تطعمنا، ومن بارد الشراب فلا تسقينا، وقد ضيقت علينا سجننا، فانكب الشيخ على أقدامهما يقبلهما ويقول: نفسي لنفسكما الفداء، ووجهي لوجهكما الوقاء، يا عترة نبي الله المصطفى، هذا باب السجن بين يديكما مفتوح، فخذا أي طريق شئتما، فلما جنهما الليل أتاهما بقرصين من شعير وكوز من الماء القراح ووقفهما على الطريق، وقال لهما: سيرا - يا حبيبي - الليل، واكمنا النهار حتى يجعل الله عزّوجلّ لكما من أمركما فرجا ومخرجا. ففعل الغلامان ذلك.

فلما جنهما الليل، انتهيا إلى عجوز على باب، فقالا لها: يا عجوز، إنا غلامان صغيران غريبان حدثان غير خبيرين بالطريق، وهذا الليل قد جننا أضيفينا سواد ليلتنا هذه، فإذا أصبحنا لزمنا الطريق. فقالت لهما: فمن أنتما يا حبيبي، فقد شممت الروائح كلها، فما شممت رائحة أطيب من رائحتكما، فقالا لها: يا عجوز، نحن من عترة نبيك محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، هربنا من سجن عبيد الله بن زياد من القتل.

قالت العجوز: يا حبيبي، إن لي ختنا(١) فاسقا، قد شهد الواقعة مع عبيد الله بن زياد، أتخوف أن يصيبكما هاهنا فيقتلكما. قالا: سواد ليلتنا هذه، فإذا أصبحنا لزمنا الطريق. فقالت: سأتيكما بطعام، ثم أتتهما بطعام فأكلا وشربا.

فلما ولجا الفراش قال الصغير للكبير: يا أخي، إنا نرجو أن نكون قد أمنا ليلتنا هذه، فتعال حتى أعانقك وتعانقني وأشم رائحتك وتشم رائحتي قبل أن يفرق الموت بيننا. ففعل الغلامان ذلك، واعتنقا وناما.

فلما كان في بعض الليل أقبل ختن العجوز الفاسق حتى قرع الباب قرعا خفيفا، فقالت العجوز: من هذا؟ قال: أنا فلان. قالت: ما الذي أطرقك هذه الساعة، وليس هذا لك بوقت؟ قال: ويحك افتحي الباب قبل أن يطير عقلي وتنشق مرارتي في جوفي، جهد البلاء قد نزل بي. قالت: ويحك ما الذي نزل بك؟ قال: هرب غلامان صغيران من

______________

(١) الختن: كل من كان من قبل المرأة كأبيها وأخيها، وكذلك زوج البنت أو زوج الاخت.

١٤٤

عسكر عبيد الله بن زياد، فنادى الامير في معسكره: من جاء برأس واحد منهما فله ألف درهم، ومن جاء برأسيهما فله ألفا درهم، فقد أتعبت وتعبت ولم يصل في يدي شئ.

فقالت العجوز: يا ختني، احذر أن يكون محمّد خصمك في يوم القيامة. قال لها: ويحك إن الدنيا محرص عليها. فقالت: وما تصنع بالدنيا، وليس معها آخرة؟ قال: إني لاراك تحامين عنهما، كأن عندك من طلب الامير شيئا، فقومي فإن الامير يدعوك. قالت: وما يصنع الامير بي، وإنما أنا عجوز في هذه البرية؟ قال: إنما لي طلب، افتحي لي الباب حتى أريح وأستريح، فإذا أصبحت بكرت في أي الطريق آخذ في طلبهما. ففتحت له الباب، وأتته بطعام وشراب فأكل وشرب.

فلما كان في بعض الليل سمع غطيط(١) الغلامين في جوف البيت، فأقبل يهيج كما يهيج البعير الهائج، ويخور كما يخور الثور، ويلمس بكفه جدار البيت حتى وقعت يده على جنب الغلام الصغير، فقال له: من هذا؟ قال: أما أنا فصاحب المنزل، فمن أنتما؟ فأقبل الصغير يحرك الكبير ويقول: قم يا حبيبي، فقد والله وقعنا فيما كنا نحاذره.

قال لهما: من أنتما؟ قالا له: يا شيخ، إن نحن صدقناك فلنا الامان؟ قال: نعم. قالا: أمان الله وأمان رسوله، وذمة الله وذمة رسوله؟ قال: نعم. قالا: ومحمّد بن عبدالله على ذلك من الشاهدين؟ قال: نعم. قالا: والله على ما نقول وكيل وشهيد؟ قال: نعم. قالا له: يا شيخ، فنحن من عترة نبيك محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، هربنا من سجن عبيد الله بن زياد من القتل. فقال لهما: من الموت هربتما، وإلى الموت وقعتما، الحمد لله الذي أظفرني بكما. فقام إلى الغلامين فشد أكتافهما، فبات الغلامان ليلتهما مكتفين.

فلما انفجر عمود الصبح، دعا غلاما له أسود، يقال له: فليح، فقال: خذ هذين الغلامين، فانطلق بهما إلى شاطئ الفرات، واضرب عنقيهما، وائتني برأسيهما لانطلق بهما إلى عبيد الله بن زياد، وآخذ جائزة ألفي درهم.

______________

(١) الغطيط: الصوت الذي يخرج مع نفس النائم.

١٤٥

فحمل الغلام السيف، ومشى أمام الغلامين، فما مضى إلا غير بعيد حتى قال أحد الغلامين: يا أسود، ما أشبه سوادك بسواد بلال مؤذن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم! قال: إن مولاي قد أمرني بقتلكما، فمن أنتما؟ قالا له: يا أسود، نحن من عترة نبيك محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، هربنا من سجن عبيد الله بن زياد من القتل: أضافتنا عجوزكم هذه، ويريد مولاك قتلنا. فانكب الاسود على أقدامهما يقبلهما ويقول: نفسي لنفسكما الفداء، ووجهي لوجهكما الوقاء، يا عترة نبي الله المصطفى، والله لا يكون محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم خصمي في القيامة. ثم عدا فرمى بالسيف من يده ناحية، وطرح نفسه في الفرات، وعبر إلى الجانب الآخر، فصاح به مولاه: يا غلام عصيتني! فقال: يا مولاي، إنما أطعتك ما دمت لا تعصي الله، فإذا عصيت الله فأنا منك برئ في الدنيا والآخرة.

فدعا ابنه، فقال: يا بني، إنما أجمع الدنيا حلالها وحرامها لك، والدنيا محرص عليها، فخذ هذين الغلامين إليك، فانطلق بهما إلى شاطئ الفرات، فاضرب عنقيهما وائتني برأسيهما، لانطلق بهما إلى عبيد الله بن زياد وآخذ جائزة ألفي درهم.

فأخذ الغلام السيف، ومشى أمام الغلامين، فما مضى إلا غير بعيد حتى قال أحد الغلامين: يا شاب، ما أخوفني على شبابك هذا من نار جهنم! فقال: يا حبيبي، فمن أنتما؟ قالا: من عترة نبيك محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، يريد والدك قتلنا. فانكب الغلام على أقدامهما يقبلهما، وهو يقول لهما مقالة الاسود، ورمى بالسيف ناحية وطرح نفسه في الفرات وعبر، فصاح به أبوه: يا بني عصيتني! قال: لان أطيع الله وأعصيك أحب إلى من أن أعصي الله وأطيعك.

قال الشيخ: لا يلي قتلكما أحد غيري، وأخذ السيف ومشى أمامهما، فلما صار إلى شاطئ الفرات سل السيف من جفنه، فلما نظر الغلامان إلى السيف مسلولا اغرورقت أعينهما، وقالا له: يا شيخ، انطلق بنا إلى السوق واستمتع بأثماننا، ولا ترد أن يكون محمّد خصمك في القيامة غدا. فقال: لا، ولكن أقتلكما وأذهب برأسيكما إلى عبيد الله بن زياد، وآخذ جائزة ألفي درهم. فقالا له: يا شيخ، أما تحفظ قرابتنا من

١٤٦

رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ فقال: ما لكما من رسول الله قرابة. قالا له: يا شيخ، فائت بنا إلى عبيد الله بن زياد حتى يحكم فينا بأمره. قال: ما إلى ذلك سبيل إلا التقرب إليه بدمكما. قالا له: يا شيخ، أما ترحم صغر سننا؟ قال: ما جعل الله لكما في قلبي من الرحمة شيئا. قالا: يا شيخ إن كان ولا بد، فدعنا نصلي ركعات. قال: فصليا ما شئتما إن نفعتكما الصلاة. فصلى الغلامان أربع ركعات، ثم رفعا طرفيهما إلى السماء فناديا: يا حي يا حليم(١) يا أحكم الحاكمين، أحكم بيننا وبينه بالحق.

فقام إلى الاكبر فضرب عنقه، وأخذ برأسه ووضعه في المخلاة، وأقبل الغلام الصغير يتمرغ في دم أخيه، وهو يقول: حتى ألقى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأنا مختضب بدم أخي. فقال: لا عليك سوف ألحقك بأخيك، ثم قام إلى الغلام الصغير فضرب عنقه، وأخذ رأسه ووضعه في المخلاة، ورمى ببدنيهما في الماء، وهما يقطران دما.

ومر حتى أتى بهما عبيد الله بن زياد وهو قاعد على كرسي له، وبيده قضيب خيزران، فوضع الرأسين بين يديه، فلما نظر إليهما قام ثم قعد ثم قام ثم قعد ثلاثا، ثم قال: الويل لك، أين ظفرت بهما؟ قال: أضافتهما عجوز لنا. قال: فما عرفت لهما حق الضيافة؟ قال: لا.

قال: فأي شئ قالا لك؟ قال: قالا: يا شيخ، اذهب بنا إلى السوق فبعنا وانتفع بأثماننا فلا ترد أن يكون محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم خصمك في القيامة. قال: فأي شئ قلت لهما؟ قال: قلت: لا، ولكن أقتلكما وأنطلق برأسيكما إلى عبيد الله بن زياد، وآخذ جائزة ألفي درهم.

قال: فأي شئ قالا لك؟ قال: قالا: ائت بنا إلى عبيد الله بن زياد حتى يحكم فينا بأمره. قال: فأي شئ قلت؟ قال: قلت: ليس إلى ذلك سبيل إلا التقرب إليه بدمكما. قال: أفلا جئتني بهما حيين، فكنت أضعف لك الجائزة، وأجعلها أربعة آلاف درهم؟

______________

(١) في نسخة: يا حكيم. وكذا في الموضع الآتي.

١٤٧

قال: ما رأيت إلى ذلك سبيلا إلا التقرب إليك بدمهما.

قال: فأي شئ قالا لك أيضا؟ قال: قال لي: يا شيخ، احفظ قرابتنا من رسول الله. قال: فأي شئ قلت لهما. قال: قلت: ما لكما من رسول الله قرابة.

قال: ويلك، فأي شئ قالا لك أيضا؟ قال: قالا: يا شيخ، ارحم صغر سننا. قال: فما رحمتهما؟ قال: قلت: ما جعل الله لكما من الرحمة في قلبي شيئا.

قال: ويلك، فأي شئ قالا لك أيضا؟ قال: قالا: دعنا نصلي ركعات. فقلت: فصليا ما شئتما إن نفعتكما الصلاة، فصلى الغلامان أربع ركعات. قال: فأي شئ قالا في آخر صلاتهما؟ قال: رفعا طرفيهما إلى السماء، وقالا: يا حي يا حليم، يا أحكم الحاكمين، أحكم بيننا وبينه بالحق.

قال عبيد الله بن زياد: فإن أحكم الحاكمين قد حكم بينكم، من للفاسق؟ قال: فانتدب له رجل من أهل الشام، فقال: أنا له. قال: فانطلق به إلى الموضع الذي قتل فيه الغلامين، فاضرب عنقه، ولا تترك أن يختلط دمه بدمهما وعجل برأسه، ففعل الرجل ذلك، وجاء برأسه فنصبه على قناة، فجعل الصبيان يرمونه بالنبل والحجارة وهم يقولون: هذا قاتل ذرية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم(١) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله الطاهرين وسلم كثيرا

______________

(١) بحار الانوار ٤٥: ١٠٠/١.

١٤٨

[ ٢٠ ]

المجلس العشرون

مجلس يوم الثلاثاء

لأربع ليال بقين من شهر رمضان سنة سبع وستين وثلاثمائة

١٤٦/١ - حدّثنا الشيخ أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي رحمه الله، قال: حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا عبدالله بن الحسن المؤدب، قال: حدّثنا أحمد بن عليّ الاصبهاني، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي، قال: حدّثنا جعفر بن الحسن، عن عبيد الله بن موسى العبسي، عن محمّد بن عليّ السلمي، عن عبدالله بن محمّد بن عقيل، عن جابر بن عبدالله الانصاري، أنه قال: لقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول في علي خصالا، لو كانت واحدة منها في جميع الناس لاكتفوا بها فضلا:

قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: من كنت مولاه فعلي مولاه.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: علي مني كهارون من موسى.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: علي مني وأنا منه.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: علي مني كنفسي، طاعته طاعتي، ومعصيته معصيتي.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: حرب علي حرب الله، وسلم علي سلم الله.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ولي علي ولي الله، وعدو علي عدو الله.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: علي حجة الله وخليفته على عباده.

١٤٩

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: حب علي إيمان، وبغضه كفر.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: حزب علي حزب الله، وحزب أعدائه حزب الشيطان.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: علي مع الحق والحق معه لا يفترقان حتى يردا علي الحوض.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: علي قسيم الجنة والنار.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: من فارق عليا فقد فارقني، ومن فارقني فقد فارق الله عزّوجلّ.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: شيعة علي هم الفائزون يوم القيامة(١) .

١٤٧/٢ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رحمه الله، قال: حدّثنا أبوجعفر أحمد بن إسحاق بن بهلول القاضي في داره بمدينة السلام، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا عليّ بن يزيد الصدائي، عن أبي شيبة الجوهري، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: تقبلوا لي بست أتقبل لكم بالجنة: إذا حدثتم فلا تكذبوا، وإذا وعدتم فلا تخلفوا، وإذا ائتمنتم فلا تخونوا، وغضوا أبصاركم، واحفظوا فروجكم، وكفوا أيديكم وألسنتكم(٢) .

١٤٨/٣ - حدّثنا أحمد بن زياد رضي الله عنه، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، قال: حدّثنا القاسم بن محمّد البرمكي، قال: حدّثنا أبوالصلت الهروي، قال: لما جمع المأمون لعليّ بن موسى الرضا عليه السلام أهل المقالات من أهل الاسلام والديانات من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين وسائر أهل المقالات، فلم يقم أحد إلا وقد ألزمه حجته كأنه قد ألقم حجرا، قام إليه عليّ بن محمّد بن الجهم، فقال له: يا بن رسول الله، أتقول بعصمة الانبياء؟ قال: بلى. قال: فما تعمل في قول الله عزّوجلّ:( وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ ) (٣) ، وقوله عزّوجلّ:( وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ

______________

(١) الخصال: ٤٩٦/٥، بشارة المصطفى: ١٩، بحار الانوار ٣٨: ٩٥/١١.

(٢) الخصال: ٣٢١/٥، بحار الانوار ٦٩: ٣٧٢/١٦، و ٧٧: ١١٣/٥.

(٣) طه ٢٠: ١٢١.

١٥٠

مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ) (١) ، وقوله في يوسف:( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا ) (٢) ، وقوله عزّوجلّ في داود:( وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ ) (٣) وقوله في نبيه محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم:( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّـهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّـهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ) (٤) . فقال مولانا الرضا عليه السلام: ويحك - يا علي - اتق الله، ولا تنسب إلى أنبياء الله الفواحش، ولا تتأول كتاب الله عزّوجلّ برأيك، فإن الله عزّوجلّ يقول:( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (٥) . أما قوله عزّوجلّ في آدم عليه السلام:( وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ ) فإن الله عزّوجلّ خلق آدم حجة في أرضه وخليفة في بلاده، لم يخلقه للجنة، وكانت المعصية من آدم في الجنة لا في الارض تتم مقادير أمر الله عزّوجلّ، فلما أهبط إلى الارض وجعل حجة وخليفة، عصم بقوله عزّوجلّ:( إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ) (٦) . وأما قوله عزّوجلّ:( وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ) إنما ظن أن الله عزّوجلّ لا يضيق عليه رزقه، ألا تسمع قول الله عزّوجلّ:( وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ) (٧) أي ضيق عليه، ولو ظن أن الله تبارك وتعالى لا يقدر عليه لكان قد كفر. وأما قوله عزّوجلّ في يوسف:( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا ) فإنها همت بالمعصية، وهم يوسف بقتلها إن أجبرته، لعظم ما داخله، فصرف الله عنه قتلها

______________

(١) الانبياء ٢١: ٨٧.

(٢) يوسف ١٢: ٢٤.

(٣) سورة ص ٣٨: ٢٤.

(٤) الاحزاب ٣٣: ٣٧.

(٥) آل عمران ٣: ٧.

(٦) آل عمران ٣: ٣٣.

(٧) الفجر ٨٩: ١٦.

١٥١

والفاحشة، وهو قوله:( كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ ) يعني القتل( وَالْفَحْشَاءَ ) (١) يعني الزنا.

وأما داود، فما يقول من قبلكم فيه؟ فقال عليّ بن الجهم: يقولون: إن داود كان في محرابه يصلي، إذ تصور له إبليس على صورة طير أحسن ما يكون من الطيور، فقطع صلاته وقام ليأخذ الطير، فخرج الطير إلى الدار، فخرج في أثره، فطار الطير إلى السطح، فصعد في طلبه، فسقط الطير في دار أوريا بن حنان(٢) ، فاطلع داود في أثر الطير، فإذا بامرأة أوريا تغتسل، فلما نظر إليها هواها، وكان أوريا قد أخرجه في بعض غزواته، فكتب إلى صاحبه: أن قدم أوريا أمام الحرب، فقدم فظفر أوريا بالمشركين، فصعب ذلك على داود، فكتب إليه ثانية: أن قدمه أمام التابوت، فقتل أوريا رحمه الله، وتزوج داود بامرأته.

قال: فضرب الرضا عليه السلام بيده على جبهته، وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، لقد نسبتم نبيا من أنبياء الله إلى التهاون بصلاته، حتى خرج في أثر الطير، ثم بالفاحشة، ثم بالقتل!

فقال: يا بن رسول الله، فما كانت خطيئته؟ فقال: ويحك، إن داود إنما ظن أن ما خلق الله عزّوجلّ خلقا هو أعلم منه، فبعث الله عزّوجلّ إليه الملكين فتسورا المحراب، فقالا:( خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ ، إِنَّ هَـٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ) فعجل داود عليه السلام على المدعى عليه، فقال:( لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ ) (٣) ، ولم يسأل المدعي البينة على ذلك، ولم يقبل على المدعى عليه فيقول: ما تقول؟ فكان هذا خطيئة حكمه، لا ما ذهبتم

______________

(١) يوسف ١٢: ٢٤.

(٢) في نسخة: حيان، وفي اخرى: جنان.

(٣) سورة ص ٣٨: ٢٢ - ٢٤.

١٥٢

إليه، ألا تسمع قول الله عزّوجلّ يقول:( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ) (١) إلى آخر الآية؟

فقلت: يا بن رسول الله، فما قصته مع أوريا؟ فقال الرضا عليه السلام: إن المرأة في أيام داود كانت إذا مات بعلها أو قتل لا تتزوج بعده أبدا، وأول من أباح الله عزّوجلّ له أن يتزوج بامرأة قتل بعلها داود عليه السلام، فذلك الذي شق على (الناس من قبل)(٢) أوريا.

وأمّا محمّد نبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم وقول الله عزّوجلّ له:( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّـهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّـهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ) فإن الله عزّوجلّ عرف نبيه صلّى الله عليه وآله وسلّم أسماء أزواجه في دار الدنيا، وأسماء أزواجه في الآخرة، وأنهن أمهات المؤمنين، وأحد من سمى له زينب بنت جحش، وهي يومئذ تحت زيد بن حارثة، فأخفى صلّى الله عليه وآله وسلّم اسمها في نفسه ولم يبده(٣) ، لكيلا يقول أحد من المنافقين: إنه قال في امرأة في بيت رجل إنها أحد أزواجه من أمهات المؤمنين، وخشي قول المنافقين، قال الله عزّوجلّ:( وَاللَّـهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ) في نفسك، وإن الله عزّوجلّ ما تولى تزويج أحد من خلقه إلا تزويج حواء من آدم، وزينب من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: وفاطمة من علي عليهما السلام.

قال: فبكى عليّ بن الجهم، وقال: يا بن رسول الله، أنا تائب إلى الله عزّوجلّ أن أنطق في أنبياء الله عزّوجلّ بعد يومي هذا إلا بما ذكرته(٤) .

١٤٩/٤ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم رحمه الله، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد الهمداني، قال: حدّثنا عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضال، عن أبيه، عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه الباقر محمّد بن علي، عن أبيه زين العابدين عليّ بن الحسين، عن أبيه سيد

______________

(١) سورة ص ٣٨: ٢٦.

(٢) أثبتناه من العيون.

(٣) زاد في نسخة: له.

(٤) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ١٩١/١، بحار الانوار ١١: ٧٢/١.

١٥٣

الشهداء الحسين بن علي، عن أبيه سيد الوصيين أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خطبنا ذات يوم، فقال: أيها الناس، إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الايام، وليا له أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب، فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابة، فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم، واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه، وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقروا كباركم، وارحموا صغاركم، وصلوا أرحامكم، واحفظوا ألسنتكم، وغضوا عما لا يحل النظر إليه أبصاركم، وعما لا يحل الاستماع إليه أسماعكم، وتحننوا على أيتام الناس يتحنن على أيتامكم، وتوبوا إلى الله من ذنوبكم، وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلواتكم، فإنها أفضل الساعات، ينظر الله عزّوجلّ فيها بالرحمة إلى عباده، يجيبهم إذا ناجوه، ويلبيهم إذا نادوه، ويعطيهم إذا سألوه، ويستجيب لهم إذا دعوه.

أيها الناس، إن أنفسكم مرهونة بأعمالكم، ففكوها باستغفاركم، وظهوركم ثقيلة من أو زاركم، فخففوا عنها بطول سجودكم، واعلموا أن الله تعالى ذكره أقسم بعزته أن لا يعذب المصلين والساجدين، وأن لا يروعهم بالنار يوم يقوم الناس لرب العالمين. أيها الناس، من فطر منكم صائما مؤمنا في هذا الشهر، كان له بذلك عند الله عتق نسمة ومغفرة لما مضى من ذنوبه.

فقيل: يا رسول الله، وليس كلنا يقدر على ذلك. فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: اتقوا النار ولو بشق تمرة، اتقوا النار ولو بشربة من ماء.

أيها الناس، من حسن منكم في هذا الشهر خلقه، كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الاقدام، ومن خفف في هذا الشهر عما ملكت يمينه خفف الله عليه حسابه، ومن كف فيه شره كف الله عنه غضبه يوم يلقاه، ومن أكرم فيه يتيما أكرمه الله يوم يلقاه، ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رحمه قطع الله

١٥٤

عنه رحمته يوم يلقاه، ومن تطوع فيه بصلاة كتب الله له براءة من النار، ومن أدى فيه فرضا كان له ثواب من أدى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور، ومن أكثر فيه من الصلاة علي ثقل الله ميزانه يوم تخف الموازين، ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور.

أيها الناس، إن أبواب الجنان في هذا الشهر مفتحة، فاسألوا ربكم أن لا يغلقها عليكم، وأبواب النيران مغلقة، فاسألوا ربكم أن لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة فاسألوا ربكم أن لا يسلطها عليكم.

قال أميرالمؤمنين عليه السلام: فقمت فقلت: يا رسول الله، ما أفضل الاعمال في هذا الشهر؟ فقال: يا أبا الحسن، أفضل الاعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عزّوجلّ، ثم بكى، فقلت: يا رسول الله، ما يبكيك؟

فقال: يا علي، أبكي لما يستحل منك في هذا الشهر، كأني بك وأنت تصلي لربك، وقد انبعث أشقى الاولين والآخرين، شقيق عاقر ناقة ثمود، فضربك ضربة على قرنك فخضب منها لحيتك.

قال أميرالمؤمنين عليه السلام: فقلت: يا رسول الله، وذلك في سلامة من ديني؟ فقال: في سلامة من دينك.

ثم قال صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا علي، من قتلك فقد قتلني، ومن أبغضك فقد أبغضني، ومن سبك فقد سبني، لانك مني كنفسي، روحك من روحي، وطينتك من طينتي، إن الله تبارك وتعالى خلقني وإياك، واصطفاني وإياك، فاختارني للنبوة، واختارك للامامة، فمن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوتي.

يا علي، أنت وصيي، وأبو ولدي، وزوج ابنتي، وخليفتي على امتي في حياتي وبعد مماتي، أمرك أمري، ونهيك نهيي، أقسم بالذي بعثني بالنبوة وجعلني خير البرية، إنك لحجة الله على خلقه، وأمينه على سره وخليفته على عباده(١) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله الطاهرين وسلم كثيرا

______________

(١) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٢٩٥/٥٣، فضائل الاشهر الثلاثة: ٧٧/٦١، بحار الانوار ٩٦: ٣٥٦/٢٥.

١٥٥

[ ٢١ ]

المجلس الحادي والعشرون

مجلس يوم الجمعة

سلخ شهر رمضان سنة سبع وستين وثلاثمائة

١٥٠/١ - حدّثنا الشيخ أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن عمر البغدادي الحافظ، قال: حدّثنا عبدالله بن يزيد، قال: حدّثنا محمّد بن ثواب، قال: حدّثنا إسحاق بن منصور، عن كادح - يعني أبا جعفر البجلي -، عن عبدالله بن لهيعة، عن عبد الرحمن - يعني ابن زياد -، عن سلمة بن يسار، عن جابر بن عبدالله، قال: لما قدم علي عليه السلام على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بفتح خيبر، قال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى للمسيح عيسى بن مريم، لقلت فيك اليوم قولا لا تمر بملا إلا أخذوا التراب من تحت رجليك ومن فضل طهورك يستشفون به، ولكن حسبك أن تكون مني وأنا منك، ترثني وأرثك، وإنك مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وإنك تبرئ، ذمتي وتقاتل على سنتي، وإنك غدا على الحوض خليفتي، وإنك أول من يرد علي الحوض، وإنك أول من يكسى معي، وإنك أول داخل الجنة من أمتي، وإن شيعتك على منابر من نور، مبيضة وجوههم حولي، أشفع لهم، يكونون غدا في الجنة جيراني، وإن حربك حربي، وسلمك سلمي، وإن سرك سري، وعلانيتك علانيتي، وإن سريرة صدرك كسريرتي، وإن ولدك ولدي، وإنك

١٥٦

تنجز عداتي، وإن الحق معك، وإن الحق على لسانك وقلبك وبين عينيك، الايمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي، وإنه لن يرد علي الحوض مبغض لك، ولن يغيب عنه محب لك حتى يرد الحوض معك.

قال: فخر علي عليه السلام ساجدا، ثم قال: الحمد لله الذي أنعم علي بالاسلام، وعلمني القرآن، وحببني إلى خير البرية خاتم النبيين وسيد المرسلين، إحسانا منه وفضلا منه علي. قال: فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: لولا أنت لم يعرف المؤمنون بعدي(١) .

١٥١/٢ - حدّثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدّثنا العباس بن الفضل المقرئ، قال: حدّثنا أبوالحسن عليّ بن الفرات الاصبهاني، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد البصري، قال: حدّثنا جندل بن والق، قال: حدّثنا عليّ بن حماد، عن سعيد، عن ابن عباس: أنه مر بمجلس من مجالس قريش وهم يسبون عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقال لقائده: ما يقول هؤلاء؟ قال: يسبون عليا. قال: قربني إليهم، فلما أن أوقف عليهم، قال: أيكم الساب الله؟ قالوا: سبحان الله! من يسب الله فقد أشرك بالله. قال: فأيكم الساب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ قالوا: من يسب رسول الله فقد كفر. قال: فأيكم الساب عليّ بن أبي طالب؟ قالوا: قد كان ذلك. قال: فأشهد بالله وأشهد لله، لقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: من سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله عزّوجلّ، ثم مضى.

فقال لقائده: فهل قالوا شيئا حين قلت لهم ما قلت؟ قال: ما قالوا شيئا. قال: كيف رأيت وجوههم؟ قال:

نظروا إليك بأعين محمرة

نظر التيوس إلى شفار الجازر

قال: زدني فداك أبوك. قال:

خزر الحواجب، ناكسو أذقانهم

نظر الذليل إلى العزيز القاهر

قال: زدني فداك أبوك. قال: ما عندي غير هذا. قال: لكن عندي.

______________

(١) إعلام الورى: ١٨٦، بشارة المصطفى: ١٥٥، بحار الانوار ٣٩: ١٨.

١٥٧

أحياؤهم خزي على أمواتهم

والميتون فضيحة للغابر(١)

١٥٢/٣ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن مثنى الحناط، عن أبي بصير، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: سمعته يقول: من صلى أربع ركعات بمائتي مرة( قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ ) في كل ركعة خمسين مرة، لم ينفتل وبينه وبين الله عزّوجلّ ذنب إلا غفر له(٢) .

١٥٣/٤ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن أبي عمير، عن زيد الشحام، عن الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام، قال: ما من عبد يقول كل يوم سبع مرات: أسأل الله الجنة، وأعوذ بالله من النار، إلا قالت النار: يا رب أعذه مني(٣) .

١٥٤/٥ - حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطار رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن معاوية بن وهب، عن معاذ ابن مسلم، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: اصبر على أعداء النعم، فإنك لن تكافئ من عصى الله فيك بأفضل من أن تطيع الله فيه(٤) .

١٥٥/٦ - حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، قال: حدّثنا أبي، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمّد بن أبي عمير، عن جعفر الازدي، عن عمرو بن أبي المقدام، قال: سمعت أبا جعفر الباقر عليه السلام يقول: من قرأ آية الكرسي مرة، صرف الله عنه ألف مكروه من مكروه الدنيا وألف مكروه من مكروه الآخرة،

______________

(١) مناقب ابن شهر آشوب ٣: ٢٢١، فرائد السمطين ١: ٣٠٢/٢٤١، كفاية الطالب: ٨٢، كشف الغمة ١: ١٠٩، بحار الانوار ٣٩: ٣١١/١.

(٢) ثواب الاعمال: ٤٠، بحار الانوار ٩١: ١٧١/٢، ٣.

(٣) بحار الانوار ٨٧: ١/١.

(٤) الخصال: ٢٠/٧١، بحار الانوار ٧١: ٤١٦/٣٨.

١٥٨

أيسر مكروه الدنيا الفقر، وأيسر مكروه الآخرة عذاب القبر(١) ؟

١٥٦/٧ - حدّثنا عليّ بن الحسين بن شاذويه المؤدب رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن عبدالله بن جعفر بن جامع الحميري، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد، عن أبيه عن محمّد بن أبي عمير، عن سيف بن عميرة، عن مدرك بن الهزهاز، قال: قال الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: يا مدرك، رحم الله عبدا اجتر مودة الناس إلينا، فحدثهم بما يعرفون، وترك ما ينكرون(٢) .

١٥٧/٨ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدثني عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: إن داود عليه السلام خرج ذات يوم يقرأ الزبور، وكان إذا قرأ الزبور لا يبقى جبل ولا حجر ولا طائر ولا سبع إلا جاوبه، فما زال يمر حتى انتهى إلى جبل، فإذا على ذلك الجبل نبي عابد، يقال له: حزقيل، فلما سمع دوي الجبال وأصوات السباع والطير، علم أنه داود عليه السلام، فقال داود: يا حزقيل، أتأذن لي فأصعد إليك. قال: لا. فبكى داود عليه السلام، فأوحى الله جل جلاله إليه: يا حزقيل: لا تعير داود، وسلني العافية، فقام حزقيل، فأخذ بيد داود فرفعه إليه، فقال داود: يا حزقيل: هل هممت بخطيئة قط؟ قال: لا. قال: فهل دخلك العجب مما أنت فيه من عبادة الله عزّوجلّ؟ قال: لا. قال: فهل ركنت إلى الدنيا فأحببت أن تأخذ من شهوتها ولذتها؟ قال: بلى، ربما عرض بقلبي. قال: فماذا تصنع إذا كان ذلك؟ قال: ادخل هذا الشعب فأعتبر بما فيه.

قال: فدخل داود عليه السلام ذلك الشعب، فإذا سرير من حديد، عليه جمجمة بالية وعظام فانية، وإذا لوح من حديد فيه كتابة، فقرأها داود عليه السلام فإذا هي: أنا أروى شلم(٣) ، ملكت ألف سنة، وبنيت ألف مدينة، وافتضضت ألف بكر، فكان آخر

______________

(١) بحار الانوار ٩٢: ٢٦٢/١.

(٢) الخصال: ٢٥/٨٩، بحار الانوار ٢: ٦٥/٤.

(٣) في نسخة: سلم، وفي اخرى: بن أسلم.

١٥٩

أمري أن صار التراب فراشي، والحجارة وسادتي، والديدان والحيات جيراني، فمن رآني فلا يغتر بالدنيا(١) .

١٥٨/٩ - حدّثنا أحمد بن زياد رضي الله عنه، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، قال: حدّثنا أبوأحمد محمّد بن زياد الازدي، عن أبان بن عثمان وغيره، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: من ختم صيامه بقول صالح أو عمل صالح، تقبل الله منه صيامه. فقيل له: يا بن رسول الله، ما القول الصالح؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله، والعمل الصالح: إخراج الفطرة(٢) .

١٥٩/١٠ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رحمه الله، قال: أخبرني أحمد ابن محمّد الهمداني، قال: أخبرنا المنذر بن محمّد، قال: حدّثنا إسماعيل بن عبدالله الكوفي، عن أبيه، عن عبدالله بن الفضل الهاشمي، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، قال: خطب أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام الناس يوم الفطر، فقال: أيها الناس، إن يومكم هذا يوم يثاب فيه المحسنون، ويخسر فيه المسيئون، وهو أشبه يوم بيوم قيامتكم، فاذكروا بخروجكم من منازلكم إلى مصلاكم خروجكم من الاجداث إلى ربكم، واذكروا بوقوفكم في مصلاكم وقوفكم بين يدي ربكم، واذكروا برجوعكم إلى منازلكم رجوعكم إلى منازلكم في الجنة أو النار، واعلموا - عباد الله - أن أدنى ما للصائمين والصائمات أن يناديهم ملك في آخر يوم من شهر رمضان: ابشروا عباد الله، فقد غفر لكم ما سلف من ذنوبكم، فانظروا كيف تكونون فيما تستأنفون(٣) .

١٦٠/١١ - وقال الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام لبعض أصحابه: إذا كان ليلة الفطر، فصل المغرب ثلاثا، ثم اسجد وقل في سجودك، يا ذا الطول، يا ذا الحول،

______________

(١) كمال الدين: ٥٢٤/٦، بحار الانوار ١٤: ٢٥/٣.

(٢) التوحيد: ٢٢/١٦، معاني الاخبار: ٣٢٥/١، بحار الانوار ٩٦: ١٠٣/١، و ٣١٣/٨، وتقدم في المجلس (١٣) الحديث (٦).

(٣) بحار الانوار ٩٠: ٣٦٢/١٣.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

قوله:

الحديث السادس: وهو ما رواه الإماميّة

أقول:

إنّ الإماميّة يروون حديث التشبيه، في كتبهم في الأخبار والمناقب، بطرقٍ وألفاظٍ مختلفة، وهم غير محتاجين إلى رواية غيرهم، غير أنّهم يوردونه في كتبهم عن أهل السنّة أيضاً من باب الإلزام، كما هو المتّبع في قانون المناظرة:

الحديث في كتب الإماميّة

١ - قال الوزير علي بن عيسى بن أبي الفتح الإربليرحمه‌الله : « فصلٌ في مناقبه، وما أعدّ الله تعالى لمحبّيه، وذكر غزارة علمه، وكونه أقضى الأصحاب:

من مناقب الخوارزمي: عن مجاهد عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو أنّ الرياض أقلام، والبحر مداد، والجنّ حسّاب، والإنس كتّاب، ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب».

ثمّ قال بعد نقل أحاديث أخرى -:

« ومنه عن أبي الحمراء قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أراد أنْ ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى يحيى بن زكريا في

٢٤١

زهده، وإلى موسى بن عمران في بطشه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب ».

قال أحمد بن الحسين البيهقي: لم أكتبه إلّا بهذا الإسناد.

وقد روى البيهقي في كتابه المصنّف في فضائل الصحابة يرفعه بسنده إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّه قال: من اراد أنْ ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوحٍ في تقواه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب.

فقد ثبت لعليعليه‌السلام ما ثبت لهمعليهم‌السلام من هذه الصّفات المحمودة، واجتمع فيه ما تفرّد في غيره »(١) .

ترجمة الإربلي

وقد ترجم ابن شاكر الكتبي علي بن عيسى الإربلي في ( فواته ) بقوله:

« علي بن عيسى بن أبي الفتح، الصاحب، بهاء الدين، ابن الأمير فخر الدين، الإربلي، المنشيء الكاتب البارع. له شعر وترسّل، وكان رئيساً، كتب لمتولّي أربل ثمّ خدم ببغداد في ديوان الإنشاء، أيام علاء الدين صاحب الديوان، ثمّ إنّه فتر سوقه في دولة اليهود، ثمّ تراجع بعدهم وسلّم ولم ينكب، إلى أنْ مات سنة ٦٩٢.

وكان صاحب تجمّل وحشمة ومكارم أخلاق، وفيه تشيّع.

وكان أبوه والياً بأربل.

ولبهاء الدين مصنّفات أدبية، مثل المقامات الأربع، ورسالة الطيف، المشهورة، وغير ذلك. وخلَّف لمـّا مات تركة عظيمة، نحو ألفي ألف درهم،

____________________

(١). كشف الغمة في معرفة الأئمّة ١ / ١١٣ - ١١٤.

٢٤٢

تسلّمها إبنه أبو الفتح، ومَحَقها، ومات صعلوكاً »(١) .

ولابن شاكر مقام جليل لدى أهل السنّة، ولا يخفى ما لكتبه من قيمةٍ واعتبار(٢) .

٢ - وروى زين الدين محمّد بن علي بن شهرآشوب السروي المازندراني حديث التشبيه عن أحمد بن حنبل وابن بطة. كما عرفته سابقاً.

٣ - وأورد أبو الحسن يحيى بن الحسن بن البطريق الحلي -رحمه‌الله حديث التشبيه عن أبي الحسن ابن المغازلي حيث قال: « وبالإسناد قال:

أخبرنا أحمد بن محمّد بن عبدالوهّاب قال: حدّثنا الحسين بن محمّد بن الحسين العدل العلوي الواسطي قال: حدّثنا محمّد بن محمود قال: حدّثنا إبراهيم بن مهدي الابلي قال: حدّثنا إبراهيم بن سليمان بن رشيد قال: حدّثنا زيد بن عطيّة قال: حدّثنا أبان بن فيروز، عن أنس بن مالك قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أراد أن ينظر إلى علم آدم، وفقه نوح، فلينظر إلى علي بن أبي طالب »(٣) .

٤ - ونقل الشيخ الحسن بن محمّد بن علي السهمي الحلّي - طاب ثراه - حديث التشبيه عن ( وسيلة المتعبّدين ) لعمر بن محمّد بن خضر المعروف بالملّا الأردبيلي(٤) .

٥ - وأورد العلّامة الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي - طاب ثراه - في ( بحار الأنوار ) عبارة ابن شهرآشوب، التي روى فيها هذا الحديث عن أحمد وابن بطّة.

____________________

(١). فوات الوفيات ٢ / ٦٦.

(٢). انظر: الدرر الكامنة ٣ / ٤٥١، كشف الظنون: ٢٩٣، ١١٨٥، ١٢٩٢، ٢٠١٩.

(٣). عمدة عيون صحاح الأخبار: ٣٦٩.

(٤). الأنوار البدريّة في دفع شبه النواصب والقدريّة - مخطوط.

٢٤٣

فما قصده ( الدهلوي ) بهذا الكلام حيث نسب رواية الحديث إلى الإماميّة - من نفي رواية أهل السنّة إيّاه - واضح الفساد، بل إنّ الإماميّة يروونه بطرقهم، وينقلونه عن أهل السنّة أيضاً لإفحامهم.

ثمّ إنّه كان الأحرى بـ ( الدّهلوي ) أنْ ينقل جميع طرق هذا الحديث أو أكثرها، ولا أقلّ من أنْ يصرِّح بكثرة طرقه ورواته، لا أنْ يكتفي بطرقٍ واحدٍ منها.

قوله:

وفساد مبادئ هذا الإستدلال ومقدّماته من الصدر إلى الذيل ظاهر على كلّ خبير.

أقول:

زعم فساد هذا الإستدلال إنّما ينشأ ممّن فسدت مبادئ عقله بالوساوس الشيطانيّة، وإنّ العالم الخبير صاحب الفطرة المستقيمة والعقل السليم لا يصغي إلى تشكيكات ( الدهلوي ) وخرافاته الهزيلة نسأل الله الهداية إلى نهج السداد، وهو الصائن من أنْ يمتلئ الإنسان من الرأس إلى القدم بالحقد والعناد، لفضائل وصيّ شفيع الاُمم، ويتنكّب عن الطّريق الأمم.

قوله:

أوّلاً: إنّ هذا الحديث ليس من أحاديث أهل السنّة.

٢٤٤

أقول:

العجب من هذا الرجل!! أليس عبدالرزاق الصنعاني، وأحمد بن حنبل، وأبو حاتم الرازي، وابن شاهين، وابن بطّة، والحاكم النيسابوري، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي، وابن المغازلي، وشيرويه الديلمي، والسّنائي، والعطّار، وشهردار الديلمي، والخوارزمي، وأبو الخير الحاكمي، والصالحاني، وابن طلحة، والكنجي، والمحبّ الطبري، والسيّد علي الهمداني، وأمير ملّا، والشهاب الدولت آبادي الهندي، وابن الصبّاغ، وحسين الميبدي اليزدي، وعبد الرحمن الصفوري، وإبراهيم الوصّابي، وجمال الدين المحدّث، وأحمد ابن باكثير المكي، والميرزا محمّد البدخشي، ومحمّد صدر العالم، ومحمّد بن إسماعيل الأمير

أليس هؤلاء وأمثالهم الّذين رووا حديث التشبيه، من أكابر أساطين أهل السنّة، ومن مفاخرهم في كلّ عصر وزمان؟!

إن كان هؤلاء خارجين عن زمرة أهل السنّة، وداخلين في زمرة أهل الضلال والبدع، فهل يكون أبوه ( ولي الله الدهلوي ) الّذي كان باعتقاد إبنه ( الدهلوي ) آيةً من الآيات الإلهيّة ومعجزةً من المعجزات النبويّة، خارجاً عن أهل السنّة كذلك؟

وإذا كان كلّ أولئك خارجين من أهل السنّة، ومعدودين في زمرة المبتدعين والهالكين، فلا مانع منْ أن يقال ذلك في حق معاصري ( الدهلوي ) من أمثال: أحمد بن عبدالقادر العجيلي، والمولوي ولي الله بن حبيب الله اللكهنوي

وإذا كان كلّ هؤلاء خارجين، فلا شك في خروج من يمدحهم ويثني

٢٤٥

عليهم ويوثّقهم، لاشتراك العلّة والسّبب

فانحصر التسنّن في شخص ( الدّهلوي ).

ولكنّ ( الدهلوي ) أيضاً ممّن يمدح ويثني على طائفة من الأشخاص المذكورين، فيلزم أنْ يخرج هو من بين أهل السنّة، فلم يبقَ في العالم سنّي أصلاً

فبطل مذهب السنيّة، وانهدم من الرأس إلى القدم.

( وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ) .

إنكار رواية البيهقي والردُّ عليه

قوله:

وقد أورده ابن مطهّر الحلّي في كتبه، ونسبه إلى البيهقي مرّةً، وإلى البغوي أخرى، وليس في تصانيفهما أثر منه.

أقول:

رواه عن أهل السنّة جماعة من علمائنا قبل العلّامة الحلّي، كالإربلي صاحب ( كشف الغمة )، وابن شهرآشوب السروي صاحب ( مناقب آل أبي طالب ) وابن البطريق صاحب ( العمدة ) كما دريت آنفاً، فلا وجه لتخصيص إيراد الحديث بالعلّامة الحلّي إلّا تقليد الكابلي.

ولقد أورده العلّامة الحلّي عن البيهقي حيث قال في كتاب ( منهاج الكرامة في الإمامة ) في ذكر أعلمية الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام : « عن البيهقي في كتابه بإسناده عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: من أراد أنْ ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في تقواه، وإلى إبراهيم في خلّته، وإلى

٢٤٦

موسى في هيبته، وإلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب.

فأثبت له ما تفرّق فيهم ».

ورواه عن البيهقي في كتاب ( نهج الحق ) كذلك.

وهذا الحديث موجود في كتاب البيهقي بالقطع واليقين، وقد نصَّ على ذلك جماعة من أكابر أهل السنّة، أمثال:

الموفّق بن أحمد المكي أخطب خطباء خوارزم.

ومحمّد بن طلحة النصيبي الشّافعي.

ونور الدين علي ابن الصبّاغ المالكي.

والحسين الميبدي اليزدي.

والميرزا محمّد بن معتمد خان البدخشاني.

وأحمد بن عبدالقادر العجيلي الشافعي.

والميرزا محمّد البدخشاني مقبول لدى ( الدهلوي )، وقد وصفه تلميذه محمّد رشيد خان الدهلوي بأنّه من عظماء علماء أهل السنّة، فإنْ لم يثق ( الدهلوي ) وأتباعه بنقل الآخرين عن البيهقي، فلا محيص عن قبول نقل مثل البدخشاني.

فالحمد لله على ما أزاح الباطل عن نصابه، وأوضح الحق المشرق، ولزمت الحجة الكافية، والبيّنة الشافية.

عدم إنكار ابن تيميّة رواية البيهقي

وبالرغم من أنّ ( الدهلوي ) يدّعي طول الباع وسعة الإطّلاع على كتب الفريقين، فإنّه لم ير الكتب الحديثيّة ولم يعثر عليها، بل قلَّد الكابلي في نفيٍ وجود أثرٍ من حديث التشبيه في تصانيف البيهقي باليقين والجزم رجماً

٢٤٧

بالغيب فليته قال: لم أره في تصانيفه البيهقي، بأنْ يقصد: إنّي لمـّا لم أر كتب البيهقي، فلا جرم لم أعثر على هذا الحديث فيها، وأمّا النفي الواقعي والإخبار الحقيقي عن عدم وجوده في تصانيف البيهقي، فذلك كذب صريح يستبعد صدوره بالنسبة إلى الأمور الدينيّة من أجهل الناس فضلاً عن الأفاضل.

أللّهمّ إلّا أنْ يعتذر أولياء ( الدهلوي ) بأنّه نفى وجود أثر من هذا الحديث في مصنّفات البيهقي، ونفي وجود الأثر لا ينافي وجود العين!!

إنّا لا نستبعد أنْ يلتجئ أولياء ( الدهلوي ) إلى هذا العذر الواهي إنّهم يجدون أنّ ابن تيميّة الذي هو إمامهم في المكابرة والعناد وإنكار الحقائق والفضائل الثابتة لا ينكر وجود هذا الحديث في مصنّفات البيهقي، لأنّه يعلم بوجوده فيها، فيضطر إلى جرح البيهقي نفسه والقدح فيه، إنّه يقول في جواب عبارة العلّامة الحلّي المتقدّمة:

« والجواب أن يقال: أوّلاً: أين إسناد هذا الحديث؟ والبيهقي يروي في الفضائل أحاديث كثيرة ضعيفة بل موضوعة، كما جرت عادة أمثاله من أهل العلم. ويقال ثانياً: هذا الحديث كذب موضوع على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بلا ريب عند أهل العلم بالحديث، ولهذا لا يذكره أهل العلم بالحديث، وإن كانوا حريصاً على جمع فضائل علي، كالنسائي، قصد أن يجمع فضائل علي في كتابٍ سمّاه الخصائص، والترمذي قد ذكر أحاديث متعددة في فضائله، وفيها ما هو ضعيف بل موضوع، ومع هذا لم يذكروا هذا ونحوه »(١) .

فأنت ترى ابن تيمية يرمي الحديث بالضعف بل بالوضع، ويصف البيهقي وأمثاله برواية أحاديث ضعيفة بل موضوعة، فلو لم يكن العلّامة الحلّي صادقاً في عزو الحديث إلى البيهقي، لكان الردّ عليه من هذه النّاحية أقوى وأشد

____________________

(١). منهاج السنّة ٥ / ٥١٠.

٢٤٨

فابن تيميّة - هذا المتعصّب العنيد - لا ينكر وجود هذا الحديث في مصنّفات البيهقي، كما أنّه لا ينفي دلالته على أفضليّة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ولا يجعله من قبيل تشبيهات الشعراء في مدائحهم للأشخاص

لكنّ ( الدهلوي ) ينكر وجوده في مصنّفات البيهقي بل سائر كتب أهل السنّة ولو بإسنادٍ ضعيف، ويجعله من قبيل إغراقات الشعراء وتشبيهاتهم في الأشعار

والواقع الذي يذعن به كلّ منصف، ويعترف به كلّ خبير هو: صحّة هذا الحديث، وثبوت صدوره عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ووجوده في كتب أهل السنّة المعتبرة المشهورة، وفي كتب البيهقي ومصنّفاته، فدعوى إبن تيميّة ضعف هذا الحديث أو وضعه دعوى بلا دليل، والبيهقي قد التزم بأنْ لا يروي حديثاً يعلم بكونه موضوعاً، ومن هنا لم يرم العلماء ما أخرجه البيهقي بالوضع.

كلمات في وصف البيهقي وكتبه

وقول ابن تيميّة: « ولهذا لا يذكره أهل العلم بالحديث » يستشم منه الإزراء الشّديد بحقّ البيهقي

إنّه لم يصف أحدٌ البيهقي بما وصفه به إبن تيميّة، وما هذا إلّا لغرض ردّ أحاديث فضائل أهل البيت والطّعن فيها، ولنذكر شيئاً من كلمات القوم في وصف البيهقي:

١ - قد ذكرنا سابقاً أنّ صاحب ( المشكاة ) يقول في حق جماعةٍ فيهم البيهقي: « إني إذا أسندت الحديث إليهم كأني أسندت إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ».

٢٤٩

٢ - ياقوت الحموي: « وقد أخرجت هذه الكورة من لا يحصى من الفضلاء والعلماء والفقهاء والأدباء، ومع ذلك، فالغالب على أهلها مذهب الرافضة الغلاة.

ومن أشهر أئمّتهم الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين بن عبدالله بن موسى البيهقي، من أهل خسروجرد، صاحب التصانيف المشهورة، وهو الإمام الحافظ، الفقيه الأصولي، الدّين الورع، أوحد الدهر في الحفظ والإتقان، مع الدين المتين، من أجلّ أصحاب أبي عبدالله الحاكم والمكثرين عنه، ثمّ فاقه في فنونٍ من العلم تفرَّد بها، رحل إلى العراق وطوّف الآفاق، وألّف من الكتب ما يبلغ قريباً من ألف جزء، ممّا لم يسبق إلى مثله »(١) .

٣ - السمعاني: « كان إماماً فقيهاً حافظاً، جمع بين معرفة الحديث والفقه، وكان تتبّع نصوص الشافعي، وجمع كتاباً سمّاه كتاب المبسوط، وكان اُستاذه في الحديث الحاكم أبو عبدالله محمّد بن عبدالله الحافظ، وتفقّه على أبي الفتح ناصر بن محمّد العمري المروزي، وسمع الحديث الكثير، وصنّف فيه التصانيف التي لم يسبق إليها، وهي مشهورة موجودة في أيدي الناس، سمعت منها وأدركت عشرة من أصحابه الذين حدّثوني عنه.

وكانت ولادته في سنة ٣٨٤ في شعبان. ووفاته في سنة ٤٥٨ »(٢) .

٤ - ابن خلكان: « الفقيه الشافعي، الحافظ الكبير المشهور، واحد زمانه وفرد أقرانه في الفنون، من كبار أصحاب الحاكم أبي عبدالله ابن البيّع في الحديث، ثمّ الزائد عليه في أنواع العلوم وهو أوّل من جمع نصوص الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه في عشر مجلّدات وكان قانعاً من الدنيا بالقليل.

____________________

(١). معجم البلدان ١ / ٥٣٨، ٢ / ٣٧٠.

(٢). الانساب ٢ / ٣٨١.

٢٥٠

وقال إمام الحرمين في حقّه: ما من شافعي المذهب إلّا وللشّافعي عليه منّة، إلّا أحمد البيهقي فإنّ له على الشافعي منة

وكان على سيرة السّلف، وأخذ عنه الحديث جماعة من الأعيان »(١) .

٥ - الذهبي: « البيهقي هو: الحافظ، العلّامة، الثبت، الفقيه، شيخ الإسلام

قال الحافظ عبدالغافر بن إسماعيل في تاريخه: كان البيهقي على سيرة العلماء، قانعاً باليسير، متجمّلاً في زهده وورعه.

وقال أيضاً: هو أبو بكر، الفقيه الحافظ، الأصولي، الدّين والورع، واحد زمانه في الحفظ وفرد أقرانه في الإتقان والضبط، من كبار أصحاب الحاكم، ويزيد على الحاكم بأنواع من العلوم، كتب الحديث وحفظه من صباه، وتفقّه وبرع، وأخذ فن الأصول، وارتحل إلى العراق والجبال والحجاز، ثمّ صنّف، وتواليفه تقارب ألف جزء ممّا لم يسبقه إليه أحد، جمع بين علم الحديث والفقه وبيان علل الحديث ووجه الجمع بين الأحاديث، طلب منه الأئمّة الإنتقال من بيهق إلى نيسابور لسماع الكتب، فأتى في سنة ٤٤١، وعقدوا له المجلس لسماع كتاب المعرفة، وحضره الأئمّة.

قال شيخ القضاة أبو علي إسماعيل ابن البيهقي، قال أبي: حين ابتدأت بتصنيف هذا الكتاب - يعني كتاب المعرفة من السنن والآثار - وفرغت من تهذيب أجزاء منه، سمعت الفقيه محمّد بن أحمد - وهو من صالحي أصحابي وأكثرهم تلاوةً وأصدقهم لهجة - يقول: رأيت الشافعيرحمه‌الله في النوم، وبيده أجزاء هذا الكتاب وهو يقول: كتبت اليوم من كتاب الفقيه سبعة أجزاء أو قال: قرأتها، ورآه يعتد بذلك. قال: وفي صباح ذلك اليوم رأى فقيه آخر من

____________________

(١). وفيات الأعيان ١ / ٧٥.

٢٥١

إخواني الشافعيَّ قاعداً في الجامع على سرير وهو يقول: قد استفدت اليوم من كتاب الفقيه حديث كذا وكذا.

وأخبرنا أبي قال: سمعت الفقيه أبا محمّد الحسن بن أحمد السمرقندي الحافظ يقول: سمعت الفقيه محمّد بن عبدالعزيز المروزي يقول: رأيت في المنام كأنَّ تابوتاً علا في السماء يعلوه نور، فقلت: ما هذا؟ فقال: تصنيفات أحمد البيهقي.

ثمّ قال شيخ القضاة: سمعت الحكايات الثالث من الثلاثة المذكورين.

قلت: هذه الرؤيا حق، فتصانيف البيهقي عظيمة القدر، غزيرة الفوائد، قلَّ من جوّد تواليفه مثل الإمام أبي بكر، فينبغي للعالم أنْ يعتني بها، ولا سيّما سننه الكبير.

وقد قدم قبل موته بسنةٍ أو أكثر إلى نيسابور وتكاثر عليه الطلبة، وسمعوا منه كتبه، وجلبت إلى العراق والشام والنواحي، واعتنى بها الحافظ أبو القاسم الدمشقي، وسمعها من أصحاب البيهقي، ونقلها إلى دمشق هو وأبو الحسن المرادي.

وبلغنا عن إمام الحرمين أبي المعالي الجويني قال: ما من فقيهٍ شافعي إلّا وللشافعي عليه منّة إلّا أبا بكر البيهقي، فإنّ المنّة له على الشافعي، لتصانيفه في نصرة مذهبه.

قلت: أصاب أبو المعالي هكذا، ولو شاء البيهقي أنْ يعمل لنفسه مذهباً لكان قادراً على ذلك، لسعة علومه ومعرفته بالإختلاف، ولهذا تراه يلوح بنصر مسائل ممّا صحّ في الحديث ...»(١) .

٦ - أيضاً: « البيهقي الإمام الحافظ العلّامة شيخ خراسان فذكر

____________________

(١). سير أعلام النبلاء ١٨ / ١٦٣.

٢٥٢

مشايخه ومصنّفاته، وكلمات إمام الحرمين وعبد الغافر في حقّه وما نقله ولده من الرؤيا، ثمّ ذكر وفاته، ومن روى عنه(١) .

٧ - أيضاً: « البيهقي الإمام العالم وبلغت تصانيفه ألف جزءٍ، ونفع الله بها المسلمين شرقاً وغرباً، لأمانة الرجل ودينه وفضله وإتقانه. فالله يرحمه »(٢) .

٨ - اليافعي: « الإمام الكبير، الحافظ النحرير، أحمد بن الحسين، البيهقي، الفقيه الشافعي، واحد زمانه وفرد أقرانه في الفنون، من كباد أصحاب الحاكم أبي عبدالله ابن البيع في الحديث، الزائد عليه في أنواع العلوم، له مناقب شهيرة، وتصانيف كثيرة بلغت ألف جزء » ثمّ نقل ما قيل في حقّه من كلمات الثناء(٣) .

٩ - السبكي: « كان الإمام البيهقي أحد أئمة المسلمين، وهداة المؤمنين، والدعاة إلى حبل الله المتين، فقيه جليل، حافظ كبير، اُصولي نحرير، زاهد ورع، قانت لله، قائم بنصرة المذهب اصولاً وفروعاً، جبلاً من جبال العلم صار واحد زمانه، وفارس ميدانه، وأحذق المحدّثين ذهناً، وأسرعهم فهماً وأجودهم قريحةً. وبلغت تصانيفه ألف جزء، ولم يتهيّأ لأحدٍ مثلها، أمّا السنن الكبير، فما صنّف في علم الحديث مثله تهذيباً وترتيباً وجودةً، وأمّا المعرفة معرفة السنن والآثار، فلا يستغني عنه فقيه شافعي وكلّها مصنّفات لطاف، مليحة الترتيب والتهذيب، كثيرة الفائدة، يشهد من يراها من العارفين بأنّها لم يتهيّأ لأحدٍ من السابقين.

____________________

(١). تذكرة الحفّاظ ٢ / ١١٣٢.

(٢). العبر في خبر من غبر ٣ / ٢٤٢١.

(٣). مرآة الجنان - حوادث: ٤٥٨.

٢٥٣

وفي كلام شيخنا الذهبي أنّه أوّل من جمع نصوص الشافعي. وليس ذلك، بل هو آخر من جمعها، ولذلك استوعب أكثر ما في كتب السابقين، ولا أعرف أحداً بعده جمع النصوص، لأنّه سدّ الباب على مَن بعده.

وكانت إقامته ببيهق، ثمّ استدعاه والي نيسابور ليقرأ عليه كتاب المعرفة

قال عبدالغافر

قال شيخنا الذهبي

وقال إمام الحرمين

وقال شيخ القضاة أبو علي ولد البيهقي »(١) .

١٠ - إبن الأثير: « كان إماماً في الحديث والفقه »(٢) .

١١ - أبو الفداء: « كان إماماً في الحديث والفقه على مذهب الشافعي، وكان زاهداً أوحد زمانه »(٣) .

١٢ - ابن الوردي: « إمام في الحديث والفقه رحل في طلب الحديث إلى العراق والجبال والحجاز، وهو أول من جمع نصوص الشافعي في عشر مجلّدات، ومن تصانيفه قال إمام الحرمين وكان قانعاً من الدنيا بالقليل »(٤) .

١٣ - الأسنوي: « الحافظ الفقيه الأصولي، الزاهد الورع، القائم في نصرة المذهب »(٥) .

____________________

(١). طبقات الشافعية ٤ / ٨.

(٢). الكامل في التواريخ ٨ / ٣٧٧. حوادث سنة ٤٥٨ - ١٠ / ٥٢.

(٣). المختصر في أخبار البشر. حوادث سنة ٤٥٨ - ٢ / ١٥٨.

(٤). تتمة المختصر في أخبار البشر. حوادث سنة ٤٥٨ - ١ / ٥٥٩.

(٥). طبقات الشافعية ١ / ١٩٨.

٢٥٤

١٤ - ابن قاضي شهبة: « الإمام الحافظ الكبير أبو بكر البيهقي، الخسروجردي، سمع الكثير ورحل وجمع وحصّل وصنّف وكان كثير التحقيق والإنصاف، حسن التصنيف

قال عبدالغافر وقال إمام الحرمين »(١) .

١٥ - الخطيب التبريزي: « كان أوحد دهره في الحديث والتصانيف ومعرفة الفقه، وهو من كبار أصحاب الحاكم أبي عبدالله.

قالوا: سبعة من الحفاظ أحسنوا التصنيف، وعظم الانتفاع بتصانيفهم: أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني، ثمّ الحاكم أبو عبدالله النيسابوري، ثمّ أبو محمّد عبد الغني الأزدي حافظ مصر، ثمّ أبو نعيم أحمد بن عبدالله الإصفهاني، ثمّ أبو عمرو ابن عبدالبر النمري حافظ أهل المغرب، ثمّ أبو بكر أحمد بن حسين البيهقي، ثمّ أبو بكر أحمد الخطيب البغدادي »(٢) .

١٦ - السيوطي: « البيهقي الإمام الحافظ العلامة، شيخ خراسان لزم الحاكم وتخرّج به، وأكثر منه جدّاً، وهو من كبار أصحابه، بل زاد عليه بأنواعٍ من العلوم، كثير الحديث وحفظه من صباه، برعٍ وأخذ في الأصول وانفرد بالإتقان والضبط والحفظ، ورحل وعمل كتباً لم يسبق إليها وبورك له في علمه، لحسن قصده وقوّة فهمه وحفظه، وكان على سيرة العلماء، قانعاً باليسير، مات في عاشر جمادى الأولى ٤٥٥ بنيسابور، ونقل في تابوت إلى بيهق مسيرة يومين »(٣) .

____________________

(١). طبقات الشافعية ١ / ٢٢٦.

(٢). الإكمال في أسماء الرجال - ط مع المشكاة.

(٣). طبقات الحفّاظ: ٤٣٣.

٢٥٥

أقول:

وهكذا تجد الثناء عليه وعلى مصنفاته في غير هذه الكتب، فراجع مثلاً: ( فيض القدير ) و ( المرقاة ) و ( شرح المواهب اللدنيّة ) و ( مقاليد الأسانيد ) و ( التاج المكلّل ) وغيرها، ولولا خوف الإطالة لأوردنا كلّ ذلك، ولكنّا حاولنا الإختصار بقدر الإمكان.

وعلى الجملة، فإنّك إذا وضعت يدك على أيّ كتابٍ ترجم فيه للبيهقي، فلا تجد إلّا الثناء عليه وعلى سائر آثاره ومصنّفاته، فكلّهم يصفونه بالحفظ والإتقان والإمامة والديانة والورع وأمثال ذلك من الأوصاف الحميدة، ويصفون مصنّفاته بالجودة والتهذيب والإعتبار وقد رأيت كيف أقبل حفّاظ عصره والمتأخّرون عنه على مصنّفاته وتناقلوها وسمعوها وناهيك بالرؤيا التي رآها أحد معاصريه من الأعلام، تلك الرؤيا الّتي قال الذّهبي وغيره « هي حق »

أقول:

فثبت أنّ البيهقي لا يروي في الفضائل الأحاديث الضعيفة بل الموضوعة كما زعم إبن تيميّة، ولكن الحقيقة هي أن من يروي شيئاً من مناقب عليعليه‌السلام يتّهم بأنواع التّهم وإن وافقه في روايته الجمّ الغفير والجمع الكثير من الأعلام والمشاهير، كما هو الشأن في حديث التشبيه الّذي رواه من أعلام القوم من عرفت، وأخرجه عبدالرزاق بسندٍ صحيح. هذا، ولا يخفى التناقض الموجود في كلام ابن تيميّة، فإنّه بعد أن أخرج البيهقي من زمرة أهل العلم بالحديث لروايته هذا الحديث الموضوع بزعمه، ذكر أنّ أهل العلم بالحديث لا

٢٥٦

يذكرونه لكونه موضوعاً، وصرّح منهم باسم النسائي والترمذي، ومعنى كلامه هنا أنّ كتابيهما مجرّدان عن الأحاديث الضعيفة والموضوعة. لكنّه يعلم بوجود بعض المناقب فيهما، فحمله تعصّبه على أنْ يناقض نفسه فيدّعي وجود ما هو ضعيف بل هو موضوع في كتابيهما أيضاً. فالعياذ بالله من التعصّب والعناد.

كما ثبت أنّ حديث التشبيه من الأحاديث التي أخرجها البيهقي، فلا شك في صحة نسبة العلّامة الحلّي رواية الحديث إليه.

فظهر بطلان ما ذكره ( الدهلوي ) تبعاً للكابلي.

ولقد تبع القاضي ثناء الله الهندي أيضاً الكابلي في هذه الدعوى، فأنكر وجود الحديث في كتب البيهقي، حيث قال بعد أن ذكره في ( السيف المسلول ):

« والجواب: إنّ هذا الحديث ليس من أحاديث أهل السنّة، وقد أورده ابن المطهّر الحلّي في كتبه، فعزاه تارةً إلى البيهقي وأخرى إلى البغوي. وهو غير موجود في كتبهما ».

وقد عرفت كذب هذه الدعوى. والحمد لله.

غلط القوم في فهم عبارة العلّامة الحلّي

وأمّا دعوى ( الدهلوي ) عزو العلّامة الحلّيقدس‌سره حديث التشبيه إلى البغوي، فهي ناشئة من سوء الفهم وإنّ أوّل من وقع في هذا الإشتباه والغلط هو ( الفضل بن روزبهان ) صاحب الردّ على ( نهج الحق ) للعلّامة الحلّي، ثمّ تبعه على ذلك ( الكابلي ) صاحب الصواقع، ثمّ ( الدهلوي ) و ( القاضي ثناء الله الهندي ).

ولكي تتّضح حقيقة الأمر ننقل نصّ عبارة العلّامة الحلّي طاب ثراه في ( نهج الحق وكشف الصدق ) فإنّه قال: « المطلب الثاني: العلم. والناس كلّهم -

٢٥٧

بلا خلاف - عيال عليعليه‌السلام ، في المعارف الحقيقيّة والعلوم اليقينيّة والأحكام الشرعيّة والقضايا النقليّة، لأنّهعليه‌السلام كان في غاية الذكاء والحرص على التعلّم، وملازمته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو أشفق الناس عليه، لا ينفكّ عنه ليلاً ونهاراً، فيكون بالضرورة أعلم من غيره.

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقّه: أقضاكم علي. والقضاء يستلزم العلم والدين.

وروى الترمذي في صحيحه: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها.

وذكر البغوي في الصحاح: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أنا دار الحكمة وعلي بابها.

وفيه عن أبي الحمراء قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أراد أنْ ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى يحيى بن زكريا في زهده، وإلى موسى بن عمران في بطشه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب.

وروى البيهقي بإسناده إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أراد أنْ ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في تقواه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب ».

هذا نصّ عبارة العلامة ابن المطهّر الحلّي، وليس فيها تصريح ولا تلويح بنسبته الحديث إلى البغوي، وهم قد توهّموا ذلك من قوله « وفيه عن أبي الحمراء » جاعلين ( البغوي ) مرجع الضمير، ولم يلتفتوا إلى أنّ مرجع الضمير هو ( عليعليه‌السلام ) كما أنّه مرجع الضمير في كلمة « في حقه ».

وحديث أبي الحمراء هذا هو الحديث الذي رواه القوم في كتبهم، كالخوارزمي في ( المناقب )، ونقله عن الخوارزمي الشيخ الإربليرحمه‌الله في ( كشف الغمة ).

٢٥٨

هذا كلّه في دفع هذا التوهّم، ولا بأس بإيراد بعض كلمات القوم في الثناء على العلّامة الحلّي.

ترجمة العلّامة ابن المطهّر الحلّي

فإنّ العلّامة الحلّي -رحمه‌الله - موصوف في كلمات بعض رجالات العلم من أهل السنّة بالأوصاف الحميدة والألقاب الفائقة:

[ ١ ] - قال أكمل الدين محمّد بن محمود البابرتي الحنفي في كتاب ( نقود وردود ): « أمّا بعد، فلمّا كان توقّف استنباط الأحكام الشرعية من مسالكها، واستخراج الأوامر السمعيّة من مداركها، على معرفة الصانع والتصديق بصفاته، والنظر في أمر النبوّة وتحقيق معجزاته، وكان علم الكلام هو المتكفّل بهذا المرام، لا جرم بعد الفراغ من كتاب الكواشف البرهانيّة في شرح المواقف السلطانية اشتغلت بعلم اُصول الفقهيات ومدارك الفرعيات، الّذي هو العروة الوثقى للطالب المستمسك والسّعادة العظمى للراغب المتمسّك، ما استضاء بنوره ذو رويّة إلّا أصاب واهتدى، وما استنار بضوءه ذو بصيرة إلّا فاز وارتقى.

وكان خير الكتب المؤلّفة فيه عند أصحاب هذا العلم وذويه ( منتهى السئول والأمل ) الّذي صنفه الإمام العلّامة الشيخ جمال الدين أبو عمرو ابن الحاجب، بلّغه الله أعلى المراتب - في علم الأصول والجدل، ولهذا صار مشتهراً في مشارق الأرض ومغاربها كالشمس في وسط النهار، مستهتراً إليه أصحاب الفقهاء الأربعة وأرباب مذاهبها، استهتاراً أيّ استهتار.

وخير شروحها المشهورة شهرة المتن، جامعاً للضروريات ولخاصيات الفن: الشرح الّذي لأستاذي وأستاذ الكلّ في الكلّ، الإمام ابن الإمام ابن الإمام، أفضل علماء الإسلام، عضد الملّة والدين، عبدالرحمن الصديقي،

٢٥٩

الّذي أعلى الله بكلمته كلمة الدين، وعضد به الإيمان والمؤمنين، جزاه الله أفضل مجازاته، رافعاً في أعلى عليّين درجاته، إذ هو ملازم لتفسير نصوصه، محقّقاً لدقائقه، مداوم على تقرير فصوصه، مدقّقاً لحقائقه، كاشف مخبيّات مشكلاته، مصحّحاً لمقاصده، مشيراً إلى مكنيّات مفصّلاته، منقّحاً لفرائده، حتّى صار كتابه مجموعاً مستحقاً لأن يكون على الرأس محمولاً وعلى العين موضوعاً. فيالها من المناقب، ما أحسن مناصبه بين المناصب، وما يعرفه إلّا من حقّق كلام غيره تحقيقاً، وجرى في ميدانه أشواطاً وعرق فيه تعريقاً، وهو مليّ كثير البضاعة طويل الباع في هذه الصناعة: إنّما يعرف ذا الفضل من الناس ذووه.

وقد وقع إليّ من الشروح عشرة أخرى، حريّة بأنْ تكتب على الأحداق، بل أحرى، أشهرها السبعة السّيارة في الآفاق، المنسوبة إلى أكابر الفضلاء بالإستحقاق: المولى الأعظم شيخ الدنيا قطب الدين الشيرازي قدّس نفسه. والمولى السيّد ركن الدين الموصلي روّح رمسه. والمولى الشيخ جمال الدين الحلّي طابت تربته. والمولى القدوة زين الدين الخنجي زيدت درجته. والمولى العلّامة شمس الدين الإصفهاني نوّر الله مضجعه. والمولى الأفضل بدر الدين التستري عطّر مهجعه. والمولى الأعلم شمس الدين الخطيبي طيّب مريعه. المذكور أسماء هؤلاء العلماء الكرام البررة المعظَّمة على ترتيب وجود الشروح التي كأنّها صحف مكرّمة.

واتّفق لي قراءته على مؤلّفه مرةً والإستماع عنه اُخرى، مقتبساً من أشعة أنوار فوائده بمقدار مقدرتي القصرى، فرأيته وإنْ كان شرحاً - كتاباً مستقلّاً، وإنْ جعل فرعاً كان أصلاً أصيلاً، يحتاج ألفاظه في جلّها لا بل كلّها إلى حلّها، ممّا يزيل من مسالك شعابه صعابها، ويكشف عن وجوه فرائده

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449