نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٩

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار17%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 449

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 449 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 203631 / تحميل: 6931
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٩

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

في السَّلَم عندنا ، وإذا فعل ذلك ، صحّ البيع في قول أكثر العلماء(١) ؛ لانتفاء الجهالة بذكر الأوصاف ، فصحّ ، كالسَّلَم.

وعن أحمد والشافعي وجهان ، أحدهما : أنّه لا يصحّ حتى يراه ؛ لأنّ الصفة لا تحصل بها معرفة المبيع ، فلم يصحّ البيع بها(٢) .

ويمنع عدم المعرفة مع ذكر الأوصاف.

أمّا ما لا يصحّ السَّلَم فيه فلا يصحّ بيعه بالصفة ؛ لعدم ضبطه.

فروع :

أ - إذا وصفه ووجده على الصفة ، لم يكن له الفسخ ، عند علمائنا أجمع - وبه قال محمّد بن سيرين وأحمد وأيّوب ومالك والعنبري وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر(٣) - لأنّه سلم له المعقود بصفاته ، فلم يكن له خيار ، كالمسلم فيه. ولأنّه مبيع موصوف ، فلم يكن للعاقد فيه الخيار في جميع الأحوال ، كالسَّلَم.

وقال الثوري وأصحاب الرأي : له الخيار بكلّ حالٍ ؛ لأنّه يسمّى خيار الرؤية(٤) .

وللشافعيّة وجهان(٥) ، كالمذهبين.

____________________

(١) المغني ٤ : ٨٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩.

(٢) المغني ٤ : ٨٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٩ ، المجموع ٩ : ٢٩١.

(٣) المغني ٤ : ٨٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٠ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٩ ، المدوّنة الكبرى ٤ : ٢٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٢.

(٤) المغني ٤ : ٨٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٠.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧١ ، المجموع ٩ : ٢٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢ ، المغني ٤ : ٨٥ - ٨٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٠.

٦١

و [ له ](١) خيار الرؤية إذا لم يجده على الوصف.

ب - لو وجده بخلاف الوصف ، فله الخيار قولاً واحداً ، ويسمّى خيار الخلف في الصفة ؛ لأنّه وجد الموصوف بخلاف الصفة ، فلم يلزمه ، كالسّلم.

ج - لو اختلفا فقال البائع : لم تختلف صفته. وقال المشتري : قد اختلفت ، قدّم قول المشتري؛ لأصالة براءة ذمّته من الثمن ، فلا يلزمه ما لم يقرّ به أو يثبت بالبيّنة.

مسألة ٣٤ : يصحّ بيع الغائب إذا كانا قد شاهداه ولا يتطرّق إليه التغيير غالباً‌ ، كالأرض وأواني الحديد ، أو كان ممّا لا يتغيّر في المدّة المتخلّلة بين الرؤية والعقد ، ذهب إليه علماؤنا - وهو قول عامّة العلماء(٢) - لوجود المقتضي - وهو العقد - خالياً عن مفسدة الجهالة ، فيثبت الحكم ، كما لو شاهداه حالة العقد ؛ إذ الشرط العلمُ ، ولا يحصل بالمشاهدة زيادة فيه.

وللشافعي قول آخر : إنّه لا يصحّ ، واشترط مقارنة الرؤية للعقد - وهو رواية اُخرى عن أحمد ، وهو محكي عن الحكم وحمّاد - لأنّ ما كان شرطاً في صحّة العقد يجب أن يكون موجوداً حال العقد ، كالقدرة على التسليم(٣) .

والجواب : القول بالموجب ؛ فإنّ الشرط العلمُ ، وهو ثابت حال العقد.

وينتقض بما لو شاهدا داراً ووقفا في بيت منها وتبايعا ، أو أرضاً

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : كونه. والصحيح ما أثبتناه.

(٢) المغني ٤ : ٨٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٠.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧١ ، المجموع ٩ : ٢٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٥ ، المغني ٤ : ٨٩ - ٩٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٠.

٦٢

ووقفا في طرفها ، صحّ إجماعاً مع عدم المشاهدة للكلّ في الحال.

فروع :

أ - لو رآه وقد تغيّر عمّا كان ، لم يتبيّن بطلان البيع‌ - وهو أصحّ وجهي الشافعي(١) - لكن للمشتري الخيار. وإن لم يتغيّر ، لزم البيع قولاً واحداً.

ب - لو كان المبيع ممّا يتغيّر في مثل تلك المدّة غالباً ، لم يصحّ البيع ؛ لأنّه مجهول ، وبه قال الشافعي وأحمد(٢) .

وإن احتمل التغيّر وعدمه أو كان حيواناً ، فالأقرب عندي : جواز بيعه - وهو أصحّ وجهي الشافعي(٣) - لأنّ الظاهر بقاؤه بحاله ، ولم يعارضه ظاهر غيره. فإن وجده متغيّراً ، فله الخيار.

ويقدّم قول المشتري لو ادّعى التغيّر ؛ لأنّ البائع يدّعي عليه الاطّلاع على المبيع على هذه الصفة والرضا به ، والمشتري ينكره ، وهو أحد قولي الشافعي(٤) .

وأضعفهما : تقديم قول البائع ؛ لأصالة عدم التغيّر واستمرار العقد(٥) .

وفي أضعف وجهي الشافعي : بطلان البيع ؛ لما فيه من الغرر(٦) .

____________________

(١) المجموع ٩ : ٢٩٦ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٨٨ - ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٥.

(٢) الحاوي الكبير ٥ : ٢٦ ، المجموع ٩ : ٢٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٥ ، المغني ، ٤ : ٩٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٣١ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٩.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧١ ، المجموع ٩ : ٢٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧ ، وانظر : الحاوي الكبير ٥ : ٢٦.

(٤ و ٥ ) الحاوي الكبير ٥ : ٢٧ ، المجموع ٩ : ٢٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٥.

(٦) اُنظر : المصادر في الهامش (٣).

٦٣

ج - لو شاهده أحدهما دون الآخر ، ثبت الخيار للآخر مع الوصف عندنا ، ومطلقاً عند مَنْ جوّز بيع الغائب(١) .

مسألة ٣٥ : البيع بالصفة نوعان :

بيع عينٍ معيّنة ، كقوله : بعتك عبدي التركي ، ويذكر صفاته ، فيصحّ العقد عليه ، وينفسخ بردّه على البائع ، وتلفه قبل قبضه ؛ لكون المعقود عليه معيّناً ، فيزول العقد بزوال محلّه. ويجوز التفرّق قبل قبض ثمنه وقبضه ، كبيع الحاضر.

وبيع موصوفٍ غير معيّن ، مثل : بعتك عبداً تركيّاً ، ويستقصي في الوصف كالسَّلَم ، فإن سلّم إليه غير ما وُصف فردّه أو على ما وصف فأبدله ، لم يفسد العقد ؛ إذ لم يقع على عين هذا فلا ينفسخ بردّه ، كالسَّلَم.

وهل يجب قبض الثمن أو المبيع قبل التفرّق؟ الوجه : المنع.

وقال الشافعي وأحمد : لا يجوز التفرّق قبل قبض أحد العوضين ، كالسَّلَم(٢) .

ونمنع المساواة ؛ لأنّه بيع الحالّ ، فأشبه بيع العين.

مسألة ٣٦ : لا يصحّ بيع اللبن في الضرع ، عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي وإسحاق وأحمد ، ونهى عنه ابن عباس وأبو هريرة ، وكرهه طاوُس ومجاهد(٣) - لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى أن يباع صوفٌ على ظهرٍ أو لبنٌ‌

____________________

(١) اُنظر : المغني ٤ : ٨٢ ، والشرح الكبير ٤ : ٢٩.

(٢) المغني ٤ : ٨٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٠.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٣ ، المجموع ٩ : ٣٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٨٨ ، حلية العلماء ٤ : ١١٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٣٢ ، الوجيز ١ : ١٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٩ ، المغني ٤ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣١ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٨.

٦٤

في ضرعٍ(١) .

وسأله سماعة عن اللبن يشترى وهو في الضرع ، قال : « لا »(٢) والظاهر أنّ المسؤول الصادقُعليه‌السلام .

ولجهالة قدره ووصفه. ولأنّه يحدث شيئاً فشيئاً.

وقال مالك : إذا عرفا قدر الحلاب في كلّ دفعة ، صحّ وإن باعه أيّاماً معلومة(٣) .

وأجازه الحسن وسعيد بن جبير ومحمّد بن مسلمة(٤) ، كلبن الظئر(٥) .

والحاجة فارقة.

تذنيب : سوّغ الشيخ بيع اللبن في الضرع إذا ضمّ إليه ما يحتلب منه مع مشاهدة المحلوب‌(٦) ؛ لقول سماعة : « إلّا أن يحلب في سُكُرُّجَة(٧) فيقول : أشتري منك هذا اللبن في السُّكُرُّجَة وما في ضرعها(٨) بثمن مسمّى ، فإن لم يكن في الضرع(٩) شي‌ء ، كان ما في السُّكُرُّجة »(١٠) .

____________________

(١) سنن الدار قطني ٣ : ١٤ / ٤٠ - ٤٢ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤٠ ، المغني ٤ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣١.

(٢) الكافي ٥ : ١٩٤ / ٦ ، الفقيه ٣ : ١٤١ / ٦٢٠ ، التهذيب ٧ : ١٢٣ / ٥٣٨ ، الاستبصار ٣ : ١٠٤ / ٣٦٤.

(٣) المغني ٤ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣١ ، حلية العلماء ٤ : ١١٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٩.

(٤) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : محمّد بن مسلم. والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

(٥) المغني ٤ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣١.

(٦) النهاية : ٤٠٠.

(٧) سُكُرُّجَة : إناء صغير يؤكل فيه الشيء القليل من الاُدْم. لسان العرب ٢ : ٢٩٩ « سكرج ».

(٨ و ٩) فيما عدا الاستبصار : « ضروعها الضروع ».

(١٠) اُنظر : المصادر في الهامش (٢).

٦٥

والأشهر عندنا : البطلان ؛ إذ ضمّ المعلوم إلى المجهول لا يصيّره معلوماً.

مسألة ٣٧ : اختلف علماؤنا في بيع الصوف على ظهور الغنم‌ ، والأشهر : المنع - وبه قال أبو حنيفة والشافعي ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد(١) - لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى أن يباع صوف على ظهر(٢) .

ولأنّه متّصل بالحيوان ، فلم يجز إفراده بالعقد ، كأعضائه.

وقال بعض(٣) علمائنا بالجواز - وبه قال مالك والليث بن سعد ، وهو رواية اُخرى عن أحمد(٤) - وهو الأقوى عندي ؛ لما رواه إبراهيم الكرخي ، قال : قلت للصادقعليه‌السلام : ما تقول في رجل اشترى من رجل أصواف مائة نَعْجة وما في بطونها من حملٍ بكذا وكذا درهماً؟ قال : « لا بأس بذلك إن لم يكن في بطونها حمل كان رأس ماله في الصوف »(٥) وهو يدلّ على المطلوب ؛ لأنّ ضمّ المجهول إلى مثله لا يؤثّر في العلم ، فبقي أن يكون الصوف مقصوداً بالذات والحمل بالعرض.

ولأنّه مبيع مملوك مشاهد يجوز بيعه بعد تناوله ، فجاز بيعه قبل‌

____________________

(١) بدائع الصنائع ٥ : ١٦٨ ، مختصر المزني : ٨٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٣٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٣ ، المجموع ٩ : ٣٢٧ و ٣٢٨ ، روضة الطالبين ٣ :٤٠ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٨٨ ، حلية العلماء ٤ : ١١٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٠ ، المغني ٤ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٢ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٨.

(٢) سنن الدار قطني ٣ : ١٤ / ٤٠ - ٤٢ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤٠.

(٣) اُنظر : المقنعة : ٦٠٩ ، والسرائر : ٢٣٢ - ٢٣٣.

(٤) المغني ٤ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٢ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٨ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٣٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٠ ، المجموع ٩ : ٣٢٨.

(٥) الكافي ٥ : ١٩٤ / ٨ ، الفقيه ٣ : ١٤٦ / ٦٤٢ ، التهذيب ٧ : ١٢٣ - ١٢٤ / ٥٣٩.

٦٦

تناوله ، كالثمار. ولوجود المقتضي وعدم المانع - وهو الجهالة - كالرطبة ، بخلاف الأعضاء ؛ لتعذّر تسليمها مع سلامة الحيوان.

ولا فرق بين بيعه قبل التذكية وبعدها ، خلافاً للشافعي ؛ لعدم الإيلام حينئذٍ(١) .

مسألة ٣٨ : لا يجوز بيع الملاقيح - وهي ما في بطون الاُمّهات - ولا المضامين‌ - وهي ما في أصلاب الفحول - جمع ملقوح ، يقال : لقحت الناقة والولد ملقوح به ، إلّا أنّهم استعملوه بحذف الجارّ. وقيل : جمع ملقوحة من قولهم : لقحتْ ، كالمجنون من جُنَّ. وجمع مضمون ، يقال : ضمن الشي‌ء ، أي : تضمّنه واستسرّه. ومنهم مَنْ عَكَس التفسيرين.

ولا نعرف خلافاً بين العلماء في فساد هذين البيعين ؛ للجهالة ، وعدم القدرة على التسليم ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيع الملاقيح والمضامين(٢) ، ولا خلاف فيه.

تذنيب : لو باع الحمل مع اُمّه ، جاز إجماعاً‌ ، سواء كان في الآدمي أو غيره.

ولو ضمّ الحمل إلى الصوف ، قال الشيخ : يجوز(٣) ، كما لو ضمّ إلى الاُمّ.

ولقول الصادقعليه‌السلام وقد سُئل عن ذلك : « لا بأس بذلك إن لم يكن في بطونها حملٌ كان رأس ماله في الصوف »(٤) .

____________________

(١) المجموع ٩ : ٣٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٠.

(٢) المعجم الكبير - للطبراني - ١١ : ٢٣٠ / ١١٥٨١.

(٣) النهاية : ٤٠٠.

(٤) الكافي ٥ : ١٩٤ / ٨ ، الفقيه ٣ : ١٤٦ / ٦٤٢ ، التهذيب ٧ : ١٢٣ - ١٢٤ / ٥٣٩.

٦٧

وفيه إشكال أقربه : الجواز إن كان الحمل تابعاً للمقصود ، وإلّا فلا.

مسألة ٣٩ : يحرم بيع عسيب الفحل - وهو نطفته‌ - لأنّه غير متقوّم ولا معلوم ولا مقدور عليه. ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عنه(١) .

أمّا إجارة الفحل للضراب فعندنا مكروهة وليست محرّمةً - وهو أضعف وجهي الشافعي ، وبه قال مالك(٢) - لأنّها منفعة مقصودة يحتاج إليها في كلّ وقت ، فلو لم يجز الإجارة فيها ، تعذّر تحصيلها ؛ لعدم وجوب البذل على المالك.

وقال أبو حنيفة والشافعي في أصحّ وجهيه ، وأحمد : إنّها محرّمة ؛ لأنّهعليه‌السلام نهى عن عسيب الفحل(٣) .

ولأنّه لا يقدر على تسليمه ، فأشبه إجارة الآبق. ولأنّه متعلّق باختيار الفحل وشهوته. ولأنّ القصد هو الماء ، وهو ممّا لا يجوز إفراده بالبيع(٤) .

ونحن نقول بموجب النهي ؛ لتناوله البيع ، أو التنزيه. ونمنع انتفاء القدرة ، والعقد وقع على الإنزاء ، والماء تابع ، كالظئر.

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٦٧ / ٣٤٢٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٧٢ / ١٢٧٣ ، سنن النسائي ٧ : ٣١٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٣٩ ، سنن الدار قطني ٣ : ٤٧ / ١٩٥ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٤٢ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٧ : ١٤٥ / ٢٦٨٢.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٠١ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ١٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٢ ، منهاج الطالبين : ٩٧ ، حلية العلماء ٤ : ١٢٢ ، و ٥ : ٣٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠١ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٢٤ ، المغني ٤ : ٣٠٠.

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في الهامش (١).

(٤) المغني ٤ : ٣٠٠ ، و ٦ : ١٤٨ ، الشرح الكبير ٦ : ٤٤ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٧٠ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٢٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٠١ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ١٢٣ ، حلية العلماء ٤ : ١٢٠ ، و ٥ : ٣٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٢.

٦٨

فروع :

أ - الإنزاء غير مكروه ، والنهي غير متوجّه إلى الضراب ، بل إلى العوض عليه ، وقد سُئل الرضاعليه‌السلام عن الحُمُر(١) تنزيها على الرَّمَك(٢) لتنتج البغال أيحلّ ذلك؟ قال : « نعم أنزها »(٣) .

ب - إذا استأجر للضراب ، فالوجه : عدم الاستحقاق إلّا مع إنزال الماء في فرج الدابّة ؛ لأنّه وإن كان تابعاً لكنّه المقصود ، كالاستئجار على الإرضاع.

ج - حرَّم أحمد أخذَ الاُجرة على الضراب دون إعطائها ؛ لأنّه بذل ماله لتحصيل مباح يحتاج إليه(٤) .

وليس بجيّد ؛ إذ تسويغ الإعطاء يستلزم تسويغ الأخذ.

د - لو اُعطي صاحب الفحل هديّةً أو كرامةً من غير إجارة ، جاز ، وبه قال الشافعي وأحمد(٥) ، وهو ظاهرٌ على مذهبنا ؛ لأنّه سبب مباح ، فجاز أخذ الهديّة عليه.

وعن أحمد رواية بالمنع(٦) .

ه - نهى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن حَبَل الحَبَلة(٧) .

____________________

(١) في المصدر : الحمير.

(٢) الرَّمَكة : الفرس والبِرْذَوْنَة التي تتّخذ للنسل ، والجمع : رَمَك. لسان العرب ١٠ : ٤٣٤ « رمك ».

(٣) التهذيب ٦ : ٣٨٤ / ١١٣٧ ، الإستبصار ٣ : ٥٧ / ١٨٥.

(٤) المغني ٤ : ٣٠٠.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٢ ، المغني ٤ : ٣٠٠ ، و ٦ : ١٤٩ ، الشرح الكبير ٦ : ٤٥.

(٦) المغني ٤ : ٣٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٢.

(٧) صحيح مسلم ٣ : ١١٥٣ / ١٥١٤ ، سنن النسائي ٧ : ٢٩٣ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤٠ ، مسند أحمد ١ : ٤٧٩ / ٢٦٤٠.

٦٩

وفُسّر بأمرين : نتاجِ النتاج ، وهو بيع حمل ما تحمله الناقة ، وجَعْلِه أجلاً كان أهل الجاهليّة يتبايعون لحم الجزور إلى حَبَل الحَبَلة.

وهو بمعنييه باطل ؛ لجهالته ، وجهالة الأجل.

مسألة ٤٠ : بيع الملامسة والمنابذة والحصاة باطل بالإجماع‌ ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن ذلك كلّه(١) .

والملامسة : أن يبيعه شيئاً ولا يشاهده على أنّه متى لمسه وقع البيع.

وهو ظاهر كلام أحمد ومالك والأوزاعي(٢) .

وله تفاسير ثلاثة :

أن يجعل اللمس بيعاً بأن يقول صاحب الثوب للراغب : إذا لمست ثوبي فهو مبيع منك بكذا.

وهو باطل ؛ لما فيه من التعليق.

وقال بعض الشافعيّة : إنّه من صُور المعاطاة(٣) .

وأن يأتي بثوب مطويّ له في ظلمة فيلمسه الراغب ، ويقول صاحب الثوب : بعتك بكذا بشرط أن يقوم لَمْسُك مقامَ النظر ، ولا خيار لك إذا رأيته. فسّره الشافعي(٤) .

قال بعض الشافعيّة : إن أبطلنا بيع الغائب ، بطل ، وإلّا صحّ تخريجاً من تصحيح شرط نفي الخيار(٥) .

____________________

(١) صحيح مسلم ٣ : ١١٥١ / ١٥١١ ، و ١١٥٣ / ١٥١٣ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٣ / ٢١٧٠ ، و ٧٣٩ / ٢١٩٤ ، سنن النسائي ٧ : ٢٥٩ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٥٣ و ٢٥٤ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤١ و ٣٤٢ ، الموطّأ ٢ : ٦٦٦ / ٧٦.

(٢) المغني ٤ : ٢٩٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٢ - ٣٣ ، بداية المجتهد ٢ : ١٤٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٣.

٧٠

وأن يبيعه على أنّه إذا لمسه وجب البيع وسقط خيار المجلس وغيره. ويبطل عنده(١) ؛ لفساد الشرط(٢) .

والوجه عندي : صحّته إن كان قد نظره.

والمنابذة قيل : أن يجعل النبذ بيعاً بأن يقول : أنبذ إليك ثوبي بعشرة ثمّ ينبذه ، ويكتفيان به بيعا. وقيل : أن يقول : بعتك كذا بكذا على أنّي إذا نبذته إليك فقد وجب البيع ، قالهما الشافعيّة(٣) .

وظاهر كلام أحمد ومالك والأوزاعي أن يقول : إذا(٤) نبذته إليّ فقد اشتريته بكذا(٥) .

وقيل : طرْحُ الرجل ثوبَه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه(٦) .

والحصاة أن يقول : ارم هذه الحصاة فعلى أيّ ثوب وقعت فهو لك بكذا.

وقيل أن يقول : بعتك من هذه الأرض مقدار ما تبلغ هذه الحصاة إذا رميتها بكذا(٧) .

وقيل : أن يقول : بعتك هذا بكذا على أنّي متى رميت هذه الحصاة وجب البيع(٨) .

ولا نعلم خلافاً في بطلان الجميع.

____________________

(١) أي : عند الشافعي.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٣.

(٣) الحاوي الكبير ٥ : ٣٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٣ و ٦٤ ، منهاج الطالبين : ٩٧.

(٤) في « ق ، ك » : « إن » بدل « إذا ». وفي المغني والشرح الكبير هكذا : أيّ ثوب نبذته

(٥) المغني ٤ : ٢٩٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٢ - ٣٣ ، بداية المجتهد ٢ : ١٤٨.

(٦) المغني ٤ : ٢٩٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٣.

(٧و٨) المغني ٤ : ٢٩٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٣.

٧١

مسألة ٤١ : يجب ذكر جنس المبيع أو مشاهدته‌ ، عند علمائنا أجمع بأن يقول : بعتك عبدي أو فرسي ، ولا يكفي أن يقول : بعتك ما في كمّي أو خزانتي أو ما ورثته من أبي ، مع جهالة المشتري - وهو أحد قولي الشافعي(١) - للجهالة.

وله آخر : الجواز ؛ لأنّ المعتبر في بيع الغائب كون المبيع متعيّناً ، والجهالة لا تزول بذكر الجنس ، فلا معنى لاشتراطه(٢) .

ولا يكفي ذكر الجنس ، بل لا بدّ من ذكر النوع بأن يقول : عبدي التركي. وهو ظاهر قول الشافعي(٣) .

ولا يكفي ذكرهما عندنا إلّا مع ذكر الصفات الرافعة للجهالة - وبه قال مالك(٤) - للجهالة معه. وهو أضعف وجهي الشافعي(٥) .

وأصحّهما - وبه قال أبو حنيفة - الاكتفاء. نعم ، لو كان له عبدان من ذلك النوع ، فلا بُدّ وأن يزيد ما يقع به التمييز(٦) .

ويشترط ذكر صفات السَّلَم لترتفع الجهالة ، وهو أحد وجهي الشافعي ، وبه قال أحمد(٧) .

وأظهرهما : الاكتفاء بمعظم الصفات(٨) .

مسألة ٤٢ : يجب العلم بالقدر‌ ، فالجهل به فيما في الذمّة ثمناً كان أو‌

____________________

(١) المجموع ٩ : ٢٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢.

(٤) بداية المجتهد ٢ : ١٤٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٤ ، حلية العلماء ٤ : ٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٢.

(٥) المجموع ٩ : ٢٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢.

(٦) الحاوي الكبير ٥ : ١٤ ، المجموع ٩ : ٢٩٢ - ٢٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٢.

(٧و٨) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٢ ، حلية العلماء ٤ : ٨٥ - ٨٦ ، المجموع ٩ : ٢٩٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢.

٧٢

مثمناً مبطل. فلو قال : بعتك مل‌ء هذا البيت حنطةً أو بزنةِ هذه الصنجة ذهباً ، لم يصحّ السَّلَم - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(١) - للغرر.

ولو قال : بعتك ثوبي هذا بما باع به فلان فرسه ، وهُما لا يعلمانه أو أحدهما ، لم يصحّ - وهو أظهر وجهي الشافعي(٢) - للجهالة.

وله آخر : الجواز ؛ لإمكان الاستكشاف(٣) .

وثالث : إن حصل العلم قبل التفرّق ، صحّ العقد(٤) .

ولو قال : بعتك بألف من الدراهم والدنانير ، بطل ؛ للجهل بقدر كلٍّ منهما ؛ إذ لا فرق بينه وبين : بعتك بألف بعضها ذهب وبعضها فضّة. وبه قال الشافعي وأحمد(٥) .

وعن أبي حنيفة أنّه يصحّ ويتساويان فيه ، كالإقرار(٦) .

ويبطل بأنّه لو فسّره بغير التسوية ، صحّ ، ولو اقتضى التسوية ، لم يصحّ.

ولو باع الثوب برقمه ، وهو الثمن المكتوب عليه ، فإن علماه(٧) ، صحّ إجماعاً ؛ لأنّه بيع بثمن معلوم قدره. وكرهه طاوُس(٨) . ولو لم يعلماه ، بطل.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧١ ، المجموع ٩ : ٣١١ ، الوجيز ١ : ١٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١ ، منهاج الطالبين : ٩٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٠٤ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٠٧.

(٤-٢) المجموع ٩ : ٣٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١ ، منهاج الطالبين : ٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١ ، المجموع ٩ : ٣٣٩ ، منهاج الطالبين : ٩٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١٠٢ / ١١٧٨.

(٦) مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١٠٢ / ١١٧٨ ، المجموع ٩ : ٣٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٨.

(٧) في الطبعة الحجريّة : علما به.

(٨) لم نعثر على قوله في مظانّه من المصادر المتفوفّرة لدينا.

٧٣

ولو قال : بعتك بمائة دينار إلّا عشرة دراهم ، لم يصحّ ، إلّا أن يعلما قيمة الدينار بالدراهم. وكذا لو قال : بعتك بدينار غير درهم ، أو : إلّا درهماً.

مسألة ٤٣ : يجب العلم بنوع الثمن من ذهبٍ أو فضّة بالدراهم‌ ، ولا يصحّ لو كان مجهولاً.

ولو أطلق وفي البلد نقد واحد يعلمانه ، انصرف الإطلاق إليه ؛ عملاً بالظاهر. وكذا لو تعدّدت وغلب أحدها وإن كان فلوساً ، إلّا أن يُعيّن غيرها.

ولو تعدّدت وتساوت ، وجب التعيين. فإن أبهم ، بطل - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(١) - للجهالة.

وكما ينصرف المطلق إلى الجنس الغالب أو المتّحد كذا ينصرف في الوصف إلى الغالب بأن تختلف النقود ، كالراضية والرضويّة وإن اتّحد النوع. وكذا الصحيح والمكسَّر. ولو لم يكن هناك غالبٌ ، وجب التعيين ، وإلّا بطل البيع - وبه قال الشافعي(٢) - لما تقدّم.

مسألة ٤٤ : لو كان لكلٍّ منهما عبد فباعاهما صفقةً واحدة بثمن واحد ، صحّ البيع ، سواء كانا متساويين في القيمة أو لا ، ويتقسّط الثمن على القيمتين - وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد والشافعي في أحد قوليه(٣) - لأنّ جملة المبيع معلومة ، والعقد وقع عليها ، فصحّ ، كما لو كانا لواحدٍ ، أو كما لو باعا عبداً واحداً لهما أو قفيزين من صُبْرة واحدة.

____________________

(١) روضة الطالبين ٣ : ٣٢ ، المجموع ٩ : ٣٢٩ ، منهاج الطالبين : ٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦ - ٤٧ ، الكتاب - بشرح اللباب - ١ : ٢٣٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢.

(٣) المغني ٤ : ٣١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٥.

٧٤

والثاني له : لا يصحّ - وهو قولٌ للشيخ(١) أيضاً - لأنّ كلّ واحد منهما مبيع بقسطه من الثمن ، وهو مجهول ، بخلاف ما لو كانا لواحدٍ ، فإنّ جملة المبيع مقابلة بجملة الثمن من غير تقسيط ، والثمن يتقسّط على العبد المشترك والقفيزين بالأجزاء ، فلا جهالة فيه(٢) .

ونحن نمنع الجهالة في المبيع ؛ إذ مقتضاه مقابلة الجملة بالجملة لا الأجزاء بالأجزاء ، ووجوب التقويم والبسط ليعرف كلّ واحد حقّه بعد البيع ، فلا يقتضي بطلانه.

مسألة ٤٥ : ذهب علماؤنا إلى أنّه لا يصحّ بيع المكيل والموزون جزافاً ؛ لأنّه غرر. ولقول الصادقعليه‌السلام : « ما كان من طعام سمّيت فيه كيلاً فلا يصلح مجازفة »(٣) .

ولإفضائه إلى التنازع لو وجب ضمانه.

ولأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيع الطعام مجازفة وهو يعلم كيله(٤) . وكذا إذا لم يعلم كيله بل هو أبلغ في المنع ، إذ الجهالة لمـّا أبطلت من أحد الطرفين كان إبطالها من الطرفين أولى.

وقال أبو حنيفة والشافعي ومالك وأحمد - ولا نعرف لهم مخالفاً من الجمهور - : إنّه يصحّ ؛ لقول ابن عمر : كُنّا نشتري الطعام من الركبان جزافاً ، فنهانا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن نبيعه حتى ننقله من مكانه. ولأنّه معلوم بالرؤية ، فصحّ بيعه ، كالثياب(٥) .

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٣٣٥ ، المسألة ١٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٥ ، المغني ٤ : ٣١٦.

(٣) التهذيب ٧ : ١٢٢ / ٥٣٠ ، الاستبصار ٣ : ١٠٢ / ٣٥٥.

(٤) أورده ابنا قدامة في المغني ٤ : ٢٤٧ ، والشرح الكبير ٤ : ٤٠.

(٥) المغني ٤ : ٢٤٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠ ، بداية المجتهد ٢ : ١٤٦.

٧٥

ونمنع الرواية ونقول بموجبها ؛ فإنّهعليه‌السلام نهاهم عن بيعها إلّا بعد نقلها ، وهو يستلزم معرفتها غالباً. والثوب غير مكيل ولا موزون.

فروع :

أ - حكم المعدود حكم الموزون والمكيل ، فلا يصحّ بيعه جزافاً ؛ لأنّه مقدار يعرف به كمّيّة المبيع ، فلا يصحّ بدونها ، كالوزن والكيل.

ب - لو تعذّر الوزن أو العدد ، كِيل [ بعضه ](١) بمكيالٍ ووُزن أو عُدَّ ، ونُسب إليه الباقي ؛ لقول الصادقعليه‌السلام - وقد سُئل عن الجوز لا يستطيع أن يعدّه فيكال بمكيالٍ ثمّ يعدّ ما فيه ثمّ يكال ما بقي على حساب ذلك من المعدود(٢) - : « لا بأس به »(٣) .

وسئلعليه‌السلام : أشتري مائة راوية زيتا فأعترض راوية أو اثنتين فأزنهما ثمّ أخذ سائره على قدر ذلك ، فقال : « لا بأس »(٤) .

ولأنّه يحصل المطلوب ، وهو العلم.

ومَنَع أحمد من ذلك.(٥) .

وقال الثوري : كان أصحابنا يكرهون هذا ؛ لاختلاف المكاييل ، فيكون في بعضها أكثر من بعض ، والجوز يختلف عدده ، فيكون في أحد المكيلين أكثر من الآخر(٦) .

وهو غلط ؛ فإنّه إذا جاز بيعه جزافاً ، كان هذا أولى.

____________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٢) كذا ، وفي المصادر : العدد.

(٣) الكافي ٥ : ١٩٣ / ٣ ، الفقيه ٣ : ١٤٠ - ١٤١ ، ٦١٧ ، التهذيب ٧ : ١٢٢ / ٥٣٣.

(٤) الكافي ٥ : ١٩٤ / ٧ ، الفقيه ٣ : ١٤٢ ، ٦٢٥ ، التهذيب ٧ : ١٢٢ - ١٢٣ / ٥٣٤ ، الاستبصار ٣ : ١٠٢ / ٣٥٧ ، بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.

(٥ و ٦) المغني ٤ : ٢٤٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢.

٧٦

ج - لو باعه جزافاً ، بطل. وكان القول قول المشتري في المقدار ، سواء كان باقياً أو تالفاً.

د - لا فرق بين الثمن والمثمن في الجزاف في الفساد عندنا والصحّة عندهم ، إلّا مالكاً ؛ فإنّه قال : لا يجوز الجزاف في الأثمان ؛ لأنّ لها خطراً ، ولا يشقّ وزنها ولا عددها ، فأشبه الرقيق والثياب(١) . ومع هذا فإنّه جوَّز بيع النقرة والتبر والحليّ جزافاً(٢) .

مسألة ٤٦ : وكما لا يصحّ بيع الصبرة جزافاً فكذا أجزاؤها المشاعة‌ ، كالنصف والثُّلْث والربع ؛ لوجود المانع من الانعقاد ، وهو الجهالة.

وجوّزه الجمهور كافّة ؛ لأنّ ما جاز بيع جملته جاز بيع بعضه ، كالحيوان. ولأنّ جملتها معلومة(٣) بالمشاهدة فكذا أجزاؤها(٤) .

ونحن نمنع الأصلين.

أمّا لو باع جزءاً معلوم القدر ، كالقفيز ، فإنّه يصحّ عندنا وعند الجمهور(٥) - إلّا داوُد(٦) - إذا علما اشتمالها على ذلك ؛ لأنّه معلوم مشاهد ، فصحّ بيعه كغيره.

احتجّ بأنّه غير مشاهد ولا موصوف(٧) .

ويبطل بأنّه قياس ، وهو لا يقول به. ونمنع عدم المشاهدة ؛ فإنّ مشاهدة الجملة تستلزم مشاهدة البعض.

____________________

(١ و ٢) المغني ٤ : ٢٤٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : معلوم. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٢ ، المجموع ٩ : ٣١٢ ، المغني ٤ : ٢٤٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠.

(٥ و ٦) المغني ٤ : ٢٤٩ ، حلية العلماء ٤ : ١٠٥.

(٧) المغني ٤ : ٢٤٩.

٧٧

فروع :

أ - لو قال : بعتك هذه الصبرة كلّ قفيزٍ بدرهم ، فإن علما قدر القُفْزان ، صحّ البيع ، وإلّا بطل ؛ للجهالة.

وقال مالك والشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمّد : يصحّ ؛ لأنّه معلوم بالمشاهدة ، والثمن معلوم ، لإشارته إلى ما يعرف [ مبلغه ](١) بجهةٍ لا تتعلّق بالمتعاقدين ، وهو أن تُكال الصبرة ويقسّط الثمن على قدر قفزانها فيعلم مبلغه(٢) .

ونحن نمنع العلم ، وقد سبق.

وقال أبو حنيفة : يصحّ البيع في قفيز واحد ، ويبطل فيما سواه ؛ لجهالة الثمن ، كما لو باع المتاع برقمه(٣) .

ولو قال : بعتك هذه الأرض أو هذا الثوب كلّ ذراع بدرهم ، أو : هذه الأغنام كلّ رأس بدرهم ، لم يصحّ عندنا ، وبه قال أبو حنيفة أيضاً وإن سوّغ البيع في قفيزٍ واحد من الصبرة(٤) .

وقال الشافعي : يصحّ ، سواء كانت الجملة معلومةً أو مجهولةً(٥) .

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجرية : ثمنه. وما أثبتناه من المغني والشرح الكبير.

(٢) المغني ٤ : ٢٤٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٩ ، حلية العلماء ٤ : ١٠٥ ، المجموع ٩ : ٣١٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ١٥٨ - ١٥٩ ، حلية العلماء ٤ : ١٠٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨ ، المغني ٤ : ٢٤٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٩.

(٤) حلية العلماء ٤ : ١٠٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨.

(٥) حلية العلماء ٤ : ٤٨ ، المجموع ٩ : ٣١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣ - ٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨.

٧٨

ولو قال : بعتك عشرةً من هذه الأغنام بكذا ، لم يصحّ إجماعاً وإن علم الجملة ، بخلاف الصبرة والأرض والثوب ؛ لاختلاف قيمة الشاة ، فلا يدري كم العشرة من الجملة.

ب - لو قال : بعتك من هذه الصبرة كلّ قفيز بدرهم ، ولم يعلما أو أحدهما القدرَ ، بطل البيع عندنا ، لما مرّ. وكذا عند أحمد ؛ لأنّ « من » للتبعيض و « كلّ » للعدد ، وهو مجهول. وله آخر : الصحّة(١) .

وللشافعيّة وجهان :

البطلان ؛ لأنّه لم يبع جميعَ الصبرة ولا بيّن المبيع منها.

والصحّة في صاعٍ واحد ، كما لو قال : بعتك قفيزاً من الصبرة بدرهم(٢) .

ج - لو قال : بعتك هذه الصبرة بعشرة دراهم على أن أزيدك قفيزاً ، أو أنقصك على أنّ لي الخيار فيهما ، لم يصحّ عندنا - وبه قال الشافعي وأحمد(٣) - لأنّه لا يدري أيزيده أم ينقصه.

ولو قال : على أن أزيدك قفيزاً ، لم يجز ؛ لأنّ القفيز مجهول.

فإن قال : على أن أزيدك قفيزاً من هذه الصبرة الاُخرى أو وصفه وصفاً يرفع الجهالة ، صحّ عندهم ؛ إذ معناه : بعتك هذه الصبرة وقفيزاً من الاُخرى بعشرة(٤) .

وإن قال : على أن أنقصك قفيزاً ، لم يصحّ ؛ لأنّ معناه : بعتك هذه‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٢٤٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١١.

(٢) حلية العلماء ٤ : ١٠٦ ، المجموع ٩ : ٣١٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩.

(٣) المغني ٤ : ٢٤٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١١ ، وانظر : المجموع ٩ : ٣١٥.

(٤) المغني ٤ : ٢٤٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٩.

٧٩

الصبرة إلّا قفيزاً كلّ قفيز بدرهم وشي‌ء مجهول.

ولو قال : بعتك هذه الصبرة كلّ قفيز بدرهم على أن أزيدك قفيزاً من الأخرى ، لم يصحّ ، لإفضائه إلى جهالة الثمن في التفصيل ، لأنّه يصير قفيزاً وشيئاً بدرهم.

ولو قصد أنّي أحطّ ثمن قفيز من الصبرة لا أحتسب به ، لم يصحّ ؛ للجهالة.

ولو قال : هذه الصبرة عشرة أقفزة بعتكها كلّ قفيز بدرهم على أن أزيدك قفيزاً من الاُخرى ، صحّ ؛ إذ معناه : بعتك كلّ قفيز وعُشر قفيزٍ بدرهم.

ولو جَعَله هبةً ، صحّ عندنا ، خلافاً لأحمد(١) .

وإن أراد أنّي لا أحتسب عليك بثمن قفيز منها ، صحّ ؛ لعلمهما بجملة القُفْزان ، فعَلِما قدر النقصان من الثمن.

ولو قال : على أن أنقصك قفيزاً ، صحّ ؛ لأنّ معناه : بعتك تسعة أقفزة بعشرة دراهم ، كلّ قفيز بدرهم وتسع.

د - لو قال : بعتك هذه الصبرة بعشرة دراهم كلّ صاع بدرهم ، فإن علما القدر ، صحّ.

وقال الشافعي : يصحّ البيع إن خرج كما ذكر ؛ لأنّه لم يشترط علم القدر.

وإن خرج زائداً أو ناقصاً ، فأصحّ قوليه : البطلان ؛ لامتناع الجمع بين بيع الكلّ بعشرة ومقابلة كلّ واحد بدرهم ، لأنّه باع جملة الصبرة بالعشرة‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٢٤٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٩.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

قوله:

الحديث السادس: وهو ما رواه الإماميّة

أقول:

إنّ الإماميّة يروون حديث التشبيه، في كتبهم في الأخبار والمناقب، بطرقٍ وألفاظٍ مختلفة، وهم غير محتاجين إلى رواية غيرهم، غير أنّهم يوردونه في كتبهم عن أهل السنّة أيضاً من باب الإلزام، كما هو المتّبع في قانون المناظرة:

الحديث في كتب الإماميّة

١ - قال الوزير علي بن عيسى بن أبي الفتح الإربليرحمه‌الله : « فصلٌ في مناقبه، وما أعدّ الله تعالى لمحبّيه، وذكر غزارة علمه، وكونه أقضى الأصحاب:

من مناقب الخوارزمي: عن مجاهد عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو أنّ الرياض أقلام، والبحر مداد، والجنّ حسّاب، والإنس كتّاب، ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب».

ثمّ قال بعد نقل أحاديث أخرى -:

« ومنه عن أبي الحمراء قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أراد أنْ ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى يحيى بن زكريا في

٢٤١

زهده، وإلى موسى بن عمران في بطشه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب ».

قال أحمد بن الحسين البيهقي: لم أكتبه إلّا بهذا الإسناد.

وقد روى البيهقي في كتابه المصنّف في فضائل الصحابة يرفعه بسنده إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّه قال: من اراد أنْ ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوحٍ في تقواه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب.

فقد ثبت لعليعليه‌السلام ما ثبت لهمعليهم‌السلام من هذه الصّفات المحمودة، واجتمع فيه ما تفرّد في غيره »(١) .

ترجمة الإربلي

وقد ترجم ابن شاكر الكتبي علي بن عيسى الإربلي في ( فواته ) بقوله:

« علي بن عيسى بن أبي الفتح، الصاحب، بهاء الدين، ابن الأمير فخر الدين، الإربلي، المنشيء الكاتب البارع. له شعر وترسّل، وكان رئيساً، كتب لمتولّي أربل ثمّ خدم ببغداد في ديوان الإنشاء، أيام علاء الدين صاحب الديوان، ثمّ إنّه فتر سوقه في دولة اليهود، ثمّ تراجع بعدهم وسلّم ولم ينكب، إلى أنْ مات سنة ٦٩٢.

وكان صاحب تجمّل وحشمة ومكارم أخلاق، وفيه تشيّع.

وكان أبوه والياً بأربل.

ولبهاء الدين مصنّفات أدبية، مثل المقامات الأربع، ورسالة الطيف، المشهورة، وغير ذلك. وخلَّف لمـّا مات تركة عظيمة، نحو ألفي ألف درهم،

____________________

(١). كشف الغمة في معرفة الأئمّة ١ / ١١٣ - ١١٤.

٢٤٢

تسلّمها إبنه أبو الفتح، ومَحَقها، ومات صعلوكاً »(١) .

ولابن شاكر مقام جليل لدى أهل السنّة، ولا يخفى ما لكتبه من قيمةٍ واعتبار(٢) .

٢ - وروى زين الدين محمّد بن علي بن شهرآشوب السروي المازندراني حديث التشبيه عن أحمد بن حنبل وابن بطة. كما عرفته سابقاً.

٣ - وأورد أبو الحسن يحيى بن الحسن بن البطريق الحلي -رحمه‌الله حديث التشبيه عن أبي الحسن ابن المغازلي حيث قال: « وبالإسناد قال:

أخبرنا أحمد بن محمّد بن عبدالوهّاب قال: حدّثنا الحسين بن محمّد بن الحسين العدل العلوي الواسطي قال: حدّثنا محمّد بن محمود قال: حدّثنا إبراهيم بن مهدي الابلي قال: حدّثنا إبراهيم بن سليمان بن رشيد قال: حدّثنا زيد بن عطيّة قال: حدّثنا أبان بن فيروز، عن أنس بن مالك قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أراد أن ينظر إلى علم آدم، وفقه نوح، فلينظر إلى علي بن أبي طالب »(٣) .

٤ - ونقل الشيخ الحسن بن محمّد بن علي السهمي الحلّي - طاب ثراه - حديث التشبيه عن ( وسيلة المتعبّدين ) لعمر بن محمّد بن خضر المعروف بالملّا الأردبيلي(٤) .

٥ - وأورد العلّامة الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي - طاب ثراه - في ( بحار الأنوار ) عبارة ابن شهرآشوب، التي روى فيها هذا الحديث عن أحمد وابن بطّة.

____________________

(١). فوات الوفيات ٢ / ٦٦.

(٢). انظر: الدرر الكامنة ٣ / ٤٥١، كشف الظنون: ٢٩٣، ١١٨٥، ١٢٩٢، ٢٠١٩.

(٣). عمدة عيون صحاح الأخبار: ٣٦٩.

(٤). الأنوار البدريّة في دفع شبه النواصب والقدريّة - مخطوط.

٢٤٣

فما قصده ( الدهلوي ) بهذا الكلام حيث نسب رواية الحديث إلى الإماميّة - من نفي رواية أهل السنّة إيّاه - واضح الفساد، بل إنّ الإماميّة يروونه بطرقهم، وينقلونه عن أهل السنّة أيضاً لإفحامهم.

ثمّ إنّه كان الأحرى بـ ( الدّهلوي ) أنْ ينقل جميع طرق هذا الحديث أو أكثرها، ولا أقلّ من أنْ يصرِّح بكثرة طرقه ورواته، لا أنْ يكتفي بطرقٍ واحدٍ منها.

قوله:

وفساد مبادئ هذا الإستدلال ومقدّماته من الصدر إلى الذيل ظاهر على كلّ خبير.

أقول:

زعم فساد هذا الإستدلال إنّما ينشأ ممّن فسدت مبادئ عقله بالوساوس الشيطانيّة، وإنّ العالم الخبير صاحب الفطرة المستقيمة والعقل السليم لا يصغي إلى تشكيكات ( الدهلوي ) وخرافاته الهزيلة نسأل الله الهداية إلى نهج السداد، وهو الصائن من أنْ يمتلئ الإنسان من الرأس إلى القدم بالحقد والعناد، لفضائل وصيّ شفيع الاُمم، ويتنكّب عن الطّريق الأمم.

قوله:

أوّلاً: إنّ هذا الحديث ليس من أحاديث أهل السنّة.

٢٤٤

أقول:

العجب من هذا الرجل!! أليس عبدالرزاق الصنعاني، وأحمد بن حنبل، وأبو حاتم الرازي، وابن شاهين، وابن بطّة، والحاكم النيسابوري، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي، وابن المغازلي، وشيرويه الديلمي، والسّنائي، والعطّار، وشهردار الديلمي، والخوارزمي، وأبو الخير الحاكمي، والصالحاني، وابن طلحة، والكنجي، والمحبّ الطبري، والسيّد علي الهمداني، وأمير ملّا، والشهاب الدولت آبادي الهندي، وابن الصبّاغ، وحسين الميبدي اليزدي، وعبد الرحمن الصفوري، وإبراهيم الوصّابي، وجمال الدين المحدّث، وأحمد ابن باكثير المكي، والميرزا محمّد البدخشي، ومحمّد صدر العالم، ومحمّد بن إسماعيل الأمير

أليس هؤلاء وأمثالهم الّذين رووا حديث التشبيه، من أكابر أساطين أهل السنّة، ومن مفاخرهم في كلّ عصر وزمان؟!

إن كان هؤلاء خارجين عن زمرة أهل السنّة، وداخلين في زمرة أهل الضلال والبدع، فهل يكون أبوه ( ولي الله الدهلوي ) الّذي كان باعتقاد إبنه ( الدهلوي ) آيةً من الآيات الإلهيّة ومعجزةً من المعجزات النبويّة، خارجاً عن أهل السنّة كذلك؟

وإذا كان كلّ أولئك خارجين من أهل السنّة، ومعدودين في زمرة المبتدعين والهالكين، فلا مانع منْ أن يقال ذلك في حق معاصري ( الدهلوي ) من أمثال: أحمد بن عبدالقادر العجيلي، والمولوي ولي الله بن حبيب الله اللكهنوي

وإذا كان كلّ هؤلاء خارجين، فلا شك في خروج من يمدحهم ويثني

٢٤٥

عليهم ويوثّقهم، لاشتراك العلّة والسّبب

فانحصر التسنّن في شخص ( الدّهلوي ).

ولكنّ ( الدهلوي ) أيضاً ممّن يمدح ويثني على طائفة من الأشخاص المذكورين، فيلزم أنْ يخرج هو من بين أهل السنّة، فلم يبقَ في العالم سنّي أصلاً

فبطل مذهب السنيّة، وانهدم من الرأس إلى القدم.

( وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ) .

إنكار رواية البيهقي والردُّ عليه

قوله:

وقد أورده ابن مطهّر الحلّي في كتبه، ونسبه إلى البيهقي مرّةً، وإلى البغوي أخرى، وليس في تصانيفهما أثر منه.

أقول:

رواه عن أهل السنّة جماعة من علمائنا قبل العلّامة الحلّي، كالإربلي صاحب ( كشف الغمة )، وابن شهرآشوب السروي صاحب ( مناقب آل أبي طالب ) وابن البطريق صاحب ( العمدة ) كما دريت آنفاً، فلا وجه لتخصيص إيراد الحديث بالعلّامة الحلّي إلّا تقليد الكابلي.

ولقد أورده العلّامة الحلّي عن البيهقي حيث قال في كتاب ( منهاج الكرامة في الإمامة ) في ذكر أعلمية الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام : « عن البيهقي في كتابه بإسناده عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: من أراد أنْ ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في تقواه، وإلى إبراهيم في خلّته، وإلى

٢٤٦

موسى في هيبته، وإلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب.

فأثبت له ما تفرّق فيهم ».

ورواه عن البيهقي في كتاب ( نهج الحق ) كذلك.

وهذا الحديث موجود في كتاب البيهقي بالقطع واليقين، وقد نصَّ على ذلك جماعة من أكابر أهل السنّة، أمثال:

الموفّق بن أحمد المكي أخطب خطباء خوارزم.

ومحمّد بن طلحة النصيبي الشّافعي.

ونور الدين علي ابن الصبّاغ المالكي.

والحسين الميبدي اليزدي.

والميرزا محمّد بن معتمد خان البدخشاني.

وأحمد بن عبدالقادر العجيلي الشافعي.

والميرزا محمّد البدخشاني مقبول لدى ( الدهلوي )، وقد وصفه تلميذه محمّد رشيد خان الدهلوي بأنّه من عظماء علماء أهل السنّة، فإنْ لم يثق ( الدهلوي ) وأتباعه بنقل الآخرين عن البيهقي، فلا محيص عن قبول نقل مثل البدخشاني.

فالحمد لله على ما أزاح الباطل عن نصابه، وأوضح الحق المشرق، ولزمت الحجة الكافية، والبيّنة الشافية.

عدم إنكار ابن تيميّة رواية البيهقي

وبالرغم من أنّ ( الدهلوي ) يدّعي طول الباع وسعة الإطّلاع على كتب الفريقين، فإنّه لم ير الكتب الحديثيّة ولم يعثر عليها، بل قلَّد الكابلي في نفيٍ وجود أثرٍ من حديث التشبيه في تصانيف البيهقي باليقين والجزم رجماً

٢٤٧

بالغيب فليته قال: لم أره في تصانيفه البيهقي، بأنْ يقصد: إنّي لمـّا لم أر كتب البيهقي، فلا جرم لم أعثر على هذا الحديث فيها، وأمّا النفي الواقعي والإخبار الحقيقي عن عدم وجوده في تصانيف البيهقي، فذلك كذب صريح يستبعد صدوره بالنسبة إلى الأمور الدينيّة من أجهل الناس فضلاً عن الأفاضل.

أللّهمّ إلّا أنْ يعتذر أولياء ( الدهلوي ) بأنّه نفى وجود أثر من هذا الحديث في مصنّفات البيهقي، ونفي وجود الأثر لا ينافي وجود العين!!

إنّا لا نستبعد أنْ يلتجئ أولياء ( الدهلوي ) إلى هذا العذر الواهي إنّهم يجدون أنّ ابن تيميّة الذي هو إمامهم في المكابرة والعناد وإنكار الحقائق والفضائل الثابتة لا ينكر وجود هذا الحديث في مصنّفات البيهقي، لأنّه يعلم بوجوده فيها، فيضطر إلى جرح البيهقي نفسه والقدح فيه، إنّه يقول في جواب عبارة العلّامة الحلّي المتقدّمة:

« والجواب أن يقال: أوّلاً: أين إسناد هذا الحديث؟ والبيهقي يروي في الفضائل أحاديث كثيرة ضعيفة بل موضوعة، كما جرت عادة أمثاله من أهل العلم. ويقال ثانياً: هذا الحديث كذب موضوع على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بلا ريب عند أهل العلم بالحديث، ولهذا لا يذكره أهل العلم بالحديث، وإن كانوا حريصاً على جمع فضائل علي، كالنسائي، قصد أن يجمع فضائل علي في كتابٍ سمّاه الخصائص، والترمذي قد ذكر أحاديث متعددة في فضائله، وفيها ما هو ضعيف بل موضوع، ومع هذا لم يذكروا هذا ونحوه »(١) .

فأنت ترى ابن تيمية يرمي الحديث بالضعف بل بالوضع، ويصف البيهقي وأمثاله برواية أحاديث ضعيفة بل موضوعة، فلو لم يكن العلّامة الحلّي صادقاً في عزو الحديث إلى البيهقي، لكان الردّ عليه من هذه النّاحية أقوى وأشد

____________________

(١). منهاج السنّة ٥ / ٥١٠.

٢٤٨

فابن تيميّة - هذا المتعصّب العنيد - لا ينكر وجود هذا الحديث في مصنّفات البيهقي، كما أنّه لا ينفي دلالته على أفضليّة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ولا يجعله من قبيل تشبيهات الشعراء في مدائحهم للأشخاص

لكنّ ( الدهلوي ) ينكر وجوده في مصنّفات البيهقي بل سائر كتب أهل السنّة ولو بإسنادٍ ضعيف، ويجعله من قبيل إغراقات الشعراء وتشبيهاتهم في الأشعار

والواقع الذي يذعن به كلّ منصف، ويعترف به كلّ خبير هو: صحّة هذا الحديث، وثبوت صدوره عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ووجوده في كتب أهل السنّة المعتبرة المشهورة، وفي كتب البيهقي ومصنّفاته، فدعوى إبن تيميّة ضعف هذا الحديث أو وضعه دعوى بلا دليل، والبيهقي قد التزم بأنْ لا يروي حديثاً يعلم بكونه موضوعاً، ومن هنا لم يرم العلماء ما أخرجه البيهقي بالوضع.

كلمات في وصف البيهقي وكتبه

وقول ابن تيميّة: « ولهذا لا يذكره أهل العلم بالحديث » يستشم منه الإزراء الشّديد بحقّ البيهقي

إنّه لم يصف أحدٌ البيهقي بما وصفه به إبن تيميّة، وما هذا إلّا لغرض ردّ أحاديث فضائل أهل البيت والطّعن فيها، ولنذكر شيئاً من كلمات القوم في وصف البيهقي:

١ - قد ذكرنا سابقاً أنّ صاحب ( المشكاة ) يقول في حق جماعةٍ فيهم البيهقي: « إني إذا أسندت الحديث إليهم كأني أسندت إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ».

٢٤٩

٢ - ياقوت الحموي: « وقد أخرجت هذه الكورة من لا يحصى من الفضلاء والعلماء والفقهاء والأدباء، ومع ذلك، فالغالب على أهلها مذهب الرافضة الغلاة.

ومن أشهر أئمّتهم الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين بن عبدالله بن موسى البيهقي، من أهل خسروجرد، صاحب التصانيف المشهورة، وهو الإمام الحافظ، الفقيه الأصولي، الدّين الورع، أوحد الدهر في الحفظ والإتقان، مع الدين المتين، من أجلّ أصحاب أبي عبدالله الحاكم والمكثرين عنه، ثمّ فاقه في فنونٍ من العلم تفرَّد بها، رحل إلى العراق وطوّف الآفاق، وألّف من الكتب ما يبلغ قريباً من ألف جزء، ممّا لم يسبق إلى مثله »(١) .

٣ - السمعاني: « كان إماماً فقيهاً حافظاً، جمع بين معرفة الحديث والفقه، وكان تتبّع نصوص الشافعي، وجمع كتاباً سمّاه كتاب المبسوط، وكان اُستاذه في الحديث الحاكم أبو عبدالله محمّد بن عبدالله الحافظ، وتفقّه على أبي الفتح ناصر بن محمّد العمري المروزي، وسمع الحديث الكثير، وصنّف فيه التصانيف التي لم يسبق إليها، وهي مشهورة موجودة في أيدي الناس، سمعت منها وأدركت عشرة من أصحابه الذين حدّثوني عنه.

وكانت ولادته في سنة ٣٨٤ في شعبان. ووفاته في سنة ٤٥٨ »(٢) .

٤ - ابن خلكان: « الفقيه الشافعي، الحافظ الكبير المشهور، واحد زمانه وفرد أقرانه في الفنون، من كبار أصحاب الحاكم أبي عبدالله ابن البيّع في الحديث، ثمّ الزائد عليه في أنواع العلوم وهو أوّل من جمع نصوص الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه في عشر مجلّدات وكان قانعاً من الدنيا بالقليل.

____________________

(١). معجم البلدان ١ / ٥٣٨، ٢ / ٣٧٠.

(٢). الانساب ٢ / ٣٨١.

٢٥٠

وقال إمام الحرمين في حقّه: ما من شافعي المذهب إلّا وللشّافعي عليه منّة، إلّا أحمد البيهقي فإنّ له على الشافعي منة

وكان على سيرة السّلف، وأخذ عنه الحديث جماعة من الأعيان »(١) .

٥ - الذهبي: « البيهقي هو: الحافظ، العلّامة، الثبت، الفقيه، شيخ الإسلام

قال الحافظ عبدالغافر بن إسماعيل في تاريخه: كان البيهقي على سيرة العلماء، قانعاً باليسير، متجمّلاً في زهده وورعه.

وقال أيضاً: هو أبو بكر، الفقيه الحافظ، الأصولي، الدّين والورع، واحد زمانه في الحفظ وفرد أقرانه في الإتقان والضبط، من كبار أصحاب الحاكم، ويزيد على الحاكم بأنواع من العلوم، كتب الحديث وحفظه من صباه، وتفقّه وبرع، وأخذ فن الأصول، وارتحل إلى العراق والجبال والحجاز، ثمّ صنّف، وتواليفه تقارب ألف جزء ممّا لم يسبقه إليه أحد، جمع بين علم الحديث والفقه وبيان علل الحديث ووجه الجمع بين الأحاديث، طلب منه الأئمّة الإنتقال من بيهق إلى نيسابور لسماع الكتب، فأتى في سنة ٤٤١، وعقدوا له المجلس لسماع كتاب المعرفة، وحضره الأئمّة.

قال شيخ القضاة أبو علي إسماعيل ابن البيهقي، قال أبي: حين ابتدأت بتصنيف هذا الكتاب - يعني كتاب المعرفة من السنن والآثار - وفرغت من تهذيب أجزاء منه، سمعت الفقيه محمّد بن أحمد - وهو من صالحي أصحابي وأكثرهم تلاوةً وأصدقهم لهجة - يقول: رأيت الشافعيرحمه‌الله في النوم، وبيده أجزاء هذا الكتاب وهو يقول: كتبت اليوم من كتاب الفقيه سبعة أجزاء أو قال: قرأتها، ورآه يعتد بذلك. قال: وفي صباح ذلك اليوم رأى فقيه آخر من

____________________

(١). وفيات الأعيان ١ / ٧٥.

٢٥١

إخواني الشافعيَّ قاعداً في الجامع على سرير وهو يقول: قد استفدت اليوم من كتاب الفقيه حديث كذا وكذا.

وأخبرنا أبي قال: سمعت الفقيه أبا محمّد الحسن بن أحمد السمرقندي الحافظ يقول: سمعت الفقيه محمّد بن عبدالعزيز المروزي يقول: رأيت في المنام كأنَّ تابوتاً علا في السماء يعلوه نور، فقلت: ما هذا؟ فقال: تصنيفات أحمد البيهقي.

ثمّ قال شيخ القضاة: سمعت الحكايات الثالث من الثلاثة المذكورين.

قلت: هذه الرؤيا حق، فتصانيف البيهقي عظيمة القدر، غزيرة الفوائد، قلَّ من جوّد تواليفه مثل الإمام أبي بكر، فينبغي للعالم أنْ يعتني بها، ولا سيّما سننه الكبير.

وقد قدم قبل موته بسنةٍ أو أكثر إلى نيسابور وتكاثر عليه الطلبة، وسمعوا منه كتبه، وجلبت إلى العراق والشام والنواحي، واعتنى بها الحافظ أبو القاسم الدمشقي، وسمعها من أصحاب البيهقي، ونقلها إلى دمشق هو وأبو الحسن المرادي.

وبلغنا عن إمام الحرمين أبي المعالي الجويني قال: ما من فقيهٍ شافعي إلّا وللشافعي عليه منّة إلّا أبا بكر البيهقي، فإنّ المنّة له على الشافعي، لتصانيفه في نصرة مذهبه.

قلت: أصاب أبو المعالي هكذا، ولو شاء البيهقي أنْ يعمل لنفسه مذهباً لكان قادراً على ذلك، لسعة علومه ومعرفته بالإختلاف، ولهذا تراه يلوح بنصر مسائل ممّا صحّ في الحديث ...»(١) .

٦ - أيضاً: « البيهقي الإمام الحافظ العلّامة شيخ خراسان فذكر

____________________

(١). سير أعلام النبلاء ١٨ / ١٦٣.

٢٥٢

مشايخه ومصنّفاته، وكلمات إمام الحرمين وعبد الغافر في حقّه وما نقله ولده من الرؤيا، ثمّ ذكر وفاته، ومن روى عنه(١) .

٧ - أيضاً: « البيهقي الإمام العالم وبلغت تصانيفه ألف جزءٍ، ونفع الله بها المسلمين شرقاً وغرباً، لأمانة الرجل ودينه وفضله وإتقانه. فالله يرحمه »(٢) .

٨ - اليافعي: « الإمام الكبير، الحافظ النحرير، أحمد بن الحسين، البيهقي، الفقيه الشافعي، واحد زمانه وفرد أقرانه في الفنون، من كباد أصحاب الحاكم أبي عبدالله ابن البيع في الحديث، الزائد عليه في أنواع العلوم، له مناقب شهيرة، وتصانيف كثيرة بلغت ألف جزء » ثمّ نقل ما قيل في حقّه من كلمات الثناء(٣) .

٩ - السبكي: « كان الإمام البيهقي أحد أئمة المسلمين، وهداة المؤمنين، والدعاة إلى حبل الله المتين، فقيه جليل، حافظ كبير، اُصولي نحرير، زاهد ورع، قانت لله، قائم بنصرة المذهب اصولاً وفروعاً، جبلاً من جبال العلم صار واحد زمانه، وفارس ميدانه، وأحذق المحدّثين ذهناً، وأسرعهم فهماً وأجودهم قريحةً. وبلغت تصانيفه ألف جزء، ولم يتهيّأ لأحدٍ مثلها، أمّا السنن الكبير، فما صنّف في علم الحديث مثله تهذيباً وترتيباً وجودةً، وأمّا المعرفة معرفة السنن والآثار، فلا يستغني عنه فقيه شافعي وكلّها مصنّفات لطاف، مليحة الترتيب والتهذيب، كثيرة الفائدة، يشهد من يراها من العارفين بأنّها لم يتهيّأ لأحدٍ من السابقين.

____________________

(١). تذكرة الحفّاظ ٢ / ١١٣٢.

(٢). العبر في خبر من غبر ٣ / ٢٤٢١.

(٣). مرآة الجنان - حوادث: ٤٥٨.

٢٥٣

وفي كلام شيخنا الذهبي أنّه أوّل من جمع نصوص الشافعي. وليس ذلك، بل هو آخر من جمعها، ولذلك استوعب أكثر ما في كتب السابقين، ولا أعرف أحداً بعده جمع النصوص، لأنّه سدّ الباب على مَن بعده.

وكانت إقامته ببيهق، ثمّ استدعاه والي نيسابور ليقرأ عليه كتاب المعرفة

قال عبدالغافر

قال شيخنا الذهبي

وقال إمام الحرمين

وقال شيخ القضاة أبو علي ولد البيهقي »(١) .

١٠ - إبن الأثير: « كان إماماً في الحديث والفقه »(٢) .

١١ - أبو الفداء: « كان إماماً في الحديث والفقه على مذهب الشافعي، وكان زاهداً أوحد زمانه »(٣) .

١٢ - ابن الوردي: « إمام في الحديث والفقه رحل في طلب الحديث إلى العراق والجبال والحجاز، وهو أول من جمع نصوص الشافعي في عشر مجلّدات، ومن تصانيفه قال إمام الحرمين وكان قانعاً من الدنيا بالقليل »(٤) .

١٣ - الأسنوي: « الحافظ الفقيه الأصولي، الزاهد الورع، القائم في نصرة المذهب »(٥) .

____________________

(١). طبقات الشافعية ٤ / ٨.

(٢). الكامل في التواريخ ٨ / ٣٧٧. حوادث سنة ٤٥٨ - ١٠ / ٥٢.

(٣). المختصر في أخبار البشر. حوادث سنة ٤٥٨ - ٢ / ١٥٨.

(٤). تتمة المختصر في أخبار البشر. حوادث سنة ٤٥٨ - ١ / ٥٥٩.

(٥). طبقات الشافعية ١ / ١٩٨.

٢٥٤

١٤ - ابن قاضي شهبة: « الإمام الحافظ الكبير أبو بكر البيهقي، الخسروجردي، سمع الكثير ورحل وجمع وحصّل وصنّف وكان كثير التحقيق والإنصاف، حسن التصنيف

قال عبدالغافر وقال إمام الحرمين »(١) .

١٥ - الخطيب التبريزي: « كان أوحد دهره في الحديث والتصانيف ومعرفة الفقه، وهو من كبار أصحاب الحاكم أبي عبدالله.

قالوا: سبعة من الحفاظ أحسنوا التصنيف، وعظم الانتفاع بتصانيفهم: أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني، ثمّ الحاكم أبو عبدالله النيسابوري، ثمّ أبو محمّد عبد الغني الأزدي حافظ مصر، ثمّ أبو نعيم أحمد بن عبدالله الإصفهاني، ثمّ أبو عمرو ابن عبدالبر النمري حافظ أهل المغرب، ثمّ أبو بكر أحمد بن حسين البيهقي، ثمّ أبو بكر أحمد الخطيب البغدادي »(٢) .

١٦ - السيوطي: « البيهقي الإمام الحافظ العلامة، شيخ خراسان لزم الحاكم وتخرّج به، وأكثر منه جدّاً، وهو من كبار أصحابه، بل زاد عليه بأنواعٍ من العلوم، كثير الحديث وحفظه من صباه، برعٍ وأخذ في الأصول وانفرد بالإتقان والضبط والحفظ، ورحل وعمل كتباً لم يسبق إليها وبورك له في علمه، لحسن قصده وقوّة فهمه وحفظه، وكان على سيرة العلماء، قانعاً باليسير، مات في عاشر جمادى الأولى ٤٥٥ بنيسابور، ونقل في تابوت إلى بيهق مسيرة يومين »(٣) .

____________________

(١). طبقات الشافعية ١ / ٢٢٦.

(٢). الإكمال في أسماء الرجال - ط مع المشكاة.

(٣). طبقات الحفّاظ: ٤٣٣.

٢٥٥

أقول:

وهكذا تجد الثناء عليه وعلى مصنفاته في غير هذه الكتب، فراجع مثلاً: ( فيض القدير ) و ( المرقاة ) و ( شرح المواهب اللدنيّة ) و ( مقاليد الأسانيد ) و ( التاج المكلّل ) وغيرها، ولولا خوف الإطالة لأوردنا كلّ ذلك، ولكنّا حاولنا الإختصار بقدر الإمكان.

وعلى الجملة، فإنّك إذا وضعت يدك على أيّ كتابٍ ترجم فيه للبيهقي، فلا تجد إلّا الثناء عليه وعلى سائر آثاره ومصنّفاته، فكلّهم يصفونه بالحفظ والإتقان والإمامة والديانة والورع وأمثال ذلك من الأوصاف الحميدة، ويصفون مصنّفاته بالجودة والتهذيب والإعتبار وقد رأيت كيف أقبل حفّاظ عصره والمتأخّرون عنه على مصنّفاته وتناقلوها وسمعوها وناهيك بالرؤيا التي رآها أحد معاصريه من الأعلام، تلك الرؤيا الّتي قال الذّهبي وغيره « هي حق »

أقول:

فثبت أنّ البيهقي لا يروي في الفضائل الأحاديث الضعيفة بل الموضوعة كما زعم إبن تيميّة، ولكن الحقيقة هي أن من يروي شيئاً من مناقب عليعليه‌السلام يتّهم بأنواع التّهم وإن وافقه في روايته الجمّ الغفير والجمع الكثير من الأعلام والمشاهير، كما هو الشأن في حديث التشبيه الّذي رواه من أعلام القوم من عرفت، وأخرجه عبدالرزاق بسندٍ صحيح. هذا، ولا يخفى التناقض الموجود في كلام ابن تيميّة، فإنّه بعد أن أخرج البيهقي من زمرة أهل العلم بالحديث لروايته هذا الحديث الموضوع بزعمه، ذكر أنّ أهل العلم بالحديث لا

٢٥٦

يذكرونه لكونه موضوعاً، وصرّح منهم باسم النسائي والترمذي، ومعنى كلامه هنا أنّ كتابيهما مجرّدان عن الأحاديث الضعيفة والموضوعة. لكنّه يعلم بوجود بعض المناقب فيهما، فحمله تعصّبه على أنْ يناقض نفسه فيدّعي وجود ما هو ضعيف بل هو موضوع في كتابيهما أيضاً. فالعياذ بالله من التعصّب والعناد.

كما ثبت أنّ حديث التشبيه من الأحاديث التي أخرجها البيهقي، فلا شك في صحة نسبة العلّامة الحلّي رواية الحديث إليه.

فظهر بطلان ما ذكره ( الدهلوي ) تبعاً للكابلي.

ولقد تبع القاضي ثناء الله الهندي أيضاً الكابلي في هذه الدعوى، فأنكر وجود الحديث في كتب البيهقي، حيث قال بعد أن ذكره في ( السيف المسلول ):

« والجواب: إنّ هذا الحديث ليس من أحاديث أهل السنّة، وقد أورده ابن المطهّر الحلّي في كتبه، فعزاه تارةً إلى البيهقي وأخرى إلى البغوي. وهو غير موجود في كتبهما ».

وقد عرفت كذب هذه الدعوى. والحمد لله.

غلط القوم في فهم عبارة العلّامة الحلّي

وأمّا دعوى ( الدهلوي ) عزو العلّامة الحلّيقدس‌سره حديث التشبيه إلى البغوي، فهي ناشئة من سوء الفهم وإنّ أوّل من وقع في هذا الإشتباه والغلط هو ( الفضل بن روزبهان ) صاحب الردّ على ( نهج الحق ) للعلّامة الحلّي، ثمّ تبعه على ذلك ( الكابلي ) صاحب الصواقع، ثمّ ( الدهلوي ) و ( القاضي ثناء الله الهندي ).

ولكي تتّضح حقيقة الأمر ننقل نصّ عبارة العلّامة الحلّي طاب ثراه في ( نهج الحق وكشف الصدق ) فإنّه قال: « المطلب الثاني: العلم. والناس كلّهم -

٢٥٧

بلا خلاف - عيال عليعليه‌السلام ، في المعارف الحقيقيّة والعلوم اليقينيّة والأحكام الشرعيّة والقضايا النقليّة، لأنّهعليه‌السلام كان في غاية الذكاء والحرص على التعلّم، وملازمته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو أشفق الناس عليه، لا ينفكّ عنه ليلاً ونهاراً، فيكون بالضرورة أعلم من غيره.

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقّه: أقضاكم علي. والقضاء يستلزم العلم والدين.

وروى الترمذي في صحيحه: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها.

وذكر البغوي في الصحاح: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أنا دار الحكمة وعلي بابها.

وفيه عن أبي الحمراء قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أراد أنْ ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى يحيى بن زكريا في زهده، وإلى موسى بن عمران في بطشه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب.

وروى البيهقي بإسناده إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أراد أنْ ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في تقواه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب ».

هذا نصّ عبارة العلامة ابن المطهّر الحلّي، وليس فيها تصريح ولا تلويح بنسبته الحديث إلى البغوي، وهم قد توهّموا ذلك من قوله « وفيه عن أبي الحمراء » جاعلين ( البغوي ) مرجع الضمير، ولم يلتفتوا إلى أنّ مرجع الضمير هو ( عليعليه‌السلام ) كما أنّه مرجع الضمير في كلمة « في حقه ».

وحديث أبي الحمراء هذا هو الحديث الذي رواه القوم في كتبهم، كالخوارزمي في ( المناقب )، ونقله عن الخوارزمي الشيخ الإربليرحمه‌الله في ( كشف الغمة ).

٢٥٨

هذا كلّه في دفع هذا التوهّم، ولا بأس بإيراد بعض كلمات القوم في الثناء على العلّامة الحلّي.

ترجمة العلّامة ابن المطهّر الحلّي

فإنّ العلّامة الحلّي -رحمه‌الله - موصوف في كلمات بعض رجالات العلم من أهل السنّة بالأوصاف الحميدة والألقاب الفائقة:

[ ١ ] - قال أكمل الدين محمّد بن محمود البابرتي الحنفي في كتاب ( نقود وردود ): « أمّا بعد، فلمّا كان توقّف استنباط الأحكام الشرعية من مسالكها، واستخراج الأوامر السمعيّة من مداركها، على معرفة الصانع والتصديق بصفاته، والنظر في أمر النبوّة وتحقيق معجزاته، وكان علم الكلام هو المتكفّل بهذا المرام، لا جرم بعد الفراغ من كتاب الكواشف البرهانيّة في شرح المواقف السلطانية اشتغلت بعلم اُصول الفقهيات ومدارك الفرعيات، الّذي هو العروة الوثقى للطالب المستمسك والسّعادة العظمى للراغب المتمسّك، ما استضاء بنوره ذو رويّة إلّا أصاب واهتدى، وما استنار بضوءه ذو بصيرة إلّا فاز وارتقى.

وكان خير الكتب المؤلّفة فيه عند أصحاب هذا العلم وذويه ( منتهى السئول والأمل ) الّذي صنفه الإمام العلّامة الشيخ جمال الدين أبو عمرو ابن الحاجب، بلّغه الله أعلى المراتب - في علم الأصول والجدل، ولهذا صار مشتهراً في مشارق الأرض ومغاربها كالشمس في وسط النهار، مستهتراً إليه أصحاب الفقهاء الأربعة وأرباب مذاهبها، استهتاراً أيّ استهتار.

وخير شروحها المشهورة شهرة المتن، جامعاً للضروريات ولخاصيات الفن: الشرح الّذي لأستاذي وأستاذ الكلّ في الكلّ، الإمام ابن الإمام ابن الإمام، أفضل علماء الإسلام، عضد الملّة والدين، عبدالرحمن الصديقي،

٢٥٩

الّذي أعلى الله بكلمته كلمة الدين، وعضد به الإيمان والمؤمنين، جزاه الله أفضل مجازاته، رافعاً في أعلى عليّين درجاته، إذ هو ملازم لتفسير نصوصه، محقّقاً لدقائقه، مداوم على تقرير فصوصه، مدقّقاً لحقائقه، كاشف مخبيّات مشكلاته، مصحّحاً لمقاصده، مشيراً إلى مكنيّات مفصّلاته، منقّحاً لفرائده، حتّى صار كتابه مجموعاً مستحقاً لأن يكون على الرأس محمولاً وعلى العين موضوعاً. فيالها من المناقب، ما أحسن مناصبه بين المناصب، وما يعرفه إلّا من حقّق كلام غيره تحقيقاً، وجرى في ميدانه أشواطاً وعرق فيه تعريقاً، وهو مليّ كثير البضاعة طويل الباع في هذه الصناعة: إنّما يعرف ذا الفضل من الناس ذووه.

وقد وقع إليّ من الشروح عشرة أخرى، حريّة بأنْ تكتب على الأحداق، بل أحرى، أشهرها السبعة السّيارة في الآفاق، المنسوبة إلى أكابر الفضلاء بالإستحقاق: المولى الأعظم شيخ الدنيا قطب الدين الشيرازي قدّس نفسه. والمولى السيّد ركن الدين الموصلي روّح رمسه. والمولى الشيخ جمال الدين الحلّي طابت تربته. والمولى القدوة زين الدين الخنجي زيدت درجته. والمولى العلّامة شمس الدين الإصفهاني نوّر الله مضجعه. والمولى الأفضل بدر الدين التستري عطّر مهجعه. والمولى الأعلم شمس الدين الخطيبي طيّب مريعه. المذكور أسماء هؤلاء العلماء الكرام البررة المعظَّمة على ترتيب وجود الشروح التي كأنّها صحف مكرّمة.

واتّفق لي قراءته على مؤلّفه مرةً والإستماع عنه اُخرى، مقتبساً من أشعة أنوار فوائده بمقدار مقدرتي القصرى، فرأيته وإنْ كان شرحاً - كتاباً مستقلّاً، وإنْ جعل فرعاً كان أصلاً أصيلاً، يحتاج ألفاظه في جلّها لا بل كلّها إلى حلّها، ممّا يزيل من مسالك شعابه صعابها، ويكشف عن وجوه فرائده

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449