نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٩

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار0%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 449

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 449
المشاهدات: 192327
تحميل: 5738


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 449 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 192327 / تحميل: 5738
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء 19

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

من السلاطين، الذين فتحت البلاد في أيّامهم، امتداداً لأيام النبوّة، واللازم باطل قطعاً وبالإجماع، فالملزوم مثله.

قوله:

وزمن خلافة الأمير كان مبدءً لدورة الولاية.

أقول:

قد أراد ( الدهلوي ) بهذا الكلام نفي الكمالات النبويّة من عليعليه‌السلام ، ثمّ تخديع الإماميّة بأن زمان الإمام عصره وأيّامه هي أيّام ولايةٍ وإمامة، لكن الإماميّة لا تنخدع بذلك، وترى ثبوت جميع الكمالات النبويّة لعليعليه‌السلام ووجودها فيه.

الإستدلال بانتهاء سلاسل الصّوفية إلى الإمام

قوله:

ولهذا جعله شيوخ الطريقة وأرباب المعرفة والحقيقة فاتح باب الولاية

أقول:

قد عرفت أنّ جملةً من أكابر أهل السنّة، الذين يعتقدون بكونهم شيوخ التصوف والعرفان، قد أثبتوا لأمير المؤمنينعليه‌السلام جميع ما ثبت لنبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأنبياء السابقين، من كمالات النبوّة والولاية معاً، ولا يتجاسر على نفي ذلك إلّا الناصبي المعاند البغيض.

أضف إلى ذلك قول السيّد علي الهمداني بشرح شعر ابن الفارض:

« لها البدر كأس وهي شمس يديرها

هلال وكم يبدو إذا مزجت نجم »

٣٨١

قال: « المراد من البدر هو الروح المحمّديّة ومن الهلال: علي، وهو ساقي كؤوس شراب حبّ الله، وموصل عطاشى الآمال إلى وصال الله، فإنّه الّذي ورد في حقّه: أنا مدينة العلم وعلي بابها.

وبما أنّ الهلال لا يختلف عن البدر، بل هو جزء منه، فقد كان لسيّد الأولياء ما كان لسيّد الأنبياء، ففي الحديث: خلقت أنا وعلي من نورٍ واحد، علي منّي وأنا منه، ومن امتزاج أحكام الشرائع المصطفويّة، وأعلام الحقائق المرتضويّة، ظهرت نجوم مشارب أذواق أعيان الأولياء، وذاك قول سيّد الأنبياء بحقّ سيّد الأصفياء: أنا وأنت أبوا هذه الأُمّة، فإنّه إشارة إلى هذا المعنى، لأنّه منبع أسرار معارف التوحيد، ومطلع أنوار معالم التحقيق.

وإنّ حصول كمال درجات الأسرار لجميع أهل الكشف والشهود، إنّما كان ولا يزال وسيكون من ينبوع هدايته، إذ قال: أنا المنذر وبك يا علي يهتدي المهتدون.

وإذا انكشف لك هذا السرّ فاعلم بأنّ طوالع أنوار الحقائق لكلّ وليّ من الأولياء، إنّما هي مقتبسة من مشكاة ولاية علي، وإنّه مع وجود الإمام الهادي فلا يتّبع غيره إلّا أحول العينين ».

وكذا قال اللّاهيجي النوربخشي في ( شرح گلشن راز ).

والهمداني واللاهيجي من أعلام الصوفية كما هو معروف.

قوله:

ومن هنا، فإنَّ سلاسل جميع فرق أولياء الله تنتهي إليه.

٣٨٢

أقول:

هذا إعتراف من ( الدهلوي ) بأحد مقامات أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وبجانبٍ من كمالاته المختصّة به، وإن كان غرضه من هذا الكلام نفي وجود صفات الأنبياء فيه، عليه وعليهم‌السلام .

بل قد ذكر ( الدهلوي ) في موضع من كتابه ( التحفة ) بأنّ مقام الولاية والإمامة في الطريقة أفضل من كلّ مقام، فقد ذكر في الباب الثاني منه، في المكيدة الخامسة والثمانين من المكائد، ما تعريبه: « المكيدة الخامسة والثمانون: إفتراؤهم على أهل السنّة والجماعة بأنَّهم يختارون مذهب أبي حنيفة، ومذهب الشافعي، ومذهب مالك، ومذهب أحمد ويتركون مذهب الأئمّة، على أنّ الأئمّة أحقّ وأولى بالإتّباع لوجوه:

أحدها: إنّ الأئمّة بضعة الرسول، وقد تربّوا في حجره، وتعلّموا الأحكام الشرعيّة منذ الصغر، وقد اشتهر المثل: أهل البيت أدرى بما فيه.

والثاني: الأمر باتّباعهم في الحديث الصحيح المعتبر عند أهل السنّة كذلك، وهو قوله صلّى الله عليه وسلّم: إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي: كتاب الله وعترتي أهل بيتي.

وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلّف عنهما غرق.

والثالث: وقوع الإتّفاق بين السنّة والشيعة على عظمة أهل البيت وعلمهم وتقواهم وزهدهم، وأما غيرهم فقد وقع الاختلاف فيه، ولا ريب في أولويّة من اتّفق عليه في الصفات المذكورة بالإتّباع ممّن اختلف فيه.

والجواب على هذه المكيدة هو: إنّ الإمام نائب عن النبي، والنائب عن

٣٨٣

النبي ليس بصاحب مذهب، بل هو صاحب الشريعة، لأنّ المذهب طريق فهم الأحكام، حيث يقرّر صاحب المذهب قواعد عقليّة يستنبط منها المسائل الشرعيّة، ولذلك يحتمل الخطأ والصوّاب فيه.

أمّا الإمام فهو معصوم من الخطأ، وحكمه حكم النبي، فلا يصحّ نسبة مذهبٍ إليه، ومن هنا ينسب المذهب إلى غير الله وجبريل والملائكة والأنبياء، بل لا ينسب إلى فقهاء الصحابة وهم أفضل من أبي حنيفة والشافعي عند أهل السنّة

وفي الحقيقة: إنّ الحكمة من نصب الإمام هو إصلاح الأرض، وإزالة الفساد عنها، فيكمّل الإمام موارد النقص في الفنون، ويترك ما صحَّ منها على صحّته، لئلّا يلزم تحصيل الحاصل، وإهمال الأمور الضرورية.

فقام الأئمّة في أيّامهم بأهم الاُمور، وهو وضع مقدّمات السّلوك والطريقة، ووضعوا القيام باُمور الشّريعة على عواتق الصحابة، وتوجّهوا نحو العبادة والرياضة، وتزكية الباطن، وقراءة الأذكار والأدعية والصلوات، وتهذيب الأخلاق، وتعليم أسرار السّلوك، وإرشاد النّاس إلى الحقائق ومعارف الكتاب والسنّة، وآثروا العزلة والخلوة »(١) .

فكلام ( الدهلوي ) صريح في أنّ هداية الناس إلى الحقائق الباطنيّة، وإرشادهم إلى المعارف المعنويّة، أهم من استنباط الأحكام الشرعيّة، وبيان الوظائف الظاهريّة

ولا ريب في أنّ من يقوم بالأمر الأفضل، أفضل ممّن لا يقدر على ذلك الأمر فيشتغل بغيره فهذه جهة.

ومن جهةٍ اُخرى: صرّح ( الدهلوي ) بأنّ حكم أئمّة أهل البيت حكم

____________________

(١). التحفة الإثنا عشرية: ٧٢.

٣٨٤

النبيّ، وأنّهم معصومون كالنّبي ولا ريب في استلزام ذلك الأفضليّة من غير المعصوم.

ومن جهةٍ ثالثة: ذكر ( الدهلوي ) في ( تفسيره ) أنّ أئمّة أهل البيت ساووا جدّهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العصمة والحفظ والفتوّة والسّماحة، وبأنّهم المظاهر الكاملة لصفات النّبيّ، وهذا هو السرّ في انتهاء جميع سلاسل أولياء الله إليهم

ذكر هذا الكلام بتفسير قوله تعالى: و( حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ ) من سورة الحاقّة

دعوى والد الدهلوي انتهاء السلاسل إلى الشيخين

فهذه كلمات ( الدّهلوي ) في موارد مختلفة من بحوثه، ولكن هل تعلم بأنَّ هذه الكلمات بمثابة الردّ الصريح لكلمات والده؟!

إنّ والده زعم أنّ الشّيخين هما المرجع لأولياء الله، وأنّهما المؤسّسان لاُصول الطريقة والسّلوك، وأنّ أبا بكر هو أوّل صوفيّ، وهو محيي طريقة الصوفيّة إلى غير ذلك ممّا قال في كتابه ( قرّة العينين ).

لقد بالغ والد ( الدهلوي ) في الإستدلال على هذه المزاعم، لكن عبارات ولده جعلتها كهشيم تذروه الرّياح

إنكار إبن تيميّة إنتهاء السلاسل إلى علي

وليس ولي الله الدهلوي أوّل من نفى عن أمير المؤمنينعليه‌السلام علم الطريقة، بالإضافة إلى نفيه عنه علم الشريعة، فلقد سبقه ابن تيميّة في هذا المضمار، حيث قال في جواب قول العلّامة الحلّيرحمه‌الله : « أمّا علم الطريقة

٣٨٥

فإليه منسوب، فإنّ الصوفيّة كلّهم يسندون الخرقة إليه » قال ابن تيميّة:

« والجواب

أنْ يقال أوّلاً: أمّا أهل المعرفة وحقائق الإيمان، المشهورون في الأُمّة بلسان الصّدق، فكلّهم متّفقون على تقديم أبي بكر، وأنّه أعظم الاُمّة في الحقائق الإيمانيّة والأحوال العرفانية، وأين من يقدّمونه في الحقائق التي هي أفضل الاُمور عندهم إلى من ينسب إليه لباس الخرقة؟ فقد ثبت في الصحيحين عن النبيّ صلّى لله عليه وسلّم أنّه قال: « إنّ الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، وإنّما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم » فأين حقائق القلوب من لباس الأبدان؟

ويقال ثانياً: الخرق متعددة، أشهرها خرقتان، خرقة إلى عمر، وخرقة إلى علي، فخرقة عم إسنادان، إسناد إلى اُويس القرني، وإسناد إلى أبي مسلم الخولاني. وأمّا الخرقة المنسوبة إلى علي، فإسنادها إلى الحسن البصري، والمتأخّرون يصلونها بمعروف الكرخي، فإنّ الجنيدرضي‌الله‌عنه صحب السري [ السقطي ]، والسّري صحب معروفاً الكرخي بلا ريب.

وأمّا الإسناد من جهة معروف فمنقطع، فتارة يقولون: إنّ معروفاً صحب علي بن موسى الرضا، وهذا باطل قطعاً، لم يذكره المصنّفون لأخبار معروف، بالإسناد الثابت المتّصل، كأبي نعيم، وأبي الفرج ابن الجوزي، في كتابه الّذي صنّفه في فضائل معروف. ومعروف كان منقطعاً في الكرخ، وعلي بن موسى كان المأمون قد جعله وليّ العهد بعده، وجعل شعاره لباس الخضرة، ثمّ رجع عن ذلك، وأعاد شعار السواد، ومعروف لم يكن ممّن يجتمع بعلي بن موسى، ولا نقل عنه ثقة أنّه اجتمع به، أو أخذ عنه شيئاً، بل ولا يعرف أنّه رآه، ولا كان معروف بوّابه، ولا أسلم على يديه، فهذا كلّه كذب.

وأمّا الإسناد الآخر فيقولون: إنّ معروفاً صحب داود الطائي، وهذا أيضاً

٣٨٦

لا أصل له، وليس في أخباره المعروفة ما يذكر فيها أخذه عن داود الطائي شيئاً، وإنّما نقل عنه الأخذ عن بكر بن خنيس العابد الكوفي ، وفي إسناد الخرقة أيضاً أنّ داود الطائي صحب حبيب العجمي، وهذا أيضاً لم يعرف له حقيقة، وفيها أنّ حبيباً العجمي صحب الحسن البصري، وهذا صحيح، فإنّ الحسن كان له أصحاب كثيرون، مثل أيوب السختياني، ويونس بن عبيد، وعبدالله بن عون، ومحمّد بن واسع، ومالك بن دينار، وحبيب العجمي، وفرقد السنجي، وغيرهم من عبّاد أهل البصرة.

وفي الخرقة: إنّ الحسن البصري صحب عليّاً. وهذا باطل باتّفاق أهل المعرفة، فإنّهم متّفقون على أنّ الحسن لم يجتمع بعلي، وإنّما أخذ عن أصحاب علي، أخذ عن الأحنف بن قيس، وقيس بن عباد، وغيرهما، عن علي. وهكذا رواه أهل الصحيح

وقد كتبت أسانيد الخرقة، لأنّه كان لنا فيها أسانيد، فبيّنتها ليعرف الحق من الباطل.

ولهم إسناد ثالث بالخرقة المنسوبة إلى جابر، وهو [ أيضاً ] منقطع جداً.

وقد علم بالنقل المتواتر: إنّ الصّحابة لم يكونوا يلبسون مريديهم خرقة، ولا يقصّون شعورهم، ولا التابعون لهم بإحسان ، ولكن هذا فعله بعض مشايخ المشرق من المتأخّرين

وكذا أصحاب معاذ بن جبل كانوا يأخذون عن عبدالله بن مسعود وغيره، وكذلك أصحاب ابن عباس يأخذون عن ابن عمر وأبي هريرة وغيرهما، وكذلك أصحاب زيد بن ثابت، يأخذون عن أبي هريرة وغيره. وقد انتفع بكلٍّ منهم من نفعه الله به.

وكلّهم متّفقون على دينٍ واحد، وطريقة واحدة، وسبيل واحد، يعبدون

٣٨٧

الله، ويطيعون رسوله محمّداً صلّى الله عليه وسلّم، ومن بلّغهم من الصادقين عن النبي شيئاً قبلوه، ومن فهّمهم من القرآن والسنّة ما دلّ عليه القرآن والسنّة استفادوه، ومن دعاهم إلّى الخير الذي يحبّه الله والرّسول أجابوه.

ولم يكن أحد منهم يجعل شيخه ربّاً، يستغيث به كالإله الذي يسأله، ويرغب إليه، ويعبده، ويتوكّل عليه، ويستغيث به حيّاً وميّتاً، ولا كالنبي الذي تجب طاعته في كلّ ما أمر

وأكثر المسلمين بالمشرق والمغرب، لم يأخذوا عن علي شيئاً، فإنّهرضي‌الله‌عنه كان ساكناً بالمدينة.

وأهل المدينة لم يكونوا يحتاجون إليه، كما يحتاجون إلى نظائره، كعثمان في مثل قضيّة شاورهم فيها عمر، ونحو ذلك.

ولمـّا ذهب إلى الكوفة، كان أهل الكوفة قبل أنْ يأتيهم قد أخذوا الدّين عن سعد بن أبي وقّاص، و عبدالله بن مسعود، وحذيفة بن اليمان ، وعمّار بن ياسر ، وأبي موسى الأشعري ، وغير هؤلاء ، ممّن أرسله إلى الكوفة.

وأهل البصرة أخذوا الدين عن عمران بن حصين، وأبي بكر، وعبد الرحمن بن سمرة، وأنس بن مالك ، وغيرهم من الصّحابة.

وأهل الشام أخذوا الدّين عن معاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت، وأبي الدرداء، وبلال بن رباح ، وغيرهم من الصّحابة.

والعبّاد، والزهّاد، من أهل هذه البلاد، أخذوا الدين عمّن شاهدوه من الصحابة، فكيف يجوز أن يقال: إنّ طريق أهل الزهد والتصوف متّصل به دون غيره ، وهذه كتب الزهد، مثل الزهد للإمام أحمد بن حنبل، والزهد لـعبدالله بن المبارك، و الزهد لوكيع بن الجراح، و الزهد لهنّاد بن السري، ومثل كتب أخبار الزهّاد، كحلية الأولياء، وصفوة الصفوة، وغير ذلك، فيها من أخبار الصحابة والتابعين

٣٨٨

، اُمور كثيرة، وليس الذي فيها لعلي أكثر ممّا فيها لأبي بكر، وعمر، ومعاذ بن جبل ، وابن مسعود، واُبي بن كعب، وأبي ذر، وأبي الدرداء، وأبي اُمامة، وأمثالهم من الصّحابة »(١) .

وهذه العبارة - وإن أبطلها ( الدّهلوي ) في كلامه الّذي نصّ فيه على انتهاء جميع السلاسل والطرق إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وفيه غنىً وكفاية - تشتمل على هفوات كثيرة، بل لقد وصف ابن تيميّة من يقدّم الإمامعليه‌السلام على أبي بكر في علم الباطن بالملاحدة وقال: « والملاحدة المنتسبون إلى التصوّف، كابن سبعين، وابن عربي، والتلمساني، وأمثالهم، وإنْ كانوا يعظِّمون الخلفاء الثلاثة، فهم يميلون إلى التشيّع، وعامّتهم يفضّلون عليّاً على أبي بكر، إمّا مطلقاً، وإمّا في علم الباطن، كما فعل ذلك أبو الحسن الجزلي وطائفة من نمطه، فاشترك جنس الملحدين في التشيّع ».

فكان ابن تيميّة ينسب ( الدهلوي ) الّذي نصَّ على انتهاء السلاسل إلى الإمامعليه‌السلام - بعد إنكار الكلمات النبويّة ونفيها عنه - تخديعاً للعوام، إلى الرّفض والإلحاد!! بالإضافة إلى ما تقدَّم من مخالفة ( الدهلوي ) لوالده، مع اعتقاده فيه أشدّ الإعتقاد!!

ردّ المولوي حسن زمان على ابن تيميّة ووالد الدهلوي

ولقد أحسن العلّامة المولوي حسن زمان، في الردّ على كلمات ابن تيميّة وأجاد، فمن المناسب نقل كلامه - في ( القول المستحسن في فخر الحسن ) - بطوله حيث قال:

« وصل - لمـّا تمّ الكلام في المرام، من تحقيق الإتّصال بالإمكان، الذي

____________________

(١). منهاج السنّة ٨ / ٤٣ - ٥٠.

٣٨٩

كاد أنْ يكون وجوباً، واللقاء والسّماع وذكر ما تيسّر من عداد من أثبته من الأئمّة الحفّاظ، والمحدّثين الأيقاظ، رضي الله عنهم، فأراد محمّد المشتهر بفخر الدين أنْ يشير إلى اُناسٍ ينكرونه، فقد وجد بعد التفتيش والفحص شرذمة من المتقدّمة، وفرقة من المتأخّرة.

فمن الاُولى: من يقول: لم يثبت سماعه منه، أي عنده.

قال السيوطي في زاد المسير: الحفاظ مختلفون في سماع الحسن البصري من علي رضي الله تعالى عنهما، فمنهم من لم يثبته كالبخاري، ويحيى ابن معين.

ونقل في إتحاف الفرقة عن ابن حجر في تهذيب التهذيب: قال يحيى بن معين: لم يسمع الحسن من علي بن أبي طالب، قيل: لم يسمع من عثمان، قال: يقولون عنه: رأيت عثمان قام خطيباً. وقال غير واحد: لم يسمع من عليرضي‌الله‌عنه انتهى. وسئل أبو زرعة: هل سمع الحسن أحداً من البدريين؟ قال: رآهم رؤيةً، رأى عثمان وعليّاً، فقيل: سمع منهما شيئاً؟ قال: لا. وقال البزار: روى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ولم يسمع منه، وبينهما قيس بن عباد وابن الكوا. ولم يثبت له سماع من أحدٍ من أهل بدر.

قلت: قد صحَّ عند سائر أئمّة الشأن، بوجوهٍ ثابتة، سماعه من عثمان زمان اجتماعهما هما وعلي، في مكانٍ، وكذا اجتمع بالمرتضى بعده إلى مدة، فقد سمع منه علوماً جمّة لا محالة، كما مضى في المقدمة، وكفى ردّاً على ابن معين وموافقيه، برواية صاحبه أبي يعلى الصحيحة على شرطه، وتشديد هؤلاء العلماء في الأسانيد، واعتمادهم على استقرائهم، معلوم لا يحتاج إلى بيان.

قال الذهبي، في فصل ذكره بعد تصنيف الميزان - عقب نقل كلام ابن معين في الإمام الشافعي - فقد آذى ابن معين نفسه بذلك، ولم يلتفت أحد إلى كلامه

٣٩٠

في الشافعي، ولا إلى كلامه في جماعة من الأثبات. انتهى. وكذا كلام البخاري في الأئمّة، كشيخنا عبدالواحد، وفقيهنا أبي حنيفة. والبزّار - قال أبو أحمد الحاكم -: يخطىء في الإسناد والمتن، جرحه النسائي. وقال حمزة السهمي عن الدارقطني: كان ثقة يخطىء كثيراً ويتّكل على حفظه. وقال أبو الشيخ عقب الثناء عليه: وغرائب حديثه وما ينفرد به كثير.

ومع هذا كلّه فكيف يقبل نفيهم مطلقاً، سيّما وقد عارضه أثبات الأثبات، بالححج البيّنات.

ومنها - من يقول: لا نعرف ولا نعلم سماع الحسن من علي كرّم الله وجهه. كالترمذي. فلا يلزم من عدم ثبوته عندهم، أو عدم معرفتهم، عدمه في الوجود، فهم فيه معذورون.

ومن الاُخرى: من يسلك طريقة المتعصّبة، فيقول مجازفةً من غير استقراء وتتبّع أقوال الأفاضل: إنّ الإجتماع والسّماع كليهما باطل، باتفاق الأماثل. منهم: اُعجوبة وقته ابن تيميّة الحنبلي، غفر الله له، ونحى نحوه صاحب « القرة »(١) .

وقد قال شيخ الإسلام الإمام الحافظ أبو الفضل ابن حجر العسقلاني في « الدرر الكامنة » في ترجمته - بعد ذكر مناقبه ومثالبه: كالقول بحرمة زيارة قبر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقد نحا نحوه صاحب القرة في « الحجة »(٢) ، فإنّه قال في حديث: لا تشدّوا الرّحال، بعد ذكر الحكمة فيه من سدّ الفساد، والذريعة لعبادة غير الله تعالى: والحق عندي: إنّ القبر، ومحلّ عبادة وليّ من أولياء الله تعالى، والطور، كلّ ذلك سواء في النهي. ثمّ لم يذكر في المناسك شيئاً ممّا ثبت

____________________

(١). يعني قرة العينين لولي الله الدهلوي.

(٢). يعني الحجة البالغة لولي الله الدهلوي.

٣٩١

من أحاديث الزيارة النبويّة، على صاحبها الصّلاة والتحيّة، مع التزامه هنالك لذكر نحو ذلك، فهو مع ابن تيميّة بلا ريبة، والعجب أنّه مع هذا قال في حديث زيارة القبور: كان نهى عنها، لأنّها تفتح باب العبادة لها، فلمـّا استقرّت الاُصول الإسلاميّة، واطمأنّت نفوسهم على تحريم العبادة لغير الله، أذن فيها. إنتهى.

وعدم صحّة إسلام علي المرتضى، كرّم الله وجهه، لكونه صبيّاً، بل التدارك عليه، وعلى الذريّة الطاهرة، باعتراضات سخيفة مردودة، وقد نحى نحوه صاحب القرة، بتلويحات قريبة من التصريحات، وإشارات شبيهة بالعبارات، بأدنى تغيير ممّا للنواصب، مع ذكر علي المرتضى كرّم الله وجهه، في كلٍّ موضع منها بلفظ « المرتضى ».

وكذا وضع في كتابه: « إزالة الخفاء عن خلافة الخلفاء » أشياء تسمّيه إزالة الخلافة والهداية عن خاتم الخلافة وفاتح الولاية، لا نستبيح ذكر شيء منها.

والكتابان بين ظهراني الناس الآن، وكفى ردّاً لما فيهما من هذا، بكلمات ولده صاحب « التحفة الإثنا عشرية » وغيره، نسأل الله السلامة والعصمة.

وأمّا تصحيح إسلام المرتضى وهو صغير، فقال الجاحظ: مستنبط من كونه أقرّ على ذلك. قال الشيخ قاسم بن قطلوبغا الحنفي في تخريج أحاديث الإختيار: أوضح من هذا ما روى ابن سعد في الطبقات: أنا إسماعيل بن أبي أويس، ثني أبي، عن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعا عليّاً إلى الإسلام وهو ابن تسع سنين، ويقال: دون التسع، ولم يعبد وثباً قط لصغره. انتهى. قال: فلو لم يكن الإسلام مقبولاً منه لما دعاه إليه. إنتهى.

قلت: وكذا دعا شرذمةً من أطفال الصحابة إلى الإسلام، وقبله منهم، كما يظهر من كتب الأثر، وقد بايع عبدالله بن الزبير، وجعفر بن الزبير، وعبدالله بن

٣٩٢

جعفر، وهم أبناء سبع سنين. رواه أبو نعيم وابن عساكر وغيرهما. وللطبراني بسند جيّد جداً عن الإمام محمّد الباقر: إنّ النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بايع الحسن والحسين وعبدالله بن عباس وعبدالله بن جعفر، وهم صغار لم يعقلوا، ولم يبلغوا، ولم يبايع صغيراً إلّا منّا. إنتهى. وإنّما المردّ في ذلك كلّه في علم الحكم إلى الفهم. وأوضح من ذلك كلّه في صحة إسلام المرتضى صبياً ما في أحاديث في مقام تفضيله أنّه أوّلهم إسلاماً.

ونسبة أمير المؤمنين عثمان بن عفّان رضي الله تعالى عنه إلى حبّ المال.

وردّ الأحاديث الموجودة في السنن، وإنْ كانت ضعيفة، وتبعه صاحب القرّة، بل قد ترقى فردّ الدواوين الإسلاميّة، غير الكتب الخمسة والموطأ ومسند أحمد.

وذكر إختلاف العلماء الكرام في حقّه، وقال -: إنّا لا نعتقد في حقّه عصمةً، بل إنّا نخالفه في مسائل أصليّة وفرعيّة.

وقال في « لسان الميزان » في ترجمة إبن المطهر الرافضي: وصنّف كتابه في فضائل عليرضي‌الله‌عنه ، فنقضه الشيخ تقي الدين إبن تيميّة في كتابٍ كبير، وقد أشار الشيخ تقي الدين السبكي إلى ذلك في أبياته المشهورة حيث قال: وابن المطهّر لم يظهر خلافه ولابن تيميّة ردّ عليه واستيفاء أجوبة(١) . لكنّه يذكر بقيّة الأبيات، فيما يعاتب به ابن تيميّة من العقيدة، طالعت الردّ المذكور، فوجدته كما قال السبكي في الإستيفاء، لكن وجدته كثير التحامل إلى الغاية في ردّ الأحاديث التي يوردها ابن المطهر، وإن كان معظم ذلك من الموضوعات

____________________

(١). أصل البيتين في الدرر الكامنة، المظهرين للأحقاد الكامنة هكذا:

وابن المطهر لم تطهر خلائقه

داع إلى الرفض غال في تعصّبه

ولابن تيميّة ردّ عليه له

أجاد في الردّ واستيفاء أضربه

٣٩٣

والواهيات، لكنّه ردّ في ردّه كثيراً من الأحاديث الجياد، إلى قوله: يهم ويصل من ممانعته لتوهين كلام الرافضي أحياناً إلى تنقيص علي والترجمة لا تحتمل إيضاح ذلك، وإيراد أمثلته.

قلت: ومع ذلك، كونه لم يذكره في « اللّسان » كالذهبي في « الميزان » مع ذكر الأجلّاء فيهما، من عجائب الزمان.

وقال الإمام أبو عبدالله الذهبيرحمه‌الله في « تاريخه » - مع كونه من أتباعه في كثير، كما لا يخفى، بعد ذكر نحوها -: فهو بشر له ذنوب وخطايا.

وكذا ذكر الإمام اليافعي، وغير واحد من الأئمّة.

وقال العلّامة ابن حجر المكي في « الجوهر المنظم في زيارة القبر المكرَّم »: مَن ابن تيميّة حتّى ينظر إليه أو يعوَّل في شيء من أمور الدين عليه؟! وهل هو إلّا - كما قال جماعة من الأئمّة الذين تعقّبوا كلماته الفاسدة، وحججه الكاسدة، حتّى أظهروا عوار سقطاته، وقبائح أوهامه وغلطاته، كالعزّ ابن جماعة - عبدٌ أضلّه الله وأغواه، وألبسه رداء الخزي وأرداه وبواه، من قوّة الإفتراء والكذب ما أعقبه الهوان، وأوجب له الحرمان. ولقد تصدىّ شيخ الإسلام، وعالم الأنام، المجمع على جلالته واجتهاده وصلاحه وإمامته، التقي السبكي، قدّس الله روحه ونوّر ضريحه، الردّ عليه في تصنيف مستقلٍ، أفاد فيه وأجاد، وأصاب وأوضح بباهر حجبه طريق الصّواب، فشكر الله مسعاه، وأدام عليه شآبيب رحمته ورضاه.

ومن عجائب الوجود ما تجاسر عليه بعض الشرفاء من الحنابلة، فغبر في وجوه مخدّراته الحسان، التي لم يطمثهنّ إنس قبله ولا جان، وأتى ما دلَّ على جهله، وأظهر به عوار غباوته وعدم فضله وتدارك ابن تيميّة سيّما الخلفاء الراشدين، باعتراضات سخيفة شهيرة، وأتى من نحو هذه الخرافات بما تمجّد

٣٩٤

الأسماع، وتنفر منه الطّباع.

وهكذا ذكر العلّامة المحدّث البرنسي في « إتحاف أهل العرفان برؤية الأنبياء والملائكة والجان».

وقال العلّامة الحافظ الشامي صاحب السيوطي، في سيرته المسمّاة بـ « سبل الهدى والرّشاد في سيرة خير العباد » صلّى الله عليه وسلّم: مشروعيّة السّفر لزيارة قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأمجاد: قد ألّف فيها الشيخ تقي الدين السبكي، والشيخ كمال الدين ابن الزملكاني، والشيخ داود أبو سليمان صاحب كتاب الإنتصار، وابن جملة، وغيرهم من الأئمّة، وردّوا على الشيخ تقي الدين ابن تيميّة، فإنّه أتى في ذلك بشيء منكر لا يغسله البحار.

وممّن ردّه عليه من أئمّة عصره: العلّامة محمّد بن يوسف الزرندي المدني المحدّث، في « بغية المرتاح إلى طلب الأرباح ».

ثمّ في هذا كلّه ردّ جيد على ما وقع للقاري(١) ، من الإشارة إلى تأويل مذهبه هذا، وحمله على محامل بعيدة من مقصود، على مراحل، وزعمه أنّه من أولياء الله، فلا حول ولا قوّة إلّابالله.

قال الشيخ العلّامة شهاب الدين أبو عبدالله أحمد البرنسي المالكي الشاذلي المعروف برزّوق في « شرح حزب البحر »: فإنْ قلت: قد أنكر ابن تيميّة هذه الأحزاب، وردّها ردّاً شنيعاً، فما جوابه؟ قلنا: ابن تيميّة رجل مسلّم له باب الحفظ والإتقان، مطعون عليه في عقائد الإيمان، ملموز بنقص العقل فضلاً عن العرفان، وقد سئل عنه الشيخ الإمام تقي الدين السبكي فقال: هو رجل علمه أكبر من عقله.

قلت: ومقتضى ذلك أن يعتبر بنقله لا بتصرّفه في العلم، قلت: بل ينبغي أن

____________________

(١). يعني الشيخ علي بن سلطان القاري.

٣٩٥

لا يعتبر من نقله، إلّا بما تخلّص فيه من التعصّب والتعسّف، لا مطلقاً، يتّضح لك ذلك ممّا نقله هنالك.

وقد بالغ بعض علماء الظّاهر، فأطلق أنّ: من سمّى إبن تيميّة بشيخ الإسلام كافر، ولا يخفى ما فيه، ولذا ألّف ابن ناصر الدين الشافعي عليه كتابه: « الرد الوافر » ولكنّي لم أقف عليه إلى الآن.

وبالجملة، فالفقهاء والعرفاء ليسوا أشدّ تغليظاً على أحدٍ من أهل العلم منهم عليه، فثناء من أثنى عليه من العلماء فيما نقله ابن ناصر الدين في التبيان بعضه يرجع إلى علمه، وبعضه وقع من عدم الوقوف على سقمه من فضائحه وقبائحه.

قال إبن تيميّة في منهاج السنّة: ( قال الرافضي: وأمّا علم الطريقة فإليه منسوب، فإنّ الصوفية كلّهم يسندون الخرقة إليه. والجواب: أوّلاً: أمّا أهل المعرفة وحقائق الإيمان المشهورون في الاُمّة بلسان الصّدق، فكلّهم متّفقون على تقديم أبي بكر، وأنّه أعظم الاُمّة في الحقائق الإيمانيّة والأحوال العرفانيّة ).

أمّا نقل ابن تيميّة اتّفاق أهل المعرفة على تقديم أبي بكر على علي رضي الله عنهما في الطريقة وعلم الحقيقة، فلا أصل له أصلاً قال الجنيد رضي الله تعالى عنه: صاحبنا في هذا الأمر الذي أشار إلى ما تضمّنته القلوب، وأومئ إلى حقائقه وأوّله - بعد نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه . ذلك امرؤ اُعطي علماً لدنيّاً، يعني علم التصوّف. وقال أيضاًرضي‌الله‌عنه : أمير المؤمنين علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه لو تفرغ إلينا من الحروب لنقل إلينا عنه من هذا العلم - يعني علم الحقائق والتصوّف - ما لا تقوم له القلوب.

أوردهما الإمام أبو عبدالرحمن السّلمي الصوفي الحافظ شيخ الحاكم

٣٩٦

والبيهقي وأمثالهما. ونقلهما عنه الشيخ محمّد البخاري، ثمّ المدني المعروف بخواجه فارسا الحنفي، في « فصل الخطاب ».

وقال الإمام علي بن عثمان بن علي الجلابي الغزنوي، المحدّث، الفقيه الحنفي، الصوفي، في « كشف المحجوب » قال سيّد الطائفة الجنيدرضي‌الله‌عنه : شيخنا في الاُصول والبلاء علي المرتضى - يعني إنّ إمامنا في علم الطريقة ومعاملاتها هو علي المرتضى كرّم الله وجهه. فإنّ أهل الطريقة يسمّونها الاُصول ومعاملاتها كلّها بلاءً. إنتهى مترجماً.

وأمّا مقالة إبن تيميّة: ( وأين من يقدّمونه في الحقائق التي هي أفضل الاُمور عندهم إلى من ينسب إليه لباس الخرقة، وقد ثبت في الصحيحين عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: إنّ الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم وإنّما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، فأين حقائق القلوب من لباس الأبدان ).

فمردودة، بأنّها ليست حقيقة لبسة الخرقة الفخرية هذا الذي يفهمه، بل هي كناية عن الولاية الباطنيّة، كما أنّ السلاطين الظاهريّة إذا يولّون الولاة يجعلون عليهم ملابس نفائس، إكراماً لهم وإعلاماً بتوليتهم، فالنّبي صلّى الله عليه وسلّم لما قال: « من كنت مولاه فعلي مولاه » عمّمه بعمامته. وسيأتي تمام تحقيقه منّي، بالتعليم الفخري العلوي اللّدني، إن شاء الله العزيز القوي.

( ويقال ثانياً: الخرق متعدّدة أشهرها خرقتان، خرقة إلى عمر، وخرقة إلى علي، فخرقة عمررضي‌الله‌عنه لها إسنادان، إسناد إلى اُويس القرني وإسناد إلى أبي مسلم الخولاني ).

قلت: خرقة الخولاني كالخبر الشاذ الذي لا يعرف، وليس لها ذكر عند جماهير أهل هذه المعرفة والمعاملة الصوفيّة، وإنّما رواها الآحاد. ولا يخفى أنّ نسبة الخرقة الاُويسيّة إلى الحضرة العلويّة، أشهر عند أهلها، وهم الصوفيّة، من

٣٩٧

نسبتها إلى الحضرة العمريّة، وصحبته عليّاً أكثر من اجتماعه بعمر، وروايته عنه أعرف وأظهر من روايته عنه.

( وأمّا الخرقة المنسوبة إلى علي، فإسنادها إلى الحسن البصري ).

من المشهور المذكور، المعلوم للخصوم، إسناد الخرقة الكميليّة والشريحيّة كليهما إلى الحضرة العلويّة خاصة، بلا شبهة في اتّصالها، وفوقها كلّها الطريقة الحسنيّة والحسينيّة، اللتان يقال لكلٍ منهما السلسلة الذهبيّة، وهذه السلاسل ينتظم فيها جمّ غفير من سلاسل الصوفيّة، فلا أدري أنّ الحامل لابن تيميّة على عدم ذكرها، كالاُويسيّة المرتضويّة، الجهل بها، أم محضة عصبيّة رديّة؟ وقد تبعه صا « القرّة » كما مضى، فتنبّه.

ومن المقرّر المحرّر عند أهل السير والعلم بالخبر: إنّ الخرق العلويّة، والطرق المرتضويّة، قد استند إليها، وتخرّج فيها، عالم من أولياء الله لا يحصون كثرة، بل أولياء الدنيا مطلقاً، من الچشتية بشعبها، والمكيّة بشعبها، والقشيريّة بشعبها، والهروية بشعبها، والأحمدية الغزالية بشعبها، والمحمّدية الغزالية بشعبها، والشطارية بشعبها، والرفاعية بشعبها، والقادريّة بشعبها، والمدنية بشعبها، والسهروردية بشعبها، واليسوية بشعبها، والكبروية بشعبها، والأكبرية بشعبها، والشاذلية بشعبها، والنقشبنديّة بشعبها في الغالب، والشريحيّة بسلاسلها وشعبها، وسلاسل آخر. وإنّما ينتسب إلى غيرها آحاد، كالباب الكبار والخوخة الصغيرة للمدينة والدار، فأنصف ولا تعتسف.

( والمتأخرون يصلونها بمعروف الكرخي ).

لم يذكر ما يصلها المتقدمون به، وهو إمامنا إبراهيم البلخي، عن الإمام الفضيل، عن الإمام عبدالواحد، عن الإمام الحسن البصريرضي‌الله‌عنه ، فإنّ هذه الطريقة متصلة بلا شبهة عنده، وبالله العصمة.

٣٩٨

وقال صاحب القرة بعد إيراد تلك الكلمات في السلسلة المرتضوية: إذا اتّضحت هذه المقدّمات، فلزم أنْ نقرّر رفع سلاسل الصوفيّة من جهات متعددة، فنقول: مثلاً صحب إبراهيم والفضيل سفيان، وحصّلا منه تهذيب النفس، وهو من الأعمش، وهو من أصحاب ابن مسعود.

قلت: يا سبحان الله، هل يركب الأسانيد من عنده، من غير أنْ يكون لذلك عند من يستعمل هذه الروايات أصل؟! وهل معنى وضع الإسناد غير هذا؟! ولم يتذكر قوله: ينبغي أن يذكر في المطالب النقليّة الوقوع لا الإمكان، والله المستعان.

قال: وهذه المقالة أصدق وأحق من قولهم: إنّ الفضيل أخذ هذا الفن عن عبد الواحد بن زيد، وهو عن الحسن، وهو عن أمير المؤمنين عليرضي‌الله‌عنه ، لأنّ انتساب الفضيل إلى سفيان أظهر في كتب الحديث وطبقات الصوفيّة من انتسابه إلى عبدالواحد.

قلت: ليست كتب الحديث موضع رواية أخذ الصوفيّة علم الباطن عن شيوخهم، حتّى يذكر ذلك فيها، وينكر ما ينافيها، وكتب طبقات الصوفية التي ألّفها من لا يسند الطريقة إلى الفضيل، فضلاً عن أن يكون أعلم بروايته من غيره، كالقشيري والهروي، ليست بحجّة، مع كونهم لم ينفوا ذلك، على أنّ المثبت مقدم على النافي، ولم يتعرّض لإسناد إبراهيم عن الفضيل، ولا لإسناد عبدالواحد عن الحسن، لأنّه مستعمل عند الكلّ فتأمّل. ثمّ أطال المقال من هذا النمط، في غاية السقط والغلط، نعوذ بالحق ممّا يستحق منه السّخط.

( فإنّ الجنيدرضي‌الله‌عنه صحب السّري، والسّري صحب معروفاً الكرخي بلا ريب. وأمّا الإسناد من جهة معروف فمنقطع، فتارة يقولون إنّ معروفاً صحب علي بن موسى الرضا ).

٣٩٩

لا يخفى ما فيه من رائحة نسبة الأصفياء الأولياء إلى الكذب بالتردد، وإنّما هو ونحوه في السند من التعدّد، ولكن لا طب للتبلّد مع التشدد في التمرّد والتعنّد، ونسأل الله الصمد الودَّ لأوليائه والتودد، والمدد في ذلك للتوكد.

( وهذا باطل قطعاً. لم يذكره المصنّفون لأخبار معروف بالإسناد الثابت المتصل، كأبي نعيم وأبي الفرج ابن الجوزي في كتابه الّذي صنّفه في فضائل معروف ).

قلت: إن لم يرووه لم ينفوه أيضاً، مع أنّ المثبت مقدم على النافي، ومن حفظ وذكر حجة على من لم يحفظ ولم يذكر، على أنّ هذا باطل قطعاً، وأنّى أحاط علمه وحفظه جميع الكتب المفردة في أخبار معروف المعروفة، حتّى يدّعي هذه الدعوى المصروفة؟! هذا الإمام الحافظ الناقد أبو عبدالرحمن السّلمي النيسابوري، عصري أبي نعيم، بل الأكبر منه، المتوفى قبله بثمان عشرة سنة، وصاحبهما الإمام المحدّث المحقّق، من شيوخ الخطيب البغدادي، الحافظ أبو القاسم القشيري، الأكثر اعتناءً ومعرفة بأحوال أمثال معروف، من مثل ابن الجوزي، قد أورده بسنده كلّ منهما في ترجمة معروف، من كتابهما غير المفرد في أخباره.

قال الإمام القشيري: هو من موالي علي بن موسى الرضا رضي الله عنهما، سمعت محمّد بن الحصينرحمه‌الله ، يقول: سمعت محمّد بن عبدالله الرازي يقول: سمعت علي بن محمّد الدلال يقول: سمعت محمّد بن الحسين يقول: سمعت أبي يقول: رأيت معروف الكرخي في النوم بعد وفاته، فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي، فقلت: بزهدك وورعك؟ فقال: لا بل بقبولي موعظة ابن السمّاك ولزومي الفقر، ومحبّتي الفقراء. وموعظة ابن السمّاك ما قال معروف: كنت مارّاً بالكوفة، فوقفت على رجلٍ يقال له: ابن السمّاك، وهو يعظ

٤٠٠