تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

تذكرة الفقهاء11%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: 501

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 180242 / تحميل: 5854
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٦-١
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

سليمان كافرا ساحرا ماهرا. بسحره ملك ما ملك، وقدر على(١) ما قدر. فرد الله ـ عزّ وجلّ ـ عليهم. فقال:( وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ ) . ولا استعمل السّحر [، كما قال هؤلاء الكافرون.( وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا. يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ) ](٢) الذي نسبوه إلى سليمان وإلى ما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت.

وكان بعد نوح ـ عليه السّلام ـ قد كثر السّحرة المموّهون(٣) . فبعث الله تعالى ملكين إلى نبيّ ذلك الزّمان، يذكر ما يسحر به السحرة. وذكر ما يبطل به سحرهم، ويردّ به كيدهم. فتلقّاه النّبيّ، عن الملكين. وأدّاه إلى عباد الله، بأمر الله ـ عزّ وجلّ ـ وأمرهم(٤) أن يقفوا به على السّحرة. وان يبطلوه. ونهاهم أن يسحروا به النّاس. وهذا كما يدلّ على السّمّ ما هو، وعلى ما يدفع به غائلة السّمّ.

ثمّ قال ـ عزّ وجلّ:( وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ، حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ. فَلا تَكْفُرْ ) ، يعني: أنّ ذلك النّبيّ ـ عليه السّلام ـ أمر الملكين، أن يظهرا للنّاس بصورة بشرين، ويعلّماهم ما علّمهما(٥) الله من ذلك. فقال الله ـ عزّ وجلّ:( وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ ) ذلك السّحر وإبطاله،( حَتَّى يَقُولا ) للمتعلّم:( إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ ) وامتحان للبلاء(٦) ، ليطيعوا الله فيما يتعلّمون من هذا، ويبطلوا به كيد السّحرة. ولا يسحروهم. «فلا تكفر» باستعمال هذا السّحر وطلب الإضرار به ودعاء النّاس إلى أن يعتقدوا أنّك به تحيي وتميت وتفعل ما لا يقدر عليه إلّا الله ـ عزّ وجلّ. فأنّ ذلك كفر. قال الله تعالى: «فيتعلّمون»، يعني: طالبي السّحر، «منهما»، يعني: ممّا كتبت الشّياطين على ملك سليمان، من النّيرنجات وما(٧) أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت، «يتعلّمون من» هذين الصّنفين،( ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ) . هذا من يتعلّم للإضرار(٨) بالناس. يتعلّمون التضريب بضروب الحيل والتمائم والإيهام، وأنّه قد دفن في موضع كذا، وعمل كذا لتحبّب المرأة إلى

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) المصدر: والمموّهون.

(٤) المصدر: فأمرهم.

(٥) الأصل ور: علّمهم.

(٦) المصدر: للعباد. وهو الظاهر.

(٧) المصدر: مما.

(٨) المصدر: من يتعلّم الإضرار.

وأشار في الهامش إلى أنّه في بعض النسخ كما موجود في المتن هنا.

١٠١

الرّجل والرّجل إلى المرأة، أو(١) يؤدي إلى الفراق بينهما.

ثمّ قال ـ عزّ وجلّ:( وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ، إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ ) ، أي: ما المتعلّمون لذلك(٢) بضارّين به من أحد، إلّا بإذن الله، يعني: بتخلية الله وعلمه. وإنّه لو شاء، لمنعهم بالجبر والقهر.

ثمّ قال:( وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ ) . إذا تعلّموا ذلك السّحر، ليسحروا به، ويضرّوا، قد تعلّموا ما يضرّهم في دينهم ولا ينفعهم فيه. بل ينسلخون عن دين الله بذلك. ولقد علّم هؤلاء المتعلّمون لمن اشتراه بدينه الّذي ينسلخ عنه بتعلّمه،( ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ) ، أي: من نصيب في ثواب الجنّة.

ثمّ قال تعالى:( وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ) . ورهنوا(٣) بالعذاب،( لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) أنّهم قد باعوا الآخرة، وتركوا نصيبهم من الجنّة. لأنّ المتعلّمين لهذا السّحر الّذين يعتقدون أنّ لا رسول ولا إله ولا بعث ولا نشور. فقال:( وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ) . لأنّهم يعتقدون(٤) أنّها إذا لم تكن آخرة، فلا خلاق لهم في دار بعد الدّنيا. وإن كان بعد الدّنيا، آخرة. فهم مع كفرهم بها، لا خلاق لهم فيها.

ثمّ قال:( وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ) (٥) » إذ باعوا الآخرة بالدّنيا ورهنوا بالعذاب الدّائم أنفسهم،( لَوْ [كانُوا ]) (٦) ( يَعْلَمُونَ ) أنّهم قد باعوا أنفسهم بالعذاب. ولكن لا يعلمون ذلك، لكفرهم به، فلمّا تركوا النّظر في حجج الله، حتّى يعلموا أنّهم عذّبهم على اعتقادهم الباطل وجحدهم الحقّ.

قال يوسف بن محمّد بن زياد وعليّ بن محمّد بن سيّار، عن أبويهما: إنّهما قالا: فقلنا للحسن، أبي القائم ـ عليه السّلام(٧) : فإنّ قوما عندنا، يزعمون أنّ هاروت وماروت ملكان اختارتهما(٨) الملائكة لـمّا كثر عصيان بني آدم، وأنزلهما مع ثالث لهما، إلى الدّنيا(٩) ، وإنّهما قد افتتنا بالزّهرة، وأرادا الزّنا بها، وشربا الخمر، وقتلا النّفس المحرّمة، وإنّ الله ـ عزّ

__________________

(١) المصدر: و.

(٢) المصدر: بذلك. وهو الظاهر.

(٣) المصدر: رهنوها. وهو الظاهر.

(٤) المصدر: لأنّهم يعتقدون أنّ لا آخرة فهم يعتقدون.

(٥) المصدر: أنفسهم بالعذاب.

(٦) يوجد في المصدر.

(٧) المصدر: للحسن بن عليّ.

(٨) المصدر: اختارهما الله.

(٩) المصدر: دار الدنيا.

١٠٢

وجلّ ـ يعذّبهما ببابل، وإنّ السّحرة منهما يتعلّمون السّحر، وإنّ الله تعالى مسخ تلك المرأة هذا الكوكب الّذي هو الزّهرة.

فقال الإمام ـ عليه السّلام: معاذ الله من ذلك. إن (الملائكة)(١) معصومون محفوظون من الكفر والقبائح، بألطاف الله تعالى. قال الله تعالى فيهم(٢) : «( لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ. وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ) . وقال ـ عزّ وجلّ(٣) :( وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. وَمَنْ عِنْدَهُ ) ، يعني: الملائكة، «لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ. وَلا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ . وقال الله تعالى(٤) في الملائكة ـ أيضا:( بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ. لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ. وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ. يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ. وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى. وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ) .

ثمّ قال ـ عليه السّلام: لو كان كما يقولون، كان الله قد جعل هؤلاء الملائكة خلفاءه على(٥) الأرض. وكانوا كالأنبياء في الدنيا و(٦) كالأئمّة. فيكون من الأنبياء والأئمّة ـ عليهم السّلام ـ قتل النّفس والزّنا.

ثمّ قال ـ عليه السّلام: أو لست تعلم أنّ الله تعالى لم يخل الدّنيا قطّ من نبيّ(٧) أو إمام من البشر؟ أو ليس الله يقول(٨) :( وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ ) (٩) ، يعنى: إلى الخلق،( إِلَّا رِجالاً (نُوحِي ) (١٠) ( إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ) ؟ فأخبر أنّه لم يبعث الملائكة إلى الأرض، ليكونوا أئمّة وحكّاما. وإنّما(١١) أرسلوا إلى أنبياء الله.

قالا: فقلنا: فعلى هذا(١٢) ، لم يكن إبليس ـ أيضا ـ ملكا؟

فقال: لا! بل كان من الجنّ. أما تسمعان الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول(١٣) :

__________________

(١) المصدر: ملائكة الله.

(٢) التحريم / ٦.

(٣) الأنبياء / ١٩.

(٤) الأنبياء / ٢٨ ـ ٢٦.

(٥) المصدر: في.

(٦) المصدر: أو.

(٧) المصدر: من بني قط.

(٨) النحل ٤٣ ويوسف / ١٠٩ والأنبياء / ٢٥ والحج / ٥٢.

(٩) المصدر: قبلك من رسول.

(١٠) المصدر: يوحي.

(١١) المصدر: إنما كانوا.

(١٢) المصدر: هذا أيضا.

(١٣) الكهف / ٥٠.

١٠٣

( وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ، فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ، كانَ مِنَ الْجِنِ ) ؟ فأخبر ـ عزّ وجلّ ـ أنّه كان من الجنّ. وهو الّذي قال الله تعالى(١) :( وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ ) .

قال الإمام الحسن بن عليّ ـ عليه السّلام: حدّثني أبي، عن جدّي، عن الرّضا، عن آبائه، عن عليّ ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ اختارنا معاشر آل محمد واختار النّبيّين واختار الملائكة المقرّبين. وما اختارهم إلّا على علم منه بهم، أنّهم لا يواقعون ما يخرجون به عن ولايته، وينقطعون به عن عصمته، وينتهون به إلى المستخفّين بعذابه(٢) ونقمته.

قالا: فقلنا له: فقد روى(٣) أنّ عليّا ـ عليه السّلام ـ لـمّا نصّ عليه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بالإمامة، عرض الله تعالى ولايته في السّماوات على فئام من النّاس وفئام من الملائكة، فأبوها. فمسخهم الله ضفادع.

فقال ـ عليه السّلام: معاذ الله! هؤلاء المكذّبون لنا المفترون علينا الملائكة هم رسل الله. فهم كسائر أنبيائه(٤) ورسله، إلى الخلق. أفيكون منهم الكفر بالله؟

قلنا(٥) : لا قال: فكذلك الملائكة. إنّ شأن الملائكة لعظيم وإنّ خطبهم لجليل.

حدّثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشيّ ـ رضي الله عنه(٦) ـ قال: حدّثنا أبي، عن أحمد بن عليّ الأنصاريّ، عن عليّ بن محمّد بن الجهم. قال: سمعت المأمون يسأل الرّضا ـ عليه السّلام ـ عمّا يرويه النّاس من أمر الزّهرة، وإنّها امرأة، فتن بها هاروت وماروت.

وما يروونه من أمر سهيل. وإنّه كان عشّارا باليمن.

فقال الرّضا ـ عليه السّلام: كذبوا في قولهم إنّهما كوكبان، وإنّما كانتا دابّتين من دوابّ البحر. فغلط النّاس. وظنّوا أنّهما كوكبان. وما كان الله تعالى ليمسخ أعداءه أنوار مضيئة، ثمّ يبقيها ما بقيت السّماوات والأرض. وإنّ المسوخ لم يبق أكثر من ثلاثة أيام، حتّى ماتت. وما يتناسل منها شيء. وما على وجه الأرض مسخ اليوم. وانّ التي وقع عليها اسم المسوخة(٧) مثل القرد والخنزير والدّبّ وأشباهها، إنّما هي مثل ما مسخ الله تعالى على

__________________

(١) الحجر / ٢٧.

(٢) المصدر: لعذابه.

(٣) المصدر: روي لنا.

(٤) المصدر: أنبياء الله.

(٥) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: قلت.

(٦) نفس المصدر ١ / ٢٧١، ح ٢.

(٧) المصدر: المسوخيّة.

١٠٤

صورها قوما غضب الله عليهم ولعنهم بإنكارهم توحيد الله وتكذيبهم (رسل الله). وأمّا هاروت وماروت، فكانا ملكين علّما النّاس [السحر](١) ليحترزوا به من سحر السّحرة ويبطلوا به كيدهم. وما علّما أحدا من ذلك شيئا إلّا قالا له( إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ. فَلا تَكْفُرْ ) فكفر قوم باستعمالهم لـمّا أمروا بالاحتراز منه. وجعلوا يفرّقون بما يعملون(٢) بين المرء وزوجه. قال الله تعالى:( وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ ) ، يعني: بعلمه.

عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. في تعداد الكبائر وبيانها، من كتاب الله. وفيه(٣) : يقول الصّادق ـ عليه السّلام: والسّحر، لأنّه تعالى يقول:( وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ) .

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٤) : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام. قال: إنّ سليمان بن داود ـ عليهما السّلام ـ أمر الجنّ(٥) . فبنوا له بيتا من قوارير. فبينما هو (متّك)(٦) على عصاه ينظر إلى الشّياطين كيف يعملون وينظرون إليه إذ حانت منه التفاتة، فإذا هو برجل معه في القبّة. ففزع منه. وقال: من أنت؟

فقال: أنا الّذي لا أقبل الرّشا. ولا أهاب الملوك. أنا ملك الموت. فقبضه وهو متك(٧) على عصاه. فمكثوا سنة يبنون وينظرون إليه. ويد أبون(٨) له، ويعملون، حتّى بعث الله الإرضة. فأكلت منسأته. وهي العصا. فلمّا خرّ تبيّنت الإنس، أن لو كان الجنّ يعلمون الغيب، ما لبثوا سنة في العذاب المهين. فالجنّ تشكر الإرضة بما عملت بعصا سليمان.

قال: فلا تكاد تراها في مكان إلّا وجد عندها ماء وطين. فلمّا هلك سليمان، وضع إبليس السّحر. وكتبه في كتاب. ثمّ طواه. وكتب على ظهره: «هذا ما وضع آصف بن برخيا للملك سليمان بن داود، من ذخائر كنوز العلم. من أراد كذا وكذا، فليفعل كذا وكذا.» ثمّ دفنه تحت سريره. ثمّ استأثره لهم. فقرأه. فقال الكافرون: ما كان

__________________

(١) يوجد في المصدر.

(٢) المصدر: تعلّموه.

(٣) نفس المصدر ١ / ٢٨٦، مقطع من ح ٣٣.

(٤) تفسير القمي ١ / ٥٤ ـ ٥٥.

(٥) المصدر: الجنّ والانس.

(٦) المصدر: متكئ. وهو الظاهر.

(٧) المصدر: متكئ.

(٨) المصدر: يدانون.

١٠٥

سليمان يغلبنا إلّا بهذا. وقال المؤمنون: بل هو عبد الله ونبيّه. فقال الله ـ جلّ ذكره:( وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ. وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ. وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ ) .

وما روى في كتاب الخصال(١) ، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن جدّه ـ عليهم السّلام. قال: إنّ المسوخ من بني آدم، ثلاثة عشر ـ إلى أن قال ـ وأمّا الزهرة، فكانت امرأة فتنت هاروت وماروت. فمسخها [الله](٢) كوكبا(٣) .

وعن جعفر بن محمّد(٤) ، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام. قال: سألت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن المسوخ. فقال: هي(٥) ثلاثة عشر ـ إلى أن قال عليه السّلام ـ وأمّا الزّهرة، فكانت امرأة نصرانيّة. وكانت لبعض ملوك بني إسرائيل. وهي الّتي فتن بها هاروت وماروت. وكان اسمها ناهيد(٦) .

وفي كتاب علل الشّرائع(٧) ، بإسناده إلى محمّد بن الحسن بن علان، عن أبي الحسن ـ عليه السّلام. حديث طويل. يقول فيه: ومسخت الزّهرة. لأنّها كانت امرأة، فتن بها هاروت وماروت.

بإسناده(٨) إلى عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر، عن جعفر بن محمّد ـ عليهم السّلام. حديث طويل. يقول فيه ـ عليه السّلام: وأمّا الزّهرة. فإنها كانت امرأة تسمّى ناهيد. وهي الّتي تقول النّاس إنّه افتتن بها هاروت وماروت.

وبإسناده(٩) إلى عليّ بن جعفر، عن مغيرة، عن أبي عبد الله ـ عن أبيه، عن جدّه ـ عليهم السّلام. حديث طويل يقول فيه ـ عليه السّلام: وأمّا الزّهرة، فكانت امرأة فتنت(١٠) هاروت وماروت. فمسخها الله ـ عزّ وجلّ ـ زهرة(١١) .

وفي تفسير عليّ بن ابراهيم(١٢) ، حدّثنى أبي، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن

__________________

(١) الخصال / ٤٩٣.

(٢) يوجد في ر والمصدر.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) نفس المصدر / ٤٩٤.

(٥) المصدر: هم.

(٦) المصدر: وكان اسمها ناهيل والناس يقولون ناهيد.

(٧) علل الشرائع: ٤٨٥ ـ ٤٨٦، مقطع من ح ١.

(٨) نفس المصدر / ٤٨٦، ذيل ح ٢.

(٩) نفس المصدر / ٤٨٨ ـ ٤٧٧.

(١٠) المصدر: فتن بها.

(١١) متقدم على حديث تفسير على بن إبراهيم السابق.

(١٢) تفسير القمي / ٥٤ ـ ٥٨.

١٠٦

رئاب، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام. قال: سأله عطاء ونحن بمكة، عن هاروت وماروت. فقال أبو جعفر ـ عليه السّلام: إنّ الملائكة كانوا ينزلون من السّماء إلى الأرض، في كلّ يوم وليلة، يحفظون أعمال(١) أوساط أهل الأرض، من ولد آدم والجن، فيكتبون(٢) أعمالهم. [و] يعرجون بها إلى السّماء.

قال: فضجّ أهل السماء، من معاصي أهل الأرض.(٣) فتؤامروا(٤) فيما بينهم ممّا يسمعون ويرون من افترائهم الكذب على الله ـ تبارك وتعالى ـ وجرأتهم عليه. ونزّهوا الله ممّا يقول فيه خلقه ويصفون. فقال طائفة من الملائكة: يا ربّنا! أمّا(٥) تغضب ممّا يعمل خلقك في أرضك وممّا يصفون فيك الكذب ويقولون الزّور ويرتكبون المعاصي؟ وقد نهيتهم عنها. ثمّ أنت تحلم عنهم وهم في قبضتك وقدرتك وخلال عافيتك.

قال أبو جعفر ـ عليه السّلام: فأحبّ الله أن يري الملائكة القدرة، ونفاد أمره في جمع خلقه، ويعرّف الملائكة ما منّ به عليهم ممّا(٦) عدله عنهم من صنع خلقه، وما طبعهم عليه من الطّاعة، وعصمهم من الذّنوب.

قال: فأوحى الله إلى الملائكة، ان انتدبوا(٧) منكم ملكين، حتّى أهبطهما إلى الأرض. ثمّ أجعل فيهما من طبائع المطعم والمشرب والشّهوة والحرص والأمل، مثل ما جعلته في ولد آدم. ثمّ أختبرهما في الطّاعة لي.

قال(٨) : فندبوا لذلك هاروت وماروت. وكانا أشدّ(٩) الملائكة قولا في الغيب لولد آدم واستئثار غضب الله عليهم.

[قال :](١٠) فأوحى الله إليهما، أن «اهبطا إلى الأرض. فقد جعلت فيكما من طبائع

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) المصدر: ويكتبون.

(٣) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: أهل أوساط الأرض. وكذا في تفسير العياشي ١ / ٥٢ وتفسير الصافي ١ / ١٢٧.

(٤) كذا والظاهر: فتآمروا.

(٥) المصدر وتفسير العياشي: ما.

(٦) المصدر: وممّا.

(٧) المصدر: انتحبوا. تفسير العياشي: اندبوا. وقيل في هامشه: وفي بعض النسخ «انتدابوا» وهو بمعناه. واستظهره المجلسي ـ ره ـ في البحار.

(٨) ليس في المصدر ويوجد في العياشي.

(٩) المصدر والعياشي: من أشدّ.

(١٠) يوجد في المصدر وفي العياشي ـ أيضا.

١٠٧

المطعم والمشرب(١) والشّهوة والحرص والأمل، مثل ما جعلت في ولد آدم(٢) .» قال: ثمّ أوحى الله إليهما: «انظرا أن لا تشركا بي شيئا. ولا تقتلا النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحق(٣) . ولا تزنيا. ولا تشربا الخمر.» قال: ثمّ كشط عن السّماوات السّبع، ليريهما قدرته. ثمّ أهبطهما إلى الأرض، في صورة البشر ولباسهم. فهبطا ناحية بابل. فرفع(٤) لهما بناء مشرف(٥) . فأقبلا نحوه. فإذا بحضرته امرأة جميلة حسناء متزيّنة عطرة مسفرة مقبلة(٦) نحوهما.

قال: فلمّا نظرا إليها وناطقاها وتأمّلاها(٧) ، وقعت في قلوبهما موقعا شديدا، لموضع الشّهوة الّتي جعلت فيهما. فرجعا إليها، رجوع فتنة وخذلان. وراوداها عن نفسها.

فقالت لهما: إنّ لي دينا أدين به. وليس أقدر في ديني على أن أجيبكما، إلى ما تريدان، إلّا أن تدخلا في ديني الّذي أدين به.

فقالا لها: وما دينك؟

قالت: لي إله من عبده وسجد له، كان علىّ(٨) السّبيل، إلى أن أجيبه، إلى كلّ ما سألني.

فقالا لها: وما إلهك؟

قالت: إلهي هذا الصّنم.

قال: فنظر أحدهما إلى صاحبه، فقال: «هاتان خصلتان ممّا نهينا عنه(٩) ، الشّرك والزّنا. لأنّا إن سجدنا لهذا الصّنم وعبدناه، أشركنا بالله. وإنّما نشرك بالله لنصل إلى الزّنا.

وهو ذا نحن نطلب الزّنا. فليس نخطأ إلّا بالشّرك.» فائتمرا بينهما. فغلبتهما الشّهوة الّتي جعلت فيهما.

فقالا لها: فإنّا نجيبك إلى ما سألت.

__________________

(١) المصدر: الطعام والشراب.

(٢) الفقرة الأخيرة، ليس في العياشي.

(٣) «إلّا بالحق»، ليس في المصدر.

(٤) كذا في الأصل ور والعياشي. وفي المصدر: فوقع.

(٥) كذا في الأصل ورو العياشي. وفي المصدر: مشرق

(٦) كذا في الأصل ورو العياشي. وفي المصدر: مقبلة مسفرة.

(٧) ر: فلمّا نظر إليهما وناطقاهما وتأمّلاهما.

(٨) المصدر: لي.

(٩) المصدر: نهانا عنهما.

١٠٨

فقالت: فدونكما. فاشربا هذا الخمر. فإنّه قربان لكما عنه(١) وبه تصلون إلى ما تريدان.

فائتمرا بينهما. فقالا: هذه ثلاث خصال ممّا نهانا عنها ربّنا، الشرك والزّنا وشرب الخمر. وإنّما ندخل في شرب الخمر والشّرك، حتّى نصل إلى الزّنا.

فائتمرا بينهما. فقالا: ما أعظم بليتنا(٢) بك. وقد أجبناك إلى ما سألت.

قالت: فدونكما. فاشربا من هذا الخمر. واعبدا هذا الصّنم. واسجدا له.

فشربا الخمر. وعبدا الصّنم. ثمّ راوداها عن نفسها. فلمّا تهيّأت لهما، وتهيّئا لها، دخل عليهما سائل يسأل. فلمّا أن رآهما ورأياه، ذعرا منه.

فقال لهما: إنّكما لمريبان(٣) ذعران. فقد خلوتما(٤) بهذه المرأة العطرة الحسناء. إنّكما لرجلا سوء.

وخرج عنهما. فقالت لهما: لا وإلهي! ما تصلان الآن إليّ. وقد اطّلع هذا الرّجل على حالكما. وعرف مكانكما. ويخرج الآن ويخبر بخبركما. ولكن بادرا إلى هذا الرّجل.

فاقتلاه قبل أن يفضحكما ويفضحني. ثمّ دونكما فاقضيا حاجتكما. وأنتم مطمئنّان آمنان.

قال: فقاما إلى الرّجل. فأدركاه. فقتلاه. ثمّ رجعا إليها. فلم برياها. وبدت لهما سوآتهما. ونزع عنهما رياشهما. وأسقط في أيديهما.

قال: فأوحى الله إليهما: إنّما أهبطتكما إلى الأرض، مع خلقي ساعة من النّهار.

فعصيتماني بأربع من معاصي كلّها قد نهيتكما عنها. [وتقدّمت إليكما فيها].(٥) فلم تراقباني.

ولم تستحيا منّي. وقد كنتما أشدّ من نقم على أهل الأرض بالمعاصي. واستجرّ(٦) غضبي وأسفي عليهم. ولمّا جعلت فيكما من طبع خلقي وعصمتي إيّاكما من المعاصي، فكيف رأيتما موضع خذلاني فيكما اختارا عذاب الدّنيا أو عذاب الآخرة؟

فقال أحدهما لصاحبه: نتمتّع من شهواتنا(٧) في الدّنيا، إذ صرنا إليها إلى نصير، إلى عذاب الآخرة.

__________________

(١) المصدر: عنده.

(٢) المصدر: البلية.

(٣) المصدر: لامرآن.

(٤) المصدر: فدخلتما.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) المصدر: للمعاصي. واستنجر.

(٧) المصدر: شهواتها.

١٠٩

فقال الآخر: إنّ عذاب الدّنيا، له مدّة وانقطاع. وعذاب الآخرة، قائم لا انقضاء له. فلسنا نختار عذاب الآخرة الدّائم الشّديد، على عذاب الدّنيا المنقطع الفاني.

قال: فاختارا عذاب الدّنيا. وكانا يعلّمان النّاس السّحر، في أرض بابل. ثمّ لـمّا علّما النّاس السّحر، رفعا من الأرض إلى الهواء. فهما معذّبان منكّسان معلّقان في الهواء، إلى يوم القيامة.

فهو موافق لمذهب العامّة.

وفي روضة الكافي(١) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن أسباط، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام:( وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ ) بولاية الشّياطين،( عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ ) .

وفي كتاب الاحتجاج، للطّبرسيّ ـ رحمه الله(٢) ـ عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه قال السّائل له ـ عليه السّلام: فمن أين علم الشّياطين السّحر؟

قال: من حيث عرف الأطباء الطّب، بعضه تجربة وبعضه علاج.

قال: فما تقول في الملكين هاروت وماروت؟ وما يقول النّاس بأنهما يعلّمان النّاس السّحر؟

قال: إنّهما موضع ابتلاء وموقف فتنة بتسبيحهما اليوم، لو فعل الإنسان كذا وكذا، لكان كذا وكذا. ولو يعالج بكذا وكذا، لصار كذا أصناف السّحر فيتعلّمون منهما ما يخرج عنهما. فيقولان لهم:( إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ ) . فلا تأخذوا عنها ما يضرّكم ولا ينفعكم.

قال: أفيقدر السّاحر أن يجعل الإنسان بسحره في صورة الكلب والحمار، أو غير ذلك؟

قال: هو أعجز من ذلك. وأضعف من أن يغيّر خلق الله. إنّ من أبطل ما ركّبه الله وصوّره وغيّره، فهو شريك الله في خلقه. تعالى عن ذلك علوّا كبيرا].(٣)

( وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا ) بالرّسول وما جاء به،( وَاتَّقَوْا ) بترك المخالفة،( لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) (١٠٣) جهلهم، لترك التّدبّر، أو(٤) العمل

__________________

(١) الكافي ٨ / ٢٩٠، ح ٤٤٠.

(٢) الاحتجاج ٢ / ٨٢، مع اختلاف قليل.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) ر: و.

١١٠

بالعلم.

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) :

[في أصول الكافي(١) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه الطّيّار(٢) ، عن ابن أبي عمير، عن جميل. قال: كان الطّيّار يقول لي: إبليس ليس من الملائكة. وإنّما أمرت الملائكة بالسّجود لآدم.

فقال: إبليس لا اسجد فما لإبليس يعصي حين لم يسجد، وليس هو من الملائكة؟

قال: فدخلت أنا وهو، على أبي عبد الله ـ عليه السّلام: قال: فأحسن والله في المسألة.

فقال: جعلت فداك! أرأيت ما ندب الله ـ عزّ وجلّ ـ إليه المؤمنين من قوله( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) ، أدخل في ذلك المنافقون معهم؟

قال: نعم. والضّلّال وكلّ من أقرّ بالدّعوة الظّاهرة. وكان إبليس ممّن أقرّ بالدّعوة الظّاهرة، معهم.

وفي روضة الكافي(٣) : أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن عليّ بن حديد، عن جميل بن درّاج. قال سأل الطّيّار أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ وأنا عنده. فقال له: جعلت فداك! أرأيت(٤) قوله ـ عزّ وجلّ ـ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) في غير مكان من مخاطبة المؤمنين؟ أيدخل في هذا المنافقون؟

قال: نعم. يدخل في هذا المنافقون والضّلّال وكل من أقرّ بالدّعوة الظّاهرة.

وقد تقدّم هذان الحديثان](٥)

( لا تَقُولُوا راعِنا. وَقُولُوا انْظُرْنا ) :

كان المسلمون يقولون لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إذا ألقى عليهم شيئا من العلم: راعنا(٦) ، يا رسول الله!، أي: راقبنا. وتأنّ بنا حتّى نفهمه ونحفظه. وكانت لليهود كلمة(٧) يتسابّون بها عبرانيّة، كما قال الباقر ـ عليه السّلام(٨) ـ وهي راعينا. فلمّا سمعوا

__________________

(١) الكافي ٢ / ٤١٢، ح ١.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) الكافي ٨ / ٢٧٤، ح ٤١٣. مع تلخيص في أوائل الحديث.

(٤) المصدر: رأيت.

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٦) أ: راعنا، افترصوه وخاطبوا به الرسول وهم يعنون.

(٧) ر. مجمع البيان ١ / ١٧٨.

(٨) ليس في ر.

١١١

بقول(١) المؤمنين راعنا افترصوه وخاطبوا به الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ وهم يعنون به تلك المسبّة، فنهي المؤمنون عنها. وأمروا بما هو في معناها. وهو انظرنا بمعنى انظر إلينا، وانتظرنا من نظره إذا انتظره.

وقرئ «أنظرنا»، من الإنظار، بمعنى الإمهال، و «راعونا» على لفظ الجمع، للتّوقير، و «راعنا» (بالتّنوين)، أي: قولا ذا رعن، نسبة إلى الرّعن. وهو الهوج(٢) ، لمشابهة قولهم راعينا.

( وَاسْمَعُوا ) ، أي: أحسنوا الاستماع لما يكلّمكم به رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ويلقي عليكم من المسائل بآذان(٣) واعية وأذهان حاضرة، حتّى لا تحتاجوا إلى الاستعارة وطلب المراعاة.

أو: واسمعوا، سماع(٤) قبول وطاعة. لا يكن مثل سماع اليهود، حيث قالوا: سمعنا وعصينا.

او: واسمعوا ما أمرتم به بجدّ، حتى لا تعودوا إلى ما نهيتم عنه.

( وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ ) (١٠٤)، يعني: للّذين تهاونوا بالرّسول، عذاب موجع مؤلم.

( ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ ) :

نزلت تكذيبا لجمع من الكافرين يظهرون مودّة المؤمنين ويزعمون أنّهم يودّون لهم الخير.

والمودة: محبّة الشيء، مع تمنّيه. ولذلك يستعمل في كلّ منهما.

و «من»، للتّبيين. لأنّ( الَّذِينَ كَفَرُوا ) جنس، تحته نوعان أهل الكتاب والمشركون.

( أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) :

مفعول «يودّ».

و «من» الأولى، مزيدة للاستغراق، والثّانية، للابتداء.

والمراد بالخير، ما يعمّ الوحي والعلم والنّصرة.

__________________

(١) ليس في ر. وأ: يقول.

(٢) أ: الهرج.

(٣) ر: بإذن.

(٤) ر: إسماع.

١١٢

( وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ ) :

روي عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وعن أبي جعفر الباقر ـ عليه السّلام(١) : أنّ المراد برحمته هاهنا، النّبوّة.

وفي شرح الآيات الباهرة(٢) : روى الحسن بن أبي الحسن الدّيلميّ ـ رحمه الله ـ عمّن رواه، بإسناده عن أبيّ بن صالح، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي الحسن الرّضا، عن أبيه موسى، ان أبيه جعفر ـ صلوات الله عليهم ـ في قوله تعالى( يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ ) ، قال: المختصّون(٣) بالرّحمة، نبيّ الله ووصيّه وعترتهما. إنّ الله تعالى خلق مائة رحمة: فتسع وتسعون رحمة عنده مذخورة لمحمّد وعليّ وعترتهما. ورحمة واحدة، مبسوطة على سائر الموجودين].(٤)

( وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) (١٠٥) :

فيه إشعار بأنّ النّبوّة من فضله، وأنّ كلّ خير نال عباده في دينهم أو دنياهم، فإنّه من عنده، ابتداء منه، إليهم، وتفضّلا عليهم، من غير استحقاق منهم لذلك عليه. فهو عظيم الفضل ذو المنّ والطّول.

( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها ) :

نزلت لـمّا قال المشركون، أو اليهود: ألا ترون إلى محمّد يأمر أصحابه بأمر، ثمّ ينهاهم عنه. ويأمرهم بخلافه؟

والنّسخ»، في اللّغة، إزالة الصّورة عن الشيء وإثباتها في غيره، كنسخ الظّلّ للشّمس. ومنه التّناسخ. ثمّ استعمل في كلّ منهما، كقولك: نسخت الرّيح الأثر. ونسخت الكتاب.

ونسخ الآية، بيان انتهاء التّعبّد بها :

إمّا بقراءتها فقط، كآية الرّجم. فقد قيل: إنّها كانت منزلة فرفع لفظها(٥) . فقط، دون حكمها.

أو بالعكس، كقوله(٦) :( إِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ ) .

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٧٩.

(٢) تأويل الآيات الباهرة / ٢٥ ـ ٢٦.

(٣) المصدر: المختصّ.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) مجمع البيان ١ / ١٨٠.

(٦) الممتحنة / ١١.

١١٣

(الاية) فهذه الاية ثابتة في الخطّ، مرتفعة الحكم.

أو بهما، كما روي عن أبي بكر، قال: كنّا نقرأ: «لا ترغبوا عن آبائكم. فإنّه كفر بكم.» فرفع وإنساؤها إذهابها، عن القلوب.

و «ما»، شرطيّة جازمة، لننسخ. منتصبة به على المفعوليّة.

( نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ) ، أي: بما هو خير للعباد في النّفع والثّواب، أو مثلها في الثّواب.

[وقرأ ابو عمرو(١) بقلب الهمزة ألفا].(٢)

[وفي أصول الكافي(٣) : عليّ بن محمّد، عن إسحاق بن محمّد، عن شاهويه بن عبد الله الجلاب. قال: كتب إليّ أبو الحسن في كتاب: أردت أن تسأل عن الخلف بعد أبي جعفر. وقلقت لذلك. فلا تغتمّ. فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ لا يضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون. وصاحبك بعدك أبو محمّد ابني. وعنده ما تحتاجون إليه. يقدّم ما يشاء الله ويؤخّر ما يشاء.(٤) ( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ) وقد كتبت بما فيه بيان وقناع لذي عقل يقظان.

وفي تفسير العيّاشيّ(٥) : عن عمر بن يزيد. قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ) ».

فقال: كذبوا. ما هكذا هي إذا كان ينسخها. نأت بمثلها ينسخها(٦) .

قلت: هكذا قال الله؟

قال: ليس هكذا قال الله ـ تبارك وتعالى.

قلت: فكيف قال؟

قال: ليس فيها ألف ولا واو. قال:( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ) . يقول: ما نميت من إمام، أو ننسه ذكره، نأت بخير منه من صلبه مثله.

وفيه(٧) : عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله تعالى

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٧٥.

(٢) ليس في أ.

(٣) الكافي ١ / ٣٢٨، ح ١٢.

(٤) المصدر: ما يشاء الله.

(٥) تفسير العياشي ١ / ٥٦، ح ٧٨.

(٦) المصدر: «فعال: كذبوا ما هي إذا كان ينسى وينسخها أو يأت بمثلها لم ينسخها.» وهو الظاهر.

(٧) نفس المصدر ١ / ٥٥، ح ٧٧.

١١٤

( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ) قال: النّاسخ ما حوّل. وما ينسيها، مثل الغيب الّذي لم يكن بعد، كقوله(١) : يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب.

قال: فيفعل الله ما يشاء. وما يحوّل ما يشاء، مثل قوم يونس إذ بدا له. فرحمهم.

ومثل قوله(٢) : فتولّ عنهم فما أنت بملوم.

قال: أدركتهم رحمته].(٣)

( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (١٠٦). فهو يقدر على النّسخ والإتيان، بمثل المنسوخ، وبما هو خير منه؟

( أَلَمْ تَعْلَمْ ) :

الخطاب للنّبيّ. والمراد هو وأمّته، لقوله:( أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) : يملك أموركم. ويدبّرها على حسب ما يصلحكم. وهو أعلم بما يتعبّدكم به من ناسخ أو منسوخ؟

( وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ) (١٠٧) الفرق بين «الوليّ» و «النّصير»، أنّ «الوليّ» قد يضعف عن النصرة.

و «النّصير» قد يكون أجنبيّا عن المنصور.

( أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ؟ ) :

لمّا بيّن لهم أنّه مالك أمورهم، ومدبّرها على حسب مصالحهم، من نسخ الآيات وغيره، وقرّدهم على ذلك بقوله «ألم تعلم»، أراد أن يوصيهم بالثّقة به فيما هو أصلح لهم، ممّا يتعبّدهم به وينزل عليهم، وأن لا يقترحوا على رسولهم ما اقترحته آباء اليهود على موسى، من الأشياء الّتي كانت عاقبتها وبالا عليهم.

قيل(٤) : نزلت في أهل الكتاب، حين سألوا أن ينزّل [الله](٥) عليهم كتابا من السّماء. وقيل: في المشركين، لـمّا قالوا لن نؤمن لرقيّك حتّى تنزّل علينا كتابا نقرؤه.

( وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ ) ومن ترك الثّقة بالآيات المنزلة وشكّ فيها واقترح غيرها.

__________________

(١) الرعد / ٣٩.

(٢) الذاريات / ٥٤.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٧٦.

(٥) يوجد في المصدر.

١١٥

( فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ ) (١٠٨)، أي: الطّريق المستقيم حتّى وقع في الكفر، بعد الإيمان.

( وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً ) :

روى(١) أنّ فنحاص بن عازورا وزيد بن قيس ونفرا من اليهود قالوا لحذيفة بن اليمان وعمّار بن ياسر، بعد وقعة أحد: ألم تروا ما أصابكم؟ ولو كنتم على حقّ ما هزمتم. فارجعوا إلى ديننا. فهو خير لكم، وأفضل. ونحن أهدى منكم سبيلا.

فقال عمّار: كيف نقض العهد فيكم؟

قالوا: شديد.

قال: فإنّي عاهدت أن لا أكفر بمحمّد ما عشت.

فقالت اليهود: أمّا هذا فقد صبا.

قال حذيفة: وأمّا أنا فقد رضيت بالله ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمّد نبيّا، وبالقرآن اماما، وبالكعبة قبلة، وبالمؤمنين إخوانا.

ثمّ أتيا رسول الله. وأخبراه. فقال: أصبتما خيرا. وأفلحتما، فنزلت.

وعن ابن عبّاس(٢) : أنّها نزلت في حيّ بن أخطب وأخيه أبي ياسر بن أخطب.

وقد دخلا على النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حين قدم المدينة. فلمّا خرجا قيل لحيّ: هو نبيّ.

قال: هو هو.

فقيل: فما له عندك؟

قال: العداوة إلى الموت.

وهو الّذي نقض العهد. وأثار الحرب يوم الأحزاب.

وقيل(٣) : نزلت في كعب بن الأشرف.

( حَسَداً ) : علّة ود(٤) .

( مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ) :

امّا متعلّق بودّ، أي: تمنّوا ذلك من عند أنفسهم، وتشبيههم لا من قبل التّديّن والميل مع الحقّ، أو بحسدا، أي: حسدا منبعثا من أصل نفوسهم.

__________________

(١) الكشاف ١ / ١٧٦.

(٢) مجمع البيان ١ / ١٨٤.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٤) ليس في أ.

١١٦

( مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُ ) بالمعجزات والنّعوت المذكورة في التوراة.

( فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا ) :

«العفو»: ترك عقوبة المذنب. و «الصّفح»: ترك تثريبه.

( حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ ) الّذي هو الإذن في قتالهم، وضرب الجزية عليهم، أو قتل قريظة، وإجلاء بني النضير.

قيل(١) : إنّ هذه الآية، منسوخة. فقال بعضهم: بقوله(٢) :( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ) ، وبعضهم: بآية السّيف. وهو قوله(٣) :( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) ».

والمرويّ عن الباقر ـ عليه السّلام، أنّه قال(٤) : لم يؤمر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بقتال، ولا أذن له فيه، حتّى نزل جبرئيل بهذه الآية(٥) :( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ) وقلّده سيفا.

( إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (١٠٩)، فيقدر على الانتقام منهم.

( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ) : عطف على «فاعفوا». كأنّه أمرهم بالصّبر والالتجاء إلى الله، بالعبادة والبرّ.

( وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ ) ، كصلاة، أو صدقة. وقرئ(٦) [تقدموا](٧) من أقدم،( تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ ) ، أي: ثوابه.

( إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) (١١٠): لا يضيع عنده عمل عامل.

وقرئ(٨) بالياء. فيكون وعيدا. «وَقالوا» عطف على «ودّ» والضّمير لأهل الكتاب.

( وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً ) : جمع هائد، كعوذ وعائذ وباذل وهو جمع للمذكّر والمؤنّث، على لفظ واحد.

والهائد: التّائب الرّاجع إلى الحقّ.

__________________

(١) ر. أنوار التنزيل ١ / ٧٦.

(٢) التوبة / ٢٩.

(٣) التوبة / ٥.

(٤) مجمع البيان ١ / ١٨٥.

(٥) الحج / ٣٩.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٧٦.

(٧) يوجد في المصدر.

(٨) نفس المصدر ونفس الموضع.

١١٧

وقيل(١) : مصدر. يصلح للواحد والجمع، كما يقال: رجل صوم وقوم صوم.

وقيل(٢) : أصله يهود: فحذفت الياء الزّائدة.

وعلى ما قلنا، فتوحيد الاسم المضمر وجمع الخبر، لاعتبار اللّفظ والمعنى.

( أَوْ نَصارى ) : سبق تحقيقه. والكلام على اللّفّ بين قولي الفريقين. والتّقدير: وقالت اليهود: لن يدخل الجنّة إلّا من كان هودا. والنّصارى لن يدخل الجنّة، إلّا من كان نصارى، ثقة بأن السامع يرد إلى كلّ فريق قوله، وأمنا من الالتباس، لما علم من التّعادي بين الفريقين وتضليل كلّ واحد منهما، صاحبه.

( تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ ) :

إشارة إلى الأمانيّ المذكورة. وهي أن لا ينزل على المؤمنين خير من ربّهم وأن يردّوهم كفّارا. وأن لا يدخل الجنّة غيرهم.

أو إلى ما في الآية على حذف مضاف، أي: أمثال تلك الأمنيّة المذكورة في الآية، أمانيّهم.

والجملة اعتراض.

والأمنيّة: أفعولة من التّمنّي، كالأضحوكة والأعجوبة والجمع الأضاحيك والأعاجيب.

( قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ ) على اختصاصكم بدخول الجنّة.

والبرهان والحجّة والدّلالة والبيان، بمعنى واحد. وقد فرّق عليّ بن عيسى، بين الدّلالة والبرهان، بأن قال: «الدّلالة» قد ينبئ عن معنى فقط. لا يشهد لمعنى آخر. و «البرهان» ليس كذلك. لأنّه بيان عن معنى ينبئ عن معنى آخر. وقد نوزع في هذا الفرق. وقيل: «إنّه محض الدّعوى(٣) ».

( إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) (١١١) في دعواكم. فإنّ كلّ قول لا دليل عليه غير ثابت.

وفي هذه الآية، دلالة على فساد التّقليد في الأصول. الا ترى أنّه لو جاز التقليد لما أمروا بأن يأتوا فيما قالوا ببرهان؟

وفيها ـ أيضا ـ دلالة على جواز المحاجّة في الدّين.

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٨٦.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٣) مجمع البيان ١ / ١٨٦.

١١٨

وفيها ـ أيضا ـ دلالة على أنّه لا حجّة في إجماع يخلو عن معصوم. وإلّا لجاز لهم أن يقولوا البرهان. إنّا أجمعنا على ما قلنا. فالمتمسّكون بالإجماع المذكور، أضلّون من محرّفي أهل الكتاب.

( بَلى ) : اثبات لما نفوه، من دخول غيرهم الجنّة.

( مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ ) :

من(١) أخلص نفسه له، لا يشرك به غيره، أو قصده وتوجّهه له،( وَهُوَ مُحْسِنٌ ) في عمله،( فَلَهُ أَجْرُهُ ) الّذي يستوجبه ثابتا،( عِنْدَ رَبِّهِ ) : لا يضيع ولا ينقص.

والجملة جواب «من»، إن كانت شرطيّة، وخبرها، إن كانت موصولة.

و «الفاء» لتضمّن المبتدأ معنى الشّرط. فيكون الرّدّ بقوله «بلى» وحده، أو يكون «من أسلم»، فاعلا لفعل محذوف، أي: بلى يدخلها من أسلم.

ويكون قوله «فله أجره»، كلاما معطوفا على يدخلها «من أسلم».

( وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (١١٢) في الآخرة.

وهذا ظاهر على قول من يقول: أنّه لا يكون على أهل الجنّة خوف ولا حزن في الآخرة. وأمّا على قول من قال: بعضهم يخاف ثمّ يأمن، فمعناه أنّهم لا يخافون فوت جزاء أعمالهم. لأنّهم يكونون على ثقة، بأنّ ذلك لا يفوتهم.

[وفي كتاب الاحتجاج(٢) ، للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ حديث طويل، عن النّبي ـ صلّى الله عليه وآله. وفيه: فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لأصحابه: قولوا( إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) أي: نعبد واحدا. لا نقول كما قال الدّهريّة: «إنّ الأشياء لا بدو لها وهي دائمة.» ولا كما قال الثّنويّة الّذين قالوا: «إنّ النّور والظّلمة هما المدبّران.» ولا كما قال مشركوا العرب: «إنّ أوثاننا آلهة.» فلا نشرك بك شيئا. ولا ندعو من دونك إلها، يقول هؤلاء الكفّار. ولا نقول كما تقول النّصارى واليهود: «إنّ لك ولدا.» تعاليت عن ذلك علوّا كبيرا.

قال: فذلك قوله.:( وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ، إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى ) .

__________________

(١) ليس في أ.

(٢) الاحتجاج ١ / ٢٥.

١١٩

وقالت طائفة غيرهم من هؤلاء الكفّار: ما قالوا؟

قال الله: يا محمّد!( تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ ) الّتي يمنّونها بلا حجّة.( قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ ) وحجّتكم على دعواكم،( إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) كما أتى محمّد ببراهينه الّتي سمعتموها.

ثمّ قال:( بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ ) ، يعني: كما فعل هؤلاء الّذين آمنوا برسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لـمّا سمعوا براهينه وحجّته( وَهُوَ مُحْسِنٌ ) في عمله لله،( فَلَهُ أَجْرُهُ ) ، ثوابه( عِنْدَ رَبِّهِ ) ، يوم فصل القضاء،( وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) حين يخاف الكافرون بما يشاهدونه من العقاب،( وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) عند الموت. لأنّ البشارة بالجنان، تأتيهم.

وفيه(١) ، عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه: فالجدال بالّتي هي أحسن: قد قرنه العلماء بالدّين والجدال بغير الّتي هي أحسن، محرّم وحرّمه الله على شيعتنا.

وكيف يحرّم(٢) الجدال جملة وهو يقول:( وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى ) .، قال الله تعالى:( تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ. قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) ؟» فجعل(٣) علم الصّدق والإيمان بالبرهان وهل يؤتى بالبرهان إلا في الجدال بالّتي هي أحسن والّتي ليست بأحسن؟

وفي كتاب الخصال(٤) ، في احتجاج عليّ ـ عليه السّلام ـ على النّاس، يوم الشورى. قال: نشدتكم بالله! هل فيكم أحد قال له رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ مثل ما قال لي؟: أهل ولايتك يخرجون يوم القيامة من قبورهم، على نوق بيض شراك نعالهم نور يتلألأ. قد سهلت عليهم الموارد. وفرجت عليهم(٥) الشّدائد. واعطوا الأمان.

وانقطعت عنهم الأحزان، حتّى ينطلق بهم إلى ظلّ عرش الرّحمن. فوضع(٦) بين أيديهم مائدة. يأكلون منها حتّى يفرغ من الحساب يخاف النّاس ولا يخافون ويحزن النّاس ولا يحزنون غيري.» قالوا: أللّهمّ لا!](٧)

( وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ ) ، أي: أمر يصحّ ويعتدّ به. وهذه

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ١٤.

(٢) المصدر: يحرّم الله.

(٣) المصدر: فجعل الله.

(٤) الخصال / ٥٥٨ ـ ٥٥٩.

(٥) المصدر ور: عنهم.

(٦) المصدر: توضع.

(٧) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

١٢٠

مسألة ٧٣٠ : لا يُقب ل إقرار الوكيل ، فلو أقرّ وكيل المدّعي بالقبض ، أو الإبراء ، أو قبول الحوالة ، أو المصالحة على مال ، أو بأنّ الحقّ مؤجَّل ، أو أنّ البيّنة فسقة ، أو قد زوّروا ، أو قد أقرّ وكيل المدّعى عليه بالحقّ المدّعى ، لم يُقبل ، سواء أقرّ في مجلس الحكم أو غيره ، عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي ومالك وابن أبي ليلى وزفر وأحمد(١) - لأنّ الإقرار معنى يقطع الخصومة وينافيها ، فلا يملكه الوكيل فيها ، كالإبراء. ولأنّه غير وكيلٍ في الإقرار ، فلا يكون نائباً عنه ، وإخبار الغير عن حقّ الغير إن كان شهادةً سُمعت ، وإلّا فلا ، والإقرار إخبار.

وقال أبو حنيفة ومحمّد : يُقبل إقراره إذا كان في مجلس الحكم فيما عدا الحدود والقصاص(٢) .

وقال أبو يوسف : يُقبل إقراره في مجلس الحكم وغيره ؛ لأنّ الإقرار‌

____________________

(١) الأُم ٣ : ٢٣٢ ، مختصر المزني : ١١٠ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥١٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٨ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٣ ، الوسيط ٣ : ٢٩٧ ، الوجيز ١ : ١٩٢ ، حلية العلماء ٥ : ١٢١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٤ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٥٣ / ١٨٣٩ ، البيان ٦ : ٣٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٣ - ٢٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٤ ، المبسوط - للسرخسي - ١٩ : ٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٩ / ١٧٤٢ ، النتف ٢ : ٥٩٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٥١ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٧ ، المغني ٥ : ٢١٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٣.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٩ / ١٧٤٢ ، النتف ٢ : ٥٩٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٥٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٧ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥١٣ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٣ ، الوسيط ٣ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٢١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٤ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٥٣ / ١٨٣٩ ، البيان ٦ : ٣٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٤ ، المغني ٥ : ٢١٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٣.

١٢١

أحد جوابي الدعوى ، فصحّ من الوكيل في الخصومة ، كالإنكار(١) .

والفرق : أنّ الإنكار لا يقطع الخصومة ، ولا يسقط حقّ الموكّل منها ، بخلاف الإقرار ، ألا ترى أنّه يصحّ منه الإنكار في الحدود والقصاص ، ولا يصحّ منه الإقرار ، فنحن نقيس على أبي حنيفة على الحدود والقصاص ودعوى النكاح والطلاق والعفو عن القصاص ، فإنّه سلّم أنّه لا يملك الوكيل الإقرار في ذلك كلّه(٢) ، فنقيس المتنازع عليه. ولأنّ الوكيل لا يصالح ولا يبرئ ، فكذلك الإقرار. وكذا يُنقض عليه بما إذا أقرّ في غير مجلس الحكم لا يلزمه ، فكذا في مجلس الحكم. ولأنّ الوكيل لا يملك الإنكار على وجهٍ يمنع الموكّل من الإقرار ، فلو مَلَك الإقرار ، لامتنع على الموكّل الإنكار ، فافترقا.

فروع :

أ - لو وكّله في الإقرار ، ففيه خلاف ، واختار الشيخ جوازه(٣) . ولا استبعاد فيه. ويلزم الموكّل ما أقرّ به ، فإن كان معلوماً ، لزمه ذلك. وإن كان مجهولاً ، رجع في تفسيره إلى الموكّل دون الوكيل.

ب - لو أقرّ وكيل المدّعي بالقبض أو الإبراء ، لم يلزم إقراره الموكّل على ما قلناه‌ ، لكن ينعزل الوكيل عن الوكالة. وكذا وكيل المدّعى عليه لو أقرّ بالحقّ في ذمّة موكّله ، لم يسمع في حقّه ، لكن تبطل وكالته بالإنكار ؛

____________________

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٩ / ١٧٤٢ ، النتف ٢ : ٥٩٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٥٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٧ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥١٣ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٣ ، حلية العلماء ٥ : ١٢١ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٥٤ / ١٨٣٩ ، البيان ٦ : ٣٧٠ ، المغني ٥ : ٢١٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٣.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٤ ، البيان ٦ : ٤١٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٤.

(٣) الخلاف ٣ : ٣٤٤ ، المسألة ٥ من كتاب الوكالة.

١٢٢

لأنّه بعد الإقرار ظ الم في الخصومة بزعمه.

وللشافعيّة وجهان في بطلان وكالته(١) .

ج - هل يشترط في التوكيل بالخصومة بيان ما فيه الخصومة من دم أو مال ، أو عين أو دَيْن ، أو أرش جناية أو بدل مال؟ الأقرب عندي : عدم الاشتراط ، بل يصحّ التعميم.

وللشافعيّة وجهان(٢) .

أمّا لو وكّله في خصومةٍ معيّنة وأبهم ، لم يصحّ.

د - الأقرب : عدم اشتراط تعيين مَنْ يخاصم معه.

وللشافعيّة وجهان(٣) .

ه- الأقرب : إنّ الوكيل بالخصومة من جهة المدّعى [ عليه ] لا يُقبل منه تعديل بيّنة المدّعي(٤) ؛ لأنّه كالإقرار في كونه قاطعاً للخصومة ، وليس للوكيل قطع الخصومة بالاختيار ، وهو قول بعض الشافعيّة(٥) .

وقال بعضهم : إنّ تعديله وحده لا ينزّل منزلة إقرار الموكّل بعدالتهم ، لكن ردّه مطلقاً بعيد ؛ لأنّ التعديل غير مستفادٍ من الوكالة ، إلّا أن يوجّه بأنّه بالتعديل مقصّرٌ في الوكالة وتاركٌ حقَّ النصح(٦) .

مسألة ٧٣١ : لو وكّله في استيفاء حقٍّ له على غيره ، فجحده مَنْ عليه الحقّ وأمكن ثبوته عليه ، لم يكن للوكيل مخاصمته ولا محاكمته‌ ، ولا يثبت الحقّ عليه ؛ لأنّ الإذن إنّما انصرف إلى الاستيفاء ، وهذه طُرقٌ إليه مغايرة‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٠.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « من جهة المدّعي لا يقبل بيّنة المدّعى عليه ». والمثبت هو الموافق لما في المصدر من الهامش التالي.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١.

(٦) الوسيط ٣ : ٢٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٤.

١٢٣

له ، فلا يملكها ، و قد يرتضى للقبض مَنْ لا يرتضى للخصومة - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة ، وبه قال أبو يوسف ومحمّد ، ورواه الحسن عن أبي حنيفة(١) - لأنّ الأمين قد لا يُحسن الخصومة ، فلا يرتضيه الموكّل في القبض لها.

والثاني : نعم ؛ لأنّه لا يتمكّن من الاستيفاء عند إنكار مَنْ عليه إلّا بالإثبات ، فليُمكَّن ممّا يتوسّل به إلى الاستيفاء(٢) ، وبه قال أبو حنيفة(٣) .

إذا عرفت هذا ، فلا فرق بين أن يكون الموكّل باستيفائه(٤) عيناً أو دَيْناً ، فإذا وكّله في قبض عينٍ فجحدها مَنْ هي في يده ، لم يكن وكيلاً في التثبيت أيضاً ، وهو أحد قولَي الشافعيّة(٥) .

وقال أبو حنيفة : إن كان دَيْناً مَلَك الإثبات ، وإن كان عيناً لم يملكه ؛ لأنّه وكيل في النقل ، فلا يملك الإثبات ، كالوكيل في نقل الزوجة(٦) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٨ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٤ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٢ ، البيان ٦ : ٣٧٠ - ٣٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤١ ، المغني ٥ : ٢١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٤ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٥ ، المبسوط - للسرخسي - ١٩ : ٢١ و ٦٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٥٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٥.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٦٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٢ ، البيان ٦ : ٣٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤١ ، المغني ٥ : ٢١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٤.

(٣) بحر المذهب ٨ : ١٦٤ ، البيان ٦ : ٣٧٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٢.

(٤) في « ث ، ر » : « بالاستيفاء ». وفي « ج ، خ » : « بالاستيفاء به ».

(٥) نفس المصادر في الهامش (٢)

(٦) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٥ ، المبسوط - للسرخسي - ١٩ : ٢١ و ٦٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٥٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٠ ، وفي المغني ٥ : ٢١٩ ، والشرح الكبير ٥ : ٢٤٤ نسبة ذلك إلى بعض أصحاب أبي حنيفة.

١٢٤

والحقّ ما قلناه ؛ ف إنّ القبض في العين كالقبض في الدَّيْن ، فإذا جاز له الخصومة في الدَّيْن ، جاز له في العين ، بخلاف الزوجة ؛ لأنّ ذلك ليس بقبضٍ.

مسألة ٧٣٢ : إذا وكّله في تثبيت حقّه على خصمه ، لم يكن للوكيل القبضُ - وبه قال أحمد(١) - لأنّ القبض لم يتناوله الإذن نطقاً ولا عرفاً ؛ إذ ليس كلّ مَنْ يُرتضى للخصومة يُرتضى للقبض ، فإنّه قد يكون خائناً.

وللشافعيّة في استيفائه بعد الإثبات طريقان :

أحدهما : إنّ فيه وجهين أيضاً ، كالوجهين في أنّ الوكيل بالبيع هل يملك قبض الثمن ؛ لأنّه من توابع الإثبات ومقاصده ، كقبض الثمن بالإضافة إلى البيع؟

وأظهرهما : القطع بالمنع ؛ لأنّ الاستيفاء يقع بعد الإثبات ، فليس ذلك نفس المأذون فيه ولا واسطته ، بخلاف العكس [ و ](٢) بخلاف مسألة قبض الثمن ؛ لأنّه إذا وكّله بالبيع ، أقامه مقام نفسه فيه ، وأنّه عقد يتضمّن(٣) عُهَداً(٤) منها : تسليم المبيع وقبض الثمن ، فجاز أن يُمكّن من قضاياه ، وأمّا الإثبات فليس فيه ما يتضمّن التزاماً(٥) .

قال بعض الشافعيّة : الخلاف في الصورة الثانية في الأموال ، أمّا القصاص والحدّ فلا يستوفيهما بحال(٦) .

____________________

(١) المغني ٥ : ٢١٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٣.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) في « ث ، خ » : « متضمّن ».

(٤) « عُهَد » جمعٌ ، واحدته : « عهدة » بمعنى الشرط.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٠ - ٢٣١.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣١.

١٢٥

وقال بعضهم : إنّه ع لى الوجهين(١) .

وإذا جمعت بين الأمرين : الاستيفاء والإثبات وقلت : الوكيل بأحدهما هل يملك الثاني؟ حصل - عند الشافعيّة - في الجواب ثلاثة أوجُه ، لكنّ الظاهر عندهم أنّه لا يفيد واحد منهما الثاني(٢) .

فروع :

أ - الوكيل بالخصومة لا يملك الصلح ولا الإبراء منه‌ ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ الإذن في الخصومة لا يقتضي شيئاً من ذلك.

ب - قال بعض العامّة : لو كان الموكّل عالماً بجَحْد مَنْ عليه الحقّ ، أو مَطْله ، كان التوكيل في القبض توكيلاً في الخصومة والتثبيت ؛ لعلمه بوقوف القبض عليه(٣) .

وليس بشي‌ءٍ ؛ لاحتمال أن يرجع الغريم إلى الحقّ ، أو يستنيب الموكّل غير وكيل القبض وكيلاً في التثبيت بعد المطالبة وتصريح الجحود.

ج - قد عرفت أنّ الوكيل بالبيع لا يُسلّم المبيعَ قبل أن يقبض الموكّل(٤) أو وكيلُه الثمنَ ، فإن سلّمه قبله ، غرم للموكّل قيمته إن كانت القيمة والثمن سواءً ، أو كان الثمن أكثر. وإن كانت القيمة أكثر بأن باعه بغبنٍ محتمل ، غرّمه جميع القيمة.

ويحتمل أن يحطّ قدر الغبن ؛ لصحّة البيع بذلك الثمن.

وللشافعيّة وجهان كهذين ، أصحّهما عندهم : الأوّل(٥) .

ولو باع بغبنٍ فاحشٍ بإذن الموكّل ، فقياس الوجه الثاني عندهم : إنّ

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣١.

(٣) المغني ٥ : ٢١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٤.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « المالك » بدل « الموكّل ».

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤١.

١٢٦

المالك لا يغرّمه إلّا قدر الثمن ، ثمّ لو قبض الوكيل الثمنَ بعد ما غرم ، دَفَعه إلى الموكّل ، واستردّ الثمن(١) .

د - تُقبل شهادة الوكيل مع الشرائط على موكّله مطلقاً ، وتُقبل لموكّله في غير ما هو وكيلٌ فيه ، كما لو وكّله في بيع دارٍ فشهد له بعبدٍ.

ولو شهد فيما هو وكيلٌ فيه ، فإن كان ذلك قبل العزل ، لم تُقبل ؛ لأنّه متّهم حيث يجرّ إلى نفسه نفعاً ، وهو ثبوت ولاية التصرّف لنفسه.

وإن كان بعد العزل ، فإن كان قد خاصم الغريم فيه حالَ وكالته ، لم تُقبل أيضاً ؛ لأنّه متّهم أيضاً حيث يريد تمشية قوله وإظهار الصدق فيما ادّعاه أوّلاً.

وإن لم يخاصم ، سُمعت شهادته عندنا - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أصحّ الوجهين(٢) - لأنّه ما انتصب خصماً ، ولا يُثبت لنفسه حقّاً ، فكان كالأجنبيّ ، فأشبه ما لو شهد قبل التوكيل.

وفي الثاني للشافعي : لا تُقبل أيضاً ، كما لو شهد قبل العزل(٣) .

والفرق ظاهر ، وهو أنّه قبل العزل يثبت لنفسه محلّ ولاية التصرّف.

وقال الجويني : هذه هي الطريقة المشهورة عند الشافعيّة ، وقياس المراوزة أن ينعكس ، فيقال : إن لم يخاصم ، تُقبل شهادته. وإن كان قد خاصم ، فوجهان. ورأى أنّ هذا التفصيل فيما إذا جرى الأمر على التواصل ، فأمّا إذا طال الفصل ، فالوجه : القطع بقبول الشهادة ، مع احتمالٍ فيه(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣١.

(٢ و ٣) بحر المذهب ٨ : ٢١٥ ، البيان ١٣ : ٢٨٣ - ٢٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٤ - ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١.

١٢٧

مسألة ٧٣٣ : لو وكّل رجلين بالخصومة ولم يصرّح باستقلال كلّ واحدٍ منهما ، لم يستقلّ بها أحدهما ، بل يتشاوران ويتباصران(١) ، ويعضد كلّ واحدٍ منهما صاحبَه ، ويُعينه على ما فُوّض إليهما ، كما لو وكّل رجلين ببيعٍ أو طلاقٍ أو غيرهما ، أو أوصى إلى اثنين ، لم يكن لأحدهما الانفراد ، وهو أصحّ وجهي(٢) الشافعي.

والثاني : إنّ لكلّ واحدٍ منهما الاستقلال ؛ لعسر الاجتماع على الخصومة(٣) .

وكذا لو وكّل رجلين بحفظ متاعٍ ، حفظاه معاً في حرزٍ لهما ؛ لأنّ قوله : « افعلا كذا » يقتضي اجتماعهما على فعله ، وهو ممّا يمكن ، فتعلّق بهما ، بخلاف قوله : « بعتكما » حيث كان منقسماً بينهما ؛ لأنّه لا يمكن كون الملك لهما على الاجتماع ، فانقسم بينهما ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

والثاني لهم : إنّه ينفرد به كلّ واحدٍ منهما ، فإن قَبِل التقسيم قُسّم ليحفظ كلّ واحدٍ منهما بعضَه(٤) .

والحقّ ما قدّمناه ؛ لأنّ الأصل عصمة مال المسلم ، ومنع الغير من التصرّف فيه إلّا بإذنه ، فإذا أذن اتّبع حدّ إذنه.

مسألة ٧٣٤ : إذا وكّل اثنين في التصرّف فغاب أحدهما ، لم يكن للآخَر أن يتصرّف ، ولا للحاكم ضمّ أمينٍ إليه ليتصرّفا ؛ لأنّ الموكّل رشيد جائز التصرّف لا ولاية للحاكم عليه ، فلا يقيم الحاكم وكيلاً له بغير أمره ،

____________________

(١) في « ث » : « يتناصران ».

(٢) في « ث ، خ » : « قولَي » بدل « وجهي ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١.

١٢٨

بخلاف ما لو مات أحد الوصيّين حيث قال بعضهم بأنّ الحاكم يضيف إلى الوصي أميناً ليتصرّفا ؛ لكون الحاكم له النظر في حقّ الميّت واليتيم ، ولهذا لو لم يوص إلى أحدٍ أقام الحاكم أميناً في النظر لليتيم(١) .

فإن حضر أحد الوكيلين والآخَر غائب وادّعى الوكالة لهما وأقام البيّنة ، سمعها الحاكم ، وحَكَم بثبوت الوكالة لهما ، ولم يملك الحاضر التصرّف وحده ، فإذا حضر الآخَر تصرّفا معاً ، ولا يحتاج إلى إعادة البيّنة ؛ لأنّ الحاكم سمعها لهما مرّةً.

لا يقال : هذا حكم للغائب.

لأنّا نقول : الأصل الحكم للحاضر ، وأمّا الغائب فدخل ضمناً ، كما أنّه يحكم للوقف الذي ثبت لمن يخلق بَعْدُ لأجل مَنْ يستحقّه في الحال ، فكذا هنا.

ولو جحد الغائب الوكالة أو عزل نفسه ، لم يكن للآخَر أن يتصرّف ، ولا نعلم فيه خلافاً. وجميع التصرّفات في هذا سواء.

وقال أبو حنيفة : إذا وكّلهما في خصومةٍ ، فلكلّ واحدٍ منهما الانفراد بها(٢) .

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّه لم يرض بتصرّف أحدهما ، فأشبه البيع والشراء.

مسألة ٧٣٥ : إذا وكّل الرجل وكيلاً بحضرة الحاكم في خصوماته واستيفاء حقوقه ، صحّت الوكالة ، فإذا قدّم الوكيل خصماً لموكّله بعد ذلك إلى الحاكم ، حَكَم الحاكم بعلمه عندنا - وهو أحد قولَي الشافعيّة(٣) - فيسمع‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٢١٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٠.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٣٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٤٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٣ ، الفقه النافع ٣ : ١٢٤٠ / ٩٩٤ ، المغني ٥ : ٢١٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢١.

(٣) مختصر المزني : ٣٠٢ ، الأحكام السلطانيّة - للماوردي - : ٧٠ ، الحاوي الكبير =

١٢٩

الحاكم دعواه على خصم موكّله.

وعند القائلين بأنّ الحاكم لا يحكم بعلمه لا يسمع دعواه حتى يشهد بوكالته شاهدان(١) .

وإن كان قد وكّله في غير حضور الحاكم وحضر عند الحاكم وادّعى وكالة موكِّله وأحضر شاهدين يشهدان له بالوكالة ، سمع الحاكم الشهادة بذلك ، وبه قال مالك والشافعي(٢) .

ولو أحضر خصماً وادّعى عليه الحقَّ لموكّله قبل ثبوت الوكالة ، لم يسمع الحاكم دعواه.

وقال أبو حنيفة : لا تُسمع الشهادة على الوكالة ، إلّا أن يقدّم خصماً من خصماء الموكّل فيدّعي عليه حقّاً لموكّله ، فإذا أجاب المدّعى عليه حينئذٍ يسمع الحاكم البيّنةَ(٣) .

فحصل الخلاف بيننا وبين أبي حنيفة في فصلين :

أحدهما : إنّ عندنا يسمع الحاكم البيّنةَ من غير خصمٍ ، وعنده لا يسمع.

والثاني : إنّ عندنا لا تُسمع دعواه لموكّله قبل ثبوت وكالته ، وعنده‌

____________________

= ١٦ : ٣٢١ ، الإقناع في الفقه الشافعي : ١٩٦ ، التنبيه : ٢٥٥ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٠٤ ، الوسيط ٧ : ٣٠٨ ، الوجيز ٢ : ٢٤١ ، حلية العلماء ٨ : ١٤٢ ، التهذيب - للبغوي - ٨ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ١٢ : ٤٨٦ ، أدب القضاء - لابن أبي الدم - : ٩٤ و ١٠٥ ، روضة الطالبين ٨ : ١٤١ ، منهاج الطالبين : ٣٣٩.

(١) راجع : المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٦٩.

(٢) المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٧٠ ، الذخيرة ٨ : ١٥ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٧ / ١٠٣١ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٤ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١ - ٥٥٢.

(٣) المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٧٠ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥.

١٣٠

تُسمع.

وأبو حنيفة بني ذلك على أصله ، وأنّ القضاء على الغائب لا يجوز ، وأنّ سماع البيّنة بالوكالة من غير خصمٍ قضاءٌ على الغائب ، وأنّ الوكالة من الحاضر لا تلزم الخصم ، فما لم يُجب عن دعوى الوكيل لم يكن رضاً بالوكالة(١) .

والشافعي وافقنا على ما قلناه ؛ لأنّه إثبات وكالةٍ ، فلم يفتقر إلى حضور الموكّل عليه ، كما إذا كان الموكّل [ عليه ](٢) جماعةً فأُحضر واحد منهم ، فإنّ الباقين لا يفتقر إلى حضورهم ، كذلك هنا الواحد.

وإنّما لم يسمع الحاكم الدعوى قبل ثبوت الوكالة ؛ لأنّ الدعوى لا تُسمع إلّا من خصمٍ إمّا عن نفسه أو عن موكّله ، وهذا لا يخاصم عن نفسه ، ولا يثبت أنّه وكيل لمن يدّعي له ، فلا تُسمع دعواه ، كما لو ادّعى لمن لم يدّع وكالته.

مسألة ٧٣٦ : إذا ادّعى أنّه وكيل فلان في خصومة فلان ، فإن كان المقصود بالخصومة حاضراً وصدّقه ، ثبتت الوكالة ، وله مخاصمته على إشكالٍ. وإن كذّبه ، أقام البيّنة على الوكالة ، فلا يحتاج إلى أن يدّعي حقّاً لموكّله على الخصم ، عند علمائنا ، وبه قال الشافعي(٣) .

وقال أبو حنيفة : لا تُسمع البيّنة على الوكالة حتى يدّعي عليه حقّاً لموكّله فينكر(٤) .

____________________

(١) المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٧٠.

(٢) ما بين المعقوفين أثبتناه لأجل السياق.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١.

(٤) فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٩ - ١٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥.

١٣١

وإن كان غائباً وأقا م البيّنةَ على الوكالة ، سمعها وأثبتها ، ولا يعتبر حضور المقصود بالخصومة في إثبات الوكالة ، خلافاً لأبي حنيفة حيث قال : لا تُسمع البيّنة إلّا في وجه الخصم ، بناءً على امتناع القضاء على الغائب(١) . وقد تقدّم(٢) .

وقال بعض الشافعيّة : لا بدّ وأن ينصب القاضي مسخراً(٣) ينوب عن الغائب ، ليقيم المدّعي البيّنةَ في وجهه(٤) . وهو مخالف لباقي الشافعيّة.

ثمّ قال : وقد اصطلح القُضاة على أنّ مَنْ وكّل في مجلس القضاء وكيلاً بالخصومة ، يختصّ [ التوكيل ](٥) بالخصومة في ذلك المجلس(٦) .

قال الجويني : والذي يعرفه أصحاب الشافعي أنّه يخاصم في ذلك المجلس وبعده ، ولا نعرف للقُضاة العرف الذي ادّعاه(٧) .

مسألة ٧٣٧ : لو وكّل رجلاً عند القاضي بالخصومة عنه وطلب حقوقه ، فللوكيل أن يخاصم عنه ما دام حاضراً اعتماداً على العيان. فإن غاب وأراد الوكيل الخصومة عنه بناءً على اسمٍ ونسبٍ يذكره ولم يكن معروفاً عند الحاكم ، فلا بدّ من إقامة البيّنة على أنّ فلان بن فلان وكّله ، أو على أنّ الذي وكّله عند الحاكم هو فلان بن فلان.

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٥٥ / ١٨٤١ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٨ / ١٧٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٢.

(٢) في ص ١٢٩ و ١٣٠.

(٣) السخرة : ما تسخّرت من دابّة أو خادم بلا أجر ولا ثمن. لسان العرب ٤ : ٣٥٣ « سخر ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٢.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الوكيل ». والمثبت من المصدر.

(٦ و ٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٢.

١٣٢

وبالجملة ، لا بدّ و أن يعرف الموكّل شاهدان يعرفهما القاضي ويوثّقهما إمّا بمعرفته بعدالتهما أو بحضور اثنين يزكّيانهما أو أكثر.

وقال بعض الشافعيّة : إنّ القُضاة عادتهم التساهل في هذه البيّنة بالعدالة الظاهرة ، وترك البحث والاستزكاء ، تسهيلاً على الغرماء(١) .

وهو خطأ عندنا.

وقال بعضهم أيضاً : يمكن أن يكتفي بمعرِّفٍ واحد إذا كان موثوقاً به ، كما في تعريف المرأة في تحمّل الشهادة عليها يحصل بمعرِّفٍ واحد ؛ لأنّه إخبار وليس بشهادة(٢) .

وهو خطأ عندنا أيضاً ، بل لا بدّ في التعريف من عَدْلين.

مسألة ٧٣٨ : إذا وكّله في شراءٍ فاسد أو عقدٍ باطل ، مثل أن يقول : اشتر لي شيئاً إلى مقدم الحاج ، أو مجي‌ء الغلّة ، أو : بِعْ كذلك ، لم يملك هذا العقد ؛ لأنّ الله تعالى لم يأذن في الفاسد ، ولأنّ الموكّل لا يملكه فالوكيل أولى.

ولا يملك الصحيح عندنا - وبه قال الشافعي وأحمد(٣) - لأنّه أذن له في عقدٍ فاسد ، فإذا عَقَد صحيحاً ، يكون فضوليّاً قد فَعَل غير المأذون فيه. ولأنّه أذن له في عقدٍ فاسد ، فإذا عَقَد صحيحاً ، لم يلزم ، كما لو أذن له في شراء خمر أو خنزير. ولأنّه أذن له في محرَّمٍ ، فيكون الإذن محرّماً ، فلا يملك الحلال بهذا الإذن ، كما لو أذن له في شراء خمر أو خنزير‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٢.

(٣) التنبيه : ١٠٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٨٦ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٤ ، البيان ٦ : ٣٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٣ ، المغني ٥ : ٢٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٠.

١٣٣

لم يملك شراء الخَلّ والغنم.

وقال أبو حنيفة : يملك بذلك الشراءَ الصحيح ؛ لأنّ الشراء الفاسد يملك عقده ، فإذا عقد له عقداً صحيحاً فقد مَلَكه بما هو أولى(١) .

وهو ممنوع ، على أنّ البيع الصحيح يملك به ، والفاسد لا يملك بالعقد فيه ، وإنّما يملك بالقبض ملكاً غير لازمٍ.

مسألة ٧٣٩ : لو وكّله بالصلح عن الدم على خمرٍ ففَعَل ، حصل العفو‌ ، كما لو فَعَله الموكّل بنفسه ؛ لأنّ الصلح على الخمر وإن كان فاسداً فيما يتعلّق بالعوض ولكنّه صحيح فيما يتعلّق بالقصاص ، فيصحّ التوكيل فيما لو فَعَله الموكّل بنفسه لصحّ ، لا أنّا نصحّح التوكيل في العقد الفاسد.

ولو وكّله بالصلح عن القصاص على خمرٍ فصالح على خنزير ، فهو لغو ، ويبقى القصاص مستحقّاً على ما كان عليه قبل الصلح ؛ لأنّه مستبدّ بما فَعَل غير موافقٍ أمرَ الموكّل ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّه كما لو عفا على خمر ؛ لأنّ الوكالة بالصلح تامّة ، والخمر لا تثبت وإن ذكرت ، وإنّما تثبت الدية ، فلا فرق فيما يصحّ ويثبت بين أن يذكر الخمر أو الخنزير. وعلى هذا لو صالح على ما يصلح عوضاً كالعبد والثوب ، أو على الدية نفسها ، يجوز(٢) .

ولا خلاف بينهم في أنّه لو جرى هذا الاختلاف بين الموجب والقابل في الصلح ، يلغو ؛ لعدم انتظام الخطاب والجواب(٣) .

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ١٩ : ٥٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٢ ، بحر المذهب ٨ : ١٨٦ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٥ ، البيان ٦ : ٣٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٧ ، المغني ٥ : ٢٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٠.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٣.

١٣٤

ولو وكّله بأن يخالع زوجته على خمر ، فخالَع على خمر أو خنزير ، فعند الشافعيّة أنّه على ما تقدّم في الصلح عن الدم(١) .

المطلب الثاني : في حكم العهدة

مقدّمة : قد بيّنّا أنّه يجوز التوكيل بجُعْلٍ وبغير جُعْل ، فإذا وكّله على البيع أو الشراء أو غير ذلك وجَعَل له جُعْلاً ، كان للوكيل المطالبة بجُعْله قبل أن يتسلّم الموكّل الثمن أو المثمن ؛ لأنّ الأُجرة مستحقّة بالبيع أو الشراء ، وليس التسليم شرطاً في ذلك.

وكذا لو وكّله في حجٍّ أو غيره ، استحقّ الأُجرة بنفس العمل.

وإنّما تقف الأُجرة على تسليم المنفعة التي يمكن تسليمها دفعةً واحدة ، كالحياكة والخياطة(٢) والصياغة(٣) وأشباه ذلك ، فإذا استأجره على نساجة ثوبٍ أو خياطته أو قصارته فإذا سلّمه إلى المستأجر معمولاً ، فله الأجر.

ولو كان العمل في دار المستأجر فكلّما عمل شيئاً ، وقع مقبوضاً ، فيستحقّ الخيّاط الجُعْل إذا فرغ من الخياطة.

أمّا في مسألتنا فقد استحقّ الأُجرة بالبيع ، فلا يقف ذلك على تسليم الثمن.

أمّا لو قال : وكّلتك في بيع مالي فإذا سلّمتَ الثمن إلَيَّ فلك كذا وكذا ، فإنّه يقف استحقاقه على التسليم ؛ لأنّه شرطه في الاستحقاق ، بخلاف الأوّل.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٣.

(٢) في « ج ، ر » : « كالخياطة والحياكة ».

(٣) في « ث ، ر » : « الصباغة ».

١٣٥

مسألة ٧٤٠ : الوكيل أمين ويده يد أمانةٍ لا يضمن ما يتلف في يده ، إلّا بتفريطٍ منه أو تعدٍّ فيه ، فإن تلف ما قبضه من الديون أو الأثمان أو الأعيان من الموكّل أو غرمائه ، فلا ضمان عليه ، سواء كان وكيلاً بجُعْلٍ أو بغير جُعْلٍ. فإن تعدّى فيه - كما لو ركب الدابّة ، أو لبس الثوب ، أو فرّط في حفظه - ضمن إجماعاً.

وكذا باقي الأمانات ، كالوديعة وشبهها.

وبالجملة ، الأيدي على ثلاثة أقسام :

يد أمانة ، كالوكيل والمستودع والشريك وعامل المضاربة والوصي والحاكم وأمين الحاكم والمرتهن والمستعير على وجهٍ يأتي.

ويد ضامنة ، كالغاصب والمستعير على وجهٍ والمساوم والمشتري شراءً فاسداً والسارق.

ويد مختلف فيها ، وهو يد الأجير المشترك ، كالقصّار والصائغ والحائك والصبّاغ وما أشبه ذلك.

وفيها للشافعيّة قولان(١) .

وعندنا أنّها يد أمانة.

إذا عرفت هذا ، فكلّ يد أمانة لا ضمان على صاحبها إلاّ بتعدٍّ أو تفريطٍ ؛ لأنّه لو كُلّف الضمان لامتنع الناس من الدخول في الأمانات مع الحاجة إليها ، فيلحقهم الضرر ، فاقتضت الحكمة زوال الضمان عنهم.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٥٠١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤١٥ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٢ ، الوجيز ١ : ٢٣٧ ، الوسيط ٤ : ١٨٨ ، حلية العلماء ٥ : ٤٤٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٦٦ ، البيان ٦ : ٤١١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤٧ - ١٤٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٩٩ ، المغني ٦ : ١١٨ ، الشرح الكبير ٦ : ١٣٥ - ١٣٦.

١٣٦

مسألة ٧٤١ : إذا تعدّي الوكيل أو فرَّط - مثل أن يلبس الثوب الذي دفعه الموكّل إليه ليبيعه ، أو ركب الدابّة - ضمن إجماعاً ، سواء تلفت العين بذلك التصرّف أو بغيره. ولا تبطل وكالته بمجرّد التعدّي ، فله بيع الثوب بعد لُبْسه ، والدابّةِ بعد ركوبها - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(١) - لأنّ الوكالة تضمّنت شيئين : الأمانة والإذن في التصرّف ، فإذا تعدّى ، زالت الأمانة وبقي الإذن بحاله. ولأنّ الوكالة أمانةٌ وإذنٌ في التصرّف ، والأمانة حكمٌ يترتّب عليه ، فلا يلزم من ارتفاع هذا الحكم بطلان أصل العقد ، كما أنّ الرهن لمّا كان المقصود منه التوثيق ومن حكمه الأمانة ، لا يلزم من ارتفاع حكم الأمانة فيه بطلان أصل الرهن ، بخلاف الوديعة ؛ فإنّها أمانة محضة ، فلا يبقى مع التعدّي.

والثاني : إنّه تبطل الوكالة ؛ لأنّها أمانة ، فترتفع بالتعدّي ، كالوديعة(٢) .

وقد بيّنّا بطلانه.

فعلى ما اخترناه من صحّة تصرّفه إذا باع وسلَّم العين إلى المشتري ، زال الضمان عنه إجماعاً ؛ لاستقرار ملك المشتري عليه ، وزوال ملك الموكّل عنه ، وقد أخرجه من يده بإذن المالك.

فروع :

أ - هل يخرج من الضمان بمجرّد البيع قبل التسليم؟ الأقرب : عدم الخروج ؛ لأنّه ربما يبطل العقد بتلفه قبل قبض المشتري ، فيكون التلف على ملك الموكّل ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

____________________

(١ و ٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٤ ، بحر المذهب ٨ : ١٧٦ ، الوسيط ٣ : ٣٠٥ ، حلية العلماء ٥ : ١٥٣ - ١٥٤ ، البيان ٦ : ٤١٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٤ - ٥٥٥ ، المغني ٥ : ٢٤٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٤.

١٣٧

والثاني : إنّه يخرج من ضمان عهدته ؛ لزوال ملك الموكّل عنه بالبيع ، ودخوله في ملك المشتري وضمانه(١) .

ونحن فيه من المتردّدين.

ب - إذا(٢) باع ما فرّط فيه وقبض الثمن ، كان الثمن أمانةً في يده غير مضمونٍ عليه وإن كان أصله مضموناً ؛ لأنّه لم يتعدّ فيه ، وقد قبضه بإذن الموكّل ، فيخرج عن العهدة.

ج - لو دفع إليه مالاً ووكّله في شراء شي‌ء به ، فتعدّى في الثمن ، صار ضامناً له ، فإذا اشترى به وسلّم ، زال الضمان.

وهل يزول بمجرّد الشراء به؟ وجهان تقدّما(٣) .

وإذا قبض المبيع ، كان أمانةً في يده.

د - لو تعدّى في العين ثمّ باعها وسلّمها ، زال الضمان على ما تقدّم(٤) ، فإذا ردّها المشتري عليه بعيبٍ ، عاد الضمان.

مسألة ٧٤٢ : لو دفع إلى وكيله دراهم ليشتري بها طعاماً - مثلاً - فتصرّف فيها على أن تكون قرضاً عليه ، صار ضامنا ؛ لتعدّيه بالتصرّف ، وليس له أن يشتري للموكّل بدراهم من نفسه ولا في الذمّة ، فإن فَعَل ونسب الشراء إلى الموكّل أو نواه ، كان فضوليّاً فيه إن أجاز الموكّل صحّ ، وإلّا بطل. وإن لم ينوه ولا سمّاه ، وقع عنه.

ولو عادت الدراهم التي أنفقها إلى يده فأراد أن يشتري بها للموكّل‌

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٧٦ ، البيان ٦ : ٤١٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٥.

(٢) في « ث ، ج » : « لو » بدل « إذا ».

(٣) في الفرع « أ ».

(٤) في ص ١٣٦ ، ذيل المسألة ٧٤١.

١٣٨

ما أمره ، كان له ذلك ؛ لأنّ الوكالة لا تبطل بالتعدّي.

وللشافعيّة قولان :

أحدهما كما قلناه.

والثاني : إنّ الوكيل ينعزل بتعدّيه ، فليس له الشراء حينئذٍ ، فإذا اشترى شيئاً ، لم يكن مضموناً عليه ؛ لأنّه لم يتعدّ فيه. ولو ردّ ما اشتراه بعيبٍ واستردّ الثمن ، عاد مضموناً عليه(١) .

مسألة ٧٤٣ : إذا قبض الوكيل ثمن المبيع فهو أمانة في يده ، ولا يلزمه تسليمه إليه قبل طلبه ، ولا يضمنه بتأخيره ؛ لأنّه رضي بكونه في يده حيث وكّله في القبض ، ولم يرجع عن ذلك ، فإن طلبه الموكّل فأخّر ردّه ، فإن كان لعذرٍ لم يضمن ، ويجب عليه مع أوّل وقت الإمكان وإن لم يجدّد الطلب ، فإن أخّر ضمن. وإن كان تأخيره لا لعذرٍ(٢) ، كان ضامناً كالمودع ، ولا نعلم فيه خلافاً.

مسألة ٧٤٤ : إذا وكّله في الشراء ، فإن اشترى ما أمره به على الوجه الذي أمره به ، وقع الملك للموكّل ، وانتقل من البائع إلى الموكّل ، ولا ينتقل إلى الوكيل بحالٍ عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي في أصحّ قولَيْه ، وأحمد(٣) - لأنّ الوكيل قَبِل عقداً لغيره ، فوجب أن ينتقل الملك إلى ذلك الغير دونه ، كالأب والوصي.

وقال أبو حنيفة : إنّه يقع للوكيل أوّلاً ثمّ ينتقل إلى الموكّل ؛ لأنّ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٩ - ٢٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٥.

(٢) في « ج ، ر » : « لغير عذر » بدل « لا لعذر ».

(٣) بحر المذهب ٨ : ٢١١ - ٢١٢ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٦ ، البيان ٦ : ٣٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٥ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٠٣ ، المغني ٥ : ٢٦٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٧.

١٣٩

حقوق العقد تتعلّق با لوكيل ؛ بدليل أنّه لو اشتراه بأكثر من ثمنه دخل في ملكه ، ولم ينتقل إلى الموكّل(١) . ولأنّ الخطاب إنّما جرى مع الوكيل وأحكام العقد تتعلّق به(٢) .

ونمنع تعلّق حقوق العقد بالوكيل ، والخطاب وقع له على سبيل النيابة للغير.

وينتقض ما ذكره بشراء الأب للطفل ابتداءً.

ثمّ نقول : لو ثبت الملك للوكيل لكان إذا وكّله في شراء أب الوكيل فاشتراه ، وجب أن يعتق عليه ؛ لدخوله في ملكه ، وليس كذلك ، بل يملكه الموكّل.

وألزمتُ بعضَ الحنفيّة بذلك ، فأجاب بأنّه في الزمن الأوّل يقع للوكيل ، وفي الزمن الثاني ينتقل إلى الموكّل ، فألزمتُه بأنّه بِمَ يرجّح الانتقال في الزمن الثاني إلى الموكّل دون العتق؟

مسألة ٧٤٥ : إذا وكّل المسلم ذمّيّاً في شراء خمر أو خنزير ، فاشتراه له ، لم يصح الشراء عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي وأحمد(٣) - لأنّ كلّ ما لا يجوز للمسلم العقد عليه بنفسه لا يجوز أن يوكّل فيه الذمّي ، كالعقد على المجوسيّة ، وبهذا خالف سائر الأموال.

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « إلى ملك الموكّل ».

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٣٣ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٣٧ - ١٣٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٥٤ ، روضة القضاة ٢ : ٦٤٥ / ٣٦٣١ و ٣٦٣٢ ، بحر المذهب ٨ : ٢١٢ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٥ ، البيان ٦ : ٣٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٠ ، المغني ٥ : ٢٦٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٧.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٢٠١ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٦ ، البيان ٦ : ٣٦٢ ، المغنى ٥ : ٢٦٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٧.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501