تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

تذكرة الفقهاء15%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: 501

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 179940 / تحميل: 5851
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٦-١
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

على تبصرة الفطنة، وتأوّل الحكمة، وموعظة العِبْرة، وسُنّة الأوّلين. فَمَن تبصّر في الفطنة، تبيّنت له الحكمة. ومن تبيّنت له الحكمة، عرف العِبْرة. ومن عرف العِبْرة، فكأنّما كان في الأوّلين.

والعدل منها على أربع شُعَب: على غائص الفهم، وغور العلم، وزُهرة الحكم، ورساخة الحلم. فمن فهم، علم غور العلم. ومن علم غور العلم، صدر عن شرائع الحكم. ومن حلُم، لم يفرّطْ في أمره، وعاش في الناس حميداً.

والجهاد منها على أربع شُعَب: على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصدق في المواطن، وشنآن الفاسقين، فمن أمر بالمعروف، شدّ ظهور المؤمنين، ومن نهى عن المنكر، أرغم أُنوف الكافرين. ومن صدق في المواطن، قضى ما عليه. ومن شنيءَ الفاسقين وغضِب لله، غضِب اللهُ وأرضاه يوم القيامة».

وبما أنّ نقاطاً أساسية وردت في هذا الكلام بشكل مفصّل، لذلك نحجم عن الحديث حولها.

وقد ذُكرتْ أجزاء الإيمان في نهج البلاغة:«الإيمان: معرفة بالقلب، وإقرار باللّسان، وعمل بالأركان».

وعندما تكون هناك معرفة عميقة وموسّعة، وتغطّي جميع وجود الإنسان، فإنّها تبلغ مرحلة الكمال على حدّ تعبير الإمام عليعليه‌السلام : «أوّلُ الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به» ففي هذه الحالة، تغطّي المعرفة مشاعر الإنسان وعواطفه، وتجذبه إلى الموضوع، فيتكهرب ليسير بكلّ وجوده نحو ما عرفه، وصدّقه قلبه. وهنا تصبح السيادة للعقل والإيمان معاً، بالفكر وعمل الإنسان.

التربية العملية

سيرة الأنبياء والأئمّةعليهم‌السلام

إنّ أحد الأساليب التربوية في الإسلام هو التعريف بالأنبياء والأئمّة المعصومينعليهم‌السلام والصحابة الأبرار (رضي الله عنهم) بوصفهم النماذج التي

١٦١

تمثّل الإسلام. وقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة المعصومونعليهم‌السلام هم المظهر الحقيقي للإسلام الأصيل، والتجسيد الواقعي له. وكما نعلم، فإنّ السنّة أحد مصادر التشريع الإسلامي المعتبرة. وتطلق السنّة على قول المعصوم وفعله وتقريره، والتقرير هو تأييد المعصوم لعمل يقوم به أحد المسلمين، أو كلام يقوله.

وقد كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة المعصومونعليهم‌السلام يتمتعون بوحدة الشخصية التامّة، حيث كانوا يطبّقون ما يعتقدون به أو يبلّغونه.

بكلمة بديلة: كانت عقائدهم وأقوالهم وأعمالهم متناسقة منسجمة. ومن وحي هذا المبدأ، فإنّ قولهم وفعلهم وتقريرهم حجّة، ومصدر للأحكام الإسلامية.

وكانت الوحدة والتناسق ملحوظين في سلوكهم، فكانوا مربّين عمليّين، ووسائل لاستمرار الرسالة وديمومتها، ومعايير للسلوك الإسلامي.

والمسلمون لم يسمعوا كلامهم فحسب، بل كانوا يشاهدون أعمالهم عن قرب. وكما ذكرنا في موضوع دمج العلم في العمل، فإنّ هذا الأُسلوب التربوي مؤثّر تماماً في تغيير سلوك الإنسان.

بالنسبة الينا نحن المسلمين، فإنّنا نعتقد أنّ تعاليم الأئمّةعليهم‌السلام قيمّة، وكذلك مطالعة قصصهم وأساليب حياتهم.

وفي متناول أيدينا كتب عديدة حول سيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، تعتبر بمثابة مصادر للتربية الإسلامية العملية.

ننقل الآن عدداً من النماذج المتعلّقة بسيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّةعليهم‌السلام .

قيمة العلم

نحن نعلم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اعتبر طلب العلم فريضة على كلِّ مسلم ومسلمة، وكان يرى أنّ مِداد العلماء أفضل من دماء الشهداء. وقد وردت

١٦٢

القصّة التالية في الجزء الأوّل من كتاب (قصص الأبرار) للمرحوم آية الله مطهّري، نقلاً عن كتاب (منية المريد):

دخل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم مسجد المدينة، فشاهد جماعتين من الناس، كانت الجماعة الأُولى منشغلة بالعبادة والذكر. والأُخرى بالتعليم والتعلّم، فألقى عليهما نظرة فرح واستبشار وقال للذين كانوا برفقته مشيراً إلى الفئة الثانية: ما أحسن ما يقوم به هؤلاء، ثمّ أضاف قائلاً: إنّما بُعثت للتعليم. ثمّ ذهب وجلس مع الجماعة الثانية.

ووردت القصّة التالية في الجزء الثاني من نفس الكتاب حول وصيّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالمشاركة في مجلس العلماء.

جاء رجل من الأنصار إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا رسول الله، أتّفقت جنازة، ومجلس عالم في وقت واحد فأيّهما أحبّ اليك أن أشهد؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن كان للجنازة من يتبعها ويدفنها، فإنّ حضور مجلس عالم أفضل من حضور ألف جنازة، ومن عيادة ألف مريض، ومن قيام ألف ليلة، ومن صيام ألف يوم،.... أما علمتَ أنّ الله يطاع بالعلم ويُعبد بالعلم؟ وخير الدنيا والآخرة مع العلم، وشرّ الدنيا والآخرة مع الجهل.

التعاون في شؤون الحياة اليومية

نحن نعلم بأنّ التعاون شرط مهم لاستمرار الحياة الإنسانية. فوجود الهدف المشترك، وضرورة تقسيم العمل، وتحمّل المسؤولية، وتنسيق الأعمال والنشاطات، ولمس الناس نتائج عمل بعضهم البعض، كلُّ ذلك يوضّح لنا أهميّة التعاون بين الناس. وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى:( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرّ وَالتّقْوَى... ) .

وحول التعاون، وردت الحكاية التالية في كتاب: (قصص الأبرار) نقلاً عن (كحل البصر).

١٦٣

اتّفق صحابة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مرّة على تقسيم الأعمال بينهم، لإعداد طعام لهم، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : أمّا أنا فعليّ جمع الحطب، فقال الصحابة: نحن نكفيك يا رسول الله، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أعلم ذلك، إلاّ أنّني اكره أن أتميّز عليكم، فإنّ الله يكره من عبده أن يراه متميّزاً بين أصحابه. فجمع مقداراً من الحطب وأتى به».

خدمة الناس

إنّ خدمة الناس من الواجبات الملقاة على عاتق المسلمين، يقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «خير الناس من نفع الناس». ويقول: «من أصبح ولم يهتم بأُمور المسلمين فليس بمسلم». فالسَّعي لقضاء حوائج الآخرين من الواجبات الملقاة على عاتق المسلمين أيضاً. جاء في حكاية القافلة التي كانت تريد الحج:

التحق رجل في طريق مكة بقافلة كان يعرف رجالها، فرأى الإمام السجادعليه‌السلام مشغولاً في خدمة رجال القافلة. فسألهم: أتعرفون هذا الرجل المشغول بخدمتكم وانجاز أعمالكم؟ فقالوا: لا. فقال: إنّه عليّ بن الحسين، زين العابدين. فنهض رجال القافلة، وتقدموا صوب الإمامعليه‌السلام معتذرين نادمين، فقالعليه‌السلام : إنّما رغبت بكم رفقاء للسفر لأنكم لا تعرفونني... ولهذا فإنّني أرغب أن أُسافر مع الذين لا يعرفونني كي أحظى بخدمتهم.

وجاء في الجزء الثاني من كتاب: (قصص الأبرار) تحت عنوان: (السعي في قضاء حاجة المؤمن): دخل رجل على الإمام الصادقعليه‌السلام ، وكانت عنده حاجة. فأمر الإمام أحد أصحابه لقضائها. وبعد قضاء الحاجة، قال الإمام: أما إنّك إذا أعنت أخاك المسلم أحبّ اليّ من طواف أُسبوع بالبيت. ثمّ أضاف وإنّ رجلاً أتى الإمام الحسنعليه‌السلام وقال: أعنّي على قضاء حاجة، فتنعّل الإمام وقام معه، فمرّا على الحسينعليه‌السلام وهو قائم يصلّي، فقال الإمام الحسنعليه‌السلام

١٦٤

للرجل: أين كنت عن أبي عبد الله تستعينه على حاجتك؟ قال: أردتُ أن أُعلمه بحاجتي، فأخبرني بأنّه معتكف. فقال الإمامعليه‌السلام : أما إنّه لو أعانك، كان خيراً له من اعتكافه شهراً.

وأُثر عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، ثلاثة أشياء حول حقوق المسلمين فيما بينهم: مراعاة العدل، عدم إمساك المال عن الآخرين، وذكر الله في كلِّ حال. وجاء في كتاب (قصص الأبرار) أنّ الإمام عليّاًعليه‌السلام ، عندما لقي رجلاً نصرانياً أعمى، قال ما مضمونه: على الحكومة تأمين نفقاته.

السيطرة على العواطف

ذكرنا - فيما مضى - بأنّ إحدى نتائج النموّ العاطفي: السيطرة على العواطف، جاء في القرآن الكريم قوله تعالى:

( ...وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النّاسِ... ) ، (آل عمران: 134).

وفي مطالعة القصّة التالية، التي نقلناها فيما سبق، فائدة تعليمية توجيهيّة: أراد رجل نصراني أن يستهزئ بالإمام محمّد بن عليّ بن الحسين الملقّب بـ (الباقر)، فقال له: أنت بقرة. وبكلِّ سماحته ولطفه أجابه الباقرعليه‌السلام : لا، أنا الباقر. فمضى النصراني يُمعن باستخفافه بالإمام، فقال: أنت ابن الطبّاخة، فقال: تلك هي حرفتها! فقال: أنت ابن السوداء الزنجية البذيئة. فأجابه الإمام: إن كنت صدقت غفر الله لها، وإن كنت كذبت، غفر الله لك.

إنّ صفح الإمامعليه‌السلام وحلمه، أوجدا في نفس النصراني وروحيّته انقلاباً، أدّى بالنتيجة إلى إسلامه. وقصّة لقاء الرجل الشامي مع الإمام الحسنعليه‌السلام قصّة رائعة:

عندما عرف رجل شامي الإمام الحسنعليه‌السلام بالغ في شتمه وشتم أبيه. (وكان سبّ الإمام عليعليه‌السلام وأولاده سائداً في الشام بسبب إيحاءات

١٦٥

السلطة الأمويّة). ثمّ سأله الإمام: أَمِن أهل الشام أنت؟ فقال: نعم. فبدأ الحسنعليه‌السلام يلاطفه، ودعاه إلى بيته، وقال له: إبسط لنا حاجتك وما يعرض لك، تجدني عند أفضل ظنّك، إن شاء الله. فضاقت الأرض على الشامي الذي كان يتوقّع ردَّ فعلٍ شديد يصدر عن الإمام الحسنعليه‌السلام ، فخجل، ثمّ انصرف معتذراً.

مساواة الناس أمام القانون

للنظام الإسلامي خاصيّتان رئيستان:

الأُولى: القانون فيه يسود الناس، فالنبيّ، والأئمّة، وعلماء الدين، كلّهم يسيرون على القانون الإلهي.الثانية: يُطبّق القانون على الجميع بصورة واحدة. وما أروع قصّة ذلك الرجل المسيحي والدرع!،

ضاعت دِرْع الإمام عليعليه‌السلام أيّام حكومته بالكوفة، وبعد مدّة، وُجدت عند رجل مسيحي، فأقبل به إلى أحد القضاة، فقال له: إنّها درعي ولم أبع ولم أهب. فأنكر المسيحي ذلك، فطلب القاضي من الإمام بيّنة على مدّعاه. (البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر). فقال الإمام: مالي بيّنة. ثمّ ترك المجلس وانصرف بعد أن حكم القاضي بالدرع للرجل المسيحي. بيد أنّ المسيحي دهش من مثل هذا الحكم وانبهر حتى اعترف بأنّ الدرع لأمير المؤمنينعليه‌السلام ثمّ أسلم.

وفي زمان خلافة عمر، شكا أحد الناس عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام إلى عمر بن الخطّاب في خصومة وقعت بينهما، فأحضرهما، ثمّ خاطب الشاكي باسمه، وخاطب الإمام بكنيته قاصداً أن يحترمه، فاعترض الإمام متأثّراً، وهو يقول لعمر: لم تسوّ بيني وبينه.

١٦٦

حياة المستضعفين

كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام عليعليه‌السلام يجسّدان المثل الأعلى للحاكم الإسلامي، فكانا يساويان أنفسهما بضَعَفَة الناس، عندما كانا حاكمين، وكانا يجهدان أن تظلّ حياتهما بمستوى حياة المستضعفين. وفي قصّة الإمام عليعليه‌السلام مع عاصم - المنقولة في كتاب (قصص الأبرار)، ضمن توضيح هذا الموضوع - أمران آخران يُطرحان في النظام الإسلامي، وهما:

أوّلاً: يجب أن يقنع الناس في حياتهم بالضروريات، ويتجنبوا الإسراف.

ثانياً: عدم جواز ترك الدنيا، وعدم جواز التقتير على النفس والعائلة. قال تعالى:

( ..وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ.. ) ، (البقرة: 219).

وعندما كان الإمام عليعليه‌السلام مقيماً في البصرة، ذهب ذات يوم لزيارة أحد أصحابه، وهو العلاء بن زياد الحارثي، وبعد أن وقعت عينه على دار العلاء، قال:

«ما كنتَ تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا، وأنت إليها في الآخرة كنتَ أحوج؟ وبَلى إن شئتَ بلغتَ بها الآخرة: تَقري فيها الضيف، وتصل فيها الرّحم، وتُطلع منها الحقوق مطالعَها، فإذاً أنتَ قد بلغت بها الآخرة. فقال لَهُ العلاء: يا أمير المؤمنين، أشكو اليك أخي عاصمَ بن زياد. قال: وماله؟ قال: لبس العباءة وتخلّى عن الدنيا. قال: علَيّ به. فلما جاء، قال:... أما رحمتَ أهلك وَوَلدَك؟ أترى الله أحلَّ لك الطيّبات وهو يكره أن تأخذَها! أنت أهونُ على الله من ذلك. قال: يا أمير المؤمنين، هذا أنت في خشونة ملبسِك وجشوبة مأكلك! قال: ويحك، إنّي لستُ كأنت. إنّ الله تعالى فرض على أئمّة العدل أن يُقدّروا أنفسهم بضعفة الناس، كيلا يتبيّغ بالفقير فَقرهُ).

وعندما احتاج الإمام علي وفاطمةعليهما‌السلام إلى خادمة، طُرح هذا الموضوع على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فرغّب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمةعليها‌السلام

١٦٧

بالتسبيح.

منع تكديس الثروة

نحن نعلم أنّ القرآن الكريم قد صرّح بمنع تكديس الثروة، قال تعالى:

( ..وَالّذِينَ يَكْنِزُونَ الذّهَبَ وَالْفِضّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) ، (التوبة: 34).

وذكر عمل الإمام الصادقعليه‌السلام في كتاب: (قصص الأبرار):

عندما ازدادت عائلة الإمام الصادقعليه‌السلام وأصبح القيام بمهامها ثقيلاً، صمّمعليه‌السلام أن يشتغل بالتجارة، فأعطى مولاه مصادف، ألف دينار، وقال له: تجهّز حتى تسافر إلى مصر. أخذ مصادف رأس المال واشترى به بضاعة لها سوق رائجة عند أهل مصر، واتّجه إلى هناك مع جماعة من التجّار. عندما بلغ التجّار أبواب مصر، صادفوا قافلة خارجة منها، فسألوا تجّارها عن سوق بضاعتهم، فأخبروهم بنفاد البضاعة وبحاجة الناس إليها، ففرح التجّار القادمون إلى مصر واتّفقوا أن لا يبيعوا إلاّ بربح مضاعف. بيد أن الإمام لم يقبل هذا الربح، وذمّ ما عمله مصادف والتجّار.

مراعاة العدالة

ذكرنا - فيما مضى - أنّ العدالة أحد الدعائم الأساسية للنظام الإسلامي، قال تعالى:

( ..وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ.. ) ، (النساء: 58).

وقال تعالى:( ...وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى‏.. ) ، (الأنعام: 152).

وسلوك الإمام عليعليه‌السلام مع أخيه عقيل، إنعكاس لمبدأ العدالة، حيث دخل عليه في الكوفة أيّام خلافته، فاندهش لما شاهده من بساطة طعامه. وبعد أن

١٦٨

فرغ من طعامه، قال عقيل: أعطني ما أقضي به دَيني... قالعليه‌السلام : فكم دَيْنُك؟ قال: مائة ألف درهم، فقالعليه‌السلام : لا والله ماهي عندي ولا أملكها، ولكن انتظر حتى الصباح كيما يخرج عطائي فأُواسيكه.... فقال عقيل: بيت المال في يدك، وأنت تسوّفني إلى عطائك، وكم عطاؤك، وما عساه يكون..؟ فقالعليه‌السلام : ما أنا وأنت فيه إلاّ بمنزلة رجل من المسلمين... وبيت المال للمسلمين. وفي ظلّ إصرار عقيل، قالعليه‌السلام : انزل إلى بعض هذه الصناديق (العائدة لأهل السوق) فاكسره وخذ ما فيه، فرفض عقيل ذلك، فردّ الإمامعليه‌السلام قائلاً: أتأمرني أن أفتح بيت مال المسلمين فأُعطيك أموالهم وقد توكّلوا على الله فيه. بعد ذلك قال له الإمامعليه‌السلام : نسرق من واحد خير من أن نسرق من المسلمين جميعاً!.

قيمة العمل

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ملعون من ألقى كلَّه على الناس». مرّ علي بن أبي حمزة البطائني على الإمام الكاظمعليه‌السلام وهو يعمل في أرضه ويعدّها للزراعة بكلِّ جدّ ونشاط بحيث كان يتصبّب عرقاً، ممّا دعاه إلى سؤاله: جُعلتُ فِداك، أين الرجال؟

لماذا لا تفوّض هذا العمل إلى الآخرين؟

فقال الإمام: ولِمَ أُفوّضه إلى غيري؟... رسول الله وأمير المؤمنين وآبائي كلّهم كانوا قد عملوا بأيديهم.

المعايير الإسلامية

تغيّرت المعايير بعد بزوغ فجر الإسلام، وتبعاً لها، تغيّرت علاقات الناس، وعلاقات الحكّام بهم.

نحن نعلم أنّ عدداً من المسلمين هاجروا إلى الحبشة بسبب الضغوط التي

١٦٩

مارستها قريش ضدهم، وعلى أثر ذلك أراد كبار قريش أن يغروا النجاشي وأعوانه ليهيّئوا بذلك الأرضية من أجل إخراج المسلمين من الحبشة. وبعد أن التقى النجاشي ممثّلي قريش، صمّم أن يتحدث مع المسلمين، فاستعدّ المسلمون لذلك. ونظّم النجاشي لهم مجلساً مهيباً كما يفعل الأباطرة، فدخل عليه المسلمون بكلِّ طمأنينة ووقار، لم تؤثر عليهم عظمته ولم ترهبهم أُبهّته، بل إنهم لم يراعوا مراسم الدخول على الملوك والأباطرة في ذلك الوقت من قبيل الأرض أمام السلطان. وعندما اعترض أعضاء البلاط، أجابوهم فوراً بقولهم: إنّ ديننا الذي لذنا بسببه إلى هنا لا يبيح لنا السجود لغير الله الواحد الأحد.

هنا سألهم النجاشي قائلاً: ما هذا الدين الذي فارقتم قومكم بسببه...؟

فأجابه كبيرهم جعفر بن أبي طالبعليه‌السلام قائلاً: أيّها الملك كنّا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القويّ منّا الضعيف، وكنّا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولاً منّا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا لتوحيد الله وعبادته... بعد ذلك تأثّر النجاشي بكلامه، ورفض تسليم المسلمين إلى ممثّلي قريش.. وبعد مدّة أسلم.

(وأثّرت سيرة النبيّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله على نجل حاتم الطائي من خلال تعامله معه، وحديثه مع المرأة العجوز بحضوره، وحياته العاديّة البسيطة، حتى ترك دينه واعتنق الإسلام. (قصص الأبرار، ابن حاتم الطائي، ج2».

وعندما سيطر الإمام عليعليه‌السلام على الماء في معركة صفّين، فسح المجال لجيش معاوية أن يشربوا منه، على عكس ما فعله معاوية مع المسلمين في جيش الإمام عندما كان مسيطراً على الماء حيث منعهم منه.

وسلوك طاووس اليماني مع السلطان الأموي هشام بن عبد الملك، تجسيد حقيقي للمعايير الإسلامية، فعندما قَدِم هشام مكّة المكرّمة قاصداً الحج، أمر رجاله أن يأتوه برجل من الصحابة، أو من التابعين، فجاؤوه بطاووس اليماني، فلمّا دخل عليه، خلع

١٧٠

نعليه عند حاشية بساطه، وعندما سلّم عليه، لم يسلّم بإمرة المؤمنين، بل قال: السلام عليك، ثمّ جلس بجانبه، وعندما تحدّث معه، لم يخاطبه بكنيته، وإنّما قال له: كيف أنت يا هشام؟

فغضب هشام غضباً شديداً من سلوك طاووس، وقال له: يا طاووس، ما الذي حملك على ما صنعت؟

فأجابه: وما صنعتُ؟ ثمّ قال له: ما صنعتُ إلاّ أشياء مطابقة للشرع... وأنت لست أمير المؤمنين، لأنّ كلّ الناس غير راضين بإمرتك.

وجاء في قصّة الرجل المجهول: أنّ الإمام عليّاًعليه‌السلام رأى امرأة تحمل قربة الماء على كتفها وهي لا تطيق حملها، فأخذ الإمام القربة وحملها حتى أوصلها إلى دارها. ولمّا علم بوضعها حيث كان زوجها جنديّاً قُتل في مهمّة أرسله الإمام فيها... ذهب وجلب لها اللحم والدقيق والتمر، لسد حاجتها وحاجة أطفالها، ودخل البيت وشاركها في بعض الأعمال. وكان يلوم نفسه أنّه لماذا لم يعجّل في إغاثة هذه المرأة.. بعد ذلك عرفته المرأة أنّه عليّ بن أبي طالب، فاعتذرت منه. فقال لها: وا حيائي منك يا أمة الله فيما قصّرت في أمرك.

احترام الناس على أساس التقوى

ذكرنا - فيما مضى - أنّ الإسلام أحدث ثورة في مقياس التفاضل بين الناس. علماً بأنّ المقياس - سواء في الماضي أو في عصرنا الحاضر - هو المال، والمنصب، والعنصر، والموقع الاجتماعي، والانتماء العائلي، والقومية، وأمثالها. ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بلّغ الناس قوله تعالى:

( ..إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ.. ) ، (الحجرات: 13).

وأزال هذه المقاييس عمليّاً. وتوضّح لنّا قصّة زواج جويبر من الذلفاء، المذكورة في كتاب (قصص الأبرار) تبدّل هذه المقاييس جيّداً.

كان جويبر من الصّحابة، وكان يقول عن نفسه بأنّه لا مال عنده ولا جَمال

١٧١

ولا حسب ولا نسب، فمن يزوّجه؟ ومن ترغب فيه؟ وهو الفقير القصير الأسود. فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا جويبر إنّ الله قد وضع بالإسلام من كان في الجاهلية شريفاً، وشرّف بالإسلام من كان في الجاهليّة وضيعا، وأعزّ بالإسلام من كان في الجاهلية ذليلا... وما أعلم يا جويبر لأحد من المسلمين عليك اليوم فضلا، إلاّ لمن كان أتقى لله منك وأطوع.

وكانت الذلفاء شابّة جميلة، وابنة أحد أشراف المدينة ووجهائها. واتّباعاً للمعايير الإسلامية، ووفقاً لوصيّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أقنعت الذلفاء أباها، وصارت زوجة لجويبر.

مكافحة الخرافات

لقد قوّض الإسلام دعائم الخرافات من خلال دعوته إلى الحكمة، والكلام المنطقي، والاتّجاه العقلي. وجاء في قصّة المنجّم أنّه طلب من الإمام عليعليه‌السلام أن يغيّر ساعة تحرّكه ليظفر بعدوّه. فقال له الإمام: سأعمل خلاف ما قلت، ونتحرك الآن دون تأخير. ثمّ وجّه أوامره بالتحرّك متقدّماً نحو العدو.

الانفتاح ورحابة الصدر أمام المخالفين

قلّما تجد نظاماً في العالم كالإسلام في انفتاحه، قال تعالى:

( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدّينِ ) ، (البقرة: 256).

فالإسلام يؤكّد دائماً على الدليل والبرهان، سواء كان ذلك في مجال التوحيد والشرك، أو في المجالات الأُخرى. قال تعالى:

( قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ) ، (البقرة: 111).

وجاء في قصّة (توحيد المفضّل) أنّ رجلاً تأثّر بعد مناظرته مع ابن أبي العوجاء الذي كان من الدهريّين، ووبّخه بحنق وغضب. فقال له ابن أبي العوجاء: إن كنت من أصحاب جعفر بن محمّد الصادق فما هكذا يخاطبنا، ولا بمثل

١٧٢

دليلك يجادلنا، ولقد سمع كلامنا أكثر مما سمعت، فما أفحش في خطابنا، ولا تعدّى في جوابنا، وأنّه الحكيم الرزين العاقل الرصين، لا يعتريه خرق ولا طيش، ولا نزق، ويسمع كلامنا، ويصغي إلينا، ويستغرق حجّتنا حتى اذا استفرغنا ما عندنا، وظننا أنّا قد قطعناه، أدحض حجّتنا بكلام يسير، وخطاب قصير، يلزمنا به الحجّة، ويقطع العذر، ولا نستطيع لجوابه ردّاً. فإنّ كنتَ من أصحابه، فخاطبنا بمثل خطابه.

مواساة الآخرين

جاء في قصّة (مرضى الجذام) المذكورة في كتاب (قصص الأبرار) أنّه كان في المدينة عدد من الأفراد المصابين بالجذام، وكانوا بالإضافة إلى تألّمهم الجسمي يتألّمون نفسيّاً لابتعاد الناس وتنفّرهم منهم. فمرّ عليهم ذات يوم عليّ بن الحسينعليه‌السلام ، وهو راكب حماراً، وكانوا يتغدّون، فدعوه إلى الغداء، فقال: أما لو لا أنّي صائم لفعلت. ثمّ دعاهم إلى منزله لتناول طعام الغداء لليوم التالي. فلمّا سار الإمام إلى منزله، أمر بطعام، فصنع، ولمّا حضر الضيوف في اليوم التالي، مدّ الخوان وأكل الجميع، وأكل الإمامعليه‌السلام معهم.

مكافحة المتزمّتين

قلنا - فيما تقدّم - أنّ رسالة الإسلام رسالة ثورية، وكان أئمّتناعليهم‌السلام قادة ثوريّين في عصورهم، لم يتوانوا لحظة واحدة عن مكافحة الظلم والفساد والتقليد الأعمى والتزمّت.

وتمثّل قصّة الخوارج والكفاح ضدّهم أبرز أعمال الإمام عليعليه‌السلام وممارساته. فقد جاء في كتاب (قصص الابرار) تحت عنوان: قتل الإمام عليعليه‌السلام مايلي: كان الخوارج أُناساً تظهر عليهم آثار التنسّك، وكانوا لا يكذبون كما اعترف بذلك القاصي والداني، وكان ظاهرهم مليحاً، حيث

١٧٣

كانت علامات السجود ظاهرة على جباههم، ولهم لهجة عجيبة، وكانوا يتلون القرآن كثيراً، ويقيمون الليل بالعبادة، بيد أنّهم كانوا جُهلاء، سفهاء العقول، وينظرون إلى الإسلام بتزمّت وجمود.

كان الإمام عليعليه‌السلام يفتخر بمبارزته معهم، ويعتبرها من الأعمال المهمّة الفريدة، حيث قال: (إنّي فقأت عين الفتنة، ولم يكن ليجترئَ عليها أحدٌ غيري...).

الوصيّة الأخيرة للإمام عليعليه‌السلام

تحدثنا - فيما سبق - عن التقوى المنبثقة عن أُسلوب التفكّر التوحيدي. وهنا نذكر خاصيّتين من الخصائص الجوهرية التي تُميِّز شخصيّة أئمّة الإسلام عن غيرهم:

الأُولى: شموليّة شخصيّتهم، فهم النموذج البارز للرسالة الإسلامية، والممثّل الحقيقي لها.

وكما يتحدّث الإسلام حول معرفة الله، والتقوى، والحكمة والعلم، والإيثار، والمساواة، والأُخوّة، وأمثال ذلك، فإنّ أئمّة الإسلام أيضاً - سواء كانوا في مقام التوجيه والإرشاد أو في مقام العمل - يمثّلون الأبعاد المتنوّعة للاسلام في سلوكهم.

الثانية: وحدة شخصيّتهم، نلاحظ أنّ الأئمّة المعصومين يتميّزون بشخصية واحدة، سواء كانوا في المسجد، أو البيت، أو في ساحة القتال، أو في المناظرات العلمية، وغير ذلك، فالمبادئ الأساسية هي التي تطبع سلوكهم في جميع الحالات.

وعندما نلقي نظرة قصيرة على وصيّة الإمام عليعليه‌السلام للإمام الحسنعليه‌السلام تتّضح لنا هاتان الخاصيّتان بجلاء. وقد جاء في كتاب (قصص الأبرار)، أنّ هذه الوصيّة هي آخر وصيّة للإمام، حيث قالها وهو طريح الفراش، بسبب سيف ابن ملجم.

ونلتقي في مثل هذا الظرف بوجه عليّعليه‌السلام المتألّق، إذ فكّر في الأبعاد المتنوّعة لرسالة الإسلام، حيث كان الإسلام شغله الشاغل، وفي الوقت ذاته، ودون أن يُبالي بدنوّ أجله، فإنّه يكشف لنا عن وحدة شخصيّته وشموليّتها، ضمن توجيهه وإرشاده الآخرين.

ذُكرت هذه الوصيّة

١٧٤

بالتفصيل في الجزء الثاني من كتاب (قصص الأبرار) تحت عنوان قتل الإمام عليعليه‌السلام ، وننقل منه هنا، النقاط الأساسية فيها بإيجاز:

«... ثم إني أُوصيكَ يا حسن، وجميع أهل بيتي وولْدي، ومن بلغه كتابي، بتقوى الله ربّكم، ولا تموتُّنَ إلاّ وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا، فإنّي سمعتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: صلاح ذات البين أفضلُ من عامّةِ الصلاة والصيام، وإنّ المبيرة الحالقة للدين فسادُ ذات البين، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم، انظروا ذوي أرحامكم، فصِلوهم، يهوّن اللهُ عليكم الحساب. الله الله في الأيتام، فلا تغبّوا أفواههم، ولا يُضيّعوا في حضرتكم...، والله الله في جيرانكم، فإنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى بهم، وما زال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورّثهم. والله الله في القرآن، فلا يسبقكم إلى العمل به غيركم. والله الله في الصلاة، فإنّها خيرُ العمل، وإنها عمود دينكم. والله الله في بيت ربّكم، فلا يخلو منكم ما بقيتم، وإنّه إنْ تُرك، لم تُناظروا.. والله الله في شهر رمضان، فإنّ صيامه جُنّةٌ من النار. والله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم.. والله الله في الزكاة، فإنّها تطفي غضب ربّكم. والله الله في ذريّة نبيّكم، فلا يظلمُنَّ بحضرتكم وبين أظهركم.. والله الله في أصحاب نبيّكم..، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى بهم. والله الله في الفقراء والمساكين، فأشركوهم في معائشكم. والله الله في النساء وفيما ملكت أيمانكم.. ثمّ قال: الصلاة الصلاة الصلاة. لا تخافوا في الله لومة لائم، يكفيكم الله من آذاكم ومن بغى عليكم. قولوا للناس حُسناً كما أمركم الله (عزّ وجل). ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيُولّي الله أمركم شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم عليهم. وعليكم يا بنيّ بالتواصل والتباذل والتبارّ، وإيّاكم والتقاطع والتدابر والتفرّق، وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، واتّقوا الله، إنّ الله شديد العقاب...».

١٧٥

وفيما يخصّ الإمام علياًعليه‌السلام ، فإنّ الرائع هنا هو جواب عديّ بن حاتم والد الطرفات (طرفه وطريف وطارف، أولاده) عندما أراد منه معاوية أن يصف الإمام علياًعليه‌السلام ، فقال، كما يذكر الجزء الثاني من كتاب (قصص الأبرار) تحت عنوان: (أين أبناؤك؟): (كان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول عدلاً، ويحكم فصلاً، تتفجّر الحكمة من جوانبه، والعلم من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته. وكان - والله - غزير الدمعة، طويل الفكرة، يحاسب نفسه إذا خلا، ويقلّب كفّيه على ما مضى، يعجبه من اللباس القصير، ومن المعاش الخشن. وكان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، ويدنينا إذا أتيناه، ونحن مع تقريبه لنا وقربه منّا لا نكلّمه لهيبته.... يعظّم أهل الدين، ويتحبّب إلى المساكين، لا يخاف القويُّ ظلمَه، ولا ييأس الضعيفُ من عدله).

التعاون في أُمور البيت

كان الإمام عليعليه‌السلام يبذل أقصى جهده في مساعدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وكانا قد قسّما أعمال البيت بينهما، ويتعاملان ببالغ المودّة وعظيم الاحترام. وبالرغم من أنّ الإمامعليه‌السلام كان مكلّفاً بإنجاز أعمال مهمّة خارج البيت، فإنه كان يساعد فاطمةعليها‌السلام عندما رزقها الله الأولاد، فكانت هذه الأُسرة أُسرة نموذجية من جميع النواحي.

وعندما اشتكت امرأة من زوجها في حضرتهعليه‌السلام ، ذهب معها إليه، وردعه عن عمله. ثمّ أوصاه وإيّاها أن يتبادلا الاحترام والمحبّة.

المنهج العقلي في التربية الإسلامية

لقد ذكرنا في الفصل الذي يتحدّث عن خصائص النظام التربوي في الإسلام أنّ أساس النظام التربوي في الإسلام مرتكز على التعقل والفهم. قال تعالى:

١٧٦

( ادْعُ إِلَى‏ سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ.. ) ، (النحل: 125).

فتمّ التأكيد في هذه الآية على استعمال الحكمة أو الكلام المنطقي.

وجاء في آية أُخرى:( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ.. ) ، (الإسراء: 36).

فينبغي قبول مبادئ الدين عن طريق التعقّل. والسلوك الأخلاقي في الإسلام هو السلوك الذي يحظى بدعم العقل وتأييده، وقد تمّ تحديد الأحكام الإسلامية على أساس المصالح والمفاسد الواقعيّة.

والموعظة أُسلوب آخر للإرشاد والتوجيه، ويختلف أفراد النوع الإنساني بعضهم عن بعض في استيعاب الأمور، ففريق يقوم بدراستها وتحليلها عند تعامله مع موقف ما، وفريق آخر يقوم بذلك عن طريق الموعظة والنصيحة.

والمجادلة أُسلوب ثالث يُستفاد منه في ظروف خاصّة. وفي التربية والتعليم، الأصل هو الاستفادة من أساليب متنوّعة تبعاً لظروف الأشخاص والمسائل الموجودة. كما مرّبنا - فيما مضى - فإنّ التعصّب أو التعامل اللامنطقي مع الأمور محظور في الإسلام:

(من تعصّب أو تُعصّب له، خلع رِبقة الإيمان عن عنقه).

يذكر المرحوم مطهّري في الجزء الثاني من كتاب (النظرة الكونية التوحيدية) نقطة، من المناسب أن أذكرها هنا، يقول: (إنّ الإسلام دين الحقيقة والواقع. والإسلام - لغةً - هو التسليم. وهذا دليل على أنّ أوّل شروطه هو التسليم للحقائق والواقعيّات، فكلّ لون من العناد، واللجاجة، والتعصّب، والتقليد الأعمى، والتحيّز، والانانية، مرفوض ومدان من وجهة نظر الإسلام، لأنّه خلاف الحقيقة والواقع).

١٧٧

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

( وَلِتَكُن مِنكُمْ أُمّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ، (آل عمران: 104).

( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ لِلْنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ... ) ، (آل عمران: 110).

( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُم أَولِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ.. ) ، (التوبة: 71).

البعد الإرشادي أو التوجيهي

إنّ مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - بوصفه أمراً اجتماعياً - ذو بعد إرشادي توجيهي في حالات متنوّعة، ولذلك فهو أُسلوب تربوي جوهري، والإنسان - بطبيعته - يتقبّل الإرشاد والنصح أفضل من توجيه الأوامر إليه. وقد يقاوم مسألة توجيه الأوامر في حالات شتى، وأحياناً يرغب في العمل خلاف الأوامر. ولا ريب فإنّ الإرشاد يطبع الاتّصال بين شخصين أو مجموعتين بطابع إنساني.

واذا كان عمل المربّي أو الوالدين ذا بعد إرشادي، فإنّه يؤثّر أكثر من الأساليب الأُخرى. وعند ممارسة الإرشاد، تُطرح المسألة بصورة أوضح، وتُدرس جوانبها، ويمكن التكهّن بنتائج العمل، ويعرض الطرفان تجاربهما. والإنسان نفسه في رحاب الإرشاد ينتبه إلى حسن العمل أو قبحه، فيقْدم عليه أو يحْجم عنه.

وعندما ينظر إلى مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على أنّه واجب، فإنّه يتّخذ طابع الدافع الفردي، وتكون له آثار اجتماعية أيضاً. وعند ذلك يعتزم الإنسان مراقبة أعماله وممارساته، مضافاً إلى ذلك، فإنّه يُبادر إلى إصلاح وضعه قبل أن يقوم الآخرون بتنبيهه. من هذا المنطلق، يشعر بالمسؤولية ذاتياً فيما يخصّ سلوكه، فيحاسب نفسه قبل أن يحاسبه الآخرون.

١٧٨

في المجال الاجتماعي، يتّخذ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر طابع المسؤولية المشتركة. فعندما يرى أحد الناس خلافاً بَدَر من شخص ما، فإنه يشعر بالمسؤولية، ويرغب أن يردعه عن ارتكاب ذلك الخلاف. هذا الشعور المشترك يحقّق فائدتين في آنٍ واحد، حيث يردع الإنسان عن ارتكاب الأعمال المشينة، وكذلك يردع المجتمع.

نستخلص من هذا، أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ذو بعد تربوي على الصعيدين: الفردي والاجتماعي.

إنّ ترسيخ هذا المبدأ يُفضي إلى استمرار التربية والإصلاح المتواصل. فالفرد يجدّ في مراقبة عمله وضبطه دون انقطاع، وكذلك يفعل المجتمع، مضافاً إلى البعد الإرشادي، فإنّ الناس يجب أن يأخذوا بعين الاعتبار جهات أُخرى أيضاً في عملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فالذي يريد أن يردع الآخرين عن ارتكاب عمل مشين، ينبغي له أن يكون مطّلعاً على ماهيّة ذلك العمل حقيقة، ويعلم بأضراره، ويكون في حالة تمكّنه من ممارسة الإرشاد. كما أنّ الظرف يجب أن يكون مساعداً، ويوحي بتأثير ذلك المبدأ وفائدته.

يُطبّق مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نسبيّاً على الأشخاص، وفي ظروف معيّنة بأشكال متنوّعة. ويصادف أحياناً أن يكون عمل الشخص المخالف بشكل لا مندوحة معه من استقباحه ورفضه. وأحياناً يكون الإنسان في ظرف لا يستطيع معه أن يصارح الشخص المخالف بعمله، أو يوبّخه، ففي هذه الحالة، يعبّر الامتعاض الباطني من هذا العمل، والتزام جانب الصمت أمام المخالف، أو ترك المكان، عن نوع من الرفض والاحتجاج. ويتّفق حيناً أن يكون الشخص المخالف في حالة يمكن تنبيهه شفوياً. وهنا يضطلع المجتمع بمهمّة توبيخ المخالف وردعه. وقد تكون المخالفة انتهاكاً لحقوق الآخرين أو ممارسةً للظلم ضدّهم، عند ذلك يظهر ردّ الفعل ضدّ المخالف في نمط آخر. ويختلف ردّ الفعل الذي يبديه الناس حيال المخالفين تبعاً للظروف والحالات المتنوّعة.

١٧٩

ننقل هنا فقرة من كلام الإمام عليعليه‌السلام الذي قاله في صفّين حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

«أيّها المؤمنون، إنّه مَنْ رأى عدواناً يُعْمَلُ به، ومنكراً يُدعى إليه، فأنكرَه بقلبهِ فقد سلِمَ وبرئ، ومَنْ أنكرَه بلسانه فقد أُجر وهو أفضلُ من صاحبه، ومَنْ أنكره بالسيف لتكون كلمةُ اللهِ هي العليا وكلمة الظالمين هي السُفلى، فذلك الذي اصابَ سبيلَ الهدى وقام على الطريق، ونوّر في قلبه اليقين».

يتحدّث الإمام هنا حول الظلم والعمل القبيح.

للمخالفة أهميّة خاصّة، وقد يكون لها بُعد اجتماعي. وهنا تُطرح ثلاثة ضروب من ردّ الفعل حيال هذا الموضوع:

الأوّل: الاستنكار القلبي، أي إنّ الإنسان يُنكر عمل المخالفين بقلبه.

الثاني: الاستنكار اللساني.

الثالث: الاستنكار بالسيف. وهنا يثب الإنسان لقبر الظلم والدفاع عن الحق ومكافحة الباطل. ويُلاحَظ هنا أنّ أجر الشخص الثاني أفضل من أجر الأوّل، والثالث وثب في سبيل الحقّ، فردُّ فعله أسمى من ردِّ فعل الآخرين، ويلاحظ أنّ الجهاد ضدّ الظلم في حالة معيّنة يجب أن يتحقّق عن طريق الحرب والصراع المستميت.

في ضوء ما تقدّم، فإنّ نطاق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نطاق فسيح الأرجاء. وعلى أصحاب المسؤولية إبداء ردّ فعل قويّ حيال ضروب الخلاف، سواء كان خلافاً لاأخلاقياً بسيطاً ذا بعد فردي، أو كان ظلماً يهدّد حياة المجتمع بالخطر.

ولو كان مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطبَّقاً في المجتمع، فإنه لا يسمح أحد لنفسه أن ينتهك حقوق الآخرين،ومبدئيّاً،لاتتاح أيّة فرصة للظالمين أنينتهكوا حقوق الناس أو يستغلّوهم. وفي مثل هذا المجتمع، لا يبرز أيّ حاكم جائر، وذلك لأنّ الجائرين يعلمون بأنّهم سيكونون وجهاً لوجه، أمام شعوبهم، وستنالهم نقمتهم بمجرّد انتهاكهم لحقوق الآخرين.

١٨٠

مال الموكّل ، أو اغرمه إن كان تالفاً ، لكنّه قد تعذّر ذلك بسبب اليمين فيأخذ حقّه من الجارية التي هي ماله.

وإن كان الموكّل صادقاً ، ففيه الوجوه الثلاثة السابقة :

أحدها : إنّها تكون للوكيل ظاهراً وباطناً حتى يحلّ له الوطء وكلّ تصرّفٍ - وبه قال أبو حنيفة - بناءً على أنّ الملك يثبت للوكيل أوّلاً ثمّ ينتقل منه إلى الموكّل ، فإذا تعذّر نقله منه ، بقي على ملكه.

ومنهم مَنْ خصّ هذا الوجه بما إذا كان الشراء في الذمّة ولم يطّرده في الحالتين ، وإليه مال الجويني(١) .

وثانيها : إنّه إن ترك الوكيل مخاصمة الموكّل ، فالجارية له ظاهراً وباطناً ، وكأنّه كذّب نفسه ، وإلّا فلا.

وثالثها - وهو الأصحّ - : إنّه لا يملكها باطناً ، بل هي للموكّل ، وللوكيل الثمن عليه ، فهو كمن له على رجلٍ دَيْنٌ لا يؤدّيه فظفر بغير جنس حقّه من ماله ، فيجي‌ء خلافٌ للشافعيّة في أنّه هل له بيعه وأخذ الحقّ من ثمنه؟ والأصحّ عندهم : إنّ له ذلك(٢) ، كما اخترناه نحن.

ثمّ يباشر البيع أو يرفع الأمر إلى القاضي؟ فيه لهم وجهان ، أصحّهما هنا : إنّ له بيعها بنفسه ؛ لأنّ القاضي لا يجيبه إلى البيع ، ولأنّ المظفور بماله في سائر الصور يدّعي المال لنفسه فيسلّط غيره عليه ، وقد يستبعد ، وهنا الموكّل لا يدّعي المال لنفسه(٣) .

وإذا قلنا : إنّه ليس له أن يأخذ الحقّ من ثمنها فتوقف في يده حتى‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٢ - ٢٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٦.

١٨١

يظهر مالكها ، أو يأ خذها القاضي فيحفظها؟ فيه للشافعيّة وجهان(١) .

مسألة ٧٨٠ : لو اشترى الوكيل جاريةً لموكّله ، فأنكر الموكّل الإذن في شرائها وقال : ما وكّلتُك في شراء هذه ، بل الجارية الأُخرى ، فالقول قول الموكّل على ما تقدّم ، فإذا حلف بقيت الجارية المشتراة في يد الوكيل ، والحكم على ما تقدّم في المسألة الأُولى ، فيرفق الحاكم ويتلطّف ، كما تقدّم.

مسألة ٧٨١ : لو باع الوكيل نسيئةً وادّعى إذن المالك فيه ، فإن صدّقه المالك صحّ البيع.

وإن كذّبه وقال : ما أذنتُ لك في بيعه نسيئةً ، بل في بيعه نقداً ، أو قلتُ لك : بِعْه ، ولم أذكر شيئاً [ فالقول قول المالك ](٢) لأنّ الإطلاق ينصرف إلى النقد.

ثمّ إن صدّقه الوكيل والمشتري جميعاً ، حكمنا بفساد البيع. فإن كانت السلعة قائمةً رجع بها ، وكان له أن يطالب أيّهما شاء ، وإلّا رجع بالقيمة على مَنْ شاء منهما.

وإن كذّباه ، فالقول قول المالك مع يمينه على القطع وعدم البيّنة.

فإن أنكر المشتري الوكالةَ وقال : إنّ البائع باع ملكه ، فالموكّل حينئذٍ يحتاج إلى إقامة البيّنة ، فإن لم تكن هناك بيّنة ، قُدّم قول المشتري مع يمينه على نفي العلم بالوكالة ؛ لأنّها يمين على نفي فعل الغير.

فإن حلف ، قُرّر المبيع في يده ، ويكون للمالك الرجوعُ على الوكيل إن كذّبه في عدم إذنه في النسيئة بعد حلف الموكّل له بالقيمة.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٦ - ٥٦٧.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

١٨٢

وإن نكل المشتري عن اليمين على نفي علم الوكالة ، حلف الموكّل على ثبوتها ، فإذا حلف حُكم ببطلان البيع. وإن لم يحلف ونكل ، فهو كما لو حلف المشتري ، ونكول الموكّل عن يمين الردّ في خصومة المشتري لا يمنعه من الحلف على الوكيل ، فإذا حلف عليه فله أن يغرم الوكيل قيمة المبيع أو مثله إن كان مثليّاً.

والوكيل لا يطالب المشتري بشي‌ء حتى يحلّ الأجل مؤاخذةً له بموجب تصرّفه.

فإذا حلّ ، نُظر إن رجع عن قوله الأوّل وصدّقه(١) الموكّل ، فلا يأخذ من المشتري إلاّ أقلّ الأمرين من الثمن أو القيمة ؛ لأنّه إن كان الثمن أقلَّ ، فهو موجب عقده وتصرّفه ، فلا يُقبل رجوعه فيما يلزمه من زيادة على العين(٢) ، وإن كانت القيمة أقلَّ فهي التي غرمها ، فلا يرجع إلّا بما غرم ؛ لأنّه قد اعترف أخيراً بفساد العقد.

وإن لم يرجع وأصرّ على قوله الأوّل ، فيطالبه بالثمن بتمامه ، فإن كان مِثْلَ القيمة أو أقلَّ فذلك ، وإن كان أكثر فالزيادة في يده للموكّل بزعمه ، والموكّل ينكرها ، فيحفظها أو يلزمه دفعها إلى القاضي؟ فيه للشافعيّة خلاف(٣) .

اعترض بعض الفقهاء بأنّ الموكّل إذا أنكر التوكيل بالنسيئة ، كان ذلك عزلاً للوكيل على رأي ، فكيف يملك الوكيل بعده استيفاء الثمن!؟

وأُجيب : بأنّه إنّما يستوفي الثمن لأنّ الموكّل ظلمه بتغريمه في‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة : « صدّق ».

(٢) في « ج » : « الغير. نسخة بدل ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٧.

١٨٣

زعمه ، وظفر بجنس حقّه من مال مَنْ ظلمه ، وإن كان من غير الجنس فيأخذه أيضاً(١) .

ولا يخرج على القولين في الظفر بغير جنس الحقّ في غير هذه الصورة ؛ لأنّ المالك يدّعيه لنفسه ، ويمنع الغير عنه ، والموكّل لا يدّعي الثمن هنا ، فأولى مصرفٍ يُفرض له التسليم إلى الوكيل الغارم.

مسألة ٧٨٢ : هذا كلّه إذا لم يعترف المشتري بالوكالة ، فإن اعترف بها فإن صدّق الموكّل ، فالبيع باطل ، وعليه ردّ المبيع إن كان باقياً. وإن تلف ، فالموكّل بالخيار إن شاء غرّم الوكيل ؛ لأنّه تعدّى ما أمره الموكّل ، وإن شاء غرّم المشتري ؛ لتفرّع يده على يدٍ مضمونة ، ولأنّه أتلف السلعة على الموكّل بشرائه من غير إذن مالكها ، وقرار الضمان على المشتري ؛ لحصول الهلاك في يده.

فإن رجع الموكّل عليه ، لم يرجع على الوكيل ؛ لحصول التلف في يده ، بل يرجع عليه بالثمن الذي سلّمه إليه ؛ لخروج المبيع مستحقّاً.

وإن صدّق الوكيل ، قُدّم قول الموكّل مع يمينه ، فإن حلف أخذ العين ، وإن نكل حلف المشتري وبقيت له.

وإن رجع على الوكيل ، لم يكن للوكيل أن يرجع في الحال ؛ لأنّه يُقرّ أنّه ظلمه بالرجوع عليه ، وإنّما يستحقّ عليه الثمن المؤجَّل.

فإذا حلّ الأجل ، كان للوكيل أن يرجع عليه بأقلّ الأمرين من القيمة والثمن ؛ لأنّ القيمة إن كانت أقلَّ ، فصاحب السلعة يقول : إنّه لا يستحقّ ذلك ولا يغرم إلّا القيمة. وإن كان الثمن المسمّى أقلَّ ، رجع به ؛ لأنّه‌

____________________

(١) المعترض والمجيب هو الإمام الجويني كما في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٤.

١٨٤

معترف بأنّ صاحب الس لعة ظلمه بأخذ القيمة ، وأنّ الذي يستحقّه الثمن ، فلا يرجع بأكثر منه.

وإن كذّبه أحدهما دون الآخَر ، رجع على المصدِّق ، وحلف على المكذِّب ، ويرجع حسب ما ذكرناه في تكذيبهما.

البحث الثاني : في المأذون

مسألة ٧٨٣ : إذا وكّله في بيعٍ أو هبةٍ أو صلحٍ أو طلاقٍ أو عتقٍ أو إبراءٍ أو غير ذلك ، ثمّ اختلف الوكيل والموكّل ، فادّعى الوكيل أنّه تصرّف كما أذن له ، وأنكر الموكّل وقال : لم تتصرّف البتّة بَعْدُ ، فإن جرى هذا النزاع بعد عزل الوكيل ، لم يُقبل قوله إلّا ببيّنةٍ ؛ لأنّ الأصل العدم ، وبقاء الحال كما كان ، والوكيل غير مالكٍ للتصرّف حينئذٍ.

وإن جرى قبل العزل ، فالأقرب أنّه كذلك ، وأنّ القول قول الموكّل ؛ لأنّ الأصل العدم ، ولأنّ الوكيل يقرّ عليه بزوال الملك عن السلعة ، فوجب أن لا يُقبل ، بخلاف ما إذا ادّعى الردّ أو التلف ، فإنّه يبغي [ دفع ](١) الضمان عن نفسه ، لا [ إلزام ](٢) الموكّل شيئاً ، وهو أحد قولَي الشافعي.

والثاني : إنّ القول قول الوكيل ؛ لأنّه ائتمنه ، فعليه تصديقه ، ولأنّه مالك لإنشاء التصرّف ، ومَنْ مَلَك الإنشاء قُبِل إقراره ، كالوليّ الـمُجبَر إذا أقرّ بنكاح مولّيته(٣) .

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « رفع ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « التزام ». والمثبت هو الصحيح.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٥٢١ - ٥٢٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٤ ، بحر المذهب =

١٨٥

وبهذا القول قال أبو حنيفة إلّا في النكاح إذا اختلف فيه الوكيل والموكّل ، فإنّ القول قول الموكّل(١) .

واختلف أصحاب الشافعي فيما هو الأصحّ من القولين وما كيفيّتهما؟

أمّا [ الأوّل ](٢) : فكلام أكثر الشافعيّة ترجيح قول تصديق الموكّل حتى أنّ بعضهم لم يورد غيره.

وقال بعضهم : الأصحّ تصديق الوكيل من جهة القياس.

وأمّا [ الثاني ](٣) : فإنّ قول تصديق الموكّل منقول عن الشافعي في مواضع.

واختلف الناقلون في القول الآخَر :

فقال بعضهم : إنّه منصوص الشافعي.

وقال آخَرون : إنّه مخرَّج خرَّجه ابن سريج وغيره.

وفي المسألة وجهٌ ثالث للشافعيّة ، وهو : إنّ ما يستقلّ به الوكيل - كالطلاق والإعتاق والإبراء - يُقبل فيه قوله مع يمينه ، وما لا يستقلّ - كالبيع - لا بدّ فيه من البيّنة(٤) .

مسألة ٧٨٤ : لو صدّق الموكّل الوكيلَ في البيع ونحوه ، ولكن قال : كنتُ عزلتُك قبل التصرّف‌. وقال الوكيل : بل كان العزل بعد التصرّف ، فهو‌

____________________

= ٨ : ١٦٩ ، البيان ٦ : ٤١٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٤ - ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٨ ، المغني ٥ : ٢٢٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٨.

(١) بحر المذهب ٨ : ١٦٩ ، البيان ٦ : ٤١٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٥ ، المغني ٥ : ٢٢٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٨.

(٢ و ٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الثاني الأوّل ». والمثبت كما في « العزيز شرح الوجيز ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٨.

١٨٦

كما لو قال الزوج : راجعتكِ قبل انقضاء العدّة ، وقالت : انقضت عدّتي قبل أن تراجعني.

وحينئذٍ يحتمل تقديم قول الوكيل ؛ لأصالة صحّة تصرّفه ، وتقديم قول الموكّل ؛ لأصالة عدم سبق العقد.

والتحقيق أنّ كلّ واحدٍ منهما يدّعي التقديم ، والأصل عدمه ، فلا أولويّة من هذه الحيثيّة ، فتبقى أصالة بقاء الملك على صاحبه خاليةً عن المعارض.

ولو قال الموكّل : قد باع الوكيل ، وقال الوكيل : لم أبِعْ ، فإن صدّق المشتري الموكّل ، حُكم بانتقال الملك إليه ، وإلّا فالقول قوله ؛ لأصالة عدم البيع.

مسألة ٧٨٥ : إذا ادّعى الوكيل تلفَ المال الذي في يده للموكّل أو تلفَ الثمن الذي قبضه عن متاعه في يده‌ ، وأنكر المالك ، قُدّم قول الوكيل مع يمينه وعدم البيّنة ؛ لأنّه أمينه ، فكان كالمودع. ولأنّه قد تتعذّر إقامة البيّنة عليه ، فلا يكلَّف ذلك.

ولا فرق بين أن يدّعي التلف بسببٍ ظاهر ، كالحرق والنهب ، أو بسببٍ خفيّ ، كالسرقة والتلف.

وكذا كلّ مَنْ في يده شي‌ء لغيره على سبيل الأمانة ، كالأب والوصي والحاكم وأمينه والودعي والشريك والمضارب والمرتهن والمستأجر والأجير المشترك ؛ لأنّه لو لا ذلك لامتنع الناس من الدخول في الأمانات(١) مع الحاجة إليها.

____________________

(١) في « ج ، ر » : « الأمانة ».

١٨٧

وقال بعض العامّة : إذا ادّعى التلف بأمرٍ ظاهر - كالحرق والنهب - كان عليه إقامة البيّنة على وجود هذا الأمر في تلك الناحية ، ثمّ يكون القولُ قولَه في تلفها بذلك - وبه قال الشافعي أيضاً - لأنّ وجود الأمر الظاهر ممّا لا يخفى ، ولا تتعذّر إقامة البيّنة عليه(١) .

مسألة ٧٨٦ : إذا اختلفا في الردّ فادّعاه الوكيل وأنكره الموكّل ، فإن كان وكيلاً بغير جُعْلٍ ، احتُمل تقديم قول الوكيل ؛ لأنّه قبض المال لنفع مالكه ، فكان القولُ قولَه مع اليمين ، كالودعي.

ويحتمل العدم ؛ لأصالة عدم الردّ. والحكم في الأصل ممنوع.

وإن كان وكيلاً بجُعْلٍ ، فالوجه : أنّه لا يُقبل قوله ؛ لأنّه قبض المال لنفع نفسه ، فلم يُقبلْ قوله في الردّ ، كالمستعير ، وهو أحد قولَي العامّة.

والثاني : إنّ القولَ قولُ الوكيل ؛ لأنّه وكيل ، فكان القولُ قولَه ، كالوكيل بغير جُعْلٍ ؛ لاشتراكهما في الأمانة(٢) .

وسواء اختلفا في ردّ العين أو ردّ ثمنها.

وجملة الأُمناء على ضربين :

أحدهما : مَنْ قبض المال لنفع مالكه لا غير ، كالمودع والوكيل بغير جُعْلٍ ، فيُقبل قولهم في الردّ عند بعض الفقهاء من علمائنا وغيرهم(٣) ؛ لأنّه لو لم يُقبل قولهم لامتنع الناس من قبول الأمانات ، فيلحق الناسَ الضررُ.

والثاني : مَنْ ينتفع بقبض الأمانة ، كالوكيل بجُعْلٍ والمضارب والأجير‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٢١ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٨ ، البيان ٦ : ٤١٩.

(٢) البيان ٦ : ٤١٩ ، المغني ٥ : ٢٢٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٩.

(٣) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٧٢ ، و ٤ : ١٤١ ، المغني ٥ : ٢٢٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٨.

١٨٨

المشترك والمستأجر و المرتهن.

والوجه : إنّه لا يُقبل.

مسألة ٧٨٧ : لو أنكر الوكيلُ قبضَ المال ثمّ ثبت ذلك ببيّنةٍ أو اعترافٍ ، فادّعى الردَّ أو التلفَ ، لم يُقبل قوله‌ ؛ لثبوت خيانته بجحوده.

فإن أقام بيّنةً بما ادّعاه من الردّ أو التلف ، لم تُقبل بيّنته.

وللعامّة وجهان :

أحدهما : لا تُقبل - كما قلناه - لأنّه كذّبها بجحده ؛ فإنّ قوله : « ما قبضت » يتضمّن أنّه لم يردّ شيئاً.

والثاني : تُقبل ؛ لأنّه يدّعي الردّ والتلف قبل وجود خيانته(١) .

وإن كان صورة جحوده : أنّك لا تستحقّ علَيَّ شيئاً ، أو : ما لك عندي شي‌ء ، يُسمع قوله مع يمينه ؛ لأنّ جوابه لا يكذّب ذلك ، لأنّه إذا كان قد تلف أو ردّ ، فليس له عنده شي‌ء ، فلا تنافي بين القولين ، إلّا أن يدّعي أنّه ردّ أو تلف بعد قوله : « ما لك عندي شي‌ء » فلا يُسمع قوله ؛ لثبوت كذبه وخيانته.

هذا كلّه فيما إذا ادّعى الأمين الردَّ على مَن ائتمنه ، أمّا إذا ادّعى الردّ على غيره فلا.

ولو ادّعى القيّمُ الردَّ على اليتيم الذي كان يقوم بأمره ، فكذلك.

ولو ادّعى الوكيلُ الردَّ على رسول المالك لاسترداد ما عنده ، فلا خلاف في أنّ الرسول إذا أنكر القبضَ كان القولُ قولَه مع يمينه.

وأمّا الموكّل فإنّه لا يلزمه تصديق الوكيل ؛ لأنّه يدّعي الردّ على مَنْ‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٢٣ - ٢٢٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٠.

١٨٩

لم يأتمنه فليُقم ال بيّنةَ ، وهو قول أكثر الشافعيّة(١) .

وفي وجهٍ : عليه تصديقه ؛ لأنّه معترف ، ويد رسوله يده ، فكأنّه يدّعي الردَّ عليه(٢) .

مسألة ٧٨٨ : إذا وكّل وكيلاً باستيفاء دَيْنٍ له على إنسان ، فقال له : قد استوفيتُه ، وأنكر الموكّل ، نُظر إن قال : استوفيتُه وهو قائم في يدي فخُذْه ، فعليه أخذه ، ولا معنى لهذا الاختلاف.

وإن قال : استوفيتُه وتلف في يدي ، فالقول قوله(٣) مع يمينه على نفي العلم باستيفاء الوكيل ؛ لأصالة بقاء الحقّ ، فلا يُقبل قول الوكيل والمديون إلّا ببيّنةٍ ؛ لأنّ قولهما على خلاف الأصل.

وهو الظاهر من مذهب الشافعي(٤) .

وجَعَله بعض الشافعيّة على الخلاف المذكور فيما إذا اختلفا في البيع ونحوه(٥) .

وعلى ما اخترناه إذا حلف الموكّل ، أخذ حقّه ممّن كان عليه ، ولا رجوع له على الوكيل ؛ لاعترافه بأنّه مظلوم.

مسألة ٧٨٩ : لو وكّله في البيع وقبض الثمن ، أو بالبيع مطلقاً وقلنا : إنّ الوكيل يملك بالوكالة في البيع قبضَ الثمن ، واتّفقا على البيع واختلفا في قبض الثمن ، فقال الوكيل : قبضتُه وتلف في يدي ، وأنكر الموكّل ، أو قال الوكيل : قبضتُه ودفعتُه إليك ، وأنكر الموكّل القبضَ ، فالأقوى : عدم قبول قول الوكيل في ذلك.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٨.

(٣) أي : قول الموكّل.

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٨.

١٩٠

وللشافعيّة في ذلك طر يقان :

أحدهما : إنّه على الخلاف المذكور في البيع وسائر التصرّفات.

وأظهرهما عندهم : إنّ هذا الاختلاف إن كان قبل تسليم المبيع ، فالقول قول الموكّل ، كما في المسألة السابقة.

وإن كان بعد تسليمه ، فوجهان :

أحدهما : إنّ الجواب كذلك ؛ لأنّ الأصل بقاء حقّه.

وأصحّهما : إنّ القولَ قولُ الوكيل ؛ لأنّ الموكّل ينسبه إلى الخيانة بالتسليم قبل قبض الثمن ، ويلزمه الضمان ، والوكيل ينكره ، فأشبه ما إذا قال الموكّل : طالبتُك بردّ المال الذي دفعتُه إليك ، أو بثمن المبيع الذي قبضتَه فامتنعتَ مقصّراً إلى أن تلف ، وقال الوكيل : لم تطالبني بذلك ، أو لم أكن مقصّراً ، فإنّ القولَ قولُه.

وهذا التفصيل فيما إذا أذن في البيع مطلقاً أو حالّاً ، فإن أذن في التسليم قبل قبض الثمن ، أو أذن في البيع بثمنٍ مؤجَّل ، وفي القبض بعد الأجل ، فهنا لا يكون خائناً بالتسليم قبل القبض ، فالاختلاف كالاختلاف قبل التسليم(١) .

مسألة ٧٩٠ : إذا صدّقنا الوكيلَ فحلف ، فالأقوى : براءة ذمّة المشتري ؛ لأنّا قَبِلنا قول الوكيل في قبض الثمن فكيف نوجبه؟ وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : لا تبرأ ذمّة المشتري ؛ لأصالة عدم الأداء ، وإنّما قَبِلنا من الوكيل في حقّه ؛ لائتمانه إيّاه(٢) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٦ - ٢٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٩.

١٩١

ولا بأس به.

فعلى الأوّل إذا حلف الوكيل وقلنا ببراءة ذمّة المشتري ثمّ وجد المشتري بالمبيع عيباً.

فإن ردّه على الموكّل وغرمه الثمن ، لم يكن له الرجوعُ على الوكيل ؛ لاعترافه بأنّ الوكيل لم يأخذ شيئاً.

وإن ردّه على الوكيل وغرمه ، لم يرجع على الموكّل ، والقول قوله مع يمينه في أنّه لم يأخذ منه شيئاً ، ولا يلزم من تصديقنا الوكيلَ في الدفع عن نفسه بيمينه أن نثبت بها حقّاً على غيره.

ولو خرج المبيع مستحقّاً ، يرجع المشتري بالثمن على الوكيل ؛ لأنّه دفعه إليه ، ولا رجوع له على الموكّل ؛ لما مرّ.

ولو اتّفقا على قبض الوكيل الثمنَ ، وقال الوكيل : دفعتُه إليك ، وقال الموكّل : بل هو باقٍ عندك ، فهو كما لو اختلفا في ردّ المال المسلَّم إليه.

والظاهر أنّ القول قول الوكيل.

ولو قال الموكّل : قبضتَ الثمن فادفعه إلَيَّ ، وقال الوكيل : لم أقبضْه بَعْدُ ، فالقول قول الوكيل ، وليس للموكّل طلب الثمن من المشتري ؛ لاعترافه بأنّ وكيله قد قبض.

نعم ، لو سلّم الوكيل المبيعَ حيث لا يجوز التسليم قبل قبض الثمن ، فهو متعدٍّ بفعله ، فللموكّل أن يغرمه قيمة المبيع.

البحث الثالث : في الوكالة بالقضاء

مسألة ٧٩١ : إذا دفع إليه مالاً ووكّله في قضاء دَيْنه ، ثمّ قال الوكيل : دفعتُه إلى ربِّ الدَّيْن ، فأنكر ربُّ الدَّيْن ، فالقول قوله مع يمينه ؛ لأنّه‌

١٩٢

لم يأتمن الوكيل حتى يلزمه تصديقه ، والأصل عدم الدفع ، فإذا حلف طالَب الموكّل بحقّه ، وليس له مطالبة الوكيل.

ولا يُقبل قول الوكي ل على الموكّل ، بل لا بدّ من البيّنة ؛ لأنّه أمره بالدفع إلى مَنْ لم يأتمنه ، فكان من حقّه الإشهادُ عليه ، فإذا لم يفعل ، كان مفرّطاً غارماً ، وهو أصحّ قولَي الشافعي.

والثاني : إنّه يُقبل - وبه قال أبو حنيفة - لأنّ الموكّل قد ائتمنه ، فأشبه ما إذا ادّعى الردَّ عليه(١) .

فعلى الأوّل إن ترك الإشهاد على الدفع ، فإن دفع بحضرة الموكّل ، فلا رجوع للموكّل عليه - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٢) - وإن دفع في غيبته ، فله الرجوع.

ولا فرق بين أن يصدّقه الموكّل على الدفع ، أو لا يصدّقه.

وعن بعض الشافعيّة وجهٌ : إنّه لا يرجع عند التصديق(٣) .

وعلى الثاني يحلف الوكيل ، وتنقطع مطالبة المالك عنه ، ولا يغنيه تصديق المدفوع إليه عن اليمين.

وعلى قولنا لو اختلفا ، فقال الوكيل : دفعتُه بحضرتك ، فأنكر الموكّل ، فالقول قول الموكّل مع يمينه.

وإن كان قد أشهد عليه ولكن مات الشهود أو عرض لهم جنون أو فسق أو غيبة ، فلا رجوع.

وإن كان قد أشهد شاهداً واحداً أو مستورين فبانا فاسقين ، فالأقرب : عدم الرجوع.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧٠.

١٩٣

وللشافعيّة قولان (١) .

ولكن ذلك على ما تقدّم في رجوع الضامن على الأصيل.

ولو أمره بإيداع ماله ، ففي لزوم الإشهاد إشكال يأتي إن شاء الله تعالى.

مسألة ٧٩٢ : لو ادّعى قيّم اليتيم أو الوصي دَفْعَ المال إليه عند البلوغ ، لم يُقبل قوله‌ إلّا بالبيّنة ؛ لأصالة عدم الدفع ، وهو لم يأتمنه حتى يكلّف تصديقه.

ولقوله تعالى :( فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ) (٢) أمر بالإشهاد ، ولو كان قوله مقبولاً ، لما أمر به ؛ لقوله تعالى :( فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ ) (٣) ولم يأمره بالإشهاد.

ولأنّ الصبي لم يأتمنه عليه ، فلم يُقبل قوله عليه ، كما إذا ادّعى المودَع أو الوكيل التسليمَ إلى غير المستودع والموكّل ، لم يُقبل قولهما عليه ، كما يُقبل على المودِع والموكّل.

وهو أظهر مذهب الشافعي(٤) .

وله آخَر : إنّه يُقبل قوله مع اليمين ؛ لأنّه أمين. ولأنّه يُقبل قوله في النفقة عليه ، والإشهاد للإرشاد إلى التورّع عن اليمين(٥) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧٠.

(٢) النساء : ٦.

(٣) البقرة : ٢٨٣.

(٤) بحر المذهب ٨ : ١٦٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٢٦ - ٢٢٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧٠.

(٥) بحر المذهب ٨ : ١٦٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٢٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٨.

١٩٤

والأوّل أقوى.

والفر ق : إنّ النفقة تتعذّر عليه إقامة البيّنة عليها ، بخلاف الدفع.

إذا عرفت هذا ، فكلّ مَن ادّعى الردَّ على مَنْ لم يأتمنه ، لم يُقبل قوله عليه ، مثل أن يدّعي الأب والجدّ ردَّ المال إلى الصبي ، أو يدّعي المودع الردَّ على ورثة المستودع ، أو يدّعي الملتقط الردَّ على مالك اللقطة أو ورثته ، أو مَنْ أطارت الريح ثوباً إلى داره فادّعى ردَّه ، لم يُقبل قوله.

وكذا الشريك والمضارب إذا ادّعيا الردَّ على ورثة شريكه.

مسألة ٧٩٣ : كلّ مَنْ عليه حقٌّ أو في يده مالٌ لغيره يجب عليه ردّه إلى مالكه عند الطلب.

فلو قال مَنْ في يده المال أو عليه : لا أدفع المال إليه إلّا بالإشهاد ، فالأقرب : إنّ له ذلك ، سواء كان ممّا يُقبل قوله فيه ، كالوديعة وشبهها ، أو لم يكن ، كالدَّيْن والغصب وشبههما ، وسواء كان على مَنْ في يده المالُ بيّنةٌ بالمال أو لا بيّنة عليه ، احترازاً من لزوم اليمين ، وللإنسان غرض في التحرّز من الإقدام على اليمين وإن كان صادقاً ؛ لقوله تعالى :( وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ ) (١) وعادة الأُمناء التحرّز من الأيمان.

وللشافعيّة تفصيلٌ هنا واختلاف.

قال أكثرهم : ننظر في ذلك ، فإن كان الذي عنده المال أميناً لصاحب الحقّ إذا ادّعى الردَّ قُبل قوله ، كالوكيل والودعيّ ، كان عليه تسليم ما في يده من غير إشهادٍ ، فإن أخّر الدفع لأجل الإشهاد ، ضمن ؛ لأنّه لا ضرر عليه في التسليم ، لأنّ قوله مقبول في الردّ ، فلا حاجة به إلى البيّنة.

____________________

(١) البقرة : ٢٢٤.

١٩٥

وإن كان لا يُقبل قو له في الردّ ، كالمرتهن والشريك والمضارب والوكيل بجُعْلٍ - في أحد الوجهين - والمستعير ، نُظر فإن كان الحقّ لا بيّنة لصاحبه به ، وجب عليه الدفع من غير إشهادٍ ؛ لأنّه إن ادّعاه عليه بعد ردّه ، أمكنه الجواب بأنّك لا تستحقّ علَيَّ شيئاً ، ويكون القولُ قولَه مع يمينه.

وإن كان لصاحبه به بيّنةٌ ، لم يجب عليه الردّ إلّا بعد الإشهاد ؛ لأنّه لا يأمن أن يطالبه به بعد الردّ وتقوم به عليه البيّنة ، ولا يُقبل قوله في الردّ ، فيلزمه غرمه(١) .

وللشافعيّة وجهٌ آخَر ، وهو : إنّه إن كان التوقّف إلى الإشهاد يورث تأخيراً أو تعويقاً في التسليم ، لم يكن له الامتناع ، وإلّا فله ذلك(٢) .

ولا فرق بين المديون والغاصب في هذا الباب.

ولو قال الموكّل للوكيل : إنّني طلبته منك فمنعتَني فأنت ضامن ؛ لأنّه كان يمكنك الردّ ، فأنكر الوكيل ولا بيّنة ، قُدّم قوله مع اليمين.

فإذا حلف ، كان على أمانته.

وهل يجب الردّ حينئذٍ؟ الأقرب ذلك.

وإن نكل ، حلف الموكّل بالله بأنّه لقد طالَبه فمنَعَه من غير عذرٍ ، وصار الوكيل ضامناً ، فإن كان المال قد تلف في يده ، وجب عليه ضمانه.

مسألة ٧٩٤ : إذا كان لرجلٍ على زيدٍ دَيْنٌ ، أو كان له في يده عين ، فجاء شخص إلى زيدٍ وقال : إنّ الرجل وكّلني في استيفاء دَيْنه منك ، أو في أخذ العين التي في يدك له ، فإن قامت للوكيل بيّنةٌ بذلك ثبتت وكالته ، واستحقّ المطالبة.

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٧٠ ، البيان ٦ : ٤٢٠.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧٠.

١٩٦

وإن لم تكن بيّنةٌ ، فإن صدّقه الغريم في دعوى الوكالة ، فإن كانت الدعوى عيناً ، لم يؤمر بالتسليم إليه ؛ لجواز كذبهما معاً ، ولصاحب العين تكذيبهما معاً ، لكن لو دفع لم يمنع منه أيضاً ؛ لأنّه إذا علم أنّه وكيله ، جاز له الدفع إليه.

وإن كان(١) دَيْناً ، احتُمل وجوب الدفع إليه ؛ لاعترافه بأنّه مستحقٌّ للمطالبة.

والفرق(٢) بين الدَّيْن والعين ظاهر ، فإنّ المدفوع في الدَّيْن ليس عين مال الموكّل ، وأمّا العين فإنّها عين مال الغير ، ولم يثبت عند الحاكم أنّه وكيل ، فلم يكن له أمره بالدفع.

قال(٣) بعض الشافعيّة : إن كان هناك بيّنة تثبت الوكالة ، وإن لم تكن فإنّه لا يجب على مَنْ عليه الدَّيْن تسليمه إليه ، سواء صدّقه أو كذّبه ، فإذا كذّبه لم يكن له إحلافه.

ثمّ قال : والذي يجي‌ء على أصلنا أنّه لا تُسمع دعواه عليه ؛ لأنّ عندنا أنّ الوكيل في الخصومة لا يصحّ أن يدّعي قبل ثبوت وكالته(٤) .

وقال أبو حنيفة : إذا صدّقه ، وجب عليه تسليم الدَّيْن.

وله في تسليم العين روايتان ، أشهرهما : إنّه لا يجب عليه تسليمها.

وإن كذّبه ، كان له إحلافه.

وعنده لا تُسمع بيّنة الوكيل إلّا بعد الدعوى.

____________________

(١) تذكير الفعل باعتبار الحقّ.

(٢) في النسخ الخطّيّة : « وفرق ».

(٣) في « ث ، ر ، خ » : « وقال ».

(٤) بحر المذهب ٨ : ٢٠٤.

١٩٧

واحتجّ بأنّه أقرّ بحقّ الاستيفاء ، فكان له مطالبته ، كما لو كان الحقّ عيناً ، وكما لو أقرّ بأنّ هذا وصيٌّ لصغيرٍ(١) .

مسألة ٧٩٥ : إذا دفع المديون الدَّيْنَ أو المستودع الوديعةَ إلى مدّعي الوكالة بعد أن صدّقه عليها ، فإذا حضر المستحقّ وأنكر الوكالة ، فالقول قوله مع يمينه.

فإن كان الحقّ عيناً أخذها إن كانت باقيةً. وإن تلفت فله إلزام مَنْ شاء منهما ، ولا رجوع للغارم منهما على الآخَر ؛ لأنّه مظلوم بزعمه ، والمظلوم لا يؤاخذ إلّا ظالمه.

هذا إذا تلف من غير تفريطٍ منهما ، فأمّا إذا تلف بتفريطٍ من القابض ، فيُنظر إن غرّم المستحقّ القابضَ فلا رجوع ، وإن غرّم الدافعَ فله الرجوع ؛ لأنّ القابض وكيل عنده ، والوكيل يضمن بالتفريط ، والمستحقّ ظلمه بأخذ القيمة منه ، وما لَه في ذمّة القابض فيستوفيه بحقّه.

مسألة ٧٩٦ : إذا كان الحقّ دَيْناً وكذّب الموكّلُ الوكيلَ في الوكالة بعد أن قبض الوكيل ، كان للموكّل مطالبةُ الدافع بحقّه.

وإذا غرمه فإن كان المدفوع باقياً ، فله استرداده وإن صار ذلك للمستحقّ في زعمه ؛ لأنّه ظلمه بتغريمه ، وذلك مالٌ له ظَفَر به ، فكان له أخذه قصاصاً.

وإن كان تالفاً فإن فرّط فيه ، غرمه ، وإلّا فلا.

وهل للمستحقّ مطالبة القابض؟ يُنظر إن تلف المدفوع عنده ،

____________________

(١) بدائع الصنائع ٦ : ٢٦ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥٥٢ ، بحر المذهب ٨ : ٢٠٥ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٢ و ١٥١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٣٠ ، البيان ٦ : ٤٠١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧١ ، المغني ٥ : ٢٣٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٦١.

١٩٨

لم يكن له المطالبة ؛ لأنّ المال للدافع بزعمه ، وضمانه له.

وإن كان باقياً ، احتُمل ذلك أيضاً ؛ لأنّ الآخذ فضوليٌّ بزعمه ، والمأخوذ ليس حقّاً له ، وإنّما هو مال المديون ، فلا تعلّق للمستحقّ به ، وهو قول أكثر الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم : إنّ له المطالبة بتسليمه إليه ؛ لأنّه إنّما دفعه إليه ليدفعه إلى المستحقّ ، وكأنّه انتصب وكيلاً في الدفع من جهته(٢) (٣) .

ولا بأس به.

وإن قلنا به فإذا أخذه المستحقّ ، برئ الدافع عن الدَّيْن.

وهل يلزم مَنْ عنده الحقّ دفعه إليه بعد التصديق ، أم له الامتناع إلى قيام البيّنة على الوكالة؟ الأقرب : الأوّل.

ونصّ الشافعي : إنّه لا يلزمه الدفع إلّا بعد البيّنة(٤) .

ونصّ فيما إذا أقرّ بدَيْنٍ أو عينٍ من تركة إنسانٍ وبأنّه مات ووارثه فلان : إنّه يلزمه الدفع إليه ، ولا يكلّف البيّنة(٥) .

ولأصحابه في ذلك طريقان :

أحدهما : إنّ المسألتين على قولين :

في قولٍ : يلزمه الدفع إلى الوكيل والوارث ؛ لأنّه اعترف باستحقاقه الأخذَ ، فلا يجوز له منع الحقّ عن المستحقّ.

وفي قولٍ : لا يلزمه الدفع إلى واحدٍ منهما إلّا بالبيّنة.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧١.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « حقه » بدل « جهته ». والمثبت من « العزيز شرح الوجيز ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٩ - ٢٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧١.

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧١.

١٩٩

أمّا في الصورة الأُ ولى : فلاحتمال إنكار الموكّل الوكالة. وأمّا في الثانية : فلاحتمال استناد إقراره بالموت إلى ظنٍّ خطأً.

وأصحّهما عندهم : تقرير الحقّ للوارث ، وعدم اليأس عن إنكار الموكّل للوكالة وبقاء الحقّ له(١) .

مسألة ٧٩٧ : لو ادّعى الوكالة فكذّبه المديون أو مَنْ عنده الوديعة أو المال ، لم يكلّف المديون والودعيّ الدفع إليه‌ ؛ لتجرّد دعواه عن البيّنة ، وعدم اعتضادها بالتصديق.

فإن دفع ثمّ حضر الموكّل وأنكر الوكالة ، فالقول قوله مع اليمين.

فإذا حلف على نفي الوكالة وغرم الدافع ، كان له أن يرجع على القابض ، دَيْناً كان أو عيناً ؛ لأنّه لم يصرّح بتصديقه ، وإنّما دفع بناءً على الظاهر من قوله ، فإذا تبيّن خلافه غرم ما غرم.

ولو أنكر الوكالة أو الحقّ وكان الوكيل مأذوناً(٢) في إقامة البيّنة ، أو قلنا : إنّ الوكيل بالقبض مطلقاً يملك إقامة البيّنة ، فله أن يقيم البيّنة ويأخذ.

فإن لم تكن بيّنة ، فهل له التحليف؟ يبنى الأمر فيه على أنّه إذا صدّقه هل يلزمه الدفع إليه؟ إن قلنا : نعم ، فله تحليفه ، فلعلّه يصدق إذا عُرضت اليمين عليه.

وإن قلنا : لا ، فيبنى على أنّ النكول وردّ اليمين كإقامة البيّنة من المدّعي أو الإقرار من المدّعى عليه؟ إن قلنا بالأوّل فله تحليفه طمعاً في أن ينكل ، فيحلف الوكيل. وإن قلنا بالثاني فلا.

مسألة ٧٩٨ : لو جاء رجل إلى المديون وقال : قد أحالني عليك‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧١.

(٢) في الطبعة الحجريّة زيادة : « له ».

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501