تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

تذكرة الفقهاء7%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: 501

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 180155 / تحميل: 5854
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٦-١
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

صاحبُ الدَّيْن بكذا ، فصدّقه وقلنا : إذا صدّق مدّعي الوكالة فلا يلزمه الدفع إليه ، فالأقرب : إنّه يلزمه الدفع إليه ؛ لأنّه يقول : الحقّ لك وأنّه لا حقّ لغيرك علَيَّ ، فصار كالوارث ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.

والثاني : لا يلزمه الدفع إليه ؛ لأنّه دَفْعٌ غير مبرئ ، فلا يأمن أن يجحد المحيل الحوالةَ فيحلف ، ويستحقّ الرجوع عليه ، كما قلنا في الوكالة قد ينكر الموكّل الوكالةَ.

ويفارق الميراث ؛ لأنّه آمن من ذلك ، لأنّه إذا لم يكن وارث غيره فقد أمن الغرامة.

ويبنى على الوجهين أنّه لو كذّبه ولم تكن بيّنة هل له تحليفه؟ إن ألزمناه الدفع إليه فله تحليفه ، وإلّا فكما سبق(١) .

مسألة ٧٩٩ : لو قال : مات زيد وله عندي كذا وهذا وصيّه ، فهو كما لو قال : هذا وارثه‌. ولو قال : مات وقد أوصى به لهذا الرجل ، فهو كما لو أقرّ بالحوالة.

وإذا أوجبنا الدفع إلى الوارث والوصي أو لم نوجب فدفع ثمّ بانَ أنّ المالك حيّ وغرم الدافع ، فله الرجوع على المدفوع إليه ، بخلاف صورة الوكالة ؛ لأنّه صدّقه على الوكالة ، وإنكار صاحب الحقّ لا يرفع تصديقه ، فصدق الوكيل لاحتمال أنّه وكّل ثمّ جحد ، وهنا بخلافه ، والحوالة في ذلك كالوكالة.

مسألة ٨٠٠ : إذا ادّعى على إنسان أنّه دفع إليه متاعاً ليبيعه ويقبض ثمنه وطالَبه بردّه‌ ، أو قال : بعتَه وقبضتَ ثمنه فسلِّمه إلَيَّ ، فأنكر المدّعى عليه ، فأقام المدّعي بيّنةً على أنّه ما أدّاه ، فادّعى المدّعى عليه أنّه كان قد تلف أو ردّه ، فيُنظر في صيغة جحوده.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٣ ، بحر المذهب ٨ : ٢٠٦ ، البيان ٦ : ٤٠٦ - ٤٠٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٠ - ٢٧١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧١.

٢٠١

فإن قال : « ما لك ع ندي شي‌ء » أو « لا يلزمني تسليم شي‌ء إليك » قُبِل قوله في الردّ والتلف ؛ لأنّه إذا كان قد تلف أو ردّه ، كان صادقاً في إنكاره ، ولم يكن بين كلاميه تناقضٌ. وإن أقام عليه بيّنةً سُمعت بيّنته.

وإن كانت صيغة جحوده : « أنّك ما وكّلتني » أو « ما دفعتَ إلَيَّ شيئاً » أو « ما قبضت الثمن » نُظر إن ادّعى التلفَ أو الردَّ قبل أن يجحد ، لم يُصدَّقْ ؛ لأنّه مناقض للقول الأوّل ، ولزمه الضمان.

وإن أقام بيّنةً على ما ادّعاه ، فوجهان للشافعيّة :

أوّلهما عندهم : إنّها تُسمع ؛ لأنّه لو صدّقه المدّعي لسقط الضمان عنه ، فكذلك إذا قامت الحجّة عليه. وأيضاً فلما يأتي في الوديعة.

والثاني - وهو الأظهر عند الجويني - : أنّها لا تُسمع ؛ لأنّه بجحوده الأوّل كذّب هذه البيّنةَ ، ولأنّه لا تُسمع دعواه ، وكلّ بيّنةٍ تقام فإنّ قيامها يستدعي دعوى مَنْ يقيمها ، فإذا فسدت الدعوى استقلّت البيّنة ، وهي غير مسموعةٍ من غير دعوى.

لكن عدم سماع الدعوى ليس متّفقاً عليه ، ومَنْ يسمع البيّنة يسمع الدعوى لا محالة ، فإذَنْ الخلاف في سماع البيّنة يجري في سماع الدعوى ، بل يجوز أن تكون الدعوى مسموعةً جزماً ، مع الخلاف في سماع البيّنة ؛ إذ الدعوى قد تُسمع بمجرّد تحليف الخصم(١) .

وإن ادّعى الردَّ بعد الجحود ، لم يُصدَّقْ ؛ لصيرورته خائناً.

لكن لو أقام بيّنةً ، فالمشهور عند الشافعيّة في هذا الباب أنّها تُسمع ؛ لأنّ غايته أن يكون كالغاصب في ابتداء الأمر ، ومعلومٌ أنّه لو أقام بيّنةً على‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧١ - ٢٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧٢.

٢٠٢

الردّ تُسمع (١) .

ور أى الجويني أن يكون سماع بيّنته على الوجهين السابقين ؛ لتناقض دعوى الردّ والجحود(٢) .

وإن ادّعى التلف بعد الجحود ، صُدّق بيمينه لتنقطع عنه المطالبة بردّ العين ، ولكن يلزمه الضمان ؛ لخيانته ، كما لو ادّعى الغاصب التلفَ.

مسألة ٨٠١ : قد بيّنّا أنّه يجب على الوكيل رعاية تنصيص الموكّل واتّباع أمره والعدول عن مخالفته‌ ، فإذا قال له : بِعْ هذا ثمّ هذا ، وجب عليه الامتثال في الترتيب.

ولو جَعَل للوكيل بالبيع جُعْلاً فباع ، استحقّه ؛ لأنّه فَعَل ما أمره به وإن تلف الثمن في يده ؛ لأنّ استحقاقه بالعمل وقد عمل.

فإذا ادّعى خيانةً عليه ، لم تُسمع حتى يبيّن القدر الذي خان به بأن يقول : بعتَ بعشرةٍ وما دفعتَ إلَيَّ إلّا خمسةً.

وإذا وكّل بقبض دَيْنٍ أو استرداد وديعةٍ ، فقال المديون والمودع : دفعتُ ، وصدّقه الموكّل وأنكر الوكيل ، غرم الدافع بترك الإشهاد - وهو أحد وجهي الشافعيّة(٣) - كما لو ترك الوكيل بقضاء الدَّيْن الإشهادَ.

وإذا قال شخص : أنا وكيل في بيعٍ أو نكاحٍ ، وصدّقه مَنْ يعامله ، صحّ العقد. فلو قال الوكيل بعد العقد : لم أكن مأذوناً فيه ، لم يلتفت إلى قوله ، ولم يُحكم ببطلان العقد ، وكذا لو صدّقه المشتري بحقّ مَنْ توكّل عنه ، إلّا أن يقيم المشتري بيّنةً على إقراره بأنّه لم يكن مأذوناً من جهته في ذلك التصرّف.

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧٢.

٢٠٣

الفصل الخامس : في ا للواحق‌

مسألة ٨٠٢ : إذا ولّى الإمام رجلاً القضاء في ناحيةٍ ، فإن أذن له في الاستنابة ، جاز له ذلك.

وإن لم يأذن له ، نُظر فإن كان المتولّي يمكنه النظر بنفسه ، لم يجز له الاستنابة.

وإن كان العمل كثيراً لا يمكنه النظر فيه بنفسه ، جازت له الاستنابة ؛ عملاً بقرينة الحال وظاهر الأمر.

وإذا جازت له ، فهل تجوز في جميع العمل ، أو فيما يتعذّر عليه أن يتولّاه؟ الأقوى : الأوّل.

وللشافعيّة فيه وجهان(١) .

والحكم في ذلك كما تقدّم(٢) في الوكالة.

مسألة ٨٠٣ : إذا ادّعى الوكيل الردَّ إلى الموكّل ، فالأقوى أنّه يفتقر إلى البيّنة.

وقسّم الشافعيّة الأُمناءَ في ذلك على ثلاثة أضرُبٍ :

منهم مَنْ يُقبل قوله في الردّ مع يمينه ، وهُم المودعون والوكلاء بغير جُعْلٍ.

ومنهم مَنْ لا يُقبل قوله في الردّ إلّا ببيّنةٍ ، وهُم المرتهن والمستأجر.

____________________

(١) الحاوي الكبير ١٦ : ٣٣١ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٩٣ ، حلية العلماء ٨ : ١٢٠ ، التهذيب - للبغوي - ٨ : ١٩٥ ، البيان ١٣ : ٢١ ، العزيز شرح الوجيز ١٢ : ٤٣٣ ، روضة الطالبين ٨ : ١٠٢.

(٢) في ص ٢٥ وما بعدها.

٢٠٤

ومنهم : مَن اختُلف فيه على وجهين ، وهُم الوكلاء بجُعْلٍ والشريك والمضارب والأجير المشترك إذا قلنا : إنّه أمين.

أحدهما : إنّه لا يُقبل قولهم في الردّ ؛ لأنّهم قبضوا لمنفعة أنفسهم ، فصاروا كالمرتهن والمستأجر والمستعير.

والثاني : إنّه لا منفعة لهم في العين المقبوضة ؛ لأنّ الوكيل ينتفع بالجُعْل دون العين التي قبضها. وكذلك الشريك والمضارب [ والأجير ](١) ينتفعون بالربح وعوض عملهم ، بخلاف المرتهن ، فإنّه يتوثّق بالعين. وكذلك المستأجر ؛ فإنّه يستوفي منفعتها ، فافترقا(٢) .

مسألة ٨٠٤ : لو ادّعى الوكيل بيعَ العين التي أذن الموكّل له في بيعها ، فقال الموكّل : لم تبعها ، أو يدّعي قبض الثمن من المشتري ، فيصدّقه في الإذن وينكر قبضه إيّاه ، فللشافعي قولان :

أحدهما : يُقبل إقرار الوكيل في ذلك ، وبه قال أبو حنيفة.

إلّا أنّ أبا حنيفة ناقَضَ في مسألةٍ ، وهي : إذا قال لوكيله : زوّجني من امرأة ، فأقرّ الوكيل أنّه تزوّجها له وادّعت ذلك المرأةُ ، وأنكر الموكّل العقد ، لم يُقبل قول الوكيل. قال : لأنّه يمكنه إقامة البيّنة على النكاح ، لأنّه لا يعقد حتى تحضر البيّنة.

والثاني للشافعي : إنّه لا يُقبل إقراره على موكّله ؛ لأنّ الوكيل يُقرّ بحقٍّ لغيره على موكّله ، فلم ينتقل إليه(٣) ، كما لو أقرّ بدَيْنٍ عليه أو إبراءٍ من‌

____________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٢) راجع : المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٥.

(٣) كذا قوله : « فلم ينتقل إليه » في النسخ الخطّيّة والحجريّة ، وبدلها في المغني والشرح الكبير : « فلم يقبل ».

٢٠٥

حقٍّ (١) .

وهذا يلزم عليه إقرار أب البكر.

فأمّا أبو حنيفة فلا يصحّ ما فرّق به ؛ لأنّ النكاح عنده ينعقد بفاسقين ولا يثبت بهما(٢) ، وقد تموت الشهود وتتعذّر البيّنة.

مسألة ٨٠٥ : إذا وكّله في البيع وقبض الثمن فقبضه ، كان أمانةً في يده قبل أن يطالبه الموكّل ، فإذا لم يسلّمه إليه لم يضمنه بتأخيره عنده ، وإن طالَبه وجب عليه ردّه على حسب إمكانه.

فإن أخّر لعذرٍ - مثل أن يكون في الحمّام ، أو يأكل الطعام ، أو يصلّي ، أو ما أشبه ذلك - لم يصر مفرّطاً ؛ لأنّه لا يلزمه في ردّ الأمانة ما يضرّ به. فإن تلفت الوديعة قبل زوال عذره أو بعد زوال عذره حالَ اشتغاله بردّها ، فلا ضمان ؛ لما بيّنّاه.

وإن أخّر بغير عذرٍ ، ضمن سواء تلفت قبل مضيّ زمان إمكان الردّ ، أو لم يمض ؛ لأنّه خرج من الأمانة بمنعه الدفع من غير عذرٍ.

ولو طالَبه الموكّل بالدفع فوعده به ثمّ ادّعى أنّه كان قد تلف قبل مطالبته ، أو قال : كنتُ رددتُه قبل مطالبته ، لم يُقبل قوله ؛ لأنّه مكذّب لنفسه ، وضامن في الظاهر بدفعه.

فإن أقام البيّنةَ ، احتُمل سماعها ؛ لأنّ الموكّل لو صدّقه على ما ادّعاه ،

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٤ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٩ ، حلية العلماء ٥ : ١٥٧ - ١٥٨ ، البيان ٦ : ٤١٥ ، المغني ٥ : ٢٢٢ و ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٨ و ٢٥٦.

(٢) تحفة الفقهاء ٢ : ١٣٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٥٥ ، و ٦ : ٢٧٠ - ٢٧١ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٩٠ ، و ٣ : ١١٧ - ١١٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٢٤ - ٢٢٥ ، و ٣ : ١١٩ ، روضة القضاة ١ : ٢١٣ / ٩٤٠ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٩ ، عيون المجالس ٣ : ١٠٤٩ / ٧٤٣.

٢٠٦

سقط عنه الضمان ، فإ ذا أقام البيّنةَ على ذلك قُبل. وعدمُه ؛ لأنّه يكذّب بيّنته ، فإنّه كان وَعَده بدفعه إليه ، وإذا كذّب بيّنته لم تُسمع له.

ويفارق ما إذا صدّقه ، فإنّه إذا صدّقه فقد أقرّ ببراءته ، فلم يستحقّ مطالبته.

وإن ادّعى أنّه تلف بعد ما دفعه عن تسليمه ، أو أنّه ردّه إليه لم يُقبل قوله ؛ لأنّه صار بالدفع ضامناً ، ولا يُقبل قوله في الردّ ؛ لأنّه خرج من الأمانة ، فيحتاج إلى بيّنةٍ بذلك.

وللشافعيّة وجهان(١) كالاحتمالين.

فإن كان قد تلف قبل أن مَنَعَه ولم يعلم ، فلا ضمان عليه.

وللشافعيّة وجهٌ آخَر : إنّه يضمن ؛ لأنّه لـمّا منعه تبيّنّا أنّه كان ممسكاً على نفسه(٢) .

وليس بشي‌ء.

مسألة ٨٠٦ : لو دفع إلى وكيله عيناً وأمره بإيداعها عند زيدٍ ، فأودعها ، وأنكر زيد ، فالقول قوله مع اليمين ، فإذا حلف برئ.

وأمّا الوكيل فإن كان قد سلّمها بحضرة الموكّل لم يضمن ، وإن كان بغيبته ففي الضمان إشكال.

وللشافعيّة وجهان :

أحدهما : يضمن كما في الدَّيْن ؛ لأنّ الوديعة لا تثبت إلّا بالبيّنة.

والثاني : لا يضمن ؛ لأنّ الودعي إذا ثبتت عليه البيّنة بالإيداع ، كان القولُ قولَه في التلف والردّ ، فلم تُفد البيّنة شيئاً ، بخلاف الدَّيْن ؛ لأنّ‌

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ١٦٢.

(٢) حلية العلماء ٥ : ١٦٤.

٢٠٧

القضاء لا يثبت إلّا بها(١) .

وإن صدّقه الـمُودَع وادّعى التلف وحلف ، لم يضمنها.

وأمّا الوكيل فإن سلّم بحضرة الموكّل ، لم يضمن. وإن سلّم في غيبته ، فالوجهان.

فأمّا إذا قال الوكيل : دُفع(٢) بحضرتك ، وقال الموكّل : لم تدفع بحضرتي ، أو قال : لم تدفعها إلى المودَع ، وقال : دفعتُها على الوجه الذي تقول ، لا يضمن إذا دفع بغير إشهادٍ.

قال بعض الشافعيّة : القول قول الوكيل مع اليمين ، كما إذا ادّعى الردَّ إليه وأنكره ، ولا يشبه هذا [ ما ](٣) إذا أقرّ بأنّه باع أو قبض وأنكر الموكّل ، فإنّه لا يُقبل قوله في أحد القولين ؛ لأنّه يُثبت حقّاً على موكّله لغيره ، وهنا يُسقط عن نفسه الضمانَ بما ذكره ، فكان القولُ قولَه مع يمينه فيه(٤) .

مسألة ٨٠٧ : إذا دفع إلى وكيله دراهم ليشتري له بها شيئاً ، فاستقرضها الوكيل وأخرجها ، بطلت الوكالة ؛ لأنّه إن كان أمره بأن يشتري له بعين تلك الدراهم ، فقد تعذّر بتلفها ، كما لو مات العبد الموكَّل ببيعه. وإن كان قد وكّله في الشراء مطلقاً ونقد الدراهم في الثمن ، بطلت أيضاً ؛ لأنّه إنّما أمره بالشراء على أن ينقد ذلك الثمن ، فإذا تعذّر نقد ذلك لم يكن له أن يشتري.

وقال أبو حنيفة : لا تفسد الوكالة ، ولا يتعيّن الشراء بتلك الدراهم ،

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٣١١ ، المغني ٥ : ٢٣٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٥ - ٢٤٦.

(٢) كذا قوله : « دُفع ». والظاهر : « دفعتُ ».

(٣) ما بين المعقوفين أثبتناه لأجل السياق.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٥٢٨ ، الوجيز ١ : ١٩٣ ، الوسيط ٣ : ٢١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٨.

٢٠٨

ويجوز أن يشتري من م ال نفسه ، ويأخذ الدراهم(١) .

وهو غير صحيح ؛ لأنّه وكّله في الشراء بتلك الدراهم ، فإذا تلفت سقط الإذن ، كما قلناه في العبد.

فإن اشترى للموكّل بمثل تلك الدراهم من مال نفسه ، فإذا(٢) أضاف العقد إليه لم يصح ، وإلّا وقع الشراء له لا للموكّل ؛ لأنّه اشترى لغيره شيئاً بعين مال نفسه ؛ لأنّه لا يصحّ أن يقبض للموكّل من نفسه بدل المال الذي أتلفه.

والثاني(٣) : إنّه اشترى له بغير المال الذي عيّنه.

وإن اشترى له في الذمّة ، وقع أيضاً للوكيل ؛ لأنّه على غير الصفة التي أذن له فيها.

ويجب على الوكيل ردّ مثل الدراهم التي قبضها من الموكّل.

تذنيب : إذا دفع إليه دراهم ليشتري بها سلعة ولم ينص على الشراء بالعين ، بل ينقدها عن الثمن الذي يشتري به ، فاشترى في الذمّة على أنّه ينقد تلك الدراهم كما أمره الموكّل ، صحّ الشراء. فإن استقرض بعد ذلك الدراهمَ وأخرجها ، وجب عليه دفع عوضها في الثمن ، ولم يخرج المبيع عن ملك الموكّل بالتفريط اللاحق.

مسألة ٨٠٨ : إذا وكّله في شراء عبدٍ بدراهم في الذمّة ثمّ دفع إليه دراهم لينقدها في الثمن ، ففرّط فيها بأن ترك حفظها ، ضمنها ، فإذا اشترى العبدَ صحّ الشراء قولاً واحداً ؛ لأنّه لم يتعدّ فيما تناوله العقد ، فإذا نقد تلك‌

____________________

(١) فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ١٧ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٣ ، حلية العلماء ٥ : ١٣٨.

(٢) في « ج » : « فإن » بدل « فإذا ».

(٣) كذا قوله : « والثاني ». ولم يسبق ذِكْر الأوّل.

٢٠٩

الدراهم بعينها برئ من ضمانها.

ولا فرق في ذلك بين مَنْ قال : إنّ الوكيل بالتعدّي يخرج من الأمانة - وفي صحّة بيعه وجهان عنده - وبين مَنْ قال : إنّه يصحّ بيعه مع التعدّي.

لا يقال : لِمَ لا يبطل بيعه عند القائل بعدم صحّة بيع الوكيل إذا تعدّى؟

لأنّا نقول : إنّما يخرج من الأمانة فيما تعدّى فيه ، فإنّه لو استودع شيئين ففرّط في أحدهما ، لم يضمن الآخَر ، ولم يخرج من حكم الأمانة جملةً ، كذا هنا.

مسألة ٨٠٩ : لو وكّله في تزويج امرأةٍ فزوّجه غيرها ، بطل العقد عند العامة(١) ، أو كان فضوليّاً عندنا ؛ لأنّ من شرط صحّة النكاح ذكر الزوج ، فإذا كان بغير أمره لم يقع له ولا للوكيل ؛ لأنّ المقصود من النكاح أعيان الزوجين ، بخلاف البيع ، ولهذا يجوز أن يشتري من غير تسمية المشتري ، فافترقا.

وإذا عيّن الموكّل للوكيل الزوجةَ ، صحّ إجماعاً.

ولو وكّله في أن يزوّجه بمن شاء ، فالأقرب : الجواز ، وهو قول بعض الشافعيّة(٢) .

وقال بعضهم : لا يجوز ؛ لأنّ الأغراض تختلف ، فلا يجوز حتى يصف(٣) . واختار الزهري(٤) (٥) هذا الوجه.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٥٤٧ ، المغني ٥ : ٢٥٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٩.

(٢) حلية العلماء ٥ : ١١٨ ، البيان ٦ : ٣٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٨.

(٣) حلية العلماء ٥ : ١١٨ ، البيان ٦ : ٣٦٥.

(٤) كذا قوله : « الزهري » في جميع النسخ الخطّيّة والحجريّة ، وبدلها في المصدر : « الزبيري ».

(٥) حلية العلماء ٥ : ١١٨.

٢١٠

والمعتمد : الأوّل.

فعلى هذا هل له أن يزوّجه ابنته؟ الأقرب : الجواز ، وبه قال أبو يوسف ومحمّد(١) .

وقال بعض العامّة : لا يجوز له ذلك(٢) .

ولو أذنت المرأة له في تزويجها ، لم يكن له أن يزوّجها من نفسه ؛ لأنّ القرينة اقتضت التزويج بالغير.

وقد روى الحلبي عن الصادقعليه‌السلام قال في المرأة ولّت أمرها رجلاً ، فقالت : زوّجني فلاناً ، فقال : لا زوّجتكِ حتى تُشهدي أنّ أمركِ بيدي ، فأشهدت له ، فقال عند التزويج للّذي يخطبها : يا فلان عليك كذا وكذا ، فقال : نعم ، فقال هو للقوم : أشهدوا أنّ ذلك لها عندي وقد زوّجتها من نفسي ، فقالت المرأة : ما كنت أتزوّجك ولا كرامة وما أمري إلاّ بيدي وما ولّيتك أمري إلّا حياءً ، قال : « تنزع منه ، ويوجع رأسه »(٣) .

ويحتمل مع إطلاق الإذن صحّة أن يزوّجها من نفسه.

وكذا له أن يزوّجها من ولده ووالده.

ولبعض العامّة وجهان(٤) .

مسألة ٨١٠ : إذا وكّله في شراء عبدٍ فاشتراه ، ثمّ اختلف الوكيل والموكّل ، فقال الوكيل : اشتريته بألف ، وقال الموكّل : بخمسمائة ، فالقول فيه كما قلنا فيما إذا اختلف الوكيل والموكّل في تصرّفه ؛ لأنّ ذلك إثباتٌ‌

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ١٩ : ١١٨ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٤٧ ، المغني ٥ : ٢٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٣.

(٢) المغني ٥ : ٢٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٣.

(٣) الفقيه ٣ : ٥٠ / ١٧١ ، التهذيب ٦ : ٢١٦ / ٥٠٨.

(٤) المغني ٥ : ٢٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٣.

٢١١

لحقّ البائع على الموكّل .

وقال أبو حنيفة : إن كان الشراء في الذمّة ، فالقول قول الموكّل ، فإن كان اشترى ذلك بمال الموكّل ، فالقول قول الوكيل.

وفرّق بينهما بأنّ الشراء إذا كان في الذمّة ، فالموكّل هو الغارم ؛ لأنّه يطالبه بالثمن. وإذا اشتراه بما في يده للموكّل ، فإنّ الغارم الوكيل ؛ لأنّه يطالبه بردّ ما زاد على خمسمائة ، فالقول في الأُصول قول الغارم(١) .

وقد بيّنّا أنّ إقرار الوكيل لا يصحّ على موكّله.

وما ذكره من الفرق ليس بصحيحٍ ؛ لأنّ في الموضعين يثبت بذلك الغرم على الموكّل ؛ لأنّه إمّا أن يطالبه به ، أو يؤدّي من ماله الذي في يد الوكيل ، والحقّ يثبت بقول الوكيل عليه في الموضعين.

مسألة ٨١١ : إذا دفع إلى الوكيل ألفاً ليشتري بها سلعة ، فاشترى بالعين ، ثمّ ظهر فيها عيب ، فردّها البائع على الوكيل ، كانت أمانةً في يده لموكّله.

وإن كان [ اشتراها ](٢) بألفٍ في الذمّة ، فإن بانَ العيب في الألف التي دفعها وقبضها الوكيل ، فهي أيضاً على الأمانة ، ويبدلها من الموكّل إن امتنع البائع من قبضها.

وإن بانَ العيب بعد أن قبضها البائع فردّها على الوكيل فتلفت عنده ، لم يضمنها عندنا.

____________________

(١) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٤٤ ، حلية العلماء ٥ : ١٥١ ، المغني ٥ : ٢٢٢ - ٢٢٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٩.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « اشتراه ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

٢١٢

وللشافعيّة قولان مب نيّان على ما ذكروه في الثمن.

إن قلنا : إنّ الثمن يثبت في ذمّة الموكّل ، كان الوكيل وسيطاً في الدفع ، وكان ذلك في يده أمانةً.

وإن قلنا : يثبت في ذمّة الوكيل دون الموكّل ، وعلى الموكّل أن يسقط ذلك عن ذمّته ، فإذا دفع إليه ألفاً ليقضيها عن نفسه ، كانت أمانةً ما لم يدفعها إلى البائع ، فإذا دفعها وقضى بها دَيْنه ، وجب مثلها عليه للموكّل ، وله الرجوع على الموكّل بألفٍ تقاصّاً ، وصارت مضمونةً عليه ، فإذا عادت إليه بردّ البائع ، كانت مضمونةً عليه للموكّل ألف معيبة ، وعليه للبائع ألف سليمة ، فإذا قضاها رجع على الموكّل بألف سليمة(١) .

مسألة ٨١٢ : إذا دفع إليه ألفاً ليُسلمها في كُرّ طعامٍ ، تناول المتعارف عند الموكّل.

ويحتمل عند الوكيل.

وقال بعض الشافعيّة : ينصرف إلى الحنطة خاصّةً ؛ لانطلاقه إليه عرفاً(٢) .

وهو غير سديدٍ ؛ لاختلاف العرف فيه.

ولو كان لرجلٍ في ذمّة آخَر ألف ، فقال : أسلفها في طعامٍ ، فأسلفها فيه ، صحّ ، وإذا أسلمها برئ من الدَّيْن. وإذا قبض الطعام كان أمانةً في يد الوكيل إن تلف فلا ضمان عليه.

قال أبو العباس من الشافعيّة : وإن لم يكن عليه شي‌ء ، فقال له : أسلف من مالك ألفاً في كُرٍّ من طعامٍ ويكون لك ألف قرضاً علَيَّ ، ففَعَل ،

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ٢١١ ، البيان ٦ : ٣٨٤ - ٣٨٥.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٩٣ ، البيان ٦ : ٣٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٤.

٢١٣

صحّ (١) .

وقال بعضهم : هاتان المسألتان سهو من أبي العباس ؛ لأنّه لا يجوز أن يُسلم ماله في طعامٍ لغيره ، ومذهب الشافعي أنّه لا يجوز أن يكون العوض لواحدٍ ويقع المعوَّض لغيره(٢) .

وتأوّلوا المسألتين بأن يقول : إن أسلمت ألفاً في كُرٍّ من طعامٍ ، ولا يعيّنه بالدَّيْن ، ثمّ يأذن له أن يُسلم الدَّيْن عنه ، ويبرأ. هذا في المسألة الأُولى ، وفي الثانية : أسلم ألفاً في ذمّتي في كُرٍّ من طعامٍ ، فإذا فَعَل هذا ، قال : اقض عنّي الألف لأدفع إليك عوضها(٣) .

قال بعض الشافعيّة : إنّ الذي أراد أبو العباس أن يسلم هكذا ، ولا يحتاج إلى ما شرطه من تأخّر الإذن(٤) .

ويجوز أن يأذن له قبل أن يعقد بدفع الثمن من عنده أو بدفع الدَّيْن الذي عليه ؛ لأنّ التصرّف من الوكيل يجوز تعليقه بالشرط.

وكذا لو قال له : اشتر به عبداً ، سواء عيّنه أو لم يعيّنه ، وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمّد(٥) .

وقال أبو حنيفة : إن عيّن العبد ، جاز. وإن لم يعيّنه ، لم يجز ؛ لأنّه إذا [ لم ](٦) يعيّن ، فقد وكّل في قبض الدَّيْن من ذمّة البائع ، وهو مجهول(٧) .

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٩٩ ، البيان ٦ : ٣٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٣.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٩٩ ، البيان ٦ : ٣٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٣ - ٥٦٤.

(٣ و ٤) البيان ٦ : ٣٩٥.

(٥) البيان ٦ : ٣٩٥ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٧.

(٦) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٧) البيان ٦ : ٣٩٥ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٧.

٢١٤

ولنا : إنّه دفع بإذ نه ، فأشبه ما إذا عيّن. وقول أبي حنيفة باطل ؛ لأنّ المدفوع له ليس بوكيلٍ له ، ولا يتعيّن بالشراء منه ، ويبطل عليه به إذا قال : أطعم عنّي عشرة مساكين ، فإنّهم غير معيّنين ، ويصحّ عنه.

مسألة ٨١٣ : إذا دفع إليه ألفاً ليشتري بها سلعةً أو يسلف بها في طعام ، فاشترى السلعة واستسلف ولم يُسمّ الموكّلَ في العقد ، ثمّ اختلفا ، فقال الوكيل : إنّما اشتريت لنفسي ، وقال الموكّل : بل لي ، فالقول قول الوكيل مع يمينه ، فإذا حلف حُكم له بذلك في الظاهر ، وكان للموكّل الرجوع عليه بالألف.

وقال أصحاب أبي حنيفة : يكون السَّلَم للموكّل؟ لأنّه دفع دراهمه(١) . واختلفوا إذا [ تصادقا ](٢) أنّه لم يَنْو لا لَه ولا للموكّل.

فقال أبو يوسف : يكون بحكم الدراهم(٣) .

وقال محمّد : يكون للوكيل(٤) .

أمّا الأوّل : فلأنّهما إذا اختلفا ، رجّح قول الموكّل ؛ لأنّه دفع دراهمه ، فكان الظاهر معه.

وإذا أطلق قال أيضاً : يرجّح بالدراهم(٥) .

ودليلنا : إذا نوى ذلك عن نفسه وصدّقه عليه ، وقع لنفسه ، فإذا أطلق‌ واختلفا كان القولُ قولَه ، كما لو لم ينقد دراهم.

وما ذكروه فليس بصحيحٍ ؛ لأنّ إذن الدراهم بعد حصول العقد ،

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ١٤٨.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « تصادقوا ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣ - ٥) بحر المذهب ٨ : ٢٠٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٨.

٢١٥

فلا يؤثّر فيه.

مسألة ٨١٤ : إذا كان وليّاً عن امرأةٍ في التزويج بأن يكون أباً أو جدّاً له‌ ، كان له أن يوكّل ؛ لأنّه وليٌّ بالأصالة ولايةَ الإجبار.

أمّا غيرهما - كالوكيل - هل له أن يوكّل؟ الوجه عندنا : لا ، إلّا مع الإذن - ولأصحاب [ الشافعي ](١) فيه وجهان(٢) ، وعن أحمد روايتان(٣) - لأنّه لا يملك التزويج إلّا بإذنها ، فلا يملك التوكيل فيه إلّا بإذنها.

احتجّ أحمد بأنّ ولايته من غير جهتها ، فلم يعتبر إذنها في توكيله ، كالأب ٤.

وأمّا الحاكم فيملك تفويض عقود الأنكحة إلى غيره بغير إذن المولّى عليه.

مسألة ٨١٥ : لو أنكر الموكّل الوكالةَ بعد عقد النكاح على المرأة ، فالقول قول الموكّل مع يمينه‌ ، فإذا حلف برئ من الصداق ، وبطلت الزوجيّة بينهما ، وكان على الوكيل أن يدفع إليها نصف المهر ؛ لأنّه أتلف عليها البُضْع.

ثمّ إن كان الوكيل صادقاً ، وجب على الموكّل طلاقها ؛ لئلّا يحصل الزنا بنكاحها مع الغير.

ولما رواه عمر بن حنظلة عن الصادقعليه‌السلام في رجلٍ قال لآخَر :

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الشافعيّة ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) البيان ٦ : ٣٦٠ ، الوسيط ٥ : ٧٩ ، الوجيز ٢ : ٧ ، حلية العلماء ٦ : ٣٤٤ - ٣٤٥ ، التهذيب - للبغوي - ٥ : ٢٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٥٦٧ ، روضة الطالبين ٥ : ٤١٨ - ٤١٩ ، المغني ٥ : ٢١٧ ، و ٧ : ٣٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١١ ، و ٧ : ٤٣٩.

(٣ و ٤) المغني ٥ : ٢١٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١١.

٢١٦

اخطب لي فلانة فما ف علتَ من شي‌ء ممّا قاولتَ من صداقٍ أو ضمنتَ من شي‌ء أو شرطتَ فذلك رضاً لي وهو لازم لي ، ولم يُشهدْ على ذلك ، فذهب فخطب وبذل عنه الصداق وغير ذلك ممّا طالبوه وسألوه ، فلمّا رجع إليه أنكر ذلك كلّه ، قال : « يغرم لها نصف الصداق عنه ، وذلك أنّه هو الذي ضيّع حقّها ، فلمّا أن لم يُشهدْ لها عليه بذلك الذي قال ، حلّ لها أن تتزوّج ، ولا تحلّ للأوّل فيما بينه وبين الله ، إلّا أن يطلّقها ، لأنّ الله تعالى يقول :( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) (١) فإن لم يفعل فإنّه مأثوم فيما بينه وبين الله تعالى ، وكان الحكم الظاهر حُكْمَ الإسلام قد أباح [ الله تعالى ](٢) لها أن تتزوّج »(٣) .

مسألة ٨١٦ : للأب أن يقبض صداق ابنته الصغيرة تحت حجره‌ ؛ لأنّه الوليّ عليها ، فكان له طلب حقّها أين كان.

ولو كانت كبيرةً فوكّلته بالقبض ، كان له ذلك أيضاً.

وإن لم توكّله ، لم تكن له المطالبة ؛ لزوال ولايته عنها بالبلوغ والرشد.

فإن أقبضه الزوج ، كان لها مطالبة الزوج بحقّها ، ويرجع الزوج على الأب بما قبضه منه ؛ لأنّ ذمّته لم تبرأ بدفع حقّها إلى غيرها وغير وكيلها ، ولم يقع القبض موقعه ، فكان للزوج الرجوعُ به.

ولو مات الأب ، كان له الرجوعُ به في تركته إن خلّف مالاً. ولو مات معسراً ، ضاع ماله ؛ لما رواه ابن أبي عمير عن غير واحدٍ من أصحابنا عن‌

____________________

(١) البقرة : ٢٢٩.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) الفقيه ٣ : ٤٩ / ١٦٩ ، التهذيب ٦ : ٢١٣ - ٢١٤ / ٥٠٤ بتفاوت يسير.

٢١٧

الصادق عليه‌السلام في رجلٍ قبض صداق ابنته من زوجها ثمّ مات هل لها أن تطالب زوجها بصداقها ، أو قبضُ أبيها قبضُها؟ فقالعليه‌السلام : « إن كانت وكّلته بقبض صداقها من زوجها فليس لها أن تطالبه ، وإن لم تكن وكّلته فلها ذلك ، ويرجع الزوج على ورثة أبيها بذلك ، إلّا أن تكون حينئذٍ صبيّةً في حجره ، فيجوز لأبيها أن يقبض عنها ، ومتى طلّقها قبل الدخول بها فلأبيها أن يعفو عن بعض الصداق ويأخذ بعضاً ، وليس له أن يدع كلّه ، وذلك قول الله عزّ وجلّ :( إِلّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ ) (١) يعني الأب والذي توكّله المرأة وتولّيه أمرها من أخ أو قرابة أو غيرهما »(٢) .

مسألة ٨١٧ : لو زوّجها الوليّ أو الوكيل وكانت قد دلّست نفسها وأخفت عيبها الذي يجب ردّ النكاح به ، فإذا ردّها الزوج ، كان له الرجوعُ عليها بالمهر ، ولا يغرم الوكيل شيئاً إذا لم يعلم حالها ؛ لعدم التفريط منه ، واستناد الغشّ إليها خاصّةً.

ولما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال في رجل ولّته امرأة أمرها إمّا ذات قرابة أو جارة له لا يعلم دخيلة أمرها ، فوجدها قد دلّست عيباً هو بها ، قال : « يؤخذ المهر منها ، ولا يكون على الذي زوّجها شي‌ء »(٣) .

مسألة ٨١٨ : لو قال رجل لآخَر : وكّلتَني أن أتزوّج لك فلانة بصداق كذا ، ففَعَلتُ ، وادّعت المرأة ذلك ، فأنكر الموكّل ، فالقول قوله.

فإن أقام الوكيل أو المرأة البيّنةَ ، وإلّا حلف المدّعى عليه عقد النكاح.

____________________

(١) البقرة : ٢٣٧.

(٢) الفقيه ٣ : ٥٠ - ٥١ / ١٧٢ ، التهذيب ٦ : ٢١٥ - ٢١٦ / ٥٠٧.

(٣) الكافي ٥ : ٤٠٧ / ١٠ ، الفقيه ٣ : ٥٠ / ١٧١ ، التهذيب ٦ : ٢١٦ / ٥٠٨.

٢١٨

وقال أحمد بن حنبل : لا يستحلف ؛ لأنّ الوكيل يدّعي حقّاً لغيره(١) .

هذا إن ادّعى الوكيل ، وإن ادّعته المرأة ، استحلف ؛ لأنّها تدّعي الصداق في ذمّته.

ونحن لـمّا أوجبنا نص ف المهر على الوكيل ، كان له إحلاف الموكّل.

وقال أحمد : لا يلزم الوكيل شي‌ء ؛ لأنّ دعوى المرأة على الموكّل ، وحقوق العقد لا تتعلّق بالوكيل(٢) .

وعنه رواية أُخرى : إنّه يلزمه نصف الصداق - كما قلناه - لأنّ الوكيل في الشراء ضامن [ للثمن و ](٣) للبائع مطالبته به ، كذا هنا(٤) .

أمّا لو ضمن الوكيل المهر ، فلها الرجوع عليه بنصفه ؛ لأنّه ضمنه للموكّل ، وهو مُقرٌّ بأنّه في ذمّته.

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي : لا يلزم الوكيل شي‌ء(٥) .

وقال محمّد بن الحسن : يلزم الوكيل جميع الصداق ؛ لأنّ الفرقة لم تقع بإنكاره ، فيكون ثابتاً في الباطن ، فيجب جميع الصداق(٦) .

واحتجّ أحمد بأنّه يملك الطلاق ، فإذا أنكر فقد أقرّ بتحريمها عليه ، فصار بمنزلة إيقاعه لما تحرم به(٧) .

إذا ثبت هذا ، فإنّ المرأة تتزوّج وإن لم يطلّق الموكّل ؛ لأنّه لم يثبت عقده.

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٢٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٤ - ٢٥٥.

(٢ و ٤) المغني ٥ : ٢٢٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٥.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٥ و ٦) المغني ٥ : ٢٢٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٥.

(٧) المغني ٥ : ٢٢٤ - ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٥.

٢١٩

وقال أحمد : لا تتزوّج حتى يطلّق ، لعلّه يكون كاذباً في إنكاره(١) .

قال أصحابه : ظاهر هذا تحريم نكاحها قبل طلاقها ؛ لأنّها معترفة بأنّها زوجة له ، فيؤخذ بإقرارها ، وإنكاره ليس بطلاقٍ(٢) .

وهل يلزم الموكّل طلاقها؟ الأقوى : الإلزام ؛ لإزالة الاحتمال ، وإزالة الضرر عنها بما لا ضرر عليه فيه ، فأشبه النكاح الفاسد.

ويحتمل عدم اللزوم ؛ لأنّه لم يثبت في حقّه نكاح ، ولو ثبت لم يكلَّف الطلاق.

مسألة ٨١٩ : لو ادّعى أنّ فلاناً الغائب وكّله في تزويج امرأةٍ فزوّجها منه ثمّ مات الغائب ، فإن صدّقه الورثة على التوكيل أو قامت له البيّنة به ، ورثت المرأة نصيبها من تركته. وإن لم تصدّقه الورثة ولا قامت البيّنة ، لم يكن لها ميراث ، ولها إحلاف الوارث إن ادّعت علمه بالتوكيل ، فإن حلف فلا ميراث ، وإلّا حلفت وأخذت.

ولو أقرّ الموكّل بالتوكيل في التزويج وأنكر أن يكون تزوّج له ، فهنا الاختلاف في تصرّف الوكيل ، وقد سبق(٣) .

فقيل : القول قول الموكّل مع اليمين ، وبه قال أبو حنيفة(٤) ، وهو المعتمد ؛ لأنّه مدّعٍ لما لا تتعذّر إقامة البيّنة عليه خصوصاً عند العامّة ؛ حيث إنّ البيّنة شرط في العقد عندهم(٥) ، فأشبه ما لو أنكر الموكّل الوكالة من‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٥.

(٢) المغني ٥ : ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٥ - ٢٥٦.

(٣) في ص ١٨٤ ، المسألة ٧٨٣.

(٤) المغني ٥ : ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٦.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٢٩ ، و ٥ : ٢٥٧ ، المغني ٥ : ٢٢٥ و ٧ : ٣٣٩ ، الشرح =

٢٢٠

أصلها.

وقال بعض الع امّة : القول قول الوكيل ، فيثبت التزويج هنا ؛ لأنّهما اختلفا في فعل الوكيل ما أُمر به ، فكان القولُ قولَه ، كما لو وكّله في بيع ثوبٍ فادّعى أنّه باعه(١) .

ولو غاب رجل فجاء آخَر إلى امرأته فذكر أنّ زوجها طلّقها وأبانها ووكّله في تجديد نكاحها بألف ، فأذنت في نكاحها ، فعقد عليها وضمن الوكيل الألف ، ثمّ جاء الزوج وأنكر ذلك كلّه ، فالقول قوله ، والنكاح الأوّل بحاله. ثمّ المرأة إن صدّقت الوكيل ، لزمه الألف ، إلّا أن يطلّقها زوجها قبل الدخول - وبه قال مالك وزفر(٢) - لأنّ الوكيل قد أقرّ بأنّ الحقّ في ذمّة المضمون عنه ، وأنّه ضامن عنه ، فلزمه ما أقرّ به ، كما لو ادّعى على رجل أنّه ضمن له ألفاً له على أجنبيّ ، فأقرّ الضامن بالضمان وصحّته وثبوت الحقّ في ذمّة المضمون [ عنه ] وأنكر المضمون عنه ، وكما لو ادّعى شفعةً على إنسانٍ في شقصٍ اشتراه ، فأقرّ البائع بالبيع وأنكر المشتري ، فإنّ الشفيع يستحقّ الشفعة.

وقال أبو حنيفة والشافعي : لا يلزم الضامن شي‌ء ؛ لأنّه فرع المضمون عنه ، والمضمون عنه لا يلزمه شي‌ء فكذا فرعه(٣) .

ولو لم تدّع المرأة صحّة ما ذكره الوكيل ، لم يكن عليه شي‌ء.

____________________

= الكبير ٥ : ٢٥٦ ، و ٧ : ٤٥٧ ، بداية المجتهد ٢ : ١٧ ، الحاوي الكبير ٩ : ٥٧ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٤١ ، الوسيط ٥ : ٥٣ ، الوجيز ٢ : ٤ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٥١٥ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٩١.

(١) المغني ٥ : ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٧.

(٢ و ٣) المغني ٥ : ٢٢٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٧.

٢٢١

ويحتمل أنّ مَنْ أسق ط عنه الضمان أسقطه في هذه الصورة ، ومَنْ أوجب أوجبه في الصورة الأُخرى.

مسألة ٨٢٠ : قد بيّنّا أنّه إذا اختلف الوكيل والموكّل - فقال الموكّل : أذنتُ لك في البيع نقداً أو في الشراء بخمسةٍ ، وقال الوكيل : بل أذنتَ لي في البيع نسيئةً وفي الشراء بعشرة - أنّ القولَ قولُ الموكّل مع يمينه ؛ لأصالة عدم الإذن ، وبه قال الشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي(١) .

وقال أحمد : القول قول الوكيل ؛ لأنّه أمينه في التصرّف ، فكان القولُ قولَه في صفته ، كالخيّاط إذا قال : أذنتَ لي في تفصيله قباءً ، فقال : بل قميصاً(٢) .

وكذا إذا قال : وكّلتُك في البيع بألفين ، فقال : بل بألف.

وقال مالك : إن أُدركت السلعة فالقول قول الموكّل ، وإن فاتت فالقول قول الوكيل ؛ لأنّها إذا فاتت لزم الوكيل الضمان ، والأصل عدمه ، بخلاف ما إذا كانت موجودةً(٣) .

والأوّل أصحّ ؛ لأنّه اختلاف في التوكيل الذي يدّعيه الوكيل ، والأصل عدمه ، فالقول قول مَنْ ينفيه ، كما لو لم يُقرّ الموكّل بتوكيله في غيره.

ولأنّهما اختلفا في صفة قول الموكّل ، فكان القولُ قولَه في صفة كلامه.

ولو قال الوكيل : اشتريتُ لك هذه الجارية بإذنك ، فقال الموكّل :

____________________

(١) مختصر المزني : ١١١ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥٤٤ - ٥٤٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٤ ، الوسيط ٣ : ٣٠٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٥٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٥ ، المغني ٥ : ٢٢٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٠ - ٢٥١ ، وانظر : الإقناع - لابن المنذر - : ٥٥٢.

(٢) الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٤٥ ، المغني ٥ : ٢٢٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥١.

(٣) المغني ٥ : ٢٢٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥١.

٢٢٢

ما أذنتُ لك إلّا في شراء غيرها ، أو قال : اشتريتُها لك بألفين ، فقال : ما أذنتُ لك إلاّ في شرائها بألف ، فالقول قول الموكّل مع اليمين ، فإذا حلف برئ من الشراء.

ثمّ إن كان الشراء بعين مال الموكّل ، بطل البيع ، وتُردّ الجارية على البائع. وإن كان في الذمّة وسمّاه أو نواه وصدّقه البائع ، فكذلك ، وإلّا وقع للوكيل.

ولو كذّبه البائع في أنّ الشراء لغيره أو بمال غيره بغير إذنه ، حلف البائع على عدم العلم ؛ لأنّ الأصل أنّ ما في يد الإنسان له ، وكان على الوكيل غرامةُ الثمن للموكّل ، ودَفْعُ الثمن إلى البائع ، وتبقى الجارية له(١) ، ولا تحلّ له ؛ لأنّه إن كان صادقاً فهي للموكّل ، وإن كان كاذباً فللبائع ، فإذا أراد استحلالها اشتراها ممّن هي له في الباطن ، فإن امتنع من بيعه إيّاها ، رفع الأمر إلى الحاكم ليثبت له الدَّيْن ظاهراً وباطناً ، ويصير له ما ثبت في ذمّته قصاصاً بالذي أخذ منه الآخَر ظلماً ، فإن امتنع الآخَر من البيع ، لم يُجبر على البيع ؛ لأنّه عقد مراضاة.

وإن قال له : إن كانت الجارية لي فقد بعتُكها ، أو قال الموكّل : إن كنتُ أذنتُ لك في الشراء فقد بعتُكها ، صحّ توصّلاً إلى الخلاص.

وللشافعيّة وجهان(٢) .

وكلّ موضعٍ كانت للموكّل في الباطن ، فإن امتنع من بيعها للوكيل ،

____________________

(١) الظاهر : « في يده » بدل « له ».

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٥٤٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٥ ، الوسيط ٣ : ٣٠٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٥٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٦.

٢٢٣

فقد حصلت في يد الوكيل ، وهي للموكّل ، وفي ذمّته للوكيل ثمنها ، فيأذن الحاكم في بيعها وتوفية حقّه من ثمنها ، فإن كانت للموكّل فقد باعها الحاكم في إيفاء دَيْنٍ امتنع المديون من إيفائه. وإن كانت للوكيل ، فقد أذن في بيعها.

مسألة ٨٢١ : إذا بعث المالك إلى المديون رسولاً ليقبض دَيْنه الذي له عليه‌ ، وكان الدَّيْن دراهم مثلاً ، فبعث معه ديناراً فضاع الدينار من الرسول ، فهو من مال الباعث ؛ لأنّه إنّما أمره بقبض دَيْنه وهو دراهم. فإذا دفع إليه ذهباً ، يكون قد صارفه من غير أمره ، وقد دفع المديون إلى الرسول غير ما أمر به المرسل ، والصَّرف شرطه رضا المتصارفين ، فصار الرسول وكيلاً للباعث في تأديته إلى صاحب الدَّيْن ومصارفته به ، فإذا تلف في يد وكيله كان من ضمانه.

ولو كان الرسول قد أخبر المديونَ بأنّ المالك قد أذن له في قبض الدينار عوضاً عن الدراهم ، كان من ضمان الرسول ؛ لأنّه غرّه ، وأخذ الدينار على أنّه وكيل.

ولو قبض الدراهم فضاعت ، كانت من ضمان صاحبها ؛ لأنّها تلفت في يد وكيله. ولو قبض أزيد ممّا أمره بقبضه ثمّ تلف الجميع ، فالضمان في الأصل على صاحب الدراهم ، وفي الزائد على الباعث ، حيث دفع إلى مَنْ لم يؤمر بالدفع إليه ، ويرجع الباعث على الرسول ؛ لأنّه غرّه ، وحصل التلف في يده ، فاستقرّ الضمان عليه للموكّل ، وللموكّل أن يضمن الوكيل ؛ لأنّه تعدّى بقبض ما لم يؤمر بقبضه ، فإذا ضمنه لم يرجع على أحدٍ ؛ لأنّ التلف حصل في يده ، فاستقرّ الضمان عليه.

مسألة ٨٢٢ : لو وكّله في قبض دَيْنه وغاب ، فأخذ الوكيل به رهناً‌

٢٢٤

فتلف الرهن في يد الوكيل ، فقد أساء الوكيل بقبض الرهن وأخذه حيث لم يأمره المالك ، ولا ضمان عليه في الرهن ؛ لأنّه رهن فاسد ، والقبض في العقد الفاسد كالقبض في الصحيح ، فكلّ قبضٍ صحيح كان مضموناً فالفاسد فيه يكون مضموناً ، وما لا يكون صحيحه مضموناً لا يكون فاسده مضموناً ، والرهن الفاسد كالصحيح في عدم الضمان بقبضه.

ولو دفع إليه دراهم ليشتري بها سلعةً فخلطها مع دراهمه فضاعا معاً ، ضمن. وإن ضاع أحدهما ، فكذلك ؛ لأنّه فرّط بالمزج.

وقال بعض العامّة : إن ضاعا معاً ، فلا شي‌ء عليه. وإن ضاع أحدهما أيّهما ضاع ، غرمه(١) .

وهذا كلام غير محصّل ، وكيف جعل ضياع مال الاثنين شرطاً في زوال الضمان عنه!؟

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٣١ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٦٠ - ٢٦١.

٢٢٥

الفصل السادس : فيما به تثبت الوكالة‌

مسألة ٨٢٣ : تثبت الوكالة بإقرار الموكّل على نفسه بأنّه وكّله ، وبشهادة عَدْلين ذكرين ، ولا تثبت بشهادة رجلٍ وامرأتين ، ولا بشهادة رجلٍ ويمين ، عند علمائنا أجمع ، سواء كانت الوكالة بمالٍ أو لا - وبه قال الشافعي(١) - لأنّ الوكالة إثبات للتصرّف ، فلا تثبت إلّا بشاهدَيْن ، كالوصيّة.

وقال أحمد في إحدى الروايتين : إنّه تُقبل في الوكالة بالمال شهادة رجلٍ وامرأتين وشهادة رجلٍ ويمين(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّها شهادة بولايةٍ ، فلا تُقبل إلّا برجلين.

ويفارق ما إذا ادّعى أنّه أوصى له بكذا ، فإنّه يُقبل فيه شاهد وامرأتان ، وشاهد ويمين ؛ لأنّ المقصود فيه إثبات المال ، دون التصرّف.

مسألة ٨٢٤ : يشترط بقاء شهادة الشاهدَيْن على الوكالة ، فلو شهد أحدهما أنّه وكّله ثمّ شهد الآخَر أنّه وكّله ثمّ عزله ، لم تثبت الوكالة بهذه الشهادة ؛ لأنّ أحدهما لم يُثبت وكالته في الحال.

ولو شهدا له بالوكالة مطلقاً ثمّ عاد أحدهما قبل الحكم بها ، فقال : قد‌

____________________

(١) الأُم ٧ : ٤٨ ، الحاوي الكبير ١٧ : ٨ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٣٤ ، بحر المذهب ٨ : ٢١٥ ، و ١٢ : ١٣٣ ، الوجيز ٢ : ٢٥٢ ، الوسيط ٧ : ٣٦٥ - ٣٦٦ ، حلية العلماء ٨ : ٢٧٦ ، التهذيب - للبغوي - ٨ : ٢١٨ ، البيان ٦ : ٤٠٣ ، و ١٣ : ٣٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ١٣ : ٤٨ ، روضة الطالبين ٨ : ٢٢٦ ، المغني ٥ : ٢٦٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٦٤.

(٢) المغني ٥ : ٢٦٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٦٤.

٢٢٦

عزله بعد التوكيل ، لم يحكم بالشهادة ؛ لأنّه رجوع عن الشهادة قبل الحكم ، فلا يصحّ للحاكم الحكم بما رجع عنه.

وقال بعض الشافعيّة : إنّه [ لا ](١) يُقبل ؛ لأنّه رجوع عن الشهادة ، فأشبه ما إذا كان بعد الحكم(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّه إذا رجع بعد الحكم ، فقد نفذ الحكم بالشهادة. وإذا كان قبل الحكم ، لا يمكن الحكم بشهادةٍ مرجوعٍ عنها.

فأمّا إذا حكم بذلك ثمّ قالا أو أحدهما : إنّه عزله بعد ما وكّله ، فإن كان ذلك رجوعاً عن الشهادة لم يُقبل.

وكذا لو شهد الشاهدان بالوكالة ثمّ شهد ثالث غيرهما بالعزل ، لم يثبت العزل بشهادة واحدٍ ؛ لأنّ العزل إنّما يثبت بما يثبت به التوكيل.

ولو شهد الشاهدان بالوكالة ثمّ شهدا معاً بالعزل ، تمّت الشهادة في العزل كتمامها في التوكيل.

مسألة ٨٢٥ : من شرط قبول الشهادة اتّفاق الشاهدَيْن على الفعل الواحد ، فلو شهد أحدهما أنّه وكّله يوم الجمعة ، وشهد الآخَر أنّه وكّله يوم السبت ، لم تتمّ(٣) البيّنة ؛ لأنّ التوكيل يوم الجمعة غير التوكيل يوم السبت ، فلم تكمل شهادتهما على فعلٍ واحد.

ولو شهد أحدهما أنّه أقرّ بتوكيله يوم الجمعة ، وشهد الآخَر أنّه أقرّ به يوم السبت ، تثبت الشهادة ؛ لأنّ الإقرارين إخبار عن عقدٍ واحد ، ويشقّ جمع الشهود على إقرارٍ واحد ليقرّ عندهم في حالةٍ واحدة ، فجُوّز له الإقرار‌

____________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق وكما هو في حلية العلماء.

(٢) بحر المذهب ٨ : ٢١٥ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٩ ، البيان ٦ : ٤٠٣.

(٣) في « ث ، خ ، ر » : « لم تثبت ».

٢٢٧

عند كلّ واحدٍ وحده رخصةً للمُقرّ.

وكذا لو شهد أحدهما أنّه أقرّ عنده بالوكالة بالعربيّة ، وشهد الآخَر أنّه أقرّ بها بالعجميّة ، تثبت الوكالة.

ولو شهد أحدهما أنّه وكّله بالعربيّة ، وشهد الآخَر أنّه وكّله بالعجميّة ، لم تثبت ؛ لأنّ الإنشاء هنا متعدّد لم يشهد بأحدهما شاهدان(١) .

وكذا لو شهد أحدهما أنّه قال : وكّلتُك ، وشهد الآخَر أنّه قال : أذنتُ لك في التصرّف ، أو قال : جعلتُك وكيلاً ، أو شهد أنّه قال : جعلتُك جريّاً ، أي وكيلاً(٢) ، لم تتمّ الشهادة ؛ لاختلاف اللفظ.

ولو شهد أحدهما أنّه وكّله وشهد الآخَر أنّه أذن له في التصرّف ، تمّت الشهادة ؛ لأنّهما لم يحكيا لفظ الموكّل ، وإنّما عبّرا عنه بلفظهما ، واختلاف لفظهما لا يؤثّر إذا اتّفق معناه.

ولو قال أحدهما : أشهد أنّه أقرّ عندي أنّه وكيله ، وشهد الآخَر أنّه وكّله ، لم تثبت الوكالة ؛ لأنّ الإقرار غير الإنشاء ، وكلّ واحدٍ لم تكمل شهادته.

ولو قال أحدهما : أشهد أنّه أقرّ عندي أنّه وكيله ، وقال الآخَر : أشهد أنّه أقرّ أنّه جريُّه ، أو أنّه أوصى إليه بالتصرّف في حياته ، تثبت الوكالة بذلك ؛ لأنّهما أخبرا بلفظهما.

ولو شهدا على الإنشاء لكن شهد أحدهما أنّه وكّله في بيع عبده ، وشهد الآخَر أنّه وكّله وزيداً ، أو أشهد أنّه وكّله في بيعه وقال : لا تبعه حتى تستأمرني أو تستأمر فلاناً ، لم تتم الشهادة ؛ لأنّ الأوّل أثبت استقلاله بالبيع من‌

____________________

(١) في « ث ، خ » : « الشاهدان ».

(٢) لسان العرب ١٤ : ١٤٢ « جرا ».

٢٢٨

غير شرطٍ ، والثاني ينفي ذلك ، فاختلفت الشهادة.

أمّا لو شهد أحدهما أنّه وكّله في بيع عبده وشهد الآخَر أنّه وكّله في بيع عبده وجاريته ، حُكم بالوكالة في العبد ؛ لاتّفاقهما عليه ، وزيادة الثاني لا تقدح في تصرّفه في الأوّل ولا تضرّ.

وهكذا لو شهد أحدهما أنّه وكّله في بيعه لزيدٍ وشهد الآخَر أنّه وكّله في بيعه لزيدٍ وإن شاء لعمرو ، على إشكالٍ.

مسألة ٨٢٦ : لا تثبت الوكالة والعزل بشهادة واحدٍ ولا بخبره‌ ، عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي وأحمد(١) - لأنّه حقٌّ ماليّ ، فلا يثبت بخبر الواحد ولا بشهادته ، كالبيع.

وقال أبو حنيفة : تثبت الوكالة بخبر الواحد وإن لم يكن ثقةً ، ويجوز التصرّف للمُخبر بذلك إذا غلب على ظنّه صدق المُخبر بشرط الضمان إن أنكر الموكّل. ويثبت العزل بخبر الواحد إذا كان رسولاً ؛ لأنّ اعتبار شاهدَيْن عَدْلين في هذا مشِقٌّ ، فسقط اعتباره [ و ](٢) لأنّه أذن في التصرّف ومنع منه ، فلم يعتبر في هذا شرط الشهادة ، كاستخدام غلامه وإسلام عبده(٣) .

وهو غلط ؛ لأنّ العقد لا يثبت بشاهدٍ واحد ، بخلاف الاستخدام وإسلام العبد ؛ لأنّه ليس بعقدٍ.

ولو شهد اثنان أنّ فلاناً الغائب وكّل فلاناً الحاضر ، فقال الوكيل : ما علمتُ هذا وأنا أتصرّف عنه ، ثبتت الوكالة ؛ لأنّ معنى ذلك أنّي لم أعلم إلى الآن ، وقبول الوكالة يجوز متراخياً ، وليس من شرط التوكيل حضور‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٦٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٦٦ ، وراجع الهامش (١) من ص ٢٢٥.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) المغني ٥ : ٢٦٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٦٦.

٢٢٩

الوكيل ولا علمه ، و لا يضرّ جهله به.

ولو قال : ما أعلم صدق الشاهدَيْن ، لم تثبت وكالته ؛ لقدحه في شهادتهما ، على إشكالٍ أقربه ذلك إن طعن في الشهود ، وإلاّ فلا ؛ لأنّ الاعتبار بالسماع عند الحاكم ، وجهله بالعدالة مع علم الحاكم بها إمّا بنفسه أو بالتزكية لا يضرّ في ثبوت حقّه.

مسألة ٨٢٧ : يصحّ سماع البيّنة بالوكالة على الغائب ، وهو أن يدّعي أنّ فلاناً الغائب وكّلني في كذا ، عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي(١) - لأنّه لا يعتبر رضاه في سماع البيّنة ، فلا يعتبر حضوره كغيره.

وقال أبو حنيفة : لا يصحّ(٢) .

وإذا قال له مَنْ عليه الحقّ : إنّك لا تستحقّ مطالبتي ، أو لستَ بوكيلٍ ، لم تُسمع دعواه ؛ لأنّ ذلك طعن في الشهادة. ولو طلب منه الحلف على استحقاق المطالبة ، لم يُسمع كذلك.

ولو قال : قد عزلك الموكّل فاحلف أنّه ما عزلك ، لم يستحلف ؛ لأنّ الدعوى على الموكّل ، واليمين لا تدخلها النيابة.

ويحتمل الحلف ؛ لأنّه يدّعي عليه استحقاق المطالبة ، فيحلف على نفي العلم.

ولو قال له : أنت تعلم أنّ موكّلك قد عزلك ، سُمعت دعواه.

وإن طلب اليمين من الوكيل ، حلف أنّه لا يعلم أنّ موكّله عزله ؛ لأنّ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٢ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٦٧ ، روضة القُضاة ١ : ١٩٠ / ٧٥٢ ، و ٢ : ٦٥٥ / ٣٧٠٩.

(٢) روضة القُضاة ١ : ١٩٠ / ٧٤٩ ، و ٢ : ٦٥٥ / ٣٧٠٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٢ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٦٧.

٢٣٠

الدعوى عليه.

وإن أقام الخصم بيّنةً بالعزل ، سُمعت ، وانعزل الوكيل.

مسألة ٨٢٨ : تُقبل شهادة الوكيل على موكّله وله فيما ليس بوكيلٍ فيه‌ ، ولا تُقبل لموكّله فيما هو وكيل فيه ؛ لأنّه يُثبت لنفسه حقّاً.

ولو شهد بما كان وكيلاً فيه بعد عزله ، فإن لم يكن قد خاصم قُبلت ، وإلّا فلا ، وبه قال أبو حنيفة(١) .

وقال أبو يوسف ومحمّد وأحمد بن حنبل : لا تُقبل شهادته ، سواء خاصم أو لا ؛ لأنّه بعقد الوكالة صار خصماً فيه ، فلم تُقبل شهادته فيه ، كما لو خاصم فيه ، بخلاف ما إذا لم يكن وكيلاً ، فإنّه لم يكن خصماً فيه(٢) .

وهو خطأ ؛ لأنّ الوكيل بعد عزله كالأجنبيّ ، بل ربما كان متّهماً في حقّ موكّله.

مسألة ٨٢٩ : لو كانت الأمة بين اثنين فشهدا لزيدٍ أنّ زوجها وكّله في طلاقها ، لم تُسمع شهادتهما ؛ لأنّهما يجرّان إلى أنفسهما نفعاً ، وهو زوال حقّ الزوج من البُضْع الذي هو ملكهما.

ولو شهدا بعزل الوكيل في الطلاق ، لم تُقبل شهادتهما ؛ لأنّهما يجرّان إلى أنفسهما نفعاً ، وهو إبقاء النفقة على الزوج.

وتُقبل شهادة ولدي الرجل له بالوكالة وشهادة أبويه ، خلافاً للعامّة(٣) .

____________________

(١) المحيط البرهاني ٨ : ٤٤٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٤ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٦٨.

(٢) المحيط البرهاني ٨ : ٤٤٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٩ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٦٨.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٢١٧ ، البيان ٦ : ٤٠٤ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٦٨.

٢٣١

وتُقبل شهادة ابني ا لموكّل وأبويه بالوكالة ، وبه قال بعض الشافعيّة(١) .

أمّا عندنا : فلأنّه تُقبل شهادة الولد لوالده ، وبالعكس.

وأمّا عنده : فلأنّ هذا حقٌّ على الموكّل يستحقّ به الوكيل المطالبة ، فقُبلت فيه شهادة قرابة الموكّل ، كالإقرار(٢) .

ونحن متى فُرضت الشهادة على الأب منعنا قبولها.

وقال أحمد بن حنبل : لا تُقبل ؛ لأنّها شهادة يثبت فيها حقٌّ لأبيه أو ابنه ، فلم تُقبل - كشهادة(٣) ابني الوكيل وأبويه - لأنّهما يُثبتان لأبيهما نائباً متصرّفاً له ، وفارق الشهادة عليه بالإقرار ؛ فإنّها شهادة عليه متمحّضة(٤) .

والأقرب : إنّه إن كانت الشهادة على الأب ، لم تُسمع. وإن كانت له أو على الولد أو للولد ، سُمعت.

ولو ادّعى الوكيل الوكالةَ ، فأنكرها الموكّل ، فشهد عليه ابناه ، لم تثبت عندنا ؛ لأنّه لا تُقبل شهادة الولد على والده ، خلافاً للعامّة(٥) .

ولو شهد عليه أبواه ، قُبلت عندنا وعندهم(٦) .

وإن ادّعى الموكّل أنّه تصرّف بوكالته ، وأنكر الوكيل ، فشهد عليه ابناه ، لم تُقبل. فإن شهد أبواه سُمعت.

وإن ادّعى وكيل لموكّله الغائب حقّاً وطالَب به ، فادّعى الخصم أنّ الموكّل عزله وشهد له بذلك ابنا الموكّل ، لم تُقبل إن كانت شهادة عليه.

____________________

(١ و ٢) بحر المذهب ٨ : ٢١٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٥٠ ، البيان ٦ : ٤٠٤ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٦٨.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « شهادة ». والمثبت كما في المصدر.

(٤) المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٦٨ - ٢٦٩.

(٥ و ٦) بحر المذهب ٨ : ٢١٧ ، البيان ٦ : ٤٠٤ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٦٩.

٢٣٢

وقال الجمهور : تُسمع ، ويثبت العزل ؛ لأنّهما يشهدان على أبيهما(١) .

وإن لم يدّع الخصم عزله ، لم تُسمع شهادتهما ؛ لأنّهما يشهدان لمن لا يدّعيها.

فإن قبض الوكيل فادّعى [ الموكّل ](٢) أنّه كان قد عزل الوكيل وأنّ حقّه باقٍ في ذمّة الغريم ، وشهد له ابناه ، قُبلت ؛ لأنّهما يثبتان حقّاً لأبيهما ، خلافاً للعامّة(٣) .

ولو ادّعى مكاتَبٌ الوكالةَ فشهد له سيّده ، لم تُقبل.

ولو شهد له ابنا سيّده أو أبواه ، قُبلت عندنا ، خلافاً للعامّة(٤) .

ولو أُعتق العبد وأعاد السيّد الشهادةَ ، احتُمل عدمُ القبول ؛ لأنّها رُدّت للتهمة. والقبولُ ؛ لأنّها رُدّت للملك ، لا للتهمة وقد زال المانع.

وللشافعيّة قولان(٥) .

مسألة ٨٣٠ : لو حضر رجل وادّعى على غائبٍ مالاً في وجه وكيله ، فأنكره‌ ، فأقام بيّنةً بما ادّعاه ، حلّفه الحاكم ، وحكم له بالمال ، فإذا حضر الموكّل وجحد الوكالةَ ، أو ادّعى أنّه كان قد عزله ، لم يؤثّر ذلك في الحكم ؛ لأنّ القضاء على الغائب لا يفتقر إلى حضور وكيله.

ولو قال له : بِعْ هذا الثوب بعشرة ، فما زاد عليها فهو لك ، فمال الجعالة هنا مجهول ، فيبطل المسمّى ، ويثبت له أُجرة المثل ، ولا يلزم‌

____________________

(١) المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٦٩.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٣) المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٦٩.

(٤) بحر المذهب ٨ : ٢١٧ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٦٩.

(٥) بحر المذهب ٨ : ٢١٧ ، البيان ١٣ : ٢٩٧ - ٢٩٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٥٠.

٢٣٣

ما عيّنه له ، وبه ق ال الشافعي(١) .

وقال أحمد : يصحّ ، ويكون للمأمور الزائدُ ؛ لأنّ ابن عباس كان لا يرى بذلك بأساً. ولأنّه يتصرّف في ماله بإذنه ، فصحّ شرط الربح له ، كالمضارب والعامل في المساقاة(٢) .

والفرق : تعذّر تعيين الأُجرة في المضارب والمساقي ، بخلاف الدلالة.

مسألة ٨٣١ : لو ادّعى الوكالة على الغائب وأقام شاهدَيْن وثبتت عند الحاكم وثبت الحقّ لموكّله‌ ، فادّعى مَنْ عليه الحقّ أنّ الموكّل أبرأه من الحقّ أو قضاه ولم يدّع علم الوكيل بذلك ، لم تُسمع منه هذه الدعوى ؛ لأنّ سماع هذه الدعوى يؤدّي إلى إبطال الوكالة في استيفاء حقّ الغائب ، لأنّه متى ادّعى ذلك مَنْ عليه الحقُّ وسُمعت منه ، وقفت المطالبة بالحقّ إلى حضور الموكّل ويمينه ، فتقف بذلك الحقوقُ ، فيقال له : ادفع الحقّ الذي عليك ، وتقف دعواك إلى حضور الموكّل ويمينه.

وإن ادّعى علم الوكيل بذلك ، سُمعت دعواه ، وسأله عن ذلك ، فإن صدّقه بطلت وكالته ، وسقطت مطالبته. وإن أنكر ، حلف على ذلك ، وبه قال الشافعي وزفر(٣) .

وقال أبو حنيفة وصاحباه : لا يحلف ؛ لأنّ هذه اليمين متوجّهة على الموكّل ، فلا ينوب فيها الوكيل(٤) .

وليس بصحيح ؛ لأنّه ليس بنائبٍ عن الموكّل ؛ لأنّ إقراره بذلك‌

____________________

(١ و ٢) المغني ٥ : ٢٧٠.

(٣ و ٤) حلية العلماء ٥ : ١٥١.

٢٣٤

لا يثبت به حقٌّ على الموكّل عندنا ، فلا تسقط(١) بيمينه الدعوى.

ويدلّ على قولنا أنّه لو أقرّ الوكيل بذلك ، سقطت مطالبته ، فإذا أنكر توجّهت عليه اليمين ، كصاحب الحقّ.

* * *

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة : « ولا تسقط ».

٢٣٥

المقصد السابع : في الإقرار‌

وفيه فصول :

الفصل الأوّل : في ماهيّته ومشروعيّته‌

نريد أن نبحث في هذا الفصل عن جميع ما يتعلّق بالإقرار ، ولا شكّ في أنّه متعلّق بمُقِرٍّ ومُقَرٍّ له ومُقَرٍّ به ، وصيغةٍ تترتّب عليها المؤاخذة. وهذه الأربعة هي أركان الإقرار.

ثمّ الـمُقَرّ به قد يكون مالاً ، وقد يكون غيره ، وعلى التقديرين فالمستعمل فيه قد يكون مفصّلاً ، وقد يكون مجملاً ، وعلى كلّ تقديرٍ فقد يُعقَّب الإقرار بما ينافيه(١) وقد لا يُعقَّب.

وإذا لم يكن الـمُقَرّ به مالاً ، فقد يكون عقوبةً من قصاصٍ أو حدٍّ ، وقد يكون نسباً وغيره. ثمّ قد يحصل بحيث يكون من لواحق ذلك ، فالفصول خمسة.

الإقرار : الإثبات ، من قولك : قرّ الشي‌ء يقرّ وأقررته وقرّرته إذا أفدته القرار ، ولم يُسمّ ما يشرع فيه إقراراً من حيث إنّه افتتاح إثباتٍ ، ولكن لأنّه إخبار عن ثبوتٍ ووجوبٍ سابق.

وهو إخبار عن حقٍّ سابق.

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « يرفعه » بدل « ينافيه ».

٢٣٦

وهو معتبر بالكتاب و السنّة والإجماع.

أمّا الكتاب : فقوله تعالى :( وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ ) إلى قوله :( ءأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا ) (١) الآية.

وقوله تعالى :( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ ) (٢) .

وقوله تعالى :( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ) (٣) .

وقوله تعالى :( كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ ) (٤) .

قال المفسّرون : شهادة المرء على نفسه إقراره(٥) .

والآيات في ذلك كثيرة في القرآن العزيز.

وأمّا السنّة : فما روي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه أقرّ ماعز عنده بالزنا ، فرجمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٦) .

وكذلك الغامديّة ، وقال : « اغْدُ يا أُنيس على امرأة هذا ، فإن اعترفت فارجمها »(٧) والاعتراف هو الإقرار.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « قُولوا الحقّ ولو على أنفسكم »(٨) .

وأمّا الإجماع : فقد أجمعت الأُمّة كافّةً على صحّة الإقرار.

____________________

(١) آل عمران : ٨١.

(٢) التوبة : ١٠٢.

(٣) الأعراف : ١٧٢.

(٤) النساء : ١٣٥.

(٥) جامع البيان ( تفسير الطبري ) ٥ : ٢٠٦ ، الكشّاف ١ : ٥٧٠ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ٢ : ٢٨٤ ، النكت والعيون ١ : ٥٣٥.

(٦) تقدّم تخريجه في ص ٤٦ ، الهامش (١)

(٧) تقدّم تخريجه في ص ٤٦ ، الهامش (٢)

(٨) أورده الغزالي في الوسيط ٣ : ٣١٧ ، والرافعي في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٣.

٢٣٧

ولأنّ الإقرار إخبار على وجهٍ ينفي عنه التهمة والريبة ؛ لأنّ العاقل لا يكذب على نفسه فيما يضرّ بها ، ولهذا كان آكد من الشهادة ؛ لأنّ المدّعى عليه إذا اعترف لم تُسمع عليه الشهادة ، وإنّما الشهادة يحتاج إليها إذا أنكر. ولو كذّب المدّعي بيّنته ، لم تُسمع. وإن كذب المُقرّ ثمّ صدّقه ، سُمع.

* * *

٢٣٨

٢٣٩

الفصل الثاني : في أركانه‌

وهي أربعة ؛ لأنّ الإقرار إنّما يتمّ بالصيغة والـمُقرّ والـمُقَرّ له والمقَرّ به ، فهنا مباحث :

البحث الأوّل : في الصيغة

مسألة ٨٣٢ : الصيغة هي اللفظ الدالّ على الإخبار بحقٍّ واجب ، كقوله : له علَيَّ ، أو : عندي ، أو : في ذمّتي.

ويشترط فيها التنجيز والجزم بالحكم.

فإذا قال : عَلَيَّ لفلان كذا ، فهو صيغة إقرارٍ.

وكذا : « لفلان علَيَّ ، أو : في ذمّتي » إقرار بالدَّيْن ظاهراً.

وقوله : « عندي ، أو : معي » إقرار بالعين.

ولو قال له : قِبَلي ألف ، فهو دَيْن.

ويحتمل أن يصلح للدَّيْن والعين معاً.

ولو علّق إقراره على الشرط ، لم يصح ، وكان لاغياً.

مسألة ٨٣٣ : إذا قال لغيره : لي عليك ألف ، فقال في الجواب : زِنْ ، أو خُذْ ، لم يكن إقرارا ؛ لأنّه لم توجد منه صيغة التزامٍ ، وقد يذكر مثل ذلك مَنْ يستهزئ ويبالغ في الجحود.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501