تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

تذكرة الفقهاء11%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: 501

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 181067 / تحميل: 5859
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٦-١
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

١٨ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن جمهور ، عن حماد بن عيسى ، عن عبد الله بن جندب قال سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن قول الله عز وجل : «وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ »(١) قال إمام إلى إمام

حتى أن لو كان من قبلكم دخل حجر ضب لدخلتموه ، قالوا : اليهود والنصارى تعني يا رسول الله؟ قال : فمن أعني لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة ، فيكون أول ما تنقضون من دينكم الأمانة وآخر الصلاة.

ويحتمل أن يكون المراد تطابق أحوال خلفاء الجور في الشدة والفساد ، قال البيضاوي «طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ » ، أي حالا بعد حال مطابقة لأختها في الشدة أو مراتب الشدة بعد المراتب.

الحديث الثامن عشر : ضعيف.

«وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ » قال الطبرسي (ره) : أي فصلنا لهم القول وبينا عن ابن عباس ، ومعناه آتينا بآية بعد آية ، وبيان بعد بيان وأخبرناهم بأخبار المهلكين من أممهم «لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ » ، أي ليتذكروا أو يتفكروا فيعلموا الحق ويتفطنوا ، وقال البيضاوي : أي أتبعنا بعضه بعضا في الإنزال ليتصل التذكير أو في النظم ، ليتقرر الدعوة بالحجة والمواعظ بالمواعيد ، والنصائح بالعبر.

وأقول : على تأويلهعليه‌السلام يحتمل وجهين : الأول : أن يكون المعنى قول إمام في حق إمام آخر ، ونصه عليه ، فقوله : إلى إمام ، يعني مفوضا أمره إلى إمام آخر والثاني : أن يكون المراد بالقول الحكم والأحكام والمعارف ، أي وصلناها لهم بنصب إمام بعد إمام ، فالمعنى موصلا إلى إمام من لدن آدم إلى انقراض الدنيا ، فيكون مناسبا لما مر من قصص الأنبياءعليهم‌السلام ، ويؤيده ما رواه علي بن إبراهيم بسند آخر عنهعليه‌السلام وفيه قال : إمام بعد إمام.

ويحتمل أن يكون المراد بالقول القول بالإمامة أي كلما مضى إمام لا بد لهم من القول بإمامة إمام آخر ، أو المراد قوله تعالى : «إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً »(٢)

__________________

(١) سورة القصص : ٥٠.

(٢) سورة البقرة : ٣٠.

٢١

١٩ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن محمد بن النعمان ، عن سلام ، عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله تعالى : «قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا »(١) قال إنما عنى بذلك علياعليه‌السلام وفاطمة والحسن والحسين وجرت بعدهم في الأئمةعليهم‌السلام ثم يرجع القول من الله في الناس فقال «فَإِنْ آمَنُوا » يعني الناس

أي هذا الوعد والتقدير متصل إلى آخر الدهر.

الحديث التاسع عشر : مجهول.

« في قوله تعالى » الآية في سورة البقرة هكذا : «وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ،قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ، فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ » وذكر المفسرون أن الخطاب في قوله : «قُولُوا » للمؤمنينلقوله : فإن آمنوا بمثل آمنتم به ، وضمير آمنوا لليهود والنصارى «بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ » قال البيضاوي : من باب التعجيز والتبكيت كقوله تعالى : «فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ »(٢) إذ لا مثل لما آمن به المسلمون ، ولا دين كدين الإسلام ، وقيل : الباء للآلة دون التعدية ، والمعنى أن تحروا الإيمان بطريق يهدي إلى الحق مثل طريقكم ، فإن وحدة المقصد لا تأتي بطرق متعددة أو مزيدة للتأكيد كقوله : «وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها »(٣) والمعنى فإن آمنوا بالله إيمانا مثل أيمانكم أو المثل مقحم كما في قوله : «وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ »(٤) أي عليه «وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ » أي إن أعرضوا من الإيمان أو عما تقولون لهم فما هم إلا في شقاق الحق ، وهي المناواة والمخالفة ، فإن كل واحد من المتخالفين في شق غير شق الآخر ، انتهى.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٣٦.

(٢) سورة البقرة : ٢٣.

(٣) سورة الشورى : ٤٠.

(٤) سورة الأحقاف : ١٠.

٢٢

«بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ » يعني عليا وفاطمة والحسن والحسين والأئمةعليهم‌السلام «فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ ».

٢٠ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن مثنى ، عن عبد الله بن عجلان ، عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله تعالى : «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ

وتأويلهعليه‌السلام يرجع إلى ذلك لكن خص الخطاب بكل المؤمنين الموجودين في ذلك الزمان ، ثم من كان بعدهم من أمثالهم كما في سائر الأوامر المتوجهين إلى الموجودين في زمن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشاملة لمن وجد بعدهم وهو أظهر من توجه الخطاب إلى جميع المؤمنين ، لقوله : «وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا » لأن الإنزال ابتداء حقيقة على من كان في بيت الوحي وأمر بتبليغه ، ولأنه قرن بما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وسائر النبيين ، فكما أن المنزل إليهم في قرينه هم النبيون والمرسلون ، ينبغي أن يكون المنزل إليهم أولا أمثالهم وأضرابهم من الأوصياء والصديقين ، فضمير آمنوا راجع إلى سائر الناس غيرهم من أهل الكتاب وقريش وغيرهم ، فظهر أن ما ذكرهعليه‌السلام أظهر مما ذكره المفسرون.

والظاهر أن المشار إليه بذلك الخطاب بقوله : قولوا وإن سقط من الخبر ، لما رواه العياشي بإسناده عن المفضل بن صالح عن بعض أصحابه في قوله : قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم ، الآية ، أما قوله : قولوا فهم آل محمدعليهم‌السلام لقوله فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا ، وعلى ما في هذه الرواية يحتمل أن يكون المراد إنما عنى بضميري آمنا وإلينا والمآل واحد ، ثم على تفسيرهعليه‌السلام يدل على إمامتهم وجلالتهمعليهم‌السلام ، وكون المعيار في الاهتداء متابعتهم في العقائد والأعمال والأقوال ، وأن من خالفهم في شيء من ذلك فهو شقاق ونفاق.

الحديث العشرون : ضعيف على المشهور.

«إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ » أي أحق الناس بالانتساب به وكونه على ملته

٢٣

اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا »(١) قال هم الأئمةعليهم‌السلام ومن اتبعهم.

٢١ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن ابن أذينة ، عن مالك الجهني قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام قوله عز وجل : «وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ »(٢) قال من بلغ أن يكون إماما من

الحنيفية ومتابعته في التوحيد الخالص ، وقال الطبرسي (ره) أي أحق الناس بنصرة إبراهيم بالحجة أو بالمعونة للذين اتبعوه في وقته وزمانه ، وتولوه بالنصرة على عدوه حتى ظهر أمره وعلت كلمته «وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا » يتولون نصرته بالحجة لما كان عليه من الحق وتنزيه كل عيب عنه ، أي هم الذين ينبغي أن يقولوا إنا على دين إبراهيم ولهم ولايته «وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ » لأنه يتولى نصرتهم وإنما أفرد الله النبي بالذكر تعظيما لأمره وإجلالا لقدره ، وفي الآية دلالة على أن الولاية تثبت بالدين لا بالنسب ، ويعضد ذلك قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : إن أولى الناس بالأنبياء أعلمهم ، بما جاءوا به ، ثم تلا هذه الآية فقال : إن ولي محمد من أطاع الله وإن بعدت لحمته(٣) وإن عدو محمد من عصى الله وإن قربت قرابته ، انتهى.

وقال البيضاوي «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ » ، أي أخصهم به وأقربهم منه من الولي وهو القرب «لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ » من أمته «وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا » لموافقتهم له في أكثر ما شرع لهم على الأصالة ، وقرئ وهذا النبي بالنصب عطفا على الهاء في اتبعوه ، وبالجر عطفا على إبراهيم ، انتهى.

قوله عليه‌السلام : هم الأئمة ومن اتبعهم ، لا ريب في أن المؤمن لا يطلق إلا عليهم وعلى من اتبعهم وسائر الفرق منافقون بل مشركون.

الحديث الحادي والعشرون : كالسابق.

«وَمَنْ بَلَغَ » أكثر المفسرين جعلوه معطوفا على ضمير المخاطب فيقوله : «لِأُنْذِرَكُمْ » ووجهوا الخطاب إلى الحاضرين أو الموجودين ، وفسروا من بلغ بمن

__________________

(١) سورة آل عمران : ٦٧.

(٢) سورة الأنعام : ١٨.

(٣) اللُحمة ـ بضمّ اللام وسكون الحاء ـ : القرابة.

٢٤

آل محمد فهو ينذر بالقرآن كما أنذر به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن مفضل بن صالح ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول الله عز وجل : «وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً »(١) قال عهدنا إليه في محمد والأئمة من بعده فترك ولم يكن له عزم أنهم هكذا وإنما سمي أولو العزم أولي العزم لأنه عهد إليهم في محمد والأوصياء من بعده والمهدي وسيرته وأجمع عزمهم على أن ذلك كذلك والإقرار به

بلغه من الغائبين أو المعدومين ، وعلى تفسيرهعليه‌السلام في موضع رفع عطفا على الضمير المرفوع « في أنذركم » ويجوز الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه ، وقيل : هو مبتدأ بتقدير من بلغ فهو ينذركم ، فيكون من عطف الجملة على الجملة ، والمراد بمن بلغ حينئذ من كمل أو وصل حد الإنذار وصار أهلا له.

الحديث الثاني والعشرون : ضعيف.

قوله : فترك ، تفسير للنسيان بالترك كما فسر به أكثر المفسرون أيضا ، قال الطبرسي (ره) في تفسير هذا الآية : أمرناه وأوصينا إليه أن لا يقرب الشجرة ولا يأكل منها فترك الأمر عن ابن عباس «وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً » ثابتا وقيل : معناه فنسي من النسيان الذي هو السهو ، ولم نجد له عزما على الذنب لأنه أخطأ ولم يتعمد ، وقيل : ولم نجد له حفظا لما أمر به ، انتهى.

ولم يكن له عزم ، كأنه محمول على أنه لم يكن له اهتمام تام وسرور بهذا الأمر ومزيد تذكر له وتبجج به كما كان لغيره من أولي العزم وكان اللائق بحاله ذلك فترك الأولى وإلا فعصمتهعليه‌السلام ونبوته وجلالته تمنع من أن ينسب إليه عدم قبول ما أوحى الله إليه ، وعدم الرضا بقضائه تعالى ، وقيل : أي ترك التوسل بهمعليهم‌السلام بعد ارتكاب الخطيئة حتى ألهمه الله ذلك.

__________________

(١) سورة طه : ١١٤.

٢٥

٢٣ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن جعفر بن محمد بن عبيد الله ، عن محمد بن عيسى القمي ، عن محمد بن سليمان ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله «وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ » كلمات في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمةعليهم‌السلام من ذريتهم «فَنَسِيَ » هكذا والله نزلت على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢٤ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن النضر بن شعيب ، عن خالد بن ماد ، عن محمد بن الفضل ، عن الثمالي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال أوحى الله إلى نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ »(١) قال إنك

الحديث الثالث والعشرون ضعيف.

« هكذا والله نزلت » ظاهر بل صريح في التنزيل ، وتأويله بالتأويل بأن يكون المعنى قال جبرئيلعليه‌السلام عند نزوله أن معناه هذا في غاية البعد.

الحديث الرابع والعشرون مجهول.

والأخبار في تفسير الصراط بالأئمةعليهم‌السلام وولايتهم كثيرة ، والصراط ما يؤدي الناس إلى مقصودهم ، وهم صراط الله المستقيم الذي لا يوصل إلى الله وطاعته وقربه ورضوانه إلا بولايتهم ، والقول بإمامتهم وطاعتهم ، وصراط الآخرة صورة هذا الصراط فمن استقام على هذا الصراط في الدنيا يجوز صراط الآخرة آمنا إلى الجنة كما روى الصدوق في معاني الأخبار بإسناده عن المفضل قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الصراط فقال : هو الطريق إلى معرفة الله عز وجل ، وهما صراطان صراط في الدنيا وصراط في الآخرة فأما الصراط الذي في الدنيا فهو الإمام المفروض الطاعة ، من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه مر على الصراط الذي هو جسر جهنم في الآخرة ، ومن لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه عن الصراط في الآخرة فتردى في نار جهنم ، فقوله تعالى : «فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ » أي بجميعها الذي عمدتها ولاية علي وسائر الأئمةعليهم‌السلام ، فإن بها يتم ويعرف ما سواها قولا وعملا وتبليغا ، فإنك على الدين الحق الذي عمدتها الولاية فلا تقصر في تبليغها ودعوة الناس إليها خوفا من المنافقين.

__________________

(١) سورة الزخرف : ٤٢.

٢٦

على ولاية علي وعلي هو الصراط المستقيم.

٢٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمد البرقي ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن عمار بن مروان ، عن منخل ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال نزل جبرئيلعليه‌السلام بهذه الآية على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله هكذا : «بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما

قال ابن شهرآشوب (ره) في المناقب بعد إيراد هذه الرواية : معنى ذلك أن علي بن أبي طالب الصراط إلى الله كما يقال فلان باب السلطان إذا كان يوصل به إلى السلطان ، ثم الصراط الذي عليه عليعليه‌السلام يدلك وضوحا على ذلك قوله : صراط الذين أنعمت عليهم ، يعني نعمة الإسلام ، لقوله «وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ »(١) والعلم :

«وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ »(٢) والذرية الطيبة «إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً »(٣) الآية وإصلاح الزوجات لقوله : «فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ »(٤) فكان عليعليه‌السلام في هذه النعم في أعلى ذراها.

الحديث الخامس والعشرون ضعيف.

«بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ » الآية هكذا : «بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ » قال البيضاوي : ما نكرة بمعنى شيء مميزة لفاعل بئس المستكن « واشتروا » صفة ومعناه باعوا أو شروا بحسب ظنهم فإنهم ظنوا أنهم خلصوا أنفسهم من العقاب بما فعلوا «أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ » هو المخصوص بالذم «بَغْياً » طلبا لما ليس لهم وحسدا ، وهو صلة يكفروا دون اشتروا للفصل «أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ » أي لأن ينزل أي حسدوه على أن ينزل الله من فضله يعني الوحي «عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ » على من اختاره للرسالة ، انتهى.

والآية في سياق ذكر أحوال اليهود ، فلو كان قوله في علي تنزيلا يكون ذكر

__________________

(١) سورة لقمان : ٢٠.

(٢) سورة النساء : ١١٣.

(٣) سورة آل عمران : ٣٣.

(٤) سورة الأنبياء : ٩٠.

٢٧

«أَنْزَلَ اللهُ » في علي «بَغْياً »(١) .

٢٦ ـ وبهذا الإسناد ، عن محمد بن سنان ، عن عمار بن مروان ، عن منخل ، عن جابر قال نزل جبرئيلعليه‌السلام بهذه الآية على محمد هكذا «وَإِنْ كُنْتُمْ فِي

ذلك بين أحوال اليهود لبيان أن المنكرين لولاية عليعليه‌السلام بمنزلة اليهود في إنكار ما أنزل الله ، ولو كان تأويلا يحتمل وجهين :

الأول : أن عمدة ما أنزل الله الولاية كما عرفت.

والثاني : أن ظهر الآية في اليهود وبطنه في أضرابهم من المنكرين لما أنزل الله في علي ، فإن الآية النازلة في جماعة لا تختص بهم بل تجري في أمثالهم ، وأشباههم إلى يوم القيامة.

الحديث السادس والعشرون كالسابق.

وكان الأولى وبهذا الإسناد عن جابر ، ولعله إشارة أنه أخذ من كتاب ابن سنان.

«وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا » قال البيضاوي : إنما قال «مِمَّا نَزَّلْنا » لأن نزوله نجما فنجما بحسب الوقائع كما يري عليه أهل الشعر والخطابة مما يريبهم كما حكى الله عز وجل عنهم «وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً » فكان الواجب تحديهم على هذا الوجه إزاحة للشبهة ، وإلزاما للحجة ، وأضاف العبد إلى نفسه تنويها بذكره وتنبيها على أنه مختص به منقاد لحكمه ، والسورة : الطائفة من القرآن المترجمة التي أقلها ثلاث آيات «مِنْ مِثْلِهِ » صفة سورة أي بسورة كائنة من مثله ، والضمير لما نزلنا ، ومن للتبعيض أو للتبيين ، وزائدة عند الأخفش أي بسورة مماثلة للقرآن في البلاغة وحسن النظم أو لعبدنا ومن للابتداء أي بسورة كائنة ممن هو على حاله مع كونه بشرا أميا لم يقرأ الكتب ولم يتعلم العلوم أو صلة فأتوا والضمير للعبد ، والرد إلى المنزل أوجه لأنه المطابق لسائر الآيات ، انتهى.

وتتمة الآية : «وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ » أي ادعوا لمعارضة من

__________________

(١) سورة البقرة : ٩٠.

٢٨

رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا » في علي «فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ »(١) .

٢٧ ـ وبهذا الإسناد ، عن محمد بن سنان ، عن عمار بن مروان ، عن منخل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال نزل جبرئيلعليه‌السلام على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذه الآية هكذا «يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا » في علي «نُوراً مُبِيناً »(٢) .

حضركم أو من رجوتم معونته من جنكم وإنسكم وآلهتكم غير الله إن كنتم صادقين أنه من كلام البشر ، والرواية تدل على أن شكهم كان فيما يتلوهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شأن عليعليه‌السلام فرد الله عليهم بأن القرآن معجز لا يمكن أن يكون من عند غيره سبحانه ، فما نزل فيهعليه‌السلام من عنده سبحانه ، وظاهر الخبر أنه تنزيل وأول بالتأويل كما مر.

الحديث السابع والعشرون كالسابق.

وليس في المصحف هكذا ، بل صدر الآية في أوائل سورة النساء هكذا : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً » وآخرها في أواخر تلك السورة هكذا : «يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً » وكأنه سقط من الخبر شيء ، وكانعليه‌السلام ذكر اسمهعليه‌السلام في الموضعين فسقط آخر الآية الأولى واتصلت بآخر الآية الثانية لتشابه الآيتين ، وكثيرا ما يقع ذلك ، ويحتمل أن يكون في مصحفهمعليهم‌السلام إحدى الآيتين هكذا وعلى الأول ظاهره التنزيل ويحتمل التأويل أيضا كما عرفت مرارا.

ولا يتوهم أن قوله في الآية الأولى «مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ » ينافي ذلك على الاحتمال الأول ، لأن معاداة أهل الكتاب لأمير المؤمنينعليه‌السلام كانت أشد منها لغيره لأنهعليه‌السلام قتل كثيرا منهم بيده ، فيحتمل أن يكون الخطاب إليهم وقوله : مصدقا لما معكم لأنه كان اسمهعليه‌السلام كاسم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثبتا عندهم في كتبهم كما دلت عليه الأخبار الكثيرة ، وكذا قوله : أوتوا الكتاب ، وإن احتمل أن يكون المراد بالكتاب القرآن.

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٣.

(٢) راجع الشرح.

٢٩

٢٨ ـ علي بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن أبي طالب ، عن يونس بن بكار ، عن أبيه ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام «وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ » في علي «لَكانَ خَيْراً لَهُمْ »(١) .

٢٩ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن مثنى الحناط ، عن عبد الله بن عجلان ، عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول الله عز وجل «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ

الحديث الثامن والعشرون مجهول.

والآية في سورة النساء وقبلها : «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً ، فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ، وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ ،وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً » وقد مر في باب التسليم أن الخطاب في قوله تعالى : جاءوك ، ويحكموك ، وقضيت ، لأمير المؤمنينعليه‌السلام فيحتمل أن يكون «ما يُوعَظُونَ » به في علي إشارة إلى هذا ويحتمل التنزيل والتأويل كما مر.

الحديث التاسع والعشرون ضعيف على المشهور.

والسلم الإسلام أو الاستسلام والانقياد ، والولاية داخلة فيهما بل أعظم أجزائهما ، قال الطبرسي (ره) : ادخلوا في السلم أي في الإسلام ، وقيل : الطاعة وهذا أعم ويدخل فيه ما رواه أصحابنا من أن المراد به الدخول في الولاية كافة أي ادخلوا جميعا في الاستسلام والطاعة ،ولا تتبعوا خطوات الشيطان أي آثاره ونزغاته لأن ترككم شيئا من شرائع الإسلام اتباع للشيطان.

وروى العياشي في تفسيره بإسناده عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان ، قال

__________________

(١) سورة النساء : ٦.

٣٠

عَدُوٌّ مُبِينٌ »(١) قال في ولايتنا.

٣٠ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن عبد الله بن إدريس ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام قوله جل وعز : «بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا » قال ولايتهم «وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى » قال ولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام «إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى. صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى »(٢) .

٣١ ـ أحمد بن إدريس ، عن محمد بن حسان ، عن محمد بن علي ، عن عمار بن مروان ، عن منخل ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال «أَفَكُلَّما جاءَكُمْ (محمد)بِما

أتدري ما السلم؟ قال : أنت أعلم ، قال : ولاية علي والأئمة والأوصياء من بعدهعليهم‌السلام قال : وخطوات الشيطان والله ولاية فلان وفلان.

الحديث الثلاثون ضعيف على المشهور.

« قال : ولايتهم » عبر عن ولايتهم بالحياة الدنيا لأنها سبب لجمعها وحيازتها ، ولهذا اختارها الأشقياء على ولاية إمام الحق لأنهعليه‌السلام كان يقسم بالسوية ، وهم كانوا يؤثرون الكبراء والأشراف فمالوا إليهم وقووا بذلك ، وكذا عبر عن ولايتهعليه‌السلام بالآخرة ، لأنها سبب للحياة الأبدية الأخروية ، ثم رغب في اختيار الآخرة باختيار ولايته بأنها خير وأبقى ، ثم قال «إِنَّ هذا » أي كون الآخرة خيرا وأبقى أو كون ولاية علي سببا لحصول ما هو خير وأبقى ، أو أصل الولاية «لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى » مذكورة فيها ثم بين الصحف الأولى بأنها صحف إبراهيم وموسى ، وفي بعض النسخ بدل ولايتهم ولاية شبويه ، بالباء الموحدة ثم المثناة التحتانية نسبة إلى شبوة وهي العقرب أو إبرتها كأنهعليه‌السلام شبه الجائر بالعقرب.

الحديث الحادي والثلاثون ضعيف.

«جاءكم محمد» الآية في سورة البقرة هكذا : «وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٠.

(٢) سورة الأعلى : ١٦ ـ ١٨.

٣١

لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ ( بموالاة علي)فاسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً ( من آل محمد )كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ »(١) .

٣٢ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن عبد الله بن إدريس ، عن محمد بن سنان ، عن الرضاعليه‌السلام في قول الله عز وجل : «كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ (بولاية علي)ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ »(٢) يا محمد من ولاية علي هكذا في الكتاب مخطوطة.

رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ » والخطاب ظاهرا إلى اليهود فلو كان ما ذكرهعليه‌السلام تنزيلا كان وجه توجه الخطاب إليهم ما تقدم ذكره من شدة عداوتهم لهعليه‌السلام وكونهعليه‌السلام حاميا للدين وحافظا للملة التي كانوا يريدون إزالتها ، ولو كان تأويلا فيحتمل ذلك ويحتمل كون المراد جريان حكم الآية في كل من عارض الحق بهواه ، وأشدهم في ذلك الناصبون المنكرون للإمامة.

قال البيضاوي :بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ ، بما لا تحبه ، يقال : هوى بالكسر هوى إذا أحب ، وهوى بالفتح هويا بالضم سقط ، وسقطت الهمزة بين الفاء وما تعلقت به توبيخا لهم على تعقيبهم ذاك بهذا ، وتعجيبا من شأنهم ، ويحتمل أن يكون استينافا والفاء للعطف على مقدر «اسْتَكْبَرْتُمْ » عن الإيمان واتباع الرسل «فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ » كموسى وعيسى ، والفاء للسببية أو التفصيل «وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ » كزكريا ويحيى ، وإنما ذكر بلفظ المضارع على حكاية الحال الماضية استحضارا لها في النفوس فإن الأمر فظيع ومراعاة للفواصل ، أو للدلالة على أنكم بعد فيه ، فإنكم حول قتل محمد لو لا أني أعصمه منكم ولذلك سحرتموه وسممتم له الشاة ، انتهى.

وأقول : على تأويلهعليه‌السلام لا يحتاج إلى تكلف.

الحديث الثاني والثلاثون ضعيف على المشهور.

« مخطوطة » أي مكتوبة وهو صريح في التنزيل وحمله على التأويل بأن يكون المراد أنها مخطوطة شرحا وتفسيرا للآية ، أو كون المراد أنها مكتوبة في الكتاب من الكتب التي عندهم لا القرآن بعيد.

__________________

(١) سورة البقرة : ٨٧.

(٢) سورة الشورى : ١١ ـ ١٢.

٣٢

٣٣ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن هلال ، عن أبيه ، عن أبي السفاتج ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله جل وعز : «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ »(١) فقال إذا كان يوم القيامة دعي بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وبأمير المؤمنين وبالأئمة من ولدهعليهم‌السلام فينصبون للناس فإذا رأتهم شيعتهم قالوا «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ » يعني هدانا الله في ولاية أمير المؤمنين والأئمة من ولدهعليهم‌السلام .

٣٤ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن أورمة ومحمد بن عبد الله ، عن علي بن حسان ، عن عبد الله بن كثير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله تعالى : «عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ » قال النبأ العظيم الولاية وسألته عن قوله : «هُنالِكَ

الحديث الثالث والثلاثون ضعيف.

وقالوا الحمد لله ، في الأعراف هكذا : «وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ » إلخ ، واللام في لنهتدي لتوكيد النفي وجواب لو لا محذوف دل عليه ما قبله ، وضمير قالوا راجع إلى الذين آمنوا وعملوا الصالحات وليس المؤمن إلا الشيعة ، ولا تقبل الأعمال الصالحة إلا منهم« فينصبون للناس » أي لحساب. الخلق وشفاعتهم ، وقسمة الجنة والنار بينهم كما سيأتي في خطبة الوسيلة في الروضة وسائر الأخبار التي أوردناها في الكتاب الكبير مشحونة بذلك ، فإذا رأوا أئمتهم وشفعاءهم بتلك المنزلة الرفيعة قالوا تبجحا وشكرا الحمد لله إلخ« في ولاية أمير المؤمنين » أي لها أو للآيات النازلة فيها ، أو التقدير نزلت فيها تأكيدا أو في سببية أي هدانا إلى هذه المنزلة والكرامة بسبب ولايتهعليه‌السلام .

الحديث الرابع والثلاثون كالسابق ، والظاهر عبد الرحمن بن كثير كما سيأتي بعينه في الثاني والخمسين من الباب.

«عَمَّ يَتَساءَلُونَ » عم أصله عما حذف الألف لاتصال ما بحرف الجر ، قال الطبرسيقدس‌سره : قالوا لما بعث رسول الله وأخبرهم بتوحيد الله وبالبعث بعد الموت

__________________

(١) سورة الأعراف : ٤١.

٣٣

وتلا عليهم القرآن جعلوا يتساءلون بينهم ، أي يسأل بعضهم بعضا على طريق الإنكار والتعجب ، فيقولون : ما ذا جاء به محمد وما الذي أتى به؟ فأنزل الله تعالى : «عَمَّ يَتَساءَلُونَ » أي عن أي شيء يتساءلون؟ قال الزجاج : اللفظ لفظ استفهام والمعنى تفخيم القصة كما تقول : أي شيء زيد؟ إذا عظمت شأنه ، ثم ذكر أن تسائلهم عما ذا؟ فقال «عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ » وهو القرآن ، ومعناه الخبر العظيم الشأن لأنه ينبئ عن التوحيد وتصديق الرسول ، والخبر عما يجوز وعما لا يجوز ، وعن البعث والنشور وقيل : يعني نبأ يوم القيامة وقيل :النبإ العظيم ما كانوا يختلفون فيه من إثبات الصانع وصفاته والملائكة والرسل والبعث والجنة والنار والرسالة والخلافة ، فإن النبإ معروف يتناول الكل «الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ » فمصدق به ومكذب «كَلاَّ » أي ليس الأمر كما قالوا «سَيَعْلَمُونَ » عاقبة تكذيبهم حتى ينكشف الأمور «ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ » هذا وعيد على أثر وعيد ، وقيل كلا أي حقا سيعلم الكفار عاقبة تكذيبهم وسيعلم المؤمنون عاقبة تصديقهم ، وقيل : كلا سيعلمون ما ينالهم يوم القيامة ثم كلا سيعلمون ما ينالهم في جهنم من العذاب.

وروى السيد ابن طاوسرضي‌الله‌عنه في الطرائف عن محمد بن مؤمن الشيرازي في تفسيره بإسناده عن السدي قال : أقبل صخر بن حرب حتى جلس إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : يا محمد هذا الأمر بعدك لنا أم لمن؟ قال : يا صخر الأمر من بعدي لمن هو مني بمنزلة هارون من موسى ، فأنزل الله تعالى «عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ » ، منهم المصدق بولايته وخلافته ، ومنهم المكذب بهما ، ثم قال : كلا ، وهو رد عليهم ، سيعلمون خلافته بعدك أنها حق ثم كلا سيعلمون ، يقول : يعرفون ولايته وخلافته إذ يسألون عنها في قبورهم فلا يبقى ميت في شرق ولا غرب ولا بحر ولا بر إلا ومنكر ونكير يسألانه عن ولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد الموت

٣٤

الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِ »(١) قال ولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام .

يقولون : للميت من ربك وما دينك ومن نبيك ومن إمامك؟ والأخبار في ذلك كثيرة من طرق الخاصة والعامة أوردتها في الكتاب الكبير.

«هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِ » الآية في سورة الكهف ، وقبلها قصة الأخوين اللذين أحدهما مؤمن والآخر كافر ، وكان للكافر جنتان وكفر بالبعث فأرسل الله عليهما عذابا من السماء حيث قال : «وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ » إلى قوله تعالى : «وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً ، هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً » قال البيضاوي : «هُنالِكَ » أي في ذلك المقام ، وفي تلك الحال «الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِ » : النصرة له وحده ، ولا يقدر عليها غيره.

أقول : على تأويلهعليه‌السلام لعل المعنى أن الأمثال التي يضربها الله لهذه الأمة ليس الغرض منها محض الحكاية والقصة ، بل لتنبيه هذه الأمة وتذكيرهم لاجتناب سوء أعمالهم واقتفاء حسن آثارهم ، والمصداق الأعظم لهذا المثل وموردها الأكبر قصة غصب الخلافة واختيار الغاصبين وأعوانهم الدنيا على الآخرة إما لإنكارهم البعث حقيقة غصب الخلافة واختيار الغاصبين وأعوانهم الدنيا على الآخرة إما لإنكارهم البعث حقيقة كالخلفاء الثلاثة وبعض أتباعهم ، أو لعدم يقينهم كما هو حقه بالآخرة. وإن كانوا يعتقدونها في الجملة كما في بعض أتباعهم ، والأخ المؤمن مثل لأمير المؤمنين وأتباعهم ، فإنهم وعظوا هؤلاء وزجروهم فلم ينزجروا حتى نزل بهم عذاب الله في الدنيا والآخرة ، ولم ينتفعوا كثيرا بدنياهم ، فالمراد بقوله ولاية أمير المؤمنين أن مورد المثل ولايتهعليه‌السلام لا أن المراد بالولاية ولايتهعليه‌السلام مع أنه يحتمل ذلك أيضا بأن يكون المراد بالولاية ولايتهعليه‌السلام في بطن الآية ، لأنه مورد المثل فالمعنى أن الولاية الخالصة لله الحق الذي لا تغيير في ذاته وصفاته ، هي ولايتهعليه‌السلام ، وولاية المعارضين له لمحض الدنيا ، أو نسب ولاية عليعليه‌السلام إلى نفسه مبالغة وكناية لتلازمهما كقوله تعالى : «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ

__________________

(١) سورة الكهف : ٤٣.

٣٥

٣٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله تعالى «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً »(١) قال هي الولاية.

٣٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن إبراهيم الهمذاني يرفعه إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله تعالى : «وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ »(٢) «لِيَوْمِ الْقِيامَةِ » قال الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام .

فَقَدْ أَطاعَ اللهَ »(٣) وقوله : «إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ »(٤) وأمثاله كثيرة.

الحديث الخامس والثلاثون : مجهول.

«فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ » قال الطبرسي (ره) : أي أقم قصدك للدين ، والمعنى كن معتقدا للدين ، وقيل : معناه أثبت ودم على الاستقامة وقيل : معناه وأخلص دينك ، وقيل : معناه سدد عملك ، فإن الوجه ما يتوجه إليه ، وعمل الإنسان ودينه ما يتوجه الإنسان إليه لتسديده وإقامته «حَنِيفاً » أي مائلا إليه ثابتا عليه مستقيما فيه لا ترجع عنه إلى غيره ، انتهى.

والحاصل أنه أمر بالتوجه التام إلى الدين القويم ، والاعتراض عن جميع الأديان الباطلة والآراء الفاسدة ، ولا ريب أنه ولاية أمير المؤمنين والأئمةعليهم‌السلام أعظم أجزائه ، بل لا يعرف غيرها إلا به وتأنيث الضمير باعتبار الخبر.

الحديث السادس والثلاثون : مرفوع.

«وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ » قال البيضاوي : أي العدل يوزن بها صحائف الأعمال وقيل : وضع الموازين تمثيل لإرصاد الحساب السوي والجزاء على حسب الأعمال بالعدل ، وإفراد القسط لأنه مصدر وصف به للمبالغة «لِيَوْمِ الْقِيامَةِ » لجزاء يوم القيامة أو لأهله أو فيه كقولك : جئت لخمس خلون من الشهر ، انتهى.

__________________

(١) سورة الروم : ٢٩.

(٢) سورة الأنبياء : ٤٨.

(٣) سورة النساء : ٨٠.

(٤) سورة الفتح : ١٠.

٣٦

وفسرعليه‌السلام الميزان بالأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام ، وقد وردت الأخبار الكثيرة بذلك واختاره الصدوق (ره) في رسالة العقائد ، وأكثر المتكلمين على أن لله في القيامة ميزانا ذا كفين توزن به صحائف الأعمال ، ويعطي الله الصحائف خفة وثقلا بحسب ما كتب فيه ، ولا تنافي بينهما فإن الأنبياء والأئمةعليهم‌السلام هم الحاضرون عند الميزان ، وإليهم إياب الخلق وعليهم حسابهم.

قال الصدوققدس‌سره في رسالة العقائد : اعتقادنا في الحساب أنه حق منه ما يتولاه الله عز وجل ومنه ما يتولاه حججهعليهم‌السلام فحساب الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم يتولاه الله عز وجل ويتولى كل نبي حساب أوصيائه ويتولى الأوصياء حساب الأمم فالله عز وجل الشهيد على الأنبياء والرسل ، وهم الشهداء على الأئمة ، والأئمة الشهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ، وقوله عز وجل : «أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ »(١) يعني بالشاهد أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقوله عز وجل : «إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ »(٢) وسئل الصادقعليه‌السلام عن قول الله عز وجل : «وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً »(٣) قال : الموازين الأنبياء والأوصياء ، ومن الخلق من يدخل الجنة بغير حساب.

وقال الشيخ المفيد نور الله ضريحه في شرح هذا الكلام : الحساب هو المقابلة بين الأعمال والجزاء عليها والموافقة للعبد على ما فرط منه والتوبيخ له على سيئاته والحمد على حسناته ومعاملته في ذلك باستحقاقه ، وليس هو كما ذهبت العامة إليه من مقابلة الحسنات بالسيئات والموازنة بينهما على حسب استعداد الثواب والعقاب عليهما إذا كان التحابط بين الأعمال غير صحيح ، ومذهب المعتزلة فيه باطل غير ثابت ، وما تعتمد الحشوية في معناه غير معقول والموازين هي التعديل بين الأعمال والجزاء عليها ،

__________________

(١) سورة هود : ١٧.

(٢) سورة الغاشية : ٢٥.

(٣) سورة الأنبياء : ٤٧.

٣٧

ووضع كل جزاء في موضعه وإيصال كل ذي حق إلى حقه ، فليس الأمر في معنى ذلك ما ذهب إليه أهل الحشو من أن في القيامة موازين كموازين الدنيا لكل ميزان كفتان توضع الأعمال فيها ، إذ الأعمال أعراض والأعراض لا يصح وزنها ، وإنما توصف بالثقل والخفة على وجه المجاز ، والمراد بذلك أن ما ثقل منها هو ما كثر واستحق عليه عظيم الثواب ، وما خف منها ما قل قدره ولم يستحق عليه جزيل الثواب ، والخبر الوارد أن أمير المؤمنينعليه‌السلام والأئمة من ذريتهعليهم‌السلام هم الموازين ، فالمراد أنهم المعدلون بين الأعمال فيما يستحق عليها والحاكمون فيها بالواجب والعدل ، ويقال : فلان عندي في ميزان فلان ويراد به نظيره ، ويقال : كلام فلان عندي أوزن من كلام فلان ، والمراد به أن كلامه أعظم وأفضل قدرا ، والذي ذكره الله تعالى في الحساب والخوف منه إنما هو المواقفة على الأعمال ، لأن من وقف على أعماله لم يتخلص من تبعاتها ومن عفا الله عنه في ذلك فاز بالنجاة ، ومن ثقلت موازينه بكثرة استحقاق الثواب فأولئك هم المفلحون ، ومن خفت موازينه بقلة أعمال الطاعات فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون ، والقرآن إنما أنزل بلغة العرب وحقيقة كلامها ومجازه ، ولم ينزل على ألفاظ العامة وما سبق إلى قلوبها من الأباطيل ، انتهى.

وقال بعض المحققين : ميزان كل شيء هو المعيار الذي به يعرف قدر ذلك الشيء فميزان يوم القيامة للناس ما يوزن به قدر كل إنسان وقيمته على حساب عقائده وأخلاقه وأعماله ، لتجزي كل نفس بما كسبت ، وليس ذلك إلا الأنبياء والأوصياء ، إذ بهم وباقتفاء آثارهم وترك ذلك والقرب من طريقتهم والبعد عنها يعرف مقدار الناس وقدر حسناتهم وسيئاتهم ، فميزان كل أمة هو نبي تلك الأمة ووصي نبيها ، والشريعة التي أتى بها فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ، ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم.

أقول : وقد أشبعنا الكلام في ذلك في كتاب بحار الأنوار.

٣٨

٣٧ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد ، عن محمد بن جمهور ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله تعالى : «ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ »(١) قال قالوا أو بدل علياعليه‌السلام .

الحديث السابع والثلاثون : ضعيف.

«بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا » الآية في سورة يونس هكذا : «وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ » وقال الطبرسيقدس‌سره : «وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا » المنزلة في القرآن «بَيِّناتٍ » أي واضحات في الحلال والحرام وسائر الشرائع ، وهي نصب على الحال «قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا » أي لا يؤمنون بالبعث والنشور ولا يخشون عذابنا ولا يطمعون في ثوابنا «ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا » الذي تتلوه علينا «أَوْ بَدِّلْهُ » فاجعله على خلاف ما تقرؤه والفرق بينهما أن الإتيان بغيره قد يكون معه وتبديله لا يكون إلا برفعه ، وقيل : معنى قوله بدله غير أحكامه من الحلال والحرام ، أرادوا بذلك زوال الخطر عنهم وسقوط الأمر منهم ، وأن يخلي بينهم وبين ما يريدونه «قُلْ » يا محمد «ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي » أي من جهة نفسي لأنه معجز لا أقدر على الإتيان بمثله «إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَ » أي ما أتبع إلا الذي أوحي إلى ، انتهى.

وأقول : تأويلهعليه‌السلام ليس ببعيد من ذلك ، لأن عمدة ما كان يكرهه المشركون والمنافقون ولاية عليعليه‌السلام لما قتل وأسر منهم من الجم الغفير ، كما ورد في تأويل قوله تعالى : «سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ »(٢) إنه لما بلغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغدير خم ما بلغ وشاع ذلك في البلاد أتى الحارث بن نعمان الفهري فقال : يا محمد أمرتنا بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وبالصلاة والصوم والحج والزكاة فقبلنا منك ، ثم لم ترض بذلك حتى رفعت بضبع ابن عمك ففضلته علينا وقلت : من كنت مولاه فعلي

__________________

(١) سورة يونس : ١٦.

(٢) سورة المعارج : ١.

٣٩

٣٨ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن الحسن القمي ، عن إدريس بن عبد الله ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن تفسير هذه الآية : «ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ. قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ »(١) قال عنى بها لم نك من أتباع الأئمة

مولاه ، فهذا شيء منك أم من الله؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والذي لا إله إلا هو إن هذا من الله فولى الحارث يريد راحلته وهو يقول : اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ، فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته(٢) وخرج من دبره فقتله ، وأنزل الله تعالى : «سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ » وروى هذا أبو عبيد والثعلبي والنقاش وسفيان بن عيينة والرازي والنيسابوري والطبرسي والقزويني والطوسي في تفاسيرهم.

فالمرادبقوله عليه‌السلام : أو بدل عليا بدل الآيات التي نزلت فيه وفي إمامته ، وولايتهعليه‌السلام ، مع كون سائر القرآن بحاله ، أو أترك هذا القرآن وأت بقرآن لا يكون فيه ذكرهعليه‌السلام .

ويحتمل أن يكون المراد بالآيات الأنبياء والأئمةعليهم‌السلام كما مر أنهم آيات الله ، أي إذا يتلى عليهم في القرآن ذكرهمعليهم‌السلام وفضلهم قالوا ائت بقرآن لا يكون فيه ذكرهم ، أو بدل من هذا القرآن الآيات الدالة على إمامة عليعليه‌السلام ، والأول أوفق بظاهر الآية ، وعلى التقديرين قوله : ما يكون لي أن أبدله ، يرجع إلى أنه ليست الإمامة والخلافة بيدي وباختياري حتى يمكنني أن أبدله من قبل نفسي ، بل أتبع في ذلك ما يوحى إلى وإن عصيته في ذلك إني أخاف عذاب يوم عظيم.

الحديث الثامن والثلاثون : ضعيف على المشهور.

«ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ » قال الطبرسي (ره) هذا سؤال توبيخ أي يطلع أهل الجنة على أهل النار فيقولون لهم : ما أوقعكم في النار؟ قالوا :لم نك من المصلين ، أي كنا

__________________

(١) سورة المدّثّر : ٤٣ و٤٤.

(٢) الهامة : الرأس.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

القاضي يسأل [ حسبةً ](١) ليصل الحقّ إلى مستحقّه ، فإن مات قبل البيان ، كان كما لو أقرّ لإنسانٍ فردّه(٢) .

وقال بعضهم : يطالب ورثته ليفسّر(٣) .

وإن انفصل حيّاً للمدّة التي قدّرنا من قَبْلُ - وهي أقلّ من ستّة أشهر - فالكلّ له ، ذكراً كان أو أُنثى.

وإن انفصل لأقصى مدّة الحمل ، فإن كان لها زوج يطؤها أو مولى ، لم يصح الإقرار ؛ لأنّا لا نعلم وجوده حين الوصيّة ؛ لجواز أن يحدث بعدها.

وعندي فيه نظر ؛ لأنّ الإقرار وغيره يُحمل على الصحّة ما أمكن.

وإن لم يكن لها زوج ولا مولى ، صحّت الوصيّة ؛ لأنّا نحكم بوجوده حال الوصيّة ، فصحّت له.

وإن ولدت ولداً بعد آخَر ، فإن كان بينهما أقلّ من ستّة أشهر ، فالمال لهما ؛ لأنّهما حملٌ واحد. وإن كان بينهما ستّة أشهر فصاعداً ، فهو للحمل الأوّل ، دون الثاني.

وإن ولدت ذكراً وأُنثى ، فهو لهما بالسويّة ؛ لأنّ ظاهر الإقرار يقتضي التسوية ، ومن المحتمل أن تكون الجهة الوصيّةَ.

ومتى انفصل حيّ وميّت ، جُعل الميّتَ كأن لم يكن ، ويُنظر في الحيّ على ما ذكرنا.

مسألة ٨٦٨ : لو أقرّ بحمل جاريةٍ أو حمل دابّةٍ لإنسانٍ ، صحّ الإقرار ، وفيه ما تقدّم من التفصيل فيما إذا أقرّ للحمل ، ويُنظر كم بين انفصاله وبين‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « حبسه ». والمثبت - كما في المصدر - هو الصحيح.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٢ - ١٣.

٢٨١

يوم الإقرار من المد ّة على ما سبق ، ويرجع في حمل البهيمة إلى أهل الخبرة.

وإن أطلق أو أسند إلى جهةٍ فاسدة ، خرج على ما تقدّم من الخلاف.

ولو أقرّ لرجلٍ بالحمل ، وبالأُم لآخَر ، صحّ الإقرار.

وللشافعيّة خلاف.

قالوا : إن جوّزنا الإقرار بالحمل ، صحّ الأمران ، وإلّا فلا(١) .

قال بعضهم : هُما جميعاً للأخير ؛ بناءً على أنّ الإقرار بالحامل إقرار بالحمل(٢) .

مسألة ٨٦٩ : لو أقرّ لمسجدٍ أو مشهدٍ أو مقبرةٍ أو رباطٍ أو مدرسةٍ ونحوها من القناطر وغيرها ، فإن أسنده إلى جهةٍ صحيحة ، كغلّة وقف عليه أو نذر لمصالحه ، صحّ.

وإن أطلق ، فكذلك.

وللشافعيّة وجهان تخريجاً من القولين في مسألة الحمل(٣) .

وعلى قياسه ما إذا أضاف إلى جهةٍ فاسدة(٤) .

والأقوى عندي اللزوم ، ولا يلتفت إلى الإضافة الفاسدة على ما تقدّم.

المطلب الثاني : في اشتراط عدم التكذيب.

مسألة ٨٧٠ : يشترط في الإقرار والحكم بصحّته عدم تكذيب المـُقرّ له للمُقرّ وعدم إنكاره لما أقرّ له به.

نعم ، لا يشترط قبوله لفظاً على رسم الإيجاب والقبول في الإنشاءات.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٣.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٦ ، بحر المذهب ٨ : ٢٢٥ ، الوجيز ١ : ١٩٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦١ ، البيان ١٣ : ٣٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٤.

٢٨٢

فإذا أقرّ لزيدٍ بأل فٍ فكذّبه زيد ، لم يدفع إليه ، ولا شي‌ء عليه في ذمّته.

ولو أقرّ بعينٍ له ، فأنكر زيد أنّها له ، لم تُدفع العين إلى المُقرّ له.

ثمّ للقاضي الخيار إن شاء انتزعه(١) من يده وسلّمه إلى أمينه ليحفظه لمالكه إذا ظهر سلّمه إليه ، وإن شاء أبقاه في يد المُقرّ كما كان ؛ لأنّ يده أولى الناس بحفظه.

وبالجملة ، فالحاكم هو المتولّي لحفظ ما يضيع ، وهذا في حكم مالٍ ضائعٍ ، فيحتاط لمالكه ، فإذا رأى استحفاظ صاحب اليد ، فهو كما لو استحفظ عَدْلاً آخَر.

وقال بعض الشافعيّة : فيه وجهان :

أظهرهما : تركه في يد المـُقرّ.

والثاني : يحفظه القاضي(٢) .

وقال قوم منهم : إنّه يُجبر المـُقرّ له على القبول والقبض(٣) .

وهو بعيد عن الصواب.

وقال بعضهم : موضع الخلاف ما إذا قال صاحب اليد للقاضي : في يدي مال لا أعرف مالكه ، فالوجه : القطع بأنّ القاضي يتولّى حفظه(٤) .

وأبعد بعضهم فقال : لا يجوز انتزاعه هنا أيضاً(٥) .

مسألة ٨٧١ : لو رجع الـمُقرّ له عن الإنكار وصدّق المُقرّ في إقراره‌ ،

____________________

(١) تذكير الضمير هنا وفيما يأتي باعتبار الـمُقرّ به ، أو المال.

(٢) الوسيط ٣ : ٣٢٤ ، الوجيز ١ : ١٩٦ ، البيان ١٣ : ٣٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٤.

(٣ - ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٤.

٢٨٣

فالأقرب : إنّ له الأخذ ؛ عملاً بإقرار المـُقرّ ، السالم عن الإنكار ، لزوال حكمه بالتصديق الطارئ فتعارضا ، وبقي الإقرار سالماً عن المعارض ، وبه قال بعض الشافعيّة(١) .

وقال آخَرون : هذا تفريع على الخلاف السابق ، إن قلنا : يُترك في يد الـمُقرّ ، فهذا حكمٌ منّا بإبطال ذلك الإقرار ، فلا يصرف إلى الـمُقرّ له إلّا بإقرارٍ جديد. وإن قلنا : ينتزعه الحاكم ويحفظه ، فكذلك لا يُسلّم إليه ، بل لو أراد إقامة البيّنة على أنّه ملكه ، لم تُسمع. وإنّما يُسلّم له إذا فرّعنا على الوجه البعيد من أنّ الـمُقرّ له يُجبر على أخذه ، والظاهر من قول الشافعيّة أنّه لا يُسلّم إليه(٢) .

مسألة ٨٧٢ : لو أقرّ لزيدٍ فأنكر زيدٌ ثمّ رجع المُقرّ حال إنكار زيد ، فقال : غلطت ، أو تعمّدت الكذب والمال ليس لزيدٍ ، لم يلتفت إلى رجوعه إن قلنا : ينتزعه الحاكم.

وإن قلنا : يُترك في يده ، احتُمل أنّه لا يُقبل إنكاره أيضاً ؛ بناءً على أنّه لو عاد الـمُقرّ له إلى التصديق قُبِل منه ، فإذا كان ذلك متوقَّعاً ، لم يلتفت إلى رجوعه.

واحتُمل القبول ؛ بناءً على أنّ الترك في يده إبطال للإقرار.

وللشافعيّة وجهان أظهرهما : الثاني(٣) .

مسألة ٨٧٣ : لو أقرّ لزيدٍ بعبدٍ فأنكر زيد ملكيّته ، فالحكم كما لو أقرّ بغيره من ثوبٍ وشبهه‌ ؛ لأنّه محكوم له بالرقّ ، فلا يرفع إلّا بيقينٍ.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٨ - ٢٨٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٤ - ١٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥.

٢٨٤

وللشافعيّة وجهان :

أحدهما : إنّه يُحكم بعتقه - وهو قول الشيخ(١) رحمه‌الله - لأنّ صاحب اليد لا يدّعيه ، والـمُقرّ له ينفيه ، فيصير العبد في يد نفسه ، ويُعتق ، وهذا كما إذا أقرّ اللقيط بعد البلوغ بأنّه مملوك زيدٍ فأنكر زيد ، يُحكم له بالحُرّيّة ، كذا هنا.

والثاني : المنع - كما قلناه - ويبقى على الرقّيّة المجهولة المالك ، بخلاف صورة اللقيط ؛ فإنّه محكوم بحُرّيّته بالدار ، فإذا أقرّ ونفاه المُقرّ له ، بقي على أصل الحُرّيّة ، فإذاً لا فرق بين العبد وغيره من أعيان الأموال(٢) .

ولو أقرّ العبد بأنّه ملكٌ لفلان غير مَنْ أقرّ له مولاه به ، كان لغواً ، وبقي على الرقّيّة المجهولة المالك.

ولو كان الـمُقرّ به قصاصاً أو حدَّ قذفٍ فكذّبه الـمُقرّ له ، سقط الإقرار. وكذا لو أقرّ بسرقةٍ توجب القطع ، وأنكر ربٌّ المال السرقةَ ، سقط القطع. وفي المال ما تقدّم(٣) .

ولو أقرّت المرأة بنكاحٍ فأنكر الزوج ، سقط حكم الإقرار في حقّه.

مسألة ٨٧٤ : لو كان في يده عبدان ، فقال : أحد هذين العبدين لزيدٍ ، طُولب بالتعيين ، فإن عيّن واحداً منهما ، فقال زيد : ليس هذا عبدي ، بل الآخَر ، فهو مكذّب للمُقرّ في المعيَّن ، وحكمه ما تقدّم ، ومُدّعٍ في العبد الآخَر ، فإن أقام البيّنة به حُكم له ، وإلّا حلف الـمُقرّ ، وسقطت دعواه فيه.

ولو ادّعى على آخَر ألفاً من ثمن مبيعٍ ، فقال المدّعى عليه : قد‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٣ : ٢٣.

(٢) بحر المذهب ٨ : ٢٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥.

(٣) في المسألة ٨٧٠.

٢٨٥

أقبضتُك ، فأقام البائع على المشتري بيّنةً بعد بيّنته بأنّه ما أقبضه الثمن بَعْدُ ، سُمعت ، وأُلزم المشتري الثمن ؛ لأنّه وإن قامت البيّنة على إقراره بالقبض فقد قامت على أنّ صاحبه كذّبه ، فيبطل حكم الإقرار ، ويبقى الثمن على المشتري.

مسألة ٨٧٥ : قد ذكرنا أنّ من شرط صحّة الإقرار تعيينَ الـمُقرّ له‌ ، فلو قال : لإنسانٍ عندي كذا ، أو لواحدٍ من بني آدم ، أو لواحدٍ من خلق الله تعالى ، أو لواحدٍ من أهل البلد ، احتُمل البطلان ؛ لعدم التعيين ، فلا يطالب به.

وللشافعيّة وجهان مبنيّان على أنّه إذا أقرّ لمعيَّن بشي‌ء فكذّبه الـمُقرّ له ، هل يخرج من يده؟ إن قلنا : نعم ؛ لأنّه مال ضائع ، فكذا هنا ، ويصحّ الإقرار ، ويكون معتبراً ، ويخرجه الحاكم من يده ويحفظه من صاحبه. وإن قلنا : لا ، لم يصح هذا الإقرار(١) .

والأقرب عندي القبول ، وصحّة هذا الإقرار ، ثمّ للحاكم انتزاعه من يده وإبقاؤه في يده.

فعلى قولنا بالصحّة لو جاء واحد وقال : أنا الذي أردتَني ولي عليك ألف ، فالقول قول الـمُقرّ مع يمينه في نفي الإرادة ونفي الألف.

ومَنْ أبطل هذا الإقرار فرّق بينه وبين قوله : غصبت هذا من أحد هذين الرجلين ، أو هؤلاء الثلاثة ، حيث يعتبر ؛ لأنّه إذا قال : هو لأحد هذين ، فله مُدّعٍ وطالب ، فلا يبقى في يده مع قيام الطالب واعترافه بأنّه ليس له ، وأمّا إذا قال : لواحدٍ من بني آدم ، فلا طالب له ، ويبقى في يده(٢) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٠.

٢٨٦

والوجه : ما قلناه م ن عدم اشتراط تعيينه.

والقائلون به لا يشترطون التعيين من كلّ وجهٍ ، بل أن يكون معيّناً ضرب تعيينٍ تتوقّع منه الدعوى والطلب(١) .

البحث الرابع : في المُقرّ به.

مسألة ٨٧٦ : يشترط في الـمُقرّ به أن يكون مستحقّاً إمّا بأن يكون مالاً مملوكاً ،أو بأن يكون حقّاً تصحّ المطالبة به ، كشفعةٍ وحدِّ قذفٍ وقصاصٍ وغير ذلك من الحقوق الشرعيّة ، كاستطراقٍ في دربٍ ، وإجراء ماءٍ في نهرٍ ، وإجراء ماء ميزابٍ إلى ملكٍ ، وحقّ طرح خشبٍ على حائطٍ ،أو بأن يكون نسباً.

ولو أقرّ بما لا يصحّ تملّكه مطلقاً - كالأبوال والعذرات وجميع الفضلات - لم يصح ، وكان الإقرار لاغياً لا يجب به شي‌ء.

ولو أقرّ بما يتموّله أهل الذمّة - كالخمر والخنزير - للمُسلم ، لم يصح ، ويصحّ للذمّي ؛ لأنّ المـُسلم يضمنه بقيمته عند مستحلّيه لو أتلفه عليهم وكانوا مستترين به.

مسألة ٨٧٧ : يشترط في القضاء والحكم بالإقرار بالملكيّة لمن أُقرّ له كون المـُقرّ به تحت يد الـمُقرّ وتصرّفه‌ ، فلو أقرّ بما ليس في يده بل في يد الغير - كعبدٍ في يد زيدٍ أقرّ به لغيره - لم يُحكم بثبوت الملكيّة في العبد للمُقرّ له بمجرّد الإقرار ، بل يكون ذلك دعوىً أو شهادةً.

ولا يلغو الإقرار من كلّ وجهٍ ، بل لو حصل الـمُقرّ به في يده بملكيّةٍ ظاهرة ساعةً من الزمان ، أُمر بتسليمه إلى المـُقرّ له.

فلو قال : العبد الذي في يد زيدٍ مرهون عند عمرو بكذا ، ثمّ ملك

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٠.

٢٨٧

العبد ظاهراً ، أُمر ببيعه في دَيْن عمرو.

ولو أقرّ بحُرّيّة عبدٍ في يد زيدٍ ، لم يُقبل منه ، أو شهد [ بها ](١) فردّت شهادته ، لم يُحكم بحُرّيّته في الحال.

فإذا أقدم على شرائه من زيدٍ صحّ ؛ تنزيلاً للعقد على قول مَنْ صدّقه الشرع ، وهو البائع صاحب اليد ، بخلاف ما إذا قال : فلانة أُختي من الرضاع ، ثمّ أراد أن ينكحها ، لم يُمكّن منه ؛ لأنّ في الشراء يحصل غرض استنقاذه من أسر الرقّ ، وهذا الغرض لا يوجد في النكاح ؛ للاستمتاع بفرجٍ اعترف بأنّه حرام عليه.

ثمّ إذا اشترى العبد ، حُكم بُحرّيّته ، وأُمر برفع يده عنه ؛ عملاً بإقراره.

مسألة ٨٧٨ : إذا كان صورة إقراره : إنّ عبد زيدٍ حُرّ الأصل ، أو أنّه أُعتق قبل أن أشتريه‌ ، فإذا اشتراه فهو فداء من جهته إجماعاً.

فإذا مات العبد وقد اكتسب مالاً ولا وارث له من الأنساب ، فالمال للإمام ، وليس للمشتري أن يأخذ منه شيئاً ؛ لأنّه بتقدير صدقه لا يكون المال للبائع حتى يأخذ منه عوض ما دفعه إليه من الثمن.

ولو مات العبد قبل أن يقبضه المشتري ، لم يكن للبائع أن يطالبه بالثمن ؛ لأنّه لا حُرّيّة في زعمه ، والمبيع قد تلف قبل قبضه ، فبطل البيع.

مسألة ٨٧٩ : لو كانت صيغة الإقرار : إنّك أعتقته والآن أنت تسترقّه ظلماً ، ثمّ عقد البيع معه ، فالوجه : إنّه بيع من جهة البائع ؛ لأنّه ملكه ، وهو يدّعي ملكيّته ، واليد تشهد له ، فلا يلتفت إلى إقرار الغير عليه ، فكان بمنزلة‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « به ». والظاهر ما أثبتناه.

٢٨٨

ما لو باعه على غيره ، ويكون افتداءً من جهة الـمُقرّ ؛ لاعترافه بالحُرّيّة ، وأنّ هذا العقد ليس بصحيحٍ ، حيث لم يصادف محلّاً قابلاً له ، وهو أحد وجوه الشافعيّة.

والثاني : إنّه بيع من الجانبين.

والثالث : إنّه افتداء من الجانبين(١) .

وهذا الثالث خطأ ؛ لأنّه كيف يقال : إنّه استنقاذ في طرف البائع!؟ وكيف يأخذ المال لينقذ مَنْ يسترقّه ويعرفه حُرّاً فيفتديه به!؟ بل لو قيل فيه المعنيان معاً والخلاف في أنّ الأغلب منهما ما ذا؟ كان محتملاً على ضعفٍ.

وأكثر الشافعيّة على أنّه بيع من جهة البائع ، وأمّا من جهة المشتري فوجهان :

أحدهما : إنّه شراء ، كما في جانب البائع.

والثاني : إنّه افتداء ؛ لاعترافه بحُرّيّته وامتناع شراء الحُرّ(٢) .

مسألة ٨٨٠ : إذا ثبت أنّه بيع من طرف البائع وافتداء من طرف المشتري ، لا يبطل خيار المجلس في طرف البائع ، بل يثبت له الخيار ما داما في المجلس. وكذا يثبت له خيار الشرط لو شرط وإن طال زمانه ، وهو أحد قولَي الشافعيّة ؛ بناءً على ظاهر مذهبهم من أنّه بيع من جانبه(٣) .

ولو كان البيع بثمنٍ معيّنٍ فخرج معيباً وردّه البائع ، كان له أن يستردّ العبد ، بخلاف ما لو باع عبداً وأعتقه المشتري ثمّ خرج الثمن المعيّن معيباً ورُدّ ، فإنّه لا يستردّ العبد ، بل يعدل إلى القيمة ؛ لاتّفاقهما على العتق هناك.

وأمّا المشتري فلا يثبت له خيار المجلس ولا خيار الحيوان ؛ لأنّه‌

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨.

٢٨٩

ليس شراء في طرفه ، بل هو فداء.

ومَنْ قال من الشافعيّة : إنّه شراء في طرفه ، أثبت له الخيار(١) .

وعلى الوجهين فلا ردّ له لو خرج العبد معيباً ؛ لاعترافه بحُرّيّته ، لكن يأخذ الأرش إن جعلناه شراءً ، وإلّا فلا أرش له.

وبهذا الثاني نقول.

وقال الجويني : إذا لم يثبت خيار المجلس للمشتري ، ففي ثبوته للبائع وجهان ؛ لأنّ هذا الخيار لا يكاد يتبعّض(٢) .

وليس بمعتمدٍ.

وقال بعض الشافعيّة : لا يثبت للبائع خيار أيضاً ، كما لو باع عبده من نفسه ، أو باع عبده على مَنْ يعتق عليه(٣) .

وقال بعضهم بثبوت الخيار للبائع في هاتين الصورتين أيضاً(٤) .

وليس بجيّدٍ.

مسألة ٨٨١ : إذا حكمنا بالعتق في هذا العبد ، لم يكن للمشتري ولاؤه‌ ؛ لاعترافه بأنّه لم يعتقه ، ولا للبائع ؛ لأنّه يزعم أنّه لم يعتقه ، فيكون موقوفاً.

ولو مات العبد وقد اكتسب مالاً ، فإن كان له وارث بالنسب ، فهو له ، وإلّا فيُنظر إن صدّق البائع المشتري ، ردّ الثمن.

وإن كذّبه وأصرّ على كلامه الأوّل ، قال بعض(٥) فقهائنا : للمشتري أن‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩.

(٣) الوجيز ١ : ١٩٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩.

(٥) المحقّق في شرائع الإسلام ٣ : ١٥٥.

٢٩٠

يأخذ منه قدر ما دفعه ثمناً إلى البائع ؛ لأنّ المشتري إن كان كاذباً فجميع كسبه له ؛ لأنّه مملوكه ، وإن كان صادقاً فالكسب للبائع إرثاً بالولاء ، وهو قد ظلمه بأخذ الثمن وتعذّر استرداده ، فإذا ظفر بماله كان له أن يأخذ منه حقّه ، وهو قول المزني(١) .

وظاهر مذهب الشافعي أنّه يوقف المال بأسره ، كما كان الولاء موقوفاً(٢) .

واضطرب أصحابه.

فقال بعضهم : قول المزني خطأ ؛ لأنّ المشتري لو أخذ شيئاً فإمّا أن يأخذ بجهة أنّه كسب مملوكه ، وقد بانَ أنّه حُرٌّ بإقراره ، أو بجهة الظفر بمال ظالمه ، وهو ممتنع ؛ لأنّه إنّما بذله فداءً تقرّباً إلى الله تعالى باستنقاذ حُرٍّ ، فيكون سبيلُه سبيل الصدقات ، والصدقات لا يرجع فيها ، ولأنّه لا يدري أنّه يأخذ بجهة الملك ، أو بجهة الظفر بمال ظالمه ، فيمنع من الأخذ إلى ظهور جهته(٣) .

وأكثر الشافعيّة على ما قال المزني(٤) .

وقال جماعة منهم : إنّ الشافعي ذكر ما قاله المزني أيضاً ، وإنّما حَكَم بوقف الزائد على الثمن وقف الولاء ، وأمّا المستحقّ بكلّ حالٍ فلا معنى للوقف فيه ، ويجوز الرجوع في المبذول فيه على جهة الفدية والدية ، كما‌ لو فدى أسيراً في يد المشركين ثمّ استولى المسلمون على بلادهم ووجد الباذل عين ماله ، أخذه. واختلاف الجهة لا يمنع الأخذ بعد الاتّفاق على أصل الاستحقاق ، كما لو قال : لي عليك ألف ضمنته ، فقال : ما ضمنت

____________________

(١ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩.

٢٩١

شيئاً ولكن لك علَيَّ ألف عن قيمة متلفٍ(١) .

والأصحّ : الثبوت ، وقطع النظر عن الجهة.

مسألة ٨٨٢ : لو استأجر العبد الذي أقرّ بحُرّيّته بدلاً عن الشراء ، صحّ العقد بالنسبة إلى المؤجر ، وكان له المطالبة بالأُجرة ، ولا يحلّ للمستأجر استخدامه والانتفاع به ، فإن استخدمه وجب عليه دفع أُجرة المثل إليه ، ولم يكتف بما دفعه إلى المؤجر.

ولو أقرّ بحُرّيّة جارية الغير ثمّ قَبِل نكاحها منه ، لم يحل له وطؤها إلّا برضاها بما عقد عليه مولاها ، وللمولى مطالبته بالمهر ، وعليه مهرٌ آخَر لها إن أجازت نكاحه.

ولو قال لزيدٍ : العبد الذي في يدك غصبتَه من فلان ، وأنكر زيد ، فالقول قوله.

فإن اشتراه ، فالأقرب : صحّة العقد ، كما لو أقرّ بحُرّيّته ثمّ اشتراه.

ويحتمل البطلان ؛ لأنّه مكذّب لإقراره ، وإنّما صحّحناه في طرف الحُرّيّة ؛ لأنّ الشراء هناك افتداء له من العبوديّة و [ إنقاذ ](٢) من الرقّ ، وهذا غير آتٍ هنا.

وللشافعيّة وجهان(٣) كهذين.

ولو أقرّ بعبدٍ في يده لزيدٍ ، وقال العبد : بل أنا ملك عمرو ، سُلّم إلى زيدٍ دون عمرو ، ولم يعتبر قول العبد ؛ لأنّه في يد مَنْ يسترقّه ، لا في يد نفسه ، فلو أعتقه زيد لم يكن لعمرو أخذه.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٤ - ٢٩٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الإنقاذ ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠.

٢٩٢

ولو مات العبد عن ما لٍ ، لم يكن لعمرو التصرّفُ فيه ؛ لما فيه من إبطال الولاء على المعتق ، واستحقاق الكسب فرع الرقّ ، ولم يثبت له.

مسألة ٨٨٣ : لا يشترط في الإقرار أن يكون الـمُقرّ به ملكاً للمُقرّ حين يُقر ، بل الشرط في الإقرار بالأعيان أن لا تكون مملوكةً للمُقرّ حين إقراره ؛ لأنّ الإقرار لا يزيل الملك عن صاحبه ، وإنّما هو إخبار عن كونه مملوكاً للمُقرّ له ، والخبر حكاية عن المخبر به ، والحكاية متأخّرة ، وذو الحكاية متقدّم ، فلا بدّ وأن يكون الملك للمُقرّ له في نظر الـمُقرّ وعنده حتى تقع المطابقة بين إقراره وما هو في نفس الأمر عنده.

فلو قال : داري هذه أو ثوبي الذي أملكه لفلان ، بطل الإقرار ؛ لما فيه من التناقض ، والمفهوم منه الوعد بالهبة.

ولا يحتمل أن يقال : إنّه أضاف إلى نفسه ؛ لما بينهما من الملابسة ، وقد يضاف الشي‌ء إلى غيره بأدنى ملابسةٍ ، كما في قوله :

إذا كوكب الخرقاء(١)

وقول الرجل لأحد حاملي الخشبة : خُذ طرفك.

ولا ريب في أنّ هذه الدار في يده ، أو قد كانت ملكه ، أو أنّها تُعرف بأنّها ملكه عند الغير ، فيُحكم بصريح إقراره للغير ؛ لأنّ الاحتمال ولو كان نادراً ينفي لزوم الإقرار ، عملاً بالاستصحاب.

ولو قال : مسكني هذا لفلان ، كان إقراراً ؛ لأنّه أضاف إلى نفسه السكنى ، وقد يسكن ملك غيره.

____________________

(١) البيت لشاعر مجهول ، وتمامه هكذا :

إذا كوكب الخرقاء لاح بسُحرةٍ

سهيلٌ أذاعت غزلها في الغرائب

راجع : لسان العرب ١ : ٦٣٩ « غرب ».

٢٩٣

ولو قال : هذه الدار التي في يدي ، أو تُنسب إلَيَّ ، أو تُعرف بي ، أو التي كانت ملكي ، كان إقراراً لازماً.

ولو شهدت البيّنة على أنّ فلاناً أقرّ بأنّ له دار كذا ، وكانت ملكه إلى أن أقرّ ، كانت الشهادة باطلةً.

ولو قال الـمُقرّ : هذه الدار لفلان وكانت ملكي إلى وقت الإقرار ، نفذ إقراره ، والذي قاله بعده مناقض لأوّله ، فيلغو ، كما لو قال : هذه الدار لفلان ، وليست له.

ولو قالت البيّنة : نشهد أنّه باع هذه الدار أو وقفها ، وكانت ملكه إلى حين البيع أو الوقف ، سُمعت الشهادة ، بل كانت مؤكّدةً للبيع والوقف.

مسألة ٨٨٤ : حكم الديون حكم الأعيان في ذلك ، فلو كان له دَيْنٌ على زيدٍ في الظاهر من قرضٍ أو أُجرةٍ أو ثمن مبيعٍ ، فقال : دَيْني الذي على زيد لعمرو ، فهو باطل.

ولو لم يُضف ، بل قال : الدَّيْن الذي على زيد لعمرو ، واسمي في الكتاب عاريّة ومعونة وإرفاق ، صحّ ؛ لإمكان أن يكون وكيلاً عنه في الإقراض والإجارة والبيع ، ثمّ عمرو يدّعي المال على زيدٍ لنفسه ، فإن أنكر زيد ، تخيّر عمرو بين أن يُقيم البيّنة على دَيْن الـمُقرّ على زيدٍ ثمّ على إقراره له بما على زيدٍ ، وبين أن يُقيم البيّنة أوّلاً على الإقرار ثمّ على الدَّيْن.

واستثنى بعض الشافعيّة ثلاثة ديون منع من الإقرار بها : أحدها :

الصداق في ذمّة الزوج ولا تقرّ المرأة به. والثاني : بدل الخُلْع في ذمّة المرأة ولا يُقرّ الزوج به. والثالث : أرش الجناية ولا يُقرّ به المجنيّ عليه ؛ لأنّ الصداق لا يكون إلّا للمرأة ، وبدل الخُلْع لا يكون إلّا للزوج ، وأرش الجناية لا يكون إلّا للمجنيّ عليه.

٢٩٤

نعم ، لو كانت الجنا ية على عبدٍ أو مال آخَر ، جاز أن يُقرّ به للغير ؛ لاحتمال كونه له يوم الجناية(١) .

وهذا خطأ فاحش ؛ فإنّ هذه الديون وإن امتنع ثبوتها للغير ابتداءً و [ تقديراً بوكالةٍ ](٢) فلا امتناع من انتقالها من مُلاّكها إلى الغير إمّا بالحوالة أو بالبيع ، فيصحّ الإقرار بها عند احتمال جريان ناقلٍ.

نعم ، لو أقرّ بها عقيب ثبوتها بلا فصلٍ بحيث لا يحتمل جريان [ ناقلٍ ](٣) لم يصح.

لكن سائر الديون كلّها كذلك ، بل الأعيان أيضاً كذلك ، حتى لو أعتق عبده ثمّ أقرّ له السيّد أو غيره عقيب العتق بلا فصلٍ بدَيْنٍ أو عينٍ ، لم يصح ؛ لأنّ أهليّة التملّك لم تثبت له إلّا في الحال ، ولم يَجْر بينهما ما يوجب المال.

ولو فُرض ذلك - كما لو نذر الصدقة على عبده بعد عتقه بشي‌ءٍ - جاز له الإقرار به.

والضابط : إمكان التملّك ، فمتى فُرض ، صحّ الإقرار ، وإلّا فلا.

قال بعض الشافعيّة : إن أسند الإقرار بالديون الثلاثة إلى جهة حوالةٍ أو بيعٍ ، فذاك ، وإلّا فعلى قولين ؛ بناءً على ما لو أقرّ للحمل بمالٍ وأطلق(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩١ - ٢٩٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « تقدير الوكالة ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨.

٢٩٥

الفصل الثالث : في الأقارير المجهولة‌

وفيه مباحث :

الأوّل : الإقرار بالشي‌ء المطلق

مسألة ٨٨٥ : لا يشترط كون المـُقرّ به معلوماً ، بل يصحّ الإقرار بالمجهول ؛ لأنّ الإقرار إخبار عن حقٍّ سابق ، والخبر قد يقع عن الشي‌ء على جهة الإجمال ، كما قد يقع عنه على جهة التفصيل ، وربما كان في ذمّة الإنسان شي‌ء لا يعلم قدره ، فلا بدّ له من الإخبار عنه ليتواطأ هو وصاحبه على الصلح بما يتّفقان عليه ، فدعت الحاجة واقتضت الحكمة إلى سماع الإقرار بالمجمل ، كما يسمع بالمفصّل ، بخلاف الإنشاءات التي لا تحتمل الجهالة والإجمال في أغلبها ؛ احتياطاً لابتداء الثبوت ، وتحرّزاً عن الغرر ، وبخلاف الدعوى ؛ فإنّها لا تُسمع إلّا محرّرة لكون الدعوى له والإقرار عليه ، فيلزم مع الجهالة ، دون ما له.

ولأنّ المدّعي إذا لم يُحرّر دعواه ، انتفى داعيه ، مع أنّ له داعياً إلى تحريرها ، وأمّا الـمُقرّ فلا داعي له إلى التحرير ، ولا يؤمن رجوعه مع إقراره ، فيضيع حقّ المُقرّ له ، فألزمناه إيّاه مع الجهالة.

ولا فرق في الأقارير المجملة بين أن يقع ابتداءً أو في جواب دعوى معلومة ، كما لو ادّعى عليه ألف درهم ، فقال : لك علَيَّ شي‌ء.

والألفاظ التي يقع فيها الإجمال لا تنحصر ، فلنقتصر على أكثرها دوراناً بين الناس وأظهرها في الألسنة ولنبدأ بأعمّها ، وهو : « الشي‌ء » ثمّ نعقّبه بما يتلوه من مشهورات الألفاظ إن شاء الله تعالى.

٢٩٦

مسألة ٨٨٦ : إذا قال : علَيَّ شي‌ء ، طُولب بالبيان والتفسير ، فإن امتنع ، فالأقرب : إنّه يُحبس حتى يبيّن ؛ لأنّ البيان واجب عليه ، فإذا امتنع منه حُبس عليه كما يُحبس على الامتناع من أداء الحقّ ، وهو أحد وجوه الشافعيّة.

والثاني لهم : إنّه لا يُحبس ، بل يُنظر إن وقع الإقرار المبهم في جواب دعوى وامتنع من التفسير ، جُعل ذلك إنكاراً منه ، وتُعرض اليمين عليه ، فإن أصرّ جُعل ناكلاً عن اليمين ، وحلف المدّعي ، وإن أقرّ ابتداءً قلنا للمُقرّ له : ادّع عليه حقّك ، فإذا ادّعى فأقرّ بما ادّعاه أو أنكر ، أجرينا عليه حكمه ، وإن قال : لا أدري ، جعلناه منكراً ، فإن أصرّ جعلناه ناكلاً ؛ لأنّه إذا أمكن تحصيل الغرض من غير حبسٍ لا يُحبس.

والثالث : إنّه إن أ قرّ بغصبٍ وامتنع من بيان المغصوب حُبس ، وإن أقرّ بدَيْنٍ مبهم فالحكم كما ذكرناه في الوجه الثاني(١) .

وقال بعض الشافعيّة : إذا قال : علَيَّ شي‌ء ، وامتنع من التفسير ، لم يُحبس. وإن قال : علَيَّ ثوب أو فضّة أو طعام ، ولم يبيّن ، حُبس ؛ بناءً على ما لو فسّر الشي‌ء بالخمر أو الخنزير قُبِل ، فحينئذٍ لا يتوجّه بذلك مطالبة ولا حبس(٢) .

مسألة ٨٨٧ : إذا أقرّ بالشي‌ء وطُولب بالبيان ، فإن فسّره بما يتموّل ، قُبِل ، سواء كان قليلاً أو كثيراً.

وإن فسّره بما لا يتموّل ، فإن كان من جنس ما يتموّل - كحبّةٍ من الحنطة أو الشعير أو السمسم ، وقمع باذنجانة - فالأقوى : القبول - وهو‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٣ - ٣٠٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٧.

٢٩٧

أصحّ وجهي الشافعيّة (١) - لأنّه شي‌ء يحرم أخذه ، وعلى مَنْ أخذه ردّه.

والثاني لهم : إنّه لا يُقبل منه هذا التفسير ؛ لأنّه لا قيمة له ، فلا يصحّ التزامه بكلمة « علَيَّ » ولهذا لا تصحّ الدعوى به(٢) .

ونمنع عدم سماع الدعوى به.

والتمرة الواحدة والزبيبة الواحدة حيث لا قيمة لها من هذا القبيل ، وهي أولى بالقبول ممّا لو فسّره بحبّة حنطةٍ.

وإن لم يكن من جنس ما يتموّل ، فإمّا أن يجوز اقتناؤه لمنفعةٍ ، أو لا.

فالأوّل كالكلب المعلَّم والسرجين.

وفي التفسير بهما إشكال ، أقربه : القبول ؛ لأنّهما أشياء يثبت فيها الحقّ والاختصاص ، ويحرم أخذها ، ويجب ردّها ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

والثاني : لا يُقبل ؛ لأنّها ليست بمالٍ ، وظاهر الإقرار للمال(٣) .

ولو فسّر بجلد الميتة ، لم يُقبل عندنا ؛ لأنّه لا يطهر بالدباغ.

وللشافعيّة وجهان ؛ لقبوله(٤) الدباغ(٥) .

ومن هذا القسم : الخمر المحترمة ، والكلب القابل للتعليم.

وكلب الماشية والزرع والحائط مُلحَق بالمعلَّم.

____________________

(١ و ٢) الوسيط ٣ : ٣٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٥.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٢٢٧ ، الوسيط ٣ : ٣٣٠ ، البيان ١٣ : ٤٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٦.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لقبولها ». والصحيح ما أثبتناه.

(٥) بحر المذهب ٨ : ٢٢٧ ، البيان ١٣ : ٤٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٦.

٢٩٨

والثاني : كالخمر ال تي(١) لا حرمة لها ، والخنزير ، وجلد الكلب ، والكلب الذي لا منفعة فيه ، وهذا لا يُقبل تفسيره به عندنا.

وللشافعيّة وجهان ، هذا أصحّهما ، والثاني : أنّه يُقبل(٢) .

والصحيح ما قلناه ؛ لأنّه ليس فيه حقّ واختصاص ، ولا يلزم ردّه ، وقوله : « علَيَّ » يقتضي ثبوت حقٍّ للمُقرّ له.

مسألة ٨٨٨ : لو قال : له علَيَّ شي‌ء ، وفسّره بالوديعة ، قُبِل ؛ لوجوب ردّها عليه عند الطلب ، وقد يتعدّى فيها فتكون مضمونةً عليه.

ونقل الجويني وجهاً للشافعيّة : إنّه لا يُقبل ؛ لأنّها في يده ، لا عليه(٣) .

وهو غلط بما تقدّم.

ولو فسّره بحقّ الشفعة ، أو حدّ قذفٍ ، قُبِل. أمّا لو فسّره بالعيادة أو ردّ السلام أو جواب الكتاب ، لم يُقبل ؛ لبُعْده عن الفهم في معرض الإقرار ؛ إذ لا مطالبة بهما ، والإقرار في العادة بما يطلبه الـمُقرّ له ويدّعيه ، ولأنّهما يسقطان ؛ لفواتهما ، ولا يثبتان(٤) في الذمّة ، والإقرار يدلّ على ثبوت الحقّ في الذمّة.

وكذا لو فسّره بتسميت عطسةٍ.

ويحتمل القبول إذا أراد أنّ حقّاً علَيَّ ردّ السلام إذا سلّم وتسميته إذا‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الذي ». والمثبت يقتضيه السياق.

(٢) بحر المذهب ٨ : ٢٢٧ ، البيان ١٣ : ٤٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٢.

(٤) كذا قوله : « بهما لأنّهما يسقطان ؛ لفواتهما ، ولا يثبتان » بتثنية الضمير والفعل في النسخ الخطّيّة والحجريّة ، والظاهر هكذا : « بها لأنّها تسقط ؛ لفواتها ، ولا تثبت ».

٢٩٩

عطس ؛ لما روي في ال خبر : « للمسلم على المسلم ثلاثون حقّاً : يردّ سلامه ، ويُسمّت عطسته ، ويُجيب دعوته »(١) .

أمّا لو قال : له علَيَّ حقٌّ ، فإنّه يُقبل التفسير بالعيادة وردّ السلام.

وقال بعض الشافعيّة : لا فرق بين أن يقول : له علَيَّ شي‌ء ، أو حقٌّ ، كيف! والحقّ أخصّ من الشي‌ء ، فيبعد أن يُقبل تفسير الأخصّ بما لا يُقبل به تفسير الأعمّ(٢) .

مسألة ٨٨٩ : لو قال : غصبته شيئاً ، طُولب بالتفسير والبيان ، فإن فسّر بما يُقبل به التفسير في الصورة السابقة ، قُبِل هنا بطريق الأولى إذا احتمله اللفظ ليخرج الوديعة وحقّ الشفعة ؛ إذ لا يحتملهما لفظ الغصب.

ولو فسّره بالخمر والخنزير وغيرهما ممّا لا يُعدّ مالاً ، قُبِل هنا ؛ لأنّ الغصب لا يقتضي إلّا الأخذ قهراً ، وليس في لفظه ما يشعر بالتزامٍ وثبوت حقٍّ ، بخلاف قوله : « علَيَّ » وبه قال الشافعي(٣) .

ويحتمل قبوله إن كان المـُقرّ له ذمّيّاً ، وإن كان مسلماً فإشكال.

وما ليس بمالٍ يقع اسم الغصب عليه.

ولو قال : غصبته شيئاً ، ثمّ قال : أردت نفسه فحبستُه ساعةً ، لم يُقبل ؛ لأنّه جعل له مفعولين ، الثاني منهما : « شيئاً » فتجب مغايرته للأوّل.

أمّا لو قال : غصبتُه ، ثمّ قال : أردت نفسه ، قُبِل.

وقيل : لا يُقبل ؛ لأنّ الغصب لا يثبت عليه(٤) .

____________________

(١) أورده ابنا قدامة في المغني ٥ : ٣١٥ ، والشرح الكبير ٥ : ٣٣٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٢.

(٣) الوجيز ١ : ١٩٧ ، الوسيط ٣ : ٣٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٦.

(٤) المغني ٥ : ٣١٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٣٨.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501