تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

تذكرة الفقهاء3%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: 501

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 179794 / تحميل: 5847
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٦-١
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

وما قدّمناه أصحّ ؛ لأنّه مفسّر معطوف على مبهمٍ ، فلم يكن تفسيراً ، كقوله : مائة وثوب. وما ذكره أبو حنيفة منتقض بالثوب ، فإنّه يثبت في الذمّة بنفسه ، لأنّه يقول : إذا أتلف عبداً أو ثوباً ، وجب مثله في ذمّته(١) ، ولهذا يجوز أن يصطلحا على أكثر من قيمته. وما ذكروه(٢) من مائة وخمسين فإنّ الدرهم المنصوب على التمييز يميّز الجملتين جميعاً ، ويكون لفظه بحكم ما يليه مبهماً ، مع أنّ جماعةً من الشافعيّة لا يسلّمون ذلك(٣) .

وقد اختلف أصحاب مالك(٤) ، فمنهم مَنْ وافقنا ، ومنهم مَنْ قال : يفسّر بالمعطوف بكلّ حال.

إذا عرفت هذا ، فلا فرق بين أن يقول : علَيَّ ألف ودرهم ، أو : درهم وألف ، أو : ألف ودرهمان في أنّ الألف مبهمة.

مسألة ٩٠٦ : لو قال : له علَيَّ خمسة عشر درهماً ، فالكلّ دراهم ؛ لأنّه

____________________

= ٢٠٦ ، المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ٩٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٨٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٣ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ١٣٧ ، بحر المذهب ٨ : ٢٣٥ ، الوسيط ٣ : ٣٣٥ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٤٠ ، البيان ١٣ : ٤٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٠ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦١٥ / ١٠٤٦ ، الذخيرة ٩ : ٢٧٧ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٠٧ / ١٢٠١ ، المعونة ٢ : ١٢٥٠ ، المغني ٥ : ٣٠٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٤٤ - ٣٤٥.

(١) المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٨٥.

(٢) كذا ، والظاهر : « ذكره ».

(٣) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٠ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٤٠ ، البيان ١٣ : ٤٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١١ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٢.

(٤) كذا قوله : « مالك » في النسخ الخطّيّة والحجريّة ، وفي العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٠ : « أحمد ». والاختلاف المذكور موجود في المغني ٥ : ٣٠٦ ، والشرح الكبير ٥ : ٣٤٥ - ٣٤٦.

٣٢١

لا عطف ، وإنّما هُما اسمان جُعلا واحداً ، فالمذكور تفسير له ، فلو باعه‌ بخمسة عشر درهماً ، صحّ البيع إجماعاً.

ولو قال : ألف وثلاثة دراهم ، فالكلّ دراهم أيضاً ؛ قضاءً للعرف فيه.

ولو قال : خمسة وعشرون درهماً ، أو : مائة وخمسة وعشرون درهماً ، أو : ألف ومائة وخمسة وعشرون درهماً ، فالكلّ دراهم ؛ لأنّ عرف اللغة والاستعمال إذا أُريد الإخبار بالدراهم كلّها أتى بهذه العبارة ، ولأنّ لفظ الدرهم لا يجب به شي‌ء زائد ، بل هو تفسير ، وليس تفسيراً للبعض ؛ لاحتياج الكلّ إلى التفسير ، فيكون تفسيراً للكلّ.

وقال بعض الشافعيّة : في « خمسة وعشرين » الخمسةُ مجملة ، والعشرون مفسَّرة بالدرهم ؛ لمكان العطف(١) ، فلو باعه بخمسة وعشرين درهماً ، لم يصح على هذا القول.

وكذا الخلاف في مائة وخمسة وعشرين درهماً ، وقوله : ألف ومائة وخمسة وعشرون درهماً ، أو : خمسون وألف درهم ، أو : مائة وألف درهم ، فقال أبو علي بن خيران من الشافعيّة وأبو سعيد الاصطخري : لا يكون تفسيراً إلّا لما يليه من الجملتين ، وما قبل ذلك يُرجع إلى تفسيره(٢) .

وقال أكثر الشافعيّة : إنّه يكون تفسيراً للجملتين ، ويكون الدرهم المفسّر عائداً إلى الجملتين ؛ لأنّ إحدى الجملتين تفسير للأُخرى(٣) .

ولو قال : ثمانية دراهم وألف ، فإنّه لا يكون تفسيراً للألف.

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ٢٣٥ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٤٠ ، البيان ١٣ : ٤٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١١ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٢.

(٢) الوسيط ٣ : ٣٣٥ - ٣٣٦ ، البيان ١٣ : ٤٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١١ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٢.

(٣) الوجيز ١ : ١٩٨ ، الوسيط ٣ : ٣٣٥ ، البيان ١٣ : ٤٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١١ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٢.

٣٢٢

ولو قال : ألف وثلاث ة أثواب ، فالجميع أثواب.

وكذا : مائة وأربعة دنانير ، فالجميع دنانير.

ولو قال : مائة ونصف درهم ، فالأقرب : إنّ المائة دراهم.

ولو قال : درهم ونصف ، فالنصف يرجع إلى الدرهم ، وكذا : عشرة دراهم ونصف ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : إنّ النصف مبهم ؛ لأنّه معطوف على ما تقدّم مفسّراً ، فلا يتأثّر به(١) .

وأكثرهم قال : الجميع دراهم ؛ لجريان العادة به حتى لو قال : له علَيَّ درهم ونصف درهمٍ ، عُدّ مُطوّلاً تطويلاً زائداً على قدر الحاجة(٢) .

أمّا لو قال : له علَيَّ نصف ودرهم ، فالنصف مبهم.

ولو قال : مائة وقفيز حنطة ، فالمائة مبهمة ، بخلاف قوله : مائة وثلاثة دراهم ؛ لأنّ الدراهم تصلح تفسيراً للكلّ ، والحنطة لا تصلح تفسيراً للمائة ؛ لأنّه لا يصحّ أن يقال : مائة حنطة.

ولو قال : له علَيَّ ألف درهمٌ(٣) ، فسّر الألف بما لا تنقص قيمته عن درهمٍ ، كأنّه قال : الألف ممّا قيمة الألف منه درهم.

البحث الرابع : في الإقرار بالدرهم.

وفيه مطلبان :

الأوّل : في المفرد.

مسألة ٩٠٧ : الدرهم الإسلامي المعتبر في نُصُب الزكوات ومقادير‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ١٩٨ ، الوسيط ٣ : ٣٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١١ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٢.

(٢) الوسيط ٣ : ٣٣٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١١ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٢.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « إلّا درهم ». والمثبت هو الصحيح بدون « إلّا ».

٣٢٣

الديات وغيرها وزنة ستّة دوانيق ، وزن عشرة دراهم منها سبعة مثاقيل ، والدانق : ثماني حبّات وخُمْسا حبّةٍ ، فيكون الدرهم الواحد خمسين حبّةً وخُمْسي حبّةٍ.

والمراد من الحبّة حبّةُ الشعير لا من كباره ولا من صغاره ، بل المتوسّط بينهما التي لم تقشر ، بل قُطع من طرفها ما دقّ وطال.

والدينار : اثنتان وسبعون حبّة منها ، هكذا قال أبو عبيد القاسم بن سلّام(١) .

والمشهور عند علمائنا : إنّ الدانق ثمان حبّات ، وبه قال ابن سريج(٢) من الشافعيّة ، فعلى هذا يكون الدرهم ثمانيةً وأربعين حبّةً.

إذا عرفت هذا ، فإذا قال : له علَيَّ درهم ، وأطلق ، حُمل على المتعارف عند القائل في المعاملة ، فإن وافق المشروع فذاك ، وإلّا كان حمله على المتعارف أولى من حمله على العرف الشرعي.

فلو قال : له علَيَّ ألف درهم ، ثمّ قال : هي ناقصة - كدراهم « طبريّة الشام » الواحد منها أربعة دوانيق ، أو كدراهم خوارزم ، وزن الخوارزميّة أربعة دوانيق ونصف ، أو كدراهمنا - اليوم - السلطانيّة ، الواحد منها نصف مثقالٍ - فإن كان الإقرار في عرف المُقرّ أو بلد الإقرار ودراهمه تامّة وكان قد ذكره متّصلاً ، فالأقوى : القبول ، كالاستثناء ، فكأنّه استثنى من كلّ درهمٍ دانقين ، وهو أصحّ قولَي الشافعيّة.

وقال ابن خيران : إنّها على قولين ؛ بناءً على أنّ الإقرار هل‌

____________________

(١) عنه في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١١ ، وروضة الطالبين ٤ : ٣٢.

(٢) المنسوب اليه في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١١ ، وروضة الطالبين ٤ : ٣٢ هو المحكيّ عن أبي عبيد القاسم بن سلّام.

٣٢٤

يتبعّض؟ (١) .

والثاني : المنع ؛ لأنّ اللفظ صريح فيه ، وليس كلّ لفظٍ يتضمّن نقصاناً يصلح للاستثناء ، ولهذا لو قال : له علَيَّ ألف بل خمسمائة ، يلزمه الألف ، ولأنّ قوله : « ألف درهم » يقتضي الوازنة ، كما لو باع ولم يعيّن ، فإذا قال : نقص ، فقد رجع عن إقراره ؛ لأنّ الوازنة غير النقص ، وليس النقص من جملتها(٢) .

وهو خطأ ؛ لأنّ الدراهم يعبَّر بها عن الوازنة وعن الناقصة ، وإنّما حُملت على الوازنة ؛ لأنّ عرف الإسلام قائم فيها ، لأنّها دراهم الإسلام ، فإذا فسّرها بالناقصة فلم يرجع عن إقراره ، وإنّما صرفه عن ظاهره إلى مستعملٍ ، فافترقا.

وإن ذكره منفصلاً ، لم يُقبل ؛ لأنّه كالاستثناء ، ولا يصحّ الاستثناء المنفصل ، وعليه وزن الدراهم المتعارفة عند الـمُقرّ وبلد الإقرار ، وإن لم يكن هناك عُرْفٌ حُمل على وزن دراهم الإسلام ، إلّا أن يصدّقه الـمُقرّ له ؛ لأنّ لفظ الدرهم صريح في المقدار المعلوم ، وعرف البلد [ مؤيّد له ](٣) .

واختار بعض الشافعيّة القبولَ ؛ لأنّ اللفظ محتمل له(٤) .

والأصل براءة الذمّة.

وإن كان الإقرار في بلدٍ دراهمه ناقصة ، فإن ذكره متّصلاً ، قُبِل ؛ لأنّ اللفظ والعرف يصدّقانه فيه.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٢.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « هو بدله ». وذلك تصحيف ، والمثبت هو الصحيح.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣.

٣٢٥

وإن ذكره منفصلاً ، احتُمل قويّاً القبول ؛ حملاً لكلامه على نقد البلد ، لأنّ للعرف أثراً بيّناً في تقييد الألفاظ ، حتى أنّه لو طرأ على اللغة أو الشرع كان الحمل عليه متعيّناً ، وصار كما في المعاملات ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

والثاني : لا يُقبل ، ويُحمل مطلق إقراره على وزن الإسلام ، كما أنّ نُصُب الزكاة لا تختلف باختلاف البلدان(١) .

والفرق ظاهر.

وكذا الخلاف فيما إذا أقرّ في بلدٍ وزنُ دراهمه أكثر من وزن دراهم الإسلام ، احتُمل حمل إقراره على دراهم البلد وعلى دراهم الإسلام.

فإن قلنا بالأوّل فلو قال : « عنيت دراهم الإسلام » منفصلاً ، لم يُقبل.

ولو قال متّصلاً ، فالأقرب : القبول.

وللشافعيّة وجهان ، هذا أصحّهما(٢) .

مسألة ٩٠٨ : ولا فرق بين أن يُقرّ بمائة درهم ويسكت ثمّ يقول : ناقصة ، أو صغار وهي دَيْن ، أو يقول : هي وديعة ، أو غصب ، وبه قال الشافعي(٣) .

وقال أبو حنيفة : في الغصب والوديعة يُقبل ؛ لأنّه أقرّ بفعلٍ في عينٍ ، وذلك لا يقتضي سلامتها ، فأشبه ما لو أقرّ بغصب عبدٍ ثمّ جاء به معيباً(٤) .

وهو ممنوع ؛ لأنّ إطلاق الاسم يقتضي الوازنة الجياد ، فلم يُقبل‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٦١ - ٦٢ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥١ ، البيان ١٣ : ٤١٦.

(٤) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٠١ ، المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ١٣ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٢ ، البيان ١٣ : ٤١٦ ، المغني ٥ : ٢٩٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٤.

٣٢٦

تفسيره بما يخالف ذلك ، كالدَّيْن ، بخلاف العبد ، فإنّ العيب لا يمنع إطلاق اسم العبد عليه.

ولو أقرّ بدراهم وأطلق في بلدٍ أوزانهم ناقصة أو مغشوشة ، أو بدنانير في بلدٍ دنانيرهم مغشوشة ، فالأقرب : الحمل على عرف ذلك البلد ودنانيره ؛ لأنّ مطلق كلامهم يُحمل على عرف بلدهم ، كما في البيع والأثمان.

مسألة ٩٠٩ : الدرهم عند الإطلاق إنّما يُستعمل في النقرة ، فلو أقرّ بدراهم وفسّرها بالفلوس ، لم يُقبل.

ولو فسّر بالدراهم المغشوشة ، فهو كالتفسير بالناقصة ؛ لأنّ وزنها لا يبلغ وزن الدراهم ، فيجي‌ء فيه التفصيل الذي تقدّم في الناقصة.

فإن سكت بعد إقراره بالدراهم سكوتاً يمكنه الكلام فيه [ أو ](١) أخذ في كلامٍ غير ما كان فيه ، استقرّ عليه الخالصة ، فإن عاد وقال : زيوفاً ، لم يقبل.

ولو وصل الكلام أو سكت للتنفّس أو لعروض سعالٍ وشبهه ثمّ وصفها بالرداءة ، فالأقرب : القبول ؛ لأنّ الإنسان قد يكون في ذمّته دراهم رديئة ويحتاج إلى الإقرار بها حذر الموت ، فلو لم يُسمع منه ذلك لأدّى إلى كتمان الحقّ وعدم التخلّص وبراءة الذمّة ، وهو ضرر عظيم ، ولأنّه كما قبل الاستثناء ، فالقبول هنا أولى ؛ لأنّ في الاستثناء نقضاً للأوّل ، بخلاف الوصف بالغشّ.

ولو قال : له علَيَّ دراهم صغار ، وليس للناس دراهم صغار وهي‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « و». والمثبت يقتضيه السياق.

٣٢٧

الناقصة ، قُبِل أيضاً تفسيره ، خلافاً لبعض الشافعيّة(١) .

ولو فسّر بجنس ردي‌ء من الفضّة قُبِل ، كما لو قال : علَيَّ ثوب ، ثمّ فسّر بجنس ردي‌ء أو بما لا يعتاد أهل البلد لُبْسه ، بخلاف ما لو فسّر بالناقصة ؛ لأنّه يرفع شيئاً ممّا أقرّ به ، وهنا بخلافه.

مسألة ٩١٠ : إذا أقرّ بدرهمٍ ، انصرف الإطلاق إلى سكّة البلد الذي أقرّ بها فيه ، فإن فسّرها به قُبِل.

وإن فسّرها بسكّة غير سكّة البلد أجود منها ، قُبِل ؛ لأنّه يُقرّ على نفسه بما هو أغلظ.

وكذا إن كانت مثلها ؛ لأنّه لا يُتّهم في ذلك.

وإن كانت أدنى من سكّة البلد لكنّها متساوية في الوزن ، احتُمل أن لا يُقبل ؛ لأنّ إطلاقها يقتضي دراهم البلد ونقده ، فلا يُقبل منه دونها ، كما لا يُقبل في البيع ، ولأنّها ناقصة القيمة ، فلم يُقبل تفسيره بها ، كالناقصة وزناً.

ويحتمل القبول - وهو الأقوى عندي ، وبه قال الشافعي(٢) - لأنّه يحتمل ما فسّره به ، بخلاف الناقصة ؛ لأنّ إطلاق الشرع الدراهم لا يتناولها ، بخلاف هذه ، ولأنّه يرفع شيئاً ممّا أقرّ به ، بخلاف هذه ، ولهذا يتعلّق به مقدار النصاب في الزكاة وغيره ، بخلاف الثمن ، فإنّه إيجاب في الحال ،

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٨ ، البيان ١٣ : ٤١٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣ ، المغني ٥ : ٢٩٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٦.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٥٤ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٣ ، البيان ١٣ : ٤١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣ ، المغني ٥ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٤ - ٣١٥.

٣٢٨

وهذا إخبار عن حقٍّ سابق ، ولأنّ البيع إنشاء معاملة ، والغالب أنّ المعاملة في كلّ بلدةٍ تقع فيما يروج فيها ويتعامل الناس بها ، والإقرار إخبار عن حقٍّ سابق ربما يثبت بمعاملةٍ في تلك البلدة وربما يثبت بغيرها ، فوجب الرجوع إلى إرادته ، ولأنّه لا بدّ من صيانة البيع عن الجهالة ، والحمل على ما يروج في البلد أصلح طريقٍ تنتفي به الجهالة ، والإقرار لا تجب صيانته عن الجهالة.

وقال المزني : لا يُقبل تفسيره بغير سكّة البلد(١) .

مسألة ٩١١ : لو قال : له علَيَّ دُرَيْهم ، أو دُرَيْهمات ، أو درهم صغير ، أو دراهم صغار ، فالوجه : قبول تفسيره بما أراد بما يطلق عليه هذا الاسم.

واضطرب قول الشافعيّة :

فالذي رواه الجويني : إنّه كما لو قال : درهم ، أو دراهم ، فيعود في التفسير بالنقص التفصيلُ السابق ، وليس التقييد بالصغير كالتقييد بالنقصان ؛ لأنّ لفظ الدرهم صريح في الوزن ، والوصف بالصغر يجوز أن يكون من حيث الشكل ، ويجوز أن يكون بالإضافة إلى الدراهم البغليّة(٢) .

وقال بعض الشافعيّة بذلك في قوله : « دُرَيْهم » وقال في قوله : « درهم صغير » : إن كان بطبريّة يلزمه نقد البلد ، وإن كان ببلدٍ وزنه وزن مكّة فعليه وزن مكّة ، وكذلك إن كان بغزنة.

وفي هذا القول اضطراب ؛ لأنّه إمّا أن يعتبر اللفظ أو عرف البلد ، إن اعتبرنا اللفظ فيجب الوزن بطبريّة ، وإن اعتبرنا عرف البلد فيجب نقد البلد‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٥٤ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٣ ، البيان ١٣ : ٤١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣.

٣٢٩

بغزنة (١) .

وقال بعضهم : إذا قال : دُرَيْهم ، أو درهم صغير ، لزمه درهم من الدراهم الطبريّة ؛ لأنّها أصغر من دراهم الإسلام ، وهي أصغر من البغليّة ، فهي أصغر الصغيرين ، فيؤخذ باليقين. ولم يفرّق بين بلدةٍ وبلدةٍ ، ولأنّا لا نفرّق بين أن يقول : مال ، وبين أن يقول : مال صغير ، فكذلك في الدراهم(٢) .

مسألة ٩١٢ : لو قال : له علَيَّ درهم كبير ، لزمه درهم من دراهم الإسلام ؛ لأنّه كبير في العرف.

ولو كان هناك ما هو أكثر وزناً منه ، فالأقرب : المساواة.

فلو فسّره بالأقلّ من دراهم الإسلام ، احتُمل القبول ؛ لاحتمال إرادة الكبير لا في الوزن ، بل بالحلال.

ولو قال : له دُرَيْهم ، فهو كما لو قال : درهم ؛ لأنّ التصغير قد يكون لصغرٍ في ذاته أو لقلّة قدره عنده ، وقد يكون لمحبّته.

المطلب الثاني : في المتعدّد.

مسألة ٩١٣ : إذا قال : له علَيَّ دراهم ، ولم يفسّر العدد ، لزمه ثلاثة ؛ لأنها أقلّ الجمع ، ولا يُقبل تفسيره بأقلّ منها - وهو الظاهر من مذهب الشافعيّة(٣) - لأنّ العرب وضعت صيغة آحاد وتثنية وجمع ، فقالوا : رجل‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ١٦ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٩ ، الوسيط ٣ : ٣٣٦ ، الوجيز ١ : ١٩٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٣٨ ، البيان ١٣ : ٤٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٤.

٣٣٠

ورجلان ورجال.

ويحتمل عندي القبول لو فسّره باثنين ؛ لأنّ الاثنين قد يُعبَّر عنهما بلفظ الجمع ، كما في قوله تعالى :( فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ ) (١) والمراد أخوان ، وقالعليه‌السلام : « الاثنان فما فوقهما جماعة »(٢) ولأنّ حقيقة الجمع موجودة في الاثنين.

ولو سُلّم أنّه مجاز ، فلا تستحيل إرادته ، فإذا فسّر به قُبِل ؛ لأنّه أعرف بقصده ، والألفاظ لا تدلّ على المعاني بذواتها ، بل باعتبار قصد المتكلّم.

وبه قال بعض الشافعيّة(٣) .

ولو قال : له علَيَّ أقلّ أعداد الدراهم ، لزمه اثنان ؛ لأنّ العدد هو المعدود ، وكلّ معدودٍ متعدّد ، فيخرج عنه الواحد ، ولأنّ الاثنين مبدأ العدد وأوّل مراتبه ، بخلاف الواحد.

مسألة ٩١٤ : لو قال : له علَيَّ دراهم عظيمة ، أو جليلة ، أو جزيلة ، أو وافرة ، كان له ثلاثة ، وكان كقوله : ثلاثة - وبه قال الشافعي(٤) - لأنّ الكثرة لا حدّ لها شرعاً ولا لغةً ولا عرفاً ، وتختلف بالأوصاف وأحوال الناس ، فالثلاثة أكثر من الاثنين وأقلّ ممّا فوقها ، فيحتمل أنّ الـمُقرّ أراد كثيرة بالنسبة‌

____________________

(١) النساء : ١١.

(٢) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢ : ٦١ ( الباب ٣١ ) ح ٢٤٨ ، سنن الدارقطني ١ : ٢٨٠ / ١ ، المستدرك - للحاكم - ٤ : ٣٣٤ ، شرح معاني الآثار ١ : ٣٠٨ ، تاريخ بغداد ٨ : ٤١٥.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ١٦ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٧ ، البيان ١٣ : ٤٢١.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ١٧ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٣٨ ، البيان ١٣ : ٤٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٤ ، المغني ٥ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٤١ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٢٠ / ١٩٢٤.

٣٣١

إلى ما دونها ، ولأن ّ الناس يختلفون ، فمنهم مَنْ يستعظم القليل ، ومنهم مَنْ يستقلّ الكثير ، فجاز أن يريد كثيرة في وهمه وظنّه ، وتكون الثلاثة عنده كثيرةً.

وقال أبو حنيفة : لا يُقبل تفسيره في الكثرة بدون العشرة ؛ لأنّها أقلّ جمع الكثرة(١) .

وقال أبو يوسف ومحمّد : لا يُقبل أقلّ من مائتين ؛ لأنّ بها يحصل الغنى وتجب الزكاة(٢) .

والحمل على يقين الأقلّ وبراءة الذمّة أولى.

ولو قال : علَيَّ دراهم كثيرة ، احتُمل لزوم ثمانين على الرواية(٣) .

والوجه : ما قلناه في العظيمة.

ولو قال : دنانير كثيرة ، فعلى الرواية يلزمه ثمانون ، وعلى قول أبي حنيفة يلزمه عشرة(٤) ، وعلى قول أبي يوسف ومحمّد يلزمه عشرون(٥) .

____________________

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ١٩٧ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢٢٠ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٨٠ - ١٨١ ، المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ٩٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٠٥ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٢٠ / ١٩٢٤ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٧ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٧ ، البيان ١٣ : ٤٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٦ ، المغني ٥ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٤١.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ١٩٧ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢٢٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٠٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٨١ ، المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ٩٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٢٠ / ١٩٢٤ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٧ ، البيان ١٣ : ٤٢١ ، المغني ٥ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٤١.

(٣) الكافي ٧ : ٤٦٣ - ٤٦٤ / ٢١ ، معاني الأخبار : ٢١٨ / ١ ، التهذيب ٨ : ٣٠٩ / ١١٤٧.

(٤ و ٥) الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٠٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٨١ ، المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ٩٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٧.

٣٣٢

ولو قال : حنطة عظيم ة ، أو كثيرة ، فعلى قول أبي حنيفة يرجع إلى بيانه فيما يُسمّى كثيراً في العادة(١) ، وعلى قولهما يلزمه خمسة أوسق(٢) .

ولو قال : له علَيَّ مائة درهم عدداً ، فالأقرب : قبول قوله في إرادة الناقصة.

وقال بعض الشافعيّة : يلزمه مائة درهم - بوزن الإسلام - صحاح ، ولا يشترط أن يكون لكلّ واحدٍ ستّة دوانيق ، وكذا في البيع ، ومَنَع من قبول مائة بالعدد ناقصة بالوزن ، إلّا أن يكون نقد البلد عدديّةً ناقصة ، وظاهر مذهب الشافعيّة حينئذٍ القبول(٣) .

ولو قال : علَيَّ مائة عدد من الدراهم ، فهُنا يعتبر العدد دون الوزن إجماعاً.

مسألة ٩١٥ : إذا قال : له علَيَّ ألف درهم زُيَّف ، جمع زائف ، وهي التي لم تَجْر ، فإن فسّر وقال : أردتُ به أنّها كلّها نحاس أو رصاص ، لم يُقبل ، سواء فَصَله عن إقراره أو وصله به ؛ لأنّ النحاس والرصاص لا يُسمّى دراهم ، فكأنّه وَصَل إقراره بما رفعه ، فصار كاستثناء الكلّ.

وإن فسّر ذلك بما لفظه نحاس أو رصاص ، قال بعض الشافعيّة : الذي يقتضيه المذهب أنّه إن وصل ذلك بإقراره أو فصله قُبِل منه ؛ لأنّ الشافعي قال : « ولو قال : هي من سكّة كذا ، صُدّق مع يمينه ، كانت أدنى‌

____________________

(١ و ٢) تحفة الفقهاء ٣ : ١٩٨ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢٢٠ ، المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ١٠٢ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٧.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٣ - ٣١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٤.

٣٣٣

الدراهم أو وسطها » (١) - قال بعض الشافعيّة : أدنى الدراهم هي المغشوشة(٢) - وقول الشافعي : « ثمّ قال : هي نقص أو زيف لم يُصدَّق »(٣) يريد إذا قال : زيف(٤) جميعها رصاص أو نحاس(٥) .

وقال بعضهم : حكم الزيف كالنقص إذا وَصَلها بإقراره قُبِل ، وإن فَصَلها لم يُقبل(٦) .

وهو ظاهر كلامه في المسألة ؛ لأنّه جمع بين النقص والزيف ولم يفصل.

والقول الأوّل غير لازمٍ ؛ لأنّ قوله : « أدنى الدراهم » إنّما عاد إلى السكّة ؛ لأنّه قال : « ولو قال : هي من سكّة كذا » لأنّ المغشوشة خارجة عن ضرب الإسلام كالنقص.

فعلى ما ذكرناه في النقص إذا كان البلد يتعامل فيه بالدراهم المغشوشة ، ينبغي إذا أطلق أن لا يلزمه منها إلّا كما قلنا في النقص.

ولو قال : غصبت(٧) ألف درهم ، أو : له عندي ألف درهم وديعة ، ثمّ قال : هي نقص أو زيف ، مفصولاً ، لم يُقبل - وهو مذهب الشافعي(٨) - كما لو قال : له علَيَّ ألف درهم.

____________________

(١ و ٣) الأُم ٦ : ٢١٩.

(٢ و ٥) بحر المذهب ٨ : ٢٧٢ ، البيان ١٣ : ٤١٥.

(٤) في « ج ، ر » : « زيوف ».

(٦) البيان ١٣ : ٤١٦.

(٧) الظاهر : « غصبته ».

(٨) الحاوي الكبير ٧ : ٥٣ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٨ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٥ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٢ ، البيان ١٣ : ٤١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٢ ، المغني ٥ : ٢٩٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٤.

٣٣٤

وقال أبو حنيفة : يُقبل في الغصب والوديعة ؛ لأنّ ذلك إيقاع فعلٍ في العين ، وذلك لا يقتضي سلامتها ، كما لو أقرّ بغصبِ عبدٍ فجاء به معيباً(١) .

وهو غلط ؛ لأنّ الاسم يقتضي الوازنة غير الزيوف ، فلم يُقبل منه ما يخالف الاسم ، كما لو قال : له علَيَّ ألف.

وما علّل به باطل ؛ لأنّ الغصب وإن كان إيقاع فعلٍ في عينٍ فإنّ ذلك يوجب وقوعه فيما سمّاه ، دون ما لا ينصرف إليه إطلاق الاسم. ويفارق العيب ؛ لأنّ العيب لا يمنع إطلاق الاسم فيه.

مسألة ٩١٦ : إذا قال : له علَيَّ ما بين واحدٍ وعشرة ، لزمه ثمانية ؛ لأنّ ذلك ما بينهما.

ولو قال : ما بين واحدٍ إلى عشرة ، فكالأُولى.

ولم يفرّق أكثر الشافعيّة بينهما(٢) .

والوجه : القطع في الأُولى بالثمانية ، وفي الثانية احتمال.

ولو قال : له علَيَّ من درهمٍ إلى عشرة ، احتُمل لزوم عشرة - وبه قال محمّد بن الحسن الشيباني(٣) - ويدخل الطرفان فيها ، كما يقال : من فلان إلى فلان لا يرضى أحد بكذا ، وقد سبق(٤) في المرافق ؛ لأنّ الحدّ إذا كان‌

____________________

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٠١ ، المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ١٣ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٥ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٢ ، البيان ١٣ : ٤١٦ ، المغني ٥ : ٢٩٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٤.

(٢) البيان ١٣ : ٤٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٤.

(٣) الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٠٩ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢٢٠ - ٢٢١ ، المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ٩٦ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٨٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٥٩ ، بحر المذهب ٨ : ٢٨١ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٣٩ ، البيان ١٣ : ٤٢١.

(٤) في ج ١ ، ص ١٥٧ - ١٥٨ ، المسألة ٤٤.

٣٣٥

من جنس المحدود دخل فيه.

وقد حكى ابن القاص عن الشافعي أنّه إذا قال : له علَيَّ ما بين الدرهم إلى العشرة ، لزمه تسعة(١) .

فعلى هذا يكون قولُه مثلَ قول محمّد بن الحسن ؛ لأنّه أدخل الحدّ في الإقرار ، ولو قال : قرأتُ القرآن من أوّله إلى آخره ، دخل الطرفان ، أو : أكلتُ الطعام من أوّله إلى آخره ، دخل الطرفان ، فكذا هنا.

وهو أحد وجوه الشافعيّة(٢) .

ويحتمل وجوب تسعة - وبه قال أبو حنيفة وأحمد وبعض الشافعيّة(٣) - لأنّ الأوّل ابتداء الغاية ، والعاشر هو الحدّ ، فدخل الابتداء فيه ، ولم يدخل الحدّ ، ولأنّ الملتزم زائد على الواحد ، والواحد مبدأ العدد والالتزام ، فيبعد إخراجه عمّا يلتزم ، ولأنّ « من » لابتداء الغاية ، وأوّل الغاية منها ، و« إلى » لانتهائها ، فلا يدخل فيها ؛ لقوله تعالى :( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) (٤) .

____________________

(١) حلية العلماء ٨ : ٣٤٨.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٥٩ ، الوسيط ٣ : ٣٣٧ ، الوجيز ١ : ١٩٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٣٩ ، البيان ١٣ : ٤٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٤.

(٣) الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٠٩ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢٢٠ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٨٣ ، المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ٩٦ ، الحاوي الكبير ٧ : ٩٥ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٩ ، بحر المذهب ٨ : ٢٨١ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٨ ، الوجيز ١ : ١٩٨ ، الوسيط ٣ : ٣٣٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٣٩ ، البيان ١٣ : ٤٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٤ ، المغني ٥ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٤٩.

(٤) البقرة : ١٨٧.

٣٣٦

ويحتمل وجوب ثمانية - وبه قال زفر(١) - لأنّ الأوّل والعاشر حدّان لا يدخلان في المحدود ، كما لو قال : بعتك من هذا الجدار إلى هذا الجدار ، لا يدخل الجداران في المبيع.

والمعتمد : الأوّل.

وجماعة من الشافعيّة رجّحوا الثاني ؛ لأنّه لو قال : لفلان من هذه النخلة إلى هذه النخلة ، تدخل النخلة الأُولى في الإقرار ، دون الأخيرة(٢) .

وما ينبغي أن يكون الحكم في هذه الصورة كما ذكر ، بل هو كما لو قال : بعتك من هذا الجدار إلى هذا الجدار.

ولو قال : له علَيَّ ما بين درهمٍ إلى عشرة ، فقد قلنا : إنّه يلزمه ثمانية ؛ لأنّ « ما » بمعنى « الذي » كأنّه قال : له العدد الذي يقع بين الواحد إلى العشرة ، وهو صريح في إخراج الطرفين.

وعن الشافعي أنّه يلزمه تسعة ؛ لأنّ الحدّ إذا كان من جنس المحدود يدخل فيه ، فيضمّ الدرهم العاشر إلى الثمانية(٣) .

وحكي عن القفّال أنّه يلزمه عشرة(٤) .

فحصل للشافعيّة في هذه المسألة ثلاثة أوجُه ، كما في قوله : له علَيَّ من درهمٍ إلى عشرة.

____________________

(١) الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٠٩ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢٢١ ، المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ٩٦ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٨٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٥٨ ، بحر المذهب ٨ : ٢٨١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٣٩.

(٢) الوجيز ١ : ١٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٤.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٢٨١ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٤.

(٤) بحر المذهب ٨ : ٢٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٤.

٣٣٧

ولو قال : أردتُ بقو لي : « من واحدٍ إلى عشرة » مجموع الأعداد كلّها ، لزمه خمسة وخمسون درهماً.

وطريقه : أن يزيد أوّل العدد - وهو الواحد - على العشرة ، فيصير أحد عشر ، ثمّ يضربها في نصف العشرة ، فما بلغ فهو الجواب.

مسألة ٩١٧ : لو قال : له علَيَّ درهم في عشرة ، احتُمل أن تكون العشرة ظرفا ، وأن تكون مضروباً فيها ، فإن أراد الأوّل لزمه درهم ، كأنّه قال : له درهم في عشرة لي ، وإن أراد الضرب والحساب لزمه عشرة.

ولو أراد بـ « في » « مع » لزمه أحد عشر درهماً ؛ لأنّ « في » قد ترد بمعنى « مع » يقال : جاء الأمير في جيشه ، أي مع جيشه. ويرجع في ذلك إليه ، ويُقبل قوله بغير يمين ؛ لأنّ لفظه محتمل لذلك كلّه ، وهو أعرف بمراده ، فإن أطلق سُئل ، فإن تعذّر لزمه واحد ؛ لأنّه المتيقّن ، والأصل براءة الذمّة.

وعند الشافعيّة أنّه لو قال : أنتِ طالق واحدة في اثنتين - في قولٍ لهم - أنّه يُحمل على الحساب وإن أطلق ؛ لأنّه أظهر في الاستعمال ، وذلك القول عائد هنا(١) .

ولو قال : له علَيَّ درهمان في عشرة ، وقال : أردتُ الحساب ، لزمه عشرون.

وإن قال : أردتُ درهمين مع عشرة ، ولم يكن يعرف الحساب ، قُبِل منه ، ولزمه اثنا عشر ؛ لأنّ كثيراً من العامّة يريدون بهذا اللفظ هذا المعنى.

وقال بعض العامّة : لو كان عارفاً بالحساب ، لم يُقبل منه ؛ لأنّ الظاهر من الحساب استعمال ألفاظه لمعانيها في اصطلاحهم(٢) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٥.

(٢) المغني ٥ : ٣٠٠.

٣٣٨

والوجه : القبول منه ؛ لاحتمال أن يستعمل مصطلحات العامّة.

وإن قال : أردتُ درهمين في عشرة لي ، لزمه درهمان ؛ لاحتمال ما يقول.

ولو قال : درهمان في دينار ، لم يحتمل الحساب وسُئل عن المراد ، فإن قال : أردت العطف ، أو معنى « مع » لزمه الدرهمان والدينار.

وإن قال : أسلمتهما في دينارٍ فصدّقه الـمُقرّ له ، بطل إقراره ؛ لأنّ سَلَم أحد النقدين في الآخَر باطل ، وإن كذّبه فالقول قول الـمُقرّ له ؛ لأنّ الـمُقرّ وصل إقراره بما يُسقطه ، فلزمه ما أقرّ به ، وبطل قوله : « في دينار ».

وكذا لو قال : له درهمان في ثوبٍ ، وفسّره بالسَّلَم ، أو قال : في ثوبٍ اشتريته منه إلى سنة ، فصدّقه ، بطل إقراره ؛ لأنّه إن كان بعد التفرّق بطل السَّلَم ، وسقط الثمن ، وإن كان قبل التفرّق فالـمُقرّ بالخيار بين الفسخ والإمضاء ، ولو كذّبه الـمُقرّ له فالقول قوله مع يمينه ، وله الدرهمان.

البحث الخامس : في الإقرار بالظرف والمظروف.

مسألة ٩١٨ : الإقرار بأحد شيئين لا يستلزم الإقرار بالآخَر ، والظرف والمظروف شيئان متغايران ، فلا يلزم من الإقرار بأحدهما الإقرار بالآخَر ؛ لأنّ الأصل البناء على اليقين ، فلا يلزم من الإقرار بالظرف الإقرار بالمظروف ، ولا بالعكس.

فلو قال : له عندي ثوب في منديلٍ ، أو : تمر في جرابٍ ، أو : لبن في كوزٍ ، أو : طعام في سفينةٍ ، أو : دراهم في كيسٍ ، لم يدخل الظرف في الأقارير ؛ لاحتمال أن يريد : في جرابٍ لي ، أو : في منديلٍ لي ، وإذا احتُمل ذلك لم يلزمه من إقراره المحتمل ، ولا تناقض لو ضمّ هذه اللفظة إلى‌

٣٣٩

الإقرار ، ولو كان اللفظ المطلق يدلّ على الإضافة إلى الـمُقرّ له ، لزم التناقض مع التصريح بالإضافة إلى الـمُقرّ.

وكذا لو قال : غصبتُه زيتاً في جرّةٍ ، أو : ثوباً في منديلٍ ، لم يكن مُقرّاً إلّا بغصب الزيت والثوب خاصّةً ، دون الجرّة والمنديل.

وبه قال الشافعي وما لك(١) .

وقال أبو حنيفة : إذا قال : غصبتُ منه ثوباً في منديلٍ ، كان غاصباً لهما ؛ لأنّ المنديل يكون ظرفاً للثوب ، فالظاهر أنّه ظرف له في حال الغصب ، فصار كأنّه غصبه ثوباً ومنديلاً(٢) .

وهو خطأ ؛ لاحتمال أن يكون المنديل للمُقرّ بأن يقول : غصبتُ ثوباً في منديلٍ لي ، ولو قال ذلك لم يكن غاصباً للمنديل ، ومع الإطلاق يكون محتملاً له ، فلم يكن مُقرّاً بغصبه ، كما لو قال : له عندي ثوب في منديلٍ ، وكما لو قال : غصبتُه دابّةً في اصطبلها.

مسألة ٩١٩ : لو قال : له عندي غمد فيه سيف ، أو : جرّة فيها زيت ،

____________________

(١) الأُم ٣ : ٢٤٠ ، و ٦ : ٢٢٣ ، مختصر المزني : ١١٢ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٥ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥١ ، بحر المذهب ٨ : ٢٤٤ ، الوسيط ٣ : ٣٣٧ - ٣٣٨ ، الوجيز ١ : ١٩٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٣ ، البيان ١٣ : ٤٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٥ - ٣١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٥ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦١٧ / ١٠٤٩ ، الذخيرة ٩ : ٢٧٩ ، المعونة ٢ : ١٢٥٢ ، المغني ٥ : ٣٠٠ - ٣٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٥٢.

(٢) الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٠٨ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢٢١ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٨٢ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢٤٤ ، الوسيط ٣ : ٣٣٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٤ ، البيان ١٣ : ٤٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٦ و ٣١٧ ، المغني ٥ : ٣٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٥٢ - ٣٥٣ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦١٧ / ١٠٤٩ ، الذخيرة ٩ : ٢٧٩.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501