تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

تذكرة الفقهاء11%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: 501

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 180143 / تحميل: 5854
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٦-١
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

ولو قلع جلدة عليها شعر ، لم يكن عليه ضمان ؛ لأنّ زوال الشعر بالتبعية ، فلا يكون مضموناً ، كما لو قطع أشفار عيني غيره ، فإنّه لا يضمن أهدابهما.

مسألة ٣٩٦ : اختلف قول الشيخ -رحمه‌الله - في المحرم هل له أن يحلق رأس المـُحِلّ؟ فجوّزه في الخلاف‌ ولا ضمان - وبه قال الشافعي وعطاء ومجاهد وإسحاق وأبو ثور(١) - لأصالة براءة الذمّة(٢) .

وقال في التهذيب : لا يجوز - وبه قال مالك وأبو حنيفة ، وأوجبا عليه الضمان ، وهو عند أبي حنيفة صدقة(٣) - لقول الصادقعليه‌السلام : « لا يأخذ الحرام من شعر الحلال »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فالشاة تصرف إلى المساكين ، ولا يجوز له أن يأكل من اللحم شيئاً ؛ لأنّها كفّارة ، فيجب دفعها إلى المساكين ، كغيرها من الكفّارات.

ولما رواه ابن بابويه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث كعب ( والنسك شاة لا يطعم منها أحد إلّا المساكين )(٥) .

مسألة ٣٩٧ : أجمع علماء الأمصار على أنّ المـُحْرم ممنوع من قصّ أظفاره‌ ، وتجب فيه الفدية عند عامّة أهل العلم(٦) - وبه قال حمّاد ومالك‌

____________________

(١) الاُم ٢ : ٢٠٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ١١٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٩ ، المجموع ٧ : ٢٤٨ و ٣٥٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٤ ، المغني ٣ : ٥٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٣ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٢.

(٢) الخلاف ٢ : ٣١١ - ٣١٢ ، المسألة ١٠٣.

(٣) المدوّنة الكبرى ١ : ٤٢٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٣ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١١٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٩ ، المجموع ٧ : ٢٤٨ و ٣٥٠ ، المغني ٣ : ٥٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٤.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٤٠ - ٣٤١ ذيل الحديث ١١٧٨ والحديث ١١٧٩.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٢٨ - ٢٢٩ ذيل الحديث ١٠٨٤.

(٦) المغني ٣ : ٥٣١ - ٥٣٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٢.

٢١

والشافعي وأحمد وأبو ثور وأصحاب الرأي وعطاء في إحدى الروايتين(١) - لأنّه أزال ما منع من إزالته لأجل التنظيف والترفّه ، فوجبت الفدية ، كحلق الشعر.

وفي الرواية الاُخرى عن عطاء : أنّه لا كفّارة ؛ لأنّ الشرع لم يرد فيه بفدية(٢) .

ونمنع عدم ورود الشرع على ما يأتي ، والقياس يدلّ عليه.

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجب في الظفر الواحد مُدٌّ من طعام عند علمائنا أجمع - وبه قال أحمد والشافعي في أحد أقواله(٣) - لأنّ أبا بصير سأل الصادقَعليه‌السلام - في الصحيح - : عن رجل قلّم ظفراً من أظافيره وهو مُحْرم ، قال : « عليه في كلّ ظفر قيمة مُدَّ من طعام حتى يبلغ عشرة »(٤) .

والثاني للشافعي : عليه درهم.

والثالث : ثُلْث دم ؛ لأنّ الدم عنده يجب في ثلاثة أظفار(٥) .

إذا ثبت هذا ، ففي الظفرين مُدّان ، وفي الثلاثة ثلاثة أمداد ، وهكذا يزيد في كلّ ظُفْر مُدٌّ إلى أن يستوعب القصّ أظفار يديه معاً ، فيجب عليه دم شاة عند علمائنا ؛ لأصالة البراءة من الدم ، فلا يثبت إلّا بدليل.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن قلّم أصابع يديه كلّها فعليه دم شاة »(٦) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٣١ - ٥٣٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٢ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ١١٧ ، المجموع ٧ : ٢٤٨ و ٣٧٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٤ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٧.

(٢) المغني ٣ : ٥٣٢ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٧.

(٣) المغني ٣ : ٥٣٢ ، الاُم ٢ : ٢٠٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٧ ، المجموع ٧ : ٣٧١ و ٣٧٦.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٣٢ / ١١٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٩٤ / ٦٥١ ، والفقيه ٢ : ٢٢٧ / ١٠٧٥.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٤٦٧ ، المجموع ٧ : ٣٧١ و ٣٧٦.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٣٢ / ١١٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٩٤ / ٦٥١ ، والفقيه ٢ : ٢٢٧ / ١٠٧٥.

٢٢

وفي حديث الحلبي عنهعليه‌السلام « مدّ في كلّ إصبع ، فإن هو قلّم أظافيره عشرتها فإنّ عليه دم شاة »(١) .

وقال أبو حنيفة : إن : قلّم خمس أصابع من يد واحدة ، لزمه الدم ، ولو قلّم من كلّ يد أربعة أظفار ، لم يجب عليه دم ، بل الصدقة. وكذا لو قلّم يداً واحدة إلّا بعض الظفر لم يجب الدم.

وبالجملة : فالدم عنده إنّما يجب بتقليم أظفار يد واحدة كاملة - وهو رواية لنا(٢) - لأنّه لم يستكمل منفعة اليد من التزيين والإرفاق الكامل ، بل تحصل بالشين في أعين الناس ، بخلاف اليد الواحدة(٣) .

وهو حجّة لنا ؛ فإنّ الإرفاق والتزيين إنّما يحصلان بتقليم اليدين معاً أو الرِّجْلين معاً ، لا بإحدى اليدين أو إحدى الرِّجلين.

وقال الشافعي : إن قلّم ثلاثة أظافير في مجلس واحد ، وجب الدم ، ولو كانت في ثلاثة أوقات متفرّقة ، ففي كلّ ظفر الأقوال الثلاثة. ولا يقول : إنّه يجب الدم عند التكامل ، وفي أصحابه من قال : عليه دم. وليس هو المذهب عندهم ؛ لأنّ الثلاثة جمع يقع عليها اسمه ، فأشبه ما لو قلّم خمساً من كلّ واحدة أو العشرة(٤) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٣٢ / ١١٤٢ ، الاستبصار ٢ : ١٩٤ / ٦٥٢.

(٢) كما في الخلاف - للشيخ الطوسي - ٢ : ٣٠٩ ، المسألة ١٠٠.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٣ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٤ ، المغني ٣ : ٥٣٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١١٧ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٨ ، المجموع ٧ : ٣٧٦ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٠٩ ، المسألة ١٠٠.

(٤) انظر : المغني ٣ : ٥٣٢ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٧٢ ، والحاوي الكبير ٤ : ١١٧ ، والمجموع ٧ : ٣٦٩ و ٣٧٦ ، و ٣٨٠ - ٣٨١ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٠٩ و ٣١٠ ، المسألتان ١٠٠ و ١٠١.

٢٣

ونمنع تعلّق الدم بما يقع عليه اسم الجمع ، ولا عبرة به مع النصّ.

وقال محمّد : إذا قصّ خمسة أظفار من يدين أو رجلين أو منهما أو من واحدة منهما ، وجب الدم ؛ لأنّه ربع وزيادة ، فأشبه قصّ يد واحدة أو رِجْل واحدة(١) .

ونمنع ثبوت الحكم في الأصل.

فروع :

أ - الكفّارة تجب على كلّ مَنْ قلّم متعمّداً‌ ، ولا شي‌ء على الناسي ولا الجاهل عند علمائنا - وبه قال إسحاق وابن المنذر وأحمد(٢) - لما تقدّم.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « وليس عليك فداء شي‌ء أتيته وأنت مُحْرمٌ جاهلاً به إذا كنت مُحْرماً في حجّك ولا عمرتك إلّا الصيد عليك الفداء بجهل كان أو عمد »(٣) الحديث.

ب - لو قصّ بعض الظفر ، وجب عليه ما يجب في جميعه.

ج - لو قصّ أظفار يديه ورجليه معاً ، فإن اتّحد المجلس ، وجب دم واحد ، وإن كان في مجلسين ، وجب دمان.

روى أبو بصير - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قلت له : فإن قلّم أظافير رجليه ويديه جميعاً ، قال : « إن كان فَعَل ذلك في مجلس واحد ، فعليه دم ، وإن كان فَعَله متفرّقاً في مجلسين ، فعليه دمان »(٤) .

____________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ١٩٤ ، المجموع ٧ : ٣٧٦.

(٢) الشرح الكبير ٣ : ٣٥٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٧٠ / ١٢٨٨.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٣٢ / ١١٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٩٤ / ٦٥١.

٢٤

د - مَنْ أفتى غيره بتقليم ظفره ، فقلّمه فأدماه ، وجب على المفتي دم شاة‌ ، لأنّه الأصل في إراقة الدم.

ولأنّ إسحاق الصيرفي سأل الكاظمَعليه‌السلام : أنّ رجلاً أحرم فقلّم أظفاره ، وكانت إصبع له عليلة فترك ظفرها لم يقصّه ، فأفتاه رجل بعد ما أحرم ، فقصّه فأدماه ، قال : « على الذي أفتاه شاة »(١) .

البحث الرابع : في جزاء قتل هوامّ الجسد وقطع الشجر.

مسألة ٣٩٨ : يجب برمي القملة عن جسد المـُحْرم أو قتلها كفٌّ من طعام‌ - وبه قال عطاء(٢) - لأنّه حصل به الترفّه والتنظّف ، فوجب عليه الفداء ، كحلق الرأس.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « المـُحْرم لا ينزع القملة من جسده ولا من ثوبه متعمّداً ، وإن فعل(٣) شيئاً من ذلك خطأً فليطعم مكانها طعاماً قبضةً بيده »(٤) .

وقال أصحاب الرأي : يتصدّق بمهما كان(٥) .

وقال إسحاق : يتصدّق بتمرة(٦) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٣٣ / ١١٤٦.

(٢) المغني ٣ : ٢٧٤ ، المجموع ٧ : ٣٣٤.

(٣) في المصدر : « وإن قتل ».

(٤) التهذيب ٥ : ٣٣٦ / ١١٦٠ ، الإستبصار ٢ : ١٩٦ - ١٩٧ / ٦٦١.

(٥) بدائع الصنائع ٢ : ١٩٦ ، المغني ٣ : ٢٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٢ ، المجموع ٧ : ٣٣٤.

(٦) المغني ٣ : ٢٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٢ ، المجموع ٧ : ٣٣٤.

٢٥

وقال مالك : حفنة من طعام(١) .

وقال طاوُس وسعيد بن جبير وأبو ثور وابن المنذر وأحمد في إحدى الروايتين : لا شي‌ء عليه ؛ لأنّ ابن عباس سُئل : عن مُحْرم ألقى قملة ثم طلبها فلم يجدها ، فقال : تلك ضالّة لا تبتغى(٢) .

ولا دلالة فيه على عدم الفدية.

إذا عرفت هذا ، فإنّ الكفّارة تجب في العمد والسهو والخطأ ، كالصيد. وللرواية(٣) .

مسألة ٣٩٩ : يحرم قطع شجرة الحرم في قول العلماء كافّة ، وتجب في الكبيرة بقرة ، وفي الصغيرة شاة ، وفي أبعاضها قيمة ، قاله الشيخ(٤) .

وأوجب الشافعي وأحمد وأصحاب الرأي الضمان ، وهو مروي عن ابن عباس وعطاء(٥) .

لقولهعليه‌السلام : ( ولا يعضد شجرها )(٦) .

ولقول ابن عباس : في الدوحة بقرة ، وفي الجزلة شاة(٧) .

ومن طريق الخاصّة : قول أحدهماعليهما‌السلام : « إذا كان في دار الرجل‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٧٣ - ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٢ ، المجموع ٧ : ٣٣٤.

(٢) المغني ٣ : ٢٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٢ ، المجموع ٧ : ٣٣٤.

(٣) تقدّمت في صدر المسألة.

(٤) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٥٤.

(٥) الاُم ٢ : ٢٠٨ ، مختصر المزني : ٧١ ، المجموع ٧ : ٤٩٤ و ٤٩٦ ، فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٢ ، فتح الباري ٤ : ٣٥ ، المغني ٣ : ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٠ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٥.

(٦) صحيح البخاري ٣ : ١٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٨٩ / ٤٤٨ ، سنن أبي داود ٢ : ٢١٢ / ٢٠١٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢١١ ، سنن البيهقي ٥ : ١٩٥.

(٧) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٦ ، المغني ٣ : ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠.

٢٦

شجرة من شجر الحرم ولم تنزع ، فإن أراد نَزْعها ، نَزَعها ، وكفّر بذبح بقرة يتصدّق بلحمها على المساكين »(١) .

والرواية مرسلة.

وقال مالك : لا ضمان فيه ؛ لأنّ قطع شجر الحلّ لا يوجب الجزاء على المـُحْرم ، فكذا قطع شجر الحرم ؛ لأنّ ما حرم بالإِحرام لا يتفاوت ، كالصيد(٢) .

والجواب : أنّ هتك حرمة الحرم يحصل في الفرع(٣) دون الأصل ، فافترقا.

إذا عرفت هذا ، فالضمان ما قلناه عندنا وعند مَنْ أوجبه من العامّة ، إلّا أصحاب الرأي ؛ فإنّهم أوجبوا القيمة في الجميع ؛ لأنّه لا مقدّر فيه ، فأشبه الحشيش(٤) .

ونمنع الصغرى.

البحث الخامس : فيما يجب بالفسوق والجدال.

مسألة ٤٠٠ : المـُحْرم إذا جادل صادقاً مرّةً أو مرّتين ، لم يكن عليه شي‌ء من الكفّارة‌ ؛ للأصل ، ويتوب ، فإن جادل ثلاثاً صادقاً ، وجب عليه دم شاة ؛ لارتكابه المحظور والمنهي عنه في قوله تعالى :( وَلا جِدالَ ) (٥) وهو يتناول الصادق والكاذب ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا جادل فوق مرّتين‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٨١ / ١٣٣١.

(٢) بداية المجتهد ١ : ٣٦٥ ، المغني ٣ : ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠ ، فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٢ ، فتح الباري ٤ : ٣٥.

(٣) الفرع هنا شجر الحرم باعتبار أنّه جُعل مقيساً على الأصل وهو شجر الحِلّ.

(٤) بدائع الصنائع ٢ : ٢١٠ ، المغني ٣ : ٣٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠ ، المجموع ٧ : ٤٩٦.

(٥) البقرة : ١٩٧.

٢٧

فعلى المصيب دم يهريقه وعلى المخطئ بقرة »(١) .

ولو جادل مرّةً كاذباً ، وجب عليه دم شاة ، فإن جادل مرّتين ، كان عليه بقرة ، فإن جادل ثلاثاً كاذباً ، كان عليه جزور ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا جادل الرجل وهو مُحْرم وكذب متعمّداً فعليه جزور »(٢) .

هذا كلّه إذا فَعَله متعمّداً ، فإن فَعَله ساهياً ، لم يكن عليه شي‌ء.

مسألة ٤٠١ : الجدال : قول الرجل : لا والله وبلى والله ؛ لأنّ معاوية بن عمّار روى - في الصحيح - أنّه سأل الصادقَعليه‌السلام : عن الرجل يقول : لا لعمري ، وهو مُحْرم ، قال : « ليس بالجدال ، إنّما الجدال قول الرجل : لا والله وبلى والله ، وأمّا قوله : لاها ، فإنّما طلب الاسم ، وقوله : يا هناه ، فلا بأس به ، وأمّا قوله : لا بل شانيك ، فإنّه من قول الجاهلية »(٣) .

إذا عرفت هذا ، فهل الجدال مجموع اللفظتين ، أعني « لا والله » و « بلى والله » أو إحداهما؟ الأقرب : الثاني.

وأمّا الفسوق : فهو الكذب ، ولا شي‌ء فيه ؛ للأصل.

ولأنّ محمّد بن مسلم والحلبي قالا للصادقعليه‌السلام : أرأيت من ابتلى بالفسوق ما عليه؟ قال : « لم يجعل الله له حدّاً ، يستغفر الله ويلبّي »(٤) .

البحث السادس : فيما يجب بالاستمتاع.

مسألة ٤٠٢ : مَنْ وطئ امرأته وهو مُحْرم عالماً بالتحريم‌ عامداً قبل‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٣٧ / ١ ، الفقيه ٢ : ٢١٢ / ٩٦٨.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٣٥ / ١١٥٥.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٣٦ / ١١٥٧.

(٤) الفقيه ٢ : ٢١٢ / ٩٦٨.

٢٨

الوقوف بالموقفين فسد حجّه بإجماع العلماء كافّة ؛ لما رواه العامّة عن ابن عباس : أنّ رجلاً سأله ، فقال : إنّي واقعت بامرأتي ونحن مُحْرمان ، فقال : أفسدت حجّك ، انطلق أنت وأهلك مع الناس فاقضوا ما يقضون ، وحلِّ إذا أحلّوا ، فإذا كان العام المقبل فاحجج أنت وامرأتك ، واهديا هدياً ، فإن لم تجدا ، فصُوما ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجعتم(١) .

[ وفي حديث ابن عباس ](٢) : ويتفرّقان من حيث يُحْرمان حتى يقضيا حجّهما(٣) .

قال ابن المنذر : قول ابن عباس أعلى شي‌ء روي فيمن وطئ في حجّه(٤) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه زرارة ، قال : سألته عن مُحْرم غشي امرأته وهي مُحْرمة ، فقال : « جاهلين أو عالمين؟ » قلت : أجبني عن الوجهين جميعاً ، فقال : « إن كانا جاهلين ، استغفرا ربّهما ، ومضيا على حجّهما ، وليس عليهما شي‌ء ، وإن كانا عالمين ، فُرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه ، وعليهما بدنة ، وعليهما الحجّ من قابل ، فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه ، فُرّق بينهما حتى يقضيا مناسكهما ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا » قلت : فأيّ الحجّتين لهما؟ قال : « الاُولى التي أحدثا فيها ما أحدثا ، والاُخرى عليهما عقوبة »(٥) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجب عليه إتمام الحجّ الفاسد ، والحجّ من قابل ،

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٢٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢١.

(٢) أضفناها من المصدر.

(٣) المغني ٣ : ٣٢٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢١.

(٤) المغني ٣ : ٣٢٣ - ٣٢٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢١.

(٥) الكافي ٤ : ٣٧٣ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣١٧ / ١٠٩٢.

٢٩

ويكفّر ببدنة ، وإذا انتهيا إلى المكان الذي أحدثا فيه ما أحدثا ، فُرّق بينهما بأن لا يخلوا بأنفسهما إلّا ومعهما ثالث محترم حتى يقضيا مناسك القضاء إن حجّا على ذلك الطريق - وممّن قال بوجوب الفدية : ابن عباس وطاوُس وعطاء ومجاهد ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأبو ثور(١) لأنّه وطئ في إحرامٍ تامّ عامداً ، فوجب به عليه بدنة ، كما لو وطئ بعد الوقوف بالموقفين.

ولرواية معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل محرم وقع على أهله ، فقال : « إن كان جاهلاً فليس عليه شي‌ء ، وإن لم يكن جاهلاً فإنّ عليه أن يسوق بدنة ، ويُفرّق بينهما حتى يقضيا المناسك ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا ، وعليهما الحجّ من قابل »(٢) .

وقال أبو حنيفة : تجب عليه شاة - وقال الثوري وإسحاق : تجب عليه بدنة ، فإن لم يجد ، فشاة(٣) - لأنّه معنى يتعلّق به وجوب القضاء ، فلا يتعلّق به وجوب البدنة ، كالفوات(٤) .

وهو باطل ؛ للفرق ، فإنّ الفوات لا تجب فيه الشاة بالإجماع ، بخلاف الإفساد ، وإذا ثبت الفرق ، بطل الإلحاق.

مسألة ٤٠٣ : يجب عليه إتمام الحجّ الفاسد‌ عند علمائنا - وهو قول‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٢٤ - ٣٢٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢ ، المجموع ٧ : ٣٨٧ و ٤١٤ و ٤١٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢١٥ - ٢١٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٧.

(٢) التهذيب ٥ : ٣١٨ / ١٠٩٥.

(٣) المغني ٣ : ٣٢٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢ ، المجموع ٧ : ٤١٦.

(٤) المغني ٣ : ٣٢٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٧ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٠ ، المجموع ٧ : ٤١٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢١٥ - ٢١٦.

٣٠

عامّة العلماء(١) - لقوله تعالى :( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) (٢) وهو يتناول الفاسد.

ولما رواه العامّة عن عليعليه‌السلام ، وعمر وابن عباس وأبي هريرة أنّهم قالوا : مَنْ أفسد حجّه يمضي في فاسدة ، ويقضي من قابل(٣) . ولم يعرف لهم مخالف ، فكان إجماعاً.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « ويفرّق بينهما حتى يقضيا المناسك »(٤) .

وقالت الظاهرية : يخرج من إحرامه ، ولا يجب عليه الإتمام ؛ لقولهعليه‌السلام : ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو مردود )(٥) (٦) .

والجواب : المضيّ في الفاسد مأمور به.

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجب عليه القضاء في السنة المـُقْبلة على الفور وجوباً عند علمائنا - وبه قال الشافعي(٧) - لما رواه العامّة : أنّ رجلاً أفسد حجّه ، فسأل عمر ، فقال : يقضي من قابل ، وسأل ابن عباس ، فقال كذلك ،

____________________

(١) الشرح الكبير ٣ : ٣٢٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢١٥ - ٢١٦ ، المجموع ٧ : ٣٨٨ و ٤١٤.

(٢) البقرة : ١٩٦.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ٢١٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٢ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٣٢٣ ، المحلّى ٧ : ١٩٠ ، سنن البيهقي ٥ : ١٦٧.

(٤) التهذيب ٥ : ٣١٨ / ١٠٩٥.

(٥) كتاب السّنة - لابن أبي عاصم - ١ : ٢٨ / ٥٢ ، وبتفاوت في صحيح البخاري ٣ : ٩١ ، وصحيح مسلم ٣ : ١٣٤٣ - ١٣٤٤ / ١٨ ، ومسند أحمد ٦ : ١٤٦ و ١٨٠ و ٢٥٦.

(٦) المحلّى ٧ : ١٨٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢١٦ ، المجموع ٧ : ٣٨٨ و ٤١٤.

(٧) الحاوي الكبير ٤ : ٢٢١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٣ - ٤٧٤ ، المجموع ٧ : ٣٨٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٠.

٣١

وسأل ابن عمر ، فقال كذلك(١) ، ولم يوجد لهم مخالف ، فكان إجماعاً.

ومن طريق الخاصّة : ما تقدّم في المسألة السابقة(٢) .

ولأنّه لمـّا دخل في الإحرام تعيّن عليه ، فيجب أن يكون قضاؤه متعيّناً.

ولأنّ الحجّ واجب على الفور ، والتقدير أنّه لم يقع ؛ إذ الفاسد لا يُخرج المكلّف عن عهدة التكليف.

واختلف أصحاب الشافعي على قولين : أحدهما كما قلناه.

والثاني أنّه على التراخي ؛ لأنّ الأداء واجب على التراخي ، فالقضاء أولى ، فإنّ الصوم يجب على الفور ، وقضاؤه على التراخي(٣) .

ونمنع التراخي في الأداء ، وقد سبق(٤) .

مسألة ٤٠٤ : المرأة الموطوءة إذا كانت مُحْرمةً ، فإن طاوعت الزوج ، فسد حجّها ، ووجب إتمامه وبدنة والحجّ من قابل ، وإن أكرهها ، لم يكن عليها شي‌ء ، وتحمّل عنها البدنة خاصّةً - وبه قال ابن عباس وسعيد بن المسيّب والنخعي والضحّاك ومالك والحكم وأحمد(٥) - لوجود المقتضي - وهو الإِفساد - في حقّها ، كوجوده في حقّه ، فتساويه في العقوبة.

ولما رواه علي بن أبي حمزة ، قال : سألت أبا الحسنعليه‌السلام : عن‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ٢١٦ ، المغني ٣ : ٣٢٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢١.

(٢) من رواية زرارة.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ٢٢١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٢ ، المجموع ٧ : ٣٨٩.

(٤) سبق في ج ٧ ص ١٧ ، المسألة ٨.

(٥) المغني ٣ : ٣٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٧ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧١.

٣٢

رجل مُحْرم واقع أهله ، فقال : « قد أتى عظيماً » قلت : أفتني ، قال : « استكرهها أو لم يستكرهها؟ » قلت : أفتني فيهما جميعاً ، فقال : « إن كان استكرهها ، فعليه بدنتان ، وإن لم يكن استكرهها ، فعليه بدنة ، وعليها بدنة ، ويفترقا من المكان الذي كان فيه ما كان حتّى ينتهيا إلى مكّة ، وعليهما الحجّ من قابل لا بُدّ منه »(١) .

وقال الشافعي : يجزئهما هدي واحد - وبه قال عطاء وأحمد في إحدى الروايتين - لأنّه جماع واحد ، فلم يوجب أكثر من بدنة ، كرمضان(٢) .

ونمنع الحكم في الأصل ؛ لقول ابن عباس : أهد ناقةً ، ولْتُهْدِ ناقةً(٣) .

ولأنّها أحد المجامعين من غير إكراه ، فلزمها بدنة ، كالرجل.

فروع :

أ - لو كانت المرأة مُحلّةً ، لم يتعلّق بها شي‌ء ، ولا يجب عليها كفّارة ولا حجّ ، ولا على الرجل بسببها ؛ لأنّه لم تحصل منها جناية في إحرام ، فلا عقوبة عليها.

ب - لو أكرهها - وهي مُحْرمة - على الجماع ، وجب عليه بدنتان : إحداهما عن نفسه ، والاُخرى عنها ؛ لأنّ البدنتين عقوبة هذا الذنب ، وقد صدر بالحقيقة عنه ، فكانت العقوبة عليه ، وبه قال عطاء ومالك وأحمد في إحدى الروايتين(٤) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٤ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣١٧ - ٣١٨ / ١٠٩٣.

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ٢٢١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٥ ، المجموع ٧ : ٣٩٥ ، المغني ٣ : ٣٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٧.

(٣) المغني ٣ : ٣٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٧.

(٤) المغني ٣ : ٣٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٧ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧١.

٣٣

وقال في الاُخرى : لا شي‌ء عليه عنها. وبه قال إسحاق وأبو ثور وابن المنذر(١) .

وعنه ثالثة : أنّ البدنة عليها(٢) .

وهو خطأ ؛ لما مرّ.

ولا يجب عليها حجّ ثانٍ ولا عليه عنها ، بل يحجّ عن نفسه في القابل ، لبقاء حجّتها على الصحّة.

ج - إذا كانت مطاوعةً ، وجب عليها قضاء الحجّ ؛ لما قلناه.

ونفقة الحجّ عليها لا على الزوج.

وللشافعية وجهان : هذا أحدهما ، والثاني : أنّ عليه غرامة الحجّ لها(٣) .

وهو غلط ؛ فإنّ نفقة الأداء لم تكن عليه ، فكذا القضاء.

احتجّوا : بأنها غرامة تعلّقت بالوطء ، فكانت على الزوج كالمهر(٤) .

والجواب : أنّ المهر عوض بُضْعها ، أمّا الكفّارة فإنّها عقوبة.

وعلى هذا فثمن ماء غسلها عليها خاصّة ، خلافاً لهم(٥) .

مسألة ٤٠٥ : يجب عليهما أن يفترقا في القضاء إذا بلغا المكان الذي وطئها فيه إلى أن يقضيا المناسك‌ إن حجّا على ذلك الطريق - وبه قال الشافعي في القديم ، وأحمد(٦) - لما رواه العامّة عن عليعليه‌السلام ، وعمر‌

____________________

(١ و ٢ ) المغني ٣ : ٣٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٧.

(٣ و ٤ ) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٢١.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٢ ، المجموع ٧ : ٣٩٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣١١.

(٦) الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٦ ، المجموع ٧ : ٣٩٩ ، المغني ٣ : ٣٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧١ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٨.

٣٤

وعثمان وابن عباس(١) ، ولا مخالف لهم ، فكان إجماعاً.

ومن طريق الخاصّة : ما تقدّم(٢) في حديث زرارة : « وإن كانا عالمين فُرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه حتى يقضيا مناسكهما ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا ».

واختلف أصحاب الشافعي على وجهين : أحدهما كما قلنا ، والثاني : أنّه مستحب(٣) .

وقال مالك : يفترقان من حيث يُحْرمان - ونقله في الموطّأ(٤) عن عليعليه‌السلام - لأنّ التفريق إنّما يكون لخوف مواقعة الوطء ، وذلك يوجد بإحرامهما(٥) .

والجواب : أنّ التفريق في جميع المسافة مشقّة عظيمة ، فاقتصر على موضع مواقعة المحظور ؛ لأنّه الذي به يحصل الداعي إلى الوطء.

وقال أبو حنيفة : لا أعرف هذه التفرقة ؛ لأنّه لو وطئها في رمضان ، لم يجب التفريق بينهما في قضائه ، فكذا هنا(٦) .

والجواب : التفريق في الصوم مشقّة ؛ لأنّ السكنى يجمعهما.

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٦ ، سنن البيهقي ٥ : ١٦٧.

(٢) تقدّم في المسألة ٤٠٢.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٧٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٣ ، المجموع ٧ : ٣٩٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣١١.

(٤) الموطّأ ١ : ٣٨١ - ٣٨٢ / ١٥١.

(٥) المدوّنة الكبرى ١ : ٤٥٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣١١ ، المغني ٣ : ٣٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٤.

(٦) بدائع الصنائع ٢ : ٢١٨ ، الاختيار لتعليل المختار ١ : ٢١٧ ، حلية العلماء ٣ : ٣١١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٢.

٣٥

ولأنّ القضاء في رمضان لا يتعيّن ، وهنا متعيّن.

ولأنّ مشقّة إفساد قضاء رمضان أقلّ كثيراً من المشقّة هنا ، فكان الاحتراز هنا عمّا يفسده أشدّ من الاحتراز هناك.

إذا عرفت هذا ، فإنّ التفريق ينبغي أن يكون في القضاء من المكان الذي أحدثا فيه ما أحدثا حتى يقضيا المناسك.

والروايات تعطي التفريق أيضاً في الحجّة الاُولى من ذلك المكان حتى يأتيها بها فاسدة أيضاً.

وهو جيّد ؛ لأنّ التحريم في الفاسد ثابت كالصحيح ، فوجبت التفرقة.

وحدّ الافتراق أن لا يخلوا بأنفسهما ، بل متى اجتمعا كان معهما ثالث مُحترم ؛ لأنّ وجود الثالث يمنع من الإقدام على المواقعة ، كمنع التفريق.

ولقول الصادقعليه‌السلام : في المـُحْرم يقع على أهله ، قال : « يفرّق بينهما ، ولا يجتمعان في خباء إلّا أن يكون معهما غيرهما حتى يبلغ الهدي محلّه »(١) .

مسألة ٤٠٦ : لو وطئ ناسياً أو جاهلاً بالتحريم ، لم يفسد حجّه ، ولا شي‌ء عليه - وبه قال الشافعي في الجديد(٢) - لقولهعليه‌السلام : ( رُفع عن أمّتي الخطأ والنسيان )(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إن كانا جاهلين استغفرا ربّهما ، ومضيا على حجّهما ، وليس عليهما شي‌ء »(٤) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣١٩ / ١١٠٠.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٧٨ ، المجموع ٧ : ٣٤١ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢١٩ ، المغني ٣ : ٣٣٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٧ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢١.

(٣) كنز العمّال ٤ : ٢٣٣ / ١٠٣٠٧ نقلاً عن الطبراني في المعجم الكبير.

(٤) الكافي ٤ : ٣٧٣ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣١٧ / ١٠٩٢.

٣٦

ولأنّها عبادة تجب بإفسادها الكفّارة ، فافترق وطء العامد والناسي فيها ، كالصوم.

وقال الشافعي في القديم : يفسد حجّه ، وتجب الفدية كالعامد - وبه قال مالك وأحمد وأصحاب الرأي - لأنّه سبب يتعلّق به وجوب القضاء ، فاستوى عمده وسهوه كالفوات.

ولأنّه من محظورات الإحرام ، فاستوى عمده وسهوه ، كقتل الصيد(١) .

والفرق : أنّ الفوات ترك ركن ، فاستوى عمده وسهوه ، كغيره من الاُصول.

وجزاء الصيد ضمان الإتلاف ، وذلك يستوي في الاُصول عمده وسهوه.

تذنيب : لو اُكره على الجماع ، لم يفسد حجّه ، ولا كفّارة عليه عندنا - وللشافعي قولان كالناسي(٢) - لقولهعليه‌السلام : ( وما استكرهوا عليه )(٣) .

ولأنّ الإكراه يرفع الفساد في حقّ المرأة ، فكذا في حقّ الرجل ، لعدم الفرق بينهما.

مسألة ٤٠٧ : لا فرق بين الوطء في القُبُل والدُّبُر من المرأة والغلام في وجوب الكفّارة وإفساد الحجّ‌ - وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وأبو يوسف‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ٢١٩ ، المجموع ٧ : ٣٤١ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧١ ، المغني ٣ : ٣٣٨ - ٣٣٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٧ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢١.

(٢) المجموع ٧ : ٣٤١ - ٣٤٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٨.

(٣) كنز العمّال ٤ : ٢٣٣ / ١٠٣٠٧ نقلاً عن الطبراني في المعجم الكبير.

٣٧

ومحمّد(١) - لأنّه وطء في فرج يوجب الغسل ، فيوجب الإفساد ، كالقُبُل.

وللروايات الدّالة على إيجاب ما ذكرنا على مَنْ واقع أو غشي امرأته ، وهو صادق في المتنازع.

وقال أبو حنيفة : لا يفسد بالوطء في الدُّبُر - رواه عنه أبو ثور - لأنّه وطء لا يتعلّق به الإحصان والإحلال ، فأشبه الوطء فيما دون الفرج(٢) .

والفرق : أنّ وطء ما دون الفرج لا يوجب الغسل ، وليس كبيرةً في حقّ الأجنبية ، ولا يوجب مهراً ولا حدّاً ولا عدّة ، بخلاف المتنازع.

قال الشيخرحمه‌الله : من أصحابنا مَنْ قال : إتيان البهيمة واللواط بالرجال والنساء بإتيانها في دُبُرها كلّ ذلك يتعلّق به فساد الحجّ. وبه قال الشافعي(٣) .

ومنهم مَنْ قال : لا يتعلّق الفساد إلّا بالوطء في قُبُل المرأة.

وقال أبو حنيفة : إتيان البهيمة لا يفسده ، والوطء في الدُّبُر على روايتين : المعروف : أنّه يفسده.

واستدلّ على الأوّل : بطريقة الاحتياط ، وعلى الثاني : ببراءة الذمّة(٤) .

وهو يدلّ على تردّد الشيخ في تعلّق الإفساد بوطء دُبُر المرأة والغلام.

وجزم في المبسوط بتعلّق الفساد بوطء دُبُر المرأة(٥) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٤ ، المجموع ٧ : ٤٠٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٤ ، المغني ٣ : ٣٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٢١٧ ، المغني ٣ : ٣٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٤.

(٣) في الطبعة الحجرية زيادة : ومنهم من قال : لا يتعلّق به فساد الحجّ. وفي النسخ « ف ، ط ، ن » مضافا إلى ذلك زيادة : وبه قال الشافعي. ولم ترد في المصدر.

(٤) الخلاف ٢ : ٣٧٠ - ٣٧١ ، المسألة ٢١٠.

(٥) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٣٦.

٣٨

وأمّا إتيان البهائم : فقال مالك وأبو حنيفة : لا يفسد به الحجّ ؛ لأنّه انعقد صحيحاً ، فلا يفسده إلّا دليل شرعي ، ولم يثبت(١) .

وقال الشافعي : يفسد الحجّ(٢) .

مسألة ٤٠٨ : لو استمنى بيده ، قال الشيخرحمه‌الله : حكمه حكم المجامع ، إن كان قبل الوقوف بالموقفين ، فسد حجّه ، ووجب عليه بدنة(٣) ؛ لأنّ إسحاق بن عمّار سأل أبا الحسنعليه‌السلام : ما تقول في مُحْرم عبث بذكره فأمنى ، قال : « أرى عليه مثل ما على من أتى أهله وهو مُحْرم : بدنة والحجّ من قابل »(٤) .

ولأنّه هتك حرمة الإحرام بالإنزال على وجه أبلغ من الوطء ؛ لاقترانه(٥) في القبح ، فكان مساوياً له في العقوبة.

وقال ابن إدريس : لا يفسد الحجّ ، وتجب البدنة ؛ للأصل الدالّ على براءة الذمّة ، خرج وجوب الكفّارة ، للإجماع ، فيبقى الباقي على أصله(٦) .

مسألة ٤٠٩ : لو وطئ فيما دون الفرج وأنزل ، وجب عليه بدنة ، ولا يفسد حجّه وإن كان قبل الموقفين - وبه قال أحمد في إحدى الروايتين(٧) - لأنّه جماع ، فوجبت الفدية ، كالفرج.

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧١ ، المجموع ٧ : ٤٢١ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٦.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٧١ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٣ ، المجموع ٧ : ٤٠٩ و ٤٢١ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٤ ، المغني ٣ : ٣٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢.

(٣) النهاية : ٢٣١ ، التهذيب ٥ : ٣٢٤ ذيل الحديث ١١١٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٢٤ / ١١١٣.

(٥) الظاهر - كما في هامش الطبعة الحجرية - : لمشابهته إيّاه.

(٦) السرائر : ١٢٩.

(٧) المغني ٣ : ٣٣١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٨.

٣٩

ولأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادقَعليه‌السلام - في الصحيح - عن رجل وقع على أهله فيما دون الفرج ، قال : « عليه بدنة ، وليس عليه الحجّ من قابل »(١) .

وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار عن الصادقعليه‌السلام : في المـُحْرم يقع على أهله ، قال : « إن كان أفضى إليها ، فعليه بدنة ، والحجّ من قابل ، وإن لم يكن أفضى إليها ، فعليه بدنة ، وليس عليه الحجّ من قابل »(٢) .

ولأنّه استمتاع لا يجب بنوعه الحجّ ، فلم يفسد الحج ، كالتقبيل.

وقال أحمد في الرواية الاُخرى : تجب عليه بدنة ، ويفسد حجّه - وبه قال الحسن وعطاء ومالك وإسحاق - لأنّها عبادة يفسدها الوطء ، فأفسدها الإنزال عن مباشرة ، كالصيام(٣) .

والفرق : أنّ الصوم يخالف الحجّ في المفسدات.

وقال الشافعي وأصحاب الرأي : عليه شاة ؛ لأنّه مباشرة فيما دون الفرج ، فأشبه القُبْلة(٤) .

والفرق : أنّه أفحش ذنباً من القبلة ، فالعقوبة فيه أشدّ.

ولو لم ينزل ، قال العامّة : تجب الشاة(٥) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣١٨ - ٣١٩ / ١٠٩٧ ، الاستبصار ٢ : ١٩٢ / ٦٤٤.

(٢) الكافي ٤ : ٣٧٣ - ٣٧٤ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٣١٩ / ١٠٩٨ ، الاستبصار ٢ : ١٩٢ / ٦٤٥.

(٣) المغني ٣ : ٣٣٠ - ٣٣١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧١ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٠.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٣ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٥ ، المجموع ٧ : ٢٩١ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٠ ، المغني ٣ : ٣٣١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٨.

(٥) المغني ٣ : ٣٣٠.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

أو : جراب فيه تمر ، فهو إقرار بالظرف خاصّةً ، دون المظروف ؛ للتغاير الذي قلناه ، وعدم الاستلزام بين الإقرار بالشي‌ء والإقرار بغيره ، ولصدق الإضافة إلى الـمُقرّ في المظروف.

ولو قال : غصبتُه فرساً في اصطبلٍ ، فهو إقرار بالفرس خاصّةً.

ولو قال غصبتُه دابّةً عليها سرج ، أو زمام ، أو : بغلاً عليه برذعة ، فهو إقرار بالدابّة والبغل خاصّةً ، دون السرج والزمام والبرذعة.

أمّا لو قال : غصبتُه عبداً على رأسه عمامة ، أو : في وسطه منطقة ، أو : في رِجْله خُفٌّ ، فهو إقرار بها مع العبد ؛ لأنّ للعبد يداً على ملبوسه ، وما في يد العبد فهو في يد سيّده ، فإذا أقرّ بالعبد للغير ، كان ما في يده لذلك الغير ، بخلاف المنسوب إلى الفرس ، فإنّه لا يد لها على ما هو عليها ، ولهذا لو جاء بعبدٍ وعليه عمامة وقال : هذا العبد لزيدٍ ، كانت العمامة له أيضاً. ولو جاء بدابّةٍ وعليها سرج وقال : هذه الدابّة لزيدٍ ، لم يكن السرج له.

قال بعض الشافعيّة : هذا يقتضي فرقاً لا من جهة الإقرار ، وتكون العمامة غير داخلةٍ في الإقرار ، وإنّما تثبت من جهة العبد(١) .

وعامّة أصحاب الشافعي على أنّه لا فرق بينهما(٢) .

ولو قال : له عندي دابّة مسروجة ، أو : دار مفروشة ، لم يكن مُقرّاً بالسرج والفرش ، بخلاف ما لو قال : بسرجها وبفرشها ، فإنّه يلزمه السرج والفرش ؛ لأنّ الباء تُعلّق الثاني على الأوّل.

وكذا لو قال : له عندي سفينة بطعامها ، كان إقراراً بالطعام.

ولو قال : سفينة فيها طعام ، أو : طعام في سفينةٍ ، لم يكن مُقرّاً‌

____________________

(١ و ٢) بحر المذهب ٨ : ٢٤٥ ، الوسيط ٣ : ٣٣٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٤ ، البيان ١٣ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٥.

٣٤١

بالطعام في الأُولى ولا بالسفينة في الثانية.

ولو قال : له عندي ثوب مطرز ، كان إقراراً بالطراز ؛ لأنّ الطراز جزء من الثوب.

وقال بعضهم : إن رُكّب عليه بعد النسج ، فوجهان(١) .

مسألة ٩٢٠ : لو قال : له علَيَّ فَصٌّ في خاتمٍ ، فهو إقرار بالفَصّ خاصّةً ، دون الخاتم.

ولو قال : خاتم فيه فَصٌّ ، فالأقوى أنّه لا يكون مُقرّاً بالفَصّ - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٢) - لجواز أن يريد : فيه فَصٌّ لي ، فصار(٣) كالصورة السابقة.

والثاني : إنّه يكون مُقرّاً بالفَصّ ؛ لأنّ الفَصّ من الخاتم حتى لو باعه دخل فيه ، بخلاف تلك الصورة(٤) .

واعلم أنّ بعض العامّة ذكر وجهين في جميع الصُّوَر السابقة - مثل قوله : له عندي درهم في ثوبٍ ، أو : زيت في جرّةٍ ، أو : سكّين في قرابٍ ، أو : فَصٌّ في خاتمٍ ، أو : غصبتُ منه ثوباً في منديلٍ ، أو : زيتاً في زقٍّ. وبالجملة ، كلّ مظروف مع ظرفه ، وبالعكس - أحدهما : دخول الظرف في المظروف وبالعكس. والثاني : عدم الدخول(٥) .

ولو اقتصر على قوله : عندي خاتم ، ثمّ قال بعد ذلك : ما أردتُ‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٢٥ - ٢٦ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥١ ، بحر المذهب ٨ : ٢٤٥ ، الوسيط ٣ : ٣٣٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٥ ، البيان ١٣ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٥.

(٢ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٥.

(٣) فيما عدا « ج » من النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فهو » بدل « فصار ».

(٥) المغني ٥ : ٣٠٠ - ٣٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٥٢.

٣٤٢

الفَصّ ، فالأقوى عن دي : القبول ، ولا يدخل الفَصّ في الإقرار.

وأصحّ وجهي الشافعيّة : إنّه لا يُقبل تفسيره ، فيدخل(١) الفَصُّ في الإقرار ؛ لأنّ الفَصّ مندرج تحت اسم الخاتم ، فتفسيره رجوع عن بعض الـمُقرّ به(٢) .

ولو قال : له حَمْلٌ في بطن جاريةٍ ، لم يكن مُقرّاً بالجارية.

وكذا لو قال : نعل في حافر دابّةٍ ، أو : عروة على قمقمةٍ.

ولو قال : جارية في بطنها حَمْلٌ ، ودابّة في حافرها نعل ، وقمقمة عليها عروة ، فالأقوى : عدم الدخول.

وللشافعيّة وجهان ، كما في قوله : خاتم فيه فَصٌّ(٣) .

ويترتّب الوجهان عند الشافعيّة في صورة الحمل على الوجهين فيما إذا قال : هذه الجارية لفلان ، وكانت حاملاً ، هل يتناول الإقرار بالحمل؟ فيه وجهان لهم :

أحدهما : نعم ، كما في البيع.

وأظهرهما : لا ، وله أن يقول : لم أُرد الحمل ، بخلاف البيع ؛ لأنّ الإقرار إخبار عن حقٍّ سابق ، وربما كانت الجارية له ، دون الحمل بأن كان الحمل موصًى به ، أو كان حُرّاً(٤) .

وسلّم القفّال أنّه لو قال : هذه الجارية لفلان إلّا حملها ، يجوز ،

____________________

(١) في « ج ، ر » : « ويدخل ».

(٢) الوسيط ٣ : ٣٣٨ - ٣٣٩ ، الوجيز ١ : ١٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٥.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٦.

٣٤٣

بخلاف البيع (١) .

فإ ن قلنا : الإقرار بالجارية يتناول الحمل ، ففيه وجهان كما في الصورة السابقة ، وإلّا فنقطع بأنّه لا يكون مُقرّاً بالحمل إذا قال : جارية في بطنها حمل(٢) .

وعندنا أنّ الحمل لا يدخل في الإقرار ولا في البيع.

مسألة ٩٢١ : لو قال : له ثمرة على شجرةٍ ، كان إقراراً بالثمرة خاصّةً ، ولم يكن مُقرّاً بالشجرة.

ولو قال : شجرة عليها ثمرة ، فليرتّب على أنّ الثمرة هل تدخل في مطلق الإقرار بالشجرة؟

عند الشافعيّة هي لا تدخل بعد التأبير ، كما في البيع(٣) .

وفي فتاوى القفّال أنّها تدخل(٤) .

وهو بعيد.

وأمّا قبل التأبير فوجهان ، أظهرهما : إنّها لا تدخل أيضاً ؛ لأنّ الاسم لا يتناولها ، والبيع ينزّل على المعتاد(٥) .

والمعتمد عندنا : إنّها لا تدخل الشجرة ولا الثمرة لو أقرّ بإحداهما.

وضبط القفّال فقال : كلّ ما يدخل تحت المبيع المطلق يدخل تحت الأقارير ، وما لا فلا ، إلّا الثمار المؤبَّرة(٦) .

وقال آخَرون : ما لا يتبع في المبيع ولا يتناوله الاسم فهو غير داخلٍ ، وما يتبع ويتناول فهو داخل ، وما يتبع ولا يتناوله الاسم ففيه وجهان(٧) .

مسألة ٩٢٢ : لو قال : له علَيَّ ألف في هذا الكيس ، لزمه‌ ، سواء كان‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٧.

(٣ - ٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٦.

٣٤٤

فيه شي‌ء أو لم يكن ؛ لأنّ قوله : « علَيَّ » يقتضي اللزوم ، ولا يكون مُقرّاً بالكيس.

وإن كان فيه دون الألف ، فالأقوى : إنّه يلزمه الإتمام ، كما لو لم يكن فيه شي‌ء يلزمه الألف ، وهو أحد قولَي الشافعيّة. والثاني : إنّه لا يلزمه إلّا ذاك القدر ؛ لحصر الـمُقرّ به فيه(١) .

ولو قال : [ له ] علَيَّ الألف الذي في هذا الكيس ، فإن كان فيه دون الألف لم يلزمه إلّا ذلك القدر ؛ لجمعه بين التعريف والإضافة إلى الكيس.

وقال بعض الشافعيّة : يلزمه الإتمام(٢) .

وهو مبنيّ على أنّ الإشارة إذا عارضت اللفظ أيّهما يُقدَّم؟

والأقوى عندي هنا لزوم الإتمام.

ولو لم يكن في الكيس شي‌ء ، فللشافعيّة قولان مبنيّان على ما إذا حلف ليشربنّ ماء هذا الكوز ، ولا ماء فيه ، هل تنعقد يمينه ويحنث ، أم لا؟(٣) .

والوجه عندي : لزوم الألف ، وعدم انعقاد اليمين حيث لا متعلّق لها.

مسألة ٩٢٣ : لو قال : له في هذا العبد ألف درهم ، فهو مجمل يحتاج إلى الاستفسار ، فاذا طولب بالبيان فإن قال : أردتُ أنّه جنى عليه أو على عبده جناية أرشها ألف ، قُبِل وتعلّقت الألف برقبته.

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٣٣٩ ، الوجيز ١ : ١٩٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٦.

(٢) الوسيط ٣ : ٣٣٩ - ٣٤٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٦.

(٣) الوسيط ٣ : ٣٤٠ ، الوجيز ١ : ١٩٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٦.

٣٤٥

وإن قال : أردتُ أنّه رهن عنده بألف علَيَّ ، فالأقوى : القبول ؛ لأنّ الدَّيْن وإن كان محلّه الذمّة فله تعلُّقٌ ظاهر بالمرهون ، فصار كالتفسير بأرش الجناية ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّه لا يُقبل ؛ لأنّ الألف تقتضي كون العبد محلّاً للألف ، ومحلّ الدَّيْن الذمّة ، لا المرهون ، وإنّما المرهون وثيقة له ، وعلى هذا فإذا نازعه الـمُقرّ له أخذناه بالألف الذي ذكره في التفسير ، وطالبناه للإقرار المجمل بتفسيرٍ صالح(١) .

والمعتمد : الأوّل.

وإن قال : أردتُ أنّه وزن في ثمنه عنّي ألفاً ، كان ذلك قرضاً عليه.

وإن قال : نقد في ثمنه لنفسه ألفاً ، قيل له : كم ثمنه؟ وهل وزنت شيئاً ، أم لا؟ فإن قال : الثمن ألف ولم أزن فيه شيئاً ، قال الشافعي : كان العبد كلّه للمُقرّ له(٢) .

وإن قال : وزنت أنا شيئاً أيضاً في ثمنه ، سئل عن كيفيّة الشراء هل كان دفعةً أو لا؟ فإن قال : كان دفعةً واحدة ، سئل عن قدر ذلك ، فإن قال : وزنت ألفاً أيضاً ، فالعبد بينهما بالسويّة ، وإن قال : وزنت ألفين ، فثلثا العبد له ، والثلث للمُقرّ له ، وعلى هذا القياس.

والقول قوله في ذلك مع يمينه ، سواء كانت القيمة أقلّ من ذلك أو أكثر ، فقد يكون غابناً ، وقد يكون مغبوناً ، فلا يُنظر إلى قيمة العبد.

خلافاً لمالك ؛ فإنّه قال : لو كان العبد يساوي ألفين وقد زعم أنّه وزن‌

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ٢٦٢ ، الوسيط ٣ : ٣٤٠ ، الوجيز ١ : ١٩٩ ، البيان ١٣ : ٤٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٦ - ٣٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٧.

٣٤٦

ألفين ووزن الـمُقرّ له ألفاً ، يكون العبد بينهما بالسويّة ، ولا يُقبل قوله : إنّي وزنت ألفين في ثلثيه. وقد يُعبّر عن مذهبه بأنّ للمُقرّ له من العبد ما يساوي ألفاً(١) .

والشافعي(٢) وافقنا على ما قلناه.

وإن قال : اشتريناه بإيجابين وقبولين ، ووزن هو في شراء عُشْره - مثلاً - ألفاً ، وأنا اشتريت تسعة أعشاره بألف ، قُبِل - لأنّه محتمل - مع يمينه ، سواء وافق قيمته أو لم يوافق ، وسواء كان الألف أقلّ ثمناً ممّا عيّنه له من الحصّة أو أكثر ، وسواء كان ما عيّنه لنفسه أزيد أو أقلّ.

وإن قال : أردتُ به أنّه أوصى له بألف من ثمنه ، قُبِل وبِيع ودُفع إليه ألف من ثمنه.

وإن أراد أن يعطيه ألفاً من غير ثمن العبد ، لم يكن له ذلك إلّا برضا الـمُقرّ له ؛ لأنّه استحقّ ألفاً من ثمنه ، فوجب البيع في حقّه ، إلّا أن يرضى بتركه.

وإن فسّره بأنّه دفع إليه ليشتري له العبد ففعل ، فإن صدّقه المُقرّ له فالعبد له ، وإن كذّبه فقد ردّ إقراره بالعبد ، وعليه ردّ الألف الذي أخذه.

وإن قال : أردتُ أنّه أقرضني ألفاً فصرفتُه إلى ثمنه ، قُبِل ، ولزمه الألف.

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٣٤٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٩.

(٢) الوسيط ٣ : ٣٤٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٧.

٣٤٧

والخلاف للشافعيّة فيما إذا فسّره بالرهن آتٍ هنا(١) .

ولو قال : له من هذا العبد ألف درهم ، فهو كما لو قال : له في هذا العبد.

ولو قال : من ثمن هذا العبد ، فكذلك عند بعض الشافعيّة(٢) .

ولو قال : له علَيَّ درهم في دينار ، فهو كما لو قال : ألف في هذا العبد.

وإن أراد بـ « في » « مع » لزمه الدرهم والدينار معاً على إشكالٍ.

مسألة ٩٢٤ : لو قال : له في ميراث أبي ألف ، فهو إقرار على أبيه بدَيْنٍ.

وكذا لو قال : له من ميراث أبي.

ولو قال : له في ميراثي من أبي ، أو : من ميراثي من أبي ألف ، رجع إليه في التفسير ؛ لأنّه يحتمل أنّه يريد هبةً منه غير لازمة ، فهو بالخيار بين أن يسلّمها أو لا يسلّمها ، إلّا أن يريد إقراراً.

والفرق : إنّه في الصورة الثانية أضاف الميراث إلى نفسه ، وما يكون له لا يصير لغيره بالإقرار ، فكان كما لو قال : داري أو مالي لفلان ، وفي الأُولى لم يُضف الميراث إلى نفسه ، فكان مُقرّاً بتعلّق الألف بالتركة ، واقتضى قوله وجوبها له في الميراث ، ومع الإضافة اليه لا يُحمل ذلك على الوجوب ؛ لأنّه أضاف الميراث إلى نفسه ثمّ جعل له جزءاً ، فكان ذلك هبةً ؛ لأنّه جعل له جزءاً من ماله ، وذلك كما يقول : لفلان في هذه الدار نصفها ، فإنّه يكون إقراراً بالنصف ، وإن قال : له من داري نصفها ، كان ذلك‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٧.

٣٤٨

هبةً منه ، لا إقرار اً.

ومَنَع بعضُ الشافعيّة التناقضَ بين إضافة الميراث إلى نفسه وبين تعلّق دَيْن الغير به ، فإنّ تركة كلّ مديونٍ مملوكة لورثته على الصحيح والدَّيْن متعلّق بها(١) .

وقال أكثرهم : إنّ الفرق أنّه إذا قال : في ميراث أبي ، فقد أثبت حقّ الـمُقرّ له في التركة ، وذلك لا يحتمل إلّا شيئاً واجباً ، فإنّ التبرّعات التي لا تلزم ترتفع بالموت ، ولا تتعلّق بالتركة. وإذا قال : في ميراثي من أبي ، فقد أضاف التركة إلى نفسه ، ثمّ جعل للمُقرّ له شيئاً فيها وأضافه إليه ، وذلك قد يكون بطريقٍ لازم ، وقد يكون على سبيل التبرّع ، فاذا فسّر بالتبرّع قُبِل ، واعتبر فيه شرطه(٢) .

وقال بعض الشافعيّة : لا فرق بين الصورتين(٣) .

والمشهور : الفرق(٤) .

ومثله لو قال : له في هذه الدار نصفها ، فهو إقرار.

ولو قال : في داري نصفها ، فهو وعد بهبةٍ(٥) .

واشتهر عن الشافعي أنّه لو قال : له في مالي ألف درهم ، كان إقراراً.

ولو قال : من مالي ، كان وعداً بهبةٍ ، لا إقراراً(٦) .

والبحث هنا في موضعين :

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٩ - ٣٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٨.

(٥) في « ث » : « هبة ».

(٦) بحر المذهب ٨ : ٢٦٤ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٨.

٣٤٩

أحدهما : إنّ هذا ال قول في قوله : « في مالي » يخالف ما قال قبل ذلك في قوله : « في ميراثي » و« في داري ».

والثاني : لِمَ فرّق بين « في » و« من »؟

أمّا الأوّل : فللشافعيّة فيه طريقان فيما إذا قال : له في مالي ألف درهم.

منهم مَنْ قال : فيه قولان :

أحدهما : إنّه وعد هبة ؛ لإضافة المال إلى نفسه.

والثاني : إنّه إقرار ؛ لأنّ قوله : « له » يقتضي الملك ، وبوعد الهبة لا يحصل الملك(١) .

ومنهم مَنْ قطع بأنّه وعد هبة ، وحمل ما روي في القول الأخير على خطأ الناسخ ، وربما أوّله على ما إذا أتى بصيغة الالتزام ، فقال : علَيَّ في مالي ألف درهم ، فإنّه يكون إقراراً(٢) .

وإذا أثبتنا الخلاف ، فعن بعض الشافعيّة أنّه يطّرد فيما إذا قال : في داري نصفها ، وامتنع من طرده فيما إذا قال : في ميراثي من أبي(٣) .

وقال آخَرون : إنّه يلزم تخريجه بطريق الأولى ؛ لأنّ قوله : « في ميراثي من أبي » أولى بأن يجعل إقراراً من قوله : « في مالي ، أو : في داري » لأنّ التركة مملوكة للورثة مع تعلّق الدَّيْن بها ، فيحسن إضافة الميراث إلى نفسه مع الإقرار بالدَّيْن ، بخلاف المال والدار(٤) .

وأمّا الثاني فمن الشافعيّة مَنْ قال : لا فرق ، ولم يثبت هذا النصّ ، و(٥)

____________________

(١ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٨.

(٥) في المصدر : « أو » بدل « و ».

٣٥٠

أوّله (١) .

ومنهم مَنْ فرّق بأنّ « في » تقتضي كون مال الـمُقرّ ظرفاً لمال الـمُقرّ له ، وقوله : « من مالي » يقتضي الفصل والتبعيض ، وهو ظاهر في الوعد بأنّه يقطع شيئاً من ماله له ، وإذا فرّقنا بينهما لزم مثله في الميراث والدار لا محالة(٢) .

والظاهر عندهم عدم الفرق ، وأنّ الحكم في قوله : « في مالي » كما قلنا أوّلاً في « ميراثي »(٣) .

واستبعد الجويني تخريجَ الخلاف فيما إذا قال : له في داري نصفها ؛ لأنّه إذا أضاف الكلّ إلى نفسه ، لم ينتظم منه الإقرار ببعضه ، كما لا ينتظم منه الإقرار بكلّه بأن يقول : داري لفلان ، وخصَّص طريقةَ الخلاف بما إذا لم يكن الـمُقرّ به جزءاً من مسمّى ما أضافه إلى نفسه ، كقوله : في مالي ألف درهم ، أو : في داري ألف درهم(٤) .

هذا كلّه إذا لم يذكر كلمة الالتزام(٥) ، فأمّا إذا أدخلها بأن يقول : علَيَّ ألف درهم في هذا المال ، أو : في مالي ، أو : في ميراثي ، أو : في ميراثي من أبي ، أو : في داري ، أو : في عبدي ، أو : في هذا العبد ، فهو إقرار بكلّ حال. والذي تقدّم من التفصيل مفروض فيما إذا اقتصر على قوله : « في هذا‌ العبد » ولم يقل : « علَيَّ ».

ولو قال : له في ميراثي من أبي ، أو : في مالي ألف بحقٍّ لزمني ، أو بحقٍّ ثابت ، أو : بأمرٍ صحيح ، وما أشبهه ، أو قال : له في مالي بحقٍّ ، أو في داري نصفها بحقٍّ ، أو : له داري هذه بحقٍّ ، لزم ذلك ، وكان كما لو قال :

____________________

(١ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٨.

(٥) في النسخ الخطّيّة : « التزام ».

٣٥١

« علَيَّ » فيكون(١) إقراراً بكلّ حالٍ ؛ لأنّه قد اعترف أنّ الـمُقرّ له يستحقّ ذلك ، فلزمه.

واعلم أنّ قضيّة قولنا : إنّ قوله : « علَيَّ في هذا المال ، أو : في هذا العبد ألف درهم » إقرار له بالألف : أن يلزمه الألف وإن لم يبلغ ذلك المال ألفاً.

وربما يخطر الخلاف المذكور فيما إذا قال : « لفلان علَيَّ ألف في هذا الكيس » وكان فيه دون الألف ، إلّا أنّ ظرفيّة العبد للدراهم ليس كظرفيّة الكيس لها ، فيمكن أن يختلفا في الحكم.

لكن لو قال : في هذا العبد ألف ، من غير كلمة « علَيَّ » وفسّره بأنّه أوصى له بألف من ثمنه ، فلم يبلغ ثمنه ألفاً ، فلا ينبغي أن يجب عليه تتمّة الألف بحالٍ.

واعلم أنّ بعض العامّة قال : لو قال : له في مالي هذا ، أو : من مالي ألف ، وفسّره بدَيْنٍ أو وديعة أو وصيّة فيه ، قُبِل ؛ لأنّه أقرّ بألف ، فقُبِل ، كما لو قال : في مالي. ويجوز أن يضيف إليه مالاً بعضه لغيره ، ويجوز أن يضيف غير ماله(٢) إليه ؛ لاختصاصٍ له ، أو يدٍ له عليه أو ولاية ، كما قال تعالى :( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً ) (٣) وقال تعالى :( لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ) (٤) وقال تعالى :( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) (٥) فلا يبطل إقراره مع احتمال صحّته.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يكون ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) في المصدر : « مال غيره » بدل « غير ماله ».

(٣) النساء : ٥.

(٤) الطلاق : ١.

(٥) الأحزاب : ٣٣.

٣٥٢

ولو قال : أردتُ هبةً ، قُبِل منه ؛ لأنّه محتمل ، وإن امتنع من تقبيضها لم يُجبر عليه ؛ لأنّ الهبة فيها(١) لا تلزم قبل القبض(٢) .

وكذا لو قال : لفلان في داري هذه نصفها ، أو : من داري نصفها(٣) .

وعن أحمد روايتان :

ففي إحداهما : في مَنْ قال : نصف عبدي هذا لفلان ، لم يجز له إلّا أن يقول : وهبته ، وإن قال : نصف مالي هذا لفلان ، لا أعرفه.

والثانية : إذا قال : فرسي هذه(٤) لفلان ، فإقراره جائز(٥) .

وقد بيّنّا أنّ الشافعي قال تارة : إذا قال : له في مالي ألف درهم ، كان إقراراً ، ولو قال : من مالي ، كان هبةً(٦) .

واختلف أصحابه :

فقال بعضهم : إنّه سهو.

وفرّق بعضهم بين « في ميراثي » و« في داري » لأنّ « في مالي » تقتضي أن يكون ماله ظرفاً ، فيكون قد امتزجت ألف للمُقرّ له بماله ، وإذا قال : « من مالي » لم يحتمل ذلك ، ويفارق الدار ؛ لأنّ قوله : « في داري نصفها » بمنزلة قوله : « من داري » لأنّها لا تُسمّى بعد إخراج النصف داراً ، ويُسمّى ما بقي‌

____________________

(١) كلمة « فيها » لم ترد في « ث ، خ ، ر ».

(٢) المغني ٥ : ٣١٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٢٢.

(٣) في « ج » بدل « نصفها » : « بعضها ».

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « في شي‌ء هذا » يدل « فرسي هذه ». وذلك تصحيف ، والمثبت من المصدر.

(٥) المغني ٥ : ٣١٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٢٢.

(٦) تقدّم تخريجه في ص ٣٤٨ ، الهامش (٦)

٣٥٣

بعد الألف مالاً (١) .

وبعد هذا كلّه فالقول الذي سوّغ الإقرار بقوله : « في مالي ، أو : في داري ، أو : من مالي ، أو : من داري ، أو : ملكي هذا لفلان » لا بأس به عندي ، وقد سلف.

مسألة ٩٢٥ : لو قال : له في هذا العبد شركة ، صحّ إقراره‌ ، وله التفسير بما شاء من قليلٍ فيه وكثير ، وبأيّ قدر شاء.

وقال أبو يوسف : يكون إقراراً بنصفه ؛ لقوله تعالى :( فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ ) (٢) واقتضى ذلك التسويةَ بينهم كذا هنا(٣) .

وهو غلط ؛ لأنّ أيّ جزءٍ كان له منه فله فيه شركة ، فكان له تفسيره بما شاء ، كالنصف ، وليس إطلاق لفظ الشركة على ما دون النصف مجازاً ، ولا يخالف الظاهر ، والتسوية في الآية ثبتت لدليلٍ.

وكذا الحكم إذا قال : هذا العبد شركة بيننا.

البحث السادس : في تكرير المُقرّ به مع عدم العطف ومعه ، وبالإضراب مع عدم السلب ومعه.

مسألة ٩٢٦ : لو قال : له علَيَّ درهمٌ درهمٌ درهمٌ ، لم يلزمه إلّا درهمٌ واحد ؛ لاحتمال إرادة التأكيد بالتكرير.

____________________

(١) راجع الهامش (٤) من ص ٣٤٩ ، والهامش (٢) من ص ٣٥٠.

(٢) النساء : ١٢.

(٣) روضة القضاة ٢ : ٧٤٨ / ٥٠٩٢ ، بحر المذهب ٨ : ٢٦٣ ، البيان ١٣ : ٤٣٦ ، المغني ٥ : ٣١٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٤٧.

٣٥٤

وكذا لو كرّره مائة مرّة فما زاد.

ولو قال : له علَيَّ درهم ودرهم ، أو : ثمّ درهم ، لزمه درهمان ؛ لأنّ العطف يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه ، ولا يصحّ عطف الشي‌ء على نفسه.

ولو قال : له علَيَّ درهم ودرهم ودرهم ، لزمه بالأوّل والثاني درهمان.

وأمّا الثالث فإن أراد به العطف والمغايرة ، لزمه ثلاثة ؛ لأنّه أراد به درهماً آخَر.

وإن قال : أردتُ به تكرير الثاني وتأكيده ، قُبِل ، ولزمه درهمان لا غير ، ويُصدَّق باليمين.

ولو قال : أردتُ به تكرير الأوّل ، لم يُقبل ، ويلزمه ثلاثة ؛ لأنّ التكرار إنّما يؤكّد به إذا لم يتخلّل بينهما فاصل. وهو أظهر وجهي الشافعيّة. والثاني : أنّه يُقبل(١) .

وكذا الحكم عندهم فيما إذا قال : أنتِ طالق وطالق وطالق ، فإن أطلق ففي الطلاق قولان يُنظر في أحدهما إلى صورة اللفظ ، وفي الثاني إلى احتمال التكرار وجريان العادة به. وفي الإقرار طريقان(٢) .

وقال ابن خيران من الشافعيّة : إنّه على قولين في الطلاق(٣) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٥٥ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٩ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٥ ، البيان ١٣ : ٤١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٢.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٥٥ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٩ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٧ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٥ ، البيان ١٣ : ٤١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

٣٥٥

وقطع الأكثرون منهم بأنّه يلزمه ثلاثة ، وفرّقوا بأنّ دخول التأكيد في الطلاق أكثر منه في الإقرار ؛ لأنّه يقصد به التخويف والتهديد ، ولأنّه يؤكّد بالمصدر ، فيقال : هي طالق طلاقاً ، والإقرار بخلافه ، وعلى هذا لو كرّر عشر مرّات أو أكثر ، لزمه من الدراهم بعدد ما كرّر ، ولأنّ الواو للعطف ، والعطف يقتضي المغايرة ، فوجب أن يكون الثالث غير الثاني ، كما كان الثاني غير الأوّل ، والإقرار لا يقتضي تأكيداً ، فوجب حمله على العدد(١) .

والحقّ : الأوّل ، وأنّه يُحمل على التأكيد لو قصده ، وهو أخبر بلفظه ، ولا شكّ أنّ اللفظ محتمل للتأكيد والإقرار ، فلا يثبت في ذمّته بالتجويز والاحتمال.

وكذا لو قال : له علَيَّ درهم ثمّ درهم ثمّ درهم ، فهو كما لو قال : درهم ودرهم ودرهم.

ولو قال : درهم ودرهم ثمّ درهم ، لزمه ثلاثة قطعاً ؛ لتغاير لفظتي « ثمّ » والواو ، فلا تصلح للتأكيد اللفظي.

مسألة ٩٢٧ : لو قال : له علَيَّ درهم مع درهم ، أو : معه درهم ، أو : فوق درهم ، أو : فوقه درهم ، أو : تحت درهم ، أو : تحته درهم ، فالأقرب : إنّه يلزمه درهم واحد ؛ لاحتمال أن يكون المراد « مع درهمٍ لي » أو « فوق درهمٍ لي » وأيضاً فقد يريد فوقيّة الجودة وتحتيّة الرداءة ، وبه قال‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٩ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٦ - ٢٧٧ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٥ ، البيان ١٣ : ٤١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

٣٥٦

أكثر الشافعيّة (١) .

ولهم مذهبان آخَران :

أحدهما : إنّه يلزمه درهمان.

واختلف هؤلاء ، منهم مَنْ ناسبٌ [ إلى ](٢) قول الشافعي.

ومنهم مَنْ قال : إنّه مُخرَّج.

فقيل : من الطلاق ، فإنّه لو قال : أنتِ طالق مع طلقة أو فوق طلقة ، وقعت طلقتان.

وقيل : مُخرَّج ممّا لو قال : له علَيَّ درهم قبل درهم ، فإنّه يلزمه درهمان على ما يأتي.

وفرّقوا بينه وبين الطلاق ؛ لأنّ لفظه الصريح موقع ، فإذا أنشأه عمل عليه ، والإقرار إخبارٌ عن سابقٍ ، فإذا كان فيه احتمال رُوجع حتى يتبيّن المراد(٣) .

الثاني : قال بعض الشافعيّة : إن قال : درهم معه درهم ، أو : فوقه درهم ، لزمه اثنان ؛ لرجوع الكناية إلى الأوّل الذي لزمه(٤) .

ولو قال : درهم عليه درهم ، أو : على درهمٍ ، فهو كما لو قال : فوقه درهم ، أو : فوق درهمٍ.

ولو قال : علَيَّ درهم قبل درهمٍ ، أو : قبله درهم ، أو : بعده درهم ، روى المزني عن الشافعي أنّه يلزمه درهمان ، بخلاف الصورة‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

٣٥٧

السابقة. والفرق : إ نّ الفوقيّة والتحتيّة ترجعان إلى المكان فيتّصف بهما نفس الدرهم ، والقبليّة والبعديّة ترجعان إلى الزمان ، ولا يتّصف بهما نفس الدرهم ، فلا بدّ من أن يرجع إليه التقدّم والتأخّر ، وليس ذلك إلّا الوجوب عليه(١) .

وفيه قولٌ آخَر للشافعيّة : إنّه لا يلزمه إلّا درهم ؛ لأنّ القبليّة والبعديّة كما يكونان بالزمان يكونان بالرتبة وغيرها. ثمّ هَبْ أنّهما زمانيّان فإنّ نفس الدرهم لا يتّصف بهما ، لكن يجوز رجوعهما إلى غير الواجب(٢) بأن يريد :

درهم مضروب قبل درهمٍ ، وما أشبهه. سلّمنا أنّهما راجعان إلى الواجب(٣) ، لكن يجوز أن يريد : لزيدٍ درهم قبل وجوب درهمٍ لعمرو(٤) .

وفيه نظر ؛ إذ لو سُمع مثل هذه الاحتمالات لسُمع في مثل « له عندي درهم ودرهم » مع اتّفاقهم على لزوم درهمين.

وفي المسألة وجهٌ آخَر أنّه إن قال : « قبله أو بعده درهم » لزمه درهمان ، وإن قال : « قبل درهم أو بعد درهم » لم يلزمه إلّا درهم ؛ لاحتمال أن يريد « قبل لزوم درهمٍ ، أو : بعد درهمٍ كان لازماً »(٥) .

وقال أصحاب الرأي : إذا قال : فوق درهم ، لزمه درهمان ، وإذا قال : تحت درهمٍ ، لزمه واحد ؛ لأنّ « فوق » تقتضي في الظاهر الزيادة ، وقوله :

____________________

(١) مختصر المزني : ١١٣ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٨ - ٢٧٩ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

(٢ و ٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الوجوب » بدل « الواجب ». والمثبت من « العزيز شرح الوجيز ».

(٤) حلية العلماء ٨ : ٢٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

٣٥٨

« تحت » يقتضي [ أنّ ] ذلك درهم(١) .

وكذا البحث لو قال : له علَيَّ درهم مع دينار ، لزمه الدرهم لا غير عندنا ، وبه قال الشافعي(٢) .

ولو قال : له علَيَّ دينار قبله قفيز حنطة ، كان عليه دينار لا غير ، ولم يكن عليه القفيز ، وهذا قولٌ آخَر للشافعيّة(٣) .

واختلفوا ، فمنهم مَنْ قال : في المسائل كلّها يلزمه درهمان ؛ لأنّ قوله : « فوق » و« تحت » و« قبله » و« معه » يجري مجرى العطف ؛ لأنّ ذلك يقبل ضمّ درهمٍ آخَر إليه.

ومنهم مَنْ قال : يلزمه درهم واحد.

ومنهم مَنْ قال : إذا قال : « فوق » أو « تحت » أو « مع » لزمه واحد ، وإذا قال : « قبل » و« بعد » لزمه درهمان. وفرّقوا بأنّ « قبل » و« بعد » لا يحتمل إلاّ التاريخ ، فصار أحد الدرهمين مضموماً إلى الآخَر في الإقرار ، و« فوق » و« تحت » تُحمل على الجودة والرداءة ، و« مع » تُحمل [ على ](٤) « مع درهمٍ لي »(٥) .

وأمّا أحمد فإنّه ذهب إلى أنّه يلزمه درهمان في جميع الصُّور(٦) .

مسألة ٩٢٨ : إذا قال : له علَيَّ ، أو : عندي درهم فدرهم ، إن أراد‌

____________________

(١) مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢١٥ / ١٩١٤ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٦ ، البيان ١٣ : ٤١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، المغني ٥ : ٢٩٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٥٠.

(٢) مختصر المزني : ١١٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٥٦.

(٣) الأُم ٦ : ٢٢١ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٩.

(٤) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٥) بحر المذهب ٨ : ٢٧٩ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٦ ، البيان ١٣ : ٤١٩.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، وانظر المغني ٥ : ٢٩٨ ، والشرح الكبير ٥ : ٣٤٩.

٣٥٩

العطف لزمه درهمان ، وإن لم يرد العطف لم يلزمه إلّا درهم واحد ، وبه قال الشافعي(١) ، مع أنّه نصّ على أنّه إذا قال : أنتِ طالق فطالق ، أنّه تقع طلقتان(٢) .

ونقل ابن خيران الجواب من كلّ واحدةٍ منهما إلى الأُخرى ، وجَعَلهما على قولين للشافعي :

أحدهما : إنّه يلزمه درهمان ، وتقع طلقتان ؛ لأنّ الفاء حرف عطفٍ كالواو ، و« ثمّ ».

والثاني : إنّه لا يلزمه إلّا واحد ، ولا تقع إلّا طلقة ؛ لأنّ الفاء قد تُستعمل لغير العطف ، فيؤخذ باليقين(٣) .

وذهب الأكثر إلى تقرير النصّين ، وفرّقوا بوجهين :

أحدهما : إنّه يحتمل في الإقرار أن يريد : فدرهم لازم ، أو : فدرهم أجود منه ، ومثل هذا لا ينقدح في الطلاق.

والثاني : إنّ الطلاق إنشاء ، والإقرار إخبار ، والإنشاء أقوى وأسرع نفوذاً ، ولهذا لو أقرّ اليوم بدرهمٍ وغداً بدرهمٍ ، لا يلزمه إلّا درهم ، ولو تلفّظ اليوم بالطلاق ثمّ تلفّظ به غداً ، وقعت طلقتان(٤) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٥٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٧ ، البيان ١٣ : ٤١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩ - ٤٠.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٥٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٧ ، البيان ١٣ : ٤١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٠.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٢٧٧ ، البيان ١٣ : ٤١٧ - ٤١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٠.

(٤) بحر المذهب ٨ : ٢٧٧ ، البيان ١٣ : ٤١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٠.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501