تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

تذكرة الفقهاء7%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: 501

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 180613 / تحميل: 5856
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٦-١
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

وقال أصحاب الرأي وأ حمد : إنّه يلزمه درهمان ؛ لأنّ الفاء من حروف العطف ، كالواو(١) .

والتحقيق عندي أنّه إن أراد العطف لزمه اثنان ؛ لأنّ المعطوف يغاير المعطوف عليه ، وإن لم يرد العطف لم يلزمه الاثنان قطعاً ، حيث لم يقصد التعدّد ، ولا وجه للاختلاف ، وإن أطلق حُمل على ما يفسّره.

وينبغي أن يكون موضع الخلاف الإطلاقَ ؛ لأنّه يحتمل كلّ واحدٍ منهما ، لكنّ الحقيقة العطف أو لا؟ إن قلنا : العطف ، لزمه المتعدّد ، وإلّا فلا.

ونقل عن الشافعي أنّه يلزمه درهمان ؛ لأنّه إذا قال : له علَيَّ درهم ودرهم ، لزمه درهمان(٢) .

ولا يمتنع فيه مثل التقديرات المذكورة في الفاء.

ولو قال : له علَيَّ درهم فقفيز حنطة ، فما الذي يلزمه؟

قيل : درهم لا غير ؛ لاحتمال إرادة قفيز حنطة خير منه(٣) .

وقيل : الدرهم والقفيز(٤) .

ولو قال : بعتك بدرهم فدرهم ، يكون بائعاً بدرهمين ؛ لأنّه إنشاء.

مسألة ٩٢٩ : لو قال : له علَيَّ درهم بل درهم ، لم يلزمه إلّا درهم واحد ؛ لجواز أن يقصد الاستدراك لزيادة ، فتذكّر أنّه لا حاجة إليه ولا زيادة عليه ، فلم يستدرك فيعيد الأوّل.

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ٨ ، المغني ٥ : ٢٩٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٥٠ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٤.

(٣ و ٤) الحاوي الكبير ٥ : ٥٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٠.

٣٦١

ولو قال : له درهم ل ا بل درهم ، أو : لا درهم(١) ، فكذلك.

ولو قال : له علَيَّ درهم لا بل درهمان ، أو : قفيز حنطة لا بل قفيزان ، لم يلزمه إلّا درهمان ، وإلّا قفيزان ؛ لأنّ « بل » للاستدراك ؛ ولا يمكن أن يكون المقصود هاهنا نفي المذكور أوّلاً ؛ لاشتمال الدرهمين والقفيزين على الدرهم وعلى القفيز ، فلم يبق المقصود إلّا الاقتصار على الواحد وإثبات الزيادة عليه.

وقال زفر وداوُد : يلزمه ثلاثة أقفزة وثلاثة دراهم ؛ لأنّه أقرّ بقفيز ثمّ نفاه ثمّ أثبت قفيزين ، ومَنْ أقرّ بشي‌ء ثمّ نفاه لم يُقبل رجوعه ، فلزمه القفيز الذي نفاه والقفيزان اللّذان أقرّ بهما أيضاً ، كما لو قال : قفيز حنطة لا بل قفيزا شعير(٢) .

والحقّ أنّه يلزمه القفيزان ؛ لأنّ قوله : « لا بل قفيزان » ليس نفياً للقفيز ، بل نفياً للاقتصار على واحدٍ وإثبات الزيادة عليه ، وهذا بمنزلة ما إذا قال : له قفيز لا بل أكثر ، فإنّه يلزمه أكثر من قفيز ، ولا يطالب بأكثر من قفيزين ، ولا يجوز أن يكون نفياً ؛ لأنّ القفيزين اللّذين أقرّ بهما يشتملان على القفيز.

ويخالف هذا [ ما ] إذا قال : له علَيَّ قفيزا حنطة لا بل قفيزا شعير ؛ لأنّه نفى الإقرار الأوّل حيث لم يدخل في الإقرار الثاني ، وفي صورة النزاع دخل الأوّل في الثاني ، فافترقا.

وقد أورد بعض الشافعيّة إشكالاً ، وهو : ما إذا قال : أنتِ طالق طلقة‌

____________________

(١) كذا قوله : « أو : لا درهم ». والظاهر : « أو : لكن درهم ».

(٢) بحر المذهب ٨ : ٢٧٩ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٦ ، البيان ١٣ : ٤١٩ ، المغني ٥ : ٢٩٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٥١.

٣٦٢

بل طلقتين ، فإنّه يقع الثلاث(١) .

تنبيه : هذا الخلاف إنّما هو مفروض فيما إذا أرسل الـمُقرّ به ولم يعيّنه ، أمّا لو قال : له عندي هذا القفيز بل هذا القفيز ، أو : بل هذان القفيزان ، أو :

هذا الدرهم بل هذان الدرهمان ، فإنّه يلزمه الثلاث قطعاً ؛ لأنّ القفيز المعيّن لا يدخل في القفيزين المعيّنين.

وكذا لو اختلف جنس الأوّل والثاني ، لزماه معاً مع الإرسال أيضاً ، كما لو قال : له علَيَّ درهم بل دينار ، أو : بل ديناران ، أو : قفيز حنطة بل قفيز شعير ، أو : قفيزا شعير ؛ لعدم دخول الأوّل في الثاني ، فهو راجع عن الأوّل مثبت للثاني ، والرجوع غير مقبولٍ ، فالذي أقرّ به ثانياً يلزمه.

ولو دخل الأوّل في الثاني ، لزمه الزائد ، فلو قال : له علَيَّ هذا القفيز بل هذا القفيز وهذا الآخَر ، فإنّه يلزمه القفيزان معاً ؛ لأنّه ضمّ الـمُقرّ به أوّلاً إلى الـمُقرّ به ثانياً وأقرّ بهما معاً ، فلزماه معاً ، ولا يلزمه هنا ثلاثة قطعاً.

فروع :

أ - لو قال : له درهمان بل درهم ، أو : له علَيَّ عشرة لا بل تسعة ، لزمه الدرهمان والعشرة لا الأقل ؛ لأنّ الرجوع عن الأكثر لا يُقبل إلّا في الاستثناء ، ويدخل الأقلّ فيه ، ويخالف ما إذا قال : له علَيَّ درهم لا بل درهمان ؛ لأنّه أضرب عن الاقتصار ، وأدخله في إقراره الثاني ، ويخالف ما إذا قال : درهم لا بل قفيز ، فإنّه يلزمه الجميع ؛ لأنّ أحدهما لا يدخل في الآخَر ، وهنا التسعة داخلة في العشرة ، ويخالف الاستثناء ؛ لأنّه ليس بإضرابٍ ، بل « عشرة إلّا درهماً » عبارة عن تسعة ، فافترقا.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٤.

٣٦٣

ب - لو قال : له علَيَّ درهم بل درهمان بل ثلاثة ، لزمه ثلاثة لا غير.

ولو قال : له دينار بل ديناران بل قفيز بل قفيزان ، لزمه ديناران وقفيزان.

ج - لو قال : له علَيَّ دينار وديناران بل قفيز وقفيزان ، لزمه ثلاثة دنانير وثلاثة أقفزة. وعلى هذا القياس.

البحث السابع : في تغاير الزمان.

مسألة ٩٣٠ : إذا قال في يوم السبت : لزيدٍ علَيَّ ألف ، ثمّ أقرّ له يوم الأحد بألف ، لم يلزمه إلّا ألف واحد.

والأصل فيه أنّ تكرير الإقرار تكرير للإخبار ، ولا يلزم من تكرير الخبر تكرير الـمُخبَر عنه ، فقد يُخبر عن الشي‌ء الواحد أشخاص متعدّدة بإخبارات متعدّدة أو مُخبر واحد بإخبارات كثيرة ، ولهذا يحتمل فيه الإبهام ، ولو كان إنشاءً لما احتُمل ، فتعدّد الخبر لا يقتضي تعدّد الـمُخبَر عنه فيجمع ، إلّا إذا عرض ما يمنع الجمع والتنزيل على واحدٍ فحينئذٍ يُحكم بالمغايرة ، أمّا مع عدم المانع من الجمع فإنّه يجمع ، ويكون الخبران عبارتين عن مُخبرٍ واحد ؛ لأصالة البراءة. وأمّا لو اعترف بأنّ الإقرار الثاني عبارة عن شي‌ء مغاير لما أقرّ به أوّلاً ، فإنّه يُحكم بالتعدّد.

وبهذا قال مالك والشافعي وأبو يوسف ومحمّد وأحمد ؛ لأنّ الإقرار إخبار على ما بيّنّاه ، فإذا أقرّ ثمّ أقرّ بذلك ، احتُمل أن يكون الثاني هو الأوّل وأن يكون غيره ، فكان المرجع إليه ، ولا يلزمه بالشكّ(١) .

____________________

(١) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦١٩ / ١٠٥٤ ، عيون المجالس ٤ : ١٧١٤ / ١٢٠٨ ، الحاوي الكبير ٧ : ٥٩ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٩ ، بحر المذهب ٨ : ٢٨٢ ، الوجيز ١ : ١٩٩ - ٢٠٠ ، الوسيط ٣ : ٣٤٣ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٤٨ ، البيان ١٣ : ٤١٦ - ٤١٧ ، العزيز شرح الوجيز

٣٦٤

وقال أبو حنيفة : يلزمه درهمان(١) .

واختلف أصحابه ، منهم مَنْ قال : لا فرق بين المجلس الواحد والمجلسين. ومنهم مَنْ فرّق بين المجلسين والمجلس الواحد(٢) ، إلّا أنّهم لا يختلفون أنّه إذا قال : « درهم درهم » موصولاً أنّه يكون درهماً واحداً(٣) .

وكذلك إذا سمع شاهدان إقراره بألف ثمّ رفع إلى الحاكم فأقرّ بألفٍ ، فقال المدّعي : لي بيّنة بإقراره بألف وهي أُخرى ، وقال الـمُقرّ : هي واحدة ، لم تُسمع البيّنة.

وكذلك إذا أقرّ بما في كتابٍ عند جماعة فهو إقرار ؛ لأنّه إذا أقرّ ثمّ أقرّ ولم يعرّف الأوّل بالألف واللام فالظاهر أنّه إقرارٌ آخَر ، فلزمه ذلك.

وهذا يبطل بما إذا وصل كلامه ، وبما إذا أقرّ به عند الحاكم ، ولأنّ التعريف إنّما يكون عند مَنْ له عهد به وقد يقرّ عند مَنْ لم يسمع الأوّل ، وقد يترك التعريف ، ولا يمنع ذلك صحّة كلامه ، فلم يكن تركه التعريفَ يوجب عليه مالاً آخَر.

واعلم أنّه لا فرق عندنا بين أن يكون الإقراران في مجلسٍ واحد أو مجلسين فما زاد ، وسواء كتب به صكّاً وأشهد عليه شهوداً ، أو على‌

____________________

= ٥ : ٣٢٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٠ ، المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ٩ - ١٠ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٤١٣ / ١٩١٢ ، المغني ٥ : ٢٩٥.

(١) كان الأولى التمثيل بالألفين ، أو التمثيل بالدرهم في عنوان المسألة.

(٢) المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ٩ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢١٣ / ١٩١٢ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ١٣٩ و ١٤٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٥٩ ، بحر المذهب ٨ : ٢٨٢ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٤٨ ، البيان ١٣ : ٤١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٥ ، المغني ٥ : ٢٩٥ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٢٠ / ١٠٥٤ ، عيون المجالس ٤ : ١٧١٥ / ١٢٠٨.

(٣) فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ١٣٥.

٣٦٥

التعاقب بأن كتب صكّاً بألف وأشهد عليه ثمّ كتب صكّاً آخَر بألف وأشهد عليه ، خلافاً لأبي حنيفة فيما إذا كتب صكّين وأشهد عليهما ، أو فيما إذا أقرّ في مجلسين(١) .

ومن أصحابه مَنْ لا يفرّق بين المجلس والمجلسين(٢) .

مسألة ٩٣١ : لو أقرّ بإقرارين مختلفين بالعدد في مجلسٍ واحد أو في مجلسين ، دخل الأقلّ في الأكثر ، سواء تقدّم الأقلّ أو تأخّر ، فلو أقرّ في أحد اليومين بألف وفي الآخَر بخمسمائة ، لزمه الألف خاصّةً ، ودخل الإقرار بالخمسمائة تحت الإقرار بالألف عندنا وعند الشافعي(٣) .

ولو أقرّ مرّةً بالعربيّة وأُخرى بالعجميّة ، لم يلزمه إّلا واحد ، ولا اعتبار باختلاف اللغات والعبارات ، فقد يعبّر عن الشي‌ء الواحد ويخبر عن الـمُخبَر الواحد بإخبارات متعدّدة وألفاظ مختلفة ، والمخبر عنه واحد في نفسه غير متعدّدٍ.

مسألة ٩٣٢ : لو لم يمكن الجمع بين الإقرارين في عينٍ واحدة ومُخبَر عنه واحد ، تعدّد الحقّ وتغاير ، كما لو أضاف إلى شيئين مختلفين ، فقال يوم السبت : له علَيَّ ألف من ثمن عبدٍ ، ثمّ قال يوم الأحد : له علَيَّ ألف من ثمن جاريةٍ ، أو وصف كلّ واحدٍ من الـمُقرّ به بوصفٍ مخالفٍ مضادٍّ للوصف الآخَر ، كما إذا قال يوم السبت : له علَيَّ ألف من صحاح الدراهم ، وقال يوم الأحد : له علَيَّ ألف درهم من مكسّر الدراهم ، لزمه الألفان في الصورتين معاً ؛ لتغاير ثمن العبد وثمن الجارية ، وصحيح الدراهم ومكسّرها.

____________________

(١ و ٢) راجع الهامش (٢) من ص ٣٦٤.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٠.

٣٦٦

وكذا يتعدّد لو قال : قبضتُ منه يوم السبت ألف درهم ، ثمّ قال : قبضتُ منه يوم الأحد ألف درهم ، لزمه الألفان ؛ لتغاير القبضين ، ويلزم منه تغاير المقبوضين ؛ إذ لا يمكن تعدّد القبض في الشي‌ء الواحد ، إلّا مع الدفع إلى الـمُقرّ له ، ولكن ذلك دعوى غير مسموعة إلّا بالبيّنة.

ولو قال : طلّقتُها يوم السبت طلقة ، ثمّ قال : طلّقتُها يوم الأحد طلقة ، حُكم عليه بوقوع طلقتين.

ولو قال يوم السبت : طلّقتُها طلقة ، وقال يوم الأحد : طلّقتُها طلقة ، لم يلزمه إلّا طلقة.

وكذا لو قال : يوم السبت طلّقتُها طلقة ، ثمّ قال : ويوم الأحد تطليقتين ، لم يلزمه إلّا طلقتان.

أمّا لو وصف الدراهم بصفةٍ في أحد الإقرارين وأطلق في الآخَر ، أو أضاف أحد الإقرارين إلى سببٍ وأطلق في الآخَر ، نُزّل المطلق على المضاف ، ولم يجب التعدّد ؛ لإمكان الجمع ، والأصل براءة الذمّة.

وكذا لو قامت البيّنة على إقرارين بتأريخين ، يُجمع بينهما ؛ لأنّ تكرير الإشهاد وتكرير الصكّ لا تأثير له ، لأنّ الحجّة على الإقرارين لا تفيد إلّا ثبوت الإقرارين ، وقد تقدّم(١) أنّ تعدّد الإقرار لا يوجب تعدّد الـمُقرّ به.

مسألة ٩٣٣ : لو شهد شاهد على أنّه أقرّ يوم السبت بألفٍ أو بغصب ثوب ، وشهد شاهدٌ آخَر على أنّه أقرّ يوم الأحد بألفٍ أو بغصب ذلك الثوب ، ثبت الألف والغصب بتلفيق الشهادتين ؛ لأنّ الإقرار لا يوجب حقّاً بنفسه ، وإنّما هو إخبار عن شي‌ء سابق ، فيُنظر إلى المـُخبَر عنه وإلى اتّفاقهما‌

____________________

(١) في ص ٣٦٣ ، المسألة ٩٣٠.

٣٦٧

على الإخبار عنه.

وكذا لو شهد أحدهما على إقراره بألفٍ بالعربيّة ، والآخَر على إقراره بالفارسيّة.

ولو شهد أحدهما على الإدانة والآخَر على الإقرار بها ، لم يثبت الدَّيْن ، سواء اتّفق الزمان أو اختلف. وكذا لو شهد أحدهما أنّه وكّل أو طلّق يوم السبت ، وشهد الآخَر أنّه وكّل أو طلّق يوم الأحد ، أو شهد أحدهما على أنّه وكّل أو طلّق يوم السبت ، والآخَر على أنّه أقرّ بالوكالة أو بالطلاق يوم السبت أو الأحد ، لم يثبت بشهادتهما شي‌ء ؛ لأنّهما لم يتّفقا على شي‌ء واحد ، وليس هو إخباراً حتى يُنظر إلى المقصود الـمُخبَر عنه.

واعلم : أنّ بعض الشافعيّة لم يفرّق بين الإقرارين والإنشاءين ، فكما لا يُقبل إذا شهد أحدهما على إنشاء الطلاق أو الوكالة يوم السبت وشهد الآخَر على إنشائهما يوم الأحد ، كذا لا يُقبل لو شهد أحدهما على أنّه أقرّ يوم السبت وشهد الآخَر على أنّه أقرّ يوم الأحد ؛ لأنّ الشاهدَيْن لم يشهدا على شي‌ء واحد ، بل شهد هذا على إقرارٍ ، وذلك على إقرارٍ آخَر ، والمقصود من اشتراط العدد في الشهادة زيادة التوثّق والاستظهار ، فإذا شهد كلّ واحدٍ على شي‌ء لم يحصل هذا المقصود ، فاتّجه(١) أن لا يُحكم بقولهما(٢) .

وبعض الشافعيّة أجرى الإنشاءات مجرى الإقرارات ، فكما تُقبل شهادة أحدهما بالإقرار يوم السبت مع شهادة الآخَر بالإقرار يوم الأحد ، تُقبل لو شهد أحدهما بإنشاء الطلاق - مثلاً - يوم السبت ، والآخَر بإنشائه‌

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « فالمتّجه ».

(٢) انظر : الوسيط ٣ : ٣٤٤ ، والعزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٦ ، وروضة الطالبين ٤ : ٤١.

٣٦٨

يوم الأحد (١) .

وكلا هما غلط.

أمّا الأوّل : فلأنّ أحد الشاهدَيْن إذا شهد بالإقرار يوم السبت فقد شهد بثبوت حقٍّ في ذمّته ، وإذا شهد الآخَر بالإقرار يوم الأحد فقد شهد بثبوت حقٍّ في ذمّته ، فحصل الاتّفاق بينهما على شي‌ء واحد ، والاجتماع لا يفيد زيادةً في هذا المشترك ، وصار كما لو أطلقا الشهادة بالإقرار من غير تعيين الزمان ، ولا يتأتّى هذا في الإنشاء ؛ لأنّ مَنْ طلّق اليوم ثمّ طلّق غداً والمرأة رجعيّة فزعم أنّه أراد طلقة واحدة ، لم يُقبل منه ، خصوصاً عند مَنْ لا يشترط الرجعة ، كالعامّة بأسرهم ، فكيف يُجمع بين شهادة شاهدٍ على طلاق اليوم وشهادة آخَر على طلاق غدٍ!؟ وكذا باقي الإنشاءات والأفعال ، كالقتل والغصب وغيرهما.

على أنّه لا تخلو هذه الشهادة في كثير من المواضع من التضادّ والتنافي ؛ فإنّ شهادة قتل يوم السبت تنافي شهادة قتل يوم الأحد ، بخلاف الإقرارين.

وأمّا الثاني : فلما مرّ من التغاير بين الإنشاءين.

ولو شهد أحدهما على أنّه قذفه يوم السبت ، أو بالعربيّة ، والآخَر أنّه قذفه يوم الأحد ، أو بالفارسيّة ، لم يثبت بشهادتهما شي‌ء.

ولو شهد أحدهما على إقراره بأنّه قذفه يوم السبت ، أو بالعربيّة قذفه ، والثاني على إقراره بأنّه قذفه يوم الأحد ، أو بالعجميّة قذفه ، فلا يلفّق بين الشهادتين أيضاً ؛ لأنّ الـمُقرّ به شيئان مختلفان.

مسألة ٩٣٤ : لو شهد أحدهما عليه بألفٍ من ثمن مبيع ، وشهد الآخَر بألفٍ من قرضٍ ، أو شهد أحدهما بألفٍ استقرضه يوم السبت ، والآخَر‌

____________________

(١) انظر : الوسيط ٣ : ٣٤٤ ، والعزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٦ ، وروضة الطالبين ٤ : ٤١.

٣٦٩

بألفٍ استقرضه يوم ا لأحد ، لم يثبت بشهادتهما شي‌ء ، إلّا أنّ للمدّعي أن يعيّن أحدهما ، ويستأنف الدعوى عليه ، ويحلف مع الذي شهد به ، وله أن يدّعيهما ويحلف مع كلّ واحدٍ من الشاهدَيْن.

وإن كانت الشهادتان على الإقرار بأن شهد أحدهما على أنّه أقرّ بألفٍ من ثمن مبيعٍ ، وشهد الثاني على إقراره بألفٍ من قرضٍ ، فالأقرب : إنّه لا تثبت الألف بهذه الشهادة ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة(١) .

وبنوا الوجهين هنا على الوجهين فيما إذا ادّعى عليه ألفاً من ثمن مبيعٍ ، فقال المدّعى عليه : لك علَيَّ ألف ولكن عن قرضٍ ، فهل يحلّ للمدّعي أخذ الألف ؛ لاتّفاقهما عليه ، أو يحرم ؛ لاختلافهما في الجهة؟ إن قلنا(٢) : اختلاف الجهة يمنع الأخذ ، لم تثبت الألف ، وإلّا ثبتت(٣) .

ولو ادّعى ألفاً فشهد أحد الشاهدَيْن على أنّه ضمن ألفاً ، والثاني على أنّه ضمن خمسمائة ، ففي ثبوت خمسمائة إشكال. وللشافعي قولان(٤) .

وهو أحد أقسام الإنشاءات ، وقد سلف(٥) البحث فيها.

ولو شهد أحد شاهدي المدّعى عليه أنّ المدّعي استوفى الدَّيْن ، والثاني على أنّه أبرأه ، فلا تلفيق على الأقوى ، وله أن يحلف مع أيّهما شاء.

ولو شهد الثاني على أنّه برئ إليه منه ، احتُمل التلفيق ؛ لأنّ إضافة البراءة إلى المديون عبارة عن إيفائه ، وهو أحد وجهي الشافعيّة(٦) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٨ : ٣٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٢.

(٢) في الطبعة الحجريّة زيادة : « إنّ ».

(٣) التهذيب - للبغوي - ٨ : ٣٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٢.

(٥) في الطبعة الحجريّة : « سبق » بدل « سلف ».

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٢.

٣٧٠

مسألة ٩٣٥ : لو ادّعى على رجلٍ ألفين ، وشهد له شاهد بألفين ، وشهد له آخَر بألف ، ثبتت الألف بشهادتهما ؛ لاتّفاقهما عليها ، وله أن يحلف مع الذي شهد بألفين ، ويأخذهما معاً.

وكذا لو كانت الشهادتان على الإقرار.

هذا إذا لم يختلفا في الشهادة ، أمّا لو اختلفا بأن أضاف كلٌّ منهما ما شهد به إلى سببٍ غير الآخَر ، مثل : أن يقول أحدهما : من ثمن عبدٍ ، ويقول الآخَر : من ثمن جاريةٍ ، فإنّه لا تلفيق ولا اتّفاق ، ولا تقوم البيّنة بأحدهما ؛ لأنّهما مختلفان ، ويحلف مع كلّ واحدٍ منهما ، ويستحقّ ما شهد به.

وكذا لو اختلفا في صفتها ، فقال أحدهما : من ضَرْب كذا ، والآخَر : من ضرب آخَر ، أو قال أحدهما : حالّة ، وقال الآخَر : مؤجّلة ، أو شهد أحدهما أنّه أقرّ عنده أنّها لزمته في شعبان ، وشهد الآخَر أنّه أقرّ أنّها لزمته في شهر رمضان.

وأمّا إذا أضاف الشاهدان الشهادة إلى سببٍ واحد ، فقال كلّ واحدٍ منهما : من ثمن عبدٍ ، أو أطلقا ولم يضيفا إلى سببٍ ، أو أطلق أحدهما وأضاف الآخَر ، فإنّ في هذه المسائل الثلاثة تقوم البيّنة بألفٍ واحدة ، ويحلف للأُخرى ، وبه قال الشافعي ومالك(١) .

وقال أصحاب الرأي : لا يثبت شي‌ء من ذلك ؛ لأنّ الشهادتين اختلفتا‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٧٧ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٣٩ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٥ - ٣٦٦ ، التهذيب - للبغوي - ٨ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٢.

٣٧١

لفظاً ومعنىً ، كما ل و أضافا ذلك إلى سببين مختلفين(١) .

وهو غلط ؛ لأنّهما مالان من نوعٍ واحد غير مضافين إلى سببين مختلفين ، فإذا شهد بهما اثنان ثبت الأقلّ منهما ، كما لو شهد أحدهما بألفٍ والآخَر بألفٍ وخمسمائة ، فإنّ أبا حنيفة سلّم أنّه إذا شهد أحدهما بألفٍ والآخَر بألفٍ وخمسمائة تثبت الألف(٢) .

ولو شهد أحدهما بعشرين والآخَر بثلاثين ، ثبتت العشرون بشهادتهما ، كالألف والألفين على إشكالٍ.

ويحتمل عدم الثبوت ؛ لأنّ لفظ « الثلاثين » لا يشتمل على لفظ « العشرين » ولفظ « الألفين » يشتمل على لفظ(٣) الألف ، فربما سمع أحد الشاهدين الألف وغفل عن آخره.

وللشافعيّة وجهان(٤) .

مسألة ٩٣٦ : لو ادّعى ألفاً ، فشهد له شاهد بألفٍ وآخَر بألفين ، فالثاني قد شهد بالزيادة قبل أن يستشهد ، فيكون متبرّعاً تبطل شهادته بالزيادة خاصّةً.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٧٧ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٦ ، التهذيب - للبغوي - ٨ : ٣٤٣ ، المغني ١٢ : ١٥٧ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٢ : ٣٧٦ ، الفقه النافع ٣ : ١١٧٠ / ٩٣١ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٢٦.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٢٧ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٢ : ٣٧٦ ، الفقه النافع ٣ : ١١٧٠ / ٩٣١ ، التهذيب - للبغوي - ٨ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٧.

(٣) كلمة « لفظ » لم ترد في الطبعة الحجريّة.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٨ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٧ - ٣٢٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٢.

٣٧٢

ويحتمل بطلانها في ا لجميع ؛ لأنّه متبرّع بهذه الشهادة ، وهي شهادة واحدة وقد رُدّت ، بخلاف ما لو قال : أشهد له بألفٍ وألفٍ أُخرى ، فإنّه تُردّ شهادته بالألف الأُخرى خاصّةً.

وعلى التقديرين لا يصير مجروحاً بهذه الزيادة ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : إنّه يصير مجروحاً. وإذا لم يصر مجروحاً عندهم ، فالشهادة بالزيادة مردودة.

وفي المدّعى قولان :

أحدهما : إنّها تُردّ ؛ لأنّ الشهادة لا تتبعّض ، فإذا رُدّت في البعض رُدّت مطلقاً.

وقال بعضهم : لا تُردّ ، وتثبت الألف خاصّةً ، والتبعيض مخصوص بما إذا اشتملت الشهادة على ما يقتضي الردّ ، كما إذا شهد لنفسه ولغيره ، وأمّا إذا زاد على المدّعى ، فقوله في الزيادة ليس بشهادة ، بل هو كما لو أتى بلفظ الشهادة في غير مجلس الحكم. وعلى تقدير قولهم بالجرح فإنّ المدّعي يحلف مع شاهد الألف ويأخذها(١) .

وقال الجويني : إنّه على هذا الوجه إنّما يصير مجروحاً في الزيادة ، فأمّا الألف المدّعاة فلا جرح في الشهادة عليه ، لكن إذا رُدّت الشهادة في الزائد كانت الشهادة في المدّعى على قولَي التبعيض ، فإن لم نبعّضها فلو أعاد الشهادة بالألف ، قُبلت ؛ لموافقتها الدعوى [ وهل ](٢) يحتاج إلى إعادة‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٨ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٢.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فهل ». والظاهر ما أثبتناه كما في « العزيز شرح الوجيز ».

٣٧٣

الدعوى؟ قال : فيه و جهان ، أظهرهما : المنع(١) .

البحث الثامن : في لواحق هذا الفصل.

مسألة ٩٣٧ : الـمُقرّ به المجهول قد يمكن استعلامه من غير رجوعٍ إلى تفسير الـمُقرّ بأن يحيله على معرّفٍ. وفيه قسمان :

أحدهما : لو قال : له علَيَّ من الدراهم بقدر وزن هذه الصنجة ، أو بالعدد المكتوب في كتاب كذا ، أو بقدر ما باع به فلان عبده ، أو بقدر ما في يدي من الدراهم ، وما أشبه ذلك ، رجع إلى ما أحال عليه.

والثاني : أن يذكر ما يمكن استخراجه بالحساب ، وهو قسمان :

أ - ما اشتمل على العطف ، مثل أن يقول : لزيدٍ علَيَّ مائة درهم ونصف ما لعمرو علَيَّ ، ولعمرو علَيَّ مائة ونصف ما لزيدٍ ، فطريق معرفته بالجبر والمقابلة أن تفرض ما لزيدٍ شيئاً ، فتقول : لزيدٍ شي‌ء ولعمرو مائة ونصف شي‌ء ؛ لأنّه نصف ما لزيدٍ ، فلزيدٍ حينئذٍ مائة وخمسون وربع شي‌ء تعدل شيئاً ، يسقط من الشي‌ء ربع شي‌ء مقابلة الربع ، تبقى مائة وخمسون تعدل ثلاثة أرباع شي‌ء ، فالربع خمسون ، والشي‌ء مائتان ، فلزيدٍ عليه مائتان ، وكذا لعمرو عليه مائتان.

ولو قال : لزيدٍ علَيَّ مائة وثلث ما لعمرو ، ولعمرو علَيَّ مائة وثلث ما لزيدٍ ، فلكلٍّ منهما عليه مائة وخمسون ؛ لأنّ لزيدٍ شيئاً ، ولعمرو مائة وثلث شي‌ء ، فلزيدٍ مائة وثلث مائةٍ وتُسْع شي‌ء تعدل شيئاً ، يسقط تُسْع شي‌ء بمثله ، تبقى مائة وثلث مائة تعدل ثمانية أتساع شي‌ء ، فالشي‌ء مائة‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٢.

٣٧٤

وخمسون.

ولو قال : لز يدٍ علَيَّ مالٌ ونصف ما لعمرو ، ولعمرو علَيَّ مالٌ ونصف ما لزيدٍ ، فلكلٍّ من زيدٍ وعمروٍ عليه أربعة ؛ لأنّ لزيدٍ شيئاً ، ولعمرو مالٌ ونصف شي‌ء ، فلزيدٍ مالٌ ونصف مالٍ وربع شي‌ء يعدل شيئاً ، يسقط ربع شي‌ء بربع شي‌ء ، يبقى مالٌ ونصف مالٍ يعدل ثلاثة أرباع شي‌ء ، فالشي‌ء مالان ، ولكلّ مالٍ نصفٌ.

مسألة ٩٣٨ : لو قال : لزيدٍ علَيَّ عشرة ونصف ما لعمرو ، ولعمرو علَيَّ عشرة وثلث ما لزيدٍ ، نفرض ما لزيدٍ شيئاً ، فلعمرو عشرة وثلث شي‌ء ، فلزيدٍ خمسة عشر وسدس شي‌ء تعدل شيئاً ، يسقط السدس بمثله ، تبقى خمسة عشر تعدل خمسة أسداس شي‌ء ، فالشي‌ء ثمانية عشر هي ما لزيدٍ ولعمرو ستّة عشر.

ولو قال : لزيد ستّة ونصف ما لعمرو ، ولعمرو اثنا عشر ونصف ما لزيدٍ ، فلزيدٍ ستّة عشر ، ولعمرو عشرون ؛ لأنّا نفرض ما لزيد شيئاً ، فلعمرو اثنا عشر ونصف شي‌ء ، ولزيدٍ اثنا عشر وربع شي‌ء يعدل شيئاً ، يسقط ربع شي‌ء بمثله ، يبقى اثنا عشر يعدل ثلاثة أرباع شي‌ء ، فالشي‌ء ستّة عشر ، ولعمرو اثنا عشر وثمانية هي نصف ما لزيدٍ ، فلعمرو عشرون.

ولو قال : لزيدٍ ستّة ونصف ما لعمرو ، ولعمرو اثنا عشر وثلث ما لزيدٍ ، فلزيدٍ أربعة عشر وخُمْسان ، ولعمرو ستّة عشر وأربعة أخماس ؛ لأنّا نفرض ما لزيدٍ شيئاً ، فلعمرو اثنا عشر وثلث شي‌ء ، فلزيدٍ اثنا عشر وسدس شي‌ء يعدل شيئاً ، يسقط سدس شي‌ء من الشي‌ء ، يبقى اثنا عشر يعدل خمسة أسداس شي‌ء ، فالشي‌ء أربعة عشر وخُمْسان ، ولعمرو اثنا عشر وثلث أربعة عشر وخُمْسان ، وهو أربعة وأربعة أخماس ، فيكمل لعمرو‌

٣٧٥

ستّة عشر وأربعة أخماس.

ب : ما اشتمل على الاستثناء.

مسألة ٩٣٩ : إذا قال : لزيدٍ علَيَّ ستّة إلّا نصف ما لبكرٍ ، ولبكرٍ ستّة إلّا نصف ما لزيدٍ ، نفرض ما لزيدٍ شيئا ، فلبكر ستّة إلّا نصف شي‌ء ، فلزيدٍ ستّة إلّا ثلاثة تعدل ثلاثة أرباع شي‌ء ؛ لأنّك تسقط الربع في مقابلة الربع المستثنى ، فإذا جبرتَ وقابلْتَ ، صارت ستّةً تعدل ثلاثةً وثلاثة أرباع شي‌ء ، فإذا أسقطتَ ثلاثة بمثلها ، بقي ثلاثة تعدل ثلاثة أرباع شي‌ء ، فالشي‌ء أربعة ، فلكلٍّ منهما أربعة.

ولو قال : لزيدٍ عشرة إلّا نصف ما لبكرٍ ، ولبكرٍ عشرة إلّا ثلث ما لزيدٍ ، فلزيدٍ شي‌ء ولبكر عشرة إلّا ثلث شي‌ء ، فلزيدٍ عشرة إلّا خمسة تعدل خمسةَ أسداس شي‌ء ، فإذا جبرتَ وقابلْتَ ، صارت عشرةً تعدل خمسةً وخمسة أسداس شي‌ء ، فإذا أسقطتَ خمسةً بمثلها ، بقي خمسة تعدل خمسةَ أسداس شي‌ء ، فالشي‌ء يعدل ستّةً ، فهي لزيدٍ ، ولبكرٍ ثمانية.

ولو قال : لزيدٍ عشرة إلّا ثلث ما لبكرٍ ، ولبكرٍ خمسة عشر إلّا نصف ما لزيدٍ ، فلزيدٍ شي‌ء ، ولبكرٍ خمسة عشر إلّا نصف شي‌ء ، فلزيدٍ عشرة وسدس شي‌ء إلّا خمسة تعدل شيئاً ، يسقط السدس بمثله ، تبقى خمسة تعدل خمسة أسداس شي‌ء ، فالشي‌ء يعدل ستّةً لزيدٍ ، ولبكرٍ اثنا عشر.

واعلم : أنّ الأقسام الممكنة في العطف منفرداً أو الاستثناء منفرداً ثمانية.

أمّا في العطف فأربعة :

أ : أن يتّفق المال فيهما والعطف فيهما.

ب : أن يتّفق المال فيهما ويختلف العطف فيهما.

ج : أن يختلف المال فيهما ويتّفق العطف فيهما.

٣٧٦

د : أن يختلف المال فيهما والعطف فيهما.

وأمّا في الاستثناء فأربعة أيضاً :

أ : أن يتّفق المال فيهما والاستثناء فيهما.

ب : أن يتّفق المال فيهما ويختلف الاستثناء فيهما.

ج : أن يختلف المال فيهما ويتّفق الاستثناء.

د : أن يختلف المال فيهما والاستثناء فيهما.

واعلم : أنّه قد يكو ن في أحدهما الاستثناء وفي الآخَر العطف ، كما إذا قال : لزيدٍ علَيَّ ألف ونصف ما لبكرٍ ، ولبكرٍ علَيَّ ألف إلّا نصف ما لزيدٍ ، فلزيدٍ ألف ومائتان ، ولبكرٍ أربعمائة ؛ لأنّا نجعل ما لزيدٍ شيئاً فلبكرٍ ألف إلّا نصف شي‌ء ، فلزيدٍ ألف وخمسمائة إلّا ربع شي‌ء تعدل شيئاً كاملاً ، فألف وخمسمائة كملاً تعدل شيئاً وربع شي‌ء ، فالشي‌ء ألف ومائتان هي لزيدٍ ، ولبكرٍ ألف إلّا نصف ما لزيدٍ ، ونصفه ستّمائة تبقى له أربعمائة.

واعلم : أنّه إذا اجتمع العطف في أحدهما والاستثناء في الآخَر ، فقد يتّفق المال وقد يختلف ، ومع الاتّفاق قد يتّفق العطف والاستثناء وقد يختلف ، وكذا مع الاختلاف. وعلى كلّ تقدير فقد يقع الاستثناء في الأوّل والعطف في الثاني ، وبالعكس. فعليك باستخراج ذلك كلّه ، فإنّه سهل بعد ما أعطيناك من القانون.

واعلم : أنّه قد يزيد الإقرار على اثنين. وحكمه كما تقدّم.

فلو قال : لزيدٍ علَيَّ ستّون مثقالاً ونصف ما لعمروٍ - والتقدير على سبيل التسهيل أنّ المثقال يساوي ثلاثةً وعشرين درهماً ، كما في زماننا - ثمّ قال : ولعمرو عندي ستّون وثلث ما لبكرٍ ، ولبكرٍ ستّون وربع ما لزيدٍ ، فلزيدٍ شي‌ء ، ولبكرٍ ستّون وربع شي‌ء ، ولعمرو ثمانون مثقالاً وثلث ربع‌

٣٧٧

شي‌ء ، فلزيدٍ مائة وسدس ربع شي‌ء تعدل شيئاً ، يسقط سدس ربع شي‌ء بسدس ربع شي‌ء ، تبقى مائة تعدل ثلاثة أرباع شي‌ء وخمسة أسداس ربع شي‌ء ، فالشي‌ء أربعة وعشرون ، فمائة مثقال تعدل ثلاثة وعشرين جزءاً من أربعة وعشرين ، فإذا بسطْتَ مائة مثقال على ثلاثة وعشرين جزءاً ، كان نصيب الجزء أربعة مثاقيل وثمانية دراهم.

مسألة ٩٤٠ : إذا قال : لزيدٍ علَيَّ ألف درهم إلّا نصف ما لبكرٍ ، ولبكرٍ علَيَّ ألف إلّا ثلث ما لزيدٍ ، فلمعرفة ذلك طُرق :

أ : أن نجعل لزيدٍ شيئاً ونقول : لبكرٍ ألف إلّا ثلث شي‌ء ، فنأخذ نصفه - وهو خمسمائة إلّا سدس شي‌ء - ونسقطه من الألف ، تبقى خمسمائة وسدس شي‌ء ، وذلك يعدل شيئاً المفروض لزيدٍ ؛ لأنّه جعل له ألفاً إلّا نصف ما لبكرٍ ، فيسقط سدس شي‌ء بسدس شي‌ء ، تبقى خمسة أسداس شي‌ء في مقابلة خمسمائة ، فيكون الشي‌ء التامّ ستّمائة ، وهو ما لزيدٍ ، فإذا أخذتَ ثلثها مائتين وأسقطتَه من الألف ، تبقى ثمانمائة ، وهو ما أقرّ به لبكرٍ.

ب : أن نجعل لزيدٍ ثلاثة أشياء ؛ لاستثنائه الثلث منه ، ونسقط ثلثها من الألف المضاف إلى الاثنين ، فيكون لهما ألف ناقص شي‌ء ، ثمّ نأخذ نصفه وهو خمسمائة ناقصة بنصف شي‌ء ، وتزيد على ما فرضناه لزيدٍ وهو ثلاثة أشياء ، يكون خمسمائة وشيئين ونصف شي‌ء ، وذلك يعدل ألف درهم ، تسقط خمسمائة بخمسمائة ، تبقى خمسمائة في مقابلة شيئين ونصف شي‌ء ، فيكون الشي‌ء مائتين ، وقد كان لزيدٍ ثلاثة أشياء ، فهي إذَنْ ستّمائة.

ج : أن نقول : استثنى من أحد الإقرارين النصفَ ومن الآخَر الثلثَ ، فنضرب مخرج أحدهما في مخرج الآخَر يكون ستّةً ، ثمّ ننظر في الجزء‌

٣٧٨

المستثنى من الإقرارين ، وكلاهما واحد ، فنضرب واحداً في واحدٍ يكون واحداً ننقصه من الستّة تبقى خمسة ، فنحفظها ونسمّيها المقسوم عليه ، ثمّ نضرب ما يبقى من مخرج كلّ واحدٍ من الجزءين - بعد إسقاطه - في مخرج الثاني ، وذلك بأن نضرب ما يبقى من مخرج النصف بعد النصف - وهو واحد - في مخرج الثلث - وهو ثلاثة - تحصل ثلاثة نضربها في الألف المذكورة في الإقرار يكون ثلاثة آلاف نقسّمها على العدد المقسوم عليه - وهو خمسة - يخرج نصيب الواحد ستّمائة ، فهي ما لزيدٍ ، ونضرب ما يبقى من مخرج الثلث بعد الثلث - وهو اثنان - في مخرج النصف - وهو اثنان - يكون أربعةً نضربها في الألف يكون أربعة آلاف نقسّمها على الخمسة ، يخرج من القسمة ثمانمائة ، وهي ما لبكرٍ.

ولو قال : لزيد علَيَّ عشرة إلّا ثلثي ما لعمرو ، ولعمرو عشرة إلاّ ثلاثة أرباع ما لزيدٍ ، نضرب المخرج في المخرج يحصل اثنا عشر ، ثمّ نضرب أحد الجزءين في الثاني ، وهو اثنان في ثلاثة ، يكون ستّةً نسقطها من اثني عشر تبقى ستّة ، ثمّ نضرب الباقي من مخرج الثلث بعد إخراج الثلثين - وهو واحد - في أربعة ، يكون أربعةً نضربها في العشرة المذكورة في الإقرار يكون أربعين نقسّمها على الستّة يكون ستّةً وثُلثين ، وذلك ما أقرّ به لزيدٍ. ثمّ نضرب واحداً وهو الباقي من مخرج الربع بعد إخراج الأرباع الثلاثة ، يكون ثلاثةً نضربها في العشرة يكون ثلاثين نقسّمها على الستّة يكون خمسةً ، وهي ما أقرّ به لعمرو.

والطريقان الأوّلان يجريان في أمثال هذه الصُّور بأسرها.

وأمّا الطريق الثالث فإنّه لا يطّرد فيما إذا اختلف المبلغ المذكور في الإقرارين.

٣٧٩

وإذا تكثّرت الإقرارات ، احتاج إلى تطويلٍ ليس هذا موضعه ، كما لو قال : لزيدٍ عشرة إلّا نصف ما لعمرو ، ولعمرو عشرة إلّا ثلث ما لبكرٍ ، ولبكرٍ عشرة إلّا ربع ما لزيدٍ.

ولو قال : لزيدٍ علَيَّ عشرة إلّا نصف ما لعمرو ، ولعمرو ستّة إلّا ربع ما لزيدٍ ، يكون مُقرّاً لزيدٍ بثمانية ، ولعمرو بأربعة.

ولو قال : لزيدٍ علَيَّ عشرة إلّا نصف ما لعمرو ، ولعمرو عشرة إلّا ربع ما لزيدٍ ، يكون مُقرّاً لزيدٍ بخمسة وخمسة أسباع ، ولعمرو بثمانية وأربع أسباع.

وقد يتصوّر صدور كلّ إقرارٍ من شخصٍ بأن يدّعي مالاً على زيدٍ وعلى عمرو ، فيقول زيد : لك علَيَّ عشرة إلّا نصف ما لك على عمرو ، ويقول عمرو : لك علَيَّ عشرة إلّا ثلث ما لك على زيدٍ. وطريق الحساب ما تقدّم.

مسألة ٩٤١ : لو أقرّ لزيدٍ بجميع ما في يده أو بجميع ما ينسب إليه أو يعرف به ، صحّ الإقرار ، فلو تنازع الـمُقرّ و الـمُقرّ له في شي‌ء هل كان في يد الـمُقرّ وقت الإقرار أو لا؟ فالقول قول الـمُقرّ ، وعلى الـمُقرّ له البيّنة ؛ لأصالة الاستصحاب ، وقضاء اليد بالملكيّة ، وعدم سبق النسبة على الإقرار.

ولو قال : ليس لي ممّا في يدي سوى ألف ، صحّ الإقرار ، وعُمل بمقتضاه.

ولو قال : لا حقّ لي في شي‌ء ممّا في يد فلان ، ثمّ ادّعى شيئاً منه وقال : لم أعلم كونه في يده يوم الإقرار ، صُدّق بيمينه.

ولو قال : لزيدٍ علَيَّ درهم أو دينار ، لزمه أحدهما ، وطُولب بالتعيين.

٣٨٠

وقال بعض الشافعيّة : لا يلزمه شي‌ء(١) .

وهو خطأ.

ولو قال : علَيَّ ألف أو على زيد أو على عمرو ، لم يلزمه شي‌ء.

وكذا لو قال على سبيل الإقرار : أنتِ طالق أوّلاً. وإن ذكره في معرض الإنشاء طُلّقت ، كما لو قال : أنتِ طالق طلاقاً لا يقع عليك.

ولو كان في يده عبد وجارية ، فقال : أحد هذين لزيدٍ(٢) ، صحّ الإقرار ، وطُولب بالتعيين ، فإن قال : له العبد ، نظرتَ في(٣) الـمُقرّ له ، فإن صدّقه سلّم العبد إليه. وإن قال : لي الجارية دون العبد ، كان القولُ قولَ الـمُقرّ مع يمينه في الجارية ، وأمّا العبد فقد ردّ إقراره ، وفيه وجهان :

أحدهما : يقرّ في يده.

والثاني : ينزعه الحاكم ، فيكون في يده.

مسألة ٩٤٢ : لو قال : غصبتُ هذا العبد من أحد هذين ، صحّ هذا الإقرار - وبه قال الشافعي(٤) - لأنّ الإقرار بالمجهول يصحّ ، كذا يصحّ الإقرار لمجهولٍ.

ثمّ يُطالب بالبيان ، فإن قال : لا أعرف عينه ، فإن صدّقاه على ذلك انتُزع العبد من يده ، وكانا خصمين فيه. وإن كذّباه وادّعى كلّ واحدٍ منهما أنّه يعلم أنّه غصبه منه ، كان القولُ قولَه مع يمينه ؛ لأنّه أعلم بما يعلمه ، فإذا حلف انتُزع منه ، وكانا خصمين فيه. وإن نكل حلف المدّعي ، وكان بمنزلة‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٣.

(٢) في الطبعة الحجريّة : « لفلان » بدل « لزيد ».

(٣) الظاهر : « إلى » بدل « في ».

(٤) الأُم ٣ : ٢٤٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٤٠ ، بحر المذهب ٨ : ٢٥٩ ، البيان ١٣ : ٤٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٢.

٣٨١

الإقرار له.

إذا ثبت هذا ، فإذا كانا خصمين فيه فليس لأحدهما عليه يد. فإن أقام أحدهما البيّنةَ ، حُكم له به. وإن أقام كلّ واحدٍ منهما بيّنةً ، تعارضت البيّنتان. وإن لم يكن لكلّ واحدٍ منهما بيّنةٌ ، حلف كلّ واحدٍ منهما وقسّم ، أو وقف حتى يصطلحا. وإن حلف أحدهما ونكل الآخَر ، حُكم به للحالف.

هذا إذا لم يبيّن ، فأمّا إذا بيّن فقال : هو لهذا ، فإنّه يكون له ، ولا يغرم للآخَر قولاً واحداً ؛ لأنّه لم يقرّ به للآخَر ، بخلاف قوله : هذا لزيدٍ لا بل لعمرو.

فإن قال الآخَر : احلفوه أنّه ليس لي ، فإن قلنا : إنّه لو عاد وأقرّ(١) للآخَر لم يغرم له ، لم نحلفه ؛ لأنّه إذا نكل لم يلزمه شي‌ء. وإن قلنا : يغرم ، عرضنا عليه اليمين ، فإن حلف سقطت الدعوى ، وإن نكل حلف المدّعي وغرم.

مسألة ٩٤٣ : لو كان معه عشرة أعْبُد ، فقال : هؤلاء العبيد لفلان إلّا واحداً ، صحّ الاستثناء ؛ لأنّ الإقرار بالمجهول صحيح ، وكذا الاستثناء ؛ لأنّ مقتضاه تجهيل الـمُقرّ به ، وهو غير قادحٍ في الإقرار.

ثمّ يُطالَب بالبيان ، فإن عيّن الاستثناء في واحدٍ ، صحّ تعيينه ، وكان القولُ قولَه ، فإن عيّن الواحد الذي استثناه كان الباقي للمُقرّ له.

ولو عيّن ما للمُقرّ له جاز ، وكان الواحد الفاضل له.

فإن خالفه الـمُقرّ له وقال : ليس هذا الذي استثنيتَه ، كان القولُ قولَ الـمُقرّ مع يمينه ؛ لأنّ ذلك البيان لإقراره ، وهو أعلم بما أقرّ به واستثناه.

فإن هلك منها تسعة وبقي واحد ، فالوجه : إنّه يُقبل لو عيّن الاستثناء‌

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « فأقرّ ».

٣٨٢

في الباقي - وهو أصح ّ وجهي الشافعيّة(١) - لأنّ التفسير يعتبر وقت الإقرار ، وتفسيره لا يرفع جميع ( ما أقرّ به )(٢) وإنّما تعذّر تسليم المُقرّ به إليهم لا لمعنى يرجع إلى التفسير ، وجرى ذلك مجرى ما لو قال : هؤلاء العبيد لفلان إلاّ غانماً ، ثمّ مات الكلّ إلّا غانماً ، كان غانم للمُقرّ ، ولم يُبطل ذلك إقراره ، كذا هنا.

والثاني لهم : لا يُقبل منه أن يدّعي أنّه له ؛ لأنّ تفسيره بذلك يؤدّي إلى أن لا يجعل للمُقرّ له شيئاً(٣) .

مسألة ٩٤٤ : إذا أقرّ بمالٍ لزيدٍ ، لزمه ، وكان مؤاخذاً بإقراره‌ - وهو المشهور من مذهب الشافعي(٤) - عملاً بمقتضى الإقرار.

وقال بعض الشافعيّة : إنّه لا يلزمه حتّى يُسأل الـمُقرّ عن سبب اللزوم ؛ لأنّ الأصل براءة الذمّة ، والإقرار ليس موجباً في نفسه ، وأسباب الوجوب مختلف فيها بين العلماء ، فربما توهّم ما ليس بموجبٍ موجباً ، وهذا كما أنّ الجرح المطلق لا يُقبل ، وكما لو أقرّ بأنّ فلاناً وارثه ، لا يُقبل حتى يبيّن جهة الوراثة(٥) .

ولو قال : علَيَّ ألف درهم وإلّا لفلان علَيَّ ألف دينار ، لزمه(٦) [ و ](٧)

____________________

(١) التنبيه : ٢٧٦ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٠ ، بحر المذهب ٨ : ٢٥٦ ، الوجيز ١ : ٢٠١ ، الوسيط ٣ : ٣٥٥ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٤٣ ، البيان ١٣ : ٤٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٦.

(٢) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة : « الـمُقرّ به ».

(٣) نفس المصادر في الهامش (١) ما عدا التهذيب.

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٣.

(٦) في روضة الطالبين ٤ : ٤٣ هكذا : « لزمه ألف درهم ».

(٧) ما بين المعقوفين أضفناه للسياق.

٣٨٣

هذا (١) للتأكيد.

ولو قال : وهبتُ منك كذا وخرجتُ منه إليك ، لم يكن مُقرّاً بالقبض ؛ لجواز أن يريد بالخروج منه الهبة.

وقال القفّال : إنّه يكون مُقرّاً بالقبض ؛ لأنّه نسب إلى نفسه ما يشعر بالإقباض بعد العقد المفروغ عنه(٢) .

ولو قال : وهبتُه ، ثمّ قال : لم أقبضه ، سُمع منه ذلك ، وكان دعوى ترك الإقباض مسموعةً ؛ لأنّ الهبة لا تستلزم الإقباض ، لكن لا تلزم إلّا به.

وكذا الرهن والوقف وكلّ ما يشترط فيه القبض.

ولو قال : وهبتُه وملّكته ، ثمّ ادّعى نفي الإقباض ، لم تُسمع منه ؛ لأنّ الهبة إنّما تُملك بالقبض ، إلّا أن يعتقد مذهب مالك ، فتُسمع منه هذه الدعوى ؛ لأنّه يعتقد الملكيّة بالهبة المجرّدة عن الإقباض(٣) .

مسألة ٩٤٥ : لو أقرّ الأب بعين ماله لولده ، لم يكن له الرجوعُ في إقراره‌ ، فإن رجع لم يُقبل منه ؛ لأنّ الأصل بقاء الملك للمُقرّ له ، وبه قال بعض الشافعيّة(٤) .

وقال بعضهم : له الرجوع ؛ لأنّه يمكن أن يكون مستند إقراره ما يمنع الرجوع ، ويمكن أن يكون مستنده ما لا يمنع ، كالهبة ، فيثبت له الرجوع ؛

____________________

(١) أي الكلام الأخير.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٣.

(٣) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٧٣ / ١١٩٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٢٩ ، التفريع ٢ : ٣١٢ ، التلقين : ٥٥٠ ، المعونة ٣ : ١٦٠٧ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٤٩ ، بحر المذهب ٨ : ٢٩٥ ، البيان ٨ : ٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣١٩ ، المغني ٦ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٦ : ٢٧٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٣.

٣٨٤

تنزيلاً للإقرار على أضعف المِلْكين وأدنى السببين ، كما يُنزّل على أقلّ المقدارين(١) .

وقال آخَرون : إن أقرّ بانتقال الملك منه إلى الابن ، فإنّه يثبت له الرجوع. وإن أقرّ بالملك المطلق ، لم يكن له الرجوع(٢) .

ولو أقرّ في وثيقةٍ بأنّه لا دعوى له على فلان ولا طلبة بوجهٍ من الوجوه ولا سببٍ من الأسباب ، ثمّ قال : إنّما أردت في عمامته أو في قميصه ، لا في داره وبستانه ، قال بعض الشافعيّة : إنّه يُقبل بمقتضى القياس ؛ لأنّ غايته تخصيص عمومٍ(٣) . وهو محتمل.

ويشكل بما إذا قال : كلّ هذه الدراهم لزيدٍ ، ثمّ قال : لم أُرِدْ هذا الدرهم منها.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٣ - ٤٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٤.

٣٨٥

الفصل الرابع : في تعقيب الإقرار بما يرفعه‌

وفيه بحثان :

الأوّل : في الاستثناء.

مسألة ٩٤٦ : الاستثناء جائز في الإقرار وغيره‌ - والأصل فيه قوله تعالى :( فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلّا إِبْلِيسَ ) (١) وقوله تعالى :( فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلّا خَمْسِينَ عاماً ) (٢) وهو كثير في القرآن والسنّة ولسان العرب - بشرط اتّصاله بالمستثنى منه وعدم استغراقه له ، فإن سكت بعد الإقرار طويلاً أو شرع في كلامٍ أجنبيّ عمّا هو بصدده ثمّ استثنى ، لم يصح.

والرواية عن ابن عباس(٣) متأوّلة ، وكذا قولهعليه‌السلام : « إن شاء الله »(٤) .

ولو كان الاستثناء مستغرقاً بطل ، فلو قال : له علَيَّ عشرة إلّا عشرة ، كان الاستثناء لغواً ، وتثبت العشرة ؛ لبطلان الاستثناء في لغة العرب ، وعدم انتظامه بين أرباب اللسان.

____________________

(١) الحجر : ٣٠ و ٣١ ، « ص » : ٧٣ و ٧٤.

(٢) العنكبوت : ١٤.

(٣) وهي تجويزه تأخير الاستثناء ، راجع : المعتمد ١ : ٢٤٢ ، وإحكام الفصول : ١٨٣ ، والمستصفى ٢ : ١٦٥ ، والمنخول : ١٥٧ ، والمحصول في علم الأُصول ١ : ٤٠٧ ، والإحكام في أُصول الأحكام ٢ : ٤٩٥ ، والتحصيل من المحصول ١ : ٣٧٣ - ٣٧٤.

(٤) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٣١ / ٣٢٨٦ ، سنن البيهقي ١٠ : ٤٧ و ٤٨.

٣٨٦

والأصل فيه أنّه رجو ع وإبطال لما أقرّ به أوّلاً بالكلّيّة ، فكان باطلاً.

وقواعد الاستثناء خمس :

الأوّل : حكم الاستثناء والمستثنى منه متناقضان ، فالاستثناء من النفي إثبات ، وبالعكس.

الثاني : الاستثناء المتكرّر مع حرف العطف يعود إلى المستثنى منه.

ولو خلا عن حرف العطف ، فإن زاد الثاني على الأوّل أو ساواه عادا معاً إلى المستثنى منه ، كما في العطف ، وإن نقص عنه كان الاستثناء الثاني عائداً إلى الاستثناء الأوّل ، والاستثناء الأوّل إلى المستثنى منه ، وتناقضا.

الثالث : إذا ورد الاستثناء عقيب جُملٍ متعدّدة معطوف بعضها على البعض ، فالأقوى : عود الاستثناء إلى الجملة الأخيرة إلّا مع القرينة.

الرابع : الاستثناء من الجنس جائز إجماعاً ، ومن غيره جائز على الأقوى.

الخامس : الاستثناء المستوعب والزائد باطل إجماعاً ، وأمّا الأقلّ فإنّه جائز ، سواء زاد المستثنى على الباقي أو ساواه أو نقص عنه.

وقال ابن درستويه وأحمد بن حنبل : لا يجوز أن يستثنى إلّا الأقلّ من الباقي ؛ لأنّه لم يوجد في كلام العرب إلّا ذلك ، واللغة توقيف ، ولأنّ الاستثناء في الأصل استدراك لما غفل المتكلّم عنه ، ولا يتأتّى ذلك إلّا في القليل ، أمّا المساوي والأزيد فتبعد الغفلة عنه والنسيان له(١) .

____________________

(١) المغني ٥ : ٣٠٢ - ٣٠٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٠٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢١ ، بحر المذهب ٨ : ٢٣٧ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٢ ، البيان ١٣ : ٤٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٣ ، الاستغناء في أحكام الاستثناء : ٥٣٦ ، إحكام الفصول : ١٨٧ ، الإحكام في أُصول الأحكام ٢ : ٥٠٢.

٣٨٧

وهو يبطل بقوله تعالى :( إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ ) (١) وهو يقتضي كون الغاوين أقلَّ على ما ذهبوا إليه.

وقال في موضعٍ آخَر :( لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) (٢) وذلك يقتضي كون المخلصين أقلَّ ، وهو تناقض.

وقال الشاعر :

أدّوا التي نقصت تسعين من مائة

ثمّ اطلبوا حكماً بالحقّ مقوالا(٣)

وهذا استثناء للتسعين من المائة ، أو هو في معنى الاستثناء.

مسألة ٩٤٧ : لا خلاف في أنّ الاستثناء من الإثبات نفي ؛ لأنّ الاستثناء مشتقّ من الثني ، وهو الصرف ، والصرف إنّما يكون من الإثبات إلى النفي ، وبالعكس ، ولأنّ الاستثناء في الحقيقة إخراج بعض ما تناوله اللفظ عن الحكم الثابت للمستثنى منه على وجهٍ لولاه لدخل فيه ، ولا ريب أنَّ الحكم بالإثبات مخالف للأصل ، وهو العدم في جميع الأشياء ، فإذا أخرج بعض الجملة من الحكم الإثباتي ، بقي على أصالة العدم ، فكان نفياً.

وأمّا الاستثناء من النفي فهو إثبات عند المحقّقين ؛ لأنّه إخراج من النفي ، ولا خروج عن النقيضين ، فيكون مثبتاً ، ولأنّه لو لا ذلك لم يكن قولنا : « لا إله إلّا الله » توحيداً ، ولما كان كافياً في الإسلام ، ولا خلاف في الاكتفاء به ؛ فإنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا جاءه الأعرابي وتكلّم بهذه اللفظة وبالشهادة بالرسالة لهعليه‌السلام حكم بتمام إسلامه ، ولو لم يكن الاستثناء من‌

____________________

(١) الحجر : ٤٢.

(٢) الحجر : ٣٩ و ٤٠.

(٣) لم نهتد لقائله ، وورد البيت بتفاوت يسير في الاستغناء في أحكام الاستثناء : ٥٣٨ ، والعُدّة في أُصول الفقه ٢ : ٦٧١ ، والحاوي الكبير ٧ : ٢١ ، والمغني ٥ : ٣٠٢ ، والشرح الكبير ٥ : ٣٠٣ ، والمبسوط - للطوسي - ٣ : ٨.

٣٨٨

النفي إثباتاً لم يكن ذلك إثباتاً لله تعالى.

وقال أبو حنيفة : الاستثناء من النفي ليس بإثباتٍ ؛ لثبوت الواسطة بين الحكم بالثبوت والحكم بالنفي ، وهو نفي الحكم(١) .

وليس بصحيح ؛ لما تقدّم.

مسألة ٩٤٨ : إذا قال : له علَيَّ عشرة إلّا تسعة ، فقد بيّنّا أنّ الاستثناء يناقض المستثنى منه ، والمناقض للثبوت عدم.

ولو قال : له علَيَّ عشرة إلّا واحداً ، لزمه تسعة ، وهو قول أكثر العامّة(٢) .

وقال مالك منهم : لا يصحّ استثناء الآحاد من العشرات ولا المئين من الأُلوف ، وإنّما يصحّ استثناء الآحاد والعشرات من المئين والأُلوف(٣) .

ونُقل عنه أيضاً أنّه لا يصحّ الاستثناء في الإقرار أصلاً(٤) .

وكلاهما باطل ؛ لأنّه مخالف لمصطلح الفصحاء ولما ورد به الكتاب العزيز والسنّة المتواترة واستعمال أهل اللغة.

مسألة ٩٤٩ : لو قال : له علَيَّ عشرة إلّا تسعة إلّا ثمانية ، فهو إقرار بتسعة ، والمعنى : إلّا تسعة لا تلزم إلّا ثمانية تلزم ، فتلزم الثمانية والواحد الباقي من العشرة ، فإذا استثنى تسعةً من العشرة فقد نفى التسعة من العشرة المثبتة ، فيبقى المثبت واحداً ، فإذا استثنى من التسعة المسقَطة ثمانيةً ، بقي الساقط واحداً لا غير ، وعلى هذا.

والطريق فيه وفي نظائره أن يُجمع كلّ ما هو إثبات وكلّ ما هو نفي ،

____________________

(١) المحصول في علم الأُصول ١ : ٤١١ ، الاستغناء في أحكام الاستثناء : ٥٤٩ ، الإحكام في أُصول الأحكام ٢ : ٥١٢ ، التحصيل من المحصول ١ : ٣٧٧.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٠ ، البيان ١٣ : ٤٢٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٠٥.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٣.

٣٨٩

فيسقط المنفيّ من المثبت ، فيكون الباقي هو الواجب ، فالعشرة في الصورة المذكورة مثبتة وكذا الثمانية تجمعهما وتُسقط التسعةَ المنفيّة من المجموع ، تبقى تسعة.

ولو قال : عشرة إلّا تسعة إلّا ثمانية إلّا سبعة ، وهكذا إلى الواحد ، فعليه خمسة ؛ لأنّ الأعداد المثبتة ثلاثون ، والمنفيّة خمسة وعشرون.

وطريق تمييز المثبتة من المنفيّة أن يُنظر إلى العدد المذكور أوّلاً ، فإن كان زوجاً فالأوتار منفيّة والأزواج مثبتة ، وإن كان وتراً فبالعكس ، وذلك بشرط أن تكون الأعداد المذكورة على التوالي الطبيعي ، أو يتلو كلّ شفعٍ منها وتراً ، وبالعكس.

مسألة ٩٥٠ : لو قال : ليس لفلان علَيَّ شي‌ء إلّا خمسة ، لزمه خمسة.

ولو قال : ليس علَيَّ عشرة إلّا خمسة ، لم يلزمه شي‌ء عند الأكثر ؛ لأنّ « عشرة إلّا خمسة » عبارة عن خمسة ، فكأنّه قال : ليس له علَيَّ خمسة(١) .

وللشافعيّة وجهٌ آخَر : إنّه يلزمه خمسة ؛ بناءً على أنّ الاستثناء من النفي إثبات(٢) .

والتحقيق أن نقول : إنّ هذا القول صالح للأمرين ؛ لأنّه إن قصد بالنفي سلبَ المركّب - وهو : عشرة إلّا خمسة - لم يلزمه شي‌ء ، وإن قصد سلبَ العشرة لا غير ثمّ قصد بالأنقص ذلك السلب في الخمسة ، لزمه خمسة ، فحينئذٍ يرجع إليه في البيان ، ويُقبل تفسيره مع اليمين.

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٤.

٣٩٠

مسألة ٩٥١ : لو كرّر الاستثناء من غير عطفٍ وكان الثاني مستغرقاً ، صحّ الأوّل ، وبطل الثاني ، فلو(١) قال : له علَيَّ عشرة إلّا خمسة إلّا عشرة ، بطل ، ولزمه خمسة ؛ عملاً بالاستثناء الأوّل لا غير.

ولو قال : له علَيَّ عشرة إلّا خمسة إلّا خمسة ، بطل الاستثناء الثاني أيضاً ؛ إذ لا يمكن عوده إلى المستثنى منه الأوّل ، وإلّا لم يبق شي‌ء ؛ لخروج خمسةٍ بالاستثناء الأوّل وخمسةٍ بالثاني ، ولا إلى الاستثناء السابق عليه ؛ لأنّه مستوعب له ، فوجب الحكم ببطلان الاستثناء الثاني ، فيبقى(٢) اللازم في ذمّته خمسة.

ولو كان الاستثناء الأوّل مستغرقاً ، كما لو قال : له علَيَّ عشرة إلّا عشرة إلّا أربعة ، فالأقرب : إنّه يلزمه أربعة ، ويصحّ الاستثناءان معاً ؛ لأنّ الكلام إنّما يتمّ بآخره ، وآخره يُخرج الأوّلَ عن كونه مستغرقاً ، ويصير كأنّه استثنى من أوّل الكلام ستّةً ؛ لأنّ « عشرة إلّا أربعة » في تقدير « ستّة » فيصير قوله : « له علَيَّ عشرة إلّا عشرة إلّا أربعة » في تقدير « له علَيَّ عشرة إلّا ستّة » وهو أحد وجوه الشافعيّة(٣) .

والثاني : إنّه يلزمه عشرة ، ويبطل الاستثناء الأوّل ؛ لاستغراقه ، والثاني ؛ لبطلان المستثنى منه(٤) .

____________________

(١) في « ث ، خ » والطبعة الحجريّة : « فإذا » بدل « فلو ».

(٢) في « ج ، ر » : « فيكون » بدل « فيبقى ».

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٢٢ ، بحر المذهب ٨ : ٢٤١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٤١ - ٢٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٤.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٢٢ ، بحر المذهب ٨ : ٢٤١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٤.

٣٩١

وهو غلط ؛ إذ لا يمك ن العدول إلى الهذريّة في الكلام مع إمكان الحمل على الصواب.

والثالث لهم : إنّه يلزمه ستّة ؛ لأنّ الاستثناء الأوّل باطل ؛ لاستغراقه ، فيكون وجوده كعدمه ، ورجع الاستثناء إلى أوّل الكلام(١) .

ولو قال : له علَيَّ عشرة إلّا عشرة إلّا خمسة ، فعلى الوجه الثاني يلزمه عشرة ، وعلى الآخَرين خمسة.

ولو قال : له علَيَّ عشرة إلّا ثلاثة إلّا ثلاثة ، لزمه أربعة ؛ لأنّ الأصل التأسيس لا التأكيد ، ولا يمكن عود الثاني إلى الأوّل ؛ لأنّه مستوعب ، ولا إبطال أحدهما ؛ إذ الأصل الإفادة ، فيرجعان إلى المستثنى منه.

مسألة ٩٥٢ : إذا كرّر الاستثناء مع العطف ، رجعا جميعاً إلى المستثنى منه ، فإن استوعبا معاً بطل الثاني.

فلو قال : له علَيَّ عشرة إلّا خمسة وإلّا أربعة ، لزمه واحد.

وكذا لو قال : له علَيَّ عشرة إلّا خمسة وأربعة ، لزمه واحد ، وكانا جميعاً مستثنيين من العشرة.

ولا فرق بين أن يكون الاستثناء الثاني أكثرَ من الأوّل أو أقلَّ أو مساوياً.

فإذا قال : له علَيَّ عشرة إلّا أربعة وإلّا أربعة ، لزمه اثنان.

ولو قال : له علَيَّ عشرة إلّا أربعة وإلّا خمسة ، لزمه واحد.

ولو قال : له علَيَّ عشرة إلّا سبعة وإلّا ثلاثة ، لزمه العشرة ؛ لأنّ الواو‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٢٢ ، بحر المذهب ٨ : ٢٤١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٤١ - ٢٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٤.

٣٩٢

تجمعهما وتوجب الاست غراق ، هذا عند بعض الشافعيّة(١) .

وعند بعضهم ما اخترناه أوّلاً من بطلان الثاني خاصّةً ؛ لأنّ الأوّل صحّ استثناؤه ، والثاني مثل العدد الباقي ، فهو المستغرق(٢) .

والأصحّ عندهم : الثاني ؛ لأنّه إذا قال : له عندي عشرة إلّا سبعة ، فقد بقي مُقرّاً بثلاثة ، فإذا قال : وإلّا ثلاثة ، أو قال : له علَيَّ عشرة إلّا سبعة وثلاثة ، كانت الثلاثة هي المستغرقة ، فوقعت باطلةً(٣) .

وفرّق بعضهم بين قوله : عشرة إلّا سبعة وثلاثة ، وبين قوله : عشرة إلّا سبعة وإلّا ثلاثة ، فقَطَع في الصورة الثانية بالبطلان ؛ لأنّهما استثناءان مستقلّان(٤) .

مسألة ٩٥٣ : إذا كان في الاستثناء أو المستثنى منه عددان عطف أحدهما على الآخَر ، ففي الجمع بينهما وجهان - كما في الصورة السابقة - أصحّهما : عدم الجمع - وهو الأصحّ عند الشافعيّة ، ونصّ عليه الشافعي(٥) - لأنّ الواو العاطفة وإن اقتضت الجمع لكنّها لا تُخرج الكلام عن كونه ذا جملتين من جهة اللفظ ، والاستثناء يدور على اللفظ ، مثلاً : لو قال : له علَيَّ درهمان ودرهم إلّا درهماً ، إن لم نجمع يلزمه ثلاثة ؛ لأنّه استثنى درهماً من درهمٍ ، وإن جمعنا لزمه درهمان ، وكان الاستثناء من ثلاثة.

ولو قال : له علَيَّ ثلاثة إلّا درهمين ودرهماً ، إن لم نجمع لزمه درهم ، وصحّ استثناء الدرهمين ، وإن جمعنا لزمه ثلاثة ، وكان الاستثناء مستغرقاً.

ولو قال : له ثلاثة إلّا درهماً ودرهمين ، فإن لم نجمع لزمه درهمان ،

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٤.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٤.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٤.

٣٩٣

وإن جمعنا فثلاثة.

و لو قال : له درهم فدرهم ودرهم إلّا درهماً ودرهماً ودرهماً ، لزمه ثلاثة على الوجهين ؛ لأنّا إن جمعنا ، جمعنا في الطرفين : الاستثناء والمستثنى منه ، وإن لم نجمع كان مستثنياً درهماً من درهمٍ.

مسألة ٩٥٤ : لو قال : له علَيَّ عشرة إلّا خمسة أو ستّة ، قال بعض الشافعيّة : يلزمه أربعة ؛ لأنّ الدرهم الزائد مشكوك فيه ، فصار كما لو قال : علَيَّ خمسة أو ستّة ، لم يلزمه إلّا خمسة(١) .

والوجه : إنّه يلزمه خمسة ؛ لأنّه حَكَم بإثبات العشرة في ذمّته ، واستثنى خمسةً ، واستثناء الدرهم الزائد مشكوك فيه ، فيبقى الأصل على الثبوت.

ولو قال : له علَيَّ درهم غير دانق ، فإن نصب « غيراً » كان استثناءً للدانق من الدرهم ، ولزمه خمسة دوانيق ، وإن لم ينصبه كان عليه درهم تامّ ؛ لأنّ معناه : علَيَّ درهم لا دانق.

وحَكَم أكثر الشافعيّة بأنّه استثناء ، سواء نصب أو رفع ؛ لأنّ السابقَ إلى الفهم الاستثناء ، فيُحمل عليه وإن أخطأ في الإعراب(٢) .

مسألة ٩٥٥ : الاستثناء حقيقة في الجنس ، مجاز في غيره‌ ؛ لتبادر الأوّل إلى الفهم ، دون الثاني ، ولأنّ الاستثناء إخراج ، وإنّما يتحقّق في الجنس ، وفي غيره يحتاج إلى تقديرٍ ، ومع هذا إذا استثنى من غير الجنس ، سُمع منه وقُبِل ، وكان عليه ما بعد الاستثناء.

فإذا قال : له علَيَّ ألف درهم إلّا ثوباً ، أو : إلّا عبداً ، صحّ عند علمائنا‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٥.

٣٩٤

- وبه قال الشافعي و مالك(١) - لوروده في القرآن العزيز :

قال الله تعالى :( فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلّا إِبْلِيسَ ) (٢) استثناه من الملائكة ، ولم يكن منهم ؛ لقوله تعالى :( إِلّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ ) (٣) .

وقال تعالى :( لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلّا سَلاماً ) (٤) و( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً ) (٥) وأمثال ذلك كثيرة.

وقال النابغة :

وقفت فيها أُصيلالاً أُسائلها

أعيت جواباً وما بالرَّبْع من أحد

إلّا الأواريّ لَأْياً ما أُبيّنها

والنؤْي كالحوض بالمظلومة الجَلَد(٦)

وقال الشاعر :

وبلدة ليس بها أنيس

إلّا اليعافير وإلّا العيس(٧)

واليعافير : ذكور الظباء ، والعيس : الجِمال. والأواريّ : المعالف.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ١٩ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٠ ، بحر المذهب ٨ : ٢٣٨ ، الوجيز ١ : ٢٠١ ، الوسيط ٣ : ٣٥٤ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٤٢ ، البيان ١٣ : ٤٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٥ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦١٦ / ١٠٤٨ ، التلقين : ٤٤٨ - ٤٤٩ ، الذخيرة ٩ : ٢٩٧ - ٢٩٨ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٠٩ / ١٢٠٣ ، المعونة ٢ : ١٢٥٢ ، تحفة الفقهاء ٣ : ١٩٩ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢١٠ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٨٤ ، المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ٨٧ ، المغني ٥ : ٢٧٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٠.

(٢) الحجر : ٣٠ و ٣١ ، « ص » : ٧٣ و ٧٤.

(٣) الكهف : ٥٠.

(٤) مريم : ٦٢.

(٥) النساء : ٢٩.

(٦) ديوان النابغة الذبياني : ١٤ - ١٥.

(٧) ورد البيت في تهذيب اللغة ١٥ : ٤٢٦ ، والكتاب - لسيبويه - ٢ : ٣٢٢.

٣٩٥

وقال أبو حنيفة : إن استثنى مكيلاً أو موزوناً جاز ، وإن استثنى عبداً أو ثوباً من مكيلٍ أو موزونٍ لم يجز.

وبالجملة ، لا يصحّ عنده الاستثناء من غير الجنس ، إلّا في المكيل والموزون والمعدود ، فيستثنى بعضها من بعضٍ مع اختلاف الجنس(١) .

وقال محمّد بن الحسن وزفر : لا يجوز الاستثناء من غير الجنس - مطلقاً - بحال - وبه قال أحمد بن حنبل - لأنّ الاستثناء إخراج بعض ما تناوله اللفظ ، ولم يتناول اللفظ إلّا جنسه ، فلم يصح استثناؤه منه(٢) .

والمرجع في ذلك إلى اللغة ، دون ما ذكروه.

ونمنع أنّ الاستثناء مطلقاً ما حدّوه ، فقد قيل : معنى الاستثناء أن ينبئ خبراً بعد خبرٍ(٣) ، وذلك حاصل في غير الجنس.

____________________

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ١٩٩ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢١٠ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٨٤ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢١٢ ، المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ٨٧ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢١٤ / ١٩١٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٩ ، بحر المذهب ٨ : ٢٣٧ ، الوسيط ٣ : ٣٥٤ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٤٢ ، البيان ١٣ : ٤٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٥ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦١٦ / ١٠٤٨ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٠٩ - ١٧١٠ / ١٢٠٣ ، المعونة ٢ : ١٢٥٢ ، المغني ٥ : ٢٧٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٠.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ١٩٩ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢١٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢١٢ ، المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ٨٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٨٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢١٥ / ١٩١٣ ، المغني ٥ : ٢٧٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٩ ، بحر المذهب ٨ : ٢٣٧ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٤٢ ، البيان ١٣ : ٤٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٦ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦١٦ / ١٠٤٨ ، عيون المجالس ٤ : ١٧١٠ / ١٠٤٨ ، المعونة ٢ : ١٢٥٢ - ١٢٥٣.

(٣) انظر : التبصرة في أُصول الفقه : ١٦٥ ، واللمع في أُصول الفقه : ٩٥.

٣٩٦

مسألة ٩٥٦ : إذا ثبت صحّة الاستثناء من غير الجنس كما إذا قال : له علَيَّ ألف درهم إلّا ثوبا ، أو : إلّا عبداً ، وشبهه ، وجب عليه أن يبيّن قيمة الثوب والعبد بما لا يستغرق ، فإن فسّره بالمستغرق بطل التفسير ، كما لو قال : له علَيَّ ألف درهم إلّا ثوباً وقيمته ألف درهم ؛ لأنّه رجوع ونقض لما اعترف به أوّلاً.

وهل يبطل الاستثناء؟ إشكال ينشأ من أنّه بيّن ما أراد باللفظ ، فكأنّه تلفّظ به ، ولا ريب في أنّه لو قال : له علَيَّ ألف إلّا ألفاً ، بطل الاستثناء ، وكذا لو قال : له علَيَّ ألف إلّا ثوباً قيمته ألف ، فكذا إذا استثنى الثوب ثمّ فسّره بالمستوعب ، فيبطل الاستثناء ، ويلزمه الألف ، ومن أنّه استثناء صحيح من جهة اللفظ ، وإنّما الخلل فيما فسّر به اللفظ ، فيقال له : هذا التفسير غير صحيحٍ ، ويُطالب بتفسيرٍ صحيحٍ.

وللشافعيّة وجهان(١) كهذين ، والأوّل أصحّ عند الجويني(٢) .

مسألة ٩٥٧ : إذا قال : له علَيَّ ألف إلّا درهماً ، فقد استثنى المعيّن من المبهم.

فإن قلنا بأنّ الاستثناء من غير الجنس باطل ، اقتضى كون الألف دراهمَ ؛ لصحّة الإقرار والاستثناء ، وإنّما يصحّان لو كانت الألف دراهمَ.

وإن قلنا بالجواز سواء كان الاستثناء من غير الجنس حقيقةً أو مجازاً ، طُولب بتفسير الألف ؛ لأنّ المجاز قد يراد خصوصاً في هذا الموضع ، فإنّ التعيين يقتضي إثبات شي‌ء في الذمّة بالإجمال ، فإن فسّر الألف بما يساوي الدرهم أو يقلّ عنه ، بطل التفسير ؛ لاشتماله على الاستثناء المستوعب ،

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ٢٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٥.

(٢) الوسيط ٣ : ٣٥٥ ، الوجيز ١ : ٢٠١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٦.

٣٩٧

ويقال له : الاستثنا ء قد صحّ بحكم الإطلاق ، ففسّر ذلك بما يبقى بعد الدرهم منه شي‌ء.

ويحتمل إلزامه بما فسّر به الألف ، فيبطل الاستثناء ؛ لأنّه إذا بيّن المـُقرّ به ، كان الاستثناء رافعاً لجميعه ، فيبطل.

ولو استثنى المجهول من المعلوم ، صحّ ، وطُولب بالبيان ، كما إذا قال : له علَيَّ عشرة دراهم إلّا شيئاً ، فيُطالَب بتفسير الشي‌ء ، ويُقبل تفسيره بمهما كان إذا قلّ عن العشرة ، فإن استوعب أو زاد بطل التفسير. وفي الاستثناء الوجهان.

ولو استثنى المجهول من المجهول ، صحّ الإقرار والاستثناء ، وطُولب بالتفسير فيهما على وجهٍ لا يستوعب ، فإن استوعب فالوجهان ، كما لو قال : له علَيَّ ألف إلّا شيئاً ، طُولب بتفسير الألف والشي‌ء ، فيبيّن جنس الألف أوّلاً ثمّ يفسّر الشي‌ء بما لا يستغرق الألف من الجنس الذي بيّنه.

ولو قال : له علَيَّ شي‌ء إلّا درهماً ، فقد استثنى المعلوم من المجهول ، فيفسّر الشي‌ء بما يزيد على الدرهم وإن قلّ ، كما تقدّم في قوله : علَيَّ ألف إلّا درهماً ، ولا يلزم من استثناء الدرهم أن تكون الألف دراهمَ.

قال بعض الشافعيّة : مهما بطل التفسير في هذه الصورة ففي بطلان الاستثناء وجهان(١) .

ويشكل في استثناء المعلوم من المجهول.

مسألة ٩٥٨ : لو اتّفق اللفظ في المستثنى منه والاستثناء ، كما لو قال : له علَيَّ شي‌ء إلاّ شيئاً ، أو : له علَيَّ مالٌ إلّا مالاً ، فالأقوى : صحّة الإقرار‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٦.

٣٩٨

والاستثناء ؛ لوقوعه على القليل والكثير ، فلا يمتنع حمل الثاني على أقلّ ما يتموّل ، وحمل المستثنى منه على الزائد على أقلّ ما يتموّل ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّه يبطل الاستثناء ، كما لو قال : له علَيَّ عشرة إلّا عشرة(١) .

ولا معنى لهذا التردّد ؛ فإنّ فيه غفلةً ؛ لأنّا إذا ألغينا استثناءه اكتفينا بأقلّ ما يتموّل ، وإن صحّحناه ألزمناه [ أيضاً أقلّ ما يتموّل ، فيتّفق ](٢) الجوابان.

قيل : يمكن أن يقال : حاصل الجواب لا يختلف ، لكنّ التردّد غير خالٍ عن فائدةٍ ، فإنّا إذا أبطلنا الاستثناء لم نطالبه إلّا بتفسير اللفظ الأوّل ، وإن لم نبطله طالبناه بتفسيرهما. وله آثار في الامتناع من التفسير ، وكون التفسير الثاني غير صالحٍ للاستثناء من الأوّل ، وما أشبه ذلك(٣) .

مسألة ٩٥٩ : قد بيّنّا أنّه إذا فسّر المجهول بالمستوعب ، بطل التفسير.

مثلاً : إذا قال : له علَيَّ ألف درهم إلّا ثوباً ، أو : ألف إلّا درهماً ، ثمّ فسّر الثوب بما يزيد قيمته على ألف درهم أو يساويه ، فإنّ التفسير يبطل.

وهل يُطالب بتفسيرٍ آخَر ممكن يبقى معه شي‌ء من الألف ، أو لا؟ مبنيّ على بطلان الاستثناء ببطلان التفسير ، إن قلنا : يبطل ، لزمه الألف ، ولم يُطالَب بتفسيرٍ آخَر ، وإن قلنا : لا يبطل الاستثناء ، طُولب بتفسيرٍ يُسمع ، فإذا قال : له علَيَّ ألف درهم إلّا ثوباً ، صحّ الاستثناء على ما تقدّم ؛ لأنّه يحتمل أن يكون أتلف عليه ثوباً ، فتكون قيمته مستثناةً من الألف.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٦.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « إبقاء ما يتموّل فسبق ». وذلك تصحيف ، والمثبت من « العزيز شرح الوجيز » و« روضة الطالبين ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٦.

٣٩٩

مسألة ٩٦٠ : إذا قال : له علَيَّ درهم ودرهم إلّا درهما ، قال بعض(١) علمائنا : إن قلنا : إنّ الاستثناء المتعقّب للجُمل يعود إلى الجميع ، صحّ ، ولزمه درهم واحد ؛ لأنّ الواو تقتضي الجمع ، لأنّها للعطف ، فتجمع بين المتفرّقين ، كما تجمع واو الجمع في الأسماء المتفرّقة ، فيصير كأنّه قال : له علَيَّ درهمان إلّا درهماً ، وبه قال بعض الشافعيّة(٢) .

والحقّ : بطلان الاستثناء ، سواء قلنا بعود الاستثناء المتعقّب إلى الجُمل السابقة أو إلى الأخيرة ؛ لأنّ الاستثناء إخراج ، وإنّما احتمل مع اشتماله على التناقض في الجمع ؛ لجواز إرادة الأكثر ، فإذا قال : جاء المسلمون إلّا زيداً ، كان لفظ المسلمين صالحاً لما عدا زيدٍ ، كما صلح لذلك ، فجاز الاستثناء ، ويكون(٣) بالاستثناء قد بيّن مراده.

أمّا إذا جاء بلفظٍ يدلّ بالنصوصيّة على كلّ فردٍ فردٍ ، فإنّه لا يصحّ الاستثناء ، كما لو قال : جاء زيد المسلم وعمرو المسلم وخالد المسلم إلّا زيداً ؛ لاشتماله على التناقض الصريح ، بخلاف ما لو قال : جاء المسلمون إلّا زيداً ، كذا هنا إذا قال : له درهم ودرهم إلّا درهماً ، فقد أخرج أحدهما بعد أن نصّ على ثبوته ، وهو تناقضٌ صريح.

مسألة ٩٦١ : قد بيّنّا أنّه يجوز الاستثناء من الاستثناء ، فإذا قال : له علَيَّ عشرة إلّا ثلاثة إلّا اثنين ، لزمه تسعة.

والأصل في جواز الاستثناء من الاستثناء قوله تعالى :( قالُوا إِنّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * إِلّا آلَ لُوطٍ إِنّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا

____________________

(١) الشيخ الطوسي في المبسوط ٣ : ١٠.

(٢) التنبيه : ٢٧٦.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « فيكون » بدل « ويكون ».

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501