تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

تذكرة الفقهاء7%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: 501

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 182043 / تحميل: 5880
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٦-١
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

امْرَأَتَهُ ) (١) .

ومَنَع بعضُ أهل العربيّة من ذلك وأنكره ، قال : لأنّ العامل في الاستثناء الفعلُ الأوّل بتقوية حرف الاستثناء ، والعامل الواحد لا يعمل في معمولين. ونقول في الآية : إنّ الاستثناء الثاني من قوله عزّ وجلّ :( أَجْمَعِينَ ) (٢) .

ونمنع من امتناع تعدّد المعمول مع وحدة العامل هنا ؛ لأنّ الاستثناء مُقوٍّ للفعل ، وبعضهم قال : العامل « إلّا » خاصّةً(٣) ، فلا يرد عليه ذلك.

مسألة ٩٦٢ : يصحّ الاستثناء من الأعيان ، كما يصحّ من الكلّيّات ، فإذا قال : لزيدٍ هذه الدار إلّا هذا البيت ، أو : له هذا القميص إلّا كُمّه ، أو : هذه الدراهم إلّا هذا الواحد منها ، أو : هذا القطيع إلّا هذه الشاة ، أو : هذا الخاتم إلّا هذا الفصّ ، وما أشبه ذلك ، صحّ الاستثناء ، وهو قول أكثر الشافعيّة(٤) .

ولهم وجهٌ آخَر : إنّه لا يصحّ ؛ لأنّ الاستثناء المعتاد هو الاستثناء من الأعداد المطلقة ، فأمّا المعيّنة فالاستثناء منها غير معهود ، ولأنّه إذا أقرّ بالعين كان ناصّاً على ثبوت الملك فيها ، فيكون الاستثناء بعده رجوعاً(٥) .

وقد ذكر بعض الشافعيّة أنّه إذا قال : أربعكنّ طوالق إلّا فلانة ، لم يصح هذا الاستثناء ، كما لو قال : هؤلاء الأعْبُد الأربعة لفلان إلّا هذا‌

____________________

(١) الحجر : ٥٨ - ٦٠.

(٢) كما في بحر المذهب ٨ : ٢٤٠ ، وراجع : الاستغناء في أحكام الاستثناء : ٥٧٢ - ٥٧٣.

(٣) راجع : الاستغناء في أحكام الاستثناء : ٥٧٢.

(٤) التنبيه : ٢٧٦ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥١ ، بحر المذهب ٨ : ٢٤٢ ، الوسيط ٣ : ٣٥٥ ، الوجيز ١ : ٢٠١ ، البيان ١٣ : ٤٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٦.

(٥) الوسيط ٣ : ٣٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٦.

٤٠١

الواحد ، لم يصح ؛ لعدم الاعتياد بالاستثناء في الأعيان(١) .

والحقّ : الجواز ، وصحّة الاستثناء في الإقرار بالأعْبُد الأربعة ، فلو قال : هؤلاء العبيد لفلان إلّا واحداً ، فالمستثنى منه معيّن ، والمستثنى غير معيّنٍ ، وهو صحيح عندنا وعند أكثر الشافعيّة(٢) ، ويُرجع إليه في التعيين.

فإن ماتوا إلّا واحداً ، فقال : هو الذي أردتُه بالاستثناء ، قُبِل منه مع اليمين - وهو أحد وجهي الشافعيّة(٣) - لاحتماله.

والثاني : لا يُقبل ؛ للتهمة ، وندرة هذا الاتّفاق(٤) .

ولو قال : غصبتهم إلّا واحداً ، فماتوا إلاّ واحداً ، فقال : هو المستثنى ، قُبِل إجماعاً ؛ لأنّ أثر الإقرار يبقى في الضمان. وكذا لو قُتلوا في الصورة الأُولى إلّا واحداً ؛ لأنّ حقّه يثبت في القيمة.

ولو قال : هذه الدار لفلان وهذا البيت منها لي ، أو : له هذا الخاتم وفصّه لي ، قُبِل ؛ لأنّه إخراج بعض ما يتناوله اللفظ ، فكان كالاستثناء.

تنبيه : لو قال : له ثلاثة ودرهمان إلّا درهمين ، صح ، وحُمل على الاستثناء من الجملة الأُولى ؛ لامتناع رجوعه إلى الثانية ؛ لأنّها مستوعبة ، أو على رجوعه إلى مجموعهما(٥) .

ولو قال : له درهمان ودرهمان إلّا درهمين ، فالأقرب : الصحّة ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٧.

(٢) بحر المذهب ٨ : ٢٥٦ ، الوسيط ٣ : ٣٥٥ ، البيان ١٣ : ٤٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٦.

(٣ و ٤) التنبيه : ٢٧٦ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٠ ، بحر المذهب ٨ : ٢٥٦ ، الوجيز ١ : ٢٠١ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٤ ، البيان ١٣ : ٤٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٦ ، منهاج الطالبين : ١٤٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٠٥.

(٥) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « مجموعها ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

٤٠٢

ويكون عائداً إلى مجموع الجملتين ؛ لأنّ الاستثناء إنّما يرجع إلى الجملة الأخيرة لو لم توجد قرينة الرجوع إلى الجميع.

آخَر : لو قال : له علَيَّ عشرة آخَر :درهم ، بالرفع ، لزمه العشرة ، وتكون « إلّا » هنا قائمةً مقام « غير » وتكون وصفاً.

ولو قال : ما له عندي عشرة إلّا درهم ، فهو إقرار بدرهم.

ولو نصب ، لم يكن مُقرّاً بشي‌ء.

نكتة : أدوات الاستثناء حكمها حكم « إلّا » فإذا قال : له عندي عشرة سوى درهم ، أو : ليس درهماً ، أو : خلا ، أو : عدا ، أو : ما خلا ، أو : ما عدا ، أو : لا يكون ، أو : غير درهم ، بالنصب ، فهو إقرار بتسعة.

ولو(١) رفع في الأخير ، فهو وصف إن كان عارفاً ، وإلّا لزمه تسعة.

البحث الثاني : فيما عدا الاستثناء.

وفيه مطالب :

الأوّل: فيما يقتضي رفع المـُقرّ به.

مسألة ٩٦٣ : إذا قال : لفلان علَيَّ ألف من ثمن خمر ، أو خنزير ، أو كلب ، فإن فصل بين الإقرار - وهو قوله : علَيَّ ألف - وبين الرافع - وهو قوله : من ثمن خمر ، أو خنزير - بسكوتٍ أو كلامٍ آخَر ، لم يُسمع منه ، ولزمه الألف إجماعاً ؛ لأنّ وصفه بذلك رجوع عن الإقرار.

وإن كان موصولاً بحيث لم(٢) يقع بين الإقرار ورافعه سكوتٌ ولا كلامٌ ، لم يُقبل أيضاً ، ولزمه الألف ؛ لما فيه من الرجوع والتناقض ، وهو‌

____________________

(١) في « ج ، ر » : « فلو ».

(٢) في « ر » والطبعة الحجريّة : « لا ».

٤٠٣

أحد قولَي الشافعيّة ؛ لأنّه وصل بإقراره ما يرفعه ، فلم يُقبل ، كما لو قال : علَيَّ ألف لا تلزمني ، أو فصل قوله : « من ثمن خمرٍ » عن الإقرار ، وبه قال أبو حنيفة(١) .

والثاني للشافعيّة : إنّه يُقبل - وبه قال المزني - ولا يلزمه شي‌ء ؛ لأنّ الجميع كلامٌ واحد ، والكلام يُعتبر بآخره ولا يُبعّض ، ولأنّ الإقرار إخبار عمّا جرى ، وهذه المعاملات على فسادها جارية بين الناس ، فعلى هذا للمُقرّ له تحليف الـمُقرّ أنّه كان من ثمن خمر أو خنزير(٢) .

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّا نمنع وحدة الكلام.

سلّمنا ، لكن إنّما يتمّ بآخره لو لم يناقض أوّله ، أمّا إذا تناقضا فإنّه يُحكم بما عليه ، لا له.

وعلى ما اخترناه لو قال المـُقرّ : كان ذلك من ثمن خمر وظننته لازماً لي ، فله تحليف الـمُقرّ له على نفيه.

مسألة ٩٦٤ : إذا وصل إقراره بما ينتظم لفظه عادةً لكنّه يبطل حكمه شرعا ، كما إذا أضاف الـمُقرّ به إلى بيعٍ فاسد ، كالبيع بأجلٍ مجهول أو خيارٍ مجهول ، أو قال : تكفّلت ببدن فلان بشرط الخيار ، وقلنا : ثبوت الخيار في الكفالة يقتضي بطلانها ، أو قال : ضمنت لفلان كذا بشرط الخيار ، وأبطلناه به ، وما أشبه ذلك ، فالوجه : بطلان الإضافة ، وصحّة الإقرار والحكم به ،

____________________

(١) الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢١٦ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٧ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢١٦ ، الفقه النافع ٣ : ١٢٢٤ / ٩٨١ ، المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ٢٢ و ٦٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٨٦.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٨٠ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٢ ، الوجيز ١ : ٢٠٠ ، الوسيط ٣ : ٣٤٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٩ - ٣٦٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٢ - ٣٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦.

٤٠٤

فإذا قال : له علَيَّ ألف درهم من ثمن مبيعٍ مجهول ، أو بأجلٍ مجهول ، أو بخيارٍ مجهول ، لم يُقبل منه ، ولزمه الألف في الحال.

وللشافعي قولان(١) .

ولأصحابه مأخذان في هذا الخلاف :

أحدهما : بناؤه على القولين في تبعيض الشهادة إذا شهد لشريكه ولأجنبيٍّ.

وقيل : إنّه غير مشابهٍ للمتنازَع ؛ لأنّ الشهادة للأجنبيّ والشهادة للشريك أمران لا تعلّق لأحدهما بالآخَر ، وإنّما قرن الشاهد بينهما لفظاً ، والخلاف فيها شبه الخلاف في تفريق الصفقة ، وأمّا هاهنا فالمذكور أوّلاً مسند إلى المذكور آخِراً ، وأنّه فاسد في نفسه مُفسدٌ للأوّل ، ولهذا لو قدّم ذكر الخمر فقال : لفلانٍ من ثمن الخمر علَيَّ ألف ، لم يلزمه شي‌ء بحال ، وفي الشهادة لا فرق بين أن يقدّم ذكر الشريك أو الأجنبيّ.

ثمّ هَبْ أنّهما متقاربان ، لكن ليس بناء الخلاف في الإقرار على الخلاف في الشهادة بأولى من العكس.

والثاني : إنّه يجوز بناء هذا الخلاف على الخلاف في حدّ المدّعي والمدّعى عليه ، إن قلنا : المدّعي مَنْ لو سكت تُرك ، فهاهنا لو سكت عن قوله : « من ثمن خمرٍ » لتُرك ، فهو بإضافته إلى الخمر مُدّعٍ ، فلا يُقبل قوله ، ويحلف المُقرّ له. وإن قلنا : المدّعي مَنْ يدّعي أمراً باطناً ، قُبِل قول الـمُقرّ ؛ لأنّ الظاهر معه ، وهو براءة الذمّة ، والـمُقرّ له هو الذي يدّعي أمراً باطناً ،

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٣٤٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٩ - ٣٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦.

٤٠٥

وهو زوال أصل البراء ة(١) .

وقيل : لو صحّ هذا البناء ، لما افترق الحال بين أن يضيفه إلى الخمر موصولاً أو مفصولاً ، ولوجب أن يخرج التعقيب بالاستثناء على هذا الخلاف(٢) .

قال الجويني بعد ذكر القولين : كنتُ أودّ لو فُصّل بين أن يكون الـمُقرّ جاهلاً بأنّ ثمن الخمر لا يلزم ، وبين أن يكون عالماً ، فيعذر الجاهل دون العالم ، لكن لم يصر إليه أحد من الشافعيّة(٣) .

إذا ثبت هذا ، فلو أقرّ بالكفالة بشرط الخيار وأنكر المكفول له شرط الخيار ، قُدّم قول المُقرّ له عندنا ، وبه قال أبو حنيفة(٤) .

وللشافعي قولان(٥) تقدّما(٦) .

وكذا يجري القولان في كلّ مَنْ وصل إقراره بما يرفعه ، لا من الوجه الذي أثبته ، مثل أن يقول : له علَيَّ ألف من ثمن خمرٍ أو خنزيرٍ أو مبيعٍ هلك قبل قبضه ، أو يقول : قبّضتها ؛ لأنّه وصل إقراره بما يرفعه ، فلم يُقبل منه ، كما لو قال : له علَيَّ ألف إلّا ألفاً.

مسألة ٩٦٥ : إذا قال : له علَيَّ ألف من ثمن عبدٍ لم أقبضه إذا سلّمه‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦.

(٤) بحر المذهب ٨ : ٣٠٠ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٩ - ٣٦٠ ، المغني ٥ : ٢٨٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٩٨.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٢ ، بحر المذهب ٨ : ٣٠٠ ، الوسيط ٣ : ٣٤٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٩ - ٣٦٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦ ، المغني ٥ : ٢٨٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٩٨.

(٦) آنفاً.

٤٠٦

سلّمتُ الألف ، قال الشيخ(١) رحمه‌الله : إن وصل الكلام ، كان القولُ قولَه مع اليمين وإن أنكر الـمُقرّ له وقال : بل هي دَيْن ، أو قال : قبضتَه.

وللشافعيّة طريقان :

أحدهما : قبول قوله : « من ثمن عبدٍ لم أقبضه » على القولين السابقين ، ففي قولٍ يُقبل ولا يُطالب بالألف إلّا بعد تسليم العبد. وفي قولٍ يؤخذ بأوّل الإقرار ، ولا يُحكم بثبوت الألف ثمناً.

والأصحّ عندهم : القطع بالقبول وثبوته ثمناً ، ويفارق صُور القولين ؛ فإنّ المذكور فيها أخيراً يرفع الـمُقرّ به ، وهنا بخلافه(٢) .

واعلم أنّ الشيخرحمه‌الله قسّم هذه المسألة على ثلاثة أنحاء(٣) :

أ : أن يقول : له علَيَّ ألف من ثمن مبيعٍ لم أقبضه ، متّصلاً بعض الكلام ببعضٍ ، وهذا يُقبل قوله ، وهو أحد قولَي الشافعي ، وقد تقدّم(٤) ، ويكون القولُ قولَ الـمُقرّ مع يمينه.

ولا فرق بين أن يعيّن المبيع بأن يقول : له علَيَّ ألف من ثمن هذا العبد ولم أقبضه ، أو لم يعيّنه ، وبه قال أبو يوسف ومحمّد(٥) .

وقال أبو حنيفة : إن عيّن المبيع قُبل منه ، سواء وصل بإقراره أو فصل ، وإن أطلق لم يُقبل منه ؛ لأنّه إذا أطلق فقد وصل إقراره بما يبطله ؛

____________________

(١) راجع المبسوط - للطوسي - ٣ : ٣٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧ ، البيان ١٣ : ٤٣٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٩ ، المغني ٥ : ٣٢١.

(٣) راجع المبسوط - للطوسي - ٣ : ٣٣ - ٣٤.

(٤) آنفاً.

(٥) حلية العلماء ٨ : ٣٥٩ ، البيان ١٣ : ٤٣٨.

٤٠٧

لأنّه مبيع مجهول ، والمجهول لا يلزم فيه الثمن ، كما لو قال : من ثمن خمرٍ أو خنزير(١) .

واحتجّ الآخَرون : بأنّه أقرّ بحقٍّ عليه في مقابلة حقٍّ له لا ينفكّ أحدهما عن الآخَر ، فإذا لم يثبت ما له لم يثبت ما عليه ، كما لو عيّن المبيع(٢) .

وقول أبي حنيفة ليس بصحيحٍ ؛ لأنّ إطلاق الإقرار لا يوجب كونه مطلقاً في البيع.

وأمّا إذا قال : من ثمن خنزيرٍ ، ففيه قولان.

وإن سلّمنا ، فإنّ بيع الخنزير لا يصحّ بكلّ حال ، وهذا المبيع يجوز أن يكون معلوماً حال العقد.

والوجه عندي : عدم القبول مطلقاً.

ب : أن يقول : له عندي ألف ، ثمّ يسكت ، ثمّ قال بعد ذلك : من ثمن مبيعٍ لم أقبضه ، فإنّه لا يُقبل قوله ، ويُقدّم قول المُقرّ له مع يمينه ، فإذا حلف على أنّه ليس على ما ذكر ، استحقّ الألف ؛ لأنّه فسّر إقراره بما يُسقط وجوب تسليمه منفصلاً عنه ، فلم يُقبل ، كما لو قال : قبّضتُها ، وبه قال الشافعي(٣) .

ج : إذا قال : لفلانٍ علَيَّ ألف من ثمن مبيعٍ ، ثمّ سكت ، ثمّ قال بعد‌

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٩ ، البيان ١٣ : ٤٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٤.

(٢) بحر المذهب ٨ : ٢٩٧ ، البيان ١٣ : ٤٣٨.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٢٩٧ ، البيان ١٣ : ٤٣٧.

٤٠٨

ذلك : لم أقبضه ، قُبل قوله عنده(١) رحمه‌الله - وبه قال الشافعي(٢) - فإن خالفه الـمُقرّ له ، كان القولُ قولَ الـمُقرّ مع يمينه ؛ لأنّ إقراره تعلّق بالمبيع ، والأصل عدم القبض ، فقُبل قوله فيه.

والأقوى عندي : عدم القبول.

مسألة ٩٦٦ : لو قال : له علَيَّ ألف لا تلزمني ، أو : علَيَّ ألف ، أو لا ، لزمه‌ ؛ لأنّ هذا الكلام غير منتظمٍ ، فلا يبطل به الإقرار.

ويحتمل القبول بأن يكون عليه ثمن مبيعٍ غير لازمٍ ، أو من هبةٍ له الرجوعُ فيها.

ولو قال : له علَيَّ ألف قضيتُه ، لزمته الألف ، ولم تُقبل دعواه في الإقباض.

وللشافعيّة فيه طريقان :

أحدهما : القطع بلزوم الألف ؛ لقرب اللفظ من عدم الانتظام ، فإنّ ما قضاه لا يكون عليه - وهو الذي اخترناه نحن - بخلاف قوله : من ثمن خمرٍ ؛ لأنّه ربما يظنّ لزومه.

والطريق الثاني : إنّه على القولين ؛ لأنّ مثله يطلق في العرف ، والتقدير : كان له علَيَّ ألف فقضيتُه(٣) .

وكذا يجري الطريقان فيما إذا قال : لفلانٍ علَيَّ ألف أبرأني عنه(٤) .

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٣ : ٣٤.

(٢) بحر المذهب ٨ : ٢٩٧ ، البيان ١٣ : ٤٣٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٥.

٤٠٩

ولو ادّعى عليه ألفاً فقال : قد قضيتُه ، فالمشهور : أنّه إقرار.

وجَعَله بعض الشافعيّة بمنزلة ما لو قال : علَيَّ ألف قضيتُه(١) .

تذنيب (٢) : لو قال : كان له علَيَّ ألف ، فالأقرب : اللزوم ، ويحتاج في البراءة إلى البيّنة.

وقيل : لا يُسمع هذا كما لا تُسمع الشهادة به(٣) .

والإقرار بالإقرار إقرار.

مسألة ٩٦٧ : لو قال : لفلان علَيَّ ألف إن شاء الله ، احتُمل بطلان الإقرار ؛ لأنّه تعلّق على المشيئة ، وتعليق الإقرار باطل ؛ لأنّه إخبار عن حقٍّ سابق ولم يجزم به ، وعلّق إقراره على مشيئة الله تعالى ، وهي خفيّة عنّا ، ولأنّ الإقرار إخبار عن حقٍّ سابق ، فيكون المخبر عنه واقعاً ، والواقع لا يعلّق على متجدّدٍ ولا على غيره.

وقيل : إنّه(٤) بمنزلة قوله : له علَيَّ ألف من ثمن خمرٍ ؛ لأنّه لو اقتصر على أوّل الكلام لكان إقراراً جازماً(٥) .

والأقرب : الأوّل ؛ لأنّ تعليق السابق لا ينتظم ، فلا يُقبل تعليقه ، ويلزمه ما أقرّ به ، وبه قال أحمد ، وهو أصحّ قولَي الشافعيّة(٦) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٥.

(٢) في « ج ، خ » : « تنبيه » بدل « تذنيب ».

(٣) راجع : بحر المذهب ٨ : ٢٩٣.

(٤) في « ج ، ر » : « هو » بدل « إنّه ».

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٥.

(٦) المغني ٥ : ٣٤٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٩٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢٦٤ - ٢٦٥ ، البيان ١٣ : ٤٠١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨.

٤١٠

ولو قال : علَيَّ ألف إن شئتَ ، أو : إن شاء فلان ، احتُمل بطلان الإقرار ؛ لتعلّقه على الشرط.

وقال الجويني : إنّه مُخرَّج على القولين ؛ لأنّه نفى بآخر كلامه مقتضى أوّله ، بخلاف قوله : إن شاء الله ، فإنّه يجري في الكلام للتردّد تارةً وللتبرّك أُخرى ، بخلاف التعليق بمشيئة غيره(١) .

ووجّه بعضُ الشافعيّة البطلانَ في قوله : « إن شاء الله ، أو : إن شاء زيد » : بأنّ مثل هذا الكلام قد يطلق للالتزام في المستقبل ، ولهذا يقال : لك علَيَّ كذا إن رددتَ عبدي الآبق ، أو : جملي الشارد ، ويكون ذلك التزاماً في المستقبل(٢) .

وكذا لو قال : لك علَيَّ ألف إن جاء زيد ، أو : قدم الحاج. وكذا لو قال : لك علَيَّ ألف إن شهد لك بذلك شاهدان ؛ لأنّ ذلك كلّه معلّق بشرطٍ.

وكذا لو قال : إن شهد شاهدان بألف فهي علَيَّ ، لم يكن إقراراً.

ولو قال : إن شهد شاهدان فهُما صادقان ، كان إقراراً ، وقد سلف(٣) .

ولو قال : لك علَيَّ ألف إن قبلتَ إقراري ، لم يكن إقراراً ؛ لتعلّقه على الشرط ، بخلاف ما لو قال : هذا لك بألف إن قبلتَ ، فإنّه يكون إيجاباً.

والفرق : إنّ الإيجاب يقع متعلّقاً بالقبول حتى إذا لم يقبل جواباً بطل الإيجاب ، فيصحّ تعليقه ، فأمّا الإقرار فلا يتعلّق بالقبول ؛ لأنّه إقرار(٤) عن حقٍّ سابق.

لا يقال : أليس الـمُقرّ له إذا لم يقبل الإقرار بطل؟

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٥.

(٣) في ص ٢٤٨ - ٢٤٩ ، المسألة ٨٤٢.

(٤) كذا قوله : « إقرار » في النسخ الخطّيّة والحجريّة ، والظاهر : « إخبار » بدل « إقرار ».

٤١١

لأنّا نقول : إنّما يبطل إذا كذّبه أو ردّه ، فأمّا إذا سكت فالإقرار صحيح غير مفتقرٍ إلى القبول، بل لو كذّب الإقرار أو ردّه لم يكن باطلاً في نفسه ، بل لا يتعلّق به حكم ظاهراً.

هذا إن جوّزنا تعليق الإيجاب بمثل هذا الشرط ، كما هو مذهب بعض الشافعيّة(١) .

مسألة ٩٦٨ : لو قال : له علَيَّ ألف إذا جاء رأس الشهر ، أو : إذا قدم فلان ، قال بعض الناس : إنّه لا يكون إقرارا ؛ لأنّ الشرط لا أثر له في إيجاب المال ، والواقع لا يعلَّق بشرطٍ(٢) .

وقال الجويني : إنّه على القولين ؛ لأنّ صدر الكلام صيغة التزامٍ ، والتعليق يرفع حكمها(٣) .

والوجه عندي : إنّه يرجع إلى استفساره ، فإن قصد تعليق الإقرار بالشرط بطل إقراره ، وإن قصد التأجيل صحّ إقراره ؛ لاحتمال الصيغة لهذين ، ويُسمع كلامه مع اليمين لو أنكر المـُقرّ له.

هذا إذا قدّم الإقرار وأخّر التعليق ، ولو عكس فقال : إذا جاء رأس الشهر ، أو : إن جاء [ فلان ](٤) فعلَيَّ ألف ، لم يلزمه شي‌ء ؛ لأنّه لم تُوجد صيغة التزامٍ جازمة.

نعم ، لو قال : أردتُ به التأجيل برأس الشهر ، قُبل.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٨ ، المجموع ٩ : ١٧٠.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « رأس الشهر ». والظاهر ما أثبتناه.

٤١٢

وقال بعض الشافعيّة : مطلقه يُحمل على التأجيل برأس الشهر(١) .

واعلم : أنّ المشهور بين الشافعيّة أنّه إذا قال : له علَيَّ ألف إذا جاء رأس الشهر ، إنّه يكون إقراراً ، ولو قدّم الشرط فقال : إذا جاء رأس الشهر فله علَيَّ ألف ، لم يكن إقراراً.

والفرق : إنّه إذا قال : له علَيَّ ألف ، فقد أقرّ بالألف ، فإذا قال : إذا جاء رأس الشهر ، احتُمل أن يكون أراد محلّها ووجوب تسليمها ، وإذا احتُمل ذلك لم يبطل الإقرار ، فأمّا إذا قال : إذا جاء رأس الشهر ، فبدأ بالشرط ، فإنّه لم يُقرّ بالحقّ ، وإنّما علّقه بالشرط ، فلم يكن إقراراً(٢) .

والحقّ أنّه لا فرق بين تقدّم الشرط وتأخّره ؛ لأنّ الشرط وإن تأخّر لفظاً فإنّه مقدَّم معنىً وله صدر الكلام.

واعترض بعض الشافعيّة على قول الفارق بين قوله : « له علَيَّ ألف من ثمن خمر » وبين قوله: « له علَيّ ألف إن جاء رأس الشهر » بأنّ كلّ واحدٍ منهما قد عقّب إقراره بما يرفعه ، فلِمَ كان التعقيب الأوّل باطلاً والثاني صحيحاً؟

وأُجيب : بأنّه يمكن أن يقال : دخول الشرط على الجملة يُصيّر الجملة جزءاً من الجملة الشرطيّة ، والجملة إذا صارت جزءاً من جملةٍ أُخرى تغيّر معناها ، وقوله : « من ثمن خمر » لا يغيّر معنى صدر الكلام ، وإنّما هو بيان جهته ، فلا يلزم من أن لا يبعّض الإقرار عند التعليق - بل يلغى ؛ تحرّزاً من اتّخاذ جزء الجملة جملةً برأسها - أن لا يبعّض في‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨.

(٢) بحر المذهب ٨ : ٢٦٥ ، البيان ١٣ : ٤٠٣.

٤١٣

الصورة الأُخرى (١) .

مسألة ٩٦٩ : لو قال : له علَيَّ ألف مؤجَّل إلى سنةٍ ، فإن ذكر الأجل مفصولاً بكلامٍ غريب أو سكوت ، لم يُقبل التأجيل ، ويثبت الدَّيْن في الحال.

وإن ذكره موصولاً بغير فصلٍ بسكوتٍ ولا كلامٍ البتّة ، فالأقرب عندي : قبول قوله ، كما لو قال : له علَيَّ ألف طبريّة أو موصليّة ، فإنّه يُقبل تفسيره وإن اشتمل على عيبٍ في الـمُقرّ به ، كذا هنا ، ولأنّه ربما يكون الحقّ في ذمّته مؤجَّلاً ولا شاهد له بالتأجيل ، فلو مُنع من الإخبار به ولم يُصدَّق به ، تعذّر عليه الإقرار بالحقّ وعدم تخليص ذمّته بالإشهاد ، فوجب أن يُسمع كلامه توصّلاً إلى تحصيل هذه المصلحة.

وللشافعيّة طريقان كالطريقين فيما إذا قال : له علَيَّ ألف من ثمن عبدٍ لم أقبضه ، أو : علَيَّ ألف قضيتُها.

والظاهر عندهم : القبول - وبه قال أحمد بن حنبل - لأنّ هذا لا يُسقط الإقرار ، وإنّما وصفه بصفةٍ دون صفةٍ.

ولهم قولٌ آخَر : إنّه لا يُقبل ؛ لأنّه وصل إقراره بما يسقط عنه المطالبة به ، فأشبه ما إذا قال : قضيتُها(٢) .

وقد تقدّم الفرق.

وقال أبو حنيفة : إنّه يكون مدّعياً للأجل ، فالقول فيه قول المـُقرّ له مع‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٥ - ٣٣٦.

(٢) الوسيط ٣ : ٣٤٩ - ٣٥٠ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٥.

٤١٤

يمينه ؛ لأنّه أقرّ لغيره بحقٍّ وادّعى فيه حقّاً لنفسه ، فلم يُقبل ، كما لو قال : هذه الدار لزيدٍ ولي سكناها سنة(١) . وعليه أكثر علمائنا(٢) .

وفيه نظر ؛ لأنّ الدَّيْن المؤجَّل أحد نوعي الدَّيْن ، فوجب أن يثبت بالإقرار كالحالّ ، بخلاف ما قالوه ؛ لأنّه هناك أقرّ له بالملك وادّعى عليه عقداً مستأنفاً ، وفي صورة النزاع أقرَّ بدَيْنٍ على صفةٍ ، فقُبل منه ، كما لو قال : من نقدٍ ردي‌ء.

وهذا الخلاف إنّما هو فيما إذا كان الدَّيْن الـمُقرّ به مطلقاً أو مستنداً إلى سببٍ ، وهو بحيث يتعجّل ويتأجّل ، أمّا إذا أسنده إلى جهةٍ لا تقبل التأجيل ، كما إذا قال : له علَيَّ ألف أقرضنيها مؤجَّلةً ، لغا ذكر الأجل إجماعاً.

وإن أسنده إلى جهةٍ يلازمها التأجيل ، كالدية على العاقلة ، فإن ذكر ذلك في صدر إقراره بأن قال : قَتَل عمّي فلاناً خطأً ولزمني من دية ذلك القتل كذا مؤجَّلاً إلى سنةٍ انتهاؤها كذا ، فهو مقبول لا محالة.

ولو قال : علَيَّ كذا من جهة تحمّل العقل مؤجَّلاً إلى وقت كذا ، فللشافعيّة طريقان :

أحدهما : القطع بالقبول ؛ لأنّه كذلك يثبت.

والثاني : إنّه على القولين.

والثاني عندهم أظهر ؛ لأنّ أوّل كلامه ملزم لو اقتصر عليه ، وهو في الإسناد إلى تلك الجهة مُدّعٍ ، كما في التأجيل(٣) .

____________________

(١) بدائع الصنائع ٧ : ٢١٧ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٠٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٥.

(٢) منهم : الطوسي في الخلاف ٣ : ٣٧٧ ، المسألة ٢٨ ، والحلّي في السرائر ٢ : ٥١٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٦.

٤١٥

تذنيبان :

أ : لو قال : بعتك أمس كذا فلم تقبل ، فقال : بل قبلتُ ، قُدّم قول مدّعي القبول ، على إشكالٍ.

وللشافعيّة قولا تبعيض الإقرار ، إن بعّضوه فهو مصدَّق بيمينه في قوله : قبلتُ(١) .

وكذا الحكم فيما إذا قال لعبده : أعتقتك على ألف فلم تقبل ، أو قال لامرأته : خلعتك على ألف فلم تقبلي ، وقال العبد : قبلتُ. وقالت المرأة : قبلتُ.

ب : لو قال : إنّي أُقرّ الآن بما ليس علَيَّ لفلان علَيَّ ألف ، أو قال : ما طلّقت امرأتي ولكنّي أُقرّ بطلاقها فأقول : طلّقتُها ، فالأقرب : عدم نفوذ إقراره ، والحكم ببطلانه.

وللشافعيّة قولان :

أحدهما : كما قلناه.

والثاني : إنّه كما لو قال : علَيَّ ألف لا تلزمني(٢) .

المطلب الثاني : في تعقيب الإقرار بالإيداع

مسألة ٩٧٠ : إذا قال : لفلان علَيَّ ألف درهم وديعة ، ولم يفصل بين كلامه ، فالأولى القبول ، وبه قال الشافعي(٣) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨ - ٤٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٦ - ٣٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٢٦٠ و ٢٨٢ ، البيان ١٣ : ٤٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠ ، المغني ٥ : ٣٠٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٨.

٤١٦

فإن أنكر الـمُقرّ له ، كان القولُ قولَ المـُقرّ مع يمينه ؛ لأنّه أقرّ بما يمكن ، ولا تناقض في قولَيْه ، فكان مسموعاً منه.

وقال أبو حنيفة وأحمد : القول قول المُقرّ له ، ويكون للمُقرّ له أن يطالبه(١) بالألف التي أقرّ ؛ لأنّ « علَيَّ » للإيجاب ، وذلك يقتضي كونها في ذمّته ، ولهذا لو قال : ما على فلان علَيَّ ، كان ضامناً ، والوديعة ليست واجبةً عليه ، فلم يُقبل تفسيره بها(٢) .

ونحن نمنع من عدم وجوب الوديعة ، فإنّه يجب عليه ردّها وحفظها ، وذلك واجب عليه ، فإذا قال : « علَيَّ » وفسّر بها ، احتمل قوله ذلك فقُبِل منه ؛ لأنّه يجوز أن يريد بكلمة « علَيَّ » الإخبار عن هذا الواجب ، ويحتمل أنّه تعدّى فيها حتى صارت مضمونةً عليه ، فلذلك قال : « علَيَّ » وقد تُستعمل « علَيَّ » بمعنى « عندي » كقوله تعالى :( وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ ) (٣) وحروف الصفات يقوم بعضها مقام بعضٍ ، فيجوز أن تُستعمل « علَيَّ » بمعنى « عندي ».

وقال أبو إسحاق من الشافعيّة : إنّ المسألة على قولين عند الشافعي ، كما لو قال : له علَيَّ ألف قضيتُه(٤) .

مسألة ٩٧١ : لو فصل بين كلاميه ، فقال : له علَيَّ ألف ، ثمّ سكت ثمّ جاء بألف بعد إقراره‌ وقال : أردتُ هذا وهو وديعة عندي ، وقال الـمُقرّ له : هو وديعة ولي عليك ألف آخَر دَيْن وهو الذي أردتَه بإقرارك ، فالأقوى‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة : « المطالبة » بدل « أن يطالبه ».

(٢) بحر المذهب ٨ : ٢٦٠ ، البيان ١٣ : ٤٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٧ ، المغني ٥ : ٣٠٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٨ و ٣١٩.

(٣) الشعراء : ١٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

٤١٧

عندي : إنّ القول قو ل الـمُقرّ مع يمينه - وهو أصحّ قولَي الشافعي(١) - لما تقدّم من أنّ الوديعة يجب حفظها والتخلية بينها وبين المالك ، فلعلّه أراد بكلمة « علَيَّ » الإخبار عن هذا الواجب ، أو أنّه تعدّى فيها فصارت مضمونةً عليه ، فلذلك قال : « علَيَّ » أو أراد : عندي ، على ما تقدّم.

والثاني له : إنّ القول قول المُقرّ له - وبه قال أبو حنيفة وأحمد - فما أتى به وديعة ، وعليه ألف آخَر ؛ لأنّ كلمة « علَيَّ » تقتضي الثبوت في الذمّة(٢) .

وحكى الجويني طريقةً قاطعة بالقول الأوّل(٣) .

لكنّ المشهور إثبات القولين ، وترجيح الأوّل(٤) .

ولو كان قد قال : له علَيَّ ألف في ذمّتي ، أو : له ألف علَيَّ دَيْناً ، وفسّر كما تقدّم ، فإن لم نقبل تفسيره في السابق ، فهنا عدم القبول أولى.

وإن قبلنا هناك ، فللشافعيّة وجهان :

أحدهما : يُقبل ؛ لجواز أن يريد : له ألف في ذمّتي إن تلفت الوديعة ؛ لأنّي تعدّيتُ فيها.

وأصحّهما عندهم : إنّه لا يُقبل ، والقول قول المُقرّ له مع يمينه ؛ لأنّ العين لا تثبت في الذمّة ، وكذا الوديعة لا تثبت في الذمّة. ويفارق ما إذا قال : له علَيَّ ألف ، ثمّ فسّرها بالوديعة ؛ لأنّه لم يصرّح بالمحلّ ، واحتُمل أن‌

____________________

(١ و ٢) الحاوي الكبير ٧ : ٤٤ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥١ ، بحر المذهب ٨ : ٢٦٠ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥١ ، البيان ١٣ : ٤٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩ ، المغني ٥ : ٣١٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٢٠.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٧.

٤١٨

يكون المراد وجوب الحفظ والردّ ، وهنا صرّح بالذمّة(١) .

إذا عرفت هذا ، فإذا قبلنا منه التفسير بالوديعة فيما إذا قال : له علَيَّ ألف ، ثمّ جاء بألف وقال : هو وديعة عندي ، فإنّه لا يُقبل قوله في سقوط الضمان لو ادّعى التلف ؛ لأنّ الألف مضمون عليه وليس بأمانةٍ ؛ لأنّ قوله : « علَيَّ » يتضمّن الإلزام.

فلو ادّعى تلف الألف التي زعم [ أنّها ](٢) وديعة ، لم يسقط الضمان عنه ، ولو ادّعى ردّه لم يُصدَّق ؛ لأنّه ضامن ، وإنّما يُصدَّق المؤتمن.

فخلص من هذا أنّه لا يُصدّق في دعوى تلفه بعد الإقرار أو ردّه.

وأُشكل عليه : بأنّ كلمة « علَيَّ » كما يجوز أن يريد بها صيرورتها مضمونةً عليه ؛ لتعدّيه ، يجوز أن يريد بها وجوب الحفظ والتخلية ، ويجوز أن يريد بها : عندي ، كما سبق. وهذان المعنيان لا ينافيان الأمانة ، مع أنّ النقل عن الشافعي أنّه إن ادّعى أنّه تلف أو ردّه قبل الإقرار ، لم يُصدَّق ؛ لأنّ التالف والمردود لا يكون عليه بمعنى من المعاني ، وإن ادّعى أنّه تلف بعد الإقرار صُدّق(٣) .

مسألة ٩٧٢ : لو قال : له عندي ألف درهم وديعة دَيْناً ، أو : ألف درهم مضاربة دَيْنا ، فالذي يحتمل ذلك أن تكون الوديعة مضمونةً عليه بأن تعدّى‌ فيها ، وكذا مال المضاربة ، فإن فسّر بذلك قُبِل منه ، وإن قال : أردتُ أنّه شرط علَيَّ ضمانها لم يُقبل ؛ لأنّها لا تكون دَيْناً بذلك.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٤٤ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥١ ، بحر المذهب ٨ : ٢٦٠ - ٢٦١ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٧ ، البيان ١٣ : ٤٣٣ - ٤٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أنّه ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٧ - ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩.

٤١٩

فإن قال : عندي ألف وديعة شرط علَيَّ ضمانها ، كانت وديعةً ، ولم تكن مضمونةً بالشرط ؛ لأنّ ما أصله الأمانة لا يصير بالشرط مضموناً ، وكذا ما أصله الضمان لا يصير بالشرط أمانةً ، ألا ترى أنّه لو دفع مالاً على وجه المساومة وشرط أن يكون أمانةً ، لم يصر بذلك أمانةً.

ولو قال : لفلان علَيَّ ألف درهم في ذمّتي ، فجاءه بألف فقال : الألف التي أقررتُ بها كانت وديعةً وتلفت وهذه بدلها ، قُبِل ذلك ؛ لأنّه يجوز أن يكون بتعدٍّ منه أو تفريطٍ ، فيكون بدلها في ذمّته.

ولو جاء بألف فقال : الألف التي أقررتُ بها هذه وهي وديعة لك ، فللشافعيّة وجهان على ما تقدّم(١) .

ولو قال : لك علَيَّ ألف ، ثمّ قال : كانت وديعةً وكانت تلفت قبل إقراري وكنت أظنّ أنّها باقية ، لم يُقبل منه ؛ لأنّه كذّب بهذا إقراره ، فلم يُقبل منه.

فإن قال : ما أقررتُ به كان وديعةً وتلفت بعد إقراري ، قُبِل منه.

ولو قال : له علَيَّ ألف درهم وديعة ، وفسّر إقراره بوديعةٍ موجودة ، قُبِل.

وكذا إذا قال : أقررتُ بوديعةٍ وقد هلكت بعد إقراري ، فالقول قوله مع اليمين. وإن قال : كانت هالكةً حين أقررتُ ، لم يُقبل منه ؛ لأنّ الوديعة الهالكة لا تكون عليه ، فيكون قد أكذب إقراره ، إلّا أن تكون هلكت بتعدٍّ أو تفريطٍ ، فيكون إقراره صحيحاً.

____________________

(١) في ص ٤١٧.

٤٢٠

وأمّا إذا وصل إقراره فقال : علَيَّ ، أو : عندي ألف وديعة هلكت ، فللشافعيّة قولان(١) ، كما في قوله : علَيَّ ألف قضيتُها.

ولو فصل فقال : له علَيَّ ألف ، وسكت ، ثمّ قال مفصولاً : وديعة هلكت ، لم يُقبل قولاً واحداً ؛ لأنّه فسّر إقراره بما يرفعه منفصلاً.

مسألة ٩٧٣ : لو قال : لفلان علَيَّ ألف وديعة ، قُبِل على ما تقدّم من الخلاف.

فعلى القبول لو جاء بألف وقال : هذا هو ، قنع به.

وإن لم يأت بشي‌ء وادّعى التلف أو الردّ ، ففي القبول للشافعيّة وجهان مبنيّان على تأويل كلمة « علَيَّ » إن حملناها على وجوب الحفظ قُبِل ، وهو الأصحّ عندهم. وإن حملناها على صيرورته مضموناً عليه فلا(٢) .

ولو قال : معي ، أو : عندي ألف ، فهو محتمل للأمانة ، فيُصدَّق في قوله : إنّه كان وديعةً ، وفي دعوى التلف والردّ.

ولو قال : له عندي ألف درهم مضاربة دَيْناً ، أو وديعة دَيْناً ، فهو مضمون عليه ، ولا يُقبل قوله في دعوى الردّ والتلف على ما تقدّم.

هذا إذا فسّر منفصلاً ، وإن فسّره متّصلاً ، ففيه للشافعيّة قولا تبعيض الإقرار(٣) .

مسألة ٩٧٤ : يجوز عندنا إعارة الدراهم والدنانير ؛ لأنّه قد يمكن الانتفاع بها وردّ عينها إن كان يتجمّل بها.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٦٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

٤٢١

وللشافعي قولان :

أحد هما : هذا.

والثاني : المنع ؛ لأنّه لا ينتفع بها مع بقاء عينها انتفاعاً مقصوداً(١) .

وقد وافقنا على أنّها مضمونة(٢) .

أمّا عندنا : فلأنّ العارية وإن لم تكن مضمونةً لكن لنا نظر في ضمان عارية الدراهم والدنانير، وكان الأصل فيه أنّ الانتفاع التامّ بها إنّما يكون بإتلافها ، فلهذا وقعت العارية فيه مضمونةً.

وأمّا عند الشافعي : فلأنّ العارية مطلقاً مضمونة(٣) .

فعلى كلا التقديرين - أعني تقدير صحّة العارية فيها وفسادها - تكون مضمونةً ؛ لأنّ حكم الضمان يستوي فيه الصحيح والفاسد من العقود ، فإذا كان صحيح العقد يقتضي الضمان ، كان فاسده كذلك ، وإن لم يقتضِ فلا.

إذا عرفت هذا ، فإذا أقرّ بألف عارية ، كان الألف مضمونةً عليه.

مسألة ٩٧٥ : لو قال : دفع إلَيَّ ألفاً ، ثمّ فسّره بوديعةٍ ، وزعم تلفها في يده ، صُدّق بيمينه‌ ؛ لأنّ الدفع لا يستلزم الثبوت في الذمّة ، فقُبل تفسيره بالوديعة وبالتلف.

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ٢٦٦ ، الوسيط ٣ : ٣٦٧ - ٣٦٨ ، الوجيز ١ : ٢٠٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٠ ، البيان ١٣ : ٤٣٤ ، و ٦ : ٤٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧١ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٢.

(٢) بحر المذهب ٨ : ٢٦٦ ، الوسيط ٣ : ٣٥١ و ٣٦٨ ، الوجيز ١ : ٢٠٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٢ و ٢٨٠ ، البيان ١٣ : ٤٣٤ ، و ٦ : ٤٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ و ٣٧١ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠ و ٧٢.

(٣) نفس المصادر.

٤٢٢

ولو قال : أخذتُ منه ألفاً وديعة ، فكذلك - وبه قال الشافعي(١) - إذ لا فرق بين الدفع والأخذ.

وقال أبو حنيفة : إذا قال : أخذتُ منه ألفاً ، ثمّ فسّره بوديعةٍ ، وقال المأخوذ منه : بل غصبتَه ، فالقول قول الـمُقرّ له ؛ لأنّ الأخذ منه قد لا يكون برضاه ، والدفع قد يكون برضاه(٢) . وبه قال بعض الشافعيّة(٣) .

ولو ذكره على الاتّصال فقال : أخذتُ من فلان ألفاً وديعة ، لم يُقبل عند أبي حنيفة(٤) .

وعلى قول بعض الشافعيّة يجي‌ء(٥) فيه الوجهان في تبعيض الإقرار(٦) .

ولو قال : أودعني ألفاً فلم أقبضها ، أو : أقرضني ، أو : أعطاني فلم أقبض ، قُبِل قوله مع الاتّصال ، ولم يُقبَل مع الانفصال ، على إشكالٍ.

وكذا إذا قال : نقدني ألفاً فلم أقبضها ، وبهذا قال الشافعي(٧) .

وقال أبو يوسف : لا يُصدَّق ؛ لأنّ « نقدني » يُفهم منه القبض ، ولهذا يقولون : بِعْ بالنقد ، ويريدون : بالقبض(٨) .

وهو غلط ؛ لأنّه أضاف ذلك إلى المُقرّ له ، فصار بمنزلة قوله : أعطاني‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

(٢) بدائع الصنائع ٧ : ٢١٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨.

(٥) في « ج ، ر » والطبعة الحجريّة : « يجري » بدل « يجي‌ء ».

(٦) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

(٧) البيان ١٣ : ٤٤٠ ، المغني ٥ : ٣١١ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٢١.

(٨) المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ٢٤ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢١٧ ، البيان ١٣ : ٤٤٠.

٤٢٣

وأقرضني.

المطلب الثالث : في تعقيب الإقرار بالعارية والهبة بعدم القبض أو بعدم الفهم

مسألة ٩٧٦ : إذا قال : لك هذه الدار عارية ، فهو إقرار بالإعارة ، وله(١) الرجوع فيها متى شاء ، وبه قال جماعة من الشافعيّة(٢) .

وقال بعضهم : قوله : « هي لك » إقرار بالملك لو اقتصر [ عليه ](٣) فذِكْرُ العارية بعده ينافيه ، فيكون على القولين في تبعيض الإقرار(٤) .

وردّه قومٌ بأنّ الإضافة باللام تقتضي الاختصاص بالملك أو غيره ، فإذا تُجرَّد وأمكن الحمل على الملك ، يُحمل عليه ؛ لأنّه أظهر وجوه الاختصاص. وإن وصل بها ذِكْر وجهٍ آخَر من الاختصاص ، أو لم يمكن الحمل على الملك ، كقولنا : « الجلّ للفرس » حُمل عليه(٥) .

ولو قال : « هذه الدار لك هبة عاريةٍ » بإضافة الهبة إلى العارية ، أو : « هبة سكنى » فهو كما لو قال : « لك عارية » بغير فرقٍ.

وإذا ثبت أنّها عارية ، كان له الرجوع في العارية فيرجع(٦) في المستقبل ، فأمّا ما استوفاه من المنفعة فلا.

____________________

(١) في « ر » والطبعة الحجريّة : « فله » بدل « وله ».

(٢) الوسيط ٣ : ٣٥١ ، البيان ١٣ : ٤٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٤) الوسيط ٣ : ٣٥١ - ٣٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٩.

(٦) في الطبعة الحجريّة : « فيقبل » بدل « فيرجع ».

٤٢٤

فإن قيل : قوله : « هذه الدار لك » إقرار بها ، فإذا قال : « هبة سكنى » كان رجوعاً عن إقراره بالدار.

قلنا : إنّ قوله : « هذه الدار لك » يكون إقراراً بها إذا سكت ، فإذا قال له : « لك سكناها » كان إقراراً بالسكنى. ولأنّ سكنى الدار منافعها ، والمنافع منها ، فكأنّه استثنى أكثر الجملة ، وهو جائز.

مسألة ٩٧٧ : الإقرار بالهبة لا يتضمّن الإقرار بالقبض ؛ لتغايرهما ، وعدم التلازم بينهما ، وكون القبض شرطاً في لزوم الهبة لا يوجب كونه شرطاً(١) في تحقّق حقيقتها ، وكيف لا! والهبة متقدّمة على القبض ، ولا يجوز اشتراط المتأخّر في المتقدّم ، وإلّا دارَ ؛ لتقدّم الشرط على المشروط.

وهذا هو المشهور أيضاً عند الشافعيّة(٢) .

وقال بعضهم : إذا أقرّ بالهبة ثمّ قال : ما كنتُ أقبضتُه فلي الرجوع ، وقال الموهوب له : كنتُ قبضتُها ، فالقول قول الواهب ؛ لأصالة عدم القبض ، والإقرار بالهبة لا يتضمّن القبض(٣) .

ومن الشافعيّة مَنْ قال : إنّ الشافعي قال : إذا كانت العين في يد الموهوب له ، كان القولُ قولَ الموهوب له.

وهذا قاله على القول الذي يقول : إنّه إذا وهب له شيئاً في يده لا يحتاج إلى الإذن في القبض ، وإذا مضى زمان يمكن فيه القبض صار مقبوضاً(٤) .

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « اشتراطه » بدل « كونه شرطاً ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٢٩٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٧.

(٤) بحر المذهب ٨ : ٢٩٤ - ٢٩٥.

٤٢٥

ولو قال : وهبتُه وخ رجتُ منه إليه ، فقد تقدّم(١) أنّ الظاهر أنّه ليس إقراراً بالقبض أيضاً.

وكذا لو قال : وهبتُ منه ومَلَكها ، أو ملّكتُه ، لم يكن إقراراً بالقبض إن اعتقد رأي مالك(٢) ، وإلّا كان إقراراً به.

مسألة ٩٧٨ : لو أقرّ بالهبة والقبض معاً ، فقال : وهبتُه وأقبضتُ ، أو : سلّمتُه منه ، أو : حازه(٣) منّي ، لزمه الإقرار ، وحُكم عليه بمقتضاه ، فإن عاد وأنكر القبض ، لم يُلتفت إلى إنكاره ؛ لاشتماله على تكذيب نفسه ، سواء ذكر لإقراره تأويلاً - بأن يقول : كان وكيلي أخبرني بأنّه أقبضه فأقررتُ به ولم يكن قد قبّض - أو لم يذكر.

ولو قال : إنّي أقررتُ بالقبض ؛ لقضاء العادة بالإقرار بالشي‌ء قبل تحقّقه فأحلفوه على أنّه قبضه(٤) ، كان له إحلافه ، وبه قال الشافعي(٥) .

وقال أبو إسحاق : إن لم يكذّب نفسه ، أُحلف له ، بأن يقول : كان وكيلي أخبرني بأنّه كان قبّضه فأقررتُ به(٦) .

والشافعي لم يفرّق بين الحالين ؛ لأنّ العادة جرت أن يشهد قبل أن يقبض ليقبض بعد ذلك المقبوض منه.

وكذا قبض الثمن والرهن والوقف.

وكذا لو أقرّ أنّه اقترض منه ألفاً وقبضها ، ثمّ قال : ما كنتُ قبضتُ‌

____________________

(١) في ص ٣٨٢ ، ضمن المسألة ٩٤٤.

(٢) وهو لزوم الهبة بالإيجاب والقبول ، راجع : الهامش (٣) من ص ٣٨٢.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « أخذه » بدل « حازه ».

(٤) في « ج » : « على أنّي قبّضتُه ». وكذا في « ث ، ر » بدون « على ».

(٥) مختصر المزني : ١١٤ ، بحر المذهب ٨ : ٢٩٤ ، البيان ٨ : ١٠١.

(٦) بحر المذهب ٨ : ٢٩٤.

٤٢٦

وإنّما أقررتُ على ر سم الشهادة لأقبض ، كان على الـمُقرّ له اليمين ؛ لأنّ ذلك محتمل بحكم العادة.

ولو شهدت البيّنة بالقبض ، ثمّ قال : احلفوه أنّي أقبضتُه ، لم تُسمع دعواه ؛ لأنّه طعن في البيّنة.

هذا إذا شهدت البيّنة بمشاهدة القبض ، ولو شهدت بالإقرار به ، فهو كما تقدّم.

مسألة ٩٧٩ : لو أقرّ ببيعٍ أو هبةٍ وقبْضٍ ، ثمّ قال : كان ذلك فاسداً وأقررتُ لظنّي الصحّة ، لم يُصدَّق ، لكن له تحليف الـمُقرّ له ، فإن نكل حلف المـُقرّ ، وحُكم ببطلان البيع والهبة.

ولو أقرّ بإتلاف مالٍ على إنسانٍ وأشهد عليه ، ثمّ قال : كنتُ عازماً على الإتلاف فقدّمتُ الإشهاد على الإتلاف ، لم يُقبل منه بحال ، بخلاف ما لو أشهد على نفسه بدَيْنٍ ، ثمّ قال : كنتُ عازماً على أن أستقرض منه فقدّمتُ الإشهادَ على الاستقراض ؛ لأنّ هذا معتاد ، وذلك غير معتاد.

والوجه عندي : تساوي الصورتين ؛ لأنّه في الأُولى ادّعى دعوىً لو صدّقه الـمُقرّ له برئ ، فكان له إحلافه ؛ لانتفاعه بالنكول.

مسألة ٩٨٠ : يصحّ الإقرار بالعربيّة وغيرها من اللغات ؛ لأنّه إخبار ، فلا ينحصر طريقه في لغةٍ دون أُخرى ؛ لدلالة كلّ واحدٍ من اللغات على المعنى المراد ، فيصحّ إقرار كلّ أهل لغةٍ بلغتهم وغير لغتهم إذا عرفوها صحيحةً.

فلو أقرّ أعجميّ بالعربيّة أو بالعكس ، ثمّ قال : لم أفهم معناه لكن لُقّنتُ فتلقّنت ، صُدّق باليمين إن كان ممّن يجوز عليه ذلك وممّن يخفى عليه.

٤٢٧

وكذا البحث في جميع العقود والإيقاعات.

ولو أقرّ ثمّ قال : كنتُ يوم الإقرار صغيراً ، وهو محتمل ، صُدّق بيمينه ؛ إذ الأصل عدم الكبر.

وكذا لو قال : كنتُ مجنوناً يوم الإقرار ، وقد عهد له جنون ؛ لأصالة البراءة ، والاستصحاب.

ولو قال : كنتُ مُكرَهاً ، وهناك أمارة الإكراه من حبسٍ أو وكيل(١) ، فكذلك. وإن لم تكن هناك أمارة ، لم يُقبل قوله.

والأمارة إنّما تثبت بإقرار المـُقرّ له أو بالبيّنة. وإنّما تؤثّر إذا كان الإقرار لمن ظهر منه الحبس والتوكيل ، أمّا لو كان في حبس غيره أو وكيل غيره ، لم يقدح ذلك في الإقرار للمُقرّ له.

ولو شهد الشهود على إقراره وتعرّضوا لبلوغه وصحّة عقله واختياره ، فادّعى الـمُقرّ خلافَه ، لم يُقبل ؛ لما فيه من تكذيب الشهود.

أمّا لو ادّعى الإكراه وأقام به البيّنة وشهدت بيّنة الـمُقرّ له بالاختيار ، قُدّمت بيّنة الـمُقرّ ؛ لأنّها تشهد بأمرٍ زائد ربما خفي عن بيّنة الـمُقرّ له.

مسألة ٩٨١ : إذا شهد الشهود بإقرار رجلٍ ، سُمعت شهادتهم ، ولم تفتقر صحّة الشهادة إلى أن يقولوا : « في صحّةٍ من عقله طائعاً غير مُكره حالة بلوغه وحُرّيّته ورشده » بل يُعوّل على الاكتفاء بأنّ الظاهر وقوع الشهادة على الإقرار الصحيح.

فإن قالوا ذلك ، كان تأكيداً ؛ لأنّ الظاهر سلامة العقل ، وعدم الإكراه ؛ لأنّه هو الأصل ، والظاهر أيضاً من حال الشهود صحّة الشهادة ، فإنّهم‌

____________________

(١) الظاهر : « توكيل » بدل « وكيل ».

٤٢٨

لا يشهدون على زائل العقل ولا مُكره.

فإن ادّعى المشهود عليه أنّه كان حين الإقرار زائلَ العقل ، فإن صدّقه المشهود له بطلت الشهادة ، وإن كذّبه حلف المشهود له ؛ لأنّ الشهود ربما خفي عليهم باطن حاله ؛ لأنّهم يتحمّلون الشهادة على الظاهر ، فلمّا أمكن صدق المدّعي حلف المشهود له.

ولو كان الـمُقرّ مجهولَ الحُرّيّة ، لم يشترط تعرّض الشهود في شهادتهم إلى ذكر الحُرّيّة ، وبني على أصالة الحُرّيّة ، وهو الظاهر من مذهب الشافعيّة(١) .

ولهم قولٌ آخَر : يشترط التعرّض للحُرّيّة ، وخرّجوا منه اشتراط التعرّض لسائر الشروط(٢) .

لكنّ المشهور عندهم : الأوّل(٣) .

وكلّ ما يُكتب في الوثائق - من أنّه أقرّ طوعاً في صحّةٍ من عقله وجواز أمره - ضربٌ من الاحتياط.

وقد بيّنّا أنّ بيّنة الإكراه تُقدَّم على بيّنة الاختيار لو تعارضتا.

ولا تُقبل الشهادة على الإكراه مطلقاً ، بل لا بدّ من التفصيل.

المطلب الرابع : في تعقيب الإقرار لواحدٍ بالإقرار لغيره.

مسألة ٩٨٢ : لو قال : غصبتُ هذه الدار من زيدٍ وهي ملك عمرو ، سُلّمت إلى زيد ؛ لاعترافه له باليد ، والظاهر كونه مُحقّاً فيها ؛ لأنّ قوله : « غصبتُها من زيدٍ » يقتضي أنّها كانت في يده بحقٍّ. وقوله : « وملكها لعمرو »

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٥.

٤٢٩

لا ينافي ذلك ؛ لأنّه يجوز أن يكون في يده بإجارةٍ أو وصيّةٍ ، فإذا سلّمها إلى زيدٍ وادّعاها عمرو ، كانت الخصومة بين زيدٍ وعمرو ، ولم تُقبل شهادة المـُقرّ ؛ لأنّه غاصب ، فلا تُقبل شهادته لعمرو.

إذا ثبت هذا ، فهل يغرم المـُقرّ لعمرو؟ للشافعيّة طريقان :

أحدهما : إنّه على القولين [ فيما ](١) إذا قال : غصبتُها من زيدٍ لا بل من عمرو.

وأصحّهما عندهم : القطع بأنّه لا يغرم ؛ لأنّ الإقرارين هناك متنافيان ، والإقرار الأوّل مانع من الحكم بالثاني ، وهنا لا منافاة ؛ لجواز أن يكون الملك لعمرو وقد يكون في يد زيدٍ بإجارةٍ أو رهنٍ أو وصيّةٍ بالمنافع ، فيكون الأخذ منه غصباً منه(٢) .

ونقل بعض الشافعيّة عن الشافعي قولاً واحداً ، وهو عدم الغرم ، بخلاف ما إذا قال : هذه الدار لزيدٍ لا بل لعمرو ، حيث يغرم ؛ لأنّه أقرّ للثاني بما أقرّ به للأوّل ، ويعارض إقراره ، وفي صورة النزاع لا منافاة بين إقراريه(٣) ، وليس الثاني رجوعاً عن الأوّل ، فلم يلزمه ضمان به ، ويكون القولُ قولَ زيدٍ ؛ لأنّ له يداً فيها(٤) .

ولو أخّر ذكر الغصب فقال : هذه الدار ملكها لعمرو وغصبتُها من زيدٍ ، فللشافعيّة طريقان :

منهم مَنْ قال : لا فرق بين أن يقدّم الغصب وبين أن يؤخّره ؛ لأنّهما‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « كما ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٢.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « إقراره ». والمثبت هو الصحيح.

(٤) راجع : الوسيط ٣ : ٣٥٢ - ٣٥٣ ، والبيان ١٣ : ٤٤١ ، والمغني ٥ : ٢٨٩.

٤٣٠

لا يتنافيان ، فتُسلّم إلى زيدٍ ، ولا يغرم لعمرو.

ومنهم مَنْ قال : إذا أقرّ بالملك لعمرو ، لم يُقبل إقراره باليد لزيدٍ ، ووجب تسليمه إلى عمرو.

وفي الغرم لزيدٍ القولان(١) .

قيل : إذا غرّمنا المـُقرّ - في الصورة السابقة - للثاني فإنّما نغرّمه القيمة ؛ لأنّه أقرّ له بالملك ، وهنا جعلناه مُقرّاً باليد دون الملك ، فلا وجه لتغريمه القيمة ، بل القياس أن يسأل عن يده أكانت بإجارةٍ أو رهنٍ أو غيرهما؟ فإن أسندها إلى الإجارة ، غرم قيمة المنفعة. وإن أسندها إلى الرهن ، غرم قيمة المرهون ليتوثّق به زيد ، وكأنّه أتلف المرهون. ثمّ إن وفّى الدَّيْن من موضعٍ آخَر ، فتردّ القيمة عليه(٢) .

مسألة ٩٨٣ : لو قال : هذه الدار غصبتُها من زيدٍ لا بل من عمرو ، أو قال : غصبتُ هذه الدار من زيدٍ وغصبها زيد من عمرو‌ ، أو قال : هذه الدار لزيدٍ لا بل لعمرو ، فإنّه تُسلّم الدار إلى زيدٍ الـمُقر له أوّلاً في المسائل الثلاث.

وهل يغرم الـمُقرّ القيمةَ لعمرو؟ الأقرب : الغرم - وهو أصحّ قولَي الشافعيّة ، وبه قال أحمد بن حنبل(٣) - لأنّه حالَ بين عمرو وبين داره بإقراره الأوّل لزيدٍ ، والحيلولة سبب الضمان كالإتلاف ، فإنّه لو غصب عبداً فأبق في يده ضمنه.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٢.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٣٩ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٢ ، بحر المذهب ٨ : ٢٥٧ ، الوسيط ٣ : ٣٥٢ - ٣٥٣ ، الوجيز ١ : ٢٠١ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٥ ، البيان ١٣ : ٤٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٠ - ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١ ، المغني ٥ : ٢٨٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٣٠ و ٣٣٢.

٤٣١

وكذا لو شهد اثنان على شخصٍ بأنّه أعتق عبده ثمّ رجعا عن الشهادة بعد الحكم بالعتق ، فإنّهما يغرمان القيمة لمولاه ؛ لأنّهما حالا بينه وبين عبده بشهادتهما ، كذا هنا.

والثاني : إنّه لا يغرم ؛ لأنّه أقرّ للثاني بما عليه ، وإنّما منع الحكم من قبوله ، وذلك لا يوجب الضمان عليه ، ولأنّ الإقرار للثاني صادف ملك الغير ، فلا يلزمه شي‌ء ، كما لو أقرّ لعمرو بالدار التي هي في يد زيدٍ(١) .

وقطع بعض الشافعيّة في الصورة الثالثة - وهي ما إذا قال : هذه الدار لزيدٍ لا بل لعمرو - بعدم الغرم ؛ لأنّه لم يُقرّ بجنايةٍ في مال الغير ، بخلاف الصورتين الأُوليين ، فإنّه أقرّ فيهما بالغصب ، فضمن لذلك(٢) .

وقال أبو حنيفة : إذا قال : غصبتُ هذه الدار من فلان لا بل من فلان ، غرم للثاني. ولو قال : هذه لفلان لا بل لفلان ، لا يغرم للثاني ، وتُدفع إلى الأوّل. وفرّق بأنّ الغصب سبب الضمان ، فإذا أقرّ به لزمه ، فأمّا إقراره فليس بسببٍ للضمان(٣) .

وقد اختلفت الشافعيّة في موضع القولين حيث ثبتا(٤) ، فقال بعضهم : إنّهما مخصوصان بما إذا انتزعها الحاكم من يد المـُقرّ وسلّمها إلى زيدٍ ، فأمّا‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٩ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٢ ، بحر المذهب ٨ : ٢٥٧ ، الوسيط ٣ : ٣٥٣ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٥ ، البيان ١٣ : ٤٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٠ - ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١ ، المغني ٥ : ٢٨٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٣٢.

(٢) البيان ١٣ : ٤٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٢٥٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤١ ، المغني ٥ : ٢٨٨.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بينا ». والظاهر ما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

٤٣٢

إذا سلّمها الـمُقرّ بنفسه إليه غرم لعمرو ، بلا خلافٍ بينهم(١) .

وقال آخَرون منهم بجريان الخلاف ؛ لأنّ سبب انتزاع الحاكم أيضاً إقراره ، فتسليم الحاكم بمنزلة تسليمه بنفسه(٢) .

مسألة ٩٨٤ : إذا باع عيناً وأقبضها المشتري واستوفى الثمن ، ثمّ قال : قد كنتُ بعتُه من فلان أو غصبتُه ، لم يُقبل قوله على المشتري.

وهل يغرم القيمة للمُقرّ له؟ للشافعيّة طريقان :

أحدهما : إنّه على القولين.

وأصحّهما عندهم : القطع بالغرم ؛ لتفويته عليه بتصرّفه وتسليمه ، ولأنّه استوفى عوضه ، وللعوض مدخل في الضمان ، ألا ترى أنّه لو غرّ بحُرّيّة أمة ، فنكحها وأحبلها ثمّ أجهضت بجناية جانٍ ، يغرم المغرور الجنينَ لمالك الجارية(٣) ؛ لأنّه يأخذ الغرّة أو دية الجنين ، ولو سقط ميّتاً من غير جنايةٍ لا يغرم(٤) .

ويبنى على هذا الخلاف أنّ مدّعي العين المبيعة هل له دعوى القيمة على البائع مع بقاء العين في يد المشتري؟ إن قلنا : لو أقرّ يغرم القيمة ، فله دعواها ، وإلّا فلا.

ولو كانت في يد إنسانٍ عينٌ فانتزعها منه مُدّعٍ بيمينه [ بعد نكول ](٥)

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٩ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦١ ، البيان ١٣ : ٤٤٠ - ٤٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٩ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦١ ، البيان ١٣ : ٤٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١.

(٣) في النسخ الخطّيّة : « الأمة » بدل « الجارية ».

(٤) بحر المذهب ٨ : ٢٥٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦١ ، البيان ١٣ : ٤٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فقد يكون ». وذلك تصحيف.

٤٣٣

صاحب اليد ثمّ جاء آ خَر يدّعيها ، هل له طلب القيمة من الأوّل؟ إن قلنا : النكول وردّ اليمين كالبيّنة ، فلا ، كما لو كان الانتزاع بالبيّنة. وإن جعلناها كالإقرار ، ففي سماع دعوى الثاني عليه القيمةَ الخلافُ.

مسألة ٩٨٥ : لو قال : غصبتُ هذه العين من أحدكما ، صحّ الإقرار على ما تقدّم(١) ، فيُطالَب بالتعيين ، فإن عيّن أحدهما سُلّمت إليه.

وهل للثاني تحليفه؟ يبنى على أنّه لو أقرّ للثاني هل يغرم له القيمة؟ إن قلنا : لا ، فلا ، وإن قلنا : نعم ، فنعم ؛ لأنّه ربما يُقرّ له إذا عُرضت اليمين عليه ، فيغرم. فعلى هذا إن(٢) نكل رُدّت اليمين على الثاني ، فإذا حلف فليس له إلّا القيمة.

ومنهم مَنْ قال : إن قلنا : إنّ النكولَ وردَّ اليمين كالإقرار من المدّعى عليه ، فالجواب كذلك ، أمّا إذا قلنا : إنّه كالبيّنة ، فتُنتزع الدار من الأوّل ثمّ تُسلّم إلى الثاني ، ولا غرم عليه للأوّل ، وعلى هذا فله التحليف(٣) .

وإن قلنا : لا يغرم القيمة لو أقرّ للثاني طمعاً في أن ينكل ، فيحلف المدّعي ويأخذ العين.

وإن قال الـمُقرّ : لا أدري من أيّكما غصبتُ ، وأصرّ عليه ، فإن صدّقاه فالعين موقوفة بينهما حتى يتبيّن المالك أو يصطلحا.

وكذا لو كذّباه وحلف لهما على نفي العلم.

____________________

(١) في ص ٣٧٩ ، المسألة ٩٤٢.

(٢) في النسخ الخطّيّة : « لو » بدل « إن ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٢ - ٣٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٢ - ٥٣.

٤٣٤

٤٣٥

الفصل الخامس : في ا لإقرار بالنسب

وفيه قسمان :

الأوّل(١) : الإقرار بالولد

مسألة ٩٨٦ : يشترط في الـمُقرّ بالنسب مطلقاً أن يكون بالصفات المعتبرة في المُقرّين ، كما سبق(٢) ، فإذا أقرّ بمَنْ يلحق النسب بنفسه وهو الولد ، اشترط فيه أُمور :

الأوّل : أن لا يكذّبه الحسّ بأن يكون ما يدّعيه ممكنا ، فلو كان في سنٍّ لا يتصوّر أن يكون ولداً للمُقرّ بأن يكون أكبر منه في السنّ أو مساوياً له أو أصغر بقدر ما لا يولد لمثله ، فلا اعتبار بإقراره.

ولو قدمت امرأة من بلد كفرٍ ومعها صبي فادّعاه رجل من المسلمين ، فإن احتُمل أنّه خرج إليها وأنّها قدمت قبل ذلك ، لحقه ، وإن لم يُحتمل ذلك لم يلحقه.

الثاني : أن لا يكذّبه الشرع بأن يكون المستلحَق معروفَ النسب من غيره‌ ؛ لأنّ النسب الثابت من شخصٍ لا ينتقل إلى غيره.

ولا فرق بين أن يصدّقه المستلحَق أو يكذّبه.

ولو نفى نسب ولده باللعان ، فاستلحقه آخَر ، ففي صحّة استلحاقه إشكال ينشأ : من أنّه أقرّ بنسبٍ لا منازع له فيه فيلحق به ، ومن أنّ فيه شبهةً للمُلاعِن.

____________________

(١) يأتي القسم الثاني في ص ٤٥٣.

(٢) في ص ٢٥١ وما بعدها.

٤٣٦

الثالث : أن يصدّقه الـمُقرّ له إن كان من أهل التصديق بأن يكون بالغاً عاقلا ، فلو ادّعى بنوّة بالغٍ رشيدٍ فكذّبه لم يثبت النسب ، إلّا أن يقيم عليه بيّنةً ، فإن لم تكن بيّنةٌ حلف المنكر ، فإن حلف سقطت دعواه ، وإن نكل حلف المدّعي ويثبت نسبه.

وكذا لو قال رجل لآخَر : أنت أبي ، فالقول قول المنكر مع يمينه.

فإن استلحق صغيراً ، ثبت نسبه حتى يرث منه الصغير لو مات ، ويرث المُقرّ لو مات الصغير. ولا اعتبار بتصديقه وتكذيبه حالة الصغر.

ولو استلحق صغيراً فلمّا بلغ كذّبه ، فالأقرب : إنّه لا اعتبار بالتكذيب ، ولا يندفع النسب ؛ لأنّ النسب ممّا يحتاط له ، فإذا حُكم بثبوته لم يتأثّر بالإنكار ، كما لو ثبت بالبيّنة ، وهو أظهر قولَي الشافعيّة.

والثاني : إنّه يندفع النسب ، ويبطل إقراره ؛ لأنّا إنّما حكمنا به حين لم يكن إنكار ، فإذا تحقّق الإنكار لم يثبت(١) .

والمعتمد : الأوّل.

وعلى ما اخترناه لو أراد المُقرّ به تحليفه ينبغي أن لا يُمكَّن منه ؛ لأنّه لو رجع لم يُقبل ، فلا معنى لتحليفه.

أمّا لو استلحق مجنوناً فأفاق وأنكر ، فالأقرب : أنّه كالصغير.

وللشافعيّة وجهان كالوجهين في الصغير(٢) .

الرابع : أن لا ينازعه في الدعوى غيره‌.

مسألة ٩٨٧ : لو استلحق صبيّاً بعد موته وادّعى بنوّته‌ وكان الصبي‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ٢٠٢ ، الوسيط ٣ : ٣٥٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٦١.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٦١.

٤٣٧

مجهولَ النسب ، لحق به ، وثبت نسبه ، سواء كان ذا مال أو لا ، ولا يُنظر إلى التهمة بطلب المال ، بل يُورَّث ؛ لأنّ أمر النسب مبنيّ على التغليب ، ولهذا يثبت بمجرّد الإمكان ، حتى أنّه لو قتله ثمّ استلحقه فإنّه يُقبل استلحاقه ، ويُحكم بسقوط القصاص ، وبه قال الشافعي(١) .

وقال أبو حنيفة : لا يلحقه ، ولا يثبت نسبه به ؛ لثبوت التهمة في حقّه(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّه لو كان حيّاً موسراً والـمُقرّ فقيرٌ مُدْقعٌ(٣) فإنّه يثبت نسبه بإقراره وإن كان متّهماً ؛ لأنّه يتصرّف في ماله وينفق منه على نفسه ، كذا هنا.

ولو كان الميّت كبيراً فادّعى شخص أنّه ولده وكان الميّت مجهولَ النسب ، فإشكال ينشأ : من أنّ شرط لحوق البالغ تصديقُه ولا تصديق هنا ، ولأنّ تأخير الاستلحاق إلى الموت يوشك أن يكون خوفاً من إنكاره ، ومن أنّ التصديق إنّما يعتبر مع إمكانه ، وهو ممتنع في طرف الميّت ، كالصغير والمجنون ، ولهذا يثبت نسبهما من غير تصديقٍ من جهتهما ؛ لتعذّره ، كذا هنا.

وللشافعيّة وجهان كهذين ، والثاني عندهم أظهر ؛ لأنّا نمنع كون‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٩٧ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٢ ، بحر المذهب ٨ : ٣١١ ، الوسيط ٣ : ٣٥٦ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦٧ ، البيان ١٣ : ٤٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٦١.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٩٧ ، بحر المذهب ٨ : ٣١١ ، الوسيط ٣ : ٣٥٦ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٧ ، البيان ١٣ : ٤٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٣.

(٣) الدقعاء : عامّة التراب. وقيل : التراب الدقيق على وجه الأرض. والمُدقَع : الفقير الذي قد لصق بالتراب من الفقر. لسان العرب ٨ : ٨٩ « دقع ».

٤٣٨

التصديق شرطاً على ا لإطلاق ، بل هو شرط إذا كان المستلحَق أهلاً للتصديق ، والتهمة غير معتبرة هنا ؛ فإنّ النسب لا يُلتفت فيه إلى التهمة على ما تقدّم في الفقير إذا استلحق صبيّاً موسراً(١) .

ويجري الوجهان فيما إذا استلحق مجنوناً طرأ جنونه بعد ما بلغ عاقلاً(٢) .

مسألة ٩٨٨ : يشترط في الاستلحاق أن لا ينازع الـمُقرّ بالبنوّة آخَر ، فلو ازدحم اثنان فصاعداً على الاستلحاق ، نُظر فإن كان المستلحَق بالغاً رشيداً ثبت(٣) نسبه ممّن صدّقه ، وإن كان صبيّاً لم يلحق بواحدٍ منهما ، إلّا بالبيّنة أو القرعة.

وهل حكم المرأة في إقرارها بالولد حكم الرجل؟ نظر. وكذا النظر لو أقرّ العبد.

ولو أقرّ رجل ببنوّة ولدٍ بينه وبين أُمّه مسافة لا يمكن الوصول في مثل عمر الولد إليها ، لم يقبل.

ولو دخلت من أرض الروم أو غيرها من بلاد الكفر امرأة ومعها صغير فأقرّ به رجل ، أُلحق به مع الإمكان وعدم المنازع على ما قدّمناه بأن يمكن أنّه قد دخل دارهم أو دخلت هي إلى دار الإسلام ، وإلّا فلا.

قالت الشافعيّة : وإن أمكن أن ينفذ إليها الماء وتستدخله في فرجها ، لحق النسب ، ولا اعتبار بقول الأطبّاء : إنّ الماء إذا برد لم يخلق منه الولد ؛

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٢ ، بحر المذهب ٨ : ٣١١ ، الوسيط ٣ : ٣٥٦ ، الوجيز ١ : ٢٠٢ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦٧ ، البيان ١٣ : ٤٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٢.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « يثبت ».

٤٣٩

لأنّ ذلك مظنون ، وا لبيض يبرد ثمّ يخلق منه الفرخ ، فإذا كان النسب ممكناً ألحقناه به وإن كان خلاف الظنّ والظاهر(١) .

قالوا : ولا يجري هذا مجرى ما يقوله أبو حنيفة في [ تزوّج ](٢) المشرقيّ بالمغربيّة(٣) ؛ لأنّه لا يعتبر إمكان قطع المسافة ، وذلك خلاف القطع واليقين دون الظاهر.

ولو استلحق صغيراً مجهولَ النسب ، فكذّبته أُمّه وقالت : إنّه ليس لك بل لغيرك ، فالأقرب : عدم الالتفات إلى تكذيب الأُمّ ، وثبوت النسب من جهته.

مسألة ٩٨٩ : لو أقرّ ببنوّة عبد الغير أو ببنوّة معتَقه ، لم يلحق به إن كان صغيرا ؛ محافظةً على حقّ الولاء للسيّد ، بل يفتقر إلى البيّنة.

وإن كان بالغاً فصدّقه ، فالأقرب : إنّه كذلك.

ولو استلحق عبداً في يده ، نُظر فإن لم يوجد الإمكان بأن كان أكبر منه سنّاً ، لم يلتفت إلى قوله ، وإقراره باطل.

وإن أمكن إلحاقه به فإن كان مجهولَ النسب ، لحقه إن كان صغيراً ، وحُكم بعتقه.

وكذا إن كان بالغاً وصدّقه ، وإن كذّبه لم يثبت النسب.

والأقرب : عتقه ؛ عملاً بإقراره بالنسب المتضمّن للعتق.

ويحتمل عدمه ؛ لعدم ثبوت النسب الذي هو الأصل للعتق ، وإذا لم يثبت الأصل لم يثبت التبع.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ١٠٥ ، بحر المذهب ٨ : ٣٢٠.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ١٠٤ ، المغني ٩ : ٥٥ ، الشرح الكبير ٩ : ٦٥.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501