تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

تذكرة الفقهاء15%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: 501

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 180174 / تحميل: 5854
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٦-١
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

وقال الغزالي : فإنّ مَنْ يجوّز عليه الغلط والسهو ولم تثبت عصمته عنه فلا حجّة في قوله ، فكيف يحتجّ بقولهم مع جواز الخطأ ، وكيف تدّعى عصمتهم من غير حجّة متواترة ، وكيف يتصوّر عصمة قوم يجوز عليهم الاختلاف ، وكيف يختلف المعصومان ؟ وكيف وقد اتفقت الصحابة على جواز مخالفة الصحابة ، فلم ينكر أبو بكر وعمر على مَنْ خالفهم بالاجتهاد ؟!(١)

رزيّة الخميس مصيبة الإسلام

وأوّل انشقاق وفتنة عظيمة أدّت إلى الضلال والانحراف هي رزيّة الخميس ، فالرزيّة كلّ الرزيّة ـ كما قال حبر الأُمّة وترجمان القرآن ـ رزيّة الخميس ، فكلّ انحراف وكلّ ضلال مبدأه يوم الخميس ظرف تلك الرزيّة

فقد أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس قال : لمّا اشتدّ بالنبي (صلّى الله عليه وآله) وجعه قال : (( ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده ))(٢)

قال عمر : إنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) غلبه الوجع ، وعندنا كتاب الله حسبنا

فاختلفوا وكثر اللغط ، قال : (( قوموا عنّي ، ولا ينبغي عندي التنازع ))

فخرج ابن عباس يقول : إنّ الرزيّة

ـــــــــــــــــــــــ

(١) المستصفى في علم الأصول ١ / ١٣٥

(٢) فكتابة هذا الكتاب أمن من الضلال والانحراف ، فالمنع عنه إحياء للضلال والانحراف ، والرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) لا يلقي الكلام على عواهنه ( إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ) ، ( وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ )

٤١

كلّ الرزيّة ما حال بين رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وبين كتابه(١)

وأخرج أيضاً بسند آخر عن ابن عباس قال : يوم الخميس وما يوم الخميس ! اشتدّ برسول الله (صلّى الله عليه وآله) وجعه ، فقال : (( ائتوني اكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً ))

فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع ، فقالوا : ما شأنه ؟! استفهموه ، فذهبوا لا يردّون عليه

فقال : (( دعوني ، فالذي أنا فيه خير ممّا تدعوني إليه ))

وأوصاهم بثلاث : (( اخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم )) وسكت عن الثالثة ، أو قال : نسيتها(٢)

وأخرج مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : يوم الخميس ، وما يوم الخميس ! ثمّ جعل تسيل دموعه حتى رأيت

ــــــــــــــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ١ / ٣٨ كتاب العلم ، باب كتابة العلم رقم ٣٩

(٢) صحيح البخاري ٦ / ١١ كتاب المغازي باب مرض النبي (صلّى الله عليه وآله) ووفاته

وأخرج بسند ثالث عنه (رضي الله عنه) قال : لمّا حُضِرَ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، قال النبي (صلّى الله عليه وآله) : (( هلمّ اكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده ))

فقال عمر : إنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله

فاختلف أهل البيت فاختصموا ، منهم مَنْ يقول : قرّبوا يكتب لكم النبي (صلّى الله عليه وآله) ، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : (( كتاباً لن تضلّوا بعده )) ، ومنهم مَنْ يقول ما قال عمر ، فلمّا أكثروا اللغط عند النبي (صلّى الله عليه وآله) قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : (( قوموا )) صحيح البخاري ٧ / ١٥٥ كتاب الطب ، باب قول المريض قوموا عنّي رقم ١٧

٤٢

على خدّيه كأنّها نظام اللؤلؤ ، قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : (( ائتوني بالكتف والدواة ، أو اللوح والدواة ، اكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً ))

فقالوا : إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يهجر(١)

والملاحظ أنّ الذي بدأ بقوله : هجر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) هو الخليفة عمر بن الخطاب ؛ إذ القوم انقسموا إلى قسمين منهم مَنْ يقول : قرّبوا له الدواة ، وقسم آخر يقول : هجر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فالمحدّثون ـ أمناء هذه الأُمّة ـ إذا ذكروا عمر حرّفوا العبارة ؛ وسواء كانت العبارة التي صدرت من عمر هي ( إنّ النبي غلب عليه الوجع ) ، أو ( هجر الرجل ) فالمعنى واحد ؛ إذ الإنسان إذا غلب عليه الوجع يهجر ، فلا يكون قيمة لكلامه

نعم ، وقْع لفظة ( غلب عليه الوجع ) أهون بكثير من ( هجر ) ، فهو من قبيل قولنا في المجنون بأنّه مصاب بمرض عقلي ، فالنتيجة واحدة ولكن وقْع اللفظ على القلب أهون

قال ابن الجوزي : إنّما خاف عمر أن يكون ما يكتبه في حال غلبة المرض ، فيجد بذلك المنافقون سبيلاً إلى الطعن في ذلك المكتوب(٢)

ـــــــــــــــــــــــــــ

(١) صحيح مسلم ٣ / ١٢٥٧ ، كتاب الوصية باب ترك الوصية لمَنْ ليس له شيء يوصي فيه قلت : إيراد هذا الحديث في هذا الباب معناه أنّ الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) ليس عنده شيء يوصي به ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، وحسبنا الله ونِعْمَ الوكيل

(٢) فتح الباري ١ / ١٦٩

٤٣

وهذا غير صحيح ؛ إذ قوله (صلّى الله عليه وآله) (( لن تضلّوا )) تنصّ على أنّ ذلك الكتاب سبب للأمن عليهم من الضلال ، فكيف يكون سبباً للفتنة بقدح المنافقين ؟!

فهو (صلّى الله عليه وآله) لا يُقاس به أحد حتى يُقال بأنّ نظر عمر بن الخطاب صحيح ، ونظره (صلّى الله عليه وآله) فيه شائبة الإشكال ، كما هو عليه جُلّ مَنْ حاول أن يفسّر ، ويشرح هذا الحديث من أهل السُنّة والجماعة صوناً لعمر بن الخطاب

وإذا كان هناك ملجأ للمنافقين في الطعن في هذا الكتاب ، فالذي فتح لهم باب الطعن هو عمر بن الخطاب ، فلو أنّ الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) كتب هذا الكتاب بعد أن سمع هذه الكلمة من عمر والجماعة الموافقة له ، لطعن المنافقون فيه بعد وفاته (صلّى الله عليه وآله) ، ولما ميّز المسلمون المنافق العادي من المنافق المحترف والمسلم العادي ، فلو أنّ عمر بن الخطاب لم يتفوّه بهذه الكلمة لكان كلّ مَنْ يتعرض لذلك الكتاب بالغمز والتشهير فقد حكم على نفسه بالنفاق والخروج عن الإسلام ، ومن ثَم ّيعرفه المسلمون ويتجنّبونه

مضافاً إلى أنّ المصحّح لخلافة عمر هو وصية أبي بكر ؛ إذ أنّه في أواخر لحظات حياته أمر عثمان بأن يكتب : أمّا بعد ، ثمّ أُغشي عليه ، فكتب عثمان من نفسه : أمّا بعد ، فقد استخلفت

٤٤

عليكم عمر بن الخطاب ، فلمّا أفاق أبو بكر ، قال : اقرأ ، فقرأ عليه ، فقال : أراك خفت أن يختلف الناس ، قال : نعم ، وأمضاها أبو بكر(١)

فأبو بكر أمضى ما كتبه عثمان وهو في حال الاحتضار والغشيان ، ولم يقولوا هجر أو غلب عليه الوجع ، وكان يحقّ له أن يوصي وأن يخاف على اختلاف الأُمّة ، أمّا نبي الرحمة فيواجه بهذه الكلمة القبيحة من قبل عمر بن الخطاب وجماعة من المسلمين !(٢) ، وحاله لم يكن كحال أبي بكر ؛ إذ الفترة بين موته (صلّى الله عليه وآله) وبين هذا الحدث خمسة أيام

قال النووي : أمّا كلام عمر (رضي الله عنه) فقد اتّفق العلماء المتكلّمون في شرح الحديث على أنّه من دلائل فقه عمر وفضائله

ــــــــــــــــــــــ

(١) تاريخ الطبري ٤ / ٥٣ ، تاريخ ابن الأثير ٢ / ٢٠٧ ، ومصادر عدّة

(٢) هذا مع أنّ الله قال في حق رسوله (صلّى الله عليه وآله) : ( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) ، فتحقق الإيمان رهين بالتسليم المطلق للنبي الخاتم (صلّى الله عليه وآله) ، والإسلام إظهار الشهادتين ( قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) ، فعلامة الإيمان إطاعة الله والرسول كما هو صريح ذيل الآية ، فممانعة بعض الصحابة لهذا الكتاب لا مسوغ له ، وخلاف وجوب الطاعة له (صلّى الله عليه وآله) ( مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ )

٤٥

ودقيق نظره ؛ لأنّه خشي أن يكتب (صلّى الله عليه وآله) أموراً ربما عجزوا عنها واستحقوا العقوبة عليها ؛ لأنّها منصوصة ، ولا مجال للاجتهاد فيها ، فقال عمر : حسبنا كتاب الله(١)

قلت : الله ورسوله أعرف من عمر ومن غيره بعواقب الأمور ، وأشفق من عمر ومن أبي بكر بهذه الأُمّة ، وهو الموصوف في الكتاب الكريم ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ )

وقد قطع الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) بأنّ هذا الكتاب أماناً من الضلال ، فالشفقة والرحمة تقتضي كتابة هذا الكتاب ، فالحيلولة بين كتابة هذا الكتاب هو الذي أدّى إلى الضلال والانحراف

وقال عدّة من أهل السُنّة والجماعة : أنّ قوله (صلّى الله عليه وآله) ( ائتوني ) ليس للوجوب ، وإنّما هو من باب الإرشاد للإصلح(٢)

هذا كلام في غاية الضعف والسفاهة لأمور :

١ ـ إنّ السعي إلى ما يوجب العصمة من الضلال والانحراف لا يمكن أن يكون من باب الإرشاد لما هو أصلح ومن مستحبّات الأعمال ، بل هو من الأمور الواجبة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(١) صحيح مسلم بشرح النووي ١١ / ٩٠

(٢) إرشاد الساري ١ / ٢٠٧ ، فتح الباري ١ / ١٦٩ نقلاً عن القرطبي

٤٦

٢ ـ مضافاً إلى أنّ استياء النبي (صلّى الله عليه وآله) من قولهم ومنعهم لذلك الكتاب كاشف على أنّهم قد ارتكبوا أمراً عظيماً ، لا أنّهم خالفوا أمراً إرشادياً مستحبّاً

٣ ـ إنّ أمر النبي (صلّى الله عليه وآله) لهم بإحضار الدواة لكتابة الكتاب كان عند الاحتضار ، والمحتضر يكون عادة مشغولاً بنفسه وبما يعظم خطره ويعظم شأنه عنده ، ولاسيما مع العلم بالمشقّة التي ستحصل له (صلّى الله عليه وآله) من كتابة الكتاب ، فالمقام مقام الأوامر الإلزامية المهمّة ، لا مقام الأوامر الإرشادية

٤ ـ إنّ عدّ ابن عباس (رحمه الله) الحيلولة بين النبي (صلّى الله عليه وآله) وبين كتابة الكتاب رزيّة عظيمة عبر عنها بـ ( الرزيّة كلّ الرزيّة ) ، وإنّ بكاءه بعد انقضاء الحادثة ومضيّ السنين العديدة عليها حتى صارت دموعه تنحدر على خدّيه كاللؤلؤ ، دليلاً على أنّ مخالفة أمر النبي (صلّى الله عليه وآله) كان فعلاً محرّماً فظيعاً ، وإلاّ فمن المستبعد أن يعتبر ابن عباس مخالفة الأوامر الإرشادية رزيّة عظيمة يبكي لأجلها(١)

ــــــــــــــــــــــــــ

(١) راجع دليل المتحيّرين ـ للعلاّمة الفاضل الشيخ علي آل محسن القطيفي / ٦٥ ، وراجع ما ألقيناه تحت عنوان ( رزيّة الخميس )

٤٧

الفهرس

( الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء ) ٣

مصادر التشريع ٧

ولبلورة المطلب واتّضاحه نمهّده بمقدّمة ، فنقول : ٧

الأئمّة المضلّون ١٠

بدع مستحدثة ١٤

البدعة الأولى : الطلقات الثلاث ١٤

البدعة الثالثة : الصلاة بمنى تماماً ١٦

البدعة الرابعة : تحريم نكاح المتعة ١٧

البدعة الخامسة : تحريم متعة الحج ١٧

البدعة السادسة : صلاة التراويح ١٨

إحداث الصحابة ١٩

من هذه الروايات : ٢٠

الرجوع إلى أصل المطلب ٢١

ويزعم بأنّه من جماعة وحزب يزيد ٢٣

خلود الإسلام بالقرآن ٢٤

فَهْمُ الكتاب ٢٧

الإسلام والإيمان ٢٧

٤٨

الثاني : مؤمن ٢٨

ولاية علي شرط الإيمان ٢٩

الردّة عن الإيمان ٢٩

الرضى والشجرة ٣٨

أصحابي كالنجوم ٣٨

رزيّة الخميس مصيبة الإسلام ٤١

هذا كلام في غاية الضعف والسفاهة لأمور : ٤٦

٤٩

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

وأمّا إذا وصل إقراره فقال : علَيَّ ، أو : عندي ألف وديعة هلكت ، فللشافعيّة قولان(١) ، كما في قوله : علَيَّ ألف قضيتُها.

ولو فصل فقال : له علَيَّ ألف ، وسكت ، ثمّ قال مفصولاً : وديعة هلكت ، لم يُقبل قولاً واحداً ؛ لأنّه فسّر إقراره بما يرفعه منفصلاً.

مسألة ٩٧٣ : لو قال : لفلان علَيَّ ألف وديعة ، قُبِل على ما تقدّم من الخلاف.

فعلى القبول لو جاء بألف وقال : هذا هو ، قنع به.

وإن لم يأت بشي‌ء وادّعى التلف أو الردّ ، ففي القبول للشافعيّة وجهان مبنيّان على تأويل كلمة « علَيَّ » إن حملناها على وجوب الحفظ قُبِل ، وهو الأصحّ عندهم. وإن حملناها على صيرورته مضموناً عليه فلا(٢) .

ولو قال : معي ، أو : عندي ألف ، فهو محتمل للأمانة ، فيُصدَّق في قوله : إنّه كان وديعةً ، وفي دعوى التلف والردّ.

ولو قال : له عندي ألف درهم مضاربة دَيْناً ، أو وديعة دَيْناً ، فهو مضمون عليه ، ولا يُقبل قوله في دعوى الردّ والتلف على ما تقدّم.

هذا إذا فسّر منفصلاً ، وإن فسّره متّصلاً ، ففيه للشافعيّة قولا تبعيض الإقرار(٣) .

مسألة ٩٧٤ : يجوز عندنا إعارة الدراهم والدنانير ؛ لأنّه قد يمكن الانتفاع بها وردّ عينها إن كان يتجمّل بها.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٦٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

٤٢١

وللشافعي قولان :

أحد هما : هذا.

والثاني : المنع ؛ لأنّه لا ينتفع بها مع بقاء عينها انتفاعاً مقصوداً(١) .

وقد وافقنا على أنّها مضمونة(٢) .

أمّا عندنا : فلأنّ العارية وإن لم تكن مضمونةً لكن لنا نظر في ضمان عارية الدراهم والدنانير، وكان الأصل فيه أنّ الانتفاع التامّ بها إنّما يكون بإتلافها ، فلهذا وقعت العارية فيه مضمونةً.

وأمّا عند الشافعي : فلأنّ العارية مطلقاً مضمونة(٣) .

فعلى كلا التقديرين - أعني تقدير صحّة العارية فيها وفسادها - تكون مضمونةً ؛ لأنّ حكم الضمان يستوي فيه الصحيح والفاسد من العقود ، فإذا كان صحيح العقد يقتضي الضمان ، كان فاسده كذلك ، وإن لم يقتضِ فلا.

إذا عرفت هذا ، فإذا أقرّ بألف عارية ، كان الألف مضمونةً عليه.

مسألة ٩٧٥ : لو قال : دفع إلَيَّ ألفاً ، ثمّ فسّره بوديعةٍ ، وزعم تلفها في يده ، صُدّق بيمينه‌ ؛ لأنّ الدفع لا يستلزم الثبوت في الذمّة ، فقُبل تفسيره بالوديعة وبالتلف.

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ٢٦٦ ، الوسيط ٣ : ٣٦٧ - ٣٦٨ ، الوجيز ١ : ٢٠٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨٠ ، البيان ١٣ : ٤٣٤ ، و ٦ : ٤٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧١ ، روضة الطالبين ٤ : ٧٢.

(٢) بحر المذهب ٨ : ٢٦٦ ، الوسيط ٣ : ٣٥١ و ٣٦٨ ، الوجيز ١ : ٢٠٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٢ و ٢٨٠ ، البيان ١٣ : ٤٣٤ ، و ٦ : ٤٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ و ٣٧١ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠ و ٧٢.

(٣) نفس المصادر.

٤٢٢

ولو قال : أخذتُ منه ألفاً وديعة ، فكذلك - وبه قال الشافعي(١) - إذ لا فرق بين الدفع والأخذ.

وقال أبو حنيفة : إذا قال : أخذتُ منه ألفاً ، ثمّ فسّره بوديعةٍ ، وقال المأخوذ منه : بل غصبتَه ، فالقول قول الـمُقرّ له ؛ لأنّ الأخذ منه قد لا يكون برضاه ، والدفع قد يكون برضاه(٢) . وبه قال بعض الشافعيّة(٣) .

ولو ذكره على الاتّصال فقال : أخذتُ من فلان ألفاً وديعة ، لم يُقبل عند أبي حنيفة(٤) .

وعلى قول بعض الشافعيّة يجي‌ء(٥) فيه الوجهان في تبعيض الإقرار(٦) .

ولو قال : أودعني ألفاً فلم أقبضها ، أو : أقرضني ، أو : أعطاني فلم أقبض ، قُبِل قوله مع الاتّصال ، ولم يُقبَل مع الانفصال ، على إشكالٍ.

وكذا إذا قال : نقدني ألفاً فلم أقبضها ، وبهذا قال الشافعي(٧) .

وقال أبو يوسف : لا يُصدَّق ؛ لأنّ « نقدني » يُفهم منه القبض ، ولهذا يقولون : بِعْ بالنقد ، ويريدون : بالقبض(٨) .

وهو غلط ؛ لأنّه أضاف ذلك إلى المُقرّ له ، فصار بمنزلة قوله : أعطاني‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

(٢) بدائع الصنائع ٧ : ٢١٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨.

(٥) في « ج ، ر » والطبعة الحجريّة : « يجري » بدل « يجي‌ء ».

(٦) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

(٧) البيان ١٣ : ٤٤٠ ، المغني ٥ : ٣١١ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٢١.

(٨) المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ٢٤ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢١٧ ، البيان ١٣ : ٤٤٠.

٤٢٣

وأقرضني.

المطلب الثالث : في تعقيب الإقرار بالعارية والهبة بعدم القبض أو بعدم الفهم

مسألة ٩٧٦ : إذا قال : لك هذه الدار عارية ، فهو إقرار بالإعارة ، وله(١) الرجوع فيها متى شاء ، وبه قال جماعة من الشافعيّة(٢) .

وقال بعضهم : قوله : « هي لك » إقرار بالملك لو اقتصر [ عليه ](٣) فذِكْرُ العارية بعده ينافيه ، فيكون على القولين في تبعيض الإقرار(٤) .

وردّه قومٌ بأنّ الإضافة باللام تقتضي الاختصاص بالملك أو غيره ، فإذا تُجرَّد وأمكن الحمل على الملك ، يُحمل عليه ؛ لأنّه أظهر وجوه الاختصاص. وإن وصل بها ذِكْر وجهٍ آخَر من الاختصاص ، أو لم يمكن الحمل على الملك ، كقولنا : « الجلّ للفرس » حُمل عليه(٥) .

ولو قال : « هذه الدار لك هبة عاريةٍ » بإضافة الهبة إلى العارية ، أو : « هبة سكنى » فهو كما لو قال : « لك عارية » بغير فرقٍ.

وإذا ثبت أنّها عارية ، كان له الرجوع في العارية فيرجع(٦) في المستقبل ، فأمّا ما استوفاه من المنفعة فلا.

____________________

(١) في « ر » والطبعة الحجريّة : « فله » بدل « وله ».

(٢) الوسيط ٣ : ٣٥١ ، البيان ١٣ : ٤٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٤) الوسيط ٣ : ٣٥١ - ٣٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٩.

(٦) في الطبعة الحجريّة : « فيقبل » بدل « فيرجع ».

٤٢٤

فإن قيل : قوله : « هذه الدار لك » إقرار بها ، فإذا قال : « هبة سكنى » كان رجوعاً عن إقراره بالدار.

قلنا : إنّ قوله : « هذه الدار لك » يكون إقراراً بها إذا سكت ، فإذا قال له : « لك سكناها » كان إقراراً بالسكنى. ولأنّ سكنى الدار منافعها ، والمنافع منها ، فكأنّه استثنى أكثر الجملة ، وهو جائز.

مسألة ٩٧٧ : الإقرار بالهبة لا يتضمّن الإقرار بالقبض ؛ لتغايرهما ، وعدم التلازم بينهما ، وكون القبض شرطاً في لزوم الهبة لا يوجب كونه شرطاً(١) في تحقّق حقيقتها ، وكيف لا! والهبة متقدّمة على القبض ، ولا يجوز اشتراط المتأخّر في المتقدّم ، وإلّا دارَ ؛ لتقدّم الشرط على المشروط.

وهذا هو المشهور أيضاً عند الشافعيّة(٢) .

وقال بعضهم : إذا أقرّ بالهبة ثمّ قال : ما كنتُ أقبضتُه فلي الرجوع ، وقال الموهوب له : كنتُ قبضتُها ، فالقول قول الواهب ؛ لأصالة عدم القبض ، والإقرار بالهبة لا يتضمّن القبض(٣) .

ومن الشافعيّة مَنْ قال : إنّ الشافعي قال : إذا كانت العين في يد الموهوب له ، كان القولُ قولَ الموهوب له.

وهذا قاله على القول الذي يقول : إنّه إذا وهب له شيئاً في يده لا يحتاج إلى الإذن في القبض ، وإذا مضى زمان يمكن فيه القبض صار مقبوضاً(٤) .

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « اشتراطه » بدل « كونه شرطاً ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٢٩٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٧.

(٤) بحر المذهب ٨ : ٢٩٤ - ٢٩٥.

٤٢٥

ولو قال : وهبتُه وخ رجتُ منه إليه ، فقد تقدّم(١) أنّ الظاهر أنّه ليس إقراراً بالقبض أيضاً.

وكذا لو قال : وهبتُ منه ومَلَكها ، أو ملّكتُه ، لم يكن إقراراً بالقبض إن اعتقد رأي مالك(٢) ، وإلّا كان إقراراً به.

مسألة ٩٧٨ : لو أقرّ بالهبة والقبض معاً ، فقال : وهبتُه وأقبضتُ ، أو : سلّمتُه منه ، أو : حازه(٣) منّي ، لزمه الإقرار ، وحُكم عليه بمقتضاه ، فإن عاد وأنكر القبض ، لم يُلتفت إلى إنكاره ؛ لاشتماله على تكذيب نفسه ، سواء ذكر لإقراره تأويلاً - بأن يقول : كان وكيلي أخبرني بأنّه أقبضه فأقررتُ به ولم يكن قد قبّض - أو لم يذكر.

ولو قال : إنّي أقررتُ بالقبض ؛ لقضاء العادة بالإقرار بالشي‌ء قبل تحقّقه فأحلفوه على أنّه قبضه(٤) ، كان له إحلافه ، وبه قال الشافعي(٥) .

وقال أبو إسحاق : إن لم يكذّب نفسه ، أُحلف له ، بأن يقول : كان وكيلي أخبرني بأنّه كان قبّضه فأقررتُ به(٦) .

والشافعي لم يفرّق بين الحالين ؛ لأنّ العادة جرت أن يشهد قبل أن يقبض ليقبض بعد ذلك المقبوض منه.

وكذا قبض الثمن والرهن والوقف.

وكذا لو أقرّ أنّه اقترض منه ألفاً وقبضها ، ثمّ قال : ما كنتُ قبضتُ‌

____________________

(١) في ص ٣٨٢ ، ضمن المسألة ٩٤٤.

(٢) وهو لزوم الهبة بالإيجاب والقبول ، راجع : الهامش (٣) من ص ٣٨٢.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « أخذه » بدل « حازه ».

(٤) في « ج » : « على أنّي قبّضتُه ». وكذا في « ث ، ر » بدون « على ».

(٥) مختصر المزني : ١١٤ ، بحر المذهب ٨ : ٢٩٤ ، البيان ٨ : ١٠١.

(٦) بحر المذهب ٨ : ٢٩٤.

٤٢٦

وإنّما أقررتُ على ر سم الشهادة لأقبض ، كان على الـمُقرّ له اليمين ؛ لأنّ ذلك محتمل بحكم العادة.

ولو شهدت البيّنة بالقبض ، ثمّ قال : احلفوه أنّي أقبضتُه ، لم تُسمع دعواه ؛ لأنّه طعن في البيّنة.

هذا إذا شهدت البيّنة بمشاهدة القبض ، ولو شهدت بالإقرار به ، فهو كما تقدّم.

مسألة ٩٧٩ : لو أقرّ ببيعٍ أو هبةٍ وقبْضٍ ، ثمّ قال : كان ذلك فاسداً وأقررتُ لظنّي الصحّة ، لم يُصدَّق ، لكن له تحليف الـمُقرّ له ، فإن نكل حلف المـُقرّ ، وحُكم ببطلان البيع والهبة.

ولو أقرّ بإتلاف مالٍ على إنسانٍ وأشهد عليه ، ثمّ قال : كنتُ عازماً على الإتلاف فقدّمتُ الإشهاد على الإتلاف ، لم يُقبل منه بحال ، بخلاف ما لو أشهد على نفسه بدَيْنٍ ، ثمّ قال : كنتُ عازماً على أن أستقرض منه فقدّمتُ الإشهادَ على الاستقراض ؛ لأنّ هذا معتاد ، وذلك غير معتاد.

والوجه عندي : تساوي الصورتين ؛ لأنّه في الأُولى ادّعى دعوىً لو صدّقه الـمُقرّ له برئ ، فكان له إحلافه ؛ لانتفاعه بالنكول.

مسألة ٩٨٠ : يصحّ الإقرار بالعربيّة وغيرها من اللغات ؛ لأنّه إخبار ، فلا ينحصر طريقه في لغةٍ دون أُخرى ؛ لدلالة كلّ واحدٍ من اللغات على المعنى المراد ، فيصحّ إقرار كلّ أهل لغةٍ بلغتهم وغير لغتهم إذا عرفوها صحيحةً.

فلو أقرّ أعجميّ بالعربيّة أو بالعكس ، ثمّ قال : لم أفهم معناه لكن لُقّنتُ فتلقّنت ، صُدّق باليمين إن كان ممّن يجوز عليه ذلك وممّن يخفى عليه.

٤٢٧

وكذا البحث في جميع العقود والإيقاعات.

ولو أقرّ ثمّ قال : كنتُ يوم الإقرار صغيراً ، وهو محتمل ، صُدّق بيمينه ؛ إذ الأصل عدم الكبر.

وكذا لو قال : كنتُ مجنوناً يوم الإقرار ، وقد عهد له جنون ؛ لأصالة البراءة ، والاستصحاب.

ولو قال : كنتُ مُكرَهاً ، وهناك أمارة الإكراه من حبسٍ أو وكيل(١) ، فكذلك. وإن لم تكن هناك أمارة ، لم يُقبل قوله.

والأمارة إنّما تثبت بإقرار المـُقرّ له أو بالبيّنة. وإنّما تؤثّر إذا كان الإقرار لمن ظهر منه الحبس والتوكيل ، أمّا لو كان في حبس غيره أو وكيل غيره ، لم يقدح ذلك في الإقرار للمُقرّ له.

ولو شهد الشهود على إقراره وتعرّضوا لبلوغه وصحّة عقله واختياره ، فادّعى الـمُقرّ خلافَه ، لم يُقبل ؛ لما فيه من تكذيب الشهود.

أمّا لو ادّعى الإكراه وأقام به البيّنة وشهدت بيّنة الـمُقرّ له بالاختيار ، قُدّمت بيّنة الـمُقرّ ؛ لأنّها تشهد بأمرٍ زائد ربما خفي عن بيّنة الـمُقرّ له.

مسألة ٩٨١ : إذا شهد الشهود بإقرار رجلٍ ، سُمعت شهادتهم ، ولم تفتقر صحّة الشهادة إلى أن يقولوا : « في صحّةٍ من عقله طائعاً غير مُكره حالة بلوغه وحُرّيّته ورشده » بل يُعوّل على الاكتفاء بأنّ الظاهر وقوع الشهادة على الإقرار الصحيح.

فإن قالوا ذلك ، كان تأكيداً ؛ لأنّ الظاهر سلامة العقل ، وعدم الإكراه ؛ لأنّه هو الأصل ، والظاهر أيضاً من حال الشهود صحّة الشهادة ، فإنّهم‌

____________________

(١) الظاهر : « توكيل » بدل « وكيل ».

٤٢٨

لا يشهدون على زائل العقل ولا مُكره.

فإن ادّعى المشهود عليه أنّه كان حين الإقرار زائلَ العقل ، فإن صدّقه المشهود له بطلت الشهادة ، وإن كذّبه حلف المشهود له ؛ لأنّ الشهود ربما خفي عليهم باطن حاله ؛ لأنّهم يتحمّلون الشهادة على الظاهر ، فلمّا أمكن صدق المدّعي حلف المشهود له.

ولو كان الـمُقرّ مجهولَ الحُرّيّة ، لم يشترط تعرّض الشهود في شهادتهم إلى ذكر الحُرّيّة ، وبني على أصالة الحُرّيّة ، وهو الظاهر من مذهب الشافعيّة(١) .

ولهم قولٌ آخَر : يشترط التعرّض للحُرّيّة ، وخرّجوا منه اشتراط التعرّض لسائر الشروط(٢) .

لكنّ المشهور عندهم : الأوّل(٣) .

وكلّ ما يُكتب في الوثائق - من أنّه أقرّ طوعاً في صحّةٍ من عقله وجواز أمره - ضربٌ من الاحتياط.

وقد بيّنّا أنّ بيّنة الإكراه تُقدَّم على بيّنة الاختيار لو تعارضتا.

ولا تُقبل الشهادة على الإكراه مطلقاً ، بل لا بدّ من التفصيل.

المطلب الرابع : في تعقيب الإقرار لواحدٍ بالإقرار لغيره.

مسألة ٩٨٢ : لو قال : غصبتُ هذه الدار من زيدٍ وهي ملك عمرو ، سُلّمت إلى زيد ؛ لاعترافه له باليد ، والظاهر كونه مُحقّاً فيها ؛ لأنّ قوله : « غصبتُها من زيدٍ » يقتضي أنّها كانت في يده بحقٍّ. وقوله : « وملكها لعمرو »

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٥.

٤٢٩

لا ينافي ذلك ؛ لأنّه يجوز أن يكون في يده بإجارةٍ أو وصيّةٍ ، فإذا سلّمها إلى زيدٍ وادّعاها عمرو ، كانت الخصومة بين زيدٍ وعمرو ، ولم تُقبل شهادة المـُقرّ ؛ لأنّه غاصب ، فلا تُقبل شهادته لعمرو.

إذا ثبت هذا ، فهل يغرم المـُقرّ لعمرو؟ للشافعيّة طريقان :

أحدهما : إنّه على القولين [ فيما ](١) إذا قال : غصبتُها من زيدٍ لا بل من عمرو.

وأصحّهما عندهم : القطع بأنّه لا يغرم ؛ لأنّ الإقرارين هناك متنافيان ، والإقرار الأوّل مانع من الحكم بالثاني ، وهنا لا منافاة ؛ لجواز أن يكون الملك لعمرو وقد يكون في يد زيدٍ بإجارةٍ أو رهنٍ أو وصيّةٍ بالمنافع ، فيكون الأخذ منه غصباً منه(٢) .

ونقل بعض الشافعيّة عن الشافعي قولاً واحداً ، وهو عدم الغرم ، بخلاف ما إذا قال : هذه الدار لزيدٍ لا بل لعمرو ، حيث يغرم ؛ لأنّه أقرّ للثاني بما أقرّ به للأوّل ، ويعارض إقراره ، وفي صورة النزاع لا منافاة بين إقراريه(٣) ، وليس الثاني رجوعاً عن الأوّل ، فلم يلزمه ضمان به ، ويكون القولُ قولَ زيدٍ ؛ لأنّ له يداً فيها(٤) .

ولو أخّر ذكر الغصب فقال : هذه الدار ملكها لعمرو وغصبتُها من زيدٍ ، فللشافعيّة طريقان :

منهم مَنْ قال : لا فرق بين أن يقدّم الغصب وبين أن يؤخّره ؛ لأنّهما‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « كما ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٢.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « إقراره ». والمثبت هو الصحيح.

(٤) راجع : الوسيط ٣ : ٣٥٢ - ٣٥٣ ، والبيان ١٣ : ٤٤١ ، والمغني ٥ : ٢٨٩.

٤٣٠

لا يتنافيان ، فتُسلّم إلى زيدٍ ، ولا يغرم لعمرو.

ومنهم مَنْ قال : إذا أقرّ بالملك لعمرو ، لم يُقبل إقراره باليد لزيدٍ ، ووجب تسليمه إلى عمرو.

وفي الغرم لزيدٍ القولان(١) .

قيل : إذا غرّمنا المـُقرّ - في الصورة السابقة - للثاني فإنّما نغرّمه القيمة ؛ لأنّه أقرّ له بالملك ، وهنا جعلناه مُقرّاً باليد دون الملك ، فلا وجه لتغريمه القيمة ، بل القياس أن يسأل عن يده أكانت بإجارةٍ أو رهنٍ أو غيرهما؟ فإن أسندها إلى الإجارة ، غرم قيمة المنفعة. وإن أسندها إلى الرهن ، غرم قيمة المرهون ليتوثّق به زيد ، وكأنّه أتلف المرهون. ثمّ إن وفّى الدَّيْن من موضعٍ آخَر ، فتردّ القيمة عليه(٢) .

مسألة ٩٨٣ : لو قال : هذه الدار غصبتُها من زيدٍ لا بل من عمرو ، أو قال : غصبتُ هذه الدار من زيدٍ وغصبها زيد من عمرو‌ ، أو قال : هذه الدار لزيدٍ لا بل لعمرو ، فإنّه تُسلّم الدار إلى زيدٍ الـمُقر له أوّلاً في المسائل الثلاث.

وهل يغرم الـمُقرّ القيمةَ لعمرو؟ الأقرب : الغرم - وهو أصحّ قولَي الشافعيّة ، وبه قال أحمد بن حنبل(٣) - لأنّه حالَ بين عمرو وبين داره بإقراره الأوّل لزيدٍ ، والحيلولة سبب الضمان كالإتلاف ، فإنّه لو غصب عبداً فأبق في يده ضمنه.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٢.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٣٩ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٢ ، بحر المذهب ٨ : ٢٥٧ ، الوسيط ٣ : ٣٥٢ - ٣٥٣ ، الوجيز ١ : ٢٠١ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٥ ، البيان ١٣ : ٤٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٠ - ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١ ، المغني ٥ : ٢٨٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٣٠ و ٣٣٢.

٤٣١

وكذا لو شهد اثنان على شخصٍ بأنّه أعتق عبده ثمّ رجعا عن الشهادة بعد الحكم بالعتق ، فإنّهما يغرمان القيمة لمولاه ؛ لأنّهما حالا بينه وبين عبده بشهادتهما ، كذا هنا.

والثاني : إنّه لا يغرم ؛ لأنّه أقرّ للثاني بما عليه ، وإنّما منع الحكم من قبوله ، وذلك لا يوجب الضمان عليه ، ولأنّ الإقرار للثاني صادف ملك الغير ، فلا يلزمه شي‌ء ، كما لو أقرّ لعمرو بالدار التي هي في يد زيدٍ(١) .

وقطع بعض الشافعيّة في الصورة الثالثة - وهي ما إذا قال : هذه الدار لزيدٍ لا بل لعمرو - بعدم الغرم ؛ لأنّه لم يُقرّ بجنايةٍ في مال الغير ، بخلاف الصورتين الأُوليين ، فإنّه أقرّ فيهما بالغصب ، فضمن لذلك(٢) .

وقال أبو حنيفة : إذا قال : غصبتُ هذه الدار من فلان لا بل من فلان ، غرم للثاني. ولو قال : هذه لفلان لا بل لفلان ، لا يغرم للثاني ، وتُدفع إلى الأوّل. وفرّق بأنّ الغصب سبب الضمان ، فإذا أقرّ به لزمه ، فأمّا إقراره فليس بسببٍ للضمان(٣) .

وقد اختلفت الشافعيّة في موضع القولين حيث ثبتا(٤) ، فقال بعضهم : إنّهما مخصوصان بما إذا انتزعها الحاكم من يد المـُقرّ وسلّمها إلى زيدٍ ، فأمّا‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٩ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٢ ، بحر المذهب ٨ : ٢٥٧ ، الوسيط ٣ : ٣٥٣ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٥ ، البيان ١٣ : ٤٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٠ - ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١ ، المغني ٥ : ٢٨٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٣٢.

(٢) البيان ١٣ : ٤٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٢٥٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤١ ، المغني ٥ : ٢٨٨.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بينا ». والظاهر ما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

٤٣٢

إذا سلّمها الـمُقرّ بنفسه إليه غرم لعمرو ، بلا خلافٍ بينهم(١) .

وقال آخَرون منهم بجريان الخلاف ؛ لأنّ سبب انتزاع الحاكم أيضاً إقراره ، فتسليم الحاكم بمنزلة تسليمه بنفسه(٢) .

مسألة ٩٨٤ : إذا باع عيناً وأقبضها المشتري واستوفى الثمن ، ثمّ قال : قد كنتُ بعتُه من فلان أو غصبتُه ، لم يُقبل قوله على المشتري.

وهل يغرم القيمة للمُقرّ له؟ للشافعيّة طريقان :

أحدهما : إنّه على القولين.

وأصحّهما عندهم : القطع بالغرم ؛ لتفويته عليه بتصرّفه وتسليمه ، ولأنّه استوفى عوضه ، وللعوض مدخل في الضمان ، ألا ترى أنّه لو غرّ بحُرّيّة أمة ، فنكحها وأحبلها ثمّ أجهضت بجناية جانٍ ، يغرم المغرور الجنينَ لمالك الجارية(٣) ؛ لأنّه يأخذ الغرّة أو دية الجنين ، ولو سقط ميّتاً من غير جنايةٍ لا يغرم(٤) .

ويبنى على هذا الخلاف أنّ مدّعي العين المبيعة هل له دعوى القيمة على البائع مع بقاء العين في يد المشتري؟ إن قلنا : لو أقرّ يغرم القيمة ، فله دعواها ، وإلّا فلا.

ولو كانت في يد إنسانٍ عينٌ فانتزعها منه مُدّعٍ بيمينه [ بعد نكول ](٥)

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٩ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦١ ، البيان ١٣ : ٤٤٠ - ٤٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٩ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦١ ، البيان ١٣ : ٤٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١.

(٣) في النسخ الخطّيّة : « الأمة » بدل « الجارية ».

(٤) بحر المذهب ٨ : ٢٥٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦١ ، البيان ١٣ : ٤٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فقد يكون ». وذلك تصحيف.

٤٣٣

صاحب اليد ثمّ جاء آ خَر يدّعيها ، هل له طلب القيمة من الأوّل؟ إن قلنا : النكول وردّ اليمين كالبيّنة ، فلا ، كما لو كان الانتزاع بالبيّنة. وإن جعلناها كالإقرار ، ففي سماع دعوى الثاني عليه القيمةَ الخلافُ.

مسألة ٩٨٥ : لو قال : غصبتُ هذه العين من أحدكما ، صحّ الإقرار على ما تقدّم(١) ، فيُطالَب بالتعيين ، فإن عيّن أحدهما سُلّمت إليه.

وهل للثاني تحليفه؟ يبنى على أنّه لو أقرّ للثاني هل يغرم له القيمة؟ إن قلنا : لا ، فلا ، وإن قلنا : نعم ، فنعم ؛ لأنّه ربما يُقرّ له إذا عُرضت اليمين عليه ، فيغرم. فعلى هذا إن(٢) نكل رُدّت اليمين على الثاني ، فإذا حلف فليس له إلّا القيمة.

ومنهم مَنْ قال : إن قلنا : إنّ النكولَ وردَّ اليمين كالإقرار من المدّعى عليه ، فالجواب كذلك ، أمّا إذا قلنا : إنّه كالبيّنة ، فتُنتزع الدار من الأوّل ثمّ تُسلّم إلى الثاني ، ولا غرم عليه للأوّل ، وعلى هذا فله التحليف(٣) .

وإن قلنا : لا يغرم القيمة لو أقرّ للثاني طمعاً في أن ينكل ، فيحلف المدّعي ويأخذ العين.

وإن قال الـمُقرّ : لا أدري من أيّكما غصبتُ ، وأصرّ عليه ، فإن صدّقاه فالعين موقوفة بينهما حتى يتبيّن المالك أو يصطلحا.

وكذا لو كذّباه وحلف لهما على نفي العلم.

____________________

(١) في ص ٣٧٩ ، المسألة ٩٤٢.

(٢) في النسخ الخطّيّة : « لو » بدل « إن ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٢ - ٣٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٢ - ٥٣.

٤٣٤

٤٣٥

الفصل الخامس : في ا لإقرار بالنسب

وفيه قسمان :

الأوّل(١) : الإقرار بالولد

مسألة ٩٨٦ : يشترط في الـمُقرّ بالنسب مطلقاً أن يكون بالصفات المعتبرة في المُقرّين ، كما سبق(٢) ، فإذا أقرّ بمَنْ يلحق النسب بنفسه وهو الولد ، اشترط فيه أُمور :

الأوّل : أن لا يكذّبه الحسّ بأن يكون ما يدّعيه ممكنا ، فلو كان في سنٍّ لا يتصوّر أن يكون ولداً للمُقرّ بأن يكون أكبر منه في السنّ أو مساوياً له أو أصغر بقدر ما لا يولد لمثله ، فلا اعتبار بإقراره.

ولو قدمت امرأة من بلد كفرٍ ومعها صبي فادّعاه رجل من المسلمين ، فإن احتُمل أنّه خرج إليها وأنّها قدمت قبل ذلك ، لحقه ، وإن لم يُحتمل ذلك لم يلحقه.

الثاني : أن لا يكذّبه الشرع بأن يكون المستلحَق معروفَ النسب من غيره‌ ؛ لأنّ النسب الثابت من شخصٍ لا ينتقل إلى غيره.

ولا فرق بين أن يصدّقه المستلحَق أو يكذّبه.

ولو نفى نسب ولده باللعان ، فاستلحقه آخَر ، ففي صحّة استلحاقه إشكال ينشأ : من أنّه أقرّ بنسبٍ لا منازع له فيه فيلحق به ، ومن أنّ فيه شبهةً للمُلاعِن.

____________________

(١) يأتي القسم الثاني في ص ٤٥٣.

(٢) في ص ٢٥١ وما بعدها.

٤٣٦

الثالث : أن يصدّقه الـمُقرّ له إن كان من أهل التصديق بأن يكون بالغاً عاقلا ، فلو ادّعى بنوّة بالغٍ رشيدٍ فكذّبه لم يثبت النسب ، إلّا أن يقيم عليه بيّنةً ، فإن لم تكن بيّنةٌ حلف المنكر ، فإن حلف سقطت دعواه ، وإن نكل حلف المدّعي ويثبت نسبه.

وكذا لو قال رجل لآخَر : أنت أبي ، فالقول قول المنكر مع يمينه.

فإن استلحق صغيراً ، ثبت نسبه حتى يرث منه الصغير لو مات ، ويرث المُقرّ لو مات الصغير. ولا اعتبار بتصديقه وتكذيبه حالة الصغر.

ولو استلحق صغيراً فلمّا بلغ كذّبه ، فالأقرب : إنّه لا اعتبار بالتكذيب ، ولا يندفع النسب ؛ لأنّ النسب ممّا يحتاط له ، فإذا حُكم بثبوته لم يتأثّر بالإنكار ، كما لو ثبت بالبيّنة ، وهو أظهر قولَي الشافعيّة.

والثاني : إنّه يندفع النسب ، ويبطل إقراره ؛ لأنّا إنّما حكمنا به حين لم يكن إنكار ، فإذا تحقّق الإنكار لم يثبت(١) .

والمعتمد : الأوّل.

وعلى ما اخترناه لو أراد المُقرّ به تحليفه ينبغي أن لا يُمكَّن منه ؛ لأنّه لو رجع لم يُقبل ، فلا معنى لتحليفه.

أمّا لو استلحق مجنوناً فأفاق وأنكر ، فالأقرب : أنّه كالصغير.

وللشافعيّة وجهان كالوجهين في الصغير(٢) .

الرابع : أن لا ينازعه في الدعوى غيره‌.

مسألة ٩٨٧ : لو استلحق صبيّاً بعد موته وادّعى بنوّته‌ وكان الصبي‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ٢٠٢ ، الوسيط ٣ : ٣٥٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٦١.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٦١.

٤٣٧

مجهولَ النسب ، لحق به ، وثبت نسبه ، سواء كان ذا مال أو لا ، ولا يُنظر إلى التهمة بطلب المال ، بل يُورَّث ؛ لأنّ أمر النسب مبنيّ على التغليب ، ولهذا يثبت بمجرّد الإمكان ، حتى أنّه لو قتله ثمّ استلحقه فإنّه يُقبل استلحاقه ، ويُحكم بسقوط القصاص ، وبه قال الشافعي(١) .

وقال أبو حنيفة : لا يلحقه ، ولا يثبت نسبه به ؛ لثبوت التهمة في حقّه(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّه لو كان حيّاً موسراً والـمُقرّ فقيرٌ مُدْقعٌ(٣) فإنّه يثبت نسبه بإقراره وإن كان متّهماً ؛ لأنّه يتصرّف في ماله وينفق منه على نفسه ، كذا هنا.

ولو كان الميّت كبيراً فادّعى شخص أنّه ولده وكان الميّت مجهولَ النسب ، فإشكال ينشأ : من أنّ شرط لحوق البالغ تصديقُه ولا تصديق هنا ، ولأنّ تأخير الاستلحاق إلى الموت يوشك أن يكون خوفاً من إنكاره ، ومن أنّ التصديق إنّما يعتبر مع إمكانه ، وهو ممتنع في طرف الميّت ، كالصغير والمجنون ، ولهذا يثبت نسبهما من غير تصديقٍ من جهتهما ؛ لتعذّره ، كذا هنا.

وللشافعيّة وجهان كهذين ، والثاني عندهم أظهر ؛ لأنّا نمنع كون‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٩٧ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٢ ، بحر المذهب ٨ : ٣١١ ، الوسيط ٣ : ٣٥٦ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦٧ ، البيان ١٣ : ٤٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٦١.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٩٧ ، بحر المذهب ٨ : ٣١١ ، الوسيط ٣ : ٣٥٦ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٧ ، البيان ١٣ : ٤٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٣.

(٣) الدقعاء : عامّة التراب. وقيل : التراب الدقيق على وجه الأرض. والمُدقَع : الفقير الذي قد لصق بالتراب من الفقر. لسان العرب ٨ : ٨٩ « دقع ».

٤٣٨

التصديق شرطاً على ا لإطلاق ، بل هو شرط إذا كان المستلحَق أهلاً للتصديق ، والتهمة غير معتبرة هنا ؛ فإنّ النسب لا يُلتفت فيه إلى التهمة على ما تقدّم في الفقير إذا استلحق صبيّاً موسراً(١) .

ويجري الوجهان فيما إذا استلحق مجنوناً طرأ جنونه بعد ما بلغ عاقلاً(٢) .

مسألة ٩٨٨ : يشترط في الاستلحاق أن لا ينازع الـمُقرّ بالبنوّة آخَر ، فلو ازدحم اثنان فصاعداً على الاستلحاق ، نُظر فإن كان المستلحَق بالغاً رشيداً ثبت(٣) نسبه ممّن صدّقه ، وإن كان صبيّاً لم يلحق بواحدٍ منهما ، إلّا بالبيّنة أو القرعة.

وهل حكم المرأة في إقرارها بالولد حكم الرجل؟ نظر. وكذا النظر لو أقرّ العبد.

ولو أقرّ رجل ببنوّة ولدٍ بينه وبين أُمّه مسافة لا يمكن الوصول في مثل عمر الولد إليها ، لم يقبل.

ولو دخلت من أرض الروم أو غيرها من بلاد الكفر امرأة ومعها صغير فأقرّ به رجل ، أُلحق به مع الإمكان وعدم المنازع على ما قدّمناه بأن يمكن أنّه قد دخل دارهم أو دخلت هي إلى دار الإسلام ، وإلّا فلا.

قالت الشافعيّة : وإن أمكن أن ينفذ إليها الماء وتستدخله في فرجها ، لحق النسب ، ولا اعتبار بقول الأطبّاء : إنّ الماء إذا برد لم يخلق منه الولد ؛

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٢ ، بحر المذهب ٨ : ٣١١ ، الوسيط ٣ : ٣٥٦ ، الوجيز ١ : ٢٠٢ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦٧ ، البيان ١٣ : ٤٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٥٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٦٢.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « يثبت ».

٤٣٩

لأنّ ذلك مظنون ، وا لبيض يبرد ثمّ يخلق منه الفرخ ، فإذا كان النسب ممكناً ألحقناه به وإن كان خلاف الظنّ والظاهر(١) .

قالوا : ولا يجري هذا مجرى ما يقوله أبو حنيفة في [ تزوّج ](٢) المشرقيّ بالمغربيّة(٣) ؛ لأنّه لا يعتبر إمكان قطع المسافة ، وذلك خلاف القطع واليقين دون الظاهر.

ولو استلحق صغيراً مجهولَ النسب ، فكذّبته أُمّه وقالت : إنّه ليس لك بل لغيرك ، فالأقرب : عدم الالتفات إلى تكذيب الأُمّ ، وثبوت النسب من جهته.

مسألة ٩٨٩ : لو أقرّ ببنوّة عبد الغير أو ببنوّة معتَقه ، لم يلحق به إن كان صغيرا ؛ محافظةً على حقّ الولاء للسيّد ، بل يفتقر إلى البيّنة.

وإن كان بالغاً فصدّقه ، فالأقرب : إنّه كذلك.

ولو استلحق عبداً في يده ، نُظر فإن لم يوجد الإمكان بأن كان أكبر منه سنّاً ، لم يلتفت إلى قوله ، وإقراره باطل.

وإن أمكن إلحاقه به فإن كان مجهولَ النسب ، لحقه إن كان صغيراً ، وحُكم بعتقه.

وكذا إن كان بالغاً وصدّقه ، وإن كذّبه لم يثبت النسب.

والأقرب : عتقه ؛ عملاً بإقراره بالنسب المتضمّن للعتق.

ويحتمل عدمه ؛ لعدم ثبوت النسب الذي هو الأصل للعتق ، وإذا لم يثبت الأصل لم يثبت التبع.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ١٠٥ ، بحر المذهب ٨ : ٣٢٠.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ١٠٤ ، المغني ٩ : ٥٥ ، الشرح الكبير ٩ : ٦٥.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501