تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

تذكرة الفقهاء11%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: 501

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 180253 / تحميل: 5854
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٦-١
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

يوم الجمعة في المسجد لا يعيد الوضوء ، خوفاً من إنكارهم على ذلك ، ويكون قوله : « لأنه حال ضرورة » يراد به الخوف.

نعم : قد يتوجه عليه أنّ الاعتذار بعدم الوضوء ممكن ، إلاّ أن يقال : إنّ قبول هذا من أهل الخلاف غير معلوم ، ولعل الحمل المذكور أولى من حمل الشيخ ، وإن أمكن أن يوجّه التيمم بأنّه أولى من الصلاة بغيره ، وإن كان في البين إشكال.

أمّا ما اعترض به شيخناقدس‌سره في المدارك ، بعد نقله عن النهاية والمبسوط القول بالتيمم إذا منعه الزحام عن الخروج ، قائلاً : إنّه ربما كان مستنده رواية السكوني ، وهي ضعيفة السند جدّاً ، ثم قولهقدس‌سره : والأجود عدم الإعادة ، لأنه صلّى صلاة مأموراً بها ، إذ التقدير عدم التمكن من استعمال الماء قبل فوات الجمعة(١) . ففيه نظر :

أمّا أوّلاً : فلأن رواية السكوني وإن كانت ضعيفة إلا أن ما نقله هنا من رواية ابن سنان لا يخلو من اعتبار ، والجمع بينهما وبين الأخبار الدالة على نقض الوضوء بالنوم يحتاج إلى ما قاله الشيخ ، فعدم الالتفات إلى ذكر مثل هذا لا يخلو من شي‌ء.

وأمّا ثانياً : فلأن رواية السكوني إذا رُدّت بالضعف ، فجواز التيمم والحال هذه مع عدم التمكن من الماء وصحة الصلاة يقتضي أنّ الجمعة صحيحة ، والجمعة المذكورة في رواية السكوني ظاهرها أنّها مع أهل الخلاف ، فلو كانت مع غيرهم فالضرورة بعيدة ، إلاّ أن يقال بالإمكان ، وهو كاف.

__________________

(١) مدارك الاحكام ٢ : ٢٤٠ ، وهو في النهاية : ٤٧ ، والمبسوط ١ : ٣١.

٢١

قال :

باب الديدان‌

أخبرني الشيخرحمه‌الله ـ ، عن أحمد بن محمد ( عن أبيه )(١) ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن(٢) الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن حماد ، عن حريز ، عمن أخبره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، في الرجل يسقط منه الدواب وهو في الصلاة ، قال : « يمضي على صلاته ولا ينقض ذلك وضوءه ».

عنه ، عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن ظريف ـ [ يعني ](٣) ابن ناصح عن ثعلبة بن ميمون ، عن عبد الله ابن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « ليس في حَبّ القَرْع والديدان الصغار وضوء ، إنّما هو بمنزلة القمل (٤) ».

السند‌

ليس في الأوّل : بعد ما قدمناه إلاّ الإرسال.

والثاني : فيه عبد الله بن يزيد ، وهو مشترك بين مهملين في الرجال(٥) ، وغيره قد كرّرنا القول فيه.

__________________

(١) ليس في « فض ».

(٢) في النسخ : و، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ٨١ / ٢٥٥.

(٣) ما بين المعقوفين أثبتناه من الاستبصار ١ : ٨٢ / ٢٥٦.

(٤) في الاستبصار ١ : ٨٢ / ٢٥٦ : ما هو إلاّ بمنزلة.

(٥) رجال الطوسي : ٢٦٦ / ٦١ و ٦٢.

٢٢

المتن :

واضح الدلالة ، وحَبّ القَرْع نوع من الدود يتولد في الإنسان وغيره.

قال :

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أخي فضيل(١) ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : قال في الرجل يخرج منه مثل حَبّ القَرْع قال : « عليه وضوء ».

فالوجه فيه أن نحمله على أنّه إذا كان متلطّخا بالعذرة ولا يكون نظيفاً.

والذي يدل على هذا التفصيل :

ما أخبرني به الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد بن يحيى ، عن أبيه ، عن ( محمد بن أحمد )(٢) بن يحيى ، عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال ، عن عمرو بن سعيد المدائني ، عن مصدق ابن صدقة ، عن عمار بن موسى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سئل عن الرجل (٣) يكون في صلاته فيخرج منه حَبّ القَرْع كيف يصنع؟ قال : « إن كان خرج نظيفاً من العذرة فليس عليه شي‌ء ولم ينقض وضوءه ، وإن خرج متلطخاً بالعذرة فعليه أن يعيد الوضوء ، وإن كان في صلاته قطع الصلاة وأعاد الوضوء والصلاة ».

__________________

(١) في « فض » و « رض » : ابن أبي فضيل.

(٢) في « فض » : أحمد بن محمد.

(٣) في النسخ رجل ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ٨٢ / ٢٥٨.

٢٣

السند‌

في الأوّل : ابن أخي فضيل واسمه الحسن ، كما صرّح به في الكافي في باب ما ينقض الوضوء(١) ، إلاّ أنّه غير معلوم الحال.

والثاني : موثق كما تكرر القول فيه.

المتن :

ما ذكره الشيخ فيه قد يتخيل عدم تماميّته ، لأنّ الخبر يفيد إطلاق الحكم فيقرب من الألغاز ، إلاّ أنّه مدفوع بما أسلفنا القول فيه ، من جواز حصول المبيّن عند وقت الحاجة للسائل ، كما في غيره من المطلقات ؛ وقد يحتمل الحمل على الاستحباب في الخبر الأوّل ، وأمّا الخبر الثاني فلا ريب في دلالته.

غير أنّه يبقى الإشكال في أنّه هل يحكم بعدم الانتقاض إلاّ إذا علم التلطخ(٢) ، أو يجب التفحص عن حال الدود ليعلم خلوّه؟ لم أجد في كلام الأصحاب تفصيل الحال ، ولعل الأوّل لا يخلو من وجه ، لتحقق الوضوء المتوقف زواله على العلم الشرعي بالرافع ، فتأمّل.

قال :

باب القي‌ء‌

أخبرني الشيخ : رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٦ / ٥ ، الوسائل ١ : ٢٥٨ أبواب نواقض الوضوء ب ٥ ح ١.

(٢) في النسخ : عدم التلطّخ ، والظاهر ما أثبتناه.

٢٤

عن ابن أُذينة ، عن أبي أُسامة قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن القي‌ء هل ينقض الوضوء؟ قال : « لا ».

وأخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد بن يحيى ، عن أبيه ، عن محمد بن علي بن محبوب ، عن علي بن الحسن الكوفي(١) ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن غالب بن عثمان ، عن روح بن عبد الرحيم ، قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن القي‌ء ، قال : « ليس فيه وضوء وإن تقيّأ متعمّداً ».

وأخبرني الشيخرحمه‌الله عن أحمد بن محمد (٢) ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن ابن سنان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « ليس في القي‌ء وضوء ».

السند‌

في الأوّل : حسن.

والثاني : كما ترى علي بن الحسن الكوفي ، وهو في النسخ التي رأيناها ، وفي التهذيب محمد بن علي بن محبوب ، عن الحسن بن علي الكوفي(٣) ، إلى آخره ، وهو الظاهر ؛ وفيه غالب بن عثمان ، والراوي عنه الحسن بن علي بن فضّال ، مهمل في الرجال(٤) ، وفي كتاب رجال الشيخ :

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٨٣ / ٢٦٠ : الحسن بن علي الكوفي.

(٢) في نسخة من الإستبصار ١ : ٨٣ / ٢٦١ زيادة : بن يحيى.

(٣) التهذيب ١ : ١٣ / ٢٧.

(٤) الفهرست : ١٢٣ / ٥٥١.

٢٥

غالب بن عثمان واقفي(١) ، ويحتمل الاتحاد ، والضرورة إلى الجزم غير داعية ؛ وفيه أيضا روح بن عبد الرحيم ثقة في النجاشي(٢) ؛ والحسن بن علي الكوفي هو ابن عبد الله بن المغيرة الثقة ؛ وابن فضّال حاله معلوم.

والثالث : لا يخفى حاله ، غير أنّه ينبغي أن يعلم أن المعروف من ابن مسكان عند الإطلاق عبد الله الثقة ، ومحمد بن مسكان وإن كان مذكوراً في كتاب الشيخ مهملا(٣) ، إلاّ أن إرادته في غاية البعد ، بل يكاد أن يقطع النفي.

نعم : اتّفق لابن إدريس في آخر السرائر ، أنّه ذكر الأحاديث التي استطرفها من كتاب محمد بن علي بن محبوب ، بهذه الصورة : أحمد بن محمد ، عن الحسن بن سعيد ، عن فضالة ، عن حسين بن عثمان ، عن ابن مسكان ، قال محمد بن إدريس : واسم ابن مسكان الحسن ، وهو ابن أخي جابر الجعفي غريق في ولايته لأهل البيتعليهم‌السلام (٤) ، انتهى.

وهذا لا يخلو من غرابة ، لأنّ رواية الحسين بن عثمان عن الحسن بن مسكان لم نقف عليها في شي‌ء من الأحاديث ، والحسن بن مسكان غير موجود في الرجال على ما رأيناه.

ولا يخفى أنّه يستلزم ضعف الأخبار الواردة عن الحسين بن عثمان عن ابن مسكان ، ولم أر من ذكر ذلك غيره ، ولا يبعد أن يكون الوهم من ابن إدريس ، وفي الرجال الحسين بن مسكان(٥) ، فيحتمل أن يكون الحسن‌

__________________

(١) رجال الطوسي : ٣٥٧ / ١.

(٢) رجال النجاشي : ١٦٨ / ٤٤٤.

(٣) رجال الطوسي : ٣٠٢ / ٣٥٠.

(٤) مستطرفات السرائر : ٩٨ / ١٨.

(٥) خلاصة العلاّمة : ٢١٧ / ١٣.

٢٦

سهواً ، إلاّ أن إرادته من رواية الحسين بن عثمان في غاية البعد ، بل يكاد أن يقطع نفيها من تتبّع الأحاديث ، والحسين بن مسكان غير معتبر في الرجال.

وذكر العلاّمة في الخلاصة عن ابن الغضائري أنّه قال : إن جعفر بن محمد بن مالك ، روى عنه أحاديث فاسدة(١) ، وجعفر بن محمد بن مالك متأخّر ، والحسين بن عثمان متقدم ، إذ هو من أصحاب الصادقعليه‌السلام ، واحتمال إرادة الرواية بالإرسال أو بإسناده بعيد عن المساق ؛ وهذا الذي ذكرناه وإن لم يكن له فيما نحن فيه فائدة ، إلاّ أنّ الغرض التنبيه على حقيقة الحال ، ويظهر فائدته في موضع آخر ، فلا ينبغي الغفلة عنه.

المتن :

في الأخبار ظاهر الدلالة.

قال : فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن الحسن ، عن زرعة ، عن سماعة ، قال : سألته عما ينقض الوضوء ، قال : « الحدث تسمع صوته أو تجد ريحه ، والقرقرة في البطن إلاّ شي‌ء تصبر عليه ، والضحك في الصلاة ، والقي‌ء ».

وما رواه محمد بن علي بن محبوب ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن صفوان ، عن منصور ، عن‌

__________________

(١) خلاصة العلاّمة : ٢١٧ / ١٣.

٢٧

أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : « الرعاف والقي‌ء(١) والتخليل يسيل الدم إذا استكرهت شيئاً ينقض الوضوء ، وإن لم تستكرهه لم ينقض الوضوء ».

فهذان الخبران يحتملان وجهين ، أحدهما : أن يكونا وردا مورد التقية ، لأن ذلك مذهب بعض العامة ، والثاني : أن يكونا محمولين على ضرب من الاستحباب لئلاّ تتناقض الأخبار.

السند‌

في الأوّل : موثّق على ما قدّمناه ، والحسن فيه أخو الحسين.

والثاني : كذلك.

المتن :

لا يخفى أن الأوّل لا يخلو من إجمال ، من حيث قوله : « والقرقرة في البطن إلاّ شي‌ء تصبر عليه » فإن ظاهره أن القرقرة التي لا تصبر عليها قسيمة للحدث ، والحال أنها متحدة إن خرجت ، ومع عدم الخروج فالصبر عليها غير واضح المعنى.

ثم الضحك في الصلاة لا يخلو إمّا أن يراد به أنّه ناقض للوضوء ، وحينئذ لم يتقدم له معارض ، وإن أُريد به نقض الصلاة لم يناسب ذكره مع غيره ، بل يحتمل كون القي‌ء مثله في إبطال الصلاة ، وحمل الشيخ له على الاستحباب يقتضي الشمول للضحك وهو غير واضح ؛ فلعل الاقتصار على الحمل على التقية فيه أولى.

__________________

(١) ليس في « رض ».

٢٨

ثمّ إن القرقرة في البطن ورد في معتبر الأخبار ما ينافي حكمها(١) ( وهو ما رواه الفضيل بن يسار قال قلت لأبي جعفرعليه‌السلام )(٢) : أكون في الصلاة فأجد غمزاً في بطني ، أو أذى أو ضرباناً فقال : « انصرف ثم توضّأ فابنِ على ما مضى من صلاتك ، ما لم تنقض الصلاة بالكلام » الحديث(٣) . وقد ذكرنا ما لا بد منه في موضعه ، وكان على الشيخ أن يذكره في مقام المعارضة.

وكذلك ورد في حسنة زرارة أنّ : « القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة »(٤) .

وأمّا الخبر الثاني : فحمله على التقية مع قوله فيه « إن استكرهت شيئاً » غير واضح ، إلاّ أن يكون موافقاً لهم في ذلك ؛ وذكر شيخنا المحقق سلّمه الله في فوائده على الكتاب أنّ حمل الخبر الثاني على التنظيف أولى ، كما ينبّه عليه الاستكراه ، وربما حمل الأوّل على قهقهة وقي‌ء تغيّب(٥) عنه نفسه. انتهى.

ولا يخفى عليك أنّ التنظيف في الرعاف والتخليل الذي يسيل منه الدم لا يخلو من خفاء ، والحمل المذكور للأول في غاية البعد ، وسيأتي من الشيخ ذكره في الباب الآتي ، وسنبيّن القول فيه.

__________________

(١) في « فض » و « رض » : الخبر ، بدل : حكمها.

(٢) ما بين القوسين ليس في « فض ».

(٣) الفقيه ١ : ٢٤٠ / ١٠٦٠ ، التهذيب ٢ : ٣٣٢ / ١٣٧٠ ، الوسائل ٧ : ٢٣٥ أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ٩.

(٤) الكافي ٣ : ٣٦٤ / ٦ ، التهذيب ٢ : ٣٢٤ / ١٣٢٤ ، الوسائل ١ : ٢٦١ أبواب نواقض الوضوء ب ٦ ح ٤.

(٥) في « رض » : تغيّر.

٢٩

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ العلاّمة في المختلف نقل عن ابن الجنيد أنّه قال : من قهقه في صلاته متعمداً لنظر أو سماع ما أضحكه قطع صلاته وأعاد وضوءه ، ثم حكى احتجاجه برواية سماعة ، وأجاب بأن سماعة وزرعة في طريق الحديث وهما وإن كانا ثقتين إلاّ أنهما واقفيان ، ومع ذلك. أن سماعة لم يسنده إلى إمام(١) ؛ وأنت خبير بأن عدم الإسناد إلى إمام غير وارد ، لما قررناه سابقا من أن مثل هذا الإضمار غير مضر بالحال.

قال :

باب الرعاف‌

أخبرني الشيخرحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه ، عن محمد بن يعقوب الكليني ، عن محمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : سألته عن الرعاف والحجامة وكل دم سائل ، فقال : « ليس في هذا وضوء ، إنّما الوضوء من طرفيك اللذين أنعم الله بهما عليك ».

وأخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد بن يحيى ، عن أبيه ، عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن أحمد بن أبي عبد الله ( عن أبيه )(٢) عن أحمد بن النضر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : « لو رعفت دورقاً ما زدت على أن أمسح منّي الدم وأُصلّي ».

__________________

(١) المختلف ١ : ٩٣ ، ٩٤.

(٢) أثبتناه من الاستبصار ١ : ٨٤ / ٢٦٥.

٣٠

وبهذا الاسناد : عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن علي بن محبوب ، عن أحمد ، عن إبراهيم بن أبي محمود ، قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن القي‌ء والرعاف والمدّة أينقض الوضوء أم لا؟ قال : « لا » (١) .

السند‌

في الأوّل : واضح الضعف.

والثاني : فيه عمرو بن شمر وقد ضعّفه النجاشي(٢) وغيره(٣) ؛ وجابر هو ابن يزيد بقرينة رواية عمرو بن شمر عنه ، وقد ذكر النجاشي أنّه مختلط(٤) ، ومن غيره لم يثبت توثيقه ولا مدحه(٥) ، والأخبار التي في الكشّي غير سليمة الطرق(٦) ، كما يعلم من مراجعتها.

ومن غريب ما اتفق للعلاّمة أنّه قال : جابر بن يزيد روى الكشّي فيه مدحاً وبعض الذم ، والطريقان ضعيفان.

ثم نَقلَ عن العقيقي رواية عن أبيه ، عن أبان ، أن الصادقعليه‌السلام ترحّم عليه ، وقال : « إنّه كان(٧) يصدق علينا » ونقل عن ابن عقدة نحو ذلك.

وعن ابن الغضائري أن جابر ثقة في نفسه ، ولكن جُلّ من روى عنه ضعيف ، فممّن أكثر عنه من الضعفاء عمرو بن شمر ، ومفضل بن صالح‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٨٤ / ٢٦٦ زيادة : ينقض شيئاً.

(٢) رجال النجاشي : ٢٨٧ / ٧٦٥.

(٣) كالعلاّمة في خلاصته : ٢٤١ ٢٤٢.

(٤) رجال النجاشي : ١٢٨ / ٣٣٢ ، وفي « فض » و « د » : مخلط.

(٥) كالطوسي في رجاله : ١١١ / ٦ و ١٦٣ / ٣٠.

(٦) رجال الكشي ٢ : ٤٣٦ ٤٤٩.

(٧) لفظة : كان ، ليست في « رض » و « د ».

٣١

السكوني ، ومنخل بن جميل الأسدي ، وأرى الترك لما روى هؤلاء عنه والتوقف في الباقي إلاّ ما خرج شاهداً.

إلى أن قال العلاّمة : والأقوى عندي التوقف فيما يرويه هؤلاء عنه كما قاله الشيخ ابن الغضائري(١) .

وأنت خبير بأنّ قول ابن الغضائري ترك ما روى هؤلاء والتوقف في الباقي ، لا ما قاله العلاّمة من التوقف فيما روى هؤلاء ، فإنه يقتضي قبول قول جابر على تقدير رواية غير هؤلاء.

ولو أراد بالتوقف الرد كما يظهر منه في الخلاصة فلا يدفع الإيراد عنه ، على أن قبول قوله في عدا المذكورين إن كان لتوثيق ابن الغضائري كما هو الظاهر إذ لا وجود لتوثيقه في كلام غيره وقد عدّه العلاّمة في القسم الأوّل ، ففيه دلالة على ما قدمناه من العمل بقول ابن الغضائري ، وهو توثيق له ، غير أن ابن الغضائري قد توقف بعد ذكر التوثيق ، فلا وثوق بتوثيقه ولا وجه لعدّه في القسم الأوّل ، وإن كان من جهة انضمام ( القرائن من الإخبار التي في الكشي )(٢) وغيرها ، أمكن إلاّ أنّه كان ينبغي التنبيه عليه ، فليتأمّل.

والثالث : لا ارتياب فيه ، وأحمد هو بن محمد بن عيسى ، لأنه هو الراوي عن إبراهيم بن أبي محمود ، ولا ضير في رواية محمد بن يحيى عنه بواسطة ، وإن كان تركها في بعض الطرق بل أكثرها موجوداً.

المتن :

في الجميع ظاهر في عدم نقض الوضوء بالرعاف ، وفي الأوّل زيادة :

__________________

(١) خلاصة العلاّمة : ٣٥ ، بتفاوت يسير.

(٢) ما بين القوسين ليس في « فض ».

٣٢

كل دم سائل ؛ وفي الثالث زيادة : عدم نقض القي‌ء والمدّة ، فيتعين حمل ما يخالف على الاستحباب أو التقية.

وما تضمنه الأوّل من حصر الناقض في الخارج من الطرفين قد تقدم فيه القول ، ويزيد أن قوله : « اللذين أنعم الله بهما عليك » ربما دل على ما أشرنا إليه سابقاً ، لولا الإجماع وضعف الحديث ، إلاّ أن له مساعداً من الأخبار.

اللغة :

قال في القاموس : الدورق الجرّة ذات عروة(١) . وفي الصحاح : الدورق مكيال للشراب فارسي معرّب(٢) ، والمدّة بالكسر والتشديد ما يجتمع في الجروح من القيح على ما في الحبل المتين(٣) ، معرّب.

قال :

فأمّا ما رواه أبو عبيدة الحذّاء في الخبر الذي ذكرناه في الباب الذي قبل هذا(٤) ، من قوله : إذا استكره الدم نقض وإن لم يستكره لم ينقض.

وما رواه أيوب بن الحرّ ، عن عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل (٥) أصابه دم سائل قال : « يتوضّأ ويعيد » قال‌

__________________

(١) القاموس المحيط ٣ : ٢٣٨ ( درق ).

(٢) الصحاح ٤ : ١٤٧٤ ( درق ).

(٣) الحبل المتين : ٣٢.

(٤) راجع ص ٢٥.

(٥) في الاستبصار ١ : ٨٥ / ٢٦٧ : عن رجل.

٣٣

« وإن لم يكن سائلاً توضّأ وبنى » قال : « ويصنع ذلك بين الصفا والمروة ».

أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي بن بنت إلياس ، قال : سمعته يقول : « رأيت أبيعليه‌السلام وقد رعف بعد ما توضّأ دماً سائلاً فتوضّأ ».

فيحتمل وجوها ، أحدها : أن تحمل على ضرب من التقية على ما قدمنا القول فيه.

والثاني : أن نحملها على الاستحباب دون الوجوب.

والثالث : أن نحملها على غسل الموضع ، لأنّ ذلك يسمّى وضوءاً على ما بيّناه في كتاب تهذيب الأحكام(١) ، ويدل على هذا المعنى :

ما أخبرني به الشيخقدس‌سره ، عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن جعفر بن بشير ، عن أبي حبيب الأسدي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : سمعته يقول في الرجل يرعف وهو على وضوء قال : « يغسل آثار الدم ويصلّي ».

وعنه ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن ابن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن عثمان ، عن سماعة ، عن أبي بصير قال : سمعته يقول : « إذا قاء الرجل وهو على طهر فليتمضمض ، وإذا رعف وهو على وضوء فليغسل أنفه ، فإنّ ذلك يجزيه ولا يبعد وضوءه ».

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٣.

٣٤

السند‌

في الأوّل : قد تقدم(١) .

والثاني : لم يعلم الطريق من الشيخ إلى أيوب بن الحر ؛ إذ ليس في المشيخة ، وفي الفهرست طريقه إلى كتابه غير سليم(٢) ، ولا ينفع بتقدير صحته هنا ، إلاّ إذا علم أنّ الحديث من الكتاب.

وقد اشتبه على بعض الأصحاب الحال في طرق الفهرست ، فظن أنّ الطريق في الفهرست كاف لما هنا ، والحق أنّ ما يذكره الشيخ في الفهرست إن ورد بلفظ جميع روايات الرجل يشمل ما يذكره هنا ، وإلاّ فالمشمول غير واضح.

فإن قلت : ما وجه عدم الوضوح؟

قلت : لأنّ الشيخ في المشيخة لهذا الكتاب قال : وكنت سلكت في أول الكتاب إيراد الأحاديث بأسانيدها ، وعلى ذلك اعتمدت في الجزء الأوّل والثاني ، ثم اختصرت في الجزء الثالث وعوّلت على الابتداء بذكر الراوي الذي أخذت الحديث من كتابه وأصله(٣) .

وهذا كما ترى يدل على أنّه في هذا الجزء الأوّل لم يعتمد على ذكر الرجل الذي أخذت الحديث من كتابه ، وإذا لم يكن ذلك ، لم يعلم أنّ الحديث من كتاب الرجل ، فإذا قال في الفهرست : له كتاب ، وذكر الطريق إليه ، لم يدخل ما في الجزء الأوّل والثاني من الكتاب إذا بدأ بالرجل.

__________________

(١) راجع ص ٢٨.

(٢) الفهرست : ١٦ / ٥٠.

(٣) الاستبصار ٤ : ٣٠٤.

٣٥

فإن قلت : الحكم غير مطرد في الجزءين الأولين ، لأن الشيخ كثيراً ما يبدأ بالرجل الذي لم يلقه ، وقد صرح في المشيخة بذكر الأحاديث بأسانيدها في الجزءين.

قلت : هذا كثيراً ما يخطر بالبال ولم أعلم وجهه ، إلاّ أنّه ليس بنافع في الاكتفاء بالطريق الذي في الفهرست إلى كتاب الرجل ، على أنّ الذي نجده في الجزء الثالث على نحو ما في الأولين.

نعم : ربما يقال إنّ قول الشيخرحمه‌الله في آخر المشيخة : ولتفصيل ذلك شرح يطول هو مذكور في الفهارس للشيوخ ، ربما يدل على أنّ الطرق في الفهرست مشتركة ، فإذا أخبر بأنّ فلاناً مثل أيوب بن الحرّ له كتاب وذكر الطريق إليه ، قد يظن منه أنّ الحديث من كتابه ، لكن لا يخفى أنّ للكلام فيه مجالاً واسعاً ، فينبغي التأمّل في ذلك.

والثالث : حسن بالحسن على ما أظن.

والرابع : فيه جهالة أبي حبيب.

والخامس : فيه عثمان بن عيسى على الظاهر ، وأبو بصير وسماعة ، حالهما على ما قدمناه(١) .

المتن :

في الأوّل : قد سبق فيه القول.

والثاني : ظاهر في الفرق بين السيلان وعدمه بالنسبة إلى إعادة الصلاة والبناء ، إلاّ أنّه واضح الدلالة على نقض الوضوء في الحالتين.

__________________

(١) راجع ج ١ ص ٧٢ ، ٨٣ ، ١٠٨ ١١١ ، ١٢٥.

٣٦

والشيخ في التهذيب ادعى الإجماع على عدم البناء مع نقض الوضوء ، لأنّه قال في باب التيمم : لا خلاف بين أصحابنا أن من أحدث في الصلاة ما يقطع صلاته يجب عليه استئنافه(١) . وهذا وإن كان محل كلام ذكرناه في موضعه ، إلاّ أنّ إطلاق القول هنا بالحمل على الاستحباب في جملة الوجوه لا يخلو من إشكال.

وأمّا الخبر الثالث : فقد أوضحت القول فيه في حاشية التهذيب ، والحاصل من الكلام فيه الحمل على التقية ، غير أنّ القول لا يخرج عن مطابقة الواقع ، إذ لا مانع من وقوع الوضوء بعد الرعاف لكن لا بسبب الرعاف ، وحكايته عن أبيهعليه‌السلام لأنّ الواقع ذلك ( وإلاّ لما )(٢) احتاج إلى النقل عن أبيه كما لا يخفى.

وما قاله الشيخرحمه‌الله هنا من الحمل على التقية مجمل ، أمّا في الحديث الأوّل فلما قدمناه من أنّ الفرق بين الاستكراه وعدمه مبني على موافقة أهل الخلاف ، ليتم الحمل فيه على التقية.

وأمّا الثاني فلما ذكرناه هنا.

وأمّا الحمل على غَسل الموضع فمستبعد في الأخير ، لأن قوله : « بعد ما توضأ » يدل بظاهره على أنّ الوضوء واحد في الموضعين ، غير أن استعمال كل من أفراد المشترك مع اللفظ الموضوع له لا ريب فيه ، والإجمال فيه بسبب التقية ، فهو راجع في الحقيقة إليها ، أو أن السائل فهم ذلك بقرينة ، وكان على الشيخ أن ينبه على ذلك.

والخبران المذكوران واضحا الدلالة على عدم النقض ، فإن أراد الشيخ‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٠٥.

(٢) ما بين القوسين ليس في « فض ».

٣٧

دلالتهما على الغَسل فلا ريب فيه ولا احتياج إلى الخبرين ، وإن أراد الدلالة على عدم النقض فليس بمطلوب ، وإن أراد الدلالة على إطلاق الوضوء على الغَسل فلا يخلو من خفاء ، غير أنّه يمكن توجيهه بأنّ الخبرين إذا دلاّ على عدم النقض بل الغَسل علمنا أن المراد بالوضوء الغَسل ، وأنت خبير بأنّ الأولى بيان صحة إطلاق الوضوء على الغَسل مع الخبرين ، بل إذا ثبت ذلك يستغنى به عن الخبرين ، والأمر سهل.

قال :

باب الضحك والقهقهة‌

أخبرني الشيخرحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان بن يحيى ، عن سالم أبي الفضل(١) ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : « ليس ينقض الوضوء إلاّ ما خرج من طرفيك الأسفلين اللذين أنعم الله بهما عليك ».

عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سهل ، عن زكريا بن آدم ، قال : سألت الرضاعليه‌السلام عن الناصور (٢) ، قال (٣) : « إنّما ينقض الوضوء ثلاثة : البول ، والغائط ، والريح ».

__________________

(١) في بعض نسخ الاستبصار ١ : ٨٥ / ٢٧١ : سالم أبي الفضيل.

(٢) النّاصُور : علة تحدث في البدن من المقعدة وغيرها بمادة خبيثة ضيقة الفم يعسر برؤها ـ المصباح المنير : ٦٠٨ ( نصر ).

(٣) في الاستبصار ١ : ٨٦ / ٢٧٢ : فقال.

٣٨

السند‌

في الأوّل : قد ذكرنا القول فيه ، وسالم أبو الفضل فيه ثقة ، وقد يصغّر الفضل ، وظن بعض المغايرة بين أبي الفضل وأبي الفضيل ، كما يعلم من كتاب شيخنا المحقق ـ سلمه الله ـ في الرجال(١) .

والثاني : فيه محمد بن سهل ، وهو ابن سهل بن اليسع ، بقرينة رواية أحمد بن محمد بن عيسى عنه ، كما قال في الفهرست(٢) ، وما في النجاشي من أن الراوي عنه أحمد بن محمد عن أبيه(٣) ، ربما يقال : إنّه لا مانع من رواية أحمد عنه كأبيه.

واحتمال أن يكون الشيخ في الفهرست قد سها قلمه عن ذكر أبيه ممكن ، إلاّ أن وجود رواية أحمد عنه في هذه الرواية قرينة الصحة ، واحتمال كون محمد بن سهل غير ابن اليسع لما ذكر بعيد ، وعلى كل حال ، محمد المذكور مهمل في الرجال ؛ وأمّا زكريا بن آدم فقد وثّقه النجاشي(٤) .

المتن :

ظن الشيخ منه أنّ الحصر المستفاد من الخبرين يفيد نفي الوضوء من القهقهة والضحك ، وقد يتوجه عليه أنّ الحصر لا بُدّ من كونه إضافياً ، وحينئذ لا ينافي ما دل على أنّ الضحك والقهقهة تنقضان الوضوء ، كما ثبت‌

__________________

(١) منهج المقال : ١٥٧.

(٢) الفهرست : ١٤٧ / ٦٢٠.

(٣) رجال النجاشي : ٣٦٧ / ٩٩٦.

(٤) رجال النجاشي : ١٧٤ / ٤٥٨.

٣٩

النقض بغيرهما في الأخبار ، وحينئذ لا يتم الحمل الآتي منه في المعارض ، وستسمع القول في ذلك مع الجواب.

وما تضمنه الخبر الأوّل من قوله : « اللذين أنعم الله بهما عليك » يؤيّده غيره من الأخبار الدالّة عليه ، كما تقدم عن قريب ، فإذا خرج من هذا ما انعقد عليه الاتفاق وهو ما اعتاد من غيرهما ، أو انسد الطبيعي ، بقي الإشكال في خروج الغائط والبول من غير ما ذكر ، بل ربما يرجح عدم النقض حينئذ ـ وإن ظن بعض كالشيخ أنّ خروج الغائط من تحت المعدة ناقض(١) ـ لأنّ مطلق الأخبار الدالة على ذلك بل والقرآن يقيد بمثل هذا الخبر ، كما ذكرنا مفصّلاً في حاشية التهذيب ، فليتأمّل.

فإن قلت : هذا الخبر حاله بمحمد بن إسماعيل غير خفية ، وغيره ممّا تقدم ليس بسليم السند.

قلت : قد روى الشيخ في التهذيب بسند لا ارتياب فيه عند الأصحاب عن زرارة قال : قلت : لأبي جعفر وأبي عبد اللهعليه‌السلام ما ينقض الوضوء؟ فقالا : « ما خرج من طرفيك الأسفلين » الحديث(٢) .

على أنّ رواية محمد بن اسماعيل ؛ لا أرى فرقاً بينها وبين رواية أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد الواقع في طريق رواية زرارة المذكورة ، وكذلك : أحمد بن محمد بن يحيى ، وما ضاهاهما ممّن لم ينص أصحاب الرجال على توثيقهما ، فالحكم بصحة ما رواه أحمد بن محمد بن الوليد ونحوه ، دون ما رواه محمد بن إسماعيل غير واضح‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٧ ، الخلاف ١ : ١١٥.

(٢) التهذيب ١ : ٩ / ١٥ ، الوسائل ١ : ٢٤٩ أبواب نواقض الوضوء ب ٢ ح ٢ ، بتفاوت يسير.

٤٠

ونحر عن عليّ عليه‌السلام - وهو غائب - وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله مائة ناقة ثلثيها(١) عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله وثلثها عن عليّعليه‌السلام (٢) .

وتجوز النيابة في الجهاد ؛ لأنّ الغرض حراسة المسلمين ، وحفظ عمود الدين ، وليس الغرض متعلّقاً بمباشرة معيّن ، إلّا أن يعيّنه الإمام للخروج بنفسه إمّا لشدّة بلائه في الحرب ، أو لجودة شوره ووفور عقله وربط جأشه(٣) وقوّة بأسه ، أو لغير ذلك من الحِكَم والمصالح ، فحينئذٍ لا تجوز الاستنابة فيه.

مسألة ٦٧١ : يصحّ التوكيل في البيع إيجاباً وقبولاً ، وفي جميع أنواعه‌ - كالسَّلَم والصرف والتولية وغيرها - وفي جميع أحكامه وتوابعه من الفسخ بالخيار والأخذ بالشفعة وإسقاطهما ، فإنّه قد يترفّع عن التردّد في الأسواق ، وقد لا يُحْسن التجارة ، وقد لا يتفرّغ لها ، وقد يكون مأموراً بالتخدير ، كالمرأة ، فأجاز الشارع التوكيل فيه ؛ دفعاً للحاجة ، وتحصيلاً لمصلحة الآدمي المخلوق لعبادة الله تعالى ، كما قال عزّ من قائل :( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلّا لِيَعْبُدُونِ ) (٤) .

ويجوز التوكيل في الحوالة والضمان والكفالة وعقد الرهن والشركة والوكالة والصلح ؛ لأنّه إمّا بيع عند الشافعي(٥) ، أو عقد مستقلّ برأسه.

____________________

(١) في « ث ، ج ، خ » والطبعة الحجريّة : « ثلثاها ».

(٢) الفقيه ٢ : ١٥٣ / ٦٦٥ ، الكامل في التاريخ ٢ : ٣٠٢ ، صحيح مسلم ٣ : ٨٨٦ - ٨٩٢ / ١٢١٨ ، سنن البيهقي ٥ : ١٣٤ ، الاستذكار ١٣ : ٩٥ - ٩٦ / ١٨١٨٨ ، التمهيد ٢ : ١١١.

(٣) جأش القلب هو رُواعه إذا اضطرب عند الفزع ، يقال : فلان رابط الجأش ، أي يربط نفسَه عن الفرار ، لشجاعته. الصحاح ٣ : ٩٩٧ « جأش ».

(٤) الذاريات : ٥٦.

(٥) الحاوي الكبير ٦ : ٣٦٧ ، التنبيه : ١٠٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٠ ، =

٤١

والتفليس لا يتصوّر فيه الوكالة.

وأمّا الحجر فيصحّ أن يوكّل الحاكم مَنْ ينوب عنه فيه ، ويوكّل الغرماء مَنْ يطلبه من الحاكم. وأمّا المحجور عليه فلا يتصوّر فيه أن يستنيب مَنْ يحكم عليه بالحجر عليه.

وكذا تصحّ الوكالة في القراض في عقده وفعله بأن يستنيب العامل إن أذن له المالك ، وإلّا فلا.

وفي الإقرار خلاف يأتي(١) .

ويصحّ التوكيل في الهبة والعارية - لأنّها هبة المنافع - في عقدها وفعلها ، إلّا في مثل إعارة الثوبِ ليلبسه ، والدابّةِ ليركبها بنفسه ، وشبه ذلك.

والغصب لا يتصوّر فيه التوكيل ، فإذا وكّل رجل رجلاً في غصبٍ ، كان الغاصبُ الوكيلَ ، دون الموكّل ؛ لأنّ فعل ذلك حرام ، فلا تصحّ النيابة فيه.

وتصحّ النيابة في المطالبة بالشفعة وأخذها.

وكذا تصحّ في المساقاة والمزارعة والإجارة والوديعة والجعالة والفعل المتعلّق بالجعالة ، والحوالة والقرض عقداً وتسليماً وأخذاً ، والوقف والحبس والعمرى والرقبى ، والوصيّة إيجاباً وقبولاً ، وفعل متعلّقها.

ولبعض الشافعيّة قولٌ في منعها ؛ لأنّها قربة(٢) .

والقربة لا تنافي النيابة ، كالحجّ وصلاة الطواف.

____________________

= الوسيط ٤ : ٤٩ ، الوجيز ١ : ١٧٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٤١ - ١٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٨ ، منهاج الطالبين : ١٢٥.

(١) في ص ٤٩ ، المسألة ٦٧٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٤.

٤٢

وتصحّ النيابة في ال صدقة - كالزكاة وشبهها - والإبراء وقبض الأموال ، مضمونةً كانت أو غير مضمونة ، وفي قبض الديون وإقباضها ؛ لأنّ ذلك كلّه في معنى البيع في الحاجة إلى التوكيل فيها ، فيثبت فيها حكمه.

ولا نعلم في شي‌ء من ذلك خلافاً ، إلّا ما قلناه.

وكذا تصحّ النيابة في العطايا وقسمة الفي‌ء والغنيمة والصدقة.

مسألة ٦٧٢ : يصحّ التوكيل في عقد النكاح إيجاباً وقبولا ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وكّل عمرو بن أُميّة الضمري وأبا رافع في النكاح له(١) .

ولأنّ الحاجة قد تدعو إلى ذلك ، فإنّه ربما احتاج إلى التزويج من مكانٍ بعيد لا يمكنه السفر إليه ، فإنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله تزوّج أُمّ حبيبة وهي يومئذٍ بأرض الحبشة(٢) .

ويجوز التوكيل في الطلاق ، حاضراً كان الموكّل أو غائباً على ما قدّمناه ، وفي الخلع ، وفي الرجعة - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٣) - كابتداء النكاح ، فإنّ كلّ واحدٍ منهما استباحة فرجٍ محرَّم.

والثاني : المنع ، كما لو أسلم الكافر على أكثر من أربع نسوة ووكّل بالاختيار ، وكذا لو طلّق إحدى امرأتيه ، أو أعتق أحد عبديه ، ووكّل بالتعيين(٤) .

____________________

(١) راجع المصادر في الهامش ( ٢ و ٣ ) من ص ٦.

(٢) الكامل في التاريخ ٢ : ٣٠٨ ، تاريخ الطبري ٣ : ١٦٥ ، تاريخ مدينة دمشق ٦٩ : ١٣٥ ، دلائل النبوّة - للبيهقي - ٣ : ٤٦٠ ، سنن النسائي ٦ : ١١٩ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٢٣ : ٢١٩ / ٤٠٢ ، مسند أحمد ٧ : ٥٧٩ / ٢٦٨٦٢.

(٣) بحر المذهب ٨ : ١٥١ ، البيان ٦ : ٣٥٤ - ٣٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٤.

(٤) بحر المذهب ٨ : ١٥١ ، البيان ٦ : ٣٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٤.

٤٣

ونمنع الملازمة وثبو ت الحكم في الأصل.

وكذا يصحّ التوكيل في تعيين المهر وقبضه ، ولا تصحّ الوكالة في القَسْم ؛ لأنّه يتعلّق ببدن الزوج ويتضمّن استمتاعاً.

مسألة ٦٧٣ : كما يصحّ التوكيل في العقود ، كذا يصحّ في فسخها والتوكيل في الإقالة منها وسائر الفسوخ.

وما هو على الفور قد يكون التأخير بالتوكيل تقصيراً.

ويصحّ التوكيل في خيار الرؤية.

وللشافعيّة خلاف فيه(١) .

ويجوز التوكيل في الإعتاقِ والتدبيرِ.

وللشافعيّة فيه وجهان يبنى على أنّه وصيّة أو تعليق عتقٍ بصفةٍ؟ فإن قلنا بالثاني منعناه(٢) .

والكتابةِ.

ولا يتصوّر في الاستيلاد ؛ لأنّه متعلّق بالوطي ، والوطء مختصّ بالفاعل.

ولا تصحّ الوكالة في الإيلاء ؛ لأنّه يمين. وكذا اللعان لا يصحّ التوكيل فيه أيضاً ؛ لأنّه يمين كالإيلاء ، أو شهادة على خلافٍ ، وكلاهما لا تدخلهما النيابة ، وكذا القسامة.

ولا تصحّ في الظهار ؛ لأنّه منكر وزور وبهتان ، فلا تدخله النيابة.

وللشافعيّة وجهان مبنيّان على أنّ المغلَّب فيه معنى اليمين أو‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢ ، و ٥ : ٢٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣ ، و ٥٢٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٣.

٤٤

الطلاق؟ ومعظمهم مَنَع من التوكيل فيه(١) .

وأمّا العدّة فلا تدخلها النيابة ؛ لأنّها تجب لاستبراء رحمها.

والرضاع لا تدخله النيابة ؛ لأنّه متعلّق بالمـُرضع والمرتضع ؛ لأنّه يختصّ بإنبات لحم المرتضع وانتشار عظمه بلبن الـمُرضع.

والنفقة يصحّ التوكيل في دفعها وقبضها.

ولا تصحّ النيابة في الأيمان ؛ لأنّها عبادة. ولأنّ الحكم في الأيمان يتعلّق بتعظيم اسم الله ، فامتنعت النيابة فيها ، كالعبادات.

وكذا النذور والعهود لا تدخلها النيابة.

وأمّا الشهادات فلا يصحّ التوكيل فيها ؛ لأنّا علّقنا الحكم بخصوص لفظ الشهادة حتى لم يقم غيرها مقامها ، فكيف يحتمل السكوت عنها بالتوكيل!؟ ولأنّ الشهادة تتعلّق بعين الشاهد ؛ لكونها خبراً عمّا سمعه أو رآه ، ولا يتحقّق هذا المعنى في نائبه.

فإن استناب فيها ، كان النائب شاهداً على شهادته ؛ لكونه يؤدّي ما سمعه من شاهد الأصل ، وليس ذلك بتوكيل ، فحينئذٍ تصحّ الاستنابة في الشهادة على وجه الشهادة.

وكذا تصحّ النيابة في القضاء والحكم.

مسألة ٦٧٤ : في صحّة التوكيل في المباحات - كالاصطياد والاحتطاب والاحتشاش وإحياء الموات وإجارة الماء وشبهه - إشكال ينشأ : من أنّه أحد أسباب الملك ، فكان كالشراء. ولأنّه عمل مقصود يصحّ أخذ الأُجرة عليه ، فجاز فيه النيابة كغيره من الأعمال ، فحينئذٍ يحصل الملك للموكّل إذا قصده‌

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٥٠ و ١٥١ ، البيان ٦ : ٣٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٣.

٤٥

الوكيل - وهو أصحّ و جهي الشافعيّة ، وبه قال أحمد(١) - لأنّه تملّك مالٍ بسببٍ لا يتعيّن عليه ، فجاز التوكيل فيه ، كالشراء والاتّهاب.

والثاني للشافعيّة : لا يصحّ كالاغتنام ؛ لأنّ الملك يحصل فيها بالحيازة وقد وُجدت من الوكيل ، فيكون الملك له(٢) .

فعلى هذا إن جوّزنا التوكيل فيه ، جوّزنا الإجارة عليه ، فإذا استأجره ليحتطب أو يستقي المال أو يحيي الأرض ، جاز ، وكان ذلك للمستأجر. وإن قلنا بالمنع هناك ، منعناه هنا ، فيقع الفعل للأجير.

والجويني رأى جواز الاستئجار عليه مجزوماً به ، فقاس عليه وجه تجويز التوكيل(٣) .

مسألة ٦٧٥ : يجوز التوكيل في قبض الجزية وإقباضها والمطالبة بها ، وفي عقد الذمّة.

وفي تجويز توكيل الذمّي المسلمَ [ فيه ](٤) خلافٌ بين الشافعيّة(٥) .

وأمّا العقوبات - كالقتل والجنايات والزنا والقذف والسرقة والغصب وأشباه ذلك - فلا مدخل للتوكيل فيها ، بل أحكامها تثبت في حقّ متعاطيها ومرتكبها ؛ لأنّ كلّ شخصٍ بعينه مقصود بالامتناع منها ، فإذا لم يفعل(٦)

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٥ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٠ ، البيان ٦ : ٣٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٤ ، المغني ٥ : ٢٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٥.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٥ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٠ ، البيان ٦ : ٣٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٥.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « منه ». والظاهر ما أثبتناه ، أي : توكيله في القبض.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٧ ، و ١١ : ٥٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٤ ، و ٧ : ٥٠٤.

(٦) أي : لم يمتنع.

٤٦

أُجري حكمها عليه.

و أمّا حدود الله تعالى - كحدّ الزنا والسرقة - فيجوز التوكيل فيها لاستيفائها ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر برجم ماعِز ، فرُجم(١) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « اغْدُ يا أُنَيْس إلى امرأة هذا فإذا اعترفَتْ فارْجُمْها » فغدا أُنَيْس عليها فاعترفت فأمر بها فرُجمت(٢) .

ووكّل أمير المؤمنينعليه‌السلام عبد الله بن جعفر في إقامة حدّ الشرب على الوليد بن عقبة ، فأقامه(٣) .

ولأنّ الحاجة تدعو إلى ذلك ، فإنّ الإمام لا يمكنه تولّي ذلك بنفسه ، فيجوز التوكيل في استيفائها للإمام.

وللسيّد أن يوكّل في استيفاء الحدّ من مملوكه.

ويجوز التوكيل في إثبات حدود الله تعالى - وبه قال بعض العامّة(٤) - لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وكّل أُنَيْساً في إثبات الحدّ واستيفائه جميعاً ، فإنّه قال : « فإذا اعترفَتْ فارْجُمْها »(٥) وهذا يدلّ على أنّه لم يكن قد ثبت وقد وكّله في إثباته.

ولأنّ الحاكم إذا استناب نائباً في عملٍ ، فإنّه يدخل في تلك النيابة‌

____________________

(١) صحيح مسلم ٣ : ١٣٢٣ / ٢٣ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٥٤ / ٢٥٥٤ ، سنن الترمذي ٤ : ٣٦ / ١٤٢٨ ، سنن الدارقطني ٣ : ٩١ - ٩٢ / ٣٩ ، و ١٢١ - ١٢٢ / ١٣٢ و ١٣٣ ، سنن البيهقي ٨ : ٢١٤ ، سنن الدارمي ٢ : ١٧٨.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ١٣٤ ، صحيح مسلم ٣ : ١٣٢٤ - ١٣٢٥ / ١٦٩٧ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٥٢ / ٢٥٤٩ ، سنن أبي داوُد ٤ : ١٥٣ / ٤٤٤٥ ، سنن الترمذي ٤ : ٣٩ - ٤٠ / ١٤٣٣ ، سنن النسائي ٨ : ٢٤١ - ٢٤٢ ، سنن البيهقي ٨ : ٢١٣ ، سنن الدارمي ٢ : ١٧٧ ، مسند أحمد ٥ : ٩١ / ١٦٥٩٠ ، و ٩٢ / ١٦٥٩٤.

(٣) صحيح مسلم ٣ : ١٣٢٠ / ١٦٩٣ ، الكامل في التأريخ ٣ : ١٠٦ - ١٠٧ ، المغني ٥ : ٢٠٦.

(٤) المغني ٥ : ٢٠٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٧ - ٢٠٨.

(٥) تقدّم تخريجه في الهامش (٢)

٤٧

الحدودُ وإثباتُها ، فإذا دخلت في التوكيل بالعموم فبالتخصيص أولى.

وقال الشافعي : لا يجوز التوكيل في إثباتها ؛ لأنّها تُدرأ بالشبهات ، وقد أُمر بإدرائها بالشبهة ، والتوكيل توصّلٌ إلى إثباتها(١) .

وهو غير منافٍ لقولنا ؛ فإنّ للوكيل أن يدرأها بالشبهات.

وأمّا عقوبات الآدميّين فيجوز التوكيل في استيفائها في حضور المستحقّ إجماعاً.

وأمّا في غيبته فإنّه يجوز ذلك أيضاً عندنا ؛ للأصل.

وللشافعي فيه ثلاثة طُرق أشهرها : أنّه على قولين :

أحدهما : المنع ؛ لأنّه لا نتيقّن بقاء الاستحقاق عند الغيبة ؛ لاحتمال العفو ، ولأنّه ربما يرقّ قلبه حالة حضوره فيعفو ، فليشترط الحضور.

وأصحّهما : الجواز - كما قلناه - لأنّه حقّ يستوفى بالنيابة في الحضور ، فكذا في الغيبة ، كسائر الحقوق. واحتمال العفو كاحتمال رجوع الشهود فيما إذا ثبت بالبيّنة ، فإنّه لا يمنع الاستيفاء في [ غيبته ](٢) .

الثاني : القطع بالجواز ، وحمل المنع على الاحتياط.

الثالث : القطع بالمنع ؛ لعظم خطر الدم(٣) . وبهذا الأخير قال أبو حنيفة(٤) .

____________________

(١) التنبيه : ١٠٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٦ ، الوسيط ٣ : ٢٧٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٦ ، المغني ٥ : ٢٠٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٧ - ٢٠٨.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « غيبتهم ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه كما في « العزيز شرح الوجيز ».

(٣) بحر المذهب ٨ : ١٦٥ ، حلية العلماء ٥ : ١١٣ - ١١٤ ، البيان ٦ : ٣٥٧ - ٣٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٩ - ٢١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٦.

(٤) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٨ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢١ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٣٦ ، =

٤٨

مسألة ٦٧٦ : ويجوز التوكيل في إثبات حدّ القذف والقصاص عند الحاكم وإقامة البيّنة عليه‌ ، عند عامّة الفقهاء ؛ لأنّه حقٌّ لآدميّ ، فجاز التوكيل في إثباته ، كسائر الحقوق.

وقال أبو يوسف : لا يصحّ التوكيل فيه ؛ لأنّه يثبت الحدّ بما قام مقام العفو ، والحدّ لا يثبت بذلك ، كما لا يثبت بالشهادة على الشهادة ، ولا بكتاب القاضي إلى القاضي ولا برجل وامرأتين ، كذا هنا(١) .

ونمنعه في الشهادة على الشهادة وكتاب القاضي إلى القاضي ، على أنّ الحدّ لا يثبت بالتوكيل ، وإنّما يثبت بالبيّنة ، فلم يصح ما قاله.

مسألة ٦٧٧ : يجوز لكلّ واحدٍ من المدّعي والمدّعى عليه التوكيل بالخصومة ، رضي صاحبه أو لم يرض ، وليس لصاحبه الامتناع من خصومة الوكيل.

وقال أبو حنيفة : له الامتناع ، إلّا أن يريد الموكّل سفراً أو يكون مريضاً أو تكون مخدّرةً(٢) .

وقال مالك : له ذلك ، إلّا أن يكون سفيهاً خبيثَ اللسان ، فيعذر‌

____________________

= الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٥٢ ، حلية العلماء ٥ : ١١٤ ، المغني ٥ : ٢٠٧ - ٢٠٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٨ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٥ ، البيان ٦ : ٣٥٧.

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٨ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢١ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٣٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٥٣ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ١١ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥١٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٥ ، حلية العلماء ٥ : ١١٣ ، البيان ٦ : ٣٥٦.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٨ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٣٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٥٣ و ٢٥٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٧ / ١٧٤١ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٧ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٧ / ١٠٣٠ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٨٤ / ١١٨٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٢ ، البيان ٦ : ٣٥٥ - ٣٥٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٩.

٤٩

الموكّل في التوكيل (١) .

والحقّ ما قلناه ؛ لأنّه توكيلٌ في خالص حقّه ، فيُمكّن منه ، كالتوكيل باستيفاء الدَّيْن من غير رضا مَنْ عليه.

ولا فرق في التوكيل في الخصومة بين أن يكون المطلوب مالاً أو عقوبةً للآدميّين ، كالقصاص وحدّ القذف.

وكذا حدود الله تعالى عندنا ، خلافاً للشافعي(٢) .

مسألة ٦٧٨ : في التوكيل بالإقرار إشكال.

وصورته أن يقول : وكّلتُك لتقرَّ عنّي لفلان.

قال الشيخرحمه‌الله : إنّه جائز(٣) . وهو أحد قولَي الشافعيّة ؛ لأنّه قول يلزم به الحقّ ، فأشبه الشراء وسائر التصرّفات(٤) ، وبه قال أبو حنيفة(٥) أيضاً.

ومعظم الشافعيّة على المنع ؛ لأنّ الإقرار إخبار عن حقٍّ عليه ، ولا يلزم الغير إلّا على وجه الشهادة ، وهذا كما لو قال : رضيت بما يشهد به عَلَيَّ فلان ، فإنّه لا يلزمه ، كذلك هنا. ولأنّه إخبار ، فلا يقبل التوكيل كالشهادة ، وإنّما يليق التوكيل بالإنشاءات(٦) .

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٩ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٧ / ١٧٤١.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٦٥ ، البيان ٦ : ٣٥٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٦.

(٣) الخلاف ٣ : ٣٤٤ ، المسألة ٥ من كتاب الوكالة.

(٤) بحر المذهب ٨ : ١٥٠ و ١٦٢ ، الوجيز ١ : ١٨٨ ، الوسيط ٣ : ٢٧٧ ، حلية العلماء ٥ : ١١٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٩ ، البيان ٦ : ٣٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٥ ، المغني ٥ : ٢٠٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٧.

(٥) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٥٠ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٩ / ١٧٤٢ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٧ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٨ / ١٠٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٨.

(٦) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٠ و ١٦٢ ، الوسيط ٣ : ٢٧٧ ، =

٥٠

فعلى هذا هل يُجعل مُقرّاً بنفس التوكيل؟ فيه للشافعيّة وجهان :

أحدهما : نعم ، تخريجاً ، واختاره الجويني ؛ لأنّ توكيله دليل ثبوت الحقّ عليه ؛ لأنّ قوله : « أقرّ عنّي بكذا » يتضمّن وجوبه عليه.

وأظهرهما : أنّه لا يُجعل مُقرّاً ، كما أنّ التوكيل بالإبراء لا يجعل إبراءً ، وكالتوكيل في البيع ، فإنّه لا يكون بيعاً ، ورضاه بالشهادة عليه لا يكون إقراراً بالحقّ(١) .

وعندي في ذلك تردّد ، فإن قلنا بصحّة التوكيل في الإقرار ، ينبغي أن يبيّن للوكيل جنس المُقرّ به وقدره ، فلو قال : أقرّ عنّي بشي‌ء لفلان ، طُولب الموكّل بالتفسير.

ولو اقتصر على قوله : أقرّ عنّي لفلان ، فللشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّه كما لو قال : أقرّ عنّي له بشي‌ء.

وأصحّهما : أنّه لا يلزمه شي‌ء بحال ؛ لجواز أن يريد الإقرار بعلمٍ أو شجاعة ، لا بالمال(٢) .

مسألة ٦٧٩ : لا يصحّ التوكيل بالالتقاط ، فإذا أمره بالالتقاط فالتقط ، كان الملتقط أحقَّ به من الآمر.

والميراث لا تصحّ النيابة فيه ، إلّا في قبض الموروث وقسمته.

____________________

= حلية العلماء ٥ : ١١٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٩ ، البيان ٦ : ٣٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٥ ، المغني ٥ : ٢٠٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٧.

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٦ ، الوسيط ٣ : ٢٧٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٩ ، البيان ٦ : ٣٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٥.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٦٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٩ - ٢١٠ ، البيان ٦ : ٣٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٦.

٥١

وتصحّ النيابة في دفع الديات إلى مستحقّها.

والجنايات لا تصحّ النيابة فيها ؛ لأنّها ظلم ، فتتعلّق بفاعلها.

وأمّا قتال أهل البغي فيجوز أن يستنيب فيه.

والأشربة لا تصحّ النيابة فيها ، ويجب الحدّ على الشارب ؛ لأنّه فَعَل المحرَّم.

وأمّا الجهاد فقد مَنَع الشافعي من دخول النيابة فيه بحال ، بل كلّ مَنْ حضر الصفّ توجّه الفرض عليه(١) .

وهو بهذا المعنى صحيح ، وكذا ما قلناه أوّلاً من صحّة النيابة في الجهاد على معنى أنّ للرجل أن يُخرج غيره بأُجرة أو غيرها في الجهاد.

وأمّا الذبح فيصحّ التوكيل فيه.

وكذا يصحّ في السبق والرمي ؛ لأنّه إمّا إجارة أو جعالة ، وكلاهما تدخله النيابة.

ويصحّ التوكيل في الدعوى ؛ لأنّ ذلك مطالبة بحقّ غيره ، فهو كاستيفاء المال.

ويجوز التوكيل في مطالبة الحقوق وإثباتها والمحاكمة فيها ، حاضراً كان الموكّل أو غائباً ، صحيحاً أو مريضاً.

النظر الثالث : في العلم‌

مسألة ٦٨٠ : لا يشترط في متعلّق الوكالة - وهو ما وُكّل فيه - أن يكون معلوماً من كلّ وجهٍ‌ ، فإنّ الوكالة إنّما جُوّزت لعموم الحاجة ، وذلك‌

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٥١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٣.

٥٢

يقتضي المسامحة فيها ، ولذلك جوّز بعضهم تعليقها بالإغرار(١) . ولم يشترط القبول اللفظي فيها ، ولا الفوريّة في القبول ، لكن يجب أن يكون معلوماً مبيَّناً من بعض الوجوه حتى لا يعظم الغرر.

ولا فرق في ذلك بين الوكالة العامّة والخاصّة.

فأمّا الوكالة العامّة : فبأن يقول : وكّلتُك في كلّ قليل وكثير.

فإن لم يُضف إلى نفسه ، فالأقوى : البطلان ؛ لأنّه لفظ مبهم في الغاية.

ولو ذكر الإضافة إلى نفسه فقال : وكّلتُك في كلّ أمر هو إلَيَّ ، أو : في كلّ أُموري ، أو : في كلّ ما يتعلّق بي ، أو : في جميع حقوقي ، أو : بكلّ قليل وكثير من أُموري ، أو : فوّضت إليك جميع الأشياء التي تتعلّق بي ، أو : أنت وكيلي مطلقاً فتصرَّف في مالي كيف شئت ، أو فصَّل الأُمور المتعلّقة به التي تجري فيها النيابة ، فقال : وكّلتُك ببيع أملاكي وتطليق زوجاتي وإعتاق عبيدي ، أو لم يفصّل على ما تقدّم ، أو قال : وكّلتُك بكلّ أمر هو إلَيَّ ممّا يناب فيه ، ولم يفصّل أجناس التصرّفات ، أو قال : أقمتك مقام نفسي في كلّ شي‌ء ، أو : وكّلتُك في كلّ تصرّفٍ يجوز لي ، أو : في كلّ ما لي التصرّف فيه ، فالوجه عندي : الصحّة في الجميع - وبه قال ابن أبي ليلى(٢) - ويملك كلّ ما تناوله لفظه ؛ لأنّه لفظ عامّ فيصحّ فيما تناوله ، كما لو قال : بِعْ مالي كلّه.

ولأنّه لو فصّل وذكر جميع الجزئيّات المندرجة تحت اللفظ العامّ ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١١.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٩٢ ، البيان ٦ : ٣٦٣ ، المغني ٥ : ٢١١ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤١ ، حلية العلماء ٥ : ١١٦ ، المبسوط - للسرخسي - ١٩ : ٧٠.

٥٣

صحّ التوكيل ، سواء ضمّها بعضها إلى بعضٍ ، أو لا ، فيكون الإجمال صحيحاً.

وقال الشيخرحمه‌الله : لا تصحّ الوكالة العامّة(١) . وهو قول جميع العامّة - إلّا ابن أبي ليلى - لما فيه من الغرر العظيم والخطر الكبير ؛ لأنّه تدخل فيه هبة ماله وتطليق نسائه وإعتاق رقيقه ، وأن يزوّجه نساء كثيرة ، ويلزمه المهور الكثيرة والأثمان العظيمة ، فيعظم الضرر(٢) .

والجواب : إنّا نضبط جواز تصرّف الوكيل بالمصلحة ، فكلّ ما لا مصلحة للموكّل فيه لم ينفذ تصرّف الوكيل [ فيه ](٣) كما لو وكّله في بيع شي‌ء وأطلق ، فإنّه لا يبيع إلّا نقداً بثمن المثل من نقد البلد ، كذا في الوكالة العامّة.

وكذا يصحّ لو قال له : اشتر لي ما شئت - خلافاً لبعض العامّة(٤) ، وعن أحمد رواية أنّه يجوز(٥) - عملاً بالأصل ، ولأنّ الشريك والمضارب وكيلان في شراء ما شاء. وحينئذٍ ليس له أن يشتري إلّا بثمن المثل وأدون ، ولا يشتري ما يعجز الموكّل عن ثمنه ، ولا ما لا مصلحة للموكّل فيه.

ولو قال : بِعْ مالي كلّه واقبض ديوني كلّها ، صحّ التوكيل ؛ لأنّه قد يعرف ماله وديونه.

ولو قال : بِعْ ما شئت من مالي واقبض ما شئت من ديوني ، صحّ التوكيل ؛ لأنّه إذا جاز التوكيل في الجميع ، ففي البعض أولى.

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٣٥٠ ، المسألة ١٤ من كتاب الوكالة.

(٢) راجع المصادر في الهامش (٢) من ص ٥٢.

(٣) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٤و٥) المغني ٥ : ٢١٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٢.

٥٤

ووافقتنا العامّة في جواز : وكّلتُك في بيع أموالي واستيفاء ديوني ، أو : استرداد ودائعي ، أو : إعتاق عبيدي(١) .

والتفاوت ليس بطائلٍ.

وأمّا الوكالة الخاصّة : فهي المقصورة على نوعٍ من الأنواع ، كبيع عبدٍ أو شراء جاريةٍ أو محاكمة خصمٍ أو استيفاء دَيْنٍ منه ، وما أشبه ذلك ، ولا خلاف في جوازها.

مسألة ٦٨١ : إذا وكّله في بيع أمواله ، صح ، ولا يشترط كون أمواله معلومةً حينئذٍ ، بل يبيعها الوكيل ويبيع ما يعلم انتسابها إليه.

وللشافعيّة فيه وجهان ، هذا أصحّهما(٢) .

ولو قال : وكّلتُك في قبض جميع ديوني على الناس ، جاز مجملاً وإن لم يعرف مَنْ عليه الدَّيْن ، وأنّه واحد أو أشخاص كثيرة ، وأيّ جنسٍ ذلك الدَّيْن.

أمّا لو قال : وكّلتُك في بيع شي‌ء من مالي ، أو : في بيع طائفةٍ منه أو قطعة منه ، أو في قبض شي‌ء من ديوني ، ولم يعيّن ، فالأقوى : البطلان ؛ لجهالته من الجملة ، ولا بدّ من أن يكون الموكّل فيه ممّا يسهل استعلامه.

أمّا لو قال : بِعْ ما شئت من أموالي ، أو : اقبض ما شئت من ديوني ، فإنّه يجوز.

وكذا لو قال : بِعْ مَنْ رأيت من عبيدي.

وقال بعض الشافعيّة : لا يجوز حتى يعيّن(٣) . وليس شيئاً.

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٩٣ ، البيان ٦ : ٣٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٨.

٥٥

مسألة ٦٨٢ : لو قال له : بِعْ ما شئت من مالي ، جاز ، خلافاً لبعض الشافعيّة(١) . ولو قال : بِعْ ما شئت من عبيدي ، جاز عندنا وعندهم(٢) .

وفرّقوا : بأنّ الثاني محصور الجنس ، بخلاف الأوّل(٣) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ ما جاز التوكيل في جميعه جاز في بعضه ، كعبيده.

ولو قال : اقبض دَيْني كلّه وما يتجدّد من ديوني في المستقبل ، صحّ على إشكالٍ في المتجدّد.

ولو قال له : اشتر لي شيئاً أو حيواناً أو رقيقاً أو عبداً أو ثوباً ، ولم يعيّن الجنس ، فالأقوى عندي : الجواز ، ويكون الخيار في الشراء إلى الوكيل ، ويكون ذلك كالقراض حيث أمره صاحب المال بشراء شي‌ء.

وقال أصحاب الشافعي : لا يصحّ مع الإطلاق حتى يبيّن أنّ الرقيق عبد أو أمة ، ويبيّن النوع أيضاً من أنّه تركيّ أو هنديّ أو غيره ؛ لأنّ الحاجة قد تقلّ إلى شراء عبدٍ مطلق على أيّ نوعٍ ووصفٍ كان ، وفي الإبهام ضرر عظيم ، فلا يحتمل ، وإنّما تمسّ الحاجة في الأكثر وتدعو إلى غلامٍ من جنسٍ معيّن ، هذا مذهب أكثرهم(٤) .

وذكر بعضهم وجهاً : أنّه يصحّ التوكيل بشراء عبدٍ مطلق(٥) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٢ - ٢١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٨ ، المغني ٥ : ٢١٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٢.

(٢ و ٣) المغني ٥ : ٢١٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٢.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٤٩٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٩١ ، البيان ٦ : ٣٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٨ ، المغني ٥ : ٢١٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٣.

(٥) الحاوي الكبير ٦ : ٤٩٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩.

٥٦

مسألة ٦٨٣ : إذا و كلّه في شراء عبدٍ وأطلق ، فقد بيّنّا جوازه‌. وعند الشافعيّة لا بدّ من تعيين جنسه(١) .

وهل يفتقر مع تعيين النوع إلى تعيين الثمن؟ الأقرب عندي : عدمه - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة ، وبه قال أبو حنيفة وابن سريج(٢) - لأنّه إذا ذكر نوعاً فقد أذن له في أعلاه ثمناً ، فيقلّ الغرر. ولأنّ ضبط الثمن ممّا يعسر معه التحصيل ؛ لأنّه قد لا يوجد به ، ولأنّ تعلّق الغرض بعبدٍ من ذلك النوع نفيساً كان أو خسيساً ليس ببعيدٍ.

والثاني للشافعيّة : لا بدّ من تقدير الثمن ، أو بيان غايته بأن يقول : مائة ، أو من مائة إلى ألف ؛ لكثرة التفاوت فيه ، ويجوز أن يذكر له أكثر الثمن أو أقلّه ، وإذا كان التفاوت في الجنس الواحد كثيراً ، لم يتمّ التوكيل إلّا بالتعيين(٣) .

وهو ممنوع.

ولا يشترط استقصاء الأوصاف التي تُضبط في السَّلَم ولا ما يقرب منها إجماعاً.

نعم ، إذا اختلفت الأصناف الداخلة تحت النوع الواحد اختلافاً ظاهراً ، قال بعض الشافعيّة : لا بدّ من التعرّض له(٤) .

____________________

(١) راجع الهامش (٤) من ص ٥٥.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٩١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٢ ، البيان ٦ : ٣٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣٣ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٤ ، المغني ٥ : ٢١٣.

(٣) بحر المذهب ٨ : ١٩١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٢ ، البيان ٦ : ٣٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩ ، المغني ٥ : ٢١٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩.

٥٧

وليس شيئاً.

وهل يكفي ذكر الثمن عن ذكر النوع فيقول له مثلاً : اشتر لي عبداً بمائة ، وإن لم يقل : تركيّاً أو هنديّاً؟ الوجه عندنا : جوازه ، وبه قال بعض الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم بعدم الاكتفاء(٢) .

ولو قال : اشتر لي عبداً كما تشاء ، جاز أيضاً عندنا - وبه قال بعض الشافعيّة(٣) - لأنّه صرّح بالتفويض التامّ ، بخلاف ما لو اقتصر على قوله : اشتر لي عبداً ، فإنّه لم يأت فيه ببيانٍ معتاد ولا تفويضٍ تامّ.

والأكثرون منهم لم يكتفوا بذلك ، وفرّقوا بينه وبين أن يقول في القراض : اشتر مَنْ شئت من العبيد ؛ لأنّ المقصود هناك الربح بنظر العامل وتصرّفه ، فليس(٤) التفويض إليه(٥) .

وفي التوكيل بشراء الدار يجب عندهم التعرّض للمحلّة والسكّة ، وفي الحانوت للسوق(٦) .

وكلّ هذا عندنا غير لازمٍ.

مسألة ٦٨٤ : إذا وكّله في الإبراء من الحقّ الذي له على زيدٍ ، صحّ.

فإن عرف الموكّل مبلغ الدَّيْن كفى ، ولم يجب إعلام الوكيل قدر الدَّيْن وجنسه ، وبه قال بعض الشافعيّة(٧) .

____________________

(١) الوجيز ١ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٣.

(٢) الوجيز ١ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩.

(٤) في « العزيز شرح الوجيز » : « فيليق » بدل « فليس ».

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩.

(٦) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩.

٥٨

وقال بعضهم : لا بدّ من أن يبيّن للوكيل قدر الدَّيْن وجنسه(١) .

والمعتمد : الأوّل ؛ لأصالة صحّة الوكالة.

أمّا لو قال : بِعْ عبدي بما باع به فلان فرسه ، اشتُرط في صحّة البيع عِلْمُ الوكيل ؛ لأنّ العهدة تتعلّق به ، فلا بدّ أن يكون على بصيرةٍ من الأمر ، ولا عهدة في الإبراء.

ولو كان الموكّل جاهلاً بما باع به فلان فرسه ، لم يضر.

واشترط بعضهم العلم بما يقع الإبراء منه(٢) .

وأصل الخلاف : إنّ الإبراء هل هو محض إسقاط ، أو تمليك؟ إن قلنا : إسقاط ، صحّ مع جَهْل مَنْ عليه الحقّ بمبلغ الحقّ. وإن قلنا : تمليك ، فلا بدّ من علمه ، كما أنّه لا بدّ من علم المتّهب بما يوهب منه(٣) .

ولو قال : وكّلتُك في أن تُبرئه من الدَّيْن الذي لي عليه ، ولم يعلم الموكّل قدره ولا الوكيل ، صحّ أيضاً عندنا.

ولو وكّله في الإبراء من شي‌ء ، وأطلق ، لم يكن للوكيل التعيين ، بل يُبرئه من شي‌ء مبهم ، ويُحمل على أقلّ ما يتموّل ؛ لأنّه المتيقّن بالإسقاط ، والزائد عليه ثابت في الذمّة ، فلا يزول عنها إلّا بمزيل.

ولو قال : وكّلتُك في أن تُبرئه ممّا شئت ، أو ممّا شاء ، فالوجه : الصحّة ، ويرجع في القدر إلى مشيئته أو مشيئة الغريم.

ولو وكّله بأن قال : ابرئ فلاناً عن دَيْني ، اقتضى ذلك أن يُبرئه من‌ الجميع. ولو قال : عن شي‌ء منه ، أبرأه عن أقلّ ما يتموّل.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٥١٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩.

(٢و٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩.

٥٩

ولو قال : أبرأه عمّا شئت ، لم يجز الاستيعاب ، مع احتماله.

مسألة ٦٨٥ : إذا وكّله في الإبراء من الحقّ الذي له عليه(١) ، فأبرأه الوكيل ، صح ، وبرئت ذمّته.

ولو كان له على رجل حقٌّ ، فوكّل صاحب الحقّ مَنْ عليه الحقّ في إبراء نفسه ، صحّ ؛ لأنّه وكّله في إسقاط حقٍّ عن نفسه ، فوجب أن يصحّ ، كما لو وكّل العبدَ في إعتاق نفسه والمرأةَ في طلاقها ، وهو المشهور عند الشافعيّة(٢) .

وقال بعضهم : لا يصحّ ؛ لأنّه لا يملك إسقاط الحقّ عن نفسه بنفسه ، كما لو كان في يده عين مضمونة عليه ، فإنّه لا يصحّ أن يوكّله في إسقاط الضمان عن نفسه(٣) .

وهو ضعيف ؛ لأنّه يخالف إسقاط الحقّ عن الذمّة ؛ لأنّ ذلك لا يسقط إلّا بالقبض ، ولا يكون قابضاً من نفسه ، وهنا يكفي مجرّد الإسقاط ، على أنّا نمنع الحكم في الأصل.

إذا ثبت هذا ، فإذا وكّل المضمونُ له المضمونَ عنه في إبراء الضامن ، جاز ، فإذا أبرأه ، برئ الضامن والمضمون عنه عندنا.

وعند العامّة لا يبرأ المضمون عنه(٤) .

وإن وكّل الضامنَ في إبراء المضمون عنه فأبرأه ، لم يبرأ الضامن عندنا ؛ لأنّ الدَّيْن انتقل من ذمّة المضمون عنه ، ولا تصحّ هذه الوكالة ، كما لو وكّله في إبراء مَنْ لا حقّ له عليه.

____________________

(١) كذا ، والظاهر : « على زيد » بدل « عليه ».

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٥١٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٣ ، الوسيط ٣ : ٢٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨ - ٥٣٩.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٥١٥ بحر المذهب ٨ : ١٦٣.

(٤) المغني ٥ : ٢٤١ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٢.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501