تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

تذكرة الفقهاء11%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: 501

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 179718 / تحميل: 5847
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٦-١
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

تَذْكِرَةُ الْفُقَهاء

الجزء الخامس عشر

تأليْفُ : العَلّامِةَ الحِليْ

٢

٣

بسم الله الرحمن ا لرحيم

٤

٥

المقصد السادس : في الوكالة‌

وفيه فصول :

الأوّل : في حقيقتها ومشروعيّتها‌

الوكالة : عقد شُرِّع للاستنابة في التصرّف ، وهي جائزة بالكتاب والسنّة والإجماع.

أمّا الكتاب : فقوله تعالى :( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها ) (١) فجوّز العمل [ عليها ](٢) وذلك بحكم النيابة عن المستحقّين.

وقوله تعالى :( فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ ) (٣) وهذه وكالة.

وقوله تعالى :( اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً ) (٤) وهذه وكالة.

____________________

(١) التوبة : ٦٠.

(٢) إضافة يقتضيها السياق.

(٣) الكهف : ١٩.

(٤) يوسف : ٩٣.

٦

وأمّا السنّة : فما روى العامّة عن جابر بن عبد الله قال : أردت الخروج إلى خيبر فأتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقلت له : إنّي أردتُ الخروج إلى خيبر ، فقال : « إذا لقيتَ وكيلي فخُذْ منه خمسة عشر وسقاً ، فإن ابتغى منك آيةً فضَعْ يدك على ترقوته »(١) .

وروي أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكّل عمرو بن أُميّة الضمري في قبول نكاح أُمّ حبيبة بنت أبي سفيان(٢) ، ووكّل أبا رافع في نكاح ميمونة(٣) .

وروى عروة بن الجعد البارقي قال : عُرض للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جَلَبٌ(٤) فأعطاني ديناراً ، فقال : « يا عروة ائت الجَلَب فاشتر لنا شاةً » قال : فأتيتُ الجَلَبَ فساوَمْتُ صاحبَه فاشتريتُ شاتين بدينار فجئتُ أسوقهما ، أو : أقودهما ، فلقيني رجل بالطريق فساومني ، فبعتُ منه شاةً بدينار وأتيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالدينار والشاة ، فقلت : يا رسول الله هذا ديناركم وهذه شاتكم ، قال : « وصنعتَ كيف؟ » قال : فحدّثته الحديث ، فقال : « اللَّهمّ بارك في صفقة يمينه »(٥) .

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٣ : ٣١٤ / ٣٦٣٢ ، سنن البيهقي ٦ : ٨٠.

(٢) المحبّر : ٧٦ و ٨٨ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٥ : ٤٢١ ، و ٦٩ : ١٣٨ و ١٤٥ ، الطبقات الكبرى ١ : ٢٥٨ - ٢٥٩ ، و ٨ : ٩٩ ، المستدرك - للحاكم - ٤ : ٢٢ ، دلائل النبوّة - للبيهقي - ٣ : ٤٦١ ، سنن البيهقي ٧ : ١٣٩ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٠١.

(٣) السيرة النبويّة - لابن هشام - ٤ : ١٤ ، تاريخ الطبري ٣ : ٢٥ ، المحبّر : ٩١ - ٩٢ ، الطبقات الكبرى ٢ : ١٢٢ ، و ٨ : ١٣٢ - ١٣٤ ، الثقات - لابن حبّان - ٢ : ٢٦ ، العلل - للدارقطني - ٧ : ١٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٠٠ / ٨٤١ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٠١ ، التمهيد ٣ : ١٥٢.

(٤) الجَلَب : ما جُلب من خيلٍ وإبلٍ ومتاعٍ. لسان العرب ١ : ٢٦٨ « جلب ».

(٥) تاريخ مدينة دمشق ٥٠ : ٢٩٩ ، سنن الدارقطني ٣ : ١٠ / ٣٠ ، مسند أحمد ٥ : ٥٠٧ / ١٨٨٧٣ ، و ٥٠٨ / ١٨٨٧٧ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٠١.

٧

وروي أنّه وكّل حكيم بن حزام في شراء شاة(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « مَنْ وكّل رجلاً على إمضاء أمر من الأُمور فالوكالة ثابتة أبداً حتى يُعْلمه بالخروج منها كما أعلمه بالدخول فيها »(٢) وغير ذلك من الأحاديث.

وقد أجمعت الأُمّة في جميع الأعصار والأمصار على جواز الوكالة في الجملة.

ولأنّ اشتداد الحاجة الداعية إلى التوكيل ظاهرٌ ، فإنّه لا يمكن كلّ أحدٍ مباشرة جميع ما يحتاج إليه من الأفعال ، فدعت الضرورة إلى الاستنابة ، فكانت مشروعةً.

ولا بدّ في الوكالة من عقدٍ مشتملٍ على إيجابٍ وقبولٍ ، ومن موكّلٍ يصدر عنه الإيجاب ، ومن وكيلٍ يصدر عنه القبول ، ومن أمرٍ تقع الوكالة فيه. فأركان الوكالة أربعة نحن نذكرها في فصلٍ ثمّ نعقّب بأحكام الوكالة في فصلٍ آخَر إن شاء الله تعالى.

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٥٦ / ٣٣٨٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٥٨ / ١٢٥٧.

(٢) الفقيه ٣ : ٤٧ / ١٦٦ ، التهذيب ٦ : ٢١٣ / ٥٠٢.

٨

٩

الفصل الثاني : في أركا ن الوكالة‌

وفيه أربعة مباحث :

الأوّل : في الصيغة

الوكالة عقد يتعلّق به حقّ كلّ واحدٍ من المتعاقدين ، فافتقر إلى الإيجاب والقبول ، كالبيع.

والأصل فيه عصمةُ مال المسلم ، ومنعُ غيره من التصرّف فيه إلّا بإذنه ، فلا بدّ من جهة الموكّل من لفظٍ دالٍّ على الرضا بتصرّف الغير له ، وهو كلّ لفظٍ دالٍّ على الإذن ، مثل أن يقول : وكّلتك في كذا ، أو فوّضته إليك ، وأنَبْتُك فيه ، وما أشبهه.

ولو قال : وكِّلني في كذا ، فقال : نعم ، أو أشار بما يدلّ على التصديق ، كفى في الإيجاب.

ولو قال : بِعْ وأعتق ، ونحوهما ، حصل الإذن ، وهذا لا يكاد يُسمّى إيجاباً ، بل هو أمر وإذْنٌ ، وإنّما الإيجاب قوله : وكّلتك ، أو : استنبتك ، أو : فوّضت إليك ، وما أشبهه.

وقوله : « أذنتُ لك في فعله » ليس صريحاً في الإيجاب ، بل إذْنٌ في الفعل.

وقد وكّل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عروة بن الجعد البارقي في شراء شاة بلفظ الشراء(١) .

____________________

(١) راجع الهامش (٥) من ص ٦.

١٠

وقال تعالى مُخبراً عن أهل الكهف :( فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ ) (١) .

ولأنّه لفظ دلّ على الإذن ، فجرى مجرى قوله : وكّلتك.

مسألة ٦٤٥ : لا بدّ من القبول إمّا لفظاً - وهو كلّ ما يدلّ على الرضا بالفعل - أو فعلاً.

ويجوز القبول بقوله : « قبلت » وما أشبهه من الألفاظ الدالّة عليه ، وبكلّ فعلٍ دلّ على القبول ، نحو أن يأمره بالبيع فيبيع ، أو بالشراء فيشتري ؛ لأنّ الذين وكّلهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم ينقل عنهم سوى امتثال أمره ، ولأنّه إذنٌ في التصرّف ، فجاز القبول فيه بالفعل ، كأكل الطعام.

والقبول يُطلق على معنيين :

أحدهما : الرضا والرغبة فيما فوّضه إليه. ونقيضه الردّ.

والثاني : اللفظ الدالّ عليه على النحو المعتبر في البيع وسائر المعاملات.

ويعتبر في الوكالة القبولُ بالمعنى الأوّل حتى لو ردّ وقال : لا أقبل ، أو : لا أفعل ، بطلت الوكالة. ولو ندم وأراد أن يفعل أو يرجع [ لا ينفع ](٢) بل لا بُدَّ من استئناف إذنٍ جديد مع علم الموكّل ؛ لأنّ الوكالة جائزة من الطرفين ترتفع في الالتزام بالفسخ ، فلأن تُرتدّ في الابتداء بالردّ كان أولى.

وأمّا بالمعنى الثاني - وهو القبول اللفظي - فالوجه عندنا : أنّه لا يشترط ؛ لأنّه إباحة ورفع حجر ، فأشبه إباحة الطعام لا يفتقر إلى القبول اللفظي ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

____________________

(١) الكهف : ١٩.

(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

١١

والثاني : الاشتراط ؛ لأنّه إثبات حقّ التسليط والتصرّف للوكيل ، فليقبل لفظاً ، كما في سائر المملّكات(١) .

ولهم طريقٌ آخَر : إنّ الوجهين فيما إذا أتى بصيغة عقدٍ بأن قال : وكّلتك ، أو : استنبتك ، أو : فوّضت إليك ، وأمّا في صِيَغ الأمر - نحو : بِعْ ، أو : اشتر - فلا يشترط القبول لفظاً جزماً ، بل يكفي الامتثال على المعتاد ، كما في إباحة الطعام(٢) .

وقال بعض الشافعيّة : إنّ قوله : « أذنت لك في كذا » بمثابة قوله : « بِعْ واعتق » لا بمثابة قوله : « وكّلتك » وإن كان « أذنت » على صِيَغ العقود(٣) .

إذا ثبت هذا ، فإنّ الوكيل إن شاء قَبِل بلفظه ، وإن شاء تصرّف ، وكان ذلك قبولاً منه ؛ لأنّ الوكالة أمر له ، فيصير بالتصرّف محصّلاً للأمر ، بخلاف سائر العقود من البيع والإجارة والهبة والوصيّة ، فإنّها تتضمّن التمليك ، فافتقرت إلى القبول بالقول ، والتوكيل جارٍ مجرى الوديعة والعارية لا يفتقر إلى القبول بالقول ؛ لأنّ ذلك أمر وإباحة.

مسألة ٦٤٦ : ويجوز عندنا القبول على الفور والتراخي ، نحو أن يبلغه أنّ رجلاً وكّله في بيع شي‌ء منذ سنة فيبيعه ، أو يقول : قبلت ، أو يأمره بفعل شي‌ء فيفعله بعد مدّة طويلة ؛ لأنّ قبول وكلاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لوكالته كان بفعلهم ، وكان متراخياً عن توكيله إيّاهم ، ولأنّه أذن في التصرّف ، والإذن قائم ما لم يرجع عنه ، فأشبه الإباحة ، ولأنّ الوكالة عقد يحتمل فيه‌

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٥٦ ، الوسيط ٣ : ٢٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٤ ، منهاج الطالبين : ١٣٥.

(٢) الوسيط ٣ : ٢٨٣ ، الوجيز ١ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٤ ، منهاج الطالبين : ١٣٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٠.

١٢

ضروب من الجهالة ، و يصحّ في الموجود والمفقود ، فيحتمل فيه تأخير القبول ، كالوصيّة ، وهو الظاهر من مذهب الشافعي(١) .

وقال القاضي أبو حامد من أصحابه : إنّه يجب أن يكون على الفور ، كالبيع(٢) .

وقال بعضهم : يكتفى بوقوعه في المجلس(٣) .

هذا في القبول اللفظي ، فأمّا بالمعنى الأوّل الفعلي فلا يجب التعجيل - عندنا وعنده(٤) - بحال.

وإن [ لم نشرط ](٥) القبول فلو وكّله والوكيل لا يشعر به ، ففي ثبوت وكالته إشكال.

وللشافعيّة وجهان يقربان من القولين في أنّ العزل هل ينفذ قبل بلوغ خبره إلى الوكيل؟ والوكالة أولى أن لا تثبت ؛ لأنّها تسليط على التصرّف(٦) .

فإن لم نثبتها ، فهل نحكم بنفوذها حالة بلوغ الخبر كالعزل ، أم لا؟ للشافعيّة وجهان(٧) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤٩٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٧ ، التنبيه : ١٠٨ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٦ ، حلية العلماء ٥ : ١١٦ ، البيان ٦ : ٣٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٤ ، المغني ٥ : ٢٠٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٢.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٩٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٧ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٦ ، حلية العلماء ٥ : ١١٦ ، البيان ٦ : ٣٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٠.

(٣) البيان ٦ : ٣٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٤.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « شرط ». والصحيح ما أثبتناه.

(٦ و ٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٤.

١٣

قال بعضهم : إن لم ن حكم به ، فقد شرطنا اقتران علمه بالوكالة(١) .

والأظهر : ثبوت الوكالة وإن لم يعلم.

فعلى هذا لو تصرّف الوكيل وهو غير عالمٍ بالتوكيل ثمّ ظهر الحال ، خرج على الخلاف فيما إذا باع مال أبيه على ظنّ أنّه حيّ وكان ميّتاً.

مسألة ٦٤٧ : إذا شرطنا القبول ، لم يكتف بالكتابة والرسالة ، كما لو كتب بالبيع.

وإن لم نشترط القبول ، كفت الكتابة والرسالة ، وكان مأذوناً في التصرّف. وهو الأقرب عندي.

وإذا شرطنا القبول ، لم يكف الاستدعاء بأن يقول : وكِّلني ، فيقول : وكّلتك ، بل يشترط القبول ، فيقول بعد ذلك : قبلت.

وللشافعيّة قولان ، كما في البيع ، بل الوكالة أحوج إلى الاشتراط ؛ لأنّها ضعيفة(٢) .

وقيل : يجوز ؛ لأنّ الوكالة يحتمل فيها ما لا يحتمل في البيع ، فكانت أولى بعدم الاشتراط(٣) . ولا بأس به.

مسألة ٦٤٨ : لا يصحّ عقد الوكالة معلّقاً بشرطٍ أو وصف ، فإن عُلّقت عليهما ، بطلت - مثل أن يقول : إن قدم زيد ، أو : إذا جاء رأس الشهر فقد وكّلتك - عند علمائنا - وهو أظهر مذهب الشافعي(٤) - لأنّه عقد يملك به‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٠ - ٢٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٤ - ٥٣٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٥.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٧ ، بحر المذهب ٨ : ١٨٦ ، حلية العلماء ٥ : ١١٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٢ ، البيان ٦ : ٣٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٥ ، المغني ٥ : ٢١٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٣.

١٤

التصرّف حال الحياة لم يبن على التغليب والسراية ، فلم يجز تعليقه بشرطٍ ، كالبيع. ولأنّ الشركة والمضاربة وسائر العقود لا تقبل التعليق ، فكذا الوكالة.

وقال بعض الشافعيّة وأبو حنيفة وأحمد : يصحّ تعليقها على الشرط ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال في جيش مُؤتة : « أميركم جعفر ، فإن قُتل فزيد بن حارثة ، فإن قُتل فعبد الله بن رواحة »(١) ، والتأمير في معنى التوكيل.

ولأنّه لو قال : أنت وكيلي في بيع عبدي إذا قدم الحاج ، أو : وكّلتك في شراء كذا في وقت كذا ، صحّ إجماعاً ، ومحلّ النزاع في معناه(٢) .

والفرق ظاهرٌ بين تنجيز العقد وتعليق التصرّف ، وبين تعليق العقد.

إذا ثبت هذا ، فلا خلاف في جواز تنجيز الوكالة وتعليق العقد ، مثل أن يقول : وكّلتُك في بيع العبد ولا تبعه إلّا بعد شهر ، فهذا صحيح ، وليس للوكيل أن يخالف.

واعلم أنّ بعض الشافعيّة خرّج الخلاف بينهم في وجوب التنجيز وصحّة التعليق على أنّ الوكالة هل تفتقر إلى القبول؟ إن قلنا : لا تفتقر جاز التعليق ، وإلاّ لم يجز ؛ لأنّ فرض القبول في الحال ، والوكالة لم تثبت بَعْدُ ، وتأخيرها إلى أن يحصل الشرط مع الفصل الطويل خارج عن قاعدة‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٥ : ١٨٢ ، سنن البيهقي ٨ : ١٥٤ ، مسند أحمد ١ : ٤٢٤ / ٢٣١٤ ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ٦٥ ، تاريخ الطبري ٣ : ٣٦ ، تاريخ الإسلام - للذهبي - ( المغازي ) : ٤٨٠ ، السيرة النبويّة - لابن هشام - ٤ : ١٥ ، السيرة النبويّة - لابن كثير - ٢ : ٤٥٥ ، المغازي - للواقدي - ٢ : ٥٧٦ ، المنتظم ٣ : ٣١٨ ، وفيها بتقديم « زيد ابن حارثة » على « جعفر ».

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٧ ، بحر المذهب ٨ : ١٨٦ ، حلية العلماء ٥ : ١١٨ - ١١٩ ، البيان ٦ : ٣٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٥ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٨ ، روضة القُضاة ٢ : ٦٤٣ / ٣٦٢٣ ، المغني ٥ : ٢١٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٢ - ٢٠٣.

١٥

التخاطب (١) .

تذنيب : يصحّ توقيت الوكالة ، فيقول : وكّلتك إلى شهرٍ ، مثلاً ، فليس للوكيل بعد مضيّ الشهر التصرّف.

مسألة ٦٤٩ : قد بيّنّا بطلان الوكالة المعلّقة على الشرط ، وهو أظهر قولَي الشافعيّة(٢) .

فلو تصرّف الوكيل بعد حصول الشرط ، فالأقرب : صحّة التصرّف ؛ لأنّ الإذن حاصل لم يزل بفساد العقد ، وصار كما لو شرط في الوكالة عوضاً مجهولاً ، فقال : بِعْ كذا على أنّ لك العُشْر من ثمنه ، تفسد الوكالة ، ولكن إن باع يصحّ ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : لا يصحّ ؛ لفساد العقد ، ولا اعتبار بالإذن الضمني في عقدٍ فاسد ، ألا ترى أنّه لو باع بيعاً فاسداً وسلّم إليه المبيع ، لا يجوز للمشتري التصرّف فيه وإن تضمّن البيعُ والتسليمُ الإذنَ في التصرّف والتسليط عليه(٣) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ الإذن في تصرّف المشتري باعتبار انتقال الثمن إليه والملك إلى المشتري ، وشي‌ءٌ منهما ليس بحاصل ، وإنّما أذن له في التصرّف لنفسه ليسلم له الثمن ، وهنا إنّما أذن له في التصرّف عن الآذن لا لنفسه.

قال بعض الشافعيّة : أصل المسألة ما إذا كان عنده رهن بدَيْنٍ مؤجَّل ، فأذن المرتهن في بيعه على أن يعجّل حقّه من الثمن ، وفيه‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢١.

(٢) راجع الهامش (٤) من ص ١٣.

(٣) البيان ٦ : ٣٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٥.

١٦

اختلاف سبق.

وهذا البناء يقتضي ترجيح الوجه الثاني ؛ لأنّ ظاهر المذهب للشافعيّة هناك فساد الإذن والتصرّف.

فإن قلنا بالصحّة - وهي الذي اخترناه نحن - [ فأثر ](١) بطلان الوكالة أنّه يسقط الجُعْل المسمّى إن كان قد سمّى له جُعْلاً ، ويرجع إلى أُجرة المثل ، وهذا كما أنّ الشرط الفاسد في النكاح يفسد الصداق ، ويوجب مهر المثل وإن لم يؤثّر في النكاح(٢) .

مسألة ٦٥٠ : لو قال : وكّلتك بكذا ومهما عزلتك فأنت وكيلي ، صحّت الوكالة المنجّزة ، وبطل التعليق ، فله عزله ، فإذا عزله لم يصر وكيلاً بذلك العقد ، بل بتجدّد عقدٍ آخَر.

وللشافعيّة في صحّة الوكالة المنجّزة وجهان :

أصحّهما : صحّة الوكالة في الحال.

والثاني : البطلان ؛ لاشتمالها على الشرط الفاسد ، وهو إلزام العقد الجائز(٣) .

فعلى قولنا وعلى الأصحّ من قولَي الشافعيّة أو كان قوله : « مهما عزلتك » مفصولاً عن الوكالة ، فإذا عزله نُظر إن لم يشعر به الوكيل واعتبرنا شعوره في نفوذ العزل ، فهو على وكالته. وإن لم نعتبره أو كان شاعراً به ، لم يَعُدْ وكيلاً بعد العزل عندنا.

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة : « تأثير ». وفي الطبعة الحجريّة صُحّح بـ « فتأثير ». والمثبت كما في المصدر.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢١ - ٢٢٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٥.

١٧

وللشافعيّة وجهان مب نيّان على أنّ الوكالة هل تقبل التعليق ؛ لأنّه علّق التوكيل ثانياً بالعزل؟

أظهرهما : المنع.

والثاني - وبه قال أبو حنيفة - أنّه يعود وكيلاً.

فعلى هذا يُنظر في اللفظة الموصولة بالعزل ، فإن قال : « إذا عزلتك » أو « مهما » أو « متى » لم يقتض ذلك عود الوكالة إلّا مرّة واحدة.

وإن قال : « كلّما عزلتك » اقتضى التكرار والعود مرّة بعد أُخرى ؛ لأنّ « كلّما » تقتضي التكرار ، دون غيرها.

فلو أراد أن لا يعود وكيلاً ، فسبيله أن يوكّل غيره بعزله ، فينعزل ؛ لأنّ المعلّق عليه عزل نفسه.

فإن كان قد قال : « إن عزلتك » أو : « عزلك أحدٌ من قِبَلي » فالطريق أن يقول : « كلّما عُدْتَ وكيلي فأنت معزول » فإذا عزله ينعزل(١) ؛ لتقاوم التوكيل والعزل ، واعتضاد العزل بالأصل ، وهو الحجر في حقّ الغير ، وعصمة مال المسلم عن تصرّف الغير(٢) .

قال الجويني : وفيه نظر على بُعْدٍ متلقّى من استصحاب الوكالة(٣) .

وهذا كلّه عندنا باطل ؛ لأنّ الوكالة عندنا لا تقبل التعليق.

مسألة ٦٥١ : كما أنّ الوكالة لا تقبل التعليق ، فالعزل هل يقبل التعليق؟ الأقرب ذلك ؛ لأنّه لا يشترط فيه القبول ، واشتراطه في الوكالة مختلف فيه.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لم ينعزل ». والصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٢ - ٢٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٣.

١٨

والخلاف للشافعيّة في أنّ الوكالة هل تقبل التعليق أم لا؟ جارٍ في العزل هل يقبل التعليق أم لا؟ ولكن بالترتيب ، والعزل(١) أولى بقبوله ؛ لما تقدّم من عدم اشتراط القبول فيه. وتصحيح إرادة الوكالة والعزل جميعاً مبنيّ على قبولهما التعليق(٢) .

قال الجويني : إذا أنفذنا العزل وقلنا : تعود الوكالة ، فلا شكّ أنّ العزل ينفذ في وقتٍ وإن لطف ، ثمّ تترتّب عليه الوكالة(٣) .

فلو صادف تصرّف الوكيل ذلك الوقت اللطيف هل ينفذ؟ فيه وجهان للشافعيّة(٤) .

وإنّما كان يتّضح هذا الفرض والتصوير أن لو وقع بينهما ترتّب [ زمانيّ ](٥) حتى يتصوّر(٦) وقوع التصرّف بينهما ، لكنّ الترتّب في مثل هذا لا يكون إلّا عقليّاً.

مسألة ٦٥٢ : تجوز الوكالة بجُعْلٍ وغير جُعْل ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وكَّل أُنَيْساً(٧) في إقامة الحدود(٨) ، وعروةَ في شراء شاة(٩) من غير جُعْلٍ ، وكان يبعث عُمّاله ليقبضوا الصدقات ، ويجعل لهم عمالةً ، ولهذا قال له [ ابنا‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجرية : « فالعزل » بدل « والعزل » والظاهر ما أثبتناه كما في المصدر.

(٢ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٦.

(٥) إضافة يقتضيها السياق.

(٦) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « تصوّر ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٧) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أنساً ». والصحيح ما أثبتناه من المصادر.

(٨) صحيح البخاري ٣ : ١٣٤ و ٢٤١ و ٢٥٠ ، و ٨ : ٢٠٨ ، صحيح مسلم ٣ : ١٣٢٤ - ١٣٢٥ / ١٦٩٧ و ١٦٩٨ ، سنن البيهقي ٨ : ٢١٣ و ٢١٩ و ٢٢٢.

(٩) تقدّم تخريجه في ص ٦ ، الهامش (٥)

١٩

عمّه ] (١) : لو بعث تنا على هذه الصدقات فنؤدّي إليك ما يؤدّي الناس ، ونصيب ما يصيبه الناس(٢) .

البحث الثاني : في الموكّل

مسألة ٦٥٣ : يشترط في الموكّل أن يملك مباشرة ذلك التصرّف ، ويتمكّن من المباشرة لما يُوكّل فيه إمّا بحقّ الملك لنفسه أو بحقّ الولاية عن غيره ، فلا يصحّ للصبي ولا المجنون ولا النائم ولا المغمى عليه ولا الساهي ولا الغافل أن يوكّلوا ، سواء كان الصبي مميّزاً أو لا ، وسواء كانت الوكالة في المعروف أو لا.

وعلى الرواية(٣) المقتضية لجواز تصرّف المميّز أو مَنْ بلغ خمسة أشبار في المعروف ووصيّته بالمعروف ينبغي القول بجواز توكيله.

وكذا لو وكّل مَنْ يعتوره الجنون حالَ جنونه.

ولو وكّل حالَ إفاقته ، صحّت الوكالة ، لكن إذا(٤) طرأ الجنون بطلت الوكالة.

مسألة ٦٥٤ : كلّ مَنْ صحّ تصرّفه في شي‌ء تدخله النيابة صحّ أن يوكّل فيه‌ ، سواء كان رجلاً أو امرأةً ، حُرّاً أو عبداً ، مسلماً أو كافراً ، فإنّ‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أتباعه ». والصحيح ما أثبتناه حسب ما يقتضيه سياق النصوص في المصادر.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٧٥٢ - ٧٥٣ / ١٠٧٢ ، سنن البيهقي ٧ : ٣١ ، التمهيد - لابن عبد البرّ - ٢٤ : ٣٥٩.

(٣) الكافي ٧ : ٢٨ ( باب وصيّة الغلام والجارية ) ح ١ ، الفقيه ٤ : ١٤٥ / ٥٠٢ ، التهذيب ٨ : ٢٤٨ / ٨٩٨ ، و ١٠ : ٢٣٣ / ٩٢٢ ، الاستبصار ٤ : ٢٨٧ / ١٠٨٥.

(٤) في « ج ، ر » : « لو » بدل « إذا ».

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

وقال أبو حنيفة : يصحّ ويقع للمسلم ؛ لأنّ الخمر مالٌ للذمّي ، لأنّ أهل الذمّة يتموّلونها ويتبايعونها ، فصحّ توكيلهم فيها ، كسائر أموالهم(١) .

وهو باطل ؛ فإنّ المسلم لا يصحّ أن يملك الخمر ، سواء باشر شراءها بنفسه أو بوكيله ، وأيّ سببٍ اقتضى تجويز التمليك إذا اشتراها الذمّيّ؟

وإذا باع الوكيل بثمنٍ معيّن ، مَلَك الموكّل الثمنَ دون الوكيل ؛ لأنّه بمنزلة المبيع.

ولو كان الثمن في الذمّة ، فالملك للموكّل أيضاً ، لكن له وللوكيل معاً المطالبة به.

وقال أبو حنيفة : ليس للموكّل المطالبة(٢) ، وقد سبق(٣) .

وأمّا ثمن ما اشتراه إذا كان في الذمّة فإنّه يثبت في ذمّة الموكّل أصلاً.

وإذا علم البائع أنّ الملك للموكّل ، لم يكن له مطالبة الوكيل ، بل إنّما يطالب الموكّل خاصّةً عندنا.

وقال بعض العامّة : إنّ الثمن يثبت في ذمّة الوكيل تبعاً ، وللبائع مطالبة مَنْ شاء منهما ، فإن أبرأ الوكيل لم يبرأ الموكّل ، وإن أبرأ الموكّل برئ الوكيل أيضاً(٤) .

وإن دفع الثمن إلى البائع فوجد به عيباً فردّه على الوكيل ، كان أمانةً في يده ، وهو من ضمان الموكّل.

ولو وكّل رجل غيره حتى يستسلف له ألفاً في كُرّ طعامٍ ، ففَعَل ، مَلَك‌

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ١٣ : ١٣٨ ، بحر المذهب ٨ : ٢٠١ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٦ ، البيان ٦ : ٣٦٢ ، المغني ٥ : ٢٦٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٧.

(٢) المغني ٥ : ٢٦٣ - ٢٦٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٧ - ٢٣٨.

(٣) في ص ١٣٨ - ١٣٩ ، المسألة ٧٤٤.

(٤) المغني ٥ : ٢٦٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٨.

١٤١

الموكّل الثمنَ ، وع ليه عهدة الطعام ، دون الوكيل.

وقال بعض العامّة : يكون الوكيل ضامناً عن موكّله(١) .

وليس بشي‌ء.

مسألة ٧٤٦ : إذا وكّله في عقدٍ كبيعٍ أو شراء ، تعلّق أحكام العقد - من رؤية المبيع أو المشترى - بالوكيل دون الموكّل ، حتى تعتبر رؤية الوكيل للمبيع ، دون الموكّل ، ويلزم العقد بمفارقة الوكيل مجلس العقد ، ولا يلزم بمفارقة الموكّل إن كان حاضراً فيه ، وتسليم رأس المال في السَّلَم والتقابض حيث يشترط التقابض يعتبران قبل مفارقة الوكيل ، والفسخ بخيار المجلس والرؤية يثبت للوكيل.

والأقرب : أنّه يثبت للموكّل.

وقال بعض الشافعيّة : يثبت للوكيل دون الموكّل حتى لو أراد الموكّل الإجازة ، كان للوكيل أن يفسخ(٢) .

وليس بجيّدٍ.

وفرّقوا بينه وبين خيار العيب حيث قالوا : لا ردّ للوكيل إذا رضي الموكّل(٣) .

مسألة ٧٤٧ : إذا اشترى الوكيل بثمنٍ معيّن ، فإن كان في يده ، طالَبه البائع به ، وإلّا طالَب الموكّل ؛ لأنّ الملك يقع له.

وإن اشترى في الذمّة ، فإن كان الموكّل قد سلّم إليه ما يصرفه إلى الثمن ، طالَبه البائع أيضاً.

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٦٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٠.

١٤٢

وإن لم يسلّم ، فإن أنكر البائع كونه وكيلاً ، أو قال : لا أدري هل هو وكيل أم لا ، ولا بيّنة ، طالَبه.

وإن اعترف بوكالته ، فالمطالَب بالثمن الموكّلُ لا غير ؛ لوقوع الملك له ، والوكيل سفيرٌ بينهما ومُعبّرٌ(١) للموكّل ، فلا يغرم شيئاً ، وهو أحد وجوه الشافعيّة.

والثاني : أنّ البائع مع تصديق الوكالة يطالب الوكيل لا غير ؛ لأنّ أحكام العقد تتعلّق به ، والالتزام وُجد منه.

والثالث : أنّه يطالب مَنْ شاء منهما ؛ نظراً إلى المعنيين(٢) .

والمعتمد : الأوّل.

مسألة ٧٤٨ : قد بيّنّا أنّ المطالبة مع علم البائع بالوكالة إنّما تتوجّه إلى الموكّل.

وقال بعض الشافعيّة : المطالبة للوكيل خاصّةً(٣) .

فعلى قوله هل للوكيل مطالبة الموكّل قبل أن يغرم؟ فيه للشافعيّة وجهان ؛ لأنّ بعضهم قال : يثبت الثمن للبائع على الوكيل ، وللوكيل مثله على الموكّل ، بناءً على أنّ الوكيل يثبت الملك له ثمّ ينتقل إلى الموكّل ، فعلى هذا للوكيل مطالبته بما ثبت له وإن لم يؤدّ ما عليه.

وقال آخَرون : يُنزّل الوكيل منزلة المحال عليه الذي لا دَيْن عليه ، وعلى هذا ففي رجوعه قبل الغرم وجهان ، كالمحال عليه.

والأصحّ عندهم : المنع.

____________________

(١) فيما عدا « ج » من النسخ الخطّيّة والحجريّة : « معين » بدل « معبّر ». وعبّرت عنه : تكلّمت عنه. المحيط في اللغة ٢ : ٣٥ « عبر ».

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٦.

١٤٣

فإذا غرم الوكيل للب ائع ، فقياس تنزيله منزلة المحال عليه الذي لا دَيْن عليه الخلافُ المذكور في الحوالة.

والمذهب عندهم : القطع بالرجوع ، وإلاّ لخرج المبيع [ عن ](١) أن يكون مملوكاً للموكّل بالعوض ، وفي ذلك تغيير لوضع العقد(٢) .

وهذا ساقط عندنا ؛ لأنّ البائع يطالب الموكّل خاصّةً.

مسألة ٧٤٩ : على قول القائلين بمطالبة البائع مَنْ شاء من الوكيل أو الموكّل فالوكيل كالضامن ، والموكّل كالمضمون عنه ، فيرجع الوكيل إذا غرم.

والقول في اعتبار شرط الرجوع وفي أنّه [ هل ](٣) يطالبه بتخليصه قبل الغرم؟ كما سبق في الضمان(٤) .

وقد فرّع ابن سريج على الخلاف في المسألة ، فقال : لو سلّم دراهم إلى الوكيل ليصرفها إلى الثمن الملتزم في الذمّة ، ففَعَل ثمّ ردّها البائع بعيبٍ ، فإن قلنا بأنّ البائع يطالب الموكّل أو يطالب مَنْ شاء ، فعلى الوكيل ردّ تلك الدراهم بأعيانها إلى الموكّل ، وليس له إمساكها أو إبدالها.

وإن قلنا : يطالب الوكيل ، فله ذلك ؛ لأنّ ما دفعه الموكّل إليه على هذا الوجه كأنّه أقرضه منه ليبرئ به ذمّته ، فإذا عاد إليه فهو ملكه ، وللمقترض إمساك ما استقرضه وردّ مثله(٥) .

واعلم أنّه لا خلاف في أنّ للوكيل أن يرجع على الموكّل في الجملة ،

____________________

(١) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق ، وكما في « العزيز شرح الوجيز ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٦.

(٣) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٤) راجع : ج ١٤ ، ص ٣٤٨ - ٣٤٩ ، المسألة ٥٢٨.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٦.

١٤٤

وإنّما الكلام في أن ّه متى يرجع؟ وبأيّ شي‌ء يرجع؟ وإذا كان كذلك ، توجّه أن يكون تسليم الدراهم دفعاً لمؤونة التراجع ، لا إقراضاً.

مسألة ٧٥٠ : الوكيل بالبيع إذا قبض الثمن إمّا بإذنٍ صريح أو بالإذن في البيع على رأي جماعةٍ من العامّة(١) وتلف المقبوض في يده ثمّ خرج المبيع مستحقّاً والمشتري معترف بالوكالة ، فحقّ رجوعه على الموكّل عندنا ؛ لأنّ الوكيل واسطة بينهما.

وقال بعض الشافعيّة : حقّ الرجوع بالثمن يكون على الوكيل ؛ لأنّه الذي تولّى القبض ، وحصل التلف في يده(٢) .

وقال بعضهم كما قلناه من أنّه يرجع على الموكّل ؛ لأنّ الوكيل سفير ، ويده يد موكّله(٣) .

وقال بعضهم : يرجع على مَنْ شاء(٤) ، كما تقدّم(٥) .

فإن قلنا : حقّ الرجوع على الموكّل ، فإذا غرم لم يرجع على الوكيل ؛ لأنّه أمينه ، فلا يضمن.

وقال بعض الشافعيّة : إذا قلنا : إنّ حقّ الرجوع على الموكّل إذا رجع على الموكّل ، رجع الموكّل على الوكيل ؛ لأنّ التلف في يده.

وهو مسلّم ، لكن لا يجب عليه الضمان ، كما لو تلف في يد الموكّل ؛ لأنّ يد الوكيل في الحقيقة هي يد الموكّل.

وإن جعلنا حقّ الرجوع على الوكيل فغرم ، لم يرجع على الموكّل.

وإذا قلنا : يرجع على مَنْ شاء منهما ، فثلاثة أوجُهٍ :

أشهرها عندهم : أنّه إن غرم الموكّل لم يرجع على الوكيل ، وإن غرم‌

____________________

(١ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٦.

(٥) في المسألة السابقة.

١٤٥

الوكيل رجع على المو كّل ؛ لأنّ الموكّل قد غرّ الوكيل ، والمغرور يرجع على الغارّ ، دون العكس.

والثاني : إنّ واحداً منهما لا يرجع على الآخَر ، أمّا الموكّل : فلأنّه غارّ. وأمّا الوكيل : فلحصول التلف في يده.

والثالث : إنّ الموكّل يرجع على الوكيل ، دون العكس ؛ لحصول التلف في يد الوكيل.

والذي يفتى به عندهم من هذه الاختلافات أنّ المشتري يغرم مَنْ شاء منهما والقرار على الموكّل(١) .

وأمّا عندنا فمع تصديق الوكالة يرجع على الموكّل خاصّةً ، سواء تلف بتفريطٍ من الوكيل أو لا ، إلّا أنّه إذا فرّط الوكيل ، كان له أن يرجع عليه ، ولا يرجع هو على الموكّل ؛ لأنّ التلف حصل بتفريطه ، فكان ضامناً. وإن رجع على الموكّل ، رجع الموكّل على الوكيل.

وإنّما كان له أن يرجع على الموكّل ؛ لأنّه سلّط الوكيل على القبض منه.

وإن كان التلف بغير تفريطٍ من الوكيل ، لم يضمن ، ولا يرجع المشتري عليه بالثمن.

وإن كان جاهلاً بالوكالة ، كان له أن يرجع على الوكيل ؛ لأنّه القابض.

ولو قامت بيّنة الوكالة ، سقط رجوعه عليه ، وكان له الرجوع على الموكّل خاصّةً.

ولو اعترف الموكّل بالوكالة ، لم يسقط رجوعه على الوكيل ؛ لإمكان تواطئهما على إسقاط حقّ المشتري من مطالبة الوكيل ، لكن له الرجوع على مَنْ شاء منهما.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥١ - ٢٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٦ - ٥٥٧.

١٤٦

مسألة ٧٥١ : إذا وكلّه في شراء عينٍ فاشتراها وقبض الوكيل العينَ وتلفت في يده بغير تفريط ثمّ ظهر أنّه كان المبيع مستحقّاً لغير البائع ، فللمستحقّ مطالبة البائع بقيمة المبيع إن لم يكن مثليّاً ، أو كان وتعذَّر المثل ، وبالمثل إن كان مثليّاً ؛ لأنّه غاصب ، ومن يده خرج المال.

وللشافعيّة ثلاثة أوجُهٍ :

أحدها : هذا.

والثاني : يطالب الوكيل.

والثالث : يطالب مَنْ شاء(١) ، كما سبق في المسألة السابقة.

قال الجويني : الأقيس في المسألتين أنّه لا رجوع له إلّا على الوكيل ؛ لحصول التلف عنده. ولأنّه إذا ظهر الاستحقاق ، بانَ فساد العقد ، وصار الوكيل قابضاً ملكَ الغير بغير حقٍّ. ويجري الخلاف في القرار في هذه الصورة أيضاً(٢) .

وأمّا نحن فهنا نقول : للمستحقّ مطالبة الوكيل ؛ لأنّه قبض ماله.

فإن تلفت بغير تفريطٍ ، رجع على الموكّل بما غرمه ؛ لأنّه أمينه لا ضمان عليه. وإن رجع على الموكّل ، لم يرجع على الوكيل ، بل استقرّ الرجوع على الموكّل.

وإن تلفت بتفريطٍ ، استقرّ الضمان عليه ، فإن رجع عليه لم يرجع هو على موكّله ؛ لأنّه ضامن. وإن رجع على الموكّل ، رجع الموكّل على الوكيل ؛ لأنّه فرّط بالإتلاف.

مسألة ٧٥٢ : إذا وكّله في البيع وأطلق ، انصرف إلى البيع بثمن المثل.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٧.

١٤٧

وهل يختصّ بالبيع با لعين ، أو يشمل بالعين والبيع بثمنٍ في الذمّة؟ إشكال.

فإن قلنا بالشمول أو أذن فيه فباع بثمنٍ في الذمّة واستوفاه ودَفَعه إلى الموكّل فخرج الثمن مستحقّاً أو معيباً وردّه ، فللموكّل أن يطالب المشتري بالثمن ، وله أن يغرّم الوكيل ؛ لأنّه صار مسلّماً للمبيع قبل أخذ عوضه.

وفيما يغرم؟

يحتمل قيمة العين ؛ لأنّه فوّت عليه العين.

والثاني(١) : الثمن ؛ لأنّ حقّه انتقل من العين إلى الثمن.

فإن قلنا بالأوّل فإن أخذ منه القيمة ، طالَب الوكيلُ المشتري بالثمن ، فإذا أخذه ، دَفَعه [ إلى ](٢) الموكّل ، واستردّ القيمة.

مسألة ٧٥٣ : لو(٣) دفع إليه دراهم ليشتري له بعينها عبداً ، فاشترى العبد بالعين(٤) وتلفت في يده قبل التسليم ، انفسخ البيع ، ولا شي‌ء على الوكيل. ولو تلفت قبل الشراء ، ارتفعت الوكالة.

ولو قال : اشتر في الذمّة واصرفها إلى الثمن الملتزم ، فتلفت في يد الوكيل بعد الشراء ، لم ينفسخ العقد ، وكان للبائع مطالبة الموكّل بعوض الثمن التالف إن علم الوكالة ، وإلّا طالَب الوكيل ، ويرجع الوكيل على الموكّل.

ولا ينقلب الشراء إلى الوكيل عندنا ، ولا يلزمه الثمن ، وهو أحد‌

____________________

(١) أي : الاحتمال الثاني.

(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٣) في « ث ، ر ، خ » : « إذا » بدل « لو ».

(٤) أي : بعين الدراهم.

١٤٨

أقوال الشافعيّة.

وا لثاني : إنّ البيع(١) ينقلب إلى الوكيل ، ويلزمه الثمن.

والثالث : أن يعرض الحال على الموكّل ، فإن رغب فيه وأتى بمثل تلك الدراهم ، فالشراء له ، وإلّا وقع للوكيل ، وعليه الثمن(٢) .

والحقّ ما قدّمناه.

ولو تلفت قبل الشراء ، لم ينعزل الوكيل.

وإن اشترى للموكّل ، وقع للموكّل ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : يقع للوكيل(٣) .

مسألة ٧٥٤ : لو اشترى الوكيل شراءً فاسداً وقبض المبيع وتلف إمّا في يده أو بعد تسليمه إلى الموكّل ، فللمالك مطالبته بالضمان.

وهل يرجع هو على الموكّل؟ إن كان قد أذن له في الشراء الفاسد ، أو علم به وقبضه ، كان له مطالبة الموكّل ، وإلّا فالأقرب : أنّه لا يطالبه به ؛ لأنّه إنّما وكّله في عقدٍ صحيح ، فإذا عقد فاسداً فقد فَعَل غير المأمور به ، فكان الضمان عليه ؛ لأنّ الموكّل لم يأمره بهذا القبض ، بل هو قَبَض لنفسه عن الموكّل ، والموكّل لم يأذن فيه ، فلا يقع عنه.

ولو أرسل رسولاً ليستقرض له شيئاً ، فاستقرض ، فهو كوكيل المشتري ، وفي مطالبته ما في مطالبة وكيل المشتري بالثمن.

والظاهر عند الشافعيّة أنّه يطالب ، ثمّ إذا غرم رجع على الموكّل(٤) .

____________________

(١) كذا ، والظاهر : « الشراء » بدل « البيع ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٢ - ٢٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٨.

١٤٩

المطلب الثالث : في نسبة الوكالة إلى الجواز.

مسألة ٧٥٥ : العقود على أربعة أضرب :

الأوّل : عقدٌ لازمٌ من الطرفين لا ينفسخ بفسخ أحد المتعاقدين ، وهو البيع والإجارة والصلح والخلع والنكاح ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة(١) .

وفيه وجهٌ آخَر : إنّ النكاح غير لازمٍ من جهة الزوج(٢) .

والقائل الأوّل منهم قال : إنّ الزوج لا يملك فسخه ، وإنّما يملك قطعه وإزالة ملكه ، كما يملك المشتري عتق العبد المشترى وإزالة ملكه عنه ، ولا يمنع ذلك لزومه في حقّه(٣) .

وأمّا الخلع فإنّ الرجل والمرأة معاً ليس لهما فسخه ، بل إذا رجعت المرأة في البذل ، كان له الرجوع في النكاح.

الثاني : عقدٌ جائزٌ من الطرفين ، وهي الوكالة والشركة والمضاربة والجعالة ، فلكلٍّ(٤) منهما فسخ العقد في هذه.

الثالث : عقدٌ لازمٌ من أحد الطرفين جائزٌ من الآخَر ، كالرهن ؛ فإنّه لازمٌ من جهة الراهن جائزٌ من جهة المرتهن.

والكتابة عند الشيخ جائزة من جهة العبد ؛ لأنّ له أن يعجّز نفسه ، ولازمة من جهة المولى(٥) .

الرابع : المختلف فيه ، وهو السبق والرمي ، إن قلنا : إنّه إجارة ، كان لازماً. وإن قلنا : إنّه جعالة ، كان جائزاً.

____________________

(١ - ٣) البيان ٦ : ٤٠٧.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « فلكلّ واحدٍ ».

(٥) الخلاف ٣ : ١٨ ، المسألة ٢١ من كتاب البيوع ، المبسوط - للطوسي - ٦ : ٧٣ و ٨٢.

١٥٠

ولا نعلم خلافاً من أحدٍ من العلماء في أنّ الوكالة عقد جائز من الطرفين ؛ لأنّه عقد على تصرّفٍ مستقبل ليس من شرطه تقدير عملٍ ولا زمان ، فكان جائزاً ، كالجعالة. فإن فسخها الوكيل انفسخت ، وبطل تصرّفه بعد الفسخ ، وإن فسخها الموكّل فكذلك.

والأصل في ذلك أنّ [ في ](١) الوكالة قد يبدو للموكّل في الأمر الذي أناب فيه وفي نيابة ذلك الشخص ، وقد لا يتفرّغ له الوكيل ، فالإلزام مضرٌّ بهما جميعاً.

ولا خلاف في أنّ العزل مبطل للوكالة.

مسألة ٧٥٦ : قد بيّنّا أنّ الوكالة جائزة من الطرفين ، وتبطل بعزل الموكّل في حضرته وغيبته إمّا لفظاً بلفظ العزل ، كقوله : عزلتك عن الوكالة ، أو بلفظٍ يؤدّي معناه ، مثل : فسخت الوكالة ، أو : أبطلتها ، أو : نقضتها ، أو : صرفتك عنها ، أو : أزلتك عنها ، أو : رفعت الوكالة ، أو : أخرجته عن الوكالة ، فينعزل ، ويبطل تصرّفه بعد ذلك ، سواء ابتدأ بالتوكيل أو وكّل بمسألة الخصم ، كما إذا سألت المرأة زوجَها أن يوكّل بالطلاق أو الخلع ، أو المرتهنُ الراهنَ أن يوكّل ببيع الرهن ، أو الخصمُ الخصمَ أن يوكّل في الخصومة ، ففَعَل المسئول ، عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّ الوكالة استنابة تابعة لاختيار الموكّل ، فله العزل متى شاء ، كغيرها من الوكالات.

____________________

(١) ما بين المعقوفين أثبتناه لأجل السياق.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٥٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٣ - ٢٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٨.

١٥١

وقال أبو حنيفة : إذ ا كان التوكيل بمسألة الخصم ، لم ينعزل(١) .

وإمّا معنىً ، بأن يفعل متعلّق الوكالة.

مسألة ٧٥٧ : إذا عزل الموكّل الوكيلَ في غيبته ، قال الشيخرحمه‌الله : لأصحابنا روايتان :

إحداهما : إنّه ينعزل في الحال وإن لم يعلم الوكيل بالعزل ، وكلّ تصرّفٍ للوكيل بعد ذلك يكون باطلاً.

والثانية : إنّه لا ينعزل حتى يعلم الوكيل ذلك ، وكلّ تصرّفٍ له يكون واقعاً موقعه إلى أن يعلم.

ثمّ استدلّ على صحّة الثاني : بأنّ النهي لا يتعلّق به حكم في حقّ المنهي إلّا بعد حصول العلم به ، ولهذا لمّا بلغ أهل قبا أنّ القبلة قد حُوّلت إلى الكعبة وهُمْ في الصلاة داروا وبنوا على صلاتهم ، ولم يؤمروا بالإعادة.

قال : وهذا القول أقوى(٢) .

وقال في النهاية : ومَنْ وكّل وكيلاً وأشهد على وكالته ثمّ أراد عزله ، فليشهد على عزله علانيةً بمحضرٍ من الوكيل ، أو يُعلمه ذلك ، كما أشهد على وكالته ، فإذا أعلمه عَزْلَه أو أشهد على عزله إذا لم يمكنه إعلامه ، فقد انعزل الوكيل عن وكالته ، فكلّ أمر ينفذه بعد ذلك كان باطلاً ، ولا يلزم الموكِّل منه قليل ولا كثير. وإن عزله ولم يُشهد على عزله أو لم يُعلمه ذلك مع إمكان ذلك ، لم ينعزل الوكيل ، وكلّ أمرٍ ينفذه بعد ذلك يكون ماضياً‌

____________________

(١) بدائع الصنائع ٦ : ٣٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٥٣ ، النتف ٢ : ٦٠٣ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٤.

(٢) الخلاف ٣ : ٣٤٢ - ٣٤٣ ، المسألة ٣ من كتاب الوكالة.

١٥٢

على موكّله إلى أن يعلم بعزله(١) .

وقال أبو حنيفة : الوكيل إذا عزل نفسه ، لم ينعزل إلّا بحضرة الموكّل. وأمّا الموكِّل إذا عزله فإنّه لا ينعزل قبل علمه ، فإن بلغه العزل من رجلٍ ثقةٍ أو امرأةٍ ، انعزل. وإن بلغه من فاسقٍ ، لم ينعزل ؛ لأنّ الوكيل يتصرّف بإذن الموكّل وأمره ، فلا يصحّ أن يردّ أمره بغير حضوره ، كالمودع. وكذلك الأمر الشرعي لا يثبت وقوعه في حقّ المأمور قبل علمه ، كالفسخ في حقّ المأمورين قبل علمهم ، وكذا القاضي لا ينعزل ما لم يبلغه الخبر ، ولأنّ تنفيذ العزل قبل بلوغ الخبر إليه يُسقط الثقة بتصرّفه(٢) .

وللشافعي قولان :

أحدهما : إنّه لا ينعزل بالعزل.

وأصحّهما : الانعزال ؛ لأنّه رَفْع عقدٍ لا يحتاج فيه إلى الرضا ، فلا يحتاج إلى العلم ، كالطلاق ، ولأنّه لو جنّ الموكّل أو مات انعزل الوكيل وإن لم يبلغه الخبر(٣) .

وكذا لو وكّله ببيع عبدٍ أو إعتاقه ثمّ باعه أو أعتقه الموكّل ، نفذ تصرّفه ، وانعزل الوكيل وإن لم يشعر بالحال ضِمناً ، وإذا لم يعتبر بلوغ‌

____________________

(١) النهاية : ٣١٨.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٥٣ ، بدائع الصنائع ٦ : ٣٧ ، النتف ٢ : ٦٠٢ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٥٤ و ١٥٦ ، البيان ٦ : ٤٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٤ ، المغني ٥ : ٢٤٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٨ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٨ / ١٠٣٢ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٨٦ - ١٦٨٧ / ١١٨٨ و ١١٨٩.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٤ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٦ و ١٥٧ ، الوجيز ١ : ١٩٣ ، الوسيط ٣ : ٣٠٥ ، حلية العلماء ٥ : ١٥٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٣ ، البيان ٦ : ٤٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٨ ، منهاج الطالبين : ١٣٧.

١٥٣

الخبر في العزل الضم ني ، ففي صريح العزل أولى. ولأنّه رَفْعُ عقدٍ ، فلا يفتقر إلى حضور مَنْ لا يفتقر إلى رضاه ، كالنكاح.

وإن علّلتَ بعزل الموكّل ، قلتُ : فِلمَ يفتقر إلى علم مَنْ لا يفتقر إلى حضوره؟

وأمّا الوديعة : فمن الشافعيّة مَنْ يقول : لا تنفسخ إلّا بالردّ ؛ لأنّ الأمانة باقية ما لم تُردّ أو يُتعدّى ، فإذَنْ لم يقف على العلم.

ومنهم مَنْ يقول : إنّها تنفسخ إذا علم أنّ الوديعة ليس فيها إلّا الاستئمان والاستحفاظ ، وإنّما يلزمه الردّ إذا علم ، وليس كذلك في مسألتنا ؛ فإنّ فيه تصرّفاً بالرجوع ليمنع صحّة التصرّف ، فلهذا أراد الرجوع من غير علم الوكيل. وأمّا النسخ : ففيه لهم وجهان ، على أنّهما يفترقان ؛ لأنّ أمر الشريعة يتضمّن تركه المعصية ، فلا يجوز أن يكون عاصياً من غير علمه ، وهنا يتضمّن إبطال التصرّف ، وهذا لا يمنع منه عدم العلم.

وأيضاً لا فرق بين النسخ وما نحن فيه ؛ لأنّ حكم النسخ إمّا إيجاب امتثال الأمر الثاني ، وإمّا إخراج الأوّل عن الاعتداد به ، فما يرجع إلى الإيجاب والإلزام لا يثبت قبل العلم ؛ لاستحالة التكليف بغير المعلوم ، وهذا النوع لا يثبت في الوكالة أصلاً ورأساً ؛ لأنّ أمر الموكّل غير واجب الامتثال. وأمّا النوع الثاني فهو ثابت هناك أيضاً قبل العلم حتى يلزمه القضاء ، ولا تبرأ ذمّته بالأوّل(١) .

وأمّا انعزال القاضي : فمنهم مَنْ طرّد الخلاف فيه. وعلى التسليم - وهو الظاهر من مذهبهم - فالفرق : تعلّق المصالح الكلّيّة بعمله(٢) .

____________________

(١) راجع : بحر المذهب ٨ : ١٥٧ ، والعزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٤.

١٥٤

وعن أحمد روايتان (١) ، كقولَي الشافعي ، وكذا عن أصحاب مالك قولان(٢) .

والشيخرحمه‌الله استدلّ على عدم العزل قبل العلم : بما رواه جابر بن يزيد ومعاوية بن وهب عن الصادقعليه‌السلام قال : « مَنْ وكّل رجلاً على إمضاء أمر من الأُمور فالوكالة ثابتة أبداً حتى يُعلمه بالخروج منها كما أعلمه بالدخول فيها »(٣) .

وفي طريقها عمرو بن شمر ، وهو ضعيف.

وفي الصحيح عن هشام بن سالم عن الصادقعليه‌السلام : عن رجلٍ وكّل آخَر على وكالة في إمضاء أمرٍ من الأُمور وأَشهد له بذلك شاهدين ، فقام الوكيل فخرج لإمضاء الأمر ، فقال : اشهدوا أنّي قد عزلت فلاناً عن الوكالة ، فقال : « إن كان الوكيل قد أمضى الأمر الذي وُكّل عليه قبل أن يعزل عن الوكالة فإنّ الأمر واقع ماضٍ على ما أمضاه الوكيل ، كره الموكّل أم رضي » قلت : فإنّ الوكيل أمضى الأمر قبل أن يعلم العزل أو يبلغه أنّه قد عُزل عن الوكالة فالأمر ماضٍ على ما أمضاه؟ قال : « نعم » قلت له : فإن بلغه العزل قبل أن يمضي الأمر ثمّ ذهب حتى أمضاه لم يكن ذلك بشي‌ء؟ قال : « نعم ، إنّ الوكيل إذا وُكّل ثمّ قام عن المجلس فأمره ماضٍ أبداً ، والوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة أو يشافهه بالعزل عن الوكالة »(٤) .

وعن العلاء بن سيابة عن الصادقعليه‌السلام في حديثٍ : « إنّ عليّاًعليه‌السلام أتته امرأة مستعدية على أخيها ، فقالت : يا أمير المؤمنين وكّلتُ أخي هذا‌ بأن يزوّجني رجلاً فأشهدت له ثمّ عزلته من ساعته تلك ، فذهب وزوّجني

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٤.

(٣) التهذيب ٦ : ٢١٣ / ٥٠٢.

(٤) التهذيب ٦ : ٢١٣ / ٥٠٣.

١٥٥

ولي بيّنة إنّي قد ع زلته قبل أن يزوّجني ، فأقامت البيّنة ، وقال الأخ : يا أمير المؤمنين إنّها وكّلتْني ولم تُعلِمْني بأنّها عزلتْني عن الوكالة حتى زوّجتها كما أمرَتْني ، فقال لها : ما تقولين؟ فقالت : قد أعلمتُه يا أمير المؤمنين ، فقال لها : لكِ بيّنة بذلك؟ فقالت : هؤلاء شهودي يشهدون بأنّي قد عزلتُه ، فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : كيف تشهدون؟ قالوا : نشهد أنّها قالت : اشهدوا أنّي قد عزلتُ أخي فلاناً عن الوكالة بتزويجي فلاناً ، وأنّي مالكة لأمري من قبل أن يزوّجني فلاناً ، فقال : أشهدَتْكم على ذلك بعلمٍ منه ومحضر؟ قالوا : لا ، قال : أفتشهدون أنّها أعلَمَتْه العزل كما أعلَمَتْه الوكالة؟ قالوا : لا ، قال : أرى الوكالة ثابتة والنكاح واقع ، أين الزوج؟ فجاء فقال خُذْ بيدها بارك الله لك فيها ، فقالت : يا أمير المؤمنين احلفه أنّي لم أُعلِمْه العزل وأنّه لم يعلم بعزلي إيّاه قبل النكاح ، قال : وتحلف؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، فحلف وأثبت وكالته وأجاز النكاح »(١) .

وهذه الرواية تدلّ على أنّه لا عبرة بالشهادة وقول العزل إن لم يعلم الوكيل ، ولا بأس به عندي.

تذنيب : إذا قلنا بعدم العزل قبل بلوغ الخبر إليه ، فالمعتبر إخبار مَنْ يُقبل قوله من شهود العدالة ، دون الصبي والفاسق. فإذا قلنا بالانعزال ، فينبغي أن يشهد الموكّل على العزل ؛ لأنّ قوله بعد تصرّف الوكيل : « كنتُ قد عزلتُه » غير مقبولٍ.

مسألة ٧٥٨ : إذا قال الوكيل : عزلتُ نفسي ، أو : أخرجتُها عن الوكالة ، أو : رددت الوكالة ، انعزل.

وقال بعض الشافعيّة : إن كانت صيغة الموكّل « بِع » و« اعتق » ونحوهما‌

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٢١٤ - ٢١٥ / ٥٠٦.

١٥٦

من صِيَغ الأمر ، لم ينعزل بردّ الوكالة وعَزْله نفسَه ؛ لأنّ ذلك إذن وإباحة ، فأشبه ما إذا أباح الطعام لغيره ، لا يرتدّ بردّ المباح له(١) .

ولا يُشترط في انعزال الوكيل بعزله نفسَه حضورُ الموكّل ، وبه قال الشافعي(٢) .

وقال أبو حنيفة : يُشترط حضور الموكّل ، فإن عزل نفسه بغير حضور الموكّل ، لم ينعزل(٣) . وقد سبق(٤) .

إذا عرفت هذا ، فإن عزل نفسه ثمّ تصرّف ، كان فضوليّاً ، سواء كان الموكّل حاضراً أو غائباً.

ويحتمل مع الغيبة الصحّة ؛ عملاً بالإذن العامّ الذي تضمّنته الوكالة.

وكذا مع الحضور وعدم الرضا بعزله.

مسألة ٧٥٩ : متى خرج الوكيل أو الموكّل عن أهليّة التصرّف بموتٍ أو جنونٍ أو إغماءٍ ، بطلت الوكالة ، سواء كان العارض للوكيل أو للموكّل.

وفي الجنون إذا كان ممّا يطرأ ويزول على قُربٍ لبعض الشافعيّة تردّد.

وموضع التردّد ما إذا كان امتداده بحيث لا تعطل المهمّات ويحوج إلى نصب قُوّامٍ ، فيلتحق حينئذٍ بالإغماء في وجهٍ(٥) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٨.

(٢) حلية العلماء ٥ : ١٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٤ - ٢٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٨ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٨٦ - ١٦٨٧ / ١١٨٨.

(٣) عيون المجالس ٤ : ١٦٨٧ / ١١٨٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٥٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٥ ، المغني ٥ : ٢٤٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٨.

(٤) في ص ١٥٢.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٨ - ٥٥٩.

١٥٧

وفي الإغماء لهم وجه ان :

أظهرهما عندهم : إنّه كالجنون في اقتضاء الانعزال.

والثاني - وهو الأظهر عند الجويني - : إنّه لا يقتضي الانعزال ؛ لأنّ المغمى عليه لا يلتحق بمن يُولّى عليه ، والمعتبر في الانعزال التحاق الوكيل أو الموكّل بمن يولّى عليه(١) .

مسألة ٧٦٠ : والمحجور عليه لسفهٍ أو فلسٍ في كلّ تصرّفٍ لا ينفذ من السفيه والمفلس كالمجنون ؛ لأنّه لا يملك التصرّف ، فلا يملكه غيره من جهته.

ولا فرق في ذلك بين أن يحجر عليه قبل التوكيل أو بعده ، فإن سبقت الوكالة الحجر ، بطلت. وكذا إن كان الحجر سابقاً ، لم تقع صحيحةً.

ولو وكّل أحدهما فيما لَه التصرّف فيه ، صحّ ؛ لأنّه مكلَّف ، ولم يخرج عن أهليّة التصرّف فيه.

ولو تجدّد الرقّ بأن كان حربيّاً فاستُرقّ ، بطلت وكالته السابقة إن كان هو الموكّل ، فلو كان هو الوكيلَ ، كان بمنزلة توكيل عبد الغير يشترط رضا المولى إن منعت الوكالة شيئاً من حقوقه.

ولو حُجر على الوكيل لفلسٍ ، لم تبطل الوكالة ، سواء تعلّقت بأعيان الأموال أو لا ؛ لأنّه بفقره لم يخرج عن أهليّة التصرّف.

ولو حُجر على الموكّل وكانت الوكالة في أعيان ماله ، بطلت ؛ لانقطاع تصرّفه في أعيان أمواله. وإن كانت في الخصومة أو الشراء في الذمّة أو الطلاق أو الخلع أو القصاص ، فالوكالة بحالها ؛ لأنّ الموكّل أهلٌ لذلك‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥٩.

١٥٨

مباشرةً ، فله أن يس تنيب فيه ابتداءً ؛ للأصل السالم عن المعارض ، ولا تنقطع الاستدامة.

مسألة ٧٦١ : لو فسق الوكيل ، لم ينعزل عن الوكالة إجماعاً ؛ لأنّه من أهل التصرّف ، إلّا أن تكون الوكالة [ فيما ينافيه ](١) الفسق ، كالإيجاب في عقد النكاح عند العامّة ، فإنّه ينعزل عندهم بمجرّد فسقه أو فسق موكّله ؛ لخروجه عن أهليّة التصرّف فيه عندهم(٢) .

وعندنا لا يخرج بالفسق أيضاً ؛ إذ لا تُشترط العدالة في وليّ النكاح.

وأمّا في القبول : فلو فسق الموكّل فيه ، لم ينعزل وكيله بفسقه ؛ لأنّه لا ينافي جواز قبوله.

وهل ينعزل الوكيل بفسق نفسه؟ فيه للعامّة وجهان(٣) .

ولو كان وكيلاً فيما تُشترط فيه الأمانة - كوكيل وليّ اليتيم ووليّ الوقف على المساكين ونحوه - انعزل بفسقه وفسق موكّله ؛ لخروجهما بذلك عن أهليّة التصرّف.

وإن كان وكيلاً لوكيل مَنْ يتصرّف في مال نفسه ، انعزل بفسقه ؛ لأنّه ليس للوكيل أن يوكّل فاسقاً. ولا ينعزل بفسق موكّله ؛ لأنّه وكيل لربّ المال ، ولا ينافيه الفسق.

ولا تبطل الوكالة بالنوم والسكر ؛ لأنّ [ هذين عذران يمكن زوالهما بسهولة وسرعة ، ولا تثبت عليه ولاية ، ولا يخرج بهما ](٤) عن أهليّة‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّية والحجريّة : « ممّا تنافي ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٢ و ٣) المغني ٥ : ٢٤٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٣.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « هذه أعذار زوالها لا يخرج بها ». والمثبت هو الصحيح.

١٥٩

التصرّف ، إلّا أن [ يحصل ](١) الفسق بالسكر ، فتبطل فيما شُرط فيه العدالة.

مسألة ٧٦٢ : إذا فَعَل الموكّل متعلَّقَ الوكالة ، أو تلف المتعلَّق ، بطلت الوكالة ، كما لو وكّل غيره في بيع عبدٍ ثمّ باعه الموكّل ، أو مات العبد ، بطلت الوكالة ؛ إذ لا متعلَّق لها حينئذٍ ، وقد ذهب محلّها.

هذا إذا باعه الموكّل بيعاً صحيحاً ، ولو باعه بيعاً فاسداً ، احتُمل البطلان أيضاً ؛ إذ شروعه في البيع رغبة عن الوكالة.

وقال ابن المنذر : لا تبطل الوكالة ؛ لبقاء ملكه في العبد(٢) .

ولو دفع إليه ديناراً ووكّله في الشراء بعينه ، فهلك أو ضاع أو استقرضه الوكيل وتصرّف فيه ، بطلت الوكالة أيضاً.

ولو وكّله في الشراء مطلقاً ونقد الدينار عن الثمن ، بطلت أيضاً إذا تلف ذلك الدينار ؛ لأنّه إنّما وكّله في الشراء ، ومعناه أن ينقد ثمن ذلك المبيع إمّا قبل الشراء أو بعده ، وقد تعذّر ذلك بتلفه. ولأنّه لو صحّ شراؤه للزم الموكّل ثمن لم يلزمه ولا رضي بلزومه.

وإذا استقرضه الوكيل ثمّ عزل ديناراً عوضه واشترى به ، فهو كالشراء له من غير إذنٍ ؛ لأنّ الوكالة بطلت ، والدينار الذي عزله عوضاً لا يصير للموكّل حتى يقبضه ، فإذا اشترى للموكّل ، وقف على إجازته ، فإن أجازه صحّ ، ولزم الثمن ، وإلّا لزم الوكيل ، إلّا أن يُسمّيه في العقد.

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يجعل ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٧٣ / ١٩٠٠ ، المغني ٥ : ٢٤٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٩.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501