تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

تذكرة الفقهاء7%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: 501

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 180142 / تحميل: 5854
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٦-١
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وعند العامّة يبرأ ا لضامن ؛ لأنّه فرع على المضمون عنه(١) .

وهنا للشافعيّة وجهٌ واحد : أنّه لا يبرأ بإبراء نفسه ، وإنّما يبرأ ببراءة المضمون عنه(٢) .

تذنيب : لو وكّله في إبراء غرمائه وكان الوكيل منهم ، لم يكن له أن يُبرئ نفسه ، كما لو وكّله في حبس غرمائه أو مخاصمتهم.

ولعلّ بينهما فرقاً.

ولو وكّله في تفرقة شي‌ء على الفقراء وهو منهم ، لم يكن له أن يصرف إلى نفسه من ذلك شيئاً عند الشافعيّة ؛ لأنّه مخاطب في أن يخاطب غيره ، فلا يكون داخلاً في خطاب غيره.

فإن صرّح له أن يُبرئ نفسه ، فالوجهان(٣) .

والمعتمد : الجواز في ذلك كلّه.

مسألة ٦٨٦ : إذا وكّله في الخصومة وأطلق بأن قال : وكّلتُك لمخاصمة خصمائي ، فإنّه يصح ، ويصير وكيلاً في جميع الخصومات ؛ عملاً بالعموم ، وهو أصحّ قولَي الشافعيّة.

والثاني : لا يصحّ ، بل يجب تعيين مَنْ يخاصم معه ؛ لاختلاف العقوبة.

وهذا الاختلاف قريب من الخلاف الذي سبق فيما إذا وكّله ببيع أمواله وهي غير معلومة(٤) .

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٤١ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٢.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٤٥ و ٥١٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٩٦.

(٣) البيان ٦ : ٣٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٤.

(٤) الوسيط ٣ : ٢٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٠.

٦١

الفصل الثالث : في أ حكام الوكالة‌

وفيه مطالب :

الأوّل : في صحّة ما وافق من التصرّفات ، وبطلان ما خالف.

وتُعرف الموافقة باللفظ تارةً ، وبالقرينة أُخرى.

وفيه مباحث :

الأوّل : المباينة والمخالفة.

مسألة ٦٨٧ : يجب على الوكيل اعتماد ما عيّن الموكّل له وقرّره معه‌ ، ولا يجوز له المخالفة في شي‌ء ممّا رسمه له ، فيصحّ تصرّف الوكيل فيما وافق الموكّل ، ويبطل فيما خالفه مع صحّة الوكالة.

والموافقة والمخالفة قد تُعرفان بالنظر إلى اللفظ تارةً ، وبالقرائن التي تنضمّ إليه أُخرى ، فإنّ القرينة قد تقوى ، فيترك لها إطلاق اللفظ ، فإنّه إذا أمره في الصيف بشراء الجمد ، لا يشتريه في الشتاء.

وقد يتعادل اللفظ والقرينة ، وينشأ من تعادلهما خلاف في المسألة ، وهذا كما لو أطلق البيع وقال : قد وكّلتُك في بيعه ، ولم يعيّن ثمناً ولا نقداً ولا حلولاً ، فباع بغير نقد البلد من العروض والنقود ، أو بغبنٍ فاحش ، أو مؤجَّلاً ، فإذا فَعَل ذلك ، لم يصح ، وكان مخالفاً ؛ لأنّ العرف اقتضى انصراف إطلاق اللفظ إلى المعتاد المتظاهر بين الناس من البيع بالنقد ، ومن نقد البلد الذي يقع فيه البيع ، وبثمن المثل ، والحالّ ، فلا يملك الوكيل غير ذلك ، عند علمائنا أجمع ، وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين ومالك ؛ قياساً على الوصي ، فإنّه لا يبيع إلاّ بثمن المثل من نقد البلد حالّاً.

٦٢

ولأنّه وكيل في عقد البيع ، فتصرّفه بالغبن لا يلزم الموكّل ، كالوكيل بالشراء إذا اشترى بغبنٍ فاحش ، ولأنّه إذا باع وأطلق ، كان الثمن حالّاً ، فإذا وكّل بالبيع وأطلق ، حُمل على الثمن الحالّ(١) .

وقال أبو حنيفة : إذا وكّله في البيع وأطلق ، جاز له أن يبيع بأيّ ثمن كان ، قليلاً كان أو كثيراً ، حالّاً ومؤجَّلاً من أيّ نقدٍ شاء ؛ لأنّ المبيع ملكه ، فإذا أمر ببيعه مطلقاً ، حُمل على العموم في كلّ بيعٍ(٢) .

وهو ينتقض بالشراء ، فإنّه إذا أطلق له الشراء ، انصرف الإطلاق إلى الشراء بثمن المثل عنده(٣) .

وقال أبو يوسف ومحمّد : إذا أطلق له البيع ، لم يجز إلّا بثمن المثل من نقد البلد ، ويجوز حالًّا ومؤجَّلاً ؛ لأنّ البيع يقع بالحالّ والمؤجَّل في العادة ، فانصرف الأمر إليه(٤) .

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٨٢ ، الوسيط ٣ : ٢٨٥ ، حلية العلماء ٥ : ١٣٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٦ ، البيان ٦ : ٣٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٣ - ٢٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٧ ، المغني ٥ : ٢٥٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٦ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٠٣ ، التلقين : ٤٤٦ ، المعونة ٢ : ١٢٣٩.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣٤ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٤٥ - ١٤٦ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٢٣ ، الفقه النافع ٣ : ١٢٤٢ / ٩٩٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٠ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٠٣ ، المعونة ٢ : ١٢٣٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٨٢ ، حلية العلماء ٥ : ١٣٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٧ ، البيان ٦ : ٣٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٤ ، المغني ٥ : ٢٥٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٦.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٤٦ ، الفقه النافع ٣ : ١٢٤٢ / ٩٩٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦١ ، المغني ٥ : ٢٥٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٨٢.

(٤) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣٤ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٧ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٢٣ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٤٥ ، الفقه النافع ٣ : ١٢٤٢ / ٩٩٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٠ ، بحر المذهب ٨ : ١٨٢ ، حلية =

٦٣

وهو ممنوع ؛ فإنّ ال ثمن إنّما يكون حالّاً في غالب العادة ، فانصرف الإطلاق إليه ، كثمن المثل. وأمّا إذا قيّد الموكّل الأمر فأمره بأن يبيعه بنقدٍ بعينه ، فإنّه لا يجوز له مخالفته ، إلّا أن يأذن له في بيعه بنقدٍ فيبيعه بأكثر. وقال أحمد في الرواية الأُخرى : إذا باع بأقلّ من ثمن المثل بما لا يتغابن الناس به ، صحّ ، ولا يصحّ الشراء بأكثر من ثمن المثل ، ويضمن الوكيل في صورة البيع النقصَ ؛ لأنّ مَنْ صحّ بيعه بثمن المثل صحّ بدونه ، كالمريض(١) .

فعلى هذه الرواية يكون البيع صحيحاً ، وعلى الوكيل ضمان النقص.

وفي قدره وجهان :

أحدهما : ما بين ثمن المثل وما باعه به.

والثاني : ما بين ما يتغابن الناس به وما لا يتغابن الناس به.

والوجه : الأوّل ؛ لأنّه لم يأذن للوكيل في هذا البيع ، فأشبه بيع الأجنبيّ.

وأمّا إذا باع بما يتغابن الناس بمثله ، فإنّه يجوز ويعفى عنه ولا ضمان عليه إذا لم يكن الموكّل قدّر له الثمن ؛ لأنّ ما يتغابن الناس به يُعدّ من ثمن المثل ، ولا يمكن التحرّز عنه.

فروع :

أ - إذا باع على الوجه الممنوع منه بأن يبيع بأقلّ من ثمن المثل أو بالعروض أو نسيئةً ، كان حكمه حكم الفضولي يكون بيعه موقوفاً إن أجازه الموكّل ، صحّ البيع ولزم ، وإلّا بطل ، ولا يقع باطلاً من أصله ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.

____________________

= العلماء ٥ : ١٣٤ ، البيان ٦ : ٣٨١ ، المغني ٥ : ٢٥٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٥ - ٢٢٦.

(١) المغني ٥ : ٢٥٥ - ٢٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٦.

٦٤

والمشهور عندهم : الأوّل (١) .

ب - لو كان في البلد نقدان وأحدهما أغلب ، فعليه أن يبيع به‌ ، فإن استويا في المعاملة ، باع بما هو أنفع للموكّل ، فإن استويا تخيّر.

وقال بعض الشافعيّة : إذا استويا في المعاملة ، وجب أن لا يصحّ التوكيل ما لم يبيّن ، كما لو باع بدراهم وفي البلد نقدان متساويان ، لا يصحّ حتى يقيّد بأحدهما(٢) .

والمشهور عندهم(٣) ما اخترناه أوّلاً.

ج - لو باع الوكيل على أحد الوجوه المذكورة ، لم يصر ضامناً للمال ما لم يسلّم إلى المشتري ، فإن سلّم ضمن.

د - بيع ما يساوي عشرةً بتسعةٍ محتملٌ في الغالب ما يتغابن الناس بمثله‌ ، فيصحّ فعله من الوكيل. وبيعه بثمانيةٍ غير محتملٍ ، وهو قول بعض الشافعيّة(٤) .

وقال بعضهم : يختلف القدر المحتمل باختلاف أجناس الأموال من الثياب والعبيد والعقارات وغيرها(٥) .

ه- كما لا يجوز أن ينقص الوكيل عن ثمن المثل ، لا يجوز أن يقتصر عليه وهناك طالبٌ بالزيادة ، بل يجب عليه بيعه على باذل الزيادة مع تساوي الغريمين ؛ لأنّه منصوب لمصلحة الموكّل ، وليس من مصلحته بيعه‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٧.

(٣) بحر المذهب ٨ : ١٨٣ ، البيان ٦ : ٣٨٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٧.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٧.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٧.

٦٥

بالأقلّ مع وجود الأ كثر.

و - لو باع بثمن المثل ووجد مَنْ يزيد عليه ، فإن كان بعد انقضاء الخيار ، فلا كلام.

وإن كان في زمن الخيار ولو في المجلس ، فالأقرب : إنّ على الوكيل الفسخَ ؛ لاقتضاء مصلحة الموكّل ذلك ، والتزام البيع منافٍ لها ، فلا يملكه الوكيل.

وقال بعض العامّة : إنّه لا يلزمه فسخ العقد ؛ لأنّ الزيادة ممنوع منها منهيّ عنها ، فلا يلزمه الرجوع إليها ، ولأنّ المزايد قد لا يثبت على الزيادة ، ولا يلزم الفسخ بالشكّ(١) .

وهو غلط ؛ لأنّها زيادة في الثمن أمكن تحصيلها ، فأشبه ما لو جاء به قبل البيع ، والنهي يتوجّه إلى الذي زاد ، لا إلى الوكيل ، فأشبه مَنْ جاءته الزيادة قبل البيع بعد الاتّفاق عليه.

مسألة ٦٨٨ : لو قال الموكّل للوكيل : بِعْه بكَمْ شئت ، جاز البيع بالغبن ، ولا يجوز بالنسيئة ولا بغير نقد البلد ؛ لأنّه فوّض إليه تعيين القدر بلفظ « كَمْ » لأنّها كناية عن العدد ، ويبقى في النقد والنسيئة على إطلاق الإذن ، فلا يتناول إلّا الحالّ بنقد البلد ؛ لأنّ تعميمه في أحد الثلاثة لا يقتضي تعميمه في الباقيين.

ولو قال : بِعْه بما شئت ، فله البيع بغير نقد البلد ، ولا يجوز بالغبن ولا النسيئة.

ولو قال : بِعْه كيف شئت ، فله البيع بالنسيئة ، ولا يجوز بالغبن ولا بغير نقد البلد ، وبه قال بعض الشافعيّة(٢) .

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٦.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٤ - ٢٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

٦٦

وقال بعضهم : يجوز ا لجميع(١) . ولا بأس به عندي.

ولو قال : بِعْه بما عزّ وهان ، فهو كما لو قال : بِعْه بكَمْ شئت ، قاله بعض الشافعيّة(٢) .

وقال آخَرون : له البيع بالعرض والغبن ، ولا يجوز بيعه بالنسيئة(٣) . وهو المعتمد.

مسألة ٦٨٩ : للحاكم بيع المرهون ومال المفلَّس بنقد البلد‌. ولو لم يكن دَيْن المستحقّين من ذلك الجنس أو على تلك الصفة ، صرفه إلى مثل حقوقهم.

وقد يحتاج الحاكم في ذلك إلى توسيط عقدٍ آخَر ومعاملةٍ أُخرى ، كما لو كان نقد البلد المكسَّرَ وحقُّهم الصحيحَ ، فلا يمكن تحصيل الصحيح بالمكسَّر إلّا ببذل زيادةٍ وإنّه ربا ، فيحتاج إلى شراء سلعةٍ بالمكسّرة ثمّ يشتري الصحيحة بتلك السلعة.

ولو رأى الحاكم المصلحة في البيع بمثل حقوقهم في الابتداء ، جاز ، وقد سبق(٤) .

والمرتهن عند امتناع الراهن عن أداء الحقّ يرفع أمره إلى الحاكم ، فإن تعذّر عليه وافتقر إلى بيّنةٍ ولم تكن له ، قام مقام الحاكم في توسيط المعاملة بالأُخرى وفي بيعه بجنس الدَّيْن وعلى صفته ، وبه قال بعض الشافعيّة(٥) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٤) في ج ١٤ ، ص ٥٠ ، ضمن المسألة ٢٩٧.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٥.

٦٧

ومَنَع بعضُهم من تسلّط المرتهن على بيع المرهون بمجرّد امتناع الراهن عن أداء ما عليه(١) .

وإذا أُلحق المرتهن بالحاكم فيما ذكرنا ، أشبه أن يلحق وكيل الراهن ببيع المرهون وقضاء الدَّيْن منه بالمرتهن ، بل أولى ؛ لأنّ نيابة المرتهن حينئذٍ قهريّة ، و [ الموكّل ](٢) قد رضي بتصرّفه ، ونصبه لهذا الغرض.

مسألة ٦٩٠ : الوكيل بالبيع المطلق يبيع من ابنه الكبير وأبيه وسائر أُصوله وفروعه - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٣) - لأنّه باع بثمن المثل الذي لو باع به من أجنبيّ لصحّ ، فأشبه ما لو باع من صديقه ، ولأنّه يجوز للعمّ أن يزوِّج موليتَه من ابنه إذا أطلقت الإذن ، ولم يُجعل تعيين الزوج شرطاً ، فكذا هنا ، ولأنّ القابل غير العاقد ، فصحّ البيع ، كالأجنبيّ.

والثاني للشافعيّة : أنّه لا يجوز - وبه قال أبو حنيفة ، ويعتبر أبو حنيفة قبولَ الشهادة له(٤) - لأنّ التهمة تلحقه في حقّ أبيه وابنه الكبير بالميل إليهما ، كما تلحقه في حقّ نفسه ، ولهذا لا تُقبل شهادته لهما ، كما لا تُقبل شهادته لنفسه ، ومن الجائز أن يكون هناك راغب بأكثر من الثمن(٥) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٥.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الوكيل ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) بحر المذهب ٨ : ١٧٩ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٩ ، البيان ٦ : ٣٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٤) بدائع الصنائع ٦ : ٢٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٤٥ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٢٢ ، الفقه النافع ٣ : ١٢٤٢ / ٩٩٧ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٢ ، بحر المذهب ٨ : ١٧٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٥.

(٥) بحر المذهب ٨ : ١٧٨ - ١٧٩ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : =

٦٨

وأُجري الوجهان للشا فعيّة في البيع من الزوج والزوجة ، فإذا قلنا : لا تُقبل شهادة أحدهما للآخَر ، فكالأب والابن ، وإلاّ فلا(١) .

وهذا عندنا باطل ؛ لأنّا نجوّز الشهادةَ لهم والبيعَ أيضاً ؛ إذ الضابط ثمن المثل ، فإذا بذله [ أيّ ](٢) مَنْ كان ، جاز البيع.

ولو باع من مكاتَبه ، صحّ أيضاً.

وللشافعيّة وجهان : الجواز ؛ لأنّ المكاتَب يملك دونه. والمنع ؛ للتهمة ، لأنّه يتعلّق حقّه بكسبه(٣) .

وكذا يصحّ البيع من جميع أقاربه ، كأخيه وعمّه وغيرهما.

والوجهان للشافعيّة في الفروع والأُصول المستقلّين(٤) .

أمّا لو باع من ابنه الصغير ، فإنّه جائز عندنا أيضاً.

ومَنَع منه الشافعيّة ؛ لأنّه يستقصي لطفله(٥) في الاسترخاص ، وغرض الموكّل الاستقصاء في البيع بالأكثر ، وهُما غرضان متضادّان ، فلا يتأتّى من الواحد القيام بهما(٦) .

____________________

= ٢١٩ ، البيان ٦ : ٣٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٥ - ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٣) بحر المذهب ٨ : ١٧٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٩ ، البيان ٦ : ٣٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨ ، المغني ٥ : ٢٣٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٢ - ٢٢٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨ ، المغني ٥ : ٢٣٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٣.

(٥) في النسخ الخطّيّة : « لابنه » بدل « لطفله ».

(٦) بحر المذهب ٨ : ١٧٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٩ ، البيان ٦ : ٣٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

٦٩

وعن أحمد روايتان. و للشافعيّة وجهان(١) .

مسألة ٦٩١ : إذا وكّله في بيع شي‌ء ، فإن جوّز له أن يشتريه هو ، جاز أن يبيعه على نفسه ، ويقبل عن نفسه.

وإن مَنَعه من ذلك ، لم يجز له أن يشتريه لنفسه إجماعاً.

وإن أطلق ، مَنَع الشيخ من ذلك ؛ لأنّه قال : جميع مَنْ يبيع مال غيره - وهُمْ ستّة أنفس : الأب والجدّ ووصيّهما والحاكم وأمين الحاكم والوكيل - لا يصحّ لأحدٍ منهم أن يبيع المال الذي في يده من نفسه إلّا لاثنين : الأب والجدّ ، ولا يصحّ لغيرهما ، وبه قال مالك والشافعي(٢) .

وقال الأوزاعي : يجوز ذلك للجميع. وهو منقول عن مالك(٣) أيضاً.

وقال زفر : لا يجوز لأحدٍ منهم أن يبيع من نفسه شيئاً(٤) .

وقال أبو حنيفة : يجوز للأب والجدّ والوصي ذلك ، إلّا أنّه اعتبر في الوصي أن يشتريه بزيادة ظاهرة ، مثل أن يشتري ما يساوي عشرةً بخمسة عشر ، فإن اشتراه بزيادة درهمٍ ، لم يمض البيع استحساناً(٥) .

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٣٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٤ ، الوجيز ١ : ١٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٥.

(٢) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٥٦ - ٤٥٧ / ١٨٤٦ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٧٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٧ ، الوجيز ١ : ١٩٠ ، البيان ٦ : ٣٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٠٣ ، المغني ٥ : ٢٣٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢١.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٧٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٨ ، البيان ٦ : ٣٧٤ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٠٣ ، المغني ٥ : ٢٣٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢١.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٧٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٨ ، البيان ٦ : ٣٧٤.

(٥) الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٧٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٨ ، البيان ٦ : ٣٧٤ ، المغني ٥ : ٢٣٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٢.

٧٠

ثمّ استدلّ رحمه‌الله على مذهبه : بإجماع الفرقة وأخبارهم أنّه يجوز للأب أن يقوّم جارية ابنه الصغير على نفسه ، ثمّ يستبيح وطأها بعد ذلك.

وأيضاً روي أنّ رجلاً وصّى إلى رجلٍ في بيع فرس ، فاشتراه الوصي لنفسه ، فاستفتى عبد الله بن مسعود ، فقال : ليس له(١) ، ولم يُعرف له مخالف(٢) .

إذا عرفت هذا ، فقد اختلفت الشافعيّة في صحّة بيع الوكيل من نفسه ، والوصي يبيع مال الطفل من نفسه.

فالمشهور عندهم : المنع - وهو إحدى الروايتين عن أحمد - لأنّه يستقصي لنفسه في الاسترخاص ، وغرض البائع الاستقصاء في البيع بالأكثر ، وهُما غرضان متضادّان ، فلا يتأتّى من الواحد القيام بهما.

وأيضاً فإنّ التوكيل بالبيع مطلقاً يشعر بالبيع من الغير ، والألفاظ المطلقة تُحمل على [ المفهوم ](٣) منها في العرف الغالب.

ولأنّه تلحقه التهمة ، بخلاف الأب والجدّ ، فإنّ شفقتهما الطبيعيّة على الولد تمنعهما من التسامح معه ، فانتفت التهمة عنهما ؛ لشفقتهما عليه(٤) .

ونقل عن الاصطخري من الشافعيّة أنّ للوكيل أن يبيع من نفسه ؛ لحصول الثمن الذي لو باع من غيره لحصل(٥) .

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٥٧ / ١٨٤٧ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٧ ، المغني ٥ : ٢٣٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٢.

(٢) الخلاف ٣ : ٣٤٦ - ٣٤٧ ، المسألة ٩ من كتاب الوكالة.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « العموم ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٧٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٧ ، الوجيز ١ : ١٩٠ ، الوسيط ٣ : ٢٨٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨ ، المغني ٥ : ٢٣٧ - ٢٣٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢١ - ٢٢٢.

(٥) بحر المذهب ٨ : ١٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

٧١

واحتجّ أبو حنيفة عل ى جوازه للأب والجدّ والوصي إذا اشترى بأكثر من ثمن المثل [ بأنّه ](١) إذا اشترى الوصي بأكثر من ثمن المثل ، فقد قرب مال اليتيم بالتي هي أحسن(٢) ، فوجب أن يجوز(٣) .

واحتجّ مَنْ جوّز مطلقاً : بأنّ الوصي والوكيل نائب عن الأب ، فإذا جاز ذلك للأب ، جاز للنائب عنه(٤) .

وينتقض قول أبي حنيفة : بأنّ الوصي يلي بتوليته ، فأشبه الوكيل.

واحتجّ زفر : بأنّ حقوق العقد تتعلّق بالعاقد ، فلا يصحّ أن يتعلّق به حكمان متضادّان ، ويشبه في ذلك الوصي والوكيل(٥) .

واعلم أنّ المشهور أنّ للأب والجدّ أن يتولّيا طرفي العقد ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما يلي بنفسه ، فجاز أن يتولّى طرفي العقد ، كالجدّ يزوّج ابن ابنه ببنت ابنه الآخَر.

ولا نسلّم ما ذكره من تعلّق حقوق العقد بالعاقد لغيره.

وأمّا غيرهما فالمشهور : المنع.

وعندي في ذلك تردّد.

فروع :

أ - إذا منعنا من شراء الوكيل لنفسه ، لم يجز أيضاً أن يشتري لولده‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين فيما عدا « ر » من النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لأنّه ». وكلاهما ساقط في « ر ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) إشارة إلى الآية ٣٤ من سورة الإسراء.

(٣) المغني ٥ : ٢٣٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٢.

(٤) راجع : الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٦ - ٥٣٧.

(٥) راجع : الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٧.

٧٢

الصغير ولا لمن يلي عليه بوصيّةٍ ؛ لأنّه يكون بيعاً من نفسه ، وبه قال الشافعي(١) .

وعندي فيه نظر أقربه : الجواز في ذلك كلّه.

وأمّا عبده المأذون له في التجارة فحكمه حكم بيعه من نفسه.

ب - إذا أذن لوكيله أن يبيع من نفسه ، جاز عندنا على ما تقدّم.

وللشافعيّة وجهان(٢) .

قال ابن سريج : يجوز ، كما لو أذن له في البيع من أبيه وابنه ، وكما لو قال لزوجته : طلّقي نفسكِ على ألف ، ففَعَلت ، يصحّ ، وتكون نائبةً من جهته ، قابلةً من جهة نفسها.

ولأنّ التهمة قد انتفت عنه بذلك ، فجاز(٣) .

وهذا على قول مَن اعتبر التهمة.

وحكى أبو حامد من الشافعيّة في نكاح بنت العمّ من نفسه وجهين أيضاً(٤) .

وقال الأكثرون : لا يجوز ؛ لما تقدّم من تضادّ الغرضين ، وأيضاً فإنّ وقوع الإيجاب والقبول من شخصٍ واحد بعيد عن التخاطب ووَضْع الكلام ، وتجويزه في حقّ الأب والجدّ خلاف القياس ، ولأنّه لا يكون موجباً قابلاً فيما يتولّاه بالإذن ، كما لا يجوز أن يزوّج بنت عمّه من نفسه بإذنها(٥) .

ونحن نمنع الحكم في الأصل.

ج - لو وكّل أباه بالبيع ، فهو كالأجنبي إن جوّزنا في حقّ الأجنبيّ أن‌

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٧٨ ، البيان ٦ : ٣٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٢ و ٣ و ٥) الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٨ ، بحر المذهب ٨ : ١٧٩ ، البيان ٦ : ٣٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٤) بحر المذهب ٨ : ١٧٩ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٨.

٧٣

يشتري لنفسه جاز هنا ، وإن منعناه ثَمَّ منعناه هنا.

وقال بعض الشافعيّة المانعين في حقّ الأجنبيّ : يجوز هنا ؛ لأنّ الأب يبيع مال ولده من نفسه بالولاية ، فكذلك بالوكالة(١) .

وفيه بُعْدٌ.

د - لو صرّح له بالإذن في بيعه من ابنه الصغير ، قطع بعض الشافعيّة بالجواز - كما اخترناه نحن - لأنّه رضي بالنظر إلى الطفل وبترك الاستقصاء ، وتولّي الطرفين في حقّ الولد معهود على الجملة ، بخلاف ما لو باع من نفسه. ولأنّ التهمة قد انتفت ، والقابل غير الموجب(٢) .

وقال بعضهم : لا يجوز ، كما لو أذن في بيعه من نفسه(٣) .

ويجري الوجهان للشافعيّة فيما لو وكّله بالهبة وأذن له أن يهب من نفسه ، أو بتزويج ابنته وأذن له في تزويجها من نفسه.

والنكاح أولى بالمنع عندهم(٤) ؛ لأنّهم رووا أنّه « لا نكاح إلّا بأربعة : خاطبٍ ووليٍّ وشاهدَيْن »(٥) .

ه- لو وكّل مستحقّ الدَّيْن المديونَ باستيفائه من نفسه‌ ، أو وكّل مستحقّ القصاص الجانيَ باستيفائه من نفسه إمّا في النفس أو الطرف ، أو وكّل الإمام السارقَ ليقطع يده ، جاز.

وللشافعيّة الوجهان(٦) .

أمّا لو وكّله الإمام في جلد نفسه ، فالأقرب : المنع ؛ لأنّه متّهم بترك‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٧ ، بحر المذهب ٨ : ١٧٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٢ و ٣ و ٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٤) البيان ٦ : ٣٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٦ ، وانظر : المصنّف - لعبد الرزّاق - ٦ : ١٩٧ / ١٠٤٨١ ، وسنن الدارقطني ٣ : ٢٢٤ - ٢٢٥ / ١٩.

٧٤

الإيلام ، بخلاف القطع ؛ إذ لا مدخل للتهمة فيه.

وظاهر مذهب الشافعيّة : المنع في الجميع(١) .

مسألة ٦٩٢ : لو وكّله المتداعيان أن يخاصم من الجانبين ، فيدّعي عن أحدهما ويُنكر عن الآخَر ، الأقرب : الجواز ؛ لأنّه يتمكّن من إقامة البيّنة للمدّعي ثمّ من إقامة البيّنة الدافعة للمدّعى عليه ، وعدالته وأمانته تمنعه(٢) من الميل عن أحد الجانبين ، وهو أضعف وجهي الشافعيّة.

وأصحّهما عندهم : المنع ؛ لما فيه من اختلال غرض كلّ واحدٍ منهما ، فإنّه يحتاج إلى التعديل من جانبٍ وإلى الجرح من جانبٍ ، وعلى هذا [ فإليه ](٣) الخيرة يخاصم لأيّهما شاء(٤) .

ولا منافاة لما بيّنّاه من اقتضاء عدالته وأمانته عدمَ الميل بغير الحقّ ، وهو مكلّف باعتماد الصحيح ، حتى لو طلب الموكّل منه الخروجَ عنه ، لم يجز له موافقته عليه.

ولو توكّل رجل في طرفَي النكاح أو البيع ، جاز عندنا.

وعند الشافعيّة وجهان(٥) .

ومنهم : مَنْ قطع بالمنع(٦) .

ولو وكّل مَنْ عليه الدَّيْن بإبراء نفسه ، جاز عندنا.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

(٢) الظاهر : « تمنعانه ».

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ما إليه ». والمثبت - كما في العزيز شرح الوجيز - هو الصحيح.

(٤) بحر المذهب ٨ : ١٨١ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٩ ، البيان ٦ : ٣٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨ ، المغني ٥ : ٢٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٤.

(٥ و ٦) بحر المذهب ٨ : ١٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨.

٧٥

وللشافعيّة طريقان :

أحدهما : التخريج على الوجهين.

والثاني : القطع بالجواز.

وهُما مبنيّان على أنّه(١) هل يحتاج إلى القبول؟ إن قلنا : نعم ، جرى الوجهان. وإن قلنا : لا ، قطعنا بالجواز ، كما لو وكّل مَنْ عليه القصاص بالعفو ، والعبد بإعتاق نفسه(٢) .

والوكيل بالشراء بمنزلة الوكيل بالبيع في أنّه لا يشتري من نفسه ولا مال(٣) ابنه الصغير على الخلاف السابق(٤) ، وفي تخريج شرائه من ابنه البالغ على الوجهين في سائر الصور.

مسألة ٦٩٣ : كلّ ما جاز التوكيل فيه جاز استيفاؤه في حضرة الموكّل وغيبته‌ ، عند علمائنا - وبه قال مالك وأحمد في إحدى الروايتين(٥) - لأنّ ما جاز استيفاؤه في حضرة الموكّل جاز في غيبته ، كالحدود وسائر الحقوق.

وقال أبو حنيفة وبعض الشافعيّة : لا يجوز استيفاء القصاص وحدّ القذف في غيبة الموكّل - وهو الرواية الأُخرى عن أحمد - لاحتمال أن يعفو(٦) .

____________________

(١) أي : الإبراء.

(٢) حلية العلماء ٥ : ١٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨ - ٥٣٩.

(٣) أي : « من مال ».

(٤) في ص ٦٨.

(٥) بحر المذهب ٨ : ١٦٥ ، المغني ٥ : ٢٠٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٨.

(٦) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٨ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢١ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٣٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٥٢ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : =

٧٦

وهو بعيد ، والظاهر أنّه لو عفا ، لأعلم الوكيل ، والأصل عدمه ، وقد كان قُضاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يحكمون في البلاد ويقيمون الحدود التي تُدرأ بالشبهات ، مع احتمال النسخ.

وكذا لا يحتاط في استيفاء الحدود بإحضار الشهود مع احتمال رجوعهم عن الشهادة أو تغيّر اجتهاد الحاكم.

مسألة ٦٩٤ : إذا وكّل عبده في إعتاق نفسه أو امرأته في طلاق نفسها ، صحّ.

ولو وكّل العبد في إعتاق عبيده أو المرأة في طلاق نسائه ، لم يدخل العبد ولا المرأة في ذلك - على إشكالٍ - لأنّ ذلك ينصرف بإطلاقه إلى التصرّف في غيره.

ويحتمل أن يملكا ذلك ؛ عملاً بعموم اللفظ ، كما يجوز للوكيل في البيع البيعُ من نفسه على ما اخترناه.

وكذا لو وكّل غريمه في إبراء غرمائه ، بخلاف ما إذا وكّله في حبسهم أو في خصومتهم ، لم يملك حبس نفسه ولا خصومتها ؛ عملاً بالظاهر.

ولو وكّل رجلاً في تزويج امرأة ولم يعيّن ، فالأقرب : أنّ له أن يزوّجه ابنته ، وبه قال أبو يوسف ومحمّد(١) .

ولو أذنت له في تزويجها ، فالأقرب : أنّه ليس له أن يزوّجها من نفسه ، بل لولده ووالده.

____________________

= ١١ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥١٧ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٥ ، حلية العلماء ٥ : ١١٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٠ ، البيان ٦ : ٣٥٧ - ٣٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٦.

(١) المبسوط - للسرخسي - ١٩ : ١١٨ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٤٧ ، المغني ٥ : ٢٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٣.

٧٧

وفيه لبعض العامّة و جهان(١) .

ولو وكّله في شراء عبدٍ ، جاز أن يشتري نفسه له من مولاه.

والحكم في الحاكم وأمينه والوصي كالحكم في الوكيل في بيع أحد هؤلاء لوكيله أو لولده الصغير أو طفل يلي عليه أو لوكيله أو لعبده المأذون.

وقد سبق(٢) الخلاف في ذلك كلّه.

مسألة ٦٩٥ : لو وكّل عبداً بشراء نفسه من سيّده ، أو يشتري منه عبداً آخَر ، ففَعَل ، صحّ عندنا - وبه قال أبو حنيفة وأحمد وبعض الشافعيّة(٣) - لأنّه يجوز أن يشتري عبداً من غير مولاه ، فجاز أن يشتريه من مولاه ، كالأجنبيّ ، وإذا جاز أن يشتري غيره من مولاه ، جاز أن يشتري نفسه ، كالمرأة لـمّا جاز توكيلها في طلاق غيرها ، جاز توكيلها في طلاق نفسها. ولأنّه قابل للنقل وقابل للاستنابة فيه ، فلا مانع مع وجود المقتضي.

وقال بعض الشافعيّة : لا يجوز ؛ لأنّ يد العبد كيد سيّده ، فأشبه ما لو وكّله في الشراء من نفسه ، ولهذا يُحكم للإنسان بما في يد عبده(٤) .

وهو باطل ؛ لأنّ أكثر ما يقدّر فيه جَعْل توكيل العبد كتوكيل سيّده ، وقد ذكرنا صحّة ذلك ، فإنّ السيّد يصحّ توكيله في الشراء والبيع من نفسه ،

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٣.

(٢) في ص ٦٩ وما بعدها ، المسألة ٦٩١.

(٣) بدائع الصنائع ٤ : ٧٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٤٥ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٥٨ ، المغني ٥ : ٢٤٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١١ - ٢١٢ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٩ ، التنبيه : ١٠٩ ، الوسيط ٣ : ٢٨٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٢١ ، البيان ٦ : ٣٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٣.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٩ ، التنبيه : ١٠٩ ، الوسيط ٣ : ٢٨٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٢١ ، البيان ٦ : ٣٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٣ ، المغني ٥ : ٢٤٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٢.

٧٨

فهنا أولى.

فعلى هذا لو قال العبد : اشتريت نفسي لزيدٍ ، وصدّقه سيّده وزيدٌ ، صحّ ، ولزم الثمن.

ولو قال السيّد : ما اشتريت نفسك إلّا لنفسك ، فإن جوّزناه ، عُتق العبد بقوله وإقراره على نفسه ، ويلزم العبد الثمن لسيّده ؛ لأنّ زيداً لا يلزمه الثمن ؛ لعدم حصول العبد له ، وكون سيّده لا يدّعيه عليه ، فلزم العبد ؛ لأنّ الظاهر ممّن يباشر العقد أنّه له.

وإن صدّقه السيّد وكذّبه زيدٌ ، نُظر في تكذيبه ، فإن كذّبه في الوكالة ، حلف وبرئ ، وللسيّد فسخ البيع واسترجاع عبده ؛ لتعذّر ثمنه. وإن صدّقه في الوكالة وكذّبه في أنّك ما اشتريت نفسك لي ، فالقول قول العبد ؛ لأنّ الوكيل يُقبل قوله في التصرّف المأذون فيه.

مسألة ٦٩٦ : لو وكّله في إخراج صدقته على المساكين وهو منهم ، أو أوصى إليه بتفريق ثلثه عليهم ، أو دفع إليه مالاً وأمره بتفريقه على مَنْ يريد أو يدفعه إلى مَنْ شاء ، ففي جواز الأخذ منه روايتان تقدّمتا(١) .

وقال أحمد : لا يجوز ؛ لأنّه أمره بتنفيذه(٢) .

وأصحابنا قالوا : إذا أخذ شيئاً ، فلا يفضّل نفسه ، بل يأخذ مثل ما يعطي غيره.

وهل هذا على سبيل(٣) الوجوب ، أو الاستحباب؟ نظر.

وهل له الاختصاص إذا سوّغ له تخصيص واحدٍ به؟ إشكال.

____________________

(١) في ج ٥ ، ص ٣٦٠ ، المسألة ٢٧٢.

(٢) المغني ٥ : ٢٤١.

(٣) في « ج ، ر » : « وجه » بدل « سبيل ».

٧٩

وله أن يعطي ولده وأ باه وامرأته ومَنْ تلزمه نفقته مع الاستحقاق.

وعن أحمد روايتان(١) .

مسألة ٦٩٧ : إذا وكّله في البيع مؤجَّلاً ، فإن قدّر الأجل صحّ التوكيل ، وإن أطلق فالأقرب : الجواز ، ويرجع في ذلك إلى مصلحة الموكّل ، والمتعارف إن كان فيه عرف.

وللشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّه لا يصحّ التوكيل مع الإطلاق ؛ لاختلاف الأغراض بتفاوت الآجال طولاً وقصراً.

وأصحّهما عندهم : الصحّة.

وعلى ما ذا يُحمل؟ فيه ثلاث أوجُه :

أحدها : أنّه ينظر إلى المتعارف في مثله ، فإن لم يكن فيه عرفٌ راعى الوكيلُ الأنفعَ للموكّل.

والثاني : له التأجيل إلى أيّة مدّة شاء ؛ عملاً بإطلاق اللفظ.

والثالث : يؤجّل إلى سنة ولا يزيد عليها ؛ لأنّ الديون المؤجَّلة تتقدّر بها ، كالجزية والدية(٢) .

البحث الثاني : فيما يملك الوكيل بالبيع

مسألة ٦٩٨ : إذا وكّله في البيع مطلقاً ، لم يملك الوكيل قبض الثمن ،

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٤١.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦١ ، بحر المذهب ٨ : ١٨٣ ، الوسيط ٣ : ٢٨٧ - ٢٨٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٣٦ ، البيان ٦ : ٣٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٧ - ٢٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٩.

٨٠

إلّا إذا دلّت القرينة عليه ، كما لو أمره بالبيع في سوقٍ بعيدٍ من بلدٍ آخَر يضيع الثمن بترك قبضه ، أو لا يتمكّن الموكّل من قبض الثمن ، أو يقول له : بِعْه على مَنْ كان من الغرباء ولا تصاحبه ، ففي مثل ذلك يكون مأذوناً له في القبض ، فإن دفع السلعة إلى المشتري ولم يقبض ، كان ضامناً ؛ لأنّ ظاهر حال الموكّل أنّه إنّما أمره بالبيع لتحصيل ثمنه ، ولا يرضى بتضييعه ، ولهذا يُعدّ مَنْ فَعَل ذلك مضيّعاً مفرّطاً.

وإن لم تدلّ القرينة عليه ، فإن دلّت على المنع ، لم يجز له القبض إجماعاً.

وإن لم تكن هناك قرينة تدلّ على أحدهما ، لم يملك القبض أيضاً ؛ لأنّ الوكالة بالبيع مغايرة للوكالة بالقبض ، وأحدهما غير الآخَر ، وغير دالٍّ عليه بإحدى الدلالات الثلاث ، فيكون القبض غيرَ مأذونٍ فيه ، والموكّل إنّما أذن بالبيع ، وقَبْضُ الثمن أمرٌ وراء البيع ، وليس كلّ مَنْ يرتضي للبيع يرتضي لقبض الثمن ، فقد لا يأتمنه عليه.

وأصحّهما عند الشافعيّة(١) : أنّه يملكه ؛ لأنّه من توابع البيع ومقتضياته ، فالإذن في البيع إذْنٌ فيه وإن لم يصرّح به(٢) .

مسألة ٦٩٩ : إذا وكّله في البيع ، فقد قلنا : إنّه لا يملك قبض الثمن ، لكن يملك تسليم المبيع إلى المشتري إن كان في يده - وهو قول أكثر الشافعيّة ٣ - لأنّ البيع يقتضي إزالة الملك ، فيجب التسليم. ولأنّ تسليم المبيع إلى المشتري من تمامه وحقوقه.

____________________

(١) كذا في النسخ الخطّيّة والحجريّة. والظاهر هكذا : « وهو أحد وجهي الشافعيّة ، وأصحّهما عندهم ».

(٢ و ٣) الوسيط ٣ : ٢٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٩.

٨١

وقال بعضهم : فيه وج هان هُما الوجهان في أنّه هل يملك قبض الثمن؟ فإنّهما جاريان في أنّه هل يملك تسليم المبيع(١) ؟.

واتّفقوا على أنّ الوكيل بعقد الصرف يملك القبض والإقباض ؛ لأنّه شرط صحّة العقد ، وكذا في السَّلَم يقبض وكيل المُسْلَم إليه رأس المال ، ووكيل المُسْلم يقبضه إيّاه لا محالة عندهم(٢) .

وعندي في ذلك كلّه نظر ، والوجه : أنّه لا يملك القبض بحالٍ.

مسألة ٧٠٠ : إذا وكّله في البيع ، لم يملك قبض الثمن على ما تقدّم(٣) ، ويملك تسليم المبيع إلى المشتري ، لكن لا يسلّم قبل أن يقبض الموكّل أو مَنْ يرتضيه الثمنَ ، فإن سلّمه قبل قبض الثمن ، كان ضامناً.

وقال بعض العامّة : إن قلنا : لا(٤) يملك قبض الثمن لو تعذّر قبضه من المشتري ، لم يكن ضامناً ، وإن قلنا : يملك قبض الثمن ، لم يملك تسليم المبيع قبل قبضه ، فإن سلّم قبل قبضه كان ضامناً(٥) .

والتقدير الأوّل يقتضي جواز أن يسلّم المبيع قبل إيفاء الثمن ، وهو ضعيف.

أمّا لو أذن له في البيع بثمن مؤجَّل ، فهنا يسلّم المبيع ؛ إذ لا يثبت للبائع هنا حقّ حبس المبيع على الثمن عند تأجيل الثمن.

ويجي‌ء للشافعيّة قول : إنّه لا يجوز له التسليم ، لا لغرض الحبس ، لكن لأنّه لم يفوّض إليه(٦) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٨ - ٢٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٠.

(٣) في ص ٧٩ ، المسألة ٦٩٨.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « لم » بدل « لا ».

(٥) المغني ٥ : ٢١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٩.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٠.

٨٢

ثمّ إذا حلّ الأجل ، لم يملك الوكيل قبض الثمن إلّا بإذنٍ مستأنف.

مسألة ٧٠١ : الوكيل في البيع يملك تسليم المبيع بعد الإيفاء على ما قلناه نحن ، ولا يملك قبض الثمن على ما اخترناه ، ولا يملك إبراء المشتري من الثمن ، عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي وأحمد(١) - لأنّ إبراء الموكّل يصحّ ، فلا يصحّ إبراء وكيله بغير إذنه. ولأنّ الإبراء ليس من البيع ولا من تتمّته ، وهو مغاير للبيع وغير لازمٍ له ، فلا يكون التوكيل في البيع توكيلاً فيه. ولأنّ فيه إضراراً بالبائع ، والوكيل منصوب لمصلحته ، لا لفعل ما يتضرّر به. ولأنّه مغاير للبيع حقيقةً ، وغير مستلزمٍ له ولا لازم ، فكان كالإبراء من غير الثمن.

وقال أبو حنيفة : الوكيل في البيع إذا أبرأ المشتري من الثمن ، برئ ، وضمنه الوكيل ؛ لأنّ حقوق البيع تتعلّق بالوكيل ، فلمّا مَلَك المطالبة مَلَك الإسقاط(٢) .

وهو باطل ؛ فإنّه إنّما يتعلّق بالوكيل من الحقوق ما نصّ عليه الموكّل أو تضمّنه نصّه.

ويبطل ما قاله بأمين الحاكم والوصي والأب ، فإنّه يملك المطالبة بثمن المبيع ، ولا يملك الإبراء.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٨ ، بحر المذهب ٨ : ٢١٤ ، الوسيط ٣ : ٢٨٩ ، الإقناع في الفقه الشافعي : ١١٢ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٤ ، البيان ٦ : ٣٧١ ، المغني ٥ : ٢١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٩.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣٥ - ٢٣٦ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٨ ، المبسوط - للسرخسي - ١٩ : ٣٣ و ٣٥ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٢١ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٣٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٥٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢١٤ ، الوسيط ٣ : ٢٨٩ ، البيان ٦ : ٣٧١ ، المغني ٥ : ٢١٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٩.

٨٣

مسألة ٧٠٢ : إذا وكّ له في البيع فباعه بثمنٍ حال وقلنا : له قبض الثمن أو جعل له الموكّل(١) ذلك ، فلا يسلّم المبيع حتى يقبض الثمن ، كما لو أذن فيهما.

ولكلٍّ من الوكيل والموكّل مطالبة المشتري بالثمن على كلّ حال - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّ الموكّل يصحّ قبضه لهذا الدَّيْن ، فجاز له المطالبة به ، كسائر ديونه التي وكّل فيها.

وقال أبو حنيفة : ليس للموكّل المطالبة بالثمن ؛ لأنّ حقوق العقد تتعلّق بالوكيل ، دون الموكّل ، ولهذا يتعلّق مجلس الصرف والخيار به ، دون موكّله(٣) .

والفرق ظاهر ؛ لأنّ مجلس العقد من شروط العقد وهو العاقد ، فيتعلّق به ، وأمّا الثمن فهو حقّ الموكّل ومالٌ من أمواله ، فكان له المطالبة به.

مسألة ٧٠٣ : إذا وكّله في البيع ومَنَعه من قبض الثمن ، لم يكن للوكيل القبضُ إجماعاً.

ولو مَنَعه من تسليم المبيع ، فكذلك.

وقال بعض الشافعيّة : هذا الشرط فاسد ؛ فإنّ التسليم مستحقّ‌

____________________

(١) في « ج ، ر » : « الموكّل له » بدل « له الموكّل ».

(٢) بحر المذهب ٨ : ٢١٤ ، البيان ٦ : ٣٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٠ ، المغني ٥ : ٢٦٣ - ٢٦٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٨.

(٣) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣٥ ، بدائع الصنائع ٦ : ٣٣ ، المبسوط - للسرخسي - ١٩ : ٣٣ و ٣٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٣٧ - ١٣٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٥٤ - ٢٥٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢١٤ ، البيان ٦ : ٣٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٩ ، المغني ٥ : ٢٦٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٨.

٨٤

بالعقد (١) .

ثمّ اختلف هؤلاء فقال بعضهم : إنّ الوكالة تفسد بهذا الشرط حتى أنّه يسقط الجُعْل المسمّى فيه ، ويرجع إلى أُجرة المثل ؛ لأنّ استحقاقه مربوط بالبيع ، والامتناع من التسليم ، فكان الجُعْل مقابلاً بشي‌ءٍ صحيح وشي‌ءٍ فاسد ، فليفسد المسمّى.

وقيل : المسألة مبنيّة على أنّ في صورة الإطلاق هل للوكيل التسليم ، أم لا؟ إن قلنا : لا ، فعند المنع أولى. وإن قلنا : نعم ، فكذلك ؛ لأنّه من توابع البيع وتمام العقد ، كالقبض ، لا لأنّ تسليمه مستحقّ بالعقد ، فإنّ المستحقّ هو التسليم لا تسليمه ، والممنوع منه تسليمه.

نعم ، لو قال : امنع المبيع ، فهذا الشرط فاسد ؛ لأنّه لا يجوز منع المالك عن ملكه حيث يستحقّ إثبات اليد عليه ، وفرقٌ بين أن يقول :

لا تسلّمه إليه ، وبين أن يقول : أمسكه وامنعه منه(٢) .

وأمّا الوكيل بالشراء فإن لم يسلّم الموكّل إليه الثمنَ واشترى في الذمّة ، فسيأتي الكلام في [ أنّ ](٣) المطالبة على مَنْ تتوجّه؟ وإن سلّمه إليه واشترى بعينه أو في الذمّة ، فالقول في أنّه هل يسلّمه؟ وهل يقبض المبيع بمجرّد التوكيل بالشراء؟ كالقول في أنّ وكيل البائع هل يسلّم المبيع ويقبض الثمن بمجرّد التوكيل بالبيع؟.

وجزم بعض الشافعيّة هنا بتسليم الثمن وقبض المبيع ؛ لأنّ العرف يقتضي ذلك. ولأنّ الملك في الثمن لا يتعيّن إلّا بالقبض ، فيستدعي إذناً جديداً ، وأمّا المبيع فإنّه متعيّن للملك(٤) .

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٠.

(٣) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٤) الوسيط ٣ : ٢٨٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤١.

٨٥

ومَنْ طرد الخلاف مَ نَع العرف الفارق بين الطرفين. ولو كان المعنى الثاني معتبراً ، لوجب أن يجزم بقبض وكيل البائع الثمن إذا كان معيّناً ، ولم يفرّقوا بين أن يبيع بثمنٍ معيّن أو في الذمّة ، بل ذكروا الوجهين وأطلقوا فيهما(١) .

مسألة ٧٠٤ : إذا دفع المشتري الثمن إلى الموكّل أو إلى الوكيل المأذون له أو إلى المطلق إذا جوّزنا له قبض الثمن ، فالوكيل يسلّم المبيع ، سواء أذن له الموكّل أو لا ، أو مَنَعه ؛ لأنّ المشتري إذا دفع الثمن ، صار قبض المبيع مستحقّاً ، وللمشتري الانفراد بأخذه ، فإن أخذه المشتري فذاك ، وإن سلّمه الوكيل فالأمر محمول على أخذ المشتري ، ولا حكم للتسليم.

مسألة ٧٠٥ : قد بيّنّا أنّه ليس للوكيل أن يسلّم المبيع إلى المشتري قبل أن يستوفي الموكّل الثمن أو الوكيل إن أذن له أو لغيره ، فلو سلّمه إلى المشتري قبل ذلك ، غرّمه الموكّل قيمته إن كانت القيمة والثمن متساويين.

ولو كان الثمن أكثر ، لم يكن عليه إلّا القيمة ؛ لأنّه لم يقبض الثمن ، فلا يكون مضموناً عليه ، وإنّما يضمن ما فرّط فيه ، وهو العين حيث سلّمها قبل الإيفاء.

ولو كانت القيمة أكثر بأن باعه بغبنٍ محتمل يتغابن الناس بمثله ، فالأقوى أنّه يغرم جميع القيمة حيث فرّط فيها ، كما لو لم يبع بل أتلفها ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة. والثاني : أنّه يغرم القيمة ، ويحطّ قدر الغبن ؛ لصحّة البيع بذلك الثمن(٢) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٠.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٧ - ٢١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤١.

٨٦

ولو باع بغبْنٍ فاحش بإذن الموكّل ، احتُمل الوجهان.

أمّا الأوّل : فظاهر.

وأمّا الثاني : فقياسه أن لا يغرم إلّا قدر الثمن ؛ لصحّة البيع به بالإذن. فإن قبض الوكيل الثمن بعد ما غرم ، دفعه إلى الموكّل ، واستردّ ما غرمه.

البحث الثالث : فيما يملك الوكيل بالشراء

مسألة ٧٠٦ : الوكيل بالشراء إذا اشترى ما وُكّل فيه ، مَلَك تسليم ثمنه‌ ؛ لأنّه من تتمّته وحقوقه ، فهو كتسليم المبيع في الحكم ، والحكم في قبض المبيع كالحكم في قبض الثمن في البيع ، الوجه عندنا أنّه لا يملكه كما قلنا في البيع : لا يملك الوكيل فيه قبض الثمن. فإذا اشترى الوكيل بثمنٍ معيّن ، فإن كان في يده ، طالَبه البائع به ، وإلّا فلا.

فإن اشترى عبداً ونقد ثمنه ، فخرج العبد مستحقّاً ، لم يملك مخاصمة البائع في الثمن.

ولو اشترى شيئاً وقبضه وأخّر دفع الثمن إلى البائع لغير عذرٍ فهلك في يده ، ضمن. وإن كان لعذرٍ - مثل أن مضى لينقده فهلك ، أو نحو ذلك - فلا ضمان عليه ؛ لأنّه في الصورة الأُولى مفرّط ، دون الثانية.

مسألة ٧٠٧ : إذا وكّله في الشراء فإمّا أن تكون العين شخصيّةً(١) أو كلّيّةً.

فإن كانت كلّيّةً - مثل أن يقول : وكّلتُك في شراء عبدٍ هنديّ أو تركيّ ، أو يطلق على الأصحّ كما قلنا - اقتضى ذلك شراء السليم دون المعيب ، عند‌

____________________

(١) يأتي حكمها في ص ٩٢ ، المسألة ٧١١.

٨٧

علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي وأحمد(١) - لأنّ الإطلاق في الشراء يقتضي السلامة ، كما أنّ الإطلاق في البيع يقتضي سلامة المبيع ، حتى أنّ للمشتري الردَّ لو خرج معيباً.

وقال أبو حنيفة : يجوز أن يشتري العمياء والمقعدة والمقطوعة اليدين والرِّجْلين ؛ لعموم أمره ، كالمضارب(٢) .

وهو خطأ بما تقدّم. ولأنّه إذا أسلم في شي‌ء موصوف استحقّ السليم منه.

والفرق واقع بين الوكيل والمضارب حيث جوّزنا له أن يشتري الصحيح والمعيب ؛ لأنّ صاحب المال أمره أن يشتري ذلك للتجارة وطلب الربح ، وذلك قد يحصل بالمعيب كما يحصل بالسليم ، فلهذا كان له شراؤهما ، بخلاف الوكيل ؛ فإنّه يقتضي السلامة ؛ لجواز أن يريد المالك القنية والانتفاع ، والعيب قد يمنع بعض المقصود من ذلك ، وإنّما يقتنى ويدّخر السليم دون المعيب.

وقد ناقض أبو حنيفة نفسَه في أصله ؛ فإنّه قال في قوله تعالى :( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) (٣) : لا تجوز العمياء ولا المقطوعة اليدين والرِّجْلين(٤) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٥٥٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٩ ، بحر المذهب ٨ : ٢٠٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٣٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٢٣ ، البيان ٦ : ٣٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٢ ، المغني ٥ : ٢٦٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٣.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣٣ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٩ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٧٦ / ١٧٥٥ ، المبسوط - للسرخسي - ١٩ : ٣٩ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٣٢ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٦٤ / ١٨٧١ ، بحر المذهب ٨ : ٢٠٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٣٠ ، البيان ٦ : ٣٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٢ ، المغني ٥ : ٢٦٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٤.

(٣) النساء : ٩٢.

(٤) بدائع الصنائع ٥ : ١٠٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٩ ، المبسوط - للسرخسي - =

٨٨

مسألة ٧٠٨ : لو اشتر ى الوكيل المعيبَ جاهلاً بعيبه ، صحّ البيع ؛ لأنّه إنّما يلزمه الشراء الصحيح في الظاهر ، وليس مكلَّفاً بالسلامة في الباطن ؛ لأنّ ذلك لا يمكن الوقوف عليه ، فلا يجوز تكليفه به ، ويعجز عن التحرّز عن شراء معيبٍ لا يظهر عيبه.

ويقع البيع للموكّل - وهو قول أكثر الشافعيّة(١) - كما لو اشتراه بنفسه جاهلاً بعيبه.

وقال الجويني : لا يقع عن الموكّل ؛ لأنّ الغبن يمنع الوقوع عن الموكّل مع سلامة المبيع وإن لم يعرف الوكيل فعند العيب أولى(٢) .

ويفارق مجرّد الغبن ؛ لأنّه لا يُثبت الخيار عندهم(٣) ، فلو صحّ البيع ولزم الموكّل للزم ، ولحقه الضرر ، والعيب يُثبت الخيار ، فالحكم بوقوعه عنه لا يورّطه في الضرر.

وحيث يقع عن الموكّل وكان الوكيل جاهلاً بالعيب ، فللموكّل الردّ إذا اطّلع عليه ؛ لأنّه المالك.

وهل يملك الوكيل الردّ بالعيب؟

أمّا عندنا : فلا ؛ لأنّه إنّما وكّله في الشراء ، وهو مغاير للردّ ، فلا يملكه ، وهو قول بعض الشافعيّة(٤) .

وقال أكثرهم : إنّه يملك الردّ ، وينفرد الوكيل بالفسخ ؛ لأنّ الموكّل‌ أقامه مقام نفسه في هذا العقد ولواحقه. ولأنّه لو لم يكن له الردّ وافتقر إلى

____________________

= ٧ : ٢ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٢٣٤ ، المغني ٥ : ٢٦٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٥.

(١) الوجيز ١ : ١٩١ ، الوسيط ٣ : ٢٨٩ ، البيان ٦ : ٣٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٢.

(٢ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٢.

٨٩

استئذان الموكّل ، فربما لا يرضى الموكّل ، فيتعذّر الردّ حينئذٍ ؛ لكونه على الفور ، ويبقى المبيع في عهدة الوكيل ، وفيه ضرر عظيم(١) .

ونمنع إقامة الموكّل له مقامه في جميع الأشياء ، بل إنّما أقامه مقام نفسه في العقد ، وهو مضادٌّ للفسخ.

ونمنع كون الخيار على الفور.

سلّمنا ، لكن بالنسبة إلى المالك ، فإذا علم بالعيب ، اختار حينئذٍ على الفور إمّا الفسخ أو الإمضاء ، كما لو اشترى شيئاً فغاب ولم يعلم بعيبه إلّا بعد مدّةٍ ثمّ ظهر على العيب.

ولأنّا لو لم نُثبت الردَّ له ، لكان كسائر الأجانب عن العقد ، فلا أثر لتأخيره. ولأنّ مَنْ له الردّ قد يعذر في التأخير لأسبابٍ داعية إليه ، فهلاّ كانت مشاورة الوكيل(٢) عذراً؟!

وأيضاً فإنّه وإن تعذّر منه الردّ فلا يتعذّر نفس الردّ ؛ إذ الموكّل يردّ إذا كان قد سمّاه في العقد أو نواه ، على أنّ في كون المبيع للوكيل وفي تعذّر الردّ منه بتقدير كونه له خلافاً سيأتي.

مسألة ٧٠٩ : لو كان الوكيل في الشراء وكيلاً في ردّ المعيب ، فاشترى معيباً جاهلاً بعيبه ، كان له الرد ، وللموكّل أيضاً الردّ ؛ لأنّ الملك له.

وإن حضر الموكّل قبل ردّ الوكيل ورضي بالعيب ، لم يكن للوكيل ردّه ؛ لأنّ الحقّ له ، بخلاف عامل المضاربة إذا اشترى المعيب جاهلاً بعيبه ، فإنّ له الردَّ وإن رضي ربّ المال بالعيب ؛ لأنّ له حقّاً في العين ، ولا يسقط حقّه برضا غيره.

____________________

(١) البيان ٦ : ٣٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٢.

(٢) أي : مشاورة الوكيل للموكّل.

٩٠

وإن لم يحضر الموكّل وأراد الوكيل الردَّ ، فقال البائع : توقّف حتى يحضر الموكّل فربما يرضى بالمعيب ، لم يلزمه ذلك ؛ لأنّه لا يأمن فوات الردّ بهرب البائع وفوات الثمن بتلفه.

فإن أخّره بناءً على هذا القول فلم يرض به الموكّل ، لم يسقط الردّ وإن قلنا بأنّ الردّ على الفور ؛ لأنّه أخّره بإذن البائع.

وإن قال البائع : موكّلك قد علم بالعيب فرضيه ، لم يُقبل قوله إلّا ببيّنةٍ ، فإن لم تكن له بيّنة ، لم يستحلف الوكيل إلّا أن يدّعي علمه ، فيحلف على نفيه عند الشافعي(١) .

وقال أبو حنيفة : لا يستحلف ؛ لأنّه لو حلف كان نائباً في اليمين(٢) .

وفيه إشكال من حيث إنّه لا نيابة هنا ، وإنّما يحلف على نفي علمه ، وهذا لا ينوب فيه عن أحد.

وإن أقرّ بذلك ، لزمه - عندنا - في حقّ نفسه ، دون موكّله ، فيمينه في حقّه دونه.

وقال ابن أبي ليلى : إنّه لا يردّ حتى يحضر الموكّل ويحلف(٣) .

فإن ردّ الوكيل فحضر الموكّل ورضي بأخذه معيباً ، افتقر إلى عقدٍ جديد ؛ لخروجه عن ملكه بالردّ ، فلا يعود إلّا بالعقد.

ولو قال الموكّل : قد كان بلغني العيب ورضيت به ، فصدّقه البائع ، أو‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٩ ، بحر المذهب ٨ : ٢٠٩ ، حلية العلماء ٥ : ١٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٢٣ ، البيان ٦ : ٣٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٣ ، المغني ٥ : ٢٦١ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٤.

(٢) الأُم ٧ : ١٠٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢٠٩ ، حلية العلماء ٥ : ١٣٣ ، المغني ٥ : ٢٦١ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٤.

(٣) الأُم ٧ : ١٠٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢٠٩ ، حلية العلماء ٥ : ١٣٣.

٩١

قامت به بيّنة ، بطل الردّ ، وعلمنا أنّه لم يقع موقعه ، وكان للموكّل استرجاعه ، وعلى البائع ردّه عليه ؛ لأنّ رضاه به عزل للوكيل عن الردّ ؛ لأنّه لو علم لم يكن له الردّ ، إلّا أن نقول : إنّ الوكيل لا ينعزل حتى يعلم العزل.

وإن رضي الوكيل بالعيب أو أمسكه إمساكاً ينقطع به الردّ فحضر الموكّل فأراد الردّ ، فله ذلك إن صدّقه البائع على أنّ الشراء له ، أو قامت به بيّنة.

وإن كذّبه ولم تكن له بيّنة فحلف البائع أنّه لا يعلم أنّ الشراء له ، فليس له الردّ ؛ لأنّ الظاهر أنّ مَن اشترى شيئاً فهو له ، ويلزمه ، وعليه غرامة الثمن ، وبهذا قال الشافعي(١) .

وقال أبو حنيفة : للوكيل شراء المعيب ؛ عملاً بالإطلاق(٢) .

مسألة ٧١٠ : لو اشترى الوكيل المعيبَ مع علمه بالعيب ، فإن كان بإذن الموكّل ، فلا ردّ هنا لا للوكيل ولا للموكّل إجماعا ، كما لو باشر الموكّل العقد مع علمه بالعيب.

وإن لم يأذن له ، فهل للوكيل الردّ إن كان الموكّل قد جعل إليه ذلك ، أو قلنا : إنّه يملكه؟ يحتمل عدمه ؛ لإقدامه على شراء المعيب عالماً بعيبه ، فلا يكون له الردّ ، وبه قال الشافعي(٣) .

ويحتمل أن يكون له الردّ ؛ لأنّه نائب عن الموكّل ، وللموكّل الردّ ؛ لجهله ، فكذا للوكيل.

أمّا الموكّل فهل له الردّ؟ للشافعيّة وجهان :

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٦٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٤.

(٢) راجع المصادر في الهامش (٢) من ص ٨٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٢.

٩٢

أحدهما : المنع ؛ لأ نّه نزّل الوكيل منزلة نفسه في العقد ولواحقه ، فيكون اطّلاعه على العيب كاطّلاع الموكّل ، كما أنّ رؤيته كرؤيته في إخراج العقد عن أن يكون على قولَي شراء الغائب.

وأصحّهما عندهم : أنّ له الردَّ - وهو المعتمد - لأنّ اطّلاعه ورضاه بعد العقد لا يُسقط حقَّ الردّ للموكّل ، فكذا اطّلاعه في الابتداء(١) .

وعلى هذا فينتقل الملك إلى الوكيل ، أو ينفسخ العقد من أصله؟ للشافعيّة وجهان(٢) .

والقائل بالانتقال إلى الوكيل كأنّه يقول بانعقاد العقد موقوفاً إلى أن يتبيّن الحال ، وإلّا فيستحيل ارتداد الملك من الموكّل إلى الوكيل.

وهذه الاختلافات متفرّعة على وقوع العقد للموكّل مع علم الوكيل بالعيب ، ومذهب الشافعيّة [ خلافه ](٣) (٤) .

والوجه : أن نقول : إنّه يقع عن الموكّل إن نسبه إليه أو نواه وصدّقه على ذلك ، لكن لا وقوعاً لازماً ، بل بمنزلة عقد الفضولي ؛ لأنّ الإطلاق إذا كان يقتضي شراء السليم فإذا اشترى المعيب يكون قد اشترى ما لم يوكّل فيه ، فيكون فضوليّاً ، ولا يقع العقد عن الوكيل ؛ لأنّ المالك لو رضي بالمعيب وأجاز عقد وكيله ، كان الملك له ، فدلّ على أنّه يقع عن الموكّل ، لكن للموكّل الفسخ حيث لم يأذن له فيه.

مسألة ٧١١ : إذا كانت العين شخصيّةً بأن وكّله في شراء عبدٍ بعينه أو سلعةٍ بعينها ، فاشتراها ثمّ ظهر أنّها معيبة ، فإن كان الوكيل جاهلاً بالعيب ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٢ - ٢٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٢.

(٢ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٢.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

٩٣

لم يكن له الردُّ با لاستقلال ؛ لأنّه لم يكن له الردُّ مع الإطلاق فمع التعيين أولى ، ولأنّ المالك قطع نظره بالتعيين ، وربما رضيه على جميع صفاته ، وربما كان قد اطّلع على عيبه.

وللشافعيّة وجهان :

هذا أحدهما ؛ لأنّه ربما يتعلّق غرضه بعينه فينتظر مشاورته.

والثاني - وهو الأصحّ عندهم - : إنّ له الردَّ ؛ لأنّ الظاهر أنّ الموكّل طلب السليم لا المعيب(١) .

فروع :

أ - لا استبعاد عندي في أنّه إذا أطلق بأن قال له : اشتر عبداً هنديّاً ، فاشترى معيباً جاهلاً بعيبه : أنّه يملك الرد ؛ لأنّه اشترى ما لم يؤذن له فيه.

لكن الأقرب : المنع ؛ لأنّا قد بيّنّا أنّ الشراء وقع عن الموكّل ، فلا ينتقل خيار الردّ إلى الوكيل.

ب - لم تذكر الشافعيّة فيما إذا وكّله في ابتياع عينٍ شخصيّة وظهر عيبها أنّه متى يقع عن الموكّل؟ ومتى لا يقع؟

والقياس عندهم يقتضي أنّه كما سبق في الحالة الأُولى.

نعم ، لو كان المبيع معيباً يساوي ما اشتراه به وهو عالم به ، فإيقاعه عن الموكّل هنا أولى ؛ لجواز تعلّق الغرض بعينه(٢) .

ج - لو وكّله في الشراء مطلقاً وعيّن له عيناً شخصيّة فوجدها الوكيل معيبةً قبل أن يعقد الشراء ، فهل للوكيل شراؤها؟ يحتمل ذلك والعدمُ.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٢.

٩٤

قال بعض العامّة : فیه وجهان مبنيّان على ما إذا علم عيبه بعد شرائه ، إن قلنا : يملك ردّه ، فليس له شراؤه ؛ لأنّ العيب إذا جاز به الردّ بعد العقد فلأن يمنع الشراء أولى. وإن قلنا : لا يملك الردّ هناك ، فله الشراء هنا ؛ لأنّ تعيين الموكّل قطع نظره واجتهاده في جواز الردّ [ فكذلك ](١) في الشراء(٢) .

والوجه عندي : أنّه يجوز له شراؤه ، فإن كان الموكّل قد علم بسبق العيب ، فلا ردّ. وإن لم يكن قد علم ، كان له الردّ ، ولا يضرّه علم الوكيل ؛ لأنّ الحقّ للموكّل لا للوكيل ، سواء قلنا : إنّه يملك الردّ لو علم بعد البيع ، أو لا.

ونمنع الملازمة بين جواز الردّ بعد العقد ومنع الشراء ؛ فإنّه يجوز أن يملك الردّ والشراء معاً.

مسألة ٧١٢ : جميع ما ذكرنا في الحالتين - أعني في كلّيّة العين أو شخصيّتها - مفروض فيما إذا اشترى الوكيل بمالٍ في الذمّة ، أمّا إذا اشترى بعين مال الموكّل ، فحيث قلنا هناك : لا يقع عن الموكّل ، فهنا لا يصحّ أصلاً ، وحيث قلنا : يقع ، فكذلك هنا.

وهل للوكيل الردّ؟ أمّا عندنا : فلا ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة. والثاني : نعم(٣) .

ويمكن أن يكون الوجهان عندهم مبنيّين على المعنيين السابقين ، فإن علّلنا انفراد الوكيل بالردّ بأنّه أقامه مقام نفسه في العقد ولواحقه ، فنعم. وإن علّلنا بأنّه لو أخّر ربما لزمه العقد وصار المبيع كَلّاً عليه ، فلا ؛ لأنّ المشترى‌

____________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٢) المغني ٥ : ٢٦٢ - ٢٦٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٣٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٢.

٩٥

بملك [ الغير ] (١) لا يقع له بحال(٢) .

مسألة ٧١٣ : إذا ثبت الردّ للوكيل في صورة الشراء في الذمّة لو اطّلع الموكّل على العيب قبل اطّلاع الوكيل أو بعده ورضيه ، سقط عن الوكيل ، بخلاف عامل القراض ؛ فإنّه يبقى له الردّ وإن رضي المالك لحظّه في الربح ، ولا يسقط خيار الموكّل بتأخير الوكيل وتقصيره ، فإذا أخّر أو صرّح بالتزام العقد ، فله الردّ ؛ لأنّ أصل الحقّ باقٍ بحاله ، على إشكالٍ من حيث إنّه نائب ، فكأنّه بالتزام العقد أو التأخير عزل نفسه عن العقد.

والأظهر عند الشافعيّة : المنع(٣) .

وإذا قلنا بأنّه ليس له العود إلى الردّ أو أثبتنا له العود ولم يعد ، فإذا اطّلع الموكّل عليه وأراد الردّ ، فله ذلك إن سمّاه الوكيل في الشراء ، أو نواه وصدّقه البائع عليه. وإن كذّبه ، ردّه على الوكيل ، ولزمه البيع ؛ لأنّه اشترى في الذمّة ما لم يأذن فيه الموكّل ، فينصرف إليه ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.

والثاني : أنّ المبيع يكون للموكّل ، والردّ قد فات ؛ لتفريط الوكيل ، فيضمن للموكّل(٤) .

والذي يضمنه قدر نقصان قيمته من الثمن ، فلو كانت القيمة تسعين والثمن مائةً ، رجع بعشرة ، ولو تساويا فلا رجوع ، وهو قول بعض الشافعيّة(٥) .

وقال الأكثر منهم : يرجع بأرش العيب من الثمن ؛ لفوات الردّ بغير تقصيره ، فكان له الأرش ، كما لو تعذّر الردّ بعيبٍ حادث ، إلّا أنّ هناك‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « العين ». والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٢ - ٥٤٣.

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٣.

٩٦

يؤخذ الأرش من البائع ؛ لتلبيسه ، وهنا من الوكيل ؛ لتقصيره(١) .

ولو التمس البائع من الوكيل تأخير الردّ حتى يحضر الموكّل ، فقد قلنا : إنّه لا تجب عليه الإجابة ؛ لأنّ الردّ حقٌّ ثبت له ، فلا يكلّف تأخيره.

فإن أخّر كما التمسه البائع ، فحضر الموكّل ولم يرض به ، قال بعض الشافعيّة : المبيع للوكيل ، ولا ردّ ؛ لتأخيره مع الإمكان(٢) .

وقال بعضهم : له الردّ ؛ لأنّه لم يرض بالعيب(٣) .

ولو ادّعى البائع رضا الموكّل بالعيب فأنكر الوكيلُ العلمَ ، ففي إحلافه خلاف سبق(٤) .

فإن قلنا بالحلف فعرضت اليمين على الوكيل ، فإن حلف ردّه ، ثمّ إن حضر الموكّل وصدّق البائع ، فله استرداد المبيع من البائع ؛ لموافقته إيّاه على الرضا قبل الردّ ، وبه قال بعض الشافعيّة(٥) .

وقال بعضهم : لا يستردّ ، وينفذ فسخ الوكيل(٦) .

وإن نكل ، حلف البائع ، وسقط ردّ الوكيل ، فإذا حضر الموكّل فإن صدّق البائع ، فذاك. وإن كذّبه ، قال بعض الشافعيّة : لزم العقد الوكيل ، ولا ردّ ؛ لإبطال الحقّ بالنكول(٧) .

مسألة ٧١٤ : هذا كلّه في طرف الشراء ، أمّا الوكيل بالبيع إذا باع فوجد المشتري عيباً ، ردّه عليه إن لم يعلمه وكيلا ، ثمّ هو يردّ على الموكّل. وإن علمه وكيلاً ، ردّه على الموكّل خاصّةً.

وقال بعض الشافعيّة : إن شاء ردّه على الوكيل ، وإن شاء ردّه على‌

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٣.

(٤) في ص ٩٠ ، ضمن المسألة ٧٠٩.

(٥ و ٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٣.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٤.

٩٧

الموكّل ، فإذا ردّه على الوكيل ردّه على الموكّل(١) .

وهو ممنوع ؛ لبراءة ذمّة الوكيل من العهدة.

وهل للوكيل حطّ بعض الثمن للعيب؟ للشافعيّة قولان(٢) .

ويحتمل أنّه ليس له ذلك ؛ لأنّه مأمور بالبيع ، وأن يكون له ؛ لأنّ الأمر بالبيع إنّما يتناول ثمن مثل السلعة ، وثمن مثل سلعته ما قبضه ثمناً بعد إسقاط الأرش.

ولو زعم الموكّل حدوث العيب في يد المشتري ، وصدّق الوكيل المشتري ، ردّ المشتري على الوكيل ، ولم يردّ الوكيل على الموكّل عند الشافعيّة(٣) .

والوجه : إنّه مع عدم البيّنة يحلّف المشتري البائعَ على عدم السبق ، ويستقرّ البيع للمشتري مجّاناً.

هذا إن علم المشتري بالوكالة. وإن لم يعلم ، ردّ على الوكيل.

تذنيب : هل لعامل القراض أن يشتري مَنْ ينعتق على المالك؟ سيأتي.

فإن قلنا : له ذلك فلو اشترى أباه فظهر معيباً ، فللوكيل ردّه إن جعلنا للوكيل الردَّ أو كان وكيلاً فيه ؛ لأنّه لا يعتق على الموكّل قبل الرضا بالعيب.

البحث الرابع : في تخصيصات الموكّل

مسألة ٧١٥ : يجب على الوكيل تتبّع تخصيصات الموكّل ، ولا يجوز له العدول عنها ولا التجاوز بها ، إلّا في صورة السُّوق على ما يأتي(٤) ، بل‌

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٤.

(٤) في ص ٩٨.

٩٨

يجب النظر إلى تقييد ات الموكّل في الوكالة.

ويشترط على الوكيل رعاية المفهوم منها بحسب العرف ، فإذا عيّن الموكّل بالبيع شخصاً فقال : بِعْ على زيدٍ ، لم يجز له بيعه من غيره ؛ لاختلاف الأغراض في أعيان المشترين ، فقد يرغب إلى شخصٍ دون غيره إمّا لسهولة معاملته ، وإمّا لخلوّ ماله عن الشبهات ، فقد يكون أقرب إلى الحِلّ وأبعد عن الشبهة ، وإمّا لإرادة تخصيصه بذلك المبيع إمّا لإفادته إيّاه شيئاً ، أو لإمكان استرداده منه ، فإن باع الوكيل من غير مَنْ عيّن له الموكّل ، كان موقوفاً ، فإن أجازه الموكّل صحّ البيع ، وإلّا فلا.

تذنيب : لو قال : بِعْه من زيدٍ بمائة ، لم يجز بيعه على غيره بأزيد إلّا أن يجيز.

مسألة ٧١٦ : لو عيّن له زماناً ، لم يجز له التخطّي ولا العدول عنه‌ ، فإذا قال : بِعْه اليوم ، أو يوم كذا ، لم يجز له التقديم ولا التأخير ؛ لأنّه ربما يحتاج إلى البيع في ذلك الوقت ، دون ما قبله وما بعده ، فإن قدّم أو أخّر ، وقف على الإجازة.

ولو عيّن له مكاناً من سُوقٍ ونحوه ، فإن كان له في ذلك المكان غرضٌ صحيح بأن كان الراغبون فيه أكثر والنقد فيه أجود والمتعاملون فيه أسمح ، لم يجز له البيع في غيره.

وإن لم يكن له غرض ، فالأقرب : جواز بيعه في غيره ؛ لأنّ التعيين في مثل ذلك يقع اتّفاقاً من غير باعثٍ إليه ، وإنّما الغرض والمقصود تحصيل الثمن ، فإذا حصل في غيره ، جاز ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : لا يجوز التعدّي ؛ لجواز أن يكون له فيه غرض صحيح‌

٩٩

لا يطّلع عليه (١) .

وهو غير محلّ النزاع ؛ لأنّا نفرض الكلام فيما لو انتفى الغرض بالكلّيّة ، أمّا لو جوّزنا حصول غرضٍ صحيح ، فإنّه لا يجوز له التعدّي.

ولو نهاه صريحاً عن البيع في غير السُّوق الذي عيّنه ، لم يجز له التعدّي إلى المنهيّ عنه إجماعاً.

ولو قال : بِعْه في بلد كذا ، احتُمل أن يكون كقوله : بِعْه في السُّوق الفلاني ، حتى لو باعه في بلدٍ آخَر ، جاء فيه التفصيل : إن كان له غرض صحيح في التخصيص ، لم يجز التعدّي ، وإلّا جاز ، لكن يضمن هنا الوكيل بالنقل إلى غير المعيّن ، وكذا الثمن يكون مضموناً في يده ، بل لو أطلق التوكيل في بلدٍ ، يبيعه في ذلك البلد ، فلو نقله صار ضامناً.

مسألة ٧١٧ : الموكّل إذا أذن للوكيل في البيع ، فإمّا أن يُطلق ، أو يُقيّد.

فإن أطلق ، فقد بيّنّا أنّه يُحمل على البيع بثمن المثل بنقد البلد حالّاً.

وإن قيّد فقال : بِعْه بمائة درهمٍ ، لم يجز له البيع بأقلّ ، فإن باع بالأقلّ ، كان موقوفاً ؛ لأنّه غير مأذون فيه ، ويكون الوكيل هنا فضوليّاً ، إن أجاز المالك البيعَ صحّ ، وإلّا فلا ، وكان للموكّل فسخ البيع.

وقول الشيخرحمه‌الله : « إذا تعدّى الوكيل شيئاً ممّا رسمه الموكّل ، كان ضامناً لما تعدّى فيه »(٢) لا ينافي ما قلناه.

ولو باعه بأكثر من مائة درهمٍ ، فإن كانت الكثرة من غير الجنس‌ - مثل : أن يبيعه بمائة درهمٍ وثوبٍ - جاز عند علمائنا ، سواء كانت الزيادة قليلةً أو كثيرةً ، وسواء كانت الزيادة

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٢٩٣ - ٢٩٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٨ ، البيان ٦ : ٣٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٦.

(٢) النهاية : ٣١٩.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501