تذكرة الفقهاء الجزء ١٦

تذكرة الفقهاء15%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-437-x
الصفحات: 392

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 392 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 125649 / تحميل: 5770
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٦

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٧-x
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

غذاؤه جحن ومحثل وجدع، وكلما غذي بغير أمه يقال له عجي ويقال عند بني فلان حوار يعاجونه بغير أمه، قال النمر بن تولب :

فأعطت كلما غذيت شبابا

فأنبتها نباتا غير حجن

وقال أوس بن حجر :

وذات هدم عار نواشرها

تصمت بالماء تولبا جدعا

وقال العجاج :

ولم يجلها لائحات الانكال

ولم ينبت شبر بالاحثال

ويقال أصابت الناس سنة فقرقمت السخال أي ساء غذاؤها فصغرت عليه، قال الشاعر [ وهو امرؤ القيس ] :

تطعم فرخا لها صغيرا

قرقمة الجوع والاحثال

قلوب خزان ذي أورال

قوتا كما يرزق العيال

ويقال عوى الفصيل ولا يقال لشئ من البهائم عوى إلا الكلب والذئب، قال ذو الرمة :

به الذئب محزونا كأن عواء‌ه

عواء فصيل آخر الليل محثل

واليتم في البهائم موت الام وفي الانس موت الاب، قال أبو النجم :

خوصاء ترمي باليتيم المحثل

لا تحفل الرجز ولا قيل حل

تخبط الذائد أن لم يرحل ويقال للبعير إذا حسن غذاؤه كانت له درة أمه وعلالتها وعفافتها، فأما الدرة فما ينزل من صلبها إلى ضرتها، وأما العلالة فلبن ينزل

٨١

بعد لبن وأصل ذلك من قولك نهل البعير وعل، فأما النهل فالشربة الاولى وأما العلل فالثانية، وأما العفافة فأن يحلب الرجل الناقة أو الشاة ويلقي ولدها عليها فما أنزلت بعد ذلك فهي العفافة، قال الاعشى وذكر ظبية ترضع ولدها ما تجافى عنه النهار وما تعجوه إلا عفافة أو فواق الفواق ما بين الحلبتين يقال انتظره فواق ناقة، ويقال قد اجتمع فيقة في ضرعها فاحلب، ويقال استفق ناقتك أي انظر هل دنا فواقها الذي يجتمع فيه اللبن، ويقال أفاقت هي وإفاقتها نزول اللبن بعد الحلب وجيئته بعد وقت حلبها، وما اجتمع في الضرع سمي فيقة، قال الاعشى :

حتى إذا فيقة في ضرعها اجتمعت

جاء‌ت لترضع شق النفس لو رضعا

وفيقات جمع فيقة، وقال الراجز :

غزر له بوقات فيقات بوق

اعمد براعيس أبوها ذعلوق

ذعلوق اسم فحل، بوق فعل من البائقة وهي الدفعة الشديدة من المطر، ويقول أهل الحجاز رضع يرضع ويقول قيس وتميم رضع يرضع، قال وأنشدنا عيسى بن عمر [ لعبدالله بن همام السلولي ] قال ينشده أهل الحجاز :

وذموا لنا الدنيا وهم يرضعونها

أفاويق حتى ما يدر لها ثعل

الثعل خلف زائد في الاخلاف، والثعل أيضا سن زائدة في الاسنان، ويقال شاة ثعول، فإذا خدجت الناقة لسبعة أشهر أو ثمانية فعطفت على ولدها الذي من عام أول فهي الصعود يقال

٨٢

ناقة صعود وإبل صعائد، فإذا خدجت الناقة أو مات فعطفت على غيره فرئمته فهي رائم ورؤوم، فإذا لم ترأم دس في حيائها خرق ثم خل عليها ثم لطخ الولد الذي يريدون أن يعطفوها بسلاها وبما يخرج منها ثم يشد منخراها فيأخذها لذلك كرب فإذا جهدت نزعت غمامتها من أنفها وسل ما في حيائها وأدني منها الولده فوجدت حس ما يخرج منها وتنفس، فإذا خرجت غمامتها من أنفها وجدت ريح السلا من الحوار الذي قرب إليها فتدر وترأمه، والذي يكون في الحياء يسمى الدرجة، وأنشد :

وقد شدت غمامتها عليها

ودرجتا وخيسها الهجار

وقال الآخر :

وكنت كذات البو تعطف كرهة

فطابقت حتى خرمتك الغمائم

فإذا عطفت على الولد فدرت عليه فهي ظؤور ولاهلها ما فضل عن الولد، فإن عطفت على اثنين قسم اللبن بينهما واستعين عليها بلبن أخرى، فإذا غذي الولد كذا بغير أمه فهو عجي والجميع العجايا، فإذا عطف ثلاث على واحد أو ثنتان على واحد فرئمتاه جميعا فغذي الواحد بالواحدة وتخلى أهل البيت بالاخرى لانفسهم فهي تسمى الخلية، فإذا تركت الناقة مع ولدها ولم تعطف على غيره فهي بسط وبسط والجماع أبساط، قال أبوالنجم :

بلهاء لم تحفظ ولم تضيع

يدفع عنها الجوع كل مدفع

خمسون بسطا في خلايا أربع يصف امرأة يقول لم تكن تخاف فيوضع عليها رقيب ولم تكن ممن

٨٣

يهون على أهله فيتركوها فهي بين ذلك، وقوله في خلايا أربع أي مع خلايا أربع كقول النابغة الجعدي :

ولوح الذراعين في بركة

إلى جؤجؤ رهل المنكب

إنما أراد مع بركة، فإذا رئمت بأنفها ومنعت درتها فهي العلوق، قال النابغة الجعدي :

وكيف تواصل من أصبحت

خلالته كأبي مرحب

رآك ببث فلم يلتفت

إليك وقال كذاك ادأب

وما نحني كمناح العلو

ق ما تر من غرة تضرب

قال وأنشدني أبوعمرو بن العلاء [ لافنون التغلبي ] :

عما جزوا عامرا سوأى بحسنهم

أم عم يجزونني السوأى من الحسن

أم كيف ينفع ما تعطى العلوق به

رئمان أنف إذا ما ضن باللبن

وإذا نفرت عن الولد قيل ناقة مذائر فإذا صرت فالخشب الذي يشد بالخيط على خلفها التودية و [ الجماع ] التوادي، قال الراجز :

يحملن في سحق من الخفاف

تواديا شوبهن من خلاف

وقال الآخر ينوء بقلع راعيها التوادي والقلع الخف الخلق أو جلدة شبه الزنفالجة، ينوء [ بقلع ] راعيها يقول تثقل فيه التوادي حتى يميل، فإذا صرت الناقة فخشي عليها إذا حفلت أو يضيق الصرار جعل بين الخيط والخلف بعرة من بعرها فذلك البعر الذيار، قال الراجز

٨٤

حرقها من النجيل أشهبه

ومرتع من ذي الفلاة يطلبه

قرب وهدانا له مدربه

لا يشتري العطر ولا يستوهبه

إلا ذيارا بيديه جلبه فإذا عضن الصرار حتى يضر به قيل ناقة مجددة الاخلاف، قال حميد الارقط يذكر قطا :

ضربا على جآجئ منحات

أولاد أبساط مجددات

منحات متحرفة وهي مجددة ليس لها ضرع وهي مخلاة وولدها يعني القطاط، قال [ مالك بن خالد الخناعي ]

الهذلي رويد عليا جد ما ثدي أمهم

إلينا ولكن ودهم متماين

وقال مسافر بن أبي عمرو :

تمد إلى الاقصاء ثديك كله

وثدي الاداني ذو عوار مجدد

وأصل الجد القطع يقال جد الناس النخل إذا صرموه، قال الشاعر :

كأن المشرفية تختليهم

مخالب خيبر زمن الجداد

فإذا بركت الناقة على بول أو ندى أو أصابتها عين فتعقد لبنها في ضرعها فخرج اللبن خاثرا متقطعا كأنه قطع الاوتار وسائر اللبن ماء أصفر رقيق قيل قد أخرطت ناقة فلان فهي مخرط وهن نوق مخارط ولبنها الخرط، والمنغر التي تحلب لبنا خلطه دم، ويقال ممغر ومنغر ويقال أمغرت وأنغرت والجماع المماغير والمناغير، فإذا كان ذلك من عادتها فهي ممغار ومنغار فإذا حلبت الناقة فحبست لبنها وكرهت الولد وأنكرت الحالب فرفعت درتها قيل غارت تغار مغارة وغرارا وهى ناقة مغار يا فتى، قال العجاج يصف المنجنيق

٨٥

وبضربها مثلا للناقة إذا قل لبنها :

إذا رأى أو رهب الغرارا

موج الوضين قدم الذيارا

الغرار شفرة السيف والسهم، قال حميد الارقط سن غرارية مداويس القين وقال [ الداخل بن حرام ] الهذلي سليم النصل لم يدحض عليه الغرار فقدحه زعل دروج ويقال ما كان نوم فلان إلا غرارا أي خفيف ثم ينقطع، فإذا بعتت بطيبة النفس والدرة قيل نعوس، ودرة الابل مع النعاس ودرة الغنم مع الاجترار، قال حدثني أبوعمرو بن العلاء قال سمعت جندل بن الراعي ينشد بلال بن أبي بردة [ لابيه ] :

نعوس إذا درت جروز إذا غدت

بويزل عام أو سديس كبازل

قال فكاد صدري ينفرج، قال جبيهاء الاشجعي :

رقود لو ان الدف يضرب تحتها

لتنحاش من قاذورة لم يناكر

وقال الراجز :

إذا انفججن رقدا قياما

حسبت في أرفاغها سلاما

والخلفان المقدمان يسميان القادمين والمؤخران يسميان الآخرين، فإذا تركت الناقة بغير صرار فهي باهل والجميع بهل، ويقال أبهلها مع ولدها تشرب متى شاء‌ت، ويقا للسخلة إذا خلي مع أمه من الغنم قد أرجل فهو يرجل إرجالا وكذلك هو من الابل، قال أبو النجم فظل حولا في رضاع نرجله

٨٦

فإذا درت الناقة على غير ولدها أو على غير ما تعطف عليه فهي مرئ كما ترى، ويقال درت تدر درورا إذا أنزلت اللبن، ودر الخراج إذا كثر، وجمع مري مرايا، ومسح الضرع لتدر المرية مضموم وإنما سميت مرايا أنها تدر على المسح، والمسح المري، قال أبوزبيد :

شامذا تتقي المبس عن المر

ية كرها بالصرف ذي الطلاء

وهو الدم الذي يطلى به، والشامذ التي ترفع ذنبها، والمبس الذي يقول لها بس على ذا، والمرية الاسم من المري، يقال مراه يمريه مريا ومرية، ويقال للبعير إذا ظلع فجعل لا يتمكن من الوطي تركته يمري مريا، قال الشاعر :

إذا حل عنها الرحل ألقت برأسها

إلى شذب العيدان أو صفنت تمري

تمري تمسح كأنها معيية فهي تمسح الارض، فإذا اشتدت درتها قيل حفلت وحشكت واشتكرت، فإذا امتلا الضرع إلا شيئا قليلا قيل حالق، قال الخطيئة :

وإن لم يكن إلا الاماليس [ أصبحت ]

بها حالقا ضراتها شكرات

الحالق التي قد دنا ضرعها من الامتلاء، قال ابن لجاء في الضرة :

كأنها نطت إلى ضراتها

من خشب الطلح مجوفاتها

ويروى من نخر الطلح يريد سعة مخارج اللبن، وقال زهير :

كما استغاث بسئ فز غيطلة

خاف العيون فلم ينظر به الحشك

ويقال حشك الوادي بمل‌ء جنبيه إذا دفع، والصرف صبغ أحمر.

٨٧

قال أنشدنا أبوعمرو بن العلاء [ السلمة بن الخرشب الانماري ] :

كميت غير محلفة ولكن

كلون الصرف عل به الاديم

قال وحدثنا أبوعمرو بن العلاء قال يطلع كوكب قبل سهيل يقال له ثور أبيض يسمى المحلف لان الناس يشكون فيه حتى يتحالفون أنه سهيل فمن ثم قيل للشئ يشكون فيه محلف، قال وحدثنا أبوعمرو قال يطلع كوكبان أسفل من ذلك أو معه يقال لهما حضار والوزن وإنما قيل حضار لبياضه، ويقال للابل البيض الحضار، قال أبوذؤيب :

معتقة صهباء صرف سباؤها

بنات المخاض شومها وحضارها

والشوم السود، قال ولم أسمعه إلا في الجماع، ويقال رفقت الناقة ترفق رفقا إذا استدت الاحاليل من ورم وهي مخارج اللبن فخرج اللبن دقيقا، قال ومثل من الامثال يضرب للرجل يخطئ فيكثر شخب في الاناء وشخب في الارض، والشخب ماخرج عند كل غمزة والشخب العمل، فإذا قصر خلف الناقة فلم يخرج لبنها إلا بأصبعين فتلك المصور، قال رجل من فرسان العرب.

أوكل بالخزازة كل يوم

ويقسم بيننا لبن مصور

والعمل المصر، فإذا اتسع الشخب فهي ثرة يقال ناقة ثرة بينة الثرور، ويقال للطعنة الكثيرة الدم ثرة، فإذا أسرع انقطاع لبن الناقة فلم يبق إلا قليلا حتى يحف فهي قطوع، فإذا دام عزرها فهي مكود [ ومنوح ] وإبل مكائد ومنائح ويقال ما نحت ناقة فلان العام أجمع، قال الراجز

٨٨

إن شرك الغزر المكود الدائم

فاعمد براعيس أبوها الرائم

البراعيس جمع برعيس وهي الغزيرة الطيبة النفس بالدرة، فإذا درت الناقة على الجوع والقر فهي مجالح بغير هاء ويقال قد جالحت الناقة تجالح مجالحة شديدة، قال رجل من غطفان :

لها شعر داج وجيد مقلص

وجسم خداري وضرع مجالح

وقال الفرزدق :

مجاليح الشتاء خبعثنات

اذا النكباء ناوحت الشمالا

وكل غليظ الجسم من الابل وغيهرا خبعثن، قال أبوزبيد يصف الاسد :

خبعثنة في ساعديه تزايل

تقول وعى من بعد ما قد تكسرا

والصمرد القليلة اللبن البكيئة، والخنجور الغزيرة، والرهشوش الرقيقة الغزيرة، قال رؤبة :

أنت الجواد رقة الرهشوش

تكرما والهش للهشيش

وقال الحطيئة [ ومنعت وفرا جمعت فيها ] مذممة خناجر أي غزار والواحدة خنجور، والتزنيم أن تشق أذن الناقة ثم تفتل حتى تيبس فتصير معلقة، قال المسيب بن علس:

رأوا نعما سودا فهموا بأخذه

إذا التف من دون الجميع المزنم

رأوا نعما يقول يجاء بهذه الابل قرب البيوت فتلتف فيراها أهل الحوار فيعجبون بها، فإذا كانت الناقة سريعة الاستعطاش

٨٩

قيل ناقة هافة وناقة مهياف، والعسوس شيئان في الابل فأحدهما أن الناقة إذا ضجرت عند الحلب قيل ناقة عسوس وفيها عسس وهو سوء الخلق، ويقال بئس العسوس أي بئست مطلب الدرة، وطلب الدرة أن يدخل فيروز ويمسح الضرع، قال ابن أحمر :

وراحت الشول ولم يحبها

فحل ولم يعتس فيها مدر

أي لم يرز من جهد الناس، ومثل العسوس القسوس وهي التي تطلب في الابل وتبتغى منها الدرة، فإذا شالت الناقة للقاح فهي شائل والجماع الشول، فإذا أتى عليها سبعة أشهر من نتاجها أو ثمانية فهي شائلة بالهاء والجمع شول، قال وهذا عجب ومخرجه صائم وصوم وصاحب وصحب ونائم ونوم وشارب وشرب ويقال مثله ناصر ونصر يريد النصار، قال العجاج :

بواسط أفضل دار دارا

والله سمى نصرك ألانصارا

وقال في أخرى إن قال قيل لم أكن في القيل قائل وقيل من القائلة يقول إن قال أناس لم أكن فيهم يريد القائلين، قال ابن احمر :

وما كنت أخشى أن تكون منيتي

ضريب جلاد الشول حمطا وصافيا

والضريب لبن يجلب بعضه على بعض حتى يتلبد ولا يكون إلا من إبل شتى لا يكون من واحدة، ويقال أكفأ فلان فلانا وهو

٩٠

أن يعطيه أولادها وأوبارها وألبانها تلك السنة كلها كما قال ذو الرمة :

ترى كفأيتها تنفضان ولم يجد

لها ثيل سقب في النتاجين لامس

سبحلا أبا شرخين أحيا بناته

مقاليتها فهي اللباب الحبائس

الشرخان نتاج سنتين من الابل والناس، قال حسان إن شرخ الشباب والشعر الاسود ما لم يعاص كان جنونا شرخ الشباب النتاج الذي ولد مع الشباب، قال الفرزدق :

نأتني الغانبات فقلن هذا

أبونا جاء من تحت السلام

ولو جداتهن سألن عني

رددن علي أضعاف السلام

رأين شروخهن مؤزرات

وشرخ لدي أسنان الهرام

وقال العجاج :

إذا الاعادي حسبونا بخبخوا

صيد تسامى وشروخ شرخ

الصيد داء يأخذ الانف فيميل منه رأس البعير ويسيل منه زبد فيقال للرجل الذي به كبر أصيد فلما كثر تشبيههم به قالوا رجل أصيد وقوم صيد، قال رؤبة يذكر السيوف :

نعصى بغربي كل نصل قداد

إذا استعيرت من جفون الاغماد

فقأن بالصقع يرابيع الصاد ويقال الصيد والصاد ويقال أخذه صيد وصاد إذا أخذه ورم في أنفه، فشبه الورم باليربوع، وقوله تنفضان أي تذهبان، ويقال أنفض بنو فلان إذا ذهب زادهم ويقال أصبح بنو فلان منفضين إذا لم يبق معهم زاد، والمقلات التي لا يعيش

٩١

لها ولد، قال والقلت الهلاك، قال وسمعت شيخا من بلعنبر يقول إن ابن آدم ومتاعه لعلى قلت إلا ما وقى الله، وقال [ أبو المثلم ] الهذلي :

له عكة وله ظبية

إذا أنفض الناس لم ينفض

متى ما أشأ غير زهو الرجا

ل أجعلك رهطا على حيض

وأكحلك بالصاب أو بالجلا

ففقح لكحلك أو غمض

قال الاصمعي قلت لشيخ من هذيل ما فعل أبوك قال رفع رأسه ففقح أي فتح عينيه من المرض، والرهط أديم يؤخذ ويترك أعلاه ويشق الذي يلي الساقين والفخذين فيستتر بالصحيح منه ويهون المشي فيه للشقيق، يقول أجعلك ثوب امرأة حائض، والصاب شجر له لبن إذا قطر على الجلد أحرقه فإن كحل به فذلك البلاء، قال أبوذؤيب :

نام الخلي وبت الليل مشتجرا

كأن عيني فيها الصاب مذبوح

وقال الآخر :

كأن الخزامى طلة في ثيابها

إذا طرقت أو فار مسك يذبح

يقول كأن الخزامى ندية في ثيابها يعني طيب ريحها ولو كانت يابسة ذهب ريحها، وقال المتنخل:

بطعن يفجر اللبات ثر

وضرب مثل تعطيط الرهاط

أي مثل تشقيق الرهاط، ويقال ما في إبله قاضية أي ليس فيها ما يجوز عند أصحاب الصدقة ولا في الديات، والقاضية التي تقضي عنه، قال ابن أحمر

٩٢

لعمرك ما أعان أبوحكيم

بقاضية ولا بكر نجيب

فصدق ما أقول بحبحبي

كفرخ الصعو في العام الجديب

فلا تبعد فقد بعدت وضاعت

قلاص العقل بعد بني حبيب

وهي القواضي قال أدنى ما يجوز في الدية [ القاضية ] والفريضة من مخاض، وفي الابل الطرف والتلد، فأما الطرف فالتي اشتريت حديثا والتلد واحدها تليد وهو الذي اشتري منذ حين فتلد عندهم أي طال مقامه، والتلاد الذي ولد عندهم والتلاد الواحد والجميع فيه سواء، قال الشاعر :

أخذت الدين أدفع عن تلادي

وأخذ الدين أهلك للتلاد

والتلاد من أتلدنا عندنا فنحن نتلد إتلادا، سمعت المنتجع بن نبهان يقول لرجل حلف على باطل :

كأنما تأكل مالا متلدا

وإنما تأكل جمرا موقدا

قال وأصله من الواو مثل التكلان والتخمة، قال الاعشى :

كثير النوافل تبري له

مرازى لست بعدادها

ومنكوحة غير ممهورة

وأخرى يقال لها فادها

ومنزوعة من فناء امرئ

لمبرك أخرى ومرتادها

تدرك على غير أسمائها

مطرفة بعد إتلادها

ويقال لسنام البعير السنام، والشرف، والذروة، والقمعة، والقحدة، والهودة، يقال إبل لها هود ضخام، والعريكة والكتر، قال علقمة :

قد عريت زمنا حتى استطف لها

كتر كحافة كير القين ملموم

٩٣

قال ولم أسمع بالكتر إلا في هذا البيت، واستطف ارتفع، فإذا كانت الناقة مفترشا سنامها في جنبيها وليس بمشرف قيل ناقة دكاء كما ترى وهو الدكك، فإذا كانت مشرفة السنام فهي مسنمة وسنمة، قال رجل من أهل البادية يذكر الطعام في اليوم البارد:

جزور سنمة وموسى

خذمة في غداة شبمة

فإذا عظم جنبا السنام وجريا بالشحم على الاضلاع قيل جزور شطوط وهن جزر شطائط، ويقال جزور عظيمة الشطين أي عظيمة جنبي السنام،

قال الراجز [ وهو أبوالنجم ] :

شط أمر فوقه بشط

لم ينزل في البطن ولم ينحط

ومما يذكر به غزارة الابل يقال ناقة رهشوش إذا كانت رقيقة خوارة غزيرة والغزر مع الخؤورة، قال رؤبة بن العجاج أنت الجواد رقة الرهشوش ويقال ناقة خبر إذا كانت غزيرة وأصل ذلك من المزادة تسمى الخبر، قال النابغة يذكر إبلا الماء للخيل في المزادة مقرنة بالادم والصهب كالقطا عليها الخبور محقبات المراجل ويقال ناقة برعيس إذا كانت رقيقة غزيرة، ويقال ناقة صفي وهن الصفايا إذا كن غزارا، وناقة لهموم إذا كانت غزيرة وإبل لهاميم، وناقة خنجور وهي الغزيرة،

٩٤

ما يذكر به البك‌ء والبك‌ء المصدر وهو قلة الغزر يقال بكؤت الناقة وبكأت تبكأ بكئا، قال سلامة بن جندل :

يقال محبسها أدنى لمرتعها

ولو تعادى ببك‌ء كل محلوب

وناقة بكئ وبكيئة، قال الشاعر [ وهو أبومكعت الاسدي ] :

فليأزلن وتبكأن لبونه

وليصمتن صبيه بسمار

السمار المذق القليل الذي قد اخضر يقال أتانا بسمار وسجاج ومذق وضياح، ويقال جاء‌نا بمذيقة خضراء، قال الشاعر :

نشربه محضا ونسقي عياله

سجاجا كأقراب الثعالب أورقا

ويقال أتانا بمذيقة مثل قرب الذئب ومثل طرة الخنيف، والخنيف ثوب من كتاب أخضر وشبه اللبن بطرة الثوب الاخضر، وكل لبن شد مذقه [ بالماء فهو مجهود ] يقال أتانا بلبن مجهود، ويقال أتانا بشربة خرساء إذا كانت ثخينة إذا صبت، ويقال أتانا بالمرضة وهي شربة ثقيلة خاثرة، وكل ثقيل فهو مرض، وناقة صمرد إذا كانت قليلة اللبن، وناقة فتوح إذا كانت إذا مشت شخبت أخلافها، ويقال ناقة ضروس إذا كانت سيئة الخلق عند الحلب،

قال بشر بن أبي خازم:

عطفنا لهم عطف الضروس من الملا

بشهباء لا يأتي الضراء رقيبها

٩٥

الملا أرض مستوية، ويقال ناقة نخور وهي التي لا تدر حتى يضرب أنفها، وناقة عصوب وهي التي لا تدر حتى يعصب فخذاها، قال الحطيئة :

تدرون إن شد العصاب عليكم

ونأبى إذا شد العصاب فلا ندر

ويقال للناقة إذا أصاب أحد أخلافها شئ فيبس ناقة ثلوث، قال [ صخر الغي ] الهذلي [ ألا قولا لعبد الجهل ] إن الصحيحة لا تحالبها الثلوث وإذا بركت الناقة وسط الابل قيل ناقة دفون، فإذا بركت في ناحية قيل ناقة كنوف، وإذا كثر وبر الناقة وكانت جلدة قيل ناقة مدفأة، قال الشماخ :

وكيف يضيع صاحب مدفآت

على أثباجهن من الصقيع

[ و ] يقال ناقة نزوع وجمل نزوع الذكر فيه والانثى سواء وهو الذي يطرب إلى بلاده فينزع إليها واسم ذلك النزاع، قال الراعي :

واستقبلت سربهم هيف يمانية

هاجت نزاعا وحاد خلفهم غرد

وقال ذو الرمة :

ظللت كأني واقف عند رسمها

بجاجة مقصور له القيد نازع

والنزائع من الابل والخيل والناس، يقال ما أنجب النزائع أي الغرائب، قال طفيل في نزائع الخيل:

نزائع مقذوفا على سرواتها

بما لم يخالسها الغزاة وتسهب

وقال الطرماح:

٩٦

نزيعان من جرم بن زبان إنهم

أبوا أن يريقوا في الهزاهز محجما

وقال العجير :

أمن أهل الاراك هوى نزيع

نعم أسقيهم لو نستطيع

ويقال ناقة قذور إذا كانت تبرك مع الابل، ويقال ناقة زحوف إذا كانت تجر رجليها، ويقال ناقة صفوف إذا كانت تجمع بين محلبين، ويقال ناقة رفود إذا كانت تملا الرفد، والرفد العس، قال الاعشى :

رب رفد هرقته ذلك اليو

م وأسرى من معشر أقتال:

الاقتال الاعداء يقال هو قتلك أي عدوك، ويقال ناقة مخزاب وهي التي لا تزال يكون في ضرعها غلظ يقال خزبت الناقة تخزب خزبا فيسخن لها الجباب فيدهن به ضرعها، قال النابغة :

نفجتم لمما لهم

عصلا كأذناب الثعالب

يجري الجباب على المفا

رق جامد منه وذائب

ويقال ناقة كزوم إذا كانت قصيرة الخطم كزته، [ ويقال ناقة مسياع وهي التى نصبر على الاضاعة والجفاء وسوء القيام عليها ] ويقال رجل مسياع إذا كان مضياعا لا يحسن أن يقوم على ماله، قال والافقار في الابل أن يعطى الرجل الناقة أو البعير فيركبه ثم يرده، والاطراق أن يعار الفحل فيضرب ثم يرد، ويقال لضراب الفحل طرقه، قال الراعي :

كانت نجائب منذر ومحرق

أماتهن وطرقهن فحيلا

٩٧

الفحيل من الابل الذي يصلح للضراب، ويقال بعير للرحلة إذا أريد للركوب، ويقال بعير ذو رحلة إذا كان قويا على الركوب، ويقال بعير ذو فحلة إذا كان يصلح للافتحال، ويقال بعير مسدم إذا حبس عن آلافة ولا يكون إلا في الذكور، والافيل ابن مخاض وابن لبون والانثى أفيلة، قال إهاب بن عمير :

ظللت بمندح الرحى مثولها

ثامنة ومعولا أفيلها

المندح المتسع ومثولها قيامها، ومعولا أفيلها يقول يرغو من العطش، وطروقة الجمل ما بلغ أن يحمل عليه الجمل، فإذا كانت الناقة حقة فقد بلغت أن تكون طروقة، ويقال طرق البعير يطرق طرقا إذا كان في إحدى يديه استرخاء، ويقال بعير أعقل وناقة عقلاء إذا اشتد فرش رجلها، قال النابغة [ الجعدي مطوية الزور طي البئر دوسرة ] مفروشة الرجل فرشا لم يكن عقلا والفرش أن يكون فيه انحناء، فإذا أفرط فهو عقل، ويقال ناقة قسطاء وجمل أقسط إذا كان في يديه انتصاب ويبس، وناقة خفجاء إذا كانت إذا مشت هزت إحدى فخذيها دون الاخرى، وبه سمي خفاجة، ويقال بعير به رجز وبعير أرجز وهو أن ترعد رجلاه حين يقوم، وأنشد [ لابي النجم ] :

تجد القيام كأنما هو نجدة

حتى يقوم تكلف الرجزاء

ويقال بعير أركب وناقة ركباء إذا كان وارم الركبة، ويقال

٩٨

ناقة حلبانة ركبانة إذا كانت تصلح للركوب وللحلب.

وحلباة ركباة مثلها، ويقال بعير أحرد وناقة حرداء إذا كان بنفض إحدى يديه إذا سار، قال أبونخيلة :

ضربا لكل ناكث وملحد

جلدا كتلقيف البعير الاحرد

وقال الراعي :

بين المرافق مبتل مآزرهم

ذأو الجآجئ في أيديهم حرد

وقال رؤبة :

فذاك بخال أروز الارز

وكل مخلاف وكلئز

أحرد أو جعد اليدين جبز ويقال بعير ذو ضب إذا كان بحقه ورم، قال الاغلب ليس بذي عرك ولا ذي ضب والعرك الضاغط الصغير، والضاغط جلد يمور ويجتمع يكاد يسد الابط، وأنشد [ لابن حبناء التميمي فإن استك الكوماء عيب وعورة ] تطرطب فيها ضاغطان وناكت والناكت أن ينكت المرفق في الجنب، وقال ذو الرمة :

وجوف كجوف القصر لم ينتكت لها

بآباطها الملس الزحاليق مرفق

ويقال بعير واسع الفروج إذا كان بعيد اليدين من الجنبين بعيد ما بين الرجلين، قال بعض الرجاز نابي الفروج من أذاة العركين وقال النمر بن تولب :

كأن بهو ذراعيه وبركته

إذا توجه يمشي مقبلا باب

٩٩

ويقال ناقة طرفة إذا كانت تتبع المرعى وتستطرفه، ويقال ناقة أزية إذا كانت لا تشرب إلا عند مصب الدلو، ومهراق الدلو يسمى الازاء، قال ابن لجاء :

حتى ترى الشنة في إهوائها

ككرة الاعب وانتزائها

من مسقط الدلو إلى إزائها ويقال إبل حوائم إذا كانت عطاشا تحوم حول الحوض، ويقال ظلت الابل تلوب يومها أجمع إذا كانت تدور حول الماء، قال المخبل :

يقاسون جيش الهرمزان كأنهم

قوارب أحواض الكلاب تلوب

ويقال جاء‌ت الابل تصل إذا جاء‌ت عطاشا، قال الراعي :

فسقوا صوادي يسمعون عشية

للماء في أجوافهن صليلا

قال وأنشدني أبومهدي عن مزاحم العقيلي :

غدت من عليه بعد ما تم ظمؤها

تصل وعن قيض بزيزاء مجهل

من عليه يريد من فوقه، وقال آخر [ وهو عمرو بن شأس الاسدي ] :

ألم تعلمي يا أم حسان أنني

إذا عبرة نهنهتها فتجلت

رجعت إلى صدر كجرة حنتم

إذا قرعت صفرا من الماء صلت

ويقال ناقة تاجرة إذا كانت نافقة إذا أدخلت السوق، ويقال ناقة وذمة وهي التي في حيائها مثل الثآليل فيقال وذموها فيقطع ذلك فتلقح، ويقال ناقة عائط وهي تعتاط رحمها لا تحمل أعواما، ويقال اعتاطت أعواما لا تحمل، واعتاطت رحمها

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

أوجبنا أعلى القِيَم.

وأمّا حلف المالك : فلنفي استحقاق المتصرّف المنافع المدّة التي ادّعاها المتصرّف.

وقالت الشافعيّة - تفريعاً على أصحّ الأقوال عندهم - : إنّه إن كانت العين باقيةً ولم تمض مدّة لمثلها أُجرة ، قُدّم قول المالك ، فإذا حلف استردّ المال ، فإن مضت مدّة لمثلها أُجرة فالمالك يدّعي أُجرة المثل ، والمتصرّف يُقرّ له بالمسمّى ، فإن استويا أو كانت أُجرة المثل أقلَّ أخذه بغير يمينٍ ، وإن كانت أُجرة المثل أكثر أخذ قدر المسمّى بغير يمينٍ ، والزيادة باليمين(١) .

قال بعض الشافعيّة : ولا يجي‌ء هنا خلاف اختلاف الجهة ، كما لو ادّعى المالك فسادَ الإجارة والمتصرّف صحّتَها ، يحلف المالك ، ويأخذ أُجرة المثل(٢) .

وإن كان الاختلاف بعد بقاء العين مدّةً في يد المتصرّف وتلفها ، فالمالك يدّعي أُجرة المثل والقيمة ، والمتصرّف يُقرّ بالمسمّى ويُنكر القيمة ، فللمالك أخذُ ما يُقرّ به بغير يمينٍ وأخذُ ما ينكره باليمين.

ولو قال المالك : غصبتني ، وقال المتصرّف : بل أودعتني ، فالقول قول المالك مع اليمين إن لم نوجب أعلى القِيَم ، وإن أوجبناه حلف كلٌّ منهما على نفي ما ادّعاه الآخَر ، ويثبت الضمان على المتصرّف ، فإن تلفت‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ١٢٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٨٩ - ٩٠.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٩٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٩٠.

٣٠١

العين أخذ المالك المثلَ إن كان مثليّاً ، والقيمةَ إن كانت من ذوات القِيَم ، وأُجرة المثل إن مضت مدّة لمثلها أُجرة.

مسألة ١٣٤ : لو ادّعى الـمُستعير تلفَ العين وأنكر المالك ، قُدّم قول الـمُستعير مع اليمين‌ ؛ لأنّه مؤتمن ، وربما تعذّرت البيّنة عليه.

ولو ادّعى الـمُستعير الردَّ وأنكر المالك ، قُدّم قول المالك مع اليمين ؛ لأصالة عدم الردّ ، وعدم براءة الذمّة بعد شغلها ، فإنّ الـمُستعير يدّعي إسقاط ما ثبت في ذمّته.

ولو تنازعا في القيمة بعد وجوب الضمان بالتفريط أو التضمين ، قُدّم قول الـمُستعير مع اليمين ؛ لأنّه منكر لما يدّعيه المالك من الزيادة.

ولو تنازعا في التفريط وعدمه ، قُدّم قول الـمُستعير ؛ لأصالة براءة ذمّته وعدم الضمان.

فروع :

أ - قد بيّنّا أنّه ليس للمُستعير أن يعير ، فإن فَعَل فللمالك الرجوعُ بأُجرة المثل على مَنْ شاء منهما‌ ، فإن رجع على الـمُستعير لم يرجع الـمُستعير على الـمُعير وإن كان جاهلاً على إشكالٍ ، وإن رجع على الـمُعير كان له الرجوعُ على الـمُستعير العالم ، وفي الجاهل إشكال ، وكذا العين.

ب - لو انتفع الـمُستعير باستعمال العين بعد رجوع المالك في العارية ، فإن كان عالماً برجوعه كان ضامناً للعين والمنفعة معاً.

ولو كان جاهلاً ، احتُمل ذلك أيضاً ؛ لأنّ الاستعمال منوط بالإذن وقد زال ، وعدمُ الضمان.

ج - لو مات الـمُستعير ، وجب على ورثته ردّ العين وإن لم يطالب الـمُعير‌ ؛ لأنّه مالٌ حصل في يدهم لغيرهم ، فيجب عليهم دفعه إليه.

٣٠٢

مسألة ١٣٥ : تجوز الإعارة للإرهان‌ ؛ لأنّها منفعة مباحة مطلوبة للعقلاء ، فوجب تسويغها توسعةً على المحاويج بالمباح.

قال ابن المنذر : أجمعوا على أنّ الرجل إذا استعار من الرجل شيئاً ليرهنه عند الرجل على شي‌ءٍ معلومٍ إلى وقتٍ معلومٍ فرهن ذلك على ما أذن له فيه أنّ ذلك جائز ؛ لأنّه استعاره ليقضي به حاجته ، فصحّ كغيره من العواري(١) .

ولا يعتبر العلم بقدر الدَّيْن وجنسه ؛ لأنّ العارية لا يعتبر فيها العلم ، وبه قال أبو ثور وأحمد وأصحاب الرأي ؛ لأنّها عامّة لجنسٍ من النفع ، فلم يعتبر معرفة قدره ، كعارية الأرض للزرع(٢) .

وقال الشافعي : يعتبر ذلك ؛ لاختلاف الضرر به(٣) .

وهو ممنوع ؛ فإنّ الزرع كذلك.

إذا ثبت هذا ، فإنّ الـمُعير لا يصير ضامناً للدَّيْن - وبه قال أحمد والشافعي في أحد القولين(٤) - لأنّه [ أعاره ] ليقضي [ منها ](٥) حاجته ، فلم يكن ضامناً كسائر العواري.

وقال في الآخَر : إنّه يصير ضامناً له في رقبة عبده ؛ لأنّ العارية ما يستحقّ به منفعة العين ، والمنفعة هنا للمالك ، فدلّ على أنّه ضامن به(٦) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ الـمُعير إذا عيّن قدر الدَّيْن الذي يرهنه به وجنسه ، أو عيّن محلاًّ ، تعيّن ؛ لأنّ العارية تتعيّن بالتعيين ، فإن خالفه في‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٣٦٢ - ٣٦٣.

(٢ و ٣) المغني ٥ : ٣٦٣.

(٤ و ٦) المغني ٥ : ٣٦٣ ، حلية العلماء ٥ : ٢٠١ - ٢٠٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٣.

(٥) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لأنّه استعاره ليقضي منه ». والظاهر ما أثبتناه.

٣٠٣

الجنس لم يصح ؛ لأنّه عقد لم يأذن المالك له فيه ، فلم يصح ، كما لو لم يأذن له في رهنه.

وأمّا إن أذن له في أجلٍ فرهنه إلى أقلّ من ذلك الأجل ، فقد خالفه أيضاً ؛ لأنّه قد لا يجد ما يفكّه به في ذلك الأمد القليل ، فيتضرّر المالك بالبيع.

وكذا لو أذن له في المؤجَّل فرهنه حالّاً ؛ لأنّه قد لا يجد ما يفكّه به في الحال ، فيتسلّط المرتهن على العين بالبيع.

ولو أذن له في رهنه حالّاً فرهنه مؤجَّلاً ، لم يصح ؛ لأنّه قد خالف أيضاً ، لأنّه لم يرض أن يحال بينه وبين عينه إلى أجلٍ ، فلم يصح.

ولو خالفه في القدر بأن أذن له في رهنه على مائة ، فرهنه على مائتين ، لم يصح ؛ لأنّ مَنْ رضي بقدرٍ من الدَّيْن لم يلزم أن يرضى بأكثر منه.

وهل يبطل من الرأس ، أو يصحّ في القدر المأذون فيه ويبطل في الزائد بحيث لو رضي المرتهن على رهنه بالمعيّن لزمه؟ إشكال ، أقربه ذلك.

أمّا لو رهنه على خمسين ، فإنّه يجوز قطعاً ؛ لأنّ مَنْ رضي بمائة رضي بخمسين التي هي أقلّ عرفاً ، فأشبه ما إذا أمره بالشراء بعشرة فاشترى بخمسة.

مسألة ١٣٦ : إذا أعاره للرهن فرهنه ، كان للمالك مطالبة الـمُستعير بفكّ الرهن في الحال‌ ، سواء كان بدَيْنٍ حالٍّ أو مؤجَّلٍ ؛ لأنّ العارية عقد جائز من الطرفين ، للمالك الرجوعُ فيها متى شاء.

وإذا حلّ الدَّيْن أو كان حالّاً فلم يفكّه الراهن ، جاز بيعه في الدَّيْن ؛

٣٠٤

لأنّ ذلك مقتضى الرهن ، فإنّه وثيقة على الدَّيْن.

وإنّما يتحقّق هذا المعنى بإمكان حصول الدَّيْن من العين عند الامتناع من الأداء ، وإنّما يثبت ذلك ببيعه ، فكان البيع سائغاً.

فإذا بِيع في الدَّيْن ، رجع المالك بأكثر الأمرين من القيمة ومن الثمن الذي بِيعت به ؛ لأنّ القيمة إن كانت أكثر فهو المستحقّ للمالك ؛ لأنّها عوض عينه ، وإن كان الثمن أكثر فهو عوض العين أيضاً.

ولو تلفت العين في يد المرتهن بغير تفريطٍ ، فلا ضمان عليه ؛ لأنّ الرهن لا يُضمن من غير تعدٍّ.

والأقرب عندي : إنّ الـمُستعير يضمن ؛ لأنّه استعار عاريةً هي في معرض الإتلاف.

ولو استعار عبداً من اثنين للرهن فرهنه بمائة ثمّ قضى خمسين على أن تخرج حصّة أحدهما من الرهن ، لم تخرج ؛ لأنّه رهنه بجميع الدَّيْن في صفقةٍ ، فلا ينفكّ بعضه بقضاء بعض الدَّيْن ، كما لو كان العبد لواحدٍ.

هذا إذا كان الرهن على جميع الدَّيْن وعلى كلّ جزءٍ منه.

مسألة ١٣٧ : لو استعار الدراهم للإنفاق بلفظ العارية ، فالأقرب : إنّها عارية فاسدة‌ ؛ لأنّ مقتضى العارية الانتفاع بالعين مع بقائها لمالكها ، فحينئذٍ ليس له أن يشتري بها شيئاً ؛ لأنّ العارية قد فسدت ، ولم يحصل هناك قرض.

ويحتمل استباحة التصرّف ؛ عملاً بالإذن.

وقال أصحاب الرأي : إنّه يكون قرضاً(١) .

____________________

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ١٧٧ - ١٧٨ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢١٥ ، الاختيار لتعليل المختار =

٣٠٥

فعلى ما قلناه يكون أمانةً محضة ، كالعارية الصحيحة.

وعند القائلين بضمان العارية الصحيحة تكون الفاسدة مضمونةً أيضاً.

ولو استعار شيئاً وأذن المالك له في إجارته مدّةً معلومة ، أو في عاريته ، جاز مطلقاً ومدّةً معيّنة ؛ لأنّ الحقّ لمالكه ، فاستباح ما أذن له فيه.

وليس للمُعير الرجوعُ في العارية بعد عقد الإجارة حتى تنقضي المدّة ؛ لتعلّق حقّ المستأجر بها ، وعقد الإجارة لازم.

وتكون العين غير مضمونةٍ على الـمُستأجر ولا على الـمُستعير عندنا ، وعند العامّة تكون مضمونةً ؛ بناءً على ضمان العواري(١) .

ولو آجر الـمُستعير بغير إذنٍ ، بطلت الإجارة ، وكان للمالك الرجوعُ بالأُجرة على مَنْ شاء منهما ، فإن أجاز الإجارة كان له المسمّى ، وإن لم يُجِز كان له أُجرة المثل.

مسألة ١٣٨ : لا يجوز للمُعير الرجوعُ في العارية إذا حصل بالرجوع ضرر بالـمُستعير لا يُستدرك‌ ، كما لو أعاره لوحاً يرقع به السفينة ، فرقعها به ثمّ لجّج في البحر ، لم يجز للمُعير هنا الرجوع ما دامت السفينة في البحر ؛ لما فيه من خوف الغرق الموجب لذهاب المال أو تلف النفس.

ويحتمل أنّ له الرجوعَ ، ويثبت له المثل أو القيمة مع تعذّر المثل ؛ لما فيه من الجمع بين المصالح.

وله الرجوع لو لم تدخل السفينة في البحر أو خرجت منه ؛ لعدم التضرّر فيه.

____________________

= ٣ : ٧٩ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ١٤٤ - ١٤٥ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٣٣ / ٣١٥٤ ، الفقه النافع ٣ : ٩٤٨ / ٦٧٣ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٢٢.

(١) راجع الهامش (٤) من ص ٢٧٣.

٣٠٦

ولو أعاره حائطاً ليضع عليه أطراف خشبه ، جاز له الرجوع قبل الوضع - إجماعاً - مجّاناً ، وبعده مع الأرش ما لم تكن الأطراف الأُخَر مثبتةً في ملك الـمُستعير ويؤدّي إلى خراب ما بناه الـمُستعير عليه ، ففيه خلاف.

ولو قال الـمُعير : أنا أدفع إليه أرش ما نقص بالقلع ، لم يجب على الـمُستعير إجابته إن منعنا الرجوع هنا ؛ لأنّه إذا قلعه انقلع ما في ملك الـمُستعير منه ، ولا يجب على الـمُستعير قلع شي‌ءٍ من ملكه بضمان القيمة ، وقد سبق.

مسألة ١٣٩ : لو أنفذ رسولاً إلى شخصٍ ليستعير منه دابّةً يمضي عليها إلى قريةٍ معيّنةٍ‌ ، فمضى الرسول وكذب في تعيين القرية وأخبر المالك بأنّ الـمُستعير يطلب الدابّة إلى قريةٍ أُخرى ، فدفع المالك دابّته إليه ، فإن خرج بها الـمُستعير إلى ما عيّنه الرسول وكذب فيه فتلفت ، لم يكن على أحدٍ ضمانٌ ؛ لأنّ صاحبها أعار الدابّة إلى ذلك الموضع.

ولو خرج بها الـمُستعير إلى ما طلبه الـمُستعير وقاله لرسوله فتلفت ، ضمن الـمُستعير ؛ لأنّ المالك إنّما أذن فيما أخبره الرسول ، لا فيما طلبه الـمُستعير ، فيكون الـمُستعير قد تجاوز الإذن ، فكان ضامناً ، سواء عرف الـمُستعير بالحال أو لا.

وأمّا الرسول فلا ضمان عليه ؛ لأنّ التلف حصل في يد الـمُستعير ، فاستقرّ الضمان عليه.

٣٠٧

المقصد الثالث : في الشركة‌

وفيه فصول :

الأوّل : الماهيّة‌

الشركة هي اجتماع حقوق الـمُلّاك في الشي‌ء الواحد على سبيل الشياع ، أو استحقاق شخصين فصاعداً على سبيل الشياع أمراً من الأُمور.

وسبب الشركة قد يكون إرثاً أو عقداً أو مزجاً أو حيازةً بأن يقتلعا شجرةً أو يغترفا ماءً دفعةً بآنيةٍ ، فكلّ ما هو ثابت بين اثنين فصاعداً مشاع بينهما يقال : إنّه مشترك بينهما(١) .

وهو ينقسم إلى عينٍ ومنفعةٍ وحقٍّ.

وبالجملة ، فهو ينقسم إلى ما لا يتعلّق بالمال ، كالقصاص وحدّ القذف ومنفعة كلب الصيد الباقي من مورّثهم ، وإلى ما يتعلّق بالمال ، وهو إمّا أن يكون عيناً ومنفعةً ، كما لو ورث اثنان أو جماعة مالاً أو غنموه أو اشتروه في عقدٍ واحد أو متعدّد ، أو اتّهبوه أو قَبِلوا الوصيّة به أو الصدقة ، وإمّا أن يكون مجرّد منفعةٍ ، كما لو استأجروا عبداً أو أُوصي لهم بسكنى دارٍ ، وإمّا أن يكون مجرّد عينٍ خاليةٍ عن المنفعة ، كما لو ورثوا عبداً موصى بخدمته وجميع منافعه على التأبيد ، وإمّا حقٌّ يتوصّل به إلى مالٍ ، كالشفعة التي تثبت لجماعةٍ ، وخيار الشرط ، وخيار الردّ بالعيب ، والرهن ، ومرافق الطرق.

وعلى كلّ تقديرٍ فالشركة قد تحدث بغير اختيار الشريك ، كما لو‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة : « بينهم ».

٣٠٨

ورثوا مالاً أو امتزج مالاهما بغير اختيارهما ، أو باختيارهما ، كما لو مزجا المالين أو اشتركا في الشراء.

والمقصود في هذا المقصد البحثُ عن الشركة الاختياريّة المتعلّقة بالتجارة وتحصيل الربح والفائدة.

مسألة ١٤٠ : الشركة جائزة بالنصّ والإجماع.

أمّا النصّ : فمن الكتاب والسنّة.

أمّا الكتاب : فقوله تعالى :( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) (١) أضاف الغنيمة إليهم ، وجعل الخُمس مشتركاً بين الأصناف المذكورين.

وقوله تعالى :( فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ ) (٢) .

وقال تعالى :( وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إلّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ ) (٣) والخلطاء هُم الشركاء في أمثال ذلك.

وأمّا السنّة : فما رواه العامّة عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « مَنْ كان له شريك في رَبْعٍ أو حائطٍ فلا يبعه حتى يؤذِن شريكه »(٤) .

____________________

(١) الأنفال : ٤١.

(٢) النساء : ١٢.

(٣) « ص » : ٢٤.

(٤) ورد نصّه في البيان ٦ : ٢٢٤ ، ونحوه في صحيح مسلم ٣ : ١٢٢٩ / ١٦٠٨ ، وسنن النسائي ٧ : ٣٠١ ، وسنن الدارمي ٢ : ٢٧٤ ، وسنن البيهقي ٦ : ١٠٤ ، ومسند أحمد ٤ : ٢٥٠ / ١٣٩٢٩.

٣٠٩

وعن أبي هريرة : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « [ يقول الله عزّ وجلّ : ](١) أنا ثالث الشريكين ما لم يَخُنْ أحدهما صاحبَه ، فإذا خانه خرجتُ من بينهما »(٢) يعني أنّ البركة تُنزع من مالهما.

وكان ابن [ أبي ](٣) السائب شريكاً للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل المبعث ، وافتخر بشركته بعد المبعث ، فلم ينكر عليه(٤) .

وكان البراء بن عازب وزيد بن أرقم شريكين ، فاشتريا فضّةً بنقدٍ ونسيئةٍ ، فبلغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك ، فأمرهما أنّ ما كان بنقدٍ فأجيزوه ، وما كان نسيئةً فردّوه(٥) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه هشام بن سالم - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجلٍ يشاركه الرجل في السلعة ، قال : « إن ربح فله ، وإن وضع فعليه »(٦) .

وعن الحسين بن المختار أنّه سأل الصادقَعليه‌السلام : عن الرجل يكون له الشريك فيظهر عليه قد اختان منه شيئاً ، أله أن يأخذ منه مثل الذي أخذ من‌

____________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(٢) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٥٦ / ٣٣٨٣ ، سنن الدارقطني ٣ : ٣٥ / ١٣٩ ، سنن البيهقي ٦ : ٧٨ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٥٢ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ١٠٩.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من بعض المصادر.

(٤) المصنّف - لابن أبي شيبة - ١٤ : ٥٠٥ / ١٨٧٩٤ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٧ : ١٦٥ / ٦٦١٨ و ٦٦١٩ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٨٦ / ٢٢٨٧ ، سنن البيهقي ٦ : ٧٨ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٦١ ، مسند أحمد ٤ : ٤٤١ / ١٥٠٧٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٥.

(٥) صحيح البخاري ٣ : ١٨٤ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ١٠٩.

(٦) التهذيب ٧ : ١٨٥ / ٨١٧.

٣١٠

غير أن يبيّن ذلك؟ فقال : « شَوَه(١) لهما اشتركا بأمانة الله ، وإنّي لأُحبّ له إن رأى [ منه ](٢) شيئاً من ذلك أن يستر عليه ، وما أُحبّ له أن يأخذ منه شيئاً بغير علمه »(٣) .

والأخبار في ذلك كثيرة من طُرق العامّة وطُرق الخاصّة.

وأمّا الإجماع : فإنّه لا خلاف بين المسلمين في جوازها على الجملة وإن اختلفوا في أنواع منها.

مسألة ١٤١ : الشركة على أربعة أنواع : شركة العنان ، وشركة الأبدان ، وشركة المفاوضة ، وشركة الوجوه.

فأمّا شركة العنان : فإن يُخرج كلٌّ مالاً ويمزجاه ويشترطا العمل فيه بأبدانهما.

واختلفوا في أخذها من أيّ شي‌ءٍ؟

فقيل : أُخذت من عنان الدابّة إمّا لاستواء الشريكين في ولاية الفسخ والتصرّف واستحقاق الربح على قدر رأس المال ، كاستواء طرفي العنان ، أو تساوي الفارسين إذا سوّيا بين فرسيهما وتساويا في السير(٤) يكونان سواءً ، وإمّا لأنّ كلّ واحدٍ منهما يمنع الآخَر من التصرّف كما يشتهي ويريد ، كما يمنع العنان الدابّة ، وإمّا لأنّ الآخذ بعنان الدابّة حبس إحدى يديه على‌ العنان ، ويده الأُخرى مطلقة يستعملها كيف شاء ، كذلك الشريك بالشركة مَنَع نفسَه عن التصرّف في المشترك كما يشتهي وهو مطلق اليد والتصرّف

____________________

(١) الشَّوَه : قبح الوجه والخلقة. لسان العرب ١٣ : ٥٠٨ « شوه ».

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) التهذيب ٧ : ١٩٢ / ٨٤٩.

(٤) في المغني ٥ : ١٢٤ ، والشرح الكبير ٥ : ١١١ إضافة : « فإنّ عنانيهما ».

٣١١

في سائر أمواله(١) .

وقيل : هي مأخوذة من الظهور ، يقال : عنَّ الشي‌ء إذا ظهر ، إمّا لأنّه ظهر لكلّ واحدٍ منهما مال صاحبه ، وإمّا لأنّه أظهر وجوه الشركة ، ولذلك وقع الإجماع من العلماء على صحّتها واختلفوا في غيرها(٢) .

وقيل : إنّها مأخوذة من المعانّة ، وهي المعارضة ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما يُخرج ماله في معارضة إخراج الآخَر ، فكلّ واحدٍ من الشريكين معارض لصاحبه بماله وفعاله(٣) .

وقال الفرّاء : إنّها مأخوذة من عَنَّ الشي‌ء إذا عرض ، يقال : عنّت لي حاجة إذا عرضت ، فسُمّيت بذلك ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما عَنَّ له أن يشارك صاحبه(٤) .

وأمّا شركة الأبدان : فإن يشترك اثنان أو أكثر فيما يكتسبون بأيديهم كالصُّنّاع يشتركون على أن يعملوا في صناعتهم ، فما رزق الله تعالى فهو بينهم على التساوي أو التفاوت.

وأمّا شركة المفاوضة : فهو أن يشتركا ليكون بينهما ما يكتسبان ويربحان ويلتزمان من غُرْمٍ ويحصل لهما من غُنْمٍ ، فيلزم كلّ واحدٍ منهما ما يلزم الآخَر من أرش جنايةٍ وضمان غصبٍ وقيمة متلفٍ وغرامةٍ لضمانٍ أو كفالةٍ ، ويقاسمه فيما يحصل له من ميراثٍ أو يجده من ركازٍ أو لقطةٍ أو يكتسبه في تجارته بماله المختصّ به.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٨٦ ، المغني ٥ : ١٢٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١١١.

(٤) حكاه عنه ابن هبيرة في الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٣ ، وابنا قدامة في المغني ٥ : ١٢٤ ، والشرح الكبير ٥ : ١١١.

٣١٢

قال صاحب إصلاح المنطق : شركة المفاوضة أن يكون مالهما من كلّ شي‌ءٍ يملكانه بينهما(١) .

وأمّا شركة الوجوه : فقد فُسِّرت بمعانٍ أشهرها : إنّ صورتها أن يشترك اثنان وجيهان عند الناس لا مال لهما ليبتاعا في الذمّة إلى أجلٍ على أنّ ما يبتاعه كلّ واحدٍ منهما يكون بينهما ، فيبيعاه ويؤدّيا الأثمان ، فما فضل فهو بينهما(٢) .

وقيل : أن يبتاع وجيه في الذمّة ويفوّض بيعه إلى خاملٍ ، ويشترطا أن يكون الربح بينهما(٣) .

وقيل : أن يشترك وجيهٌ لا مال له وخاملٌ ذو مالٍ ليكون العمل من الوجيه والمال من الخامل ، ويكون المال في يده لا يسلّمه إلى الوجيه ، والربح بينهما(٤) .

وقيل : أن يبيع الوجيهُ مالَ الخامل بزيادة ربحٍ ليكون بعض الربح له(٥) .

مسألة ١٤٢ : لا يصحّ شي‌ءٌ من أنواع الشركة‌ ، سوى شركة العنان ، وقد بيّنّا أنّ شركة العنان جائزة ، وعليه إجماع العلماء في جميع الأعصار.

وأمّا شركة الأبدان : فعندنا أنّها باطلة ، سواء اتّفق عملهما أو اختلف‌

____________________

(١) تهذيب إصلاح المنطق ٢ : ٣٥٢ ، وحكاه عنه الطوسي في الخلاف ٣ : ٣٢٩ ، المسألة ٥ من كتاب الشركة.

(٢ و ٣) كما في العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٢ ، وروضة الطالبين ٣ : ٥١٣.

(٤) هذا التفسير من القاضي ابن كج والجويني كما في العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٢ ، وروضة الطالبين ٣ : ٥١٣.

(٥) قاله الغزالي في الوجيز ١ : ١٨٧ ، والوسيط ٣ : ٢٦٢ ، وعنه في العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٢ ، وروضة الطالبين ٣ : ٥١٣.

٣١٣

بأن يكون كلّ واحدٍ منهما خيّاطاً ويشتركان في فعل الخياطة ، أو يكون أحدهما خيّاطاً والآخَر نجّاراً ، ويعمل كلّ واحدٍ منهما في صنعته ، ويكون الحاصل بينهما ، وسواء كانت الصنعة البدنيّة في مالٍ مملوكٍ أو في تحصيل مالٍ مباحٍ ، كالاصطياد والاحتطاب والاحتشاش - وبه قال الشافعي(١) - لأنّ كلّ واحدٍ منهما متميّز ببدنه ومنافعه ، فيختصّ بفوائده ، وهذا كما لو اشتركا في ماشيتهما وهي متميّزة ليكون الدرّ والنسل بينهما ، فإنّه لا يصحّ.

ولأنّها شركة على غير مالٍ ، فلا يصحّ ، كما لو اشتركا في الاحتطاب والاحتشاش ، فإنّه لا يصحّ عند أبي حنيفة(٢) ، وكما لو اختلفت الصنعتان ،

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٦٤ / ٤٥ ، الإقناع : ١٢٨ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٧٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٣ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٧ ، الوجيز ١ : ١٨٧ ، الوسيط ٣ : ٢٦٢ ، حلية العلماء ٥ : ٩٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٩٥ - ١٩٦ و ١٩٩ ، البيان ٦ : ٢٢٩ و ٣٣٥ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٠٩ و ٥١٢ ، منهاج الطالبين : ١٣٢ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٥ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٤ / ١٠٢٢ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٨١ / ١١٨٤ ، تحفة الفقهاء ٣ : ١١ ، بدائع الصنائع ٦ : ٥٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٠ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٧١ / ٣٣٧٤ ، النتف ١ : ٥٣٧ ، المغني ٥ : ١١١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٦.

(٢) الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٢٣ ، تحفة الفقهاء ٣ : ١٥ ، بدائع الصنائع ٦ : ٦٣ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٧٣ / ٣٣٨٤ ، الفقه النافع ٣ : ٩٩٥ / ٧٢٠ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٦٢٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ١٠ / ١٦٧٢ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ٢١٦ ، النتف ١ : ٥٣٦ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١١ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥ - ٦ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٤ - ٦٠٥ / ١٠٢٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٧٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٧ ، حلية العلماء ٥ : ٩٨ ، البيان ٦ : ٣٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩١ ، المغني ٥ : ١١١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٥.

٣١٤

فإنّه لا يصحّ عند مالك(١) .

ولأنّ الأصل استحقاق كلّ واحدٍ منهما أُجرة عمله واختصاصه بها ، ونقله عنه يحتاج إلى دليلٍ ولم يقم.

وقال أبو حنيفة : شركة الأبدان صحيحة ، إلّا في الاحتطاب والاحتشاش والاغتنام والاصطياد. وبالجملة ، فإنّه سوّغ الشركة في الصناعة ، ومَنَعَها في اكتساب المباح ؛ لأنّ مقتضى الشركة : الوكالة ، ولا تصحّ الوكالة في هذه الأشياء ؛ لأنّ مَنْ أخذها مَلَكها ، ولأنّ أكثر ما في هذه الشركة أنّ كلّ واحدٍ منهما يتقبّل العمل لصاحبه ثمّ يشارك كلّ واحدٍ منهما صاحبَه في المال الذي اكتسبه وإن لم يكن شاركه في نفس العمل ، ومثل ذلك جائز ، ألا ترى أنّ الرجل إذا استأجر قصّاراً ليقصر له فسلّم الثوب إليه ، كان له أن يقصره بنفسه وبغيره ، ويستحقّ هو الأُجرة(٢) .

____________________

(١) المدوّنة الكبرى ٥ : ٤٢ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٥ / ١٠٢٤ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٥ ، التفريع ٢ : ٢٠٦ ، التلقين : ٤١٤ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٨٠ / ١١٨٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٣٩٣ ، المعونة ٢ : ١١٤٤ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٧٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٧ ، حلية العلماء ٥ : ٩٩ ، البيان ٦ : ٣٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩١ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ١٠ / ١٦٧٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٤ و ٥ ، المغني ٥ : ١١٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٧.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ١١ و ١٥ ، بدائع الصنائع ٦ : ٥٧ و ٦٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ١٧ و ٢٣ و ٢٥ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٧١ و ٥٧٣ / ٣٣٧١ و ٣٣٧٢ و ٣٣٨٤ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٦٢٣ - ٦٢٤ ، الفقه النافع ٣ : ٩٩٤ و ٩٩٥ / ٧١٨ و ٧٢٠ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ١٥٤ - ١٥٥ و ٢١٦ ، المحيط البرهاني ٦ : ٩ - ١١ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ١٠ / ١٦٧٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٠ و ١١ ، النتف ١ : ٥٣٥ و ٥٣٦ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٧٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٧ ، حلية العلماء ٥ : ٩٨ ، البيان ٦ : ٣٣٥ ، العزيز شرح الوجيز =

٣١٥

والأوّل ممنوع ، إلّا أنّا لا نمنع(١) الشركة في هذه الأشياء وفي غيرها ، ونمنع مساواتها للوكالة.

وقال مالك : تصحّ شركة الأبدان بشرط اتّفاق الصنعتين ؛ لأنّه قال : إذا اتّفقت الصنعتان تقارب الكسبان ، وتدعو الحاجة إلى ذلك في الصنعة الواحدة دون الصنعتين ؛ لأنّ التعاون في الصنعة أمر واقع غالباً(٢) .

وهو ممنوع ؛ فإنّ الصانعَيْن قد تختلف صنعتهما وتتفاوت وتتقارب في الجنسين ، وأمّا الحاجة فالإجارة تكفي للاستعانة ، فلا حاجة إلى الشركة.

وقال أحمد بن حنبل : تجوز شركة الأبدان في جميع الأشياء ، سواء اختلفت الصنعتان أو اتّفقت ، وسواء كان في مالٍ أو في تحصيل مباحٍ ، كالاحتطاب وشبهه ؛ لأنّ سعد بن أبي وقّاص وعبد الله بن مسعود وعمّار بن ياسر اشتركوا فيما يغتنمونه ، فأتى سعد بأسيرين ولم يأتيا بشي‌ءٍ ، فأقرّهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) . قال أحمد : أشرك النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بينهم(٤) .

____________________

= ٥ : ١٩١ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٤ و ٥ - ٦ ، المغني ٥ : ١١١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٥ - ١٨٦.

(١) في « ج » والطبعة الحجريّة : « والأوّل مسلّم إلّا أنّا نمنع ». والظاهر ما أثبتناه من « ث ، خ ، ر ».

(٢) المدوّنة الكبرى ٥ : ٤٢ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٤ و ٦٠٥ / ١٠٢٢ و ١٠٢٤ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٥ ، التفريع ٢ : ٢٠٦ ، التلقين : ٤١٤ ، المعونة ٢ : ١١٤٤ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٨ / ١١٨٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٣٩٢ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٧٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٧ ، حلية العلماء ٥ : ٩٩ ، البيان ٦ : ٣٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩١ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ١٠ / ١٦٧٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٤ و ٥.

(٣) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٦٨ / ٢٢٨٨ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٥٧ / ٣٣٨٨ ، سنن النسائي ٧ : ٥٧ و ٣١٩ ، سنن الدارقطني ٣ : ٣٤ / ١٣٨.

(٤) المغني ٥ : ١١١ - ١١٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٥ - ١٨٧ ، الإشراف على مذاهب

٣١٦

وهو غلط ؛ لأنّ غنائم بدر كانت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكان له أن يدفعها إلى مَنْ شاء ، فيحتمل أن يكون فَعَل ذلك لهذا.

وأيضاً فالغنائم مشتركة بين الغانمين بحكم الله تعالى ، فكيف يصحّ اختصاص هؤلاء بالشركة فيها!؟

وأيضاً فلا نسلّم أنّ سعداً أعطاهم على سبيل الوجوب ، بل أراد التبرّع والوفاء بالوعد الذي لا يجب إنجازه ، أمّا على سبيل اللزوم فلا.

واعلم أنّ المذهب المشهور للشافعي ما نقلناه عنه أوّلاً من موافقة مذهبنا في بطلان شركة الأبدان(١) .

وقال بعض الشافعيّة : إنّ للشافعي في هذه المسألة قولاً آخَر : إنّها جائزة ؛ لأنّ الشافعي قال في كتاب الإقرار : ولو أقرّ أحد الشريكين على صاحبه بمالٍ قُبِل إقراره ، سواء كانا شريكين في المال أو العمل(٢) .

وقال غيره : هذا ليس بقولٍ آخَر ؛ لأنّه لا يتضمّن صحّة الشركة(٣) .

وعن أحمد رواية أُخرى كمذهب مالك من صحّة شركة الأبدان مع اتّفاق الصنعة ، وبطلانها مع الاختلاف ؛ لأنّ مقتضى الشركة هنا أنّ ما تقبّل كلّ واحدٍ منهما من العمل لزمه ولزم صاحبه ، ويطالَب به كلُّ واحدٍ منهما ، فإذا تقبّل أحدهما شيئاً مع اختلاف صنائعهما ، لم [ يمكن ](٤) للآخَر أن يقوم‌

____________________

= أهل العلم ١ : ٦٤ - ٦٥ / ٤٥ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٧٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٧ ، حلية العلماء ٥ : ٩٩ ، البيان ٦ : ٣٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩١ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٤ - ٦ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٨٠ / ١١٨٤.

(١) راجع ص ٣١٣ ، وكذا الهامش (١) منها.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٢٧ ، حلية العلماء ٥ : ٩٨ ، البيان ٦ : ٣٣٥.

(٣) بحر المذهب ٨ : ١٢٨ ، البيان ٦ : ٣٣٥.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يكن ». والمثبت من المصدر.

٣١٧

به ، وكيف يلزمه عمله أم كيف يطالَب بما لا قدرة له عليه!؟(١) .

مسألة ١٤٣ : وشركة المفاوضة عندنا باطلة‌ ، وليس لها أصل في الشرع - وبه قال الشافعي ومالك(٢) وإسحاق وأبو ثور(٣) - لأنّه عقد قد اشتمل على غررٍ عظيم ؛ لأنّ ما يلزم أحدهما من غرامةٍ يلزم الآخَر ، والعقد يفسد بأقلّ من هذا غرراً ، كبيع الثمرة قبل خروجها أو قبل بدوّ صلاحها عند جماعةٍ(٤) ، واستئجار الأرض ببعض ما يخرج منها ، ولهذا لا يصحّ بين المسلم والكافر عندهم(٥) ، ولا بين الحُرّ والمكاتَب.

وقال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي : إنّها صحيحة(٦) . ورواه أصحاب‌

____________________

(١) المغني ٥ : ١١٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٧.

(٢) لم نقف على قول مالك فيما بين أيدينا من المصادر للعامّة. نعم ، حكاه عنه الطوسي في الخلاف ٣ : ٣٢٩ ، المسألة ٥ من كتاب الشركة.

(٣) الأُم ٣ : ٢٣١ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٦٤ / ٤٤ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٧٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٣ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٦ ، الوجيز ١ : ١٨٧ ، الوسيط ٣ : ٢٦٢ ، حلية العلماء ٥ : ٩٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٩٥ - ١٩٦ ، البيان ٦ : ٣٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩١ - ١٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٤ ، المغني ٥ : ١٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٤ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ١٥٣ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ١٦ / ١٦٧٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٤.

(٤) بحر المذهب ٦ : ١٩١ ، البيان ٥ : ٢٣٧ ، وراجع أيضاً ج ١٠ ، ص ٣٥٠ ، الهامش ( ١ و ٢ ).

(٥) المغني ٥ : ١٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٧.

(٦) تحفة الفقهاء ٣ : ٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ٥٧ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ١٨ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٦١٨ ، الفقه النافع ٣ : ٩٨٩ / ١٨٠ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ١٥٣ ، المحيط البرهاني ٦ : ٥ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ١٥ / ١٦٧٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٤ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٦٤ / ٤٤ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٧٥ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٦ ، الوجيز ١ : ١٨٧ ، الوسيط ٣ : ٢٦٢ ، حلية العلماء ٥ : ١٠٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٩٩ ، =

٣١٨

مالك عن مالك(١) أيضاً.

وشرط أبو حنيفة أُموراً :

الأوّل : أن يكون الشريكان مسلمين حُرّين ، فلا تصحّ شركة المفاوضة بين المسلم والكافر ، ولا بين الكافرين ، ولا بين الحُرّ والعبد.

الثاني : أن يكون مالهما في الشركة سواءً.

الثالث : أن يستعملا لفظ المفاوضة ، فيقولا : تفاوضنا ، أو : اشتركنا شركة المفاوضة.

الرابع : أن يستويا في قدر رأس المال.

الخامس : أن لا يملك واحد منهما من جنس رأس المال إلّا ثلاثة أشياء : قوت يومه ، وثياب بدنه ، وجارية يتسرّى بها.

السادس : أن يُخرجا جميع ما يملكانه من جنس مال الشركة ، وهو الدراهم والدنانير ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « إذا تفاوضتم فأحسنوا المفاوضة »(٢) ولأنّ هذه نوع شركةٍ يختصّ باسمٍ ، فكان فيها صحيح ، كشركة العنان(٣) .

____________________

= البيان ٦ : ٣٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٢ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٤ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٧٣ / ١١٨١ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٤ ، المغني ٥ : ١٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٨.

(١) كما في بحر المذهب ٨ : ١٢٦ ، وحلية العلماء ٥ : ١٠١ ، وراجع : المدوّنة الكبرى ٥ : ٦٨ ، والإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٥ / ١٠٢٥ ، وبداية المجتهد ٢ : ٢٥٤ ، والتلقين : ٤١٤ ، وعيون المجالس ٤ : ١٦٧٣ / ١١٨١ ، والمعونة ٢ : ١١٤٣ ، والحاوي الكبير ٦ : ٤٧٥ ، والوجيز ١ : ١٨٧ ، والإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٤ و ٥ ، والمغني ٥ : ١٣٩ ، والشرح الكبير ٥ : ١٩٨.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٢٧ ، المغني ٥ : ١٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٩.

(٣) تحفة الفقهاء ٣ : ٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ٦٠ - ٦٢ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ١٨ - ١٩ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٦٢ - ٥٦٣ / ٣٣٢٣ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٦١٨ - ٦١٩ ، الفقه النافع ٣ : ٩٨٩ - ٩٩٠ / ٧١٠ - ٧١٢ ، المبسوط =

٣١٩

والحديث ممنوع ؛ لأنّه لم يروه [ أصحاب ](١) السنن ، ثمّ ليس فيه ما يدلّ على أنّه أراد هذا العقد ، فيحتمل أنّه أراد المفاوضة في الحديث ، ولهذا روي فيه : « ولا تجادلوا فإنّ المجادلة من الشيطان »(٢) .

والقياس منقوض ببيع الحصاة ، فإنّه لا يصحّ ، وكذا بيع المنابذة ، وغيرهما من البيوع الباطلة ، فإنّها تختصّ باسمٍ ، وهي فاسدة ، ولا يقتضي اختصاصها بالاسم الصحّة ، مع قيام الفرق بين الأصل والفرع ، فإنّ شركة العنان تصحّ بين الكافرين ، والكافر والمسلم ، بخلاف هذه الشركة.

واعلم أنّ عند أبي حنيفة لشركة المفاوضة موجَباتٍ ، فمنها : أن يشارك أحدهما صاحبَه في جميع ما يكتسبه ، ويشاركه فيما يلزمه من الغرامة ، كالغصب والكفالة ، وإذا ثبت لأحدهما شفعةٌ شاركه صاحبه ، وما مَلَكه أحدهما بإرثٍ أو هبةٍ لا يشاركه الآخَر فيه ، فإن كان فيه من جنس رأس المال شي‌ءٌ فسدت شركة المفاوضة ، وانقلبت إلى شركة العنان ، وما لزم أحدهما بغصبٍ أو بيعٍ فاسدٍ أو إتلافٍ كان مشتركاً ، إلّا الجناية على الحُرّ ، وبدل الخلع ، والصداق إذا لزم أحدهما لم يؤاخذ به الآخَر(٣) .

____________________

= - للسرخسي - ١١ : ١٥٣ وما بعدها ، المحيط البرهاني ٦ : ٧ - ٨ ، النتف ١ : ٥٣١ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٣ - ٥ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٦ ، حلية العلماء ٥ : ١٠٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٠ ، البيان ٦ : ٣٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٢ ، المغني ٥ : ١٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩٨ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥.

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « صاحب ». والمثبت هو الصحيح.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٢٧ ، المغني ٥ : ١٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٠.

(٣) تحفة الفقهاء ٣ : ٩ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ١٩ - ٢٠ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٦٤ / ٣٣٢٧ و ٣٣٢٨ و ٣٣٣١ ، الفقه النافع ٣ : ٩٩٠ / ٧١٢ ، النتف ١ : ٥٣٢ - ٥٣٣ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٥ ، بحر المذهب ٨ : ١٢٦ ، حلية العلماء ٥ : ١٠٠ ، =

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392