تذكرة الفقهاء الجزء ١٦

تذكرة الفقهاء15%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-437-x
الصفحات: 392

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 392 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 125618 / تحميل: 5766
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٦

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٧-x
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

تَذْكِرَةُ الْفُقَهاء

الجزء السّادس عشر

تأليْفُ : العَلّامِةَ الحِليْ

٢

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

٤

٥

المقصد الثامن : في الصلح‌

وفيه فصول :

الفصل الأوّل : في ماهيّته وأركانه‌

وفيه بحثان :

البحث الأوّل : في ماهيّته.

الصلح عقد شُرّع لقطع التنازع بين المتخاصمين.

وهو عقد سائغ بالنصّ والإجماع.

قال الله تعالى :( وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) (١) وقال تعالى :( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما ) (٢) .

ومن طريق العامّة : عن أبي هريرة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « الصلح جائز بين المسلمين إلّا صلحاً أحلّ حراماً أو حرّم حلالاً »(٣) .

وعن عبد الله بن كعب بن مالك أنّ كعب بن مالك أخبره أنّه تقاضى ابنَ أبي حَدْرَدٍ دَيْناً كان له - على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - في المسجد ،

____________________

(١) النساء : ١٢٨.

(٢) الحجرات : ٩.

(٣) سنن أبي داوُد ٣ : ٣٠٤ / ٣٥٩٤ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٧ : ٢٧٥ / ٥٠٦٩ ، موارد الظمآن : ٢٩١ / ١١٩٩.

٦

فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو في بيته ، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إليهما حتى كشف سجف(١) حجرته ونادى : « يا كعب » قال : لبّيك يا رسول الله ، فأشار بيده أنْ ضَعِ الشطرَ من دَيْنك ، قال كعب : قد فعلتُ يا رسول الله ، قال : « قُمْ فاقبضه »(٢) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه حفص بن البختري - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام قال : « الصلح جائز بين الناس »(٣) .

وفي الصحيح عن الباقر والصادقعليهما‌السلام أنّهما قالا في رجلين كان لكلّ واحدٍ منهما طعام عند صاحبه لا يدري كلّ واحدٍ منهما كم له عند صاحبه ، فقال كلّ واحدٍ منهما لصاحبه : لك ما عندك ولي ما عندي ، فقال : « لا بأس بذلك »(٤) .

وقد أجمعت الأُمّة على جواز الصلح في الجملة ، ولم يقع بين العلماء فيه خلاف.

مسألة ١٠٢٢ : الصلح عند علمائنا أجمع عقدٌ قائم بنفسه ليس فرعاً على غيره‌ ، بل هو أصل في نفسه منفرد بحكمه ، ولا يتبع غيره في الأحكام ؛ لعدم الدليل على تبعيّته على الغير ، والأصل في العقود الأصالة.

وقال الشافعي : إنّه ليس بأصلٍ ينفرد بحكمه ، وإنّما هو فرع على غيره. وقسّمه على خمسة أضرُب :

ضرب هو فرع البيع ، وهو أن يكون في يده عينٌ أو في ذمّته دَيْنٌ‌

____________________

(١) السجْف : الستر. النهاية - لابن الأثير - ٢ : ٣٤٣ « سجف ».

(٢) صحيح البخاري ٣ : ٢٤٦ ، صحيح مسلم ٣ : ١١٩٢ / ١٥٥٨ ، سنن البيهقي ٦ : ٦٣ - ٦٤ ، المعجم الكبير - للطبراني - ١٩ : ٦٧ - ٦٨ / ١٢٨.

(٣) الكافي ٥ : ٢٥٩ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٢٠٨ / ٤٧٩.

(٤) التهذيب ٦ : ٢٠٦ / ٤٧٠.

٧

فيدّعيها إنسان فيُقرّ له بها ثمّ يصالحه على ما يتّفقان عليه ، وهو جائز فرع على البيع ، بل هو بيع عنده تتعلّق به أحكامه.

وضرب هو فرع الإبراء والحطيطة ، وهو أن يكون له في ذمّته دَيْنٌ فيُقرّ له به ثمّ يصالحه على أن يسقط بعضه ويدفع إليه بعضه ، وهو جائز ، وهو فرع الإبراء.

وضرب هو فرع الإجارة ، وهو أن يكون له عنده دَيْنٌ أو عينٌ فيصالحه من ذلك على خدمة عبدٍ أو سكنى دارٍ مدّةً ، فيجوز ذلك ، ويكون فرعَ الإجارة.

وضرب هو فرع الهبة ، وهو أن يدّعي عليه دارين أو عبدين وشبههما في يده ، فيُقرّ له بهما ، ويصالحه من ذلك على إحداهما ، فيكون هبةً للأُخرى.

وضرب هو فرع العارية ، وهو أن تكون في يده دار فيُقرّ له بها ، فيصالحه على سكناها شهراً ، وهو جائز ، ويكون ذلك عاريةً(١) .

وقال بعض الشافعيّة : الصلح فرعٌ للبيع والإبراء والهبة خاصّةً. ثمّ فسّر الإبراء والهبة بما ليس بصلحٍ ، فقال : إذا كان له في ذمّته ألف درهم فقال : قد أبرأتك من خمسمائة ، ويدفع إليه خمسمائة ، فإن كان بلفظ الصلح ، لم يصح. وكذا إذا قال : أبرأتك من خمسمائة على أن تعطيني خمسمائة ، فإنّه لا يجوز(٢) .

وقال بعضهم : يجوز بلفظ الصلح(٣) .

ثمّ قال القائل الأوّل : لو ادّعى عليه عينين فأقرّ له بهما فوهب له‌

____________________

(١) البيان ٦ : ٢٢١ - ٢٢٤.

(٢ و ٣) لم نعثر عليه في مظانّه.

٨

إحداهما وأخذ الأُخرى جاز ، ولا يجوز بلفظ الصلح أو بالشرط ؛ لأنّ لفظ الصلح يقتضي المعاوضة ، فأمّا إذا صالحه على بعض الدَّيْن ، كان كأنّه قد باع ألفاً بخمسمائة ، وهو حرام(١) .

وأمّا في الهبة فإذا كان بلفظ الصلح ، فكأنّه قد باع ماله بماله ، فلهذا لم يجز.

والمشهور عندهم : الجواز(٢) ؛ لأنّ لفظ الصلح إذا ذكر فيما كان معاوضةً اقتضى ذلك أن يكون معاوضةً ، فأمّا أن يكون لفظه يقتضيه فليس بصحيحٍ ؛ لأنّ الصلح إنّما معناه الاتّفاق والرضا ، والاتّفاق قد يحصل على المعاوضة وعلى غيرها ، كما أنّ لفظ التمليك إذا كان فيما طريقه المعاوضة - مثل : أن يقول : ملّكتك هذا بهذا - فإنّه يكون بيعاً ، فإذا قال : ملّكتك هذا ، كان هبةً حيث تجرّد عن العوض ، كذا هنا أيضاً.

وعلى القول الثاني يخرج قائله من أن يكون صلحاً ، ولا يبقى له ثَمَّ تعلّقٌ ؛ لأنّه إذا ادّعى عليه شيئاً ، فأقرّ به وأبرأه من بعضه وأخذ بعضه بغير لفظ الصلح ، فذلك براءة وقبض دَيْنه ، ولو أبرأه من جميعه لم يُسمّ صلحاً ، ولو قبض جميعه فكذلك ، فأمّا إذا كان بلفظ الصلح سُمّي بذلك ؛ لوجود لفظه وإن لم يوجد معناه ، كما تُسمّى الهبة المشروطة بالثواب هبةً ؛ لوجود لفظها وإن لم يوجد في ذلك معناها ، وهذا خلاف ما تقدّم ؛ لأنّه معاوضة إجماعاً.

فأمّا إذا قال : أبرأتك من خمسمائة على أن تعطيني خمسمائة فإنّ الشافعيّة منعوا منه ؛ لأنّ هذا الاشتراط يجعله بحكم العوض عن المتنازع‌

____________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٢) راجع الحاوي الكبير ٦ : ٣٦٨ ، والتهذيب - للبغوي - ٤ : ١٤٣ ، والبيان ٦ : ٢٢٤.

٩

وذلك لا يجوز(١) .

وإذا ورث رجلان من أبيهما أو أخيهما فصالح أحدهما الآخَر على نصيبه ، كان ذلك صحيحاً عندنا مستقلّاً بنفسه.

وعندهم أنّه فرع البيع ، فإذا شاهدا التركة وعرفا المعوّض ، صحّ الصلح(٢) .

مسألة ١٠٢٣ : الصلح إمّا أن يجري بين المتداعيين ، أو بين المدّعي وبين أجنبيٍّ‌. والأوّل قسمان : أحدهما : ما يجري على الإقرار عند الشافعيّة(٣) ، وهو نوعان :

أحدهما : الصلح عن العين.

والثاني : الصلح عن الدَّيْن.

النوع الأوّل : الصلح عن العين.

وهو قسمان : صلح معاوضةٍ ، وصلح حطيطةٍ.

أمّا صلح المعاوضة فهو الذي يجري على العين المدّعاة ، كما لو ادّعى داراً فأقرّ له المتشبّث بها ، وصالحه منها على عبدٍ أو ثوبٍ. وحكمه حكم البيع عند الشافعي(٤) وإن عقد بلفظ الصلح ، وتتعلّق به جميع أحكام البيع ، كالردّ بالعيب ، والشفعة ، والمنع من التصرّف قبل القبض ، واشتراط‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٣٦٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٠ ، البيان ٦ : ٢٢٢.

(٢) البيان ٦ : ٢٢٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٧.

(٤) مختصر المزني : ١٠٥ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٦٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٤١ ، البيان ٦ : ٢٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٨ ، منهاج الطالبين : ١٢٥.

١٠

القبض إن كان المصالَح عنه والمصالَح عليه متوافقين في علّة الربا ، واشتراط التساوي في الكيل والوزن إن اتّحد جنسهما من أموال الربا ، وجريان التحالف عند الاختلاف ، وفساد العقد بالغرر والجهل.

هذا إذا صالح منها على عينٍ أُخرى ، وإن صالح منها على منفعة دارٍ أُخرى أو خدمة عبدٍ سنةً جاز ، وكان إجارةً ، فتثبت فيه أحكامها.

وأمّا صلح الحطيطة ، وهو الجاري على بعض العين المدّعاة ، كما لو صالح من الدار المدّعاة على نصفها أو ثلثها ، فإنّه هبة بعض المدّعى ممّن هو في يده ، فيشترط القبول ومضيّ إمكان القبض ، ويصحّ بلفظ الهبة - إجماعاً - وما في معناها.

وفي صحّتها بلفظ الصلح وجهان عندهم :

أحدهما : المنع ؛ لأنّ الصلح يتضمّن المعاوضة ، ولا يقابل الإنسان ملك نفسه ببعضه.

وأظهرهما عندهم : الصحّة ؛ لأنّ الخاصّيّة التي يفتقر إليها لفظ الصلح - وهو سبق الخصومة - قد حصلت(١) .

مسألة ١٠٢٤ : لو صالحه من أرش الموضحة - مثلاً - على شي‌ءٍ معلوم ، جاز إذا علما قدر أرشها‌ ، وبه قال الشافعي(٢) .

ولو باعه ، لم يجز عند بعض الشافعيّة(٣) .

وخالفه معظم الشافعيّة في افتراق اللفظين.

وقالوا : إن كان الأرش مجهولاً - كالحكومة التي لم تُقدَّر ولم تُضبط - لم يجز الصلح عنه ولا بيعه.

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٨.

١١

وإن كان معلومَ القدر والصفة - كالدراهم والدنانير إذا ضُبطت في الحكومة - جاز الصلح عنها ، وجاز بيعها ممّن عليه.

وإن كان معلومَ القدر دون الصفة على الحدّ المعتبر في السَّلَم كالإبل الواجبة في الدية ، ففي جواز الاعتياض عنها بلفظ الصلح وبلفظ البيع جميعاً للشافعيّة قولان :

أحدهما : الصحّة ، كما لو اشترى عيناً ولا يعرف صفاتها.

وأظهرهما عندهم : المنع ، كما لو أسلم في شي‌ءٍ غير موصوفٍ(١) .

هذا حكم الجراح الذي لا يوجب القود ، وإن أوجبه إمّا في النفس أو فيما دونها ، فالصلح عنها مبنيّ عندهم على الخلاف في أنّ مُوجَبَ العمد القصاصُ أو أحدُ الأمرين؟ وسيأتي إن شاء الله تعالى(٢) .

مسألة ١٠٢٥ : لا يشترط عندنا سبق الخصومة في الصلح‌ ؛ لأصالة الصحّة ، فلو كان لواحدٍ ملكٌ فقال له غيره : بِعْني ملكك بكذا ، فباعه ، صحّ البيع إجماعاً.

ولو قال له : صالحني عنه بألف ، ففَعَل ، صحّ عندنا ؛ لأنّ الصلح عقد مستقلّ بنفسه.

وهو أحد وجهي الشافعيّة ؛ لأنّ مثل هذا الصلح معاوضة ، ولا فرق بين أن يعقده بلفظ الصلح أو بلفظ البيع.

وأظهرهما عندهم : المنع ؛ لأنّ لفظ الصلح إنّما يُستعمل ويُطلق إذا سبقت الخصومة(٣) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٩ - ٤٣٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٩.

١٢

وهو ممنوع ، ولا عبرة باللفظ.

هذا إذا أطلقا لفظ الصلح ولم ينويا شيئاً ، أمّا إذا استعملا ونويا البيع ، فإنّه يكون كنايةً قطعاً ، ويكون عند الشافعيّة مبنيّاً على الخلاف المشهور في انعقاد البيع بالكنايات(١) .

وعندنا الأصل عصمة مال الغير ، وعدم الانتقال عنه بالكناية.

مسألة ١٠٢٦ : لو صالح الإمام أهلَ الحرب من أموالهم على شي‌ءٍ يأخذه منهم ، جاز‌ ، ولا يقوم البيع مقامه ، وبه قال بعض الشافعيّة(٢) .

واعترض بعضهم : بأنّ هذا الصلح ليس عن أموالهم ، وإنّما يصالحهم ويأخذه منهم للكفّ عن دمائهم وأموالهم(٣) .

وهذا الكلام ساقط عندنا ؛ لأنّ الصلح عقد مستقلٌّ بنفسه على ما تقدّم(٤) .

النوع الثاني : الصلح عن الدَّيْن.

وهو قسمان :

صلح معاوضةٍ‌ ، وهو الجاري على ما يغاير الدَّيْن المدّعى ، كما لو صالحه على الدَّيْن الذي له عليه بعبدٍ أو ثوبٍ أو شبهه.

وهو صحيح عندنا مطلقاً ، سواء وقع الصلح على بعض أموال الربا الموافق في العلّة أو المخالف ، أو على غيره.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٧ - ٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٩.

(٤) في ص ٦ ، المسألة ١٠٢٢.

١٣

ولا يشترط التقابض في المجلس. ولا يشترط تعيينه في عقد الصلح على أصحّ الوجهين عندهم(١) .

وإن لم يكن العوضان كذلك ، فإن كان العوض عيناً صحّ الصلح.

ولا يشترط قبضه في المجلس في أصحّ الوجهين عندهم(٢) ، لكن يشترط التعيين في المجلس ، ولا يشترط القبض بعد التعيين في أصحّ الوجهين(٣) .

وكلّ ذلك آتٍ في بيع الدَّيْن ممّن عليه الدَّيْن.

القسم الثاني : صلح الحطيطة‌ ، وهو الجاري على بعض الدَّيْن المدّعى ، وهو إبراء عن بعض الدَّيْن.

ثمّ لا يخلوإمّا أن يأتي بلفظ الإبراء أو ما يشبهه ، مثل أن يقول : أبرأتك عن خمسمائة من الألف الذي لي عليك وصالحتك على الباقي ، فإنّه يصحّ قطعاً ، ويكون إبراءً ، وتبرأ ذمّة المديون عمّا أبرأه منه.

وهل يشترط القبول؟ الأقرب عندي : عدم الاشتراط ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة(٤) .

ولهم وجهٌ آخَر بعيد مطّرد في كلّ إبراءٍ(٥) .

ولا يشترط قبض الباقي في المجلس.

وإمّا أن لا يأتي بلفظ الإبراء ، ويقتصر على لفظ الصلح ، فيقول : صالحتك عن الألف التي لي في ذمّتك على خمسمائة ، صحّ عندنا أيضاً.

وللشافعيّة وجهان كما تقدّم في صلح الحطيطة في العين.

والأصحّ عندهم : الصحّة(٦) .

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٠.

(٤ - ٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٠.

١٤

وهل يشترط القبول؟ إشكال ينشأ : من كونه عقداً مستقلّاً ، ومن كونه في معنى الإبراء.

وللشافعيّة وجهان كالوجهين فيما إذا قال لمن له عليه الدَّيْن : وهبته منك.

والأظهر عندهم : الاشتراط ؛ لاقتضاء وضع اللفظ ذلك(١) .

ولو صالح منه على خمسمائة معيّنة ، فللشافعيّة الوجهان(٢) .

واختار الجويني هنا الفسادَ ؛ لأنّ تعيّن الخمسمائة يقتضي كونها عوضاً وكون العقد معاوضةً ، فيصير كأنّه قد باع الألف بنصفها ، وهو ربا(٣) .

وهو ممنوع ؛ لأنّ الصلح على البعض المعيّن إبراءٌ للبعض واستيفاءٌ للباقي ، ولا يصحّ هذا الضرب بلفظ البيع ، كما في نظيره من الصلح على العين ؛ لأنّه ربا محقّق.

مسألة ١٠٢٧ : يصحّ الصلح على الأعيان المتماثلة جنساً ووصفاً‌ ، سواء كانت ربويّةً أو لا ، وسواء تفاوتت في المقدار أو الحلول أو التأجيل ، أو لا ، عندنا ؛ لما تقدّم(٤) من كون الصلح عقداً مستقلّاً بنفسه ليس يجب أن تتبعه لواحق البيع.

فلو كان له ألف مؤجَّلة على غيره ، فصالحه منها على ألفٍ حالّ ، أو بالعكس ، صحّ ؛ لما مهّدناه من القاعدة.

وقالت الشافعيّة : لو صالح عن ألفٍ حالّ على ألفٍ مؤجَّل ، أو من ألفٍ مؤجَّل على ألفٍ حالّ ، كان لغواً ؛ لأنّ الأوّل وَعْدٌ من صاحب الدَّيْن‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣٠.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣١.

(٤) في ص ٦ ، المسألة ١٠٢٢.

١٥

بإلحاق الأجل ، والثاني وَعْدٌ من المديون بإسقاط الأجل ، والأجل لا يلحق ولا يسقط(١) .

وهو ممنوع ؛ لأنّه مبنيّ على عدم استقلال عقد الصلح بنفسه.

أمّا لو عجّل المديون الدَّيْنَ المؤجَّل ودفعه إلى صاحبه ، لم يجب على المالك القبولُ ، فإن قَبِل ورضي بالدفع سقط الأجل إجماعاً ؛ لحصول الإيفاء والاستيفاء.

وكذا البحث في الصحيحة والمكسّرة.

ولو صالح عن ألفٍ مؤجَّل على خمسمائة حالّة ، صحّ عندنا ؛ عملاً بالأصل.

وبما رواه أبان بن عثمان عمّن حدّثه عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يكون له على الرجل الدَّيْن ، فيقول له قبل أن يحلّ الأجل : عجِّل لي النصفَ من حقّي على أن أضع عنك النصفَ ، أيحلّ ذلك لواحدٍ منهما؟ قال : « نعم »(٢) .

وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم عن الباقرعليه‌السلام ، وعن الحلبي عن الصادقعليه‌السلام أنّهما قالا في الرجل يكون عليه الدَّيْن إلى أجل مسمّى ، فيأتيه غريمه فيقول : أنقدني من الذي لي عليك كذا وأضع عنك بقيّته ، أو يقول : أنقدني بعضاً وأمدُّ لك في الأجل فيما بقي ، قال : « لا أرى به بأساً ما لم يزد على رأس ماله شيئاً ، يقول الله [ عزّ وجلّ ] :( فَلَكُمْ رُءوُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ) (٣) »(٤) .

____________________

(١) الوسيط ٤ : ٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣١.

(٢) الكافي ٥ : ٢٥٨ - ٢٥٩ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٢٠٦ / ٤٧٤.

(٣) البقرة : ٢٧٩.

(٤) التهذيب ٦ : ٢٠٧ / ٤٧٥.

١٦

وقال الشافعي : لا يصحّ الصلح عن ألفٍ مؤجَّل بخمسمائة حالّة ؛ لأنّه نزل عن بعض المقدار لتحصيل الحلول في الباقي ، والصفة بانفرادها لا تُقابَل بالعوض ، ثمّ صفة الحلول لا تلتحق بالمال المؤجَّل ، فإذا لم يحصل ما نزل عن القدر لتحصيله لم يصح النزول(١) .

ونحن نمنع ذلك ؛ لعدم اتّحاد المالين بالشخص. ونمنع عدم التحاق صفة الحلول بالمال المؤجَّل في صورة النزاع ؛ لأنّ الصلح عقد أثره ذلك.

فروع :

أ - لو صالحه عن ألفٍ حالّ بألفين مؤجَّلة ، أو عن ألفٍ مؤجَّلة إلى سنةٍ بألفين مؤجَّلة إلى سنتين ، لم يجز‌ ؛ عملاً بحديث الباقر والصادقعليهما‌السلام ، وقد سبق(٢) .

ب - لو صالح عن ألفٍ حالّ على خمسمائة مؤجَّلة ، جاز‌ ؛ لأنّه يتضمّن الإبراء ، ولزم الصلح والأجل ؛ عملاً بالشرط.

وقالت الشافعيّة : إنّ هذا الصلح ليس فيه [ شائبة ](٣) المعاوضة ، وإنّما هو مسامحة من وجهين : حطِّ بعض القدر ، وهو سائغ ، فيبرأ عن خمسمائة ، ووعدٍ بالأجل ، وهو غير لازمٍ ، فله أن يطالبه بالباقي الحالّ(٤) .

وقد بيّنّا فساده.

ج - لو صالحه عن الدراهم بالدنانير أو بالدراهم ، لم يكن ذلك صَرفاً‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ١٧٨ ، الوسيط ٤ : ٥١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣١.

(٢) في ص ١٥.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « سابقة ». والصحيح ما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣١.

١٧

عندنا ، فلا يشترط فيه ما يشترط في الصَّرف ، خلافاً للشافعي(١) .

البحث الثاني : في الأركان.

مسألة ١٠٢٨ : أركان الصلح أربعة : المتصالحان ، والمصالَح عليه ، والمصالَح عنه.

أمّا المتصالحان فيشترط فيهما الكماليّة بأن يكون كلّ واحدٍ منهما بالغاً عاقلاً رشيداً جائزَ التصرّف فيما وقع الصلح عليه إجماعاً.

وأمّا المصالَح عليه والمصالَح عنه فيشترط فيهما التملّك ، فلو تصالحا على خمر أو خنزير أو استرقاق حُرٍّ أو استباحة بُضْعٍ لم يقع ، ولم يفد العقد شيئاً ، بل يقع باطلاً بلا خلافٍ.

وكذا يبطل لو صالحه على مال غيره ؛ لعدم الملكيّة بالنسبة إليهما.

مسألة ١٠٢٩ : لا يشترط العلم بما يقع الصلح عنه لا قدراً ولا جنساً‌ ، بل يصحّ الصلح ، سواء علما قدر ما تنازعا عليه وجنسه أو جهلاه ، دَيْناً كان أو عيناً ، وسواء كان أرشاً أو غيره ، عند علمائنا أجمع - وبه قال أبو حنيفة وأحمد(٢) - لعموم قوله تعالى :( وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) (٣) .

وعمومِ قولهعليه‌السلام : « الصلح جائز بين المسلمين إلّا صلحاً أحلّ حراماً‌

____________________

(١) الأُم ٣ : ٢٢٧ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٦٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٤٣ ، البيان ٦ : ٢٢٤.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٤٣ ، البيان ٦ : ٢٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٨ ، المغني ٥ : ٢٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٩.

(٣) النساء : ١٢٨.

١٨

أو حرّم حلالاً »(١) .

ولأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال في رجلين اختصما في مواريث درست بينهما : « وتوخّيا ، وليحلّل أحدكما صاحبه » رواه العامّة(٢) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه حفص بن البختري - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام قال : « الصلح جائز بين الناس »(٣) .

وقول الباقر والصادقعليهما‌السلام في رجلين كان لكلّ واحدٍ منهما طعام عند صاحبه لا يدري كلّ واحدٍ منهما كم له عند صاحبه ، فقال كلّ [ واحدٍ ] منهما لصاحبه : لك ما عندك ولي ما عندي : « لا بأس بذلك إذا تراضيا » وقد تقدّم(٤) .

ولأنّ مَنْ عليه حقٌّ يجهل قدره هو ومالكه ويريد إبراء ذمّته والخلاص من ذلك الحقّ الذي هو أمر مطلوب للعقلاء ، وجب أن يكون له طريق إلى ذلك ، ولا طريق إلّا الصلح ، فوجب أن يكون سائغاً ، وإلّا لزم الحرج والضيق في الأحكام ، وهو منفيّ شرعاً.

ولأنّ الصلح إسقاطٌ ، فيصحّ في المجهول ، كالطلاق.

ولأنّه إذا صحّ الصلح مع العلم وإمكان أداء الحقّ بعينه فلأن يصحّ مع الجهل أولى.

ولأنّه إذا كان معلوماً ، فلهما طريق إلى التخلّص وبراءة ذمّة أحدهما دون صاحبه بدون الصلح ، ومع الجهل لا يمكن ذلك ، فلو لم يجز الصلح‌

____________________

(١) تقدّم تخريجه في الهامش (٣) من ص ٥.

(٢) سنن البيهقي ٦ : ٦٦ ، المغني ٥ : ٢٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٩.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٦ ، الهامش (٣)

(٤) في ص ٦ مع تخريجه في الهامش (٤)

١٩

أفضى إلى ضياع المال على تقدير أن يكون بينهما مال لا يعرف كلّ واحدٍ منهما قدر حقّه.

وقال الشافعي : لا يصحّ الصلح عن المجهول ، فلو ادّعى مالاً مجهولاً فأقرّ المدّعى عليه به وصالحه عليه ، لم يصح الصلح ؛ لأنّ ذلك نوع معاوضةٍ ، ولهذا تثبت في الشقص الشفعة فيه ، فلم يصح في المجهول ، كالبيع ، ولأنّ الـمُصالَح عليه يجب أن يكون معلوماً ، فكذا الـمُصالَح عنه قياساً(١) .

وهو ممنوع.

مسألة ١٠٣٠ : يشترط في صحّة الصلح الرضا من المتصالحين‌ ، فلا يقع مع الإكراه ، عند علمائنا كافّة ، كغيره من العقود ؛ لقوله تعالى :( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (٢) .

ومن صُور الإكراه ما لو كان على غيره حقٌّ ماليّ ، فأنكره المديون ظاهراً ، فصالحه على بعضه أو على غيره توصّلاً إلى أخذ بعض حقّه ، لم يصح الصلح ، ولم يتمّ إبراء ذمّة المديون من الحقّ الذي عليه ، سواء عرف المالك قدر حقّه أو لا ، وسواء ابتدأ المالك بطلب الصلح عن حقّه المعلوم أو المجهول أو لا.

ولا يفيد مثل هذا الصلح ملكاً للآخَر ، إلّا أن يحصل الرضا الباطن.

وكذا لو كان عليه حقٌّ غير معلوم القدر للمالك ، فصالح المديون مالكه على شي‌ءٍ ، لم يكن إبراءً للمديون ، إلّا أن يُعلمه بقدره ويرضى‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٣٦٨ - ٣٦٩ ، التنبيه : ١٠٣ - ١٠٤ ، البيان ٦ : ٢٢٥ ، المغني ٥ : ٢٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٩.

(٢) النساء : ٢٩.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

جالسا ذات يوم وعنده علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، إذ دخل الحسينعليه‌السلام فأخذه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعله في حجره ، وقبّل بين عينيه ، وقبّل شفتيه ، وكان للحسينعليه‌السلام ست سنين. فقال عليعليه‌السلام : يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتحبّ ولدي الحسين؟.قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كيف لا أحبه وهو عضو من أعضائي؟!. فقال : يا رسول الله ، أيّنا أحبّ إليك ، أنا أم الحسين؟. فقال الحسين : يا أبت ، من كان أعلى شرفا ، كان أحبّ إلى رسول الله وأقرب إليه منزلة. قال عليعليه‌السلام : أتفاخرني يا حسين؟.قال : نعم إن شئت يا أبتاه. فقالعليه‌السلام : أنا أمير المؤمنين ، أنا لسان الصادقين ، أنا وزير المصطفى حتّى عدّ من مناقبه نيّفا وسبعين منقبة ، ثم سكت. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسينعليه‌السلام : أسمعت يا أبا عبد الله ، وهو عشر ما قاله من فضائله ، ومن ألف ألف فضيلة ، وهو فوق ذلك وأعلى. فقال الحسينعليه‌السلام : الحمد لله الّذي فضّلنا على كثير من عباده المؤمنين ، وعلى جميع المخلوقين. ثم قال : أمّا ما ذكرت يا أمير المؤمنين ، فأنت فيه صادق أمين. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أذكر أنت فضائلك يا ولدي. فقال الحسينعليه‌السلام : أنا الحسين ابن علي بن أبي طالب ، وأمي فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ، وجدي محمّد المصطفى سيد بني آدم أجمعين ، لا ريب فيه. يا أبت أمي أفضل من أمك عند الله وعند الناس أجمعين ، وجدي خير من جدك وأفضل عند الله وعند الناس أجمعين ، وأبي خير من أبيك عند الله وعند الناس أجمعين ، وأنا في المهد ناغاني جبرائيل وتلقّاني إسرافيل. يا أبت أنت عند الله أفضل مني ، وأنا أفخر منك بالآباء والأمهات والأجداد. ثم اعتنق أباه فقبّله ، وعليّعليه‌السلام أيضا يقبّله ، ويقول : زادك الله شرفا وتعظيما وفخرا وعلما وحلما ، ولعن الله قاتليك يا أبا عبد الله.

١٤٤ ـ قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : دعوا الحسنين يتمتعان بي وأتمتّع بهما :

روي أنه لما ثقل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه ، والبيت غاصّ بمن فيه ، قال :ادعوا إليّ الحسن والحسينعليه‌السلام . قال : فجعل يلثمهما حتّى أغمي عليه. قال :فجعل عليعليه‌السلام يرفعهما عن وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ففتح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عينيه وقال : دعهما يتمتّعان مني وأتمتّع منهما ، فإنهما سيصيبهما بعدي أثرة».

١٤٥ ـ جبرائيل يخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمقتل الحسينعليه‌السلام :

(بحار الأنوار ، ج ٤٤ ص ٢٣٨ ط ٣)

في (كامل الزيارة) ص ٦٧ ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : بينا رسول

١٨١

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منزل فاطمةعليها‌السلام ، والحسينعليه‌السلام في حجره ، إذ بكى وخرّ ساجدا ، ثم قال : يا فاطمة يا بنت محمّد ، إن العليّ الأعلى تراءى لي في بيتك هذا ، ساعتي هذه ، في أحسن صورة وأهيأ هيئة ، وقال لي : يا محمّد ، أتحبّ الحسينعليه‌السلام ؟. فقلت : نعم ، قرة عيني ، وريحانتي ، وثمرة فؤادي ، وجلدة ما بين عينيّ. فقال لي : يا محمّد ـ ووضع يده على رأس الحسين ـ بورك من مولود عليه بركاتي وصلواتي ورحمتي ورضواني ، ولعنتي وسخطي وعذابي وخزيي ونكالي على من قتله ، وناصبه وناواه ونازعه. أما إنه سيد الشهداء من الأولين والآخرين ، في الدنيا والآخرة ، وسيد شباب أهل الجنّة من الخلق أجمعين. وأبوه أفضل منه وخير ، فأقرئه السلام وبشّره بأنه راية الهدى ، ومنار أوليائي ، وحفيظي وشهيدي على خلقي ، وخازن علمي ، وحجتي على أهل السموات وأهل الأرضين ، والثقلين :الجن والإنس.

١٤٦ ـ محبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسينعليه‌السلام :(معالي السبطين ، ج ١ ص ٥٢)

في (البحار) سئل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أي أهل بيتك أحب إليك؟. قال : الحسن والحسين ، من أحبهما أحببته ، ومن أحببته أحبّه الله ، ومن أحبه الله أدخله الجنّة. ومن أبغضهما أبغضته ، ومن أبغضته أبغضه الله ، ومن أبغضه الله خلّده النار.

أيها الناس ، من أحبني وأحبّ هذين وأباهما وأمهما ، كان معي في درجتي في الجنّة يوم القيامة».

ولنعم ما قال القائل :

أخذ النبي يد الحسين وصنوه

يوما ، وقال وصحبه في مجمع

من ودّني يا قوم أو هذين أو

أبويهما ، فالخلد مسكنه معي

وعن أسامة بن زيد ، قال : أتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم في بعض الحاجة ، فخرج إليّ وهو مشتمل على شيء ، ما أدري ما هو!. فلما فرغت من حاجتي ، قلت : ما هذا الّذي أنت مشتمل عليه؟. فكشف ، فإذا هو الحسن والحسينعليهما‌السلام على وركيه. فقال : هذان ابناي ، وابنا ابني. الله م إني أحبهما فأحبّهما ، وأحبّ من يحبّهما ، ألا فمن أحبّهما كان معي».

١٨٢

وفي (البحار) عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آخذا بيد الحسن والحسينعليهما‌السلام ، فقال : إن ابنيّ هذين ، ربّيتهما صغيرين ودعوت لهما كبيرين ، وسألت الله أن يجعلهما طاهرين مطهّرين زكيين ، فأجابني إلى ذلك.

وسألت أن يقيهما وشيعتهما من النار ، فأعطاني ذلك. وسألت الله أن يجمع الأمة على محبتهما ، فقال : يا محمّد ، إني قضيت قضاء وقدّرت قدرا ، وإن طائفة من أمتك ستفي لك بذمتك في اليهود والنصارى والمجوس ، وسيخفرون ذمتك في ولدك. وإني أوجبت على نفسي لمن فعل ذلك أن لا أحلّه محل كرامتي ولا أسكنه جنّتي ، ولا أنظر إليه بعين رحمتي إلى يوم القيامة.

١٤٧ ـ السيدة عائشة تستغرب :(البحار للمجلسي ج ٤٤ ص ٢٦٠)

عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : كان الحسين بن عليعليهما‌السلام ذات يوم في حجر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلاعبه ويضاحكه. فقالت عائشة : يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أشدّ إعجابك بهذا الصبي؟!. فقال لها : ويلك وكيف لا أحبه ولا أعجب به ، وهو ثمرة فؤادي وقرّة عيني؟. أما إن أمتي ستقتله ، فمن زاره بعد وفاته كتب الله له حجة من حججي».

١٤٨ ـ خبر فداء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحسينعليه‌السلام بابنه إبراهيمعليه‌السلام :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٣٤ ط نجف)

عن تفسير النقاس بإسناده عن سفيان الثوري ، عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه ، عن ابن عباس قال : كنت عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى فخذه الأيسر ابنه إبراهيم ، وعلى فخذه الأيمن الحسين بن عليعليهما‌السلام ، وهو تارة يقبّل هذا وتارة يقبّل هذا ، إذ هبط جبرئيل بوحي من رب العالمين. فلما سرّي عنه قال : أتاني جبرئيل من ربي فقال : يا محمّد إن ربك يقرأ عليك السلام ، ويقول : لست أجمعهما ، فافد أحدهما بصاحبه. فنظر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى إبراهيم فبكى ، وقال : إن إبراهيم أمّه أمة ، ومتى مات لم يحزن عليه غيري ، وأمّ الحسين فاطمة ، وأبوه علي ابن عمي لحمي ودمي ، ومتى مات حزنت ابنتي وحزن ابن عمي وحزنت أنا عليه ، وأنا أؤثر حزني على حزنهما. يا جبرئيل اقبض إبراهيم فديته بالحسين.

قال : فقبض بعد ثلاث. فكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا رأى الحسينعليه‌السلام مقبلا قبّله وضمّه إلى صدره ورشف ثناياه ، وقال : فديت من فديته با بني إبراهيم.

١٨٣

* وسوف ترد قصة حبات اللؤلؤ السبع ، وهي التي حكاها رسول ملك الروم ليزيد ، في آخر الجزء الثاني من الموسوعة ، ضمن الحوادث التي حدثت في مجلس يزيد.

١٤٩ ـ مجلس الحسينعليه‌السلام :(ريحانة الرسول لأحمد فهمي محمّد ، ص ٣٩)

قال أحمد فهمي محمّد يصف مجلس الحسينعليه‌السلام : وكان مجلس الحسينعليه‌السلام مجلس وقار وعلم ، والناس من حوله يتحلقون ، يأخذون عنه ما يلقيه عليهم ، وهم في خشوع كأن على رؤوسهم الطير.

١٥٠ ـ خطابة الحسينعليه‌السلام :(المصدر السابق ، ص ٤٠)

وقد آتاه الله أعنّة الخطابة ، فكانعليه‌السلام طليق اللسان ، مشرق ديباجة البيان ، نديّ الصوت ، خلّاب المنطق. تتفجّر ينابيع الحكمة على لسانه ، وتتدفق سيول الموعظة حول بيانه. لا يتلكأ في منطقه ولا يتلجلج. إذا ما عنّ له أمر تدفّق تدفق اليعسوب ، وملأ الأسماع والقلوب.

١٥١ ـ عبادتهعليه‌السلام :(المجالس السنيّة للسيد الأمين ، ج ١ ص ٢٤)

روى ابن عساكر في (التاريخ الكبير) عن مصعب بن عبد الله ، قال : حج الحسينعليه‌السلام خمسا وعشرين حجة ماشيا ، وإنّ نجائبه تقاد معه.

وفي (تذكرة الخواص) قال علماء السير : أقام الحسينعليه‌السلام بعد وفاة أخيه الحسنعليه‌السلام يحج في كل عام من المدينة إلى مكة ماشيا [المسافة نحو ٥٠٠ كم] إلى أن توفي معاوية وقام يزيد سنة ستين.

وروى ابن عبد ربه في (العقد الفريد) أنه قيل لعلي بن الحسينعليه‌السلام : ما كان أقلّ ولد أبيك؟!. قال : العجب كيف ولدت أنا له ، ولقد كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة ، فمتى كان يتفرغ للنساء؟.

وكانعليه‌السلام إذا توضأ تغيّر لونه وارتعدت مفاصله ، فقيل له في ذلك ، فقال : حقّ لمن وقف بين يدي الجبار أن يصفرّ لونه وترتعد مفاصله.

وحسبهعليه‌السلام وقوفه للصلاة في يوم عاشوراء ، والسهام تخطر بين يديه ، وقد وقف أمامه سعيد بن عبد الله الحنفي وزهير بن القين البجلي يقيانه من النبل.

١٥٢ ـ كرم الحسينعليه‌السلام وحسن معاملته :

(الحسين إمام الشاهدين للدكتور علي شلق ، ص ٥٢)

قال الدكتور علي شلق : جاءت جارية تحمل في يدها زهيرات نضرات ، طفح

١٨٤

منها اللون الأخضر ، والعطر الأزهر. فقدّمتها إلى الحسينعليه‌السلام بعد أن سلّمت بخفر وحياء. فتناولهاعليه‌السلام بيده الكريمة ، وقال لها : أنت حرّة لوجه الله تعالى.

عند ذلك تحرك أنس بن مالك ، وكان في مجلسه قائلا : ألهذا الحدّ يابن الأكرمين؟. تعتق جارية على طاقة ريحان؟!. فأجاب الحسينعليه‌السلام : كذا أدّبنا ربّنا ، ألم تسمع قوله تعالى :( وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها ) [النساء :٨٦] وكان أحسن منها عتقها.

وفي (نور الأبصار للشبلنجي) ص ١٣٨ : قيل كان بين الحسينعليه‌السلام وبين أخيه الحسنعليه‌السلام كلام ووقفة ، فقيل له : اذهب إلى أخيك الحسن واسترضه وطيّب خاطره ، فإنه أكبر منك. فقالعليه‌السلام : سمعت جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : أيّما اثنين بينهما كلام فطلب أحدهما رضا الآخر ، كان السابق سابقه إلى الجنّة ، وأكره أن أسبق أخي الأكبر إلى الجنّة. فبلغ قوله الحسنعليه‌السلام فأتاه وترضّاه.

١٥٣ ـ سخاؤه وتواضعهعليه‌السلام :

مرّ الحسينعليه‌السلام بمساكين وهم يأكلون كسرا على كساء ، فسلّم عليهم. فدعوه إلى طعامهم ، فجلس معهم ، وقال : لو لا أنه صدقة لأكلت معكم. ثم قال : قوموا إلى منزلي ، فأطعمهم وكساهم وأمر لهم بدراهم.

١٥٤ ـ رأفته بالفقراء والمساكين وإحسانه إليهم :

ولقد وجد على ظهر الحسينعليه‌السلام يوم الطف أثر ، فسئل زين العابدينعليه‌السلام عن ذلك ، فقال : هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين.

١٥٥ ـ إباء الحسينعليه‌السلام للضيم :(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ١١٢)

أما إباؤهعليه‌السلام للضيم ومقاومته للظلم ، واستهانته القتل في سبيل الحق والعزّ ، فقد ضربت به الأمثال وسارت به الركبان.

فأول ذلك ما قاله الحسينعليه‌السلام حين دعاه والي المدينة إلى البيعة ليزيد ، وكان مروان بن الحكم حاضرا ، قال :

«إنا أهل بيت النبوّة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومهبط الرحمة. بنا فتح الله وبنا ختم ، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر ، قاتل النفس المحترمة ، معلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله».

١٨٥

فقد أبىعليه‌السلام أن يبايع يزيد بن معاوية ، السكّير الخمّير ، صاحب القيان والطنابير ، واللاعب بالقرود والفهود ، والمجاهر بالكفر والإلحاد ، والاستهانة بالدين. بل قال لمروان : وعلى الإسلام السلام ، إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد.

وحين دعا مروان الوالي إلى قتل الحسين ، قالعليه‌السلام : ويلي عليك يابن الزرقاء ، أتأمر بضرب عنقي ، كذبت والله ولؤمت. والله لو رام ذلك أحد لسقيت الأرض من دمه قبل ذلك.

ولما أحاط القوم بالحسينعليه‌السلام في كربلاء ، وقيل له : انزل على حكم بني عمك. قال : لا والله! لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أقرّ إقرار العبيد.

وقالعليه‌السلام : ألا وإن الدّعيّ ابن الدعي [يقصد عبيد الله بن زياد] قد ركز بين اثنتين : السّلّة (أي استلال السيوف) أو الذلةّ ، وهيهات منا الذلة ، يأبى الله ذلك لنا ، ورسوله والمؤمنون ، وجدود طابت ، وحجور طهرت ، وأنوف حميّة ، ونفوس أبيّة ، لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام.

١٥٦ ـ شجاعتهعليه‌السلام :(المصدر السابق ، ص ١١٥)

أما شجاعة الحسينعليه‌السلام فقد أنست شجاعة الشجعان وبطولة الأقران وفروسية الفرسان ، من مضى ومن سيأتي إلى يوم القيامة. فهو الّذي دعا الناس إلى المبارزة يوم كربلاء ، فلم يزل يقتل كل من برز إليه ، حتّى قتل مقتلة عظيمة.

وما أصدق وصف أحد الرواة للحسينعليه‌السلام يوم كربلاء ، حيث قال : والله ما رأيت مكثورا قط ، قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه ، أربط جأشا ، ولا أمضى جنانا ، ولا أجرأ مقدما منه. والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله ، وإن كانت الرجّالة لتشدّ عليه ، فيشدّ عليها بسيفه ، فتنكشف عن يمينه وعن شماله ، انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب ، ولقد كان يحمل فيهم وقد تكمّلوا ثلاثين ألفا ، فينهزمون من بين يديه كأنهم الجراد المنتشر.

١٥٧ ـ شجاعة موروثة :(معالي السبطين ، ج ١ ص ٦٦)

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لله درّ أبي طالب ، لو ولد الناس كلهم كانوا شجعانا». وقد ورث الحسينعليه‌السلام الشجاعة من أبيه عليعليه‌السلام وجده محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجده أبو طالبعليه‌السلام . وعليعليه‌السلام هو القائل : وأنا من رسول الله كالصّنو من الصنو ، والذراع من العضد. والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليّت عنها ، ولو

١٨٦

أمكنت الفرص من رقابها لسارعت إليها. وهو القائل : جنونان لا أخلاني الله منهما : الشجاعة والكرم.

وقد ظهرت شجاعة الحسينعليه‌السلام يوم عاشوراء في أهل الكوفة ، بحيث ذكّرتهم بشجاعة أبيه أمير المؤمنينعليه‌السلام في غزواته وجولاته.

وما عسى أن يقول القائل فيمن جده محمّد المصطفى ، وأبوه علي المرتضى ، وأمه فاطمة الزهرا ، وجدته خديجة الكبرى ، وأخوه الحسن المجتبى ، مع ماله في نفسه من الفضائل التي لا تحصى!.

٦ ـ الذريّة والإمامة

إن من أكبر فضائل الإمام عليعليه‌السلام أن الله جعل ذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صلبه من فاطمة الزهراءعليها‌السلام كما جاء في عدة أحاديث سوف نذكرها. وإن من أكبر الفضائل التي حباها الله تعالى للحسينعليه‌السلام أن جعل الأئمة من ذريته ، أولهم زين العابدين وآخرهم المهديعليه‌السلام .

قال النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن الله تعالى جعل ذرية كل نبي من صلبه خاصة ، وجعل ذريتي من صلب علي بن أبي طالبعليه‌السلام ».

١٥٨ ـ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو عصبة الحسن والحسينعليهما‌السلام :

(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٥١)

أخرج الحاكم عن جابر (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كل بني أمّ ينتمون إلى عصبة ، إلا ولدي فاطمةعليهم‌السلام [أي الحسن والحسين] فأنا وليهما وعصبتهما».

وفي رواية الخوارزمي في مقتله ، ج ١ ص ٥ : «كل بني أمّ ينتمون إلى عصبتهم إلا ولد فاطمة ، فإني أنا أبوهم وعصبتهم».

ثم يقول الخوارزمي : والأخبار في أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يسمّي الحسن والحسينعليهما‌السلام ابنيه ، كالحصى لا تعدّ ولا تحصى.

وأخرج الطبراني عن فاطمة الزهراءعليها‌السلام قالت : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لكل بني أنثى عصبة ينتمون إليه ، إلا ولد فاطمة ، فأنا وليهم وأنا عصبتهم».

وفي (إسعاف الراغبين لمحمد الصبان ، بهامش نور الأبصار للشبلنجي) ص ١٣٣ : وفي رواية صحيحة قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كل بني أنثى عصبتهم لأبيهم ، ما خلا ولد فاطمة ، فإني أنا أبوهم وعصبتهم».

١٨٧

تعليق : هذه الخصوصية هي لأولاد مولاتنا فاطمة بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقط ، دون أولاد بقية بناته ، فلا يطلق عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه أب لهم ، وأنهم بنوه ، بل يطلق عليهم أنهم من ذريته ونسله وعقبه. وقد خصّ أولاد فاطمةعليهم‌السلام بهذا الفضل دون غيرها من بقية بناته لسببين : لأنها أفضلهن ، ولأنها هي الوحيدة التي أعقبت ذكرا ، فانحصرت فيها ذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمةعليهم‌السلام .

١٥٩ ـ الإمامة في الحسينعليه‌السلام وفي صلبه :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٠٦ ط نجف)

روى الأعرج عن أبي هريرة ، قال : سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن قوله تعالى :( وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) [الزخرف : ٢٨]. قال : جعل الإمامة في عقب الحسينعليه‌السلام يخرج من صلبه تسعة من الأئمة ، منهم مهديّ هذه الأمة.

* الاحتجاج على الحجّاج :

وقد وردت في الكتب قصة مع الحجّاج فيها استدلال على أن الحسن والحسينعليهما‌السلام أبناء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذريته ، وليس كما حاول الأمويون نفيه ، ومن بعدهم العباسيون ، وقالوا : إن أبناء البنت ليسوا من ذرية الرجل.

ولهذه القصة روايتان ؛ إحداهما تذكر أن الاستدلال كان من الشعبي وقد مرّت سابقا في الفقرة رقم ٣٤ ، والثانية أن الاستدلال كان من يحيى بن يعمر بحضور الشعبي ، وإليك الرواية الثانية بصيغتين.

يقول الخوارزمي في مقدمة مقتله :

ومن خذلان مبغضيهم المستحكم القواعد ، وإدبارهم المستحصف المقاعد ، وغوايتهم التي حشرتهم إلى دار البوار ، وشقاوتهم التي كبّتهم على مناخرهم في دركات النار ، أن حملهم بغض أحبّاء الله وأحباء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أن أنكروا أولاد عليعليهم‌السلام من فاطمةعليهم‌السلام أنهم أولاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فمن أولئك الحجّاج المحجوج ، الحقود اللجوج. ثم ساق هذه القصة.

١٦٠ ـ قصة يحيى بن يعمر مع الحجّاج :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٥)

قال الخوارزمي : أخبرنا عاصم بن بهدلة عن يحيى بن يعمر العامري ، قال : بعث

١٨٨

إليّ الحجّاج ، فقال : يا يحيى أنت الّذي تزعم أن ولد علي من فاطمة ولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. قلت له : إن أمّنتني تكلمت. قال : فأنت آمن. قلت : أقرأ عليك كتاب اللهعزوجل ، إن الله يقول :( وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٨٣)وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤)وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ) (٨٥) [الأنعام : ٨٣ ـ ٨٥].

وعيسىعليه‌السلام كلمة الله وروحه ألقاها إلى البتول العذراء ، وقد نسبه الله تعالى إلى إبراهيمعليه‌السلام .

قال الحجاج : ما دعاك إلى نشر هذا وذكره؟. قال : ما أوجب الله تعالى على أهل العلم في علمهم( لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً ) [آل عمران : ١٨٧]. قال : صدقت ، ولا تعودنّ لذكر هذا ولا نشره.

ثم قال الخوارزمي : وقد ابتلي المكابر الحجّاج ، بالمحجاج يحيى بن يعمر ، المؤيّد من الله بالجواب الصواب ، الّذي أوتي عند سؤاله فصل الخطاب لعن الله الحجّاج وكل ملعون من نسله ، وكل من انضوى إلى حفله ، واحتطب في حبله ، من مبغضي أهل البيتعليهم‌السلام ، ولعن الله من لم يلعن مبغضيهم ، وقاتليهم وسافكي دمائهم ، والذين أعانوا على قتلهم ، وأشاروا إليه ودلّوا عليه. انتهى كلامه.

١٦١ ـ رواية أخرى للقصة :

(آثار البلاد وأخبار العباد للقزويني ، ص ٤٢١)

يروى أن الحجاج أحضر يحيى بن يعمر ، وقال : أنت الّذي تقول : الحسين ابن علي من ذرية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. قال : نعم. قال : فوالله لتأتينّ بالمخرج عما قلت ، أو لأضربنّ عنقك!. فقال يحيى : إن جئت بالمخرج فأنا آمن؟. قال : نعم.قال : اقرأ( وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ ) [الأنعام : ٨٣] إلى قوله :( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ ) [الأنعام : ٨٤] إلى قوله( وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى ) [الأنعام : ٨٥]. فمن يعدّ عيسىعليه‌السلام من ذرية إبراهيم لا يعدّ الحسينعليه‌السلام من ذرية محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!.

فقال الحجاج : والله كأني ما قرأت هذه الآية قط!. فولاه قضاء المدينة ، وكان قاضيها إلى أن مات.

١٨٩

١٦٢ ـ رواية أشمل وأوسع للقصة :

(المنتخب للطريحي ج ٢ ص ٤٩١)

حكي عن الشّعبي الحافظ لكتاب الله تعالى ، أنه قال : استدعاني الحجاج ابن يوسف [الثقفي] في يوم عيد الضحيّة ، فقال لي : أيها الشيخ أي يوم هذا؟. فقلت : هذا يوم الضّحيّة. قال : بم يتقرّب الناس في مثل هذا اليوم؟. فقلت : بالأضحية والصدقة وأفعال البرّ والتقوى. فقال : اعلم أني قد عزمت أن أضحي برجل حسيني.

قال الشعبي : فبينما هو يخاطبني إذ سمعت خلفي صوت سلسلة وحديد ، فخشيت أن ألتفت فيستخفّني. وإذا قد مثل بين يديه رجل علوي ، وفي عنقه سلسلة وفي رجليه قيد من حديد.

فقال له الحجاج : ألست فلان بن فلان العلوي؟. قال : نعم ، أنا ذلك الرجل.فقال له : أنت القائل : إن الحسن والحسين من ذرية رسول الله؟. قال : ما قلت ولا أقول ، ولكني أقول : إن الحسن والحسينعليه‌السلام ولدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنهما دخلا في ظهره وخرجا من صلبه ، على رغم أنفك يا حجّاج!.

قال : وكان الحجاج متكئا على مسنده ، فاستوى جالسا ، وقد اشتدّ غيظه وغضبه ، وانتفخت أوداجه ، حتّى تقطّعت أزرار بردته ، فدعا ببردة غيرها فلبسها.

ثم قال للرجل : يا ويلك إن تأتيني بدليل من القرآن يدلّ أن الحسن والحسين ولدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخلا في ظهره وخرجا من صلبه ، وإلا قتلتك في هذا الحين أشرّ قتلة. وإن أتيتني بما يدل على ذلك أعطيتك هذه البردة التي بيدي وخلّيت سبيلك!.

قال الشعبي : وكنت حافظا كتاب الله تعالى كله ، وأعرف وعده ووعيده ، وناسخه ومنسوخه ، فلم تخطر على بالي آية تدل على ذلك. فحزنت وقلت في نفسي : يعزّ والله عليّ ذهاب هذا الرجل العلوي. قال : فابتدأ الرجل يقرأ الآية ، فقال( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) (١) [الفاتحة : ١] ، فقطع عليه الحجاج قراءته وقال : لعلك تريد أن تحتجّ عليّ بآية المباهلة ، وهي قوله تعالى :( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) [آل عمران : ٦١]؟. فقال العلوي : هي والله حجّة مؤكدة معتمدة ، ولكني آتيك بغيرها. ثم ابتدأ يقرأ :( وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤)وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ) (٨٥) [الأنعام : ٨٤ ـ ٨٥] وسكت. فقال له الحجاج : فلم لا قلت( وَعِيسى ) [الأنعام : ٨٥] أنسيت عيسى؟. فقال : نعم صدقت يا حجاج. فبأي شيء دخل

١٩٠

عيسىعليه‌السلام في صلب نوحعليه‌السلام وليس له أب؟. فقال له الحجاج : إنه دخل في صلب نوح من حيث أمه مريم. فقال العلوي : وكذلك الحسن والحسينعليه‌السلام دخلا في صلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمهما فاطمة الزهراءعليه‌السلام .

قال : فبقي الحجاج كأنما ألقم حجرا. فقال له الحجاج : ما الدليل على أن الحسن والحسين إمامان؟. فقال العلوي : يا حجاج لقد ثبتت لهما الإمامة بشهادة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقهما ، لأنه قال في حقهما : «ولداي هذان إمامان فاضلان ، إن قاما وإن قعدا ، تميل عليهما الأعداء فيسفكون دمهما ويسبون حرمهما». ولقد شهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهما بالإمامة أيضا حيث قال : «ابني هذا ـ يعني الحسين ـ إمام ابن إمام أبو أئمة تسعة».

فقال الحجاج : يا علوي والله لو لم تأتني بهذا الدليل من القرآن وبصحة إمامتهما ، لأخذت الّذي فيه عيناك ، ولقد نجّاك الله تعالى مما عزمت عليه من قتلك ، ولكن خذ هذه البردة لا بارك الله لك فيها. فأخذها العلوي وهو يقول : هذا من عطاء الله وفضله ، لا من عطائك يا حجّاج!.

وقد عمدنا في هذه الموسوعة على إدراج ترجمة لمن يرد ذكرهم من الأشخاص المشهورين ، نبدأ منهم بترجمة الحجّاج.

ترجمة الحجّاج

(سير أعلام النبلاء للذهبي ، ج ٤ ص ٣٤٣)

قال الذهبي : أهلك الله الحجاج في شهر رمضان سنة ٩٥ ه‍ كهلا. وكان ظلوما جارا ناصبيا خبيثا سفّاكا للدماء. وكان ذا شجاعة وإقدام ومكر ودهاء ، وفصاحة وبلاغة ، وتعظيم للقرآن.

قد سقت من سوء سيرته في تاريخي الكبير ، وحصاره لابن الزبير بالكعبة ، ورميه إياها بالمنجنيق ، وإذلاله لأهل الحرمين. ثم ولايته على العراق والمشرق كله عشرين سنة ، وحرب ابن الأشعث له ، وتأخيره للصلوات ، إلى أن استأصله الله. فنسبّه ولا نحبّه ، بل نبغضه في الله ، فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان.

وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه ، وأمره إلى الله.

وفي (مروج الذهب) ج ٣ ص ١٧٥ ، قال المسعودي :

ومات الحجاج في سنة ٩٥ ه‍ وهو ابن ٥٤ سنة بواسط العراق ، وكان

١٩١

تأمّره على الناس عشرين سنة. وأحصي من قتله صبرا سوى من قتل في عساكره وحروبه فوجد مائة وعشرين ألفا ، ومات في حبسه خمسون ألف رجل ، وثلاثون ألف امرأة ، منهن ستة عشر ألفا مجرّدة. وكان يحبس النساء والرجال في موضع واحد ، ولم يكن للحبس ستر يستر الناس من الشمس في الصيف ، ولا من المطر والبرد في الشتاء.

* ملاحظة عامة : تسالمنا على وضع إطار حول ترجمة الأشخاص ، يختلف حسب نوع الشخص ؛ فإن كان عدوا للحسينعليه‌السلام يكون الإطار متصلا ، وإن كان حياديا يكون الإطار منقطّا ، وإن كان من أنصار الحسينعليه‌السلام يكون الإطار مرقطّا (نقطة شحطة).

* قصيدة حاقدة ومعارضتها :

والآن نستعرض قصيدة صفي الدين الحلي الشاعر الشيعي المعروف ، في الردّ على المتعصب اللدود عبد الله بن المعتز ، الّذي أنكر في قصيدته أن يكون نسل الإمام عليعليه‌السلام من فاطمة هم ذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وادعى أن العباسيين أقرب للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من العلويين. ولم يعد هذا الشاعر في تعصبه جده المتوكل العباسي الّذي حاول حرث قبر مولانا الحسينعليه‌السلام .

١٦٣ ـ قصيدة عبد الله بن المعتز بن المتوكل العباسي :

قال صاحب (روضات الجنات) : وكان عبد الله بن المعتز ذا نصب وعداوة شديدة لأهل البيتعليه‌السلام . ومن شعره قصيدته التي يهجو بها الطالبيين ويتحامل على العلويين ، منها :

ألا من لعين وتسكابها

تشكّى القذا وبكاها بها

ترامت بنا حادثات الزمان

ترامي القسيّ بنشّابها

ويا ربّ ألسنة كالسيوف

تقطّع أرقاب أصحابها

ويقول فيها :

ونحن ورثنا ثياب النّبيّ

فكم تجذبون بأهدابها

لكم رحم يا بني بنته

ولكن بنو العمّ أولى بها

إلى أن يقول :

١٩٢

قتلنا أميّة في دارها

ونحن أحقّ بأسلابها

إذا ما دنوتم تلقّيتم

زبونا(١) أقرّت بجلّابها

١٦٤ ـ قصيدة صفي الدين الحلي في الردّ عليها :

فردّ الشاعر الشيعي صفي الدين الحلي (٦٧٧ ـ ٧٥٢ ه‍) عليه بهذه القصيدة ، وهي من غرر الشعر ، يقول :

[القصيدة]

ألا قل لشرّ عبيد الإله

وطاغي قريش وكذّابها

وباغي العباد وباغي العناد

وهاجي الكرام ومغتابها

أأنت تفاخر آل النّبيّ

وتجحدها فضل أحسابها؟

بكم باهل المصطفى أم بهم

فردّ العداة بأوصابها؟

أعنكم نفي الرجس أم عنهم

لطهر النفوس وألبابها؟

أما الرجس والخمر من دأبكم

وفرط العبادة من دأبها؟

* * *

وقلت : ورثنا ثياب النّبيّ

فكم تجذبون بأهدابها؟

وعندك لا يورث الأنبياء

فكيف حظيتم بأثوابها؟

فكذّبت نفسك في الحالتين

ولم تعلم الشّهد من صابها(٢)

أجدّك(٣) يرضى بما قلته؟

وما كان يوما بمرتابها

وكان بصفين من حزبهم

لحرب الطغاة وأحزابها

وقد شمرّ الموت عن ساقه

وكشّرت الحرب عن نابها

فأقبل يدعو إلى «حيدر»

بإرغابها وبإرهابها

وآثر أن ترتضيه الأنام

من الحكمين لأسبابها

ليعطي الخلافة أهلا لها

فلم يرتضوه لإيجابها

وصليمع الناس طول الحياة

وحيدر في صدر محرابها

فهلا تقمّصها جدّكم

إذا كان إذ ذاك أحرى بها؟

إذا جعل الأمر شورى لهم

فهل كان من بعض أربابها؟

__________________

(١) الزّبون : الناقة التي تدفع ولدها عن ضرعها.

(٢) الصاب : شجر له عصارة بيضاء بالغة المرارة.

(٣) يقصد بجدهم : عبد الله بن عباس.

١٩٣

أخامسهم كان أم سادسا؟

وقد جلّيت بين خطّابها

وقولك : أنتم بنو بنته

ولكن بنو العم أولى بها

بنو البنت أيضا بنو عمّه

وذلك أدنى لأنسابها

فدع في الخلافة فصل الخلاف

فليست ذلولا لركّابها

وما أنت والفحص عن شأنها

وما قمصّوك بأثوابها

وما ساورتك سوى ساعة

فما كنت أهلا لأسبابها

وكيف يخصّوك يوما بها؟

ولم تتأدّب بآدابها

* * *

وقلت : بأنكم القاتلون

أسود أميّة في غابها

كذبت وأسرفت فيما ادّعيت

ولم تنه نفسك عن عابها

فكم حاولتها سراة لكم

فردّت على نكص أعقابها

ولو لا سيوف أبي مسلم(١)

لعزّت على جهد طلّابها

وذلك عبد لهم لا لكم

رعى فيكم قرب أنسابها

وكنتم أسارى ببطن الحبوس

وقد شفّكم لثم أعتابها

فأخرجكم وحباكم بها

وألبسكم فضل جلبابها

فجازيتموه بشرّ الجزاء

لطغوى النفوس وإعجابها

* * *

فدع ذكر قوم رضوا بالكفاف

وجاؤوا الخلافة من بابها

هم الزاهدون هم العابدون

هم الساجدون بمحرابها

هم الصائمون هم القائمون

هم العالمون بآدابها

هم قطب ملّة دين الإله

ودور الرحى حول أقطابها

عليك بلهوك بالغانيات

وخلّ المعالي لأصحابها

ووصف العذارى وذات الخمار

ونعت العقار(٢) بألقابها

وشعرك في مدح ترك الصلاة

وسعي السّقاة بأكوابها

فذلك شأنك لا شأنهم

وجري الجياد بأحسابها

(أدب الطف للسيد جواد شبّر ، ص ٣١٧)

__________________

(١) هو أبو مسلم الخراساني الّذي قاد الثورة ضد الأمويين.

(٢) العقار : الخمر.

١٩٤

الفصل الخامس

أنباء باستشهاد الحسينعليه‌السلام قبل وقوعه

١ ـ أنباء شهادة الحسينعليه‌السلام في الكتب السماوية السابقة :

التوراة ـ الإنجيل ـ كتاب إرميا

ـ إخبار الله تعالى أنبياءه بشهادة الحسينعليه‌السلام

ـ تشابه محنة يحيىعليه‌السلام مع محنة الحسينعليه‌السلام

٢ ـ إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما يجري على أهل بيتهعليه‌السلام من بعده

ـ علم أهل البيتعليه‌السلام بالمغيبات :

ـ علوم الجفر الخاصة بأهل البيتعليه‌السلام

ـ الوصية الإلهية التي نزلت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٣ ـ إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باستشهاد الحسينعليه‌السلام

ـ روايات الإمام عليعليه‌السلام

ـ روايات أم سلمة وعائشة

ـ روايات الحسينعليه‌السلام والأئمةعليه‌السلام

ـ روايات ابن عباس

١٩٥

ـ إخبار الإمام عليعليه‌السلام

ـ إخبار الحسنينعليه‌السلام

ـ إخبار سلمان الفارسي

ـ إخبار أبي ذر الغفاري

٤ ـ أخبار بمن يقتل الحسينعليه‌السلام

١٩٦

الفصل الخامس :

أنباء باستشهاد الحسينعليه‌السلام قبل وقوعه

تعريف بالفصل :

قبل وقوع حادثة كربلاء واستشهاد الحسينعليه‌السلام وأصحابه (رض) ، تواترت الأنباء باستشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام . منها ما كان على لسان جبرائيلعليه‌السلام أو على لسان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وهذه الأخبار جاءت بروايات مختلفة ، بعضها عن الإمام علي أو الأئمةعليه‌السلام ومنها على لسان أم سلمة وابن عباس (رض) ، ومنها على لسان الصحابة (رض).

وكانت متعددة في الأمكنة ومختلفة في الأزمنة. فبعضها في بيت فاطمة أو أم سلمة أو عائشة ، وبعضها في المسجد وقد قام النبي خطيبا في أصحابه ، وبعضها في الإسراء. ومرة قبل ولادة الحسينعليه‌السلام ، ومرة عند ولادته ، وعند بلوغه السنة ثم السنتين وهكذا. وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كل مرة منها يرى حزينا مغموما ويبكي عليه.

وفي بعض هذه الروايات إخبار مجمل بشهادتهعليه‌السلام ، وفي بعضها الآخر تفصيل لكيفية شهادته ، ومن الذي يتولى قتله ، من يزيد الشنار ، أو عمر بن سعد صاحب الخزي والعار. وفي بعضها الآخر تعيين لمكان استشهادهعليه‌السلام في كربلاء أو عمورا أو على شط الفرات.

وثمة روايات معينة صدرت عن الإمام عليعليه‌السلام حين وروده كربلاء في طريقه إلى صفين ، كما صدرت عن عدد كبير من الأنبياء حين مروا بكربلاء ، وحدثت معهم حوادث غريبة ملفتة للنظر.

وسوف نبدأ الفصل بأنباء شهادة الحسينعليه‌السلام في الكتب السماوية السابقة ، وإخبار الله تعالى أنبياءه بشهادة الحسينعليه‌السلام . ثم إخبار القرآن في مطلع سورة مريم (كهيعص) عن استشهاد الحسينعليه‌السلام كما استشهد يحيى بن زكرياعليه‌السلام من قبله ، وإجراء مقارنة بينهما.

١٩٧

ثم إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما يجري على أهل بيته من بعده ، وأن ذلك كله مكتوب في الجفر ، الذي توارثه الأئمةعليهم‌السلام فكانوا يعلمون بما سيجزي عليهم. ثم إخبار الله تعالى للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشهادة الحسينعليه‌السلام . ثم إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأصحابه باستشهاد الحسينعليه‌السلام . ثم إخبار الإمام عليعليه‌السلام وأم سلمة والأئمةعليهم‌السلام بذلك. ثم إخبار بقية الصحابة كسلمان المحمدي وأبي ذر الغفاري وغيرهم.

وينتهي الفصل بالأخبار التي حددت اسم قاتل الحسينعليه‌السلام .

١ ـ أنباء شهادة الحسينعليه‌السلام في الكتب السماوية السابقة :

١٦٥ ـ التوراة تخبر بمقتل الحسينعليه‌السلام ومنزلة أصحابه :

(أمالي الصدوق مجلس ٢٩ رقم ٤ ص ٢٢٤)

عن سالم بن أبي جعدة ، قال : سمعت كعب الأحبار (وكان يهوديا) يقول : إن في كتابنا أن رجلا من ولد محمد رسول الله يقتل ، ولا يجفّ عرق دواب أصحابه حتى يدخل الجنة ، فيعانقوا الحور العين.

فمر بنا الحسنعليه‌السلام فقلنا : هو هذا؟ قال : لا. فمرّ بنا الحسينعليه‌السلام فقلنا :هو هذا؟ قال : نعم.

١٦٦ ـ في الإنجيل خبر مقتل الحسينعليه‌السلام :

(الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ٣ ص ٤٠٦)

قال رأس الجالوت (وهو من النصارى) ذلك الزمان : ما مررت بكربلاء إلا وأنا أركض دابتي ، حتى أخلف المكان ، لأنا كنا نتحدث أن ولد نبي يقتل بذلك المكان ، فكنت أخاف.

فلما قتل الحسينعليه‌السلام أمنت ، فكنت أسير ولا أركض.

١٦٧ ـ كتاب إرميا يخبر بمقتل الحسينعليه‌السلام :

(الخصائص الحسينية لجعفر التستري ، ص ١٣٧)

جاء في كتاب إرميا في (باسوق) من السيمان السادس والأربعين قوله : (كي ذبح لدوناي الوهيم صوا ووث بارض صافون ال نهر پرات). ويعني : يذبح ويضحى لرب العالمين شخص جليل في أرض الشمال بشاطىء الفرات.

١٩٨

١٦٨ ـ ما وجد منقوشا على بعض الأحجار :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٨٣ ط ٢ نجف)

وقال ابن سيرين : وجد حجر قبل مبعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخمسمائة سنة مكتوب عليه بالسريانية ، فنقلوه إلى العربية ، فإذا هو :

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب

وقال سليمان بن يسار : وجد حجر مكتوب عليه :

لا بد أن ترد القيامة فاطم

وقميصها بدم الحسين ملطخ

ويل لمن شفعاؤه خصماؤه

والصور في يوم القيامة ينفخ

وسيرد شبيه هذا في الجزء الثاني من الموسوعة ، أول مسير السبايا والرؤوس من الكوفة إلى الشام.

١٦٩ ـ ما وجد مكتوبا على جدار إحدى كنائس الروم :

(مثير الأحزان لابن نما ، ص ٧٦ ط نجف)

عن مشايخ بني سليم أنهم غزوا الروم ، فدخلوا بعض كنائسهم فإذا مكتوب هذا البيت :

أترجوا أمة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب!

قالوا : فسألنا منذ كم هذا مكتوب في كنيستكم؟ قالوا : قبل أن يبعث نبيكم بثلاثمائة عام.

وحدث عبد الرحمن بن مسلم عن أبيه ، أنه قال : غزونا بلاد الروم ، فأتينا كنيسة من كنائسهم قريبة من قسطنطينة ، وعليها شيء مكتوب. فسألنا أناسا من أهل الشام يقرؤون بالرومية ، فإذا هو مكتوب هذا البيت.

وفي رواية أخرى أن الروم كانوا يحفرون في بلادهم فوجدوا حجرا ، فقرؤوا عليه البيت السابق. (راجع مقتل العوالم ص ١١٠).

١٧٠ ـ لوح من ذهب يشهد بقتل الحسينعليه‌السلام :

(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ص ٩٣)

أخرج الحاكم عن أنس ، أن رجلا من أهل نجران ، حفر حفيرة فوجد لوحا من ذهب مكتوب فيه :

١٩٩

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب!

كتب إبراهيم خليل الله.

فجاء باللوح إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقرأه ثم بكى ، وقال : من آذاني وعترتي لم تنله شفاعتي.

١٧١ ـ القرآن يصف قتل الحسينعليه‌السلام بالفساد الكبير :

حتى إذا كان في أيام عمر بن الخطاب وأسلم كعب الأحبار ، وقدم المدينة ، جعل أهل المدينة يسألونه عن الملاحم التي تكون في آخر الزمان ، وكعب يحدثهم بأنواع الملاحم والفتن.

فقال كعب لهم : وأعظمها ملحمة هي الملحمة التي لا تنسى أبدا ، وهو الفساد الذي ذكره الله تعالى في الكتب ، وقد ذكره في كتابكم في قوله (ظهر الفساد في البر والبحر) وإنما فتح بقتل هابيل ويختم بقتل الحسين بن عليعليه‌السلام .

* * *

إخبار الله تعالى أنبياءه بشهادة الحسينعليه‌السلام

١٧٣ ـ إخبار الله تعالى أنبياءه بشهادة الحسينعليه‌السلام حين مرّوا بكربلاء :

(مقتل العوالم للشيخ عبد الله البحراني ج ١٧ ص ١٠١)

جاء في الأخبار أن جملة من الأنبياءعليهم‌السلام من آدم إلى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد مروا بأرض كربلاء ، وكانت تحدث لهم متاعب ومصاعب ، فيناجون الله ، فيخبرهم بأن سبب ذلك أن في هذه الأرض سيقتل سبط محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحسين بن عليعليه‌السلام ويأمرهم بلعن قاتليه.

حصل ذلك لآدمعليه‌السلام وهو يبحث عن حواء فمر بكربلاء ، وكذلك حدث لنوحعليه‌السلام حين مرت سفينته فوق كربلاء ، وكذلك لابراهيم حين عثر به فرسه في كربلاء ، وكذلك لإسماعيل حين كان يرعى أغنامه بشط الفرات فحين وصلت إلى كربلاء امتنعت عن شرب الماء ، وكذلك لموسىعليه‌السلام حين انقطع شسع نعله هناك ، وكذلك لعيسىعليه‌السلام حين كان سائحا مع الحواريين فمروا بكربلاء حين رأوا أسدا كاسرا قابعا هناك.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392