تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

تذكرة الفقهاء16%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 978-964-319-530-4
الصفحات: 466

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 155397 / تحميل: 5487
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٩٦٤-٣١٩-٥٣٠-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

ظهور(١) الفسخ في حياتهما ، وللعامل البيع هنا حيث كان له البيع هناك ، ولا يحتاج إلى إذن الوارث ؛ اكتفاءً بإذن مَنْ يتلقّى الوارث الملك منه ، بخلاف ما إذا مات العامل حيث لا يتمكّن وارثه من البيع دون إذن المالك ؛ لأنّه لم يرض بتصرّفه.

وللشافعيّة وجهٌ آخَر : إنّ العامل أيضاً لا يبيع إلّا بإذن وارث المالك(٢) .

والمشهور عندهم : الأوّل(٣) . ولا بأس بالثاني.

ويجري الخلاف في استيفائه الديون بغير إذن الوارث(٤) .

أمّا لو أراد العامل الشراء ، فإنّه ممنوع منه ؛ لأنّ القراض قد بطل بموت المالك.

مسألة ٢٩٠ : إذا مات المالك وأراد هو والوارث الاستمرار على العقد ، فإن كان المال ناضّاً ، لم يكن لهما ذلك إلّا بتجديد عقدٍ واستئناف شرطٍ بينهما ، سواء وقع العقد قبل القسمة أو بعدها ، وسواء كان هناك ربح أو لا ؛ لجواز القراض على المشاع ، ويكون رأس المال وحصّته من الربح رأس المال ، وحصّة العامل من الربح شركة له مشاع ، كما لو كان رأس المال مائةً والربح مائتين وجدّد الوارث العقد على النصف ، فرأس مال الوارث مائتان من ثلاثمائة ، والمائة الباقية للعامل ، فعند القسمة يأخذها وقسطها من الربح ، ويأخذ الوارث مائتين ، ويقتسمان ما بقي.

وهذه الإشاعة لا تمنع القراض عندنا وعند العامّة(٥) .

____________________

(١) الظاهر : « حصول » بدل « ظهور ».

(٢ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٠.

(٥) المغني ٥ : ١٨١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

١٤١

أمّا عندنا : فلجواز القراض بالمشاع.

وأمّا عندهم : فلأنّ الشريك هو العامل ، وذلك لا يمنع التصرّف(١) .

وكذلك يجوز القراض مع الشريك بشرط أن لا يشاركه في اليد عندهم(٢) ، ويكون للعامل ربح نصيبه خاصّةً ، ويتضاربان في ربح نصيب الآخَر.

إذا ثبت هذا ، فإنّه لا بدّ فيه من عقدٍ صالحٍ للقراض بألفاظه المشترطة ؛ لأنّه عقد مبتدأ ، وليس هو تقريراً لعقدٍ ماضٍ ؛ لأنّ العقد الماضي قد ارتفع ، فلا بدّ من لفظٍ صالحٍ للابتداء ، والتقرير يشعر بالاستدامة ، فلا ينعقد بلفظ الترك والتقرير بأن يقول الوارث أو وليُّه : « تركتُك ، أو : أقررتُك على ما كنتَ عليه » - وهو أحد قولَي الشافعيّة(٣) - لأنّ هذه العقود لا تنعقد بالكنايات.

والثاني - وهو الأظهر عند الجويني - : إنّه ينعقد بالترك والتقرير ؛ لفهم المعنى ، وقد يستعمل التقرير لإنشاء عقدٍ على موجب العقد السابق(٤) .

وإن كان المال عروضاً ، لم يصح تقرير الوارث عليه ، وبطل القراض عندنا وارتفع - وهو أظهر وجهي الشافعيّة وإحدى الروايتين عن أحمد(٥) - لارتفاع القراض الأوّل بموت المالك ، فلو وُجد قراضٌ آخَر لكان عقداً

____________________

(١) المغني ٥ : ١٨١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

(٢) الوسيط ٤ : ١٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٠.

(٣ و ٤) الوسيط ٤ : ١٢٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٠.

(٥) الحاوي الكبير ٧ : ٣٣٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٥ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٠ ، الوسيط ٤ : ١٢٩ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٧ ، البيان ٧ : ٢٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٠ ، المغني ٥ : ١٨١ و ١٨٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

١٤٢

مستأنفاً فيرد على العروض ، وهو باطل.

والثاني : إنّه يجوز تقرير الوارث عليه ؛ لأنّه استصحاب قراضٍ ، فيظهر فيه جنس المال وقدره ، فيجريان على موجبه ، وهذا الوجه هو منصوص الشافعي(١) .

والرواية الثانية عن أحمد : إنّ القراض إنّما منع منه في العروض ؛ لأنّه يحتاج عند المفاصلة إلى ردّ مثلها أو قيمتها ، ويختلف ذلك باختلاف الأوقات ، وهذا غير موجودٍ هنا ؛ لأنّ رأس المال غير العروض ، وحكمه باقٍ ، فإنّ للعامل أن يبيعه ليسلّم رأس المال ويقسّم الباقي(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّ المظنّة لا يناط الحكم بها ، بل بالوصف الضابط لها ، ولا ريب في أنّ هذا ابتداء قراضٍ ، ولهذا لو كان المال ناضّاً كان ابتداء قراضٍ إجماعاً ، وكانت حصّة العامل من الربح شركةً له يختصّ بربحها ، ويضارب في الباقي ، وليس لربّ المال في حصّة العامل شركة في ربحها ، ولو كان المال ناقصاً بخسارةٍ أو تلفٍ كان رأس المال الموجودَ منه حال ابتداء القراض ، فلو جاز ابتداء القراض هنا وبناؤها على القراض الأوّل لصارت حصّة العامل من الربح غير مختصّةٍ [ به ] وحصّتها من الربح مشتركة بينهما ، وحُسب عليه العروض بأكثر من قيمتها فيما إذا كان المال ناقصاً ، وهذا لا يجوز في القراض بلا خلافٍ ، ويلزم أيضاً أن يصير بعض رأس المال ربحاً ، وذهاب بعض الربح في رأس المال.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٣٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٥ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٠ ، الوسيط ٤ : ١٢٩ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٧ ، البيان ٧ : ٢٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٠ ، المغني ٥ : ١٨١ و ١٨٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

(٢) المغني ٥ : ١٨١ - ١٨٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٢.

١٤٣

مسألة ٢٩١ : لو مات العامل ، فإن كان المال ناضّاً ولا ربح أخذه المالك ، وإن كان فيه ربح أخذ المالك المالَ وحصّته من الربح ، ودفع إلى الوارث حصّته.

ولو كان متاعاً واحتيج إلى البيع والتنضيض ، فإن أذن المالك لوارث العامل فيه جاز ، وإلّا تولّاه شخص ينصبه الحاكم.

ولا يجوز تقرير الوارث على القراض ؛ لأنّه لا يصحّ القراض على العروض ، والقراض الأوّل قد بطل بموت العامل أو جنونه ، وبه قال الشافعيّة(١) .

ولا يُخرّج على الوجهين المذكورين عندهم في موت المالك حيث قالوا هناك : إنّه يجوز - في أحد الوجهين - تقرير العامل على القراض ؛ لأنّ الفرق واقع بين موت المالك وموت العامل ؛ لأنّ ركن القراض من جانب العامل عمله وقد فات بوفاته ، ومن جانب المالك المال ، وهو باقٍ بعينه انتقل إلى الوارث ، ولأنّ العامل هو الذي اشترى العروض ، والظاهر أنّه لا يشتري إلّا ما يسهل عليه بيعه وترويجه ، وهذا المعنى لا يؤثّر فيه موت المالك ، وإذا مات العامل فربما كانت العروض كلاًّ على وارثه ؛ لأنّه لم يشترها ولم يخترها(٢) .

وعند أحمد : إنّه يجوز القراض بالعروض ، فيجوز هنا في كلّ موضعٍ يجوز ابتداء القراض فيه بالعروض بأن تُقوّم العروض ويجعل رأس المال‌

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢١٠ ، الوسيط ٤ : ١٣٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٧ ، البيان ٧ : ٢٠١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٤ ، وراجع : الحاوي الكبير ٧ : ٣٣١ ، والبيان ٧ : ٢٠١.

١٤٤

قيمتها يوم العقد(١) .

ولو كان المال ناضّاً وقت موت العامل ، جاز أن يبتدئ المالك القراضَ مع وارثه بعقدٍ جديد ، ولا يصحّ بلفظ التقرير.

وللشافعيّة الوجهان السابقان(٢) .

فإن لم يرض ، لم يجز للوارث شراء ولا بيع.

إذا عرفت هذا ، فالوجهان المذكوران في التقرير للشافعيّة كالوجهين في أنّ الوصيّة بالزائد على الثلث إذا جعلناها ابتداء عطيّةٍ هل تنفذ بلفظ الإجازة؟ ويجريان أيضاً فيما إذا انفسخ البيع الجاري بينهما ثمّ أرادا إعادته ، فقال البائع : قرّرتُك على موجب العقد الأوّل ، وقَبِل صاحبه(٣) .

وفي مثله من النكاح لا يعتبر ذلك عندهم(٤) .

وللجويني احتمال فيه ؛ لجريان لفظ النكاح مع التقرير(٥) .

مسألة ٢٩٢ : إذا مات العامل وعنده مال مضاربةٍ لجماعةٍ متعدّدين ، فإن عُلم مال أحدهم بعينه كان أحقَّ به ، وإن جُهل كانوا فيه سواءً ، وإن جُهل كونه مضاربةً قضي به ميراثاً.

ولو سمّى الميّت واحداً بعينه قضي له به ، وإن لم يذكر كان أُسوة الغرماء ؛ لما رواه السكوني عن الصادقعليه‌السلام عن الباقر عن آبائه عن عليٍّعليهم‌السلام أنّه كان يقول : « مَنْ يموت وعنده مال مضاربةٍ - قال - إن سمّاه بعينه قبل موته فقال : هذا لفلانٍ ، فهو له ، وإن مات ولم يذكر فهو أُسوة الغرماء »(٦) .

____________________

(١) المغني ٥ : ١٨٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٧٣.

(٢) الوسيط ٤ : ١٢٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٠.

(٣ - ٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٤.

(٦) التهذيب ٧ : ١٩٢ / ٨٥١.

١٤٥

مسألة ٢٩٣ : إذا استردّ المالك بعضَ المال من العامل بعد دورانه في التجارة ولم يكن هناك ربح ولا خسران ، رجع رأس المال إلى القدر الباقي ، وارتفع القراض في القدر الذي أخذه المالك.

وإن كان بعد ظهور ربحٍ في المال ، فالمستردّ شائع ربحاً على النسبة الحاصلة من جملتي الربح ورأس المال ، ويستقرّ ملك العامل على ما يخصّه بحسب الشرط ممّا هو ربح منه ، فلا يسقط بالنقصان الحادث بعده.

وإن كان الاسترداد بعد ظهور الخسران ، كان الخسران موزَّعاً على المستردّ والباقي ، فلا يلزم جبر حصّة المستردّ من الخسران ، كما لو استردّ الكلّ بعد الخسران لم يلزم العامل شي‌ء ، ويصير رأس المال الباقي بعد المستردّ وحصّته من الخسران.

مثال الاسترداد بعد الربح : لو كان رأس المال مائةً وربح عشرين ، ثمّ استردّ المالك عشرين ، فالربح سدس المال ، فالمأخوذ يكون سدسه ربحاً : ثلاثة وثلث ، ويستقرّ ملك العامل على نصفه إذا كان الشرط المناصفةَ ، وهو واحد وثلثا واحدٍ ، ويبقى رأس المال ثلاثة وثمانين وثُلثاً ؛ لأنّ المأخوذ سدس المال ، فينقص سدس رأس المال ، وهو ستّة عشر وثلثان ، وحظّهما من الربح ثلاثة وثلث ، فيستقرّ ملك العامل على درهمٍ وثلثين ، حتى لو انخفضت السوق وعاد ما في يده إلى ثمانين لم يكن للمالك أن يأخذ الكلّ ويقول : كان رأس المال مائةً وقد أخذتُ عشرين أضمّ إليها هذه الثمانين لتتمّ لي المائة ، بل يأخذ العامل من الثمانين واحداً وثلثي واحدٍ ، ويردّ الباقي ، وهو ثمانية وسبعون وثلث واحدٍ.

ومثال الاسترداد بعد الخسران : كان رأس المال مائةً ، وخسر عشرين ، ثمّ استردّ المالك عشرين ، فالخسران موزَّع على المستردّ والباقي ،

١٤٦

تكون حصّة المستردّ خمسةً لا يلزمه جبرها ، حتى لو ربح بعد ذلك فبلغ المال ثمانين ، لم يكن للمالك أخذ الكلّ ، بل يكون رأس المال خمسةً وسبعين ، والخمسة الزائدة تُقسّم بينهما نصفين ، فيحصل للمالك من الثمانين سبعة وسبعون ونصف.

ولو كان رأس المال مائةً فخسر عشرةً ثمّ أخذ المالك عشرةً ثمّ عمل الساعي فربح ، فرأس المال ثمانية وثمانون وثمانية أتساع ؛ لأنّ المأخوذ محسوب من رأس المال ، فهو كالموجود ، والمال في تقدير تسعين ، فإذا بسط الخسران - وهو عشرة - على تسعين أصاب العشرة المأخوذة دينار وتُسْع دينار ، فيوضع ذلك من رأس المال ، وإن أخذ نصف التسعين الباقية بقي رأس المال خمسين ؛ لأنّه أخذ نصف المال ، فسقط نصف الخسران ، وإن أخذ خمسين بقي أربعة وأربعون وأربعة أتساع.

ولو كان رأس المال مائةً فربح عشرين ثمّ أخذ المالك ستّين ، بقي رأس المال خمسين ؛ لأنّه أخذ نصف المال ، فبقي نصفه ، وإن أخذ خمسين بقي رأس المال ثمانية وخمسين وثلثاً ؛ لأنّه أخذ ربع المال وسدسه ، فبقي ثلثه وربعه ، فإن أخذ منه ستّين ثمّ خسر فصار معه أربعون فردّها كان له على المالك خمسة ؛ لأنّ الذي أخذه المالك قد انفسخت فيه المضاربة ، فلا يجبر ربحه خسران الباقي ؛ لمفارقته إيّاه ، وقد أخذ من الربح عشرة ؛ لأنّ سدس ما أخذه ربح ، ولو ردّ منها عشرين لا غير بقي رأس المال خمسة وعشرين.

مسألة ٢٩٤ : حكم القراض الفاسد استحقاق المالك جميعَ الربح ؛ لأنّ المال له ، ونماؤه تابع ، والعامل إنّما يستحقّ شيئاً من الربح بالشرط ، فإذا بطل الشرط لم يستحق العامل شيئاً.

١٤٧

ويجب للعامل أُجرة المثل ، سواء كان في المال ربح أو لم يكن.

ولا يستحقّ العامل قراضَ المثل ، بل أُجرة المثل عندنا وعند الشافعي(١) ؛ لأنّ عمل العامل إنّما كان في مقابلة المسمّى ، فإذا لم تصح التسمية وجب ردّ عمله عليه ، وذلك يوجب له أُجرة المثل ، كما إذا اشترى شيئاً شراءً فاسداً وقبضه وتلف ، فإنّه يجب عليه قيمته.

وقال مالك : يجب للعامل قراض المثل ، يعني أنّه يجب ما يقارضه به مثله ؛ لأنّ شبهة كلّ عقدٍ وفاسده مردود إلى صحيحه ، وفي صحيحه لا يستحقّ شيئاً من الخسران ، وكذلك في الفاسد ، والصحيح يستحقّ فيه المسمّى ، سواء كانت أُجرته دونه أو أكثر(٢) .

والتسمية إنّما هي من الربح ، وفي مسألتنا بطلت التسمية ، وإنّما تجب له الأُجرة ، وذلك لا يختصّ بالربح ، فافترقا ، فبطل القياس.

إذا عرفت هذا ، فإنّ القراض الفاسد له حكمٌ آخَر ، وهو صحّة تصرّف العامل ونفوذه ؛ لأنّه أذن له فيه ، فوقع بمجرّد إذنه ، فإن كان العقد فاسداً - كما لو وكّله وكالةً فاسدة - وتصرّف فإنّه يصحّ تصرّفه.

لا يقال : أليس إذا باع بيعاً فاسداً وتصرّف المشتري لم ينفذ؟

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ١٩٨ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٨ - ٣٤٩ ، البيان ٧ : ١٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٥ ، المغني ٥ : ١٨٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٥ / ١٧٤٠ ، الاستذكار ٢١ : ١٥١ / ٣٠٨٥١ و ٣٠٨٥٢ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٦ / ١٢٥٠.

(٢) الاستذكار ٢١ : ١٥١ / ٣٠٨٥٠ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤١ / ١١١٤ ، التفريع ٢ : ١٩٦ - ١٩٧ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٥ / ١٢٥٠ ، المعونة ٢ : ١١٢٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٥ / ١٧٤٠ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٩ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٠ ، المغني ٥ : ١٨٨ - ١٨٩.

١٤٨

لأنّا نقول : الفرق ظاهر ؛ لأنّ تصرّف المشتري إنّما لم ينفذ لأنّه يتصرّف من جهة الملك ولم يحصل له ، وكذلك إذا أذن له البائع أيضاً ؛ لأنّ إذنه كان على أنّه ملك المأذون فيه ، فإذا لم يملك لم يصح ، وهنا أذن له في التصرّف في ملك نفسه ، وما شرطه من الشروط الفاسدة ، فلم يكن مشروطاً في مقابلة الإذن ؛ لأنّه أذن في تصرّفٍ يقع له ، فما شرطه لا يكون في مقابلته.

مسألة ٢٩٥ : لو دفع إليه مالاً قراضاً وقال : اشتر به هرويّاً أو مرويّاً بالنصف ، قال الشافعي : يفسد القراض(١) . واختلف أصحابه في تعليله.

فمنهم مَنْ قال : إنّما فسد ؛ لأنّه قال بالنصف ، ولم يبيّن لمن النصف؟ فيحتمل أن يكون شرط النصف لربّ المال ، وإذا ذكر في القراض نصيب ربّ المال ولم يذكر نصيب العامل ، كان القراض فاسداً(٢) .

وليس بشي‌ءٍ ؛ لأنّ الشرط إذا أُطلق انصرف إلى نصيب العامل ؛ لأنّ ربّ المال يستحقّ الربح بالمال ، ولا يحتاج إلى شرطٍ ، كما لا يحتاج في شركة العنان إلى شرط الربح ، فإذا شرط كان الظاهر أنّه شرط ذلك للعامل.

وقال بعضهم : إنّما فسد ؛ لأنّه أذن له في الشراء ، دون البيع(٣) .

____________________

(١) مختصر المزني : ١٢٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٣ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٢ ، البيان ٧ : ١٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٦.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٣ ، البيان ٧ : ١٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٦.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٢ ، البيان ٧ : ١٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٦.

١٤٩

وفيه نظر ؛ لأنّ إطلاق المضاربة يقتضي تسويغ التصرّف للعامل بيعاً وشراءً ، والتنصيص على الإذن في شراء جنسٍ لا يقتضي عدم الإذن في البيع ، فيبقى على الإطلاق.

وقال بعضهم : إنّه يفسد ؛ للتعيين(١) .

وليس بشي‌ءٍ.

وقال آخَرون : إنّما يفسد ؛ لأنّه لم يعيّن أحد الجنسين(٢) .

وليس بشي‌ءٍ ؛ لأنّه يجوز أن يخيّره بما يشتريه.

والمعتمد : صحّة القراض.

مسألة ٢٩٦ : لا يجوز للعامل أن يبيع الخمر ولا يشتريه ، وكذا الخنزير وأُمّ الولد ، سواء كان العامل مسلماً أو نصرانيّاً إذا كان ربّ المال مسلماً أو كان العامل مسلماً ، ولو كانا ذمّيّين جاز - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّه وكيل المالك ، ولا يدخل ذلك في ملك المالك ، فيكون منهيّاً عنه ؛ لما فيه من خروج الملك عن ملكه.

وقال أبو حنيفة : إذا كان العامل نصرانيّاً فباع الخمر أو اشتراها ، صحّ ذلك(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٦.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٣ - ٣٤٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٣ ، البيان ٧ : ١٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٦.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٣٥٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٢ ، البيان ٧ : ١٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٣ ، المغني ٥ : ١٦٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٥.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٣٥٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٢ ، البيان ٧ : ١٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٨ ، المغني ٥ : ١٦٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٥.

١٥٠

وقال أبو يوسف ومحمّد : يصحّ منه الشراء ، ولا يصحّ منه البيع ، وفرّقوا بينهما بأنّ الوكيل يدخل ما يشتريه أوّلاً في ملكه ، فإذا باع ملك غيره لم يدخل في ملكه ، وكان العامل كأنّ في يده عصيراً فصار خمراً ، فيكون ذلك لربّ المال ، ولا يكون بيعه إلّا من جهته ، ولا يصحّ من المسلم بيع الخمر(١) .

إذا عرفت هذا ، فلو خالف العامل واشترى خمراً أو خنزيراً أو أُمَّ ولدٍ ودفع المال في ثمنه ، فإن كان عالماً كان ضامناً ؛ لأنّ ربّ المال لا يملك ذلك ، فكأنّه قد دفع ثمنه بغير عوضٍ ، فكان ضامناً.

وإن كان جاهلاً ، فكذلك - وهو الأشهر للشافعيّة(٢) - لأنّ حكم الضمان لا يختلف بالعلم والجهل.

وقال القفّال من الشافعيّة : يضمن في الخمر ، دون أُمّ الولد ؛ لأنّه ليس لها أمارة تُعرف بها(٣) .

وقال بعضهم : لا يضمن فيهما(٤) .

وقال آخَرون : لا يضمن في العلم أيضاً ؛ لأنّه اشترى ما طلب فيه الفضل بحسب رأيه(٥) .

وهو خطأ ؛ لأنّ ربّ المال لا يملك ذلك ، فلا يجوز له دفع المال في عوضه.

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٢٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٢ ، المغني ٥ : ١٦٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٥.

(٢) البيان ٧ : ١٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٤.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٨.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٨.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٨.

١٥١

مسألة ٢٩٧ : قد بيّنّا أنّه إذا قال للعامل : قارضتك على أن يكون لك شركة في الربح ، أو شركة ، فإنّه لا يصح ؛ لأنّه لم يعيّن مقدار حصّة العامل ، وبه قال الشافعي(١) .

وقال محمّد بن الحسن : إنّه إذا قال : شركة ، صحّ ، وإذا قال : شرك ، لم يصح(٢) .

وقال أصحاب مالك : يصحّ ، ويكون له مضاربة المثل(٣) .

وقد بيّنّا غلطهم.

ولو قال : خُذْه قراضاً على النصف أو الثلث أو غير ذلك ، صحّ ، وكان ذلك تقديراً لنصيب العامل ؛ قضيّةً للظاهر من أنّ الشرط للعامل ؛ لأنّ المالك يستحقّه بماله ، والعامل يستحقّه بالعمل ، والعمل يكثر ويقلّ ، وإنّما تتقدّر حصّته بالشرط فكان الشرط له.

فإن اختلفا فقال العامل : شرطتَه لي ، وقال المالك : شرطتُ ذلك لنفسي ، قُدّم قول العامل ؛ لأنّ الظاهر معه.

مسألة ٢٩٨ : لو دفع إليه ألفين قراضاً فتلف أحدهما قبل التصرّف ، فقد قلنا : إنّ الأقرب : احتساب التالف من الربح.

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٣ ، البيان ٧ : ١٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٨٥ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٣ ، البيان ٧ : ١٦٥ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ / ١١١٥ ، المنتقى - للباجي - ٥ : ١٥٢.

(٣) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ / ١١١٥ ، المنتقى - للباجي - ٥ : ١٥٢ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٤ ، البيان ٧ : ١٦٥.

١٥٢

وقال الشافعي : يكون من رأس المال(١) .

فإن كان التلف بعد أن باع واشترى ، فالتلف من الربح قولاً واحداً.

ولو اشترى بالألفين عبدين فتلف أحدهما ، فللشافعيّة وجهان :

أحدهما : إنّه يكون من الربح ؛ لأنّه تلف بعد أن ردّ المال في التجارة.

والثاني : يكون من رأس المال ؛ لأنّ العبد التالف بدل أحد الألفين ، فكان تلفه كتلفها(٢) .

قال أبو حامد : هذا خلاف مذهب الشافعي ؛ لأنّ المزني نقل عنه أنّه إذا ذهب بعض المال قبل أن يعمل ثمّ عمل فربح وأراد(٣) أن يجعل البقيّة رأس المال بعد الذي هلك ، فلا يُقبل قوله ، ويوفى رأس المال من ربحه حتى إذا وفاه اقتسما الربح على شرطهما ؛ لأنّ المال إنّما يصير قراضاً في يد العامل بالقبض ، فلا فرق بين أن يهلك قبل التصرّف أو بعده ، فيجب أن يحتسب من الربح(٤) .

وهذا كما اخترناه نحن.

مسألة ٢٩٩ : لو دفع المالك إلى العامل مالاً قراضاً ثمّ دفع إليه مالاً آخَر قراضا ، فإن كان بعد تصرّف العامل في الأوّل بالبيع والشراء كانا قراضين ، وإلّا كانا واحداً ، فلو دفع إليه ألفاً قراضاً فأدارها العامل في التجارة بيعاً‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٣٣ ، بحر المذهب ٩ : ٢٣١ ، الوسيط ٤ : ١٢٤ ، البيان ٧ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

(٢) بحر المذهب ٩ : ٢٣١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٣ ، البيان ٧ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ - ٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

(٣) في « ث ، خ ، ر » : « فأراد ».

(٤) راجع : بحر المذهب ٩ : ٢٣١.

١٥٣

وشراءً ثمّ دفع إليه ألفاً أُخرى قراضاً ، تعدّد القراضان على معنى أنّ ربح كلّ واحدةٍ منهما لا يجبر خسران الأُخرى ، بل تختصّ كلٌّ منهما بربحها وخسرانها ، وجبر خسرانها من ربحها خاصّةً.

فإن قال المالك : ضمّ الثانية إلى الأُولى ، بعد أن اشتغل العامل بالتجارة ، لم يصح القراض الثاني ؛ لأنّ ربح الأوّل قد استقرّ ، فكان ربحه وخسرانه مختصّاً به ، فإذا شرط ضمّ الثانية إليه ، اقتضى أن يجبر به خسران الأُولى إن كان فيه خسران ، ويجبر خسران الثانية بربح الأوّلة ، وهو غير جائزٍ ؛ لأنّ لكلّ واحدٍ من العقدين حكماً منفرداً ، فإذا شرط في الثاني ما لا يصحّ ، فسد.

وإن كان قبل أن يتصرّف في الأُولى(١) وقال له : ضمّ الثانية إلى الأُولى ، جاز ، وكان قراضاً واحداً.

ولو كان المال الأوّل قد نضّ وقال له المالك : ضمّ الثانية إليه ، جاز - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّه قد أمن فيه المعنى الذي ذكرناه ، وصار كأنّه لم يتصرّف.

ولما رواه محمّد بن عذافر عن أبيه قال : أعطى الصادقعليه‌السلام أبي ألفاً وسبعمائة دينار فقال له : « اتّجر لي بها » ثمّ قال : « أما إنّه ليس لي رغبة في ربحها وإن كان الربح مرغوباً فيه ، ولكن أحببتُ أن يراني الله تعالى متعرّضاً لفوائده » قال : فربحتُ فيها مائة دينار ثمّ لقيته فقلت له : قد ربحتُ لك فيها مائة دينار ، قال : ففرح الصادقعليه‌السلام بذلك فرحاً شديداً ثمّ قال لي : « أثبتها‌

____________________

(١) في « ث » ، خ ، ر » : « الأوّلة » بدل « الأُولى ».

(٢) بحر المذهب ٩ : ٢٢٧.

١٥٤

لي في رأس مالي »(١) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه إذا دفع إليه ألفاً قراضاً ثمّ دفع إليه ألفاً أُخرى قراضاً ولم يأمره بضمّ إحداهما إلى الأُخرى ، بل جعل الألف الأُولى قراضاً بعقدٍ ثمّ دفع إليه الثانية قراضاً بعقدٍ آخَر ، لم يجز له ضمّ الثانية إلى الأُولى ومزجها به ؛ لأنّهما قراضان بعقدين على مالين ، فلا يجوز مزجهما إلّا بإذن المالك ، كما لو قارضه اثنان بمالين منفردين ، فإن ضمّ إحداهما إلى الأُخرى ومزجهما ضمن ، وبه قال الشافعي(٢) ، خلافاً لأبي حنيفة(٣) .

وقال إسحاق : يجوز ضمّ الثانية إلى الأُولى إذا لم يتصرّف في الأُولى(٤) .

وكذا لو ضمّ مال أحد المالكين إلى مال الآخَر ومزجه به ضمن ، إلّا أن يأذن كلّ واحدٍ منهما ، ولا يكفي إذن الواحد في عدم ضمان مال الآخَر ، بل في مال الآذن خاصّةً.

مسألة ٣٠٠ : إذا دفع إليه ألفاً قراضاً وقال له : أضف إليها ألفاً أُخرى من عندك ويكون الربح لك منه الثلثان ولي الثلث ، أو قال : لك الثلث ولي الثلثان ، فالأقرب عندنا : الصحّة ؛ للأصل.

وقال الشافعي : لا يصحّ ؛ لأنّه إن شرط لنفسه الأكثر فقد فسد ؛ لتساويهما في المال ، وذلك يقتضي تساويهما في الربح ، فإذا شرط عليه‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ٧٦ / ١٢ ، التهذيب ٦ : ٣٢٦ - ٣٢٧ / ٨٩٨.

(٢) بحر المذهب ٩ : ٢٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٤.

(٣) بحر المذهب ٩ : ٢٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩.

(٤) المغني ٥ : ١٧٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٨.

١٥٥

العمل ونصيبه من الربح كان باطلاً ، وإن شرط للعامل الأكثر فسد أيضاً ؛ لأنّ الشركة إذا وقعت على مالٍ كان الربح تابعاً له دون العمل ، فتكون الشركة فاسدةً ، ويكون هذا قراضاً فاسداً ؛ لأنّه عقد بلفظ القراض(١) .

ولو كان قد دفع إليه ألفين وقال له : أضف إليهما ألفاً من عندك فتكون الألف بيننا شركةً والألف الأُخرى قارضتك عليها بالنصف ، جاز عنده(٢) أيضاً ؛ لأنّ أكثر ما فيه أنّ مال القراض مشاع ، والإشاعة إذا لم تمنع التصرّف لم تمنع الصحّة.

وقال أصحاب مالك : لا يجوز أن يضمّ إلى القراض الشركة(٣) ؛ لأنّه لا يجوز أن يضمّ إليه عقد إجارةٍ ، فلا يجوز أن يضمّ إليه عقد شركةٍ(٤) .

والأصل ممنوع ، ولأنّ أحد العقدين إذا لم يجعلاه شرطاً في الآخَر لم يمنع من جمعهما ، كما لو كان المال متميّزاً ، والإجارة إن كانت متعلّقةً بزمانٍ نافت القراض ؛ لأنّه يمنعه من التصرّف ، وإن كانت متعلّقةً بالذمّة جاز.

ولو دفع إليه ألفاً قراضاً فخلطها بألف له بحيث لا تتميّز ، فقد تعدّى بذلك ، فصار ضامناً ، كالمودع إذا مزج الوديعة بغيرها من ماله أو غير ماله.

ولأنّه صيّره بمنزلة التالف.

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٢٧ ، البيان ٧ : ١٦٦ - ١٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٤ ، المغني ٥ : ١٣٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٣.

(٢) بحر المذهب ٩ : ٢٢٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٠ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٥ / ١١٢٣ ، المغني ٥ : ١٣٦ - ١٣٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٢ - ١٤٣.

(٣) في « ث ، خ ، ر » : « شركة ».

(٤) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٥ / ١١٢٣ ، التفريع ٢ : ١٩٥ ، المعونة ٢ : ١١٢٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٣٨٦ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٧ ، المغني ٥ : ١٣٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٣.

١٥٦

مسألة ٣٠١ : إذا دفع إليه مالاً قراضاً وشرط عليه أن ينقل المال إلى موضع كذا ويشتري من أمتعته ثمّ يبيعها هناك أو يردّها إلى موضع القراض ، جاز ذلك ؛ للأصل ، بل لو خالف ضمن ؛ لما رواه الكناني عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن المضاربة يعطى الرجل المال يخرج به إلى الأرض ونهي(١) أن يخرج به إلى أرض غيرها فعصى فخرج به إلى أرض أُخرى فعطب المال ، فقال : « هو ضامن ، فإن سلم فربح فالربح بينهما »(٢) .

وقال أكثر الشافعيّة : يفسد القراض ؛ لأنّ نقل المال من قُطْرٍ إلى قُطْرٍ عمل زائد على التجارة ، فأشبه شرط الطحن والخبز ، ويخالف ما إذا أذن له في السفر ؛ فإنّ الغرض منه رفع الحرج(٣) .

وقال جماعة من محقّقيهم : إنّ شرط المسافرة لا يضرّ ، فإنّها الركن الأعظم في الأموال والبضائع الخطيرة(٤) .

والأصل عندنا ممنوع.

ولو قال : خُذْ هذه الدراهم قراضاً وصارِف بها مع الصيارفة ، لم يجز له أن يصارف مع غيرهم ؛ لأنّه قد خالف ما عيّنه له ، وهو أحد وجهي الشافعيّة ، والثاني : إنّه يصحّ ؛ لأنّ الغرض من مثله أن يصرفه صرفاً لا قوام بأعيانهم(٥) .

مسألة ٣٠٢ : لو دفع إليه زيد مالاً قراضاً ودفع إليه عمرو كذلك ، فاشترى بكلّ واحدٍ من المالين عبداً ثمّ اشتبها عليه ، بِيع العبدان ، وبسط الثمن بينهما على النسبة - ولو ربح فعلى ما شرطاه له ، فإن اتّفق خسران ،

____________________

(١) في الفقيه و « ر » : « وينهى ».

(٢) الفقيه ٣ : ١٤٣ - ١٤٤ / ٦٣١ ، التهذيب ٧ : ١٨٩ - ١٩٠ / ٨٣٧.

(٣ - ٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٤.

١٥٧

فإن كان لتقصيره ضمن ، وإن كان لانخفاض السوق لم يضمن ؛ لأنّ غايته أن يكون كالغاصب ، والغاصب لا يضمن نقصان السوق - وهو أحد قولَي الشافعيّة(١) ؛ لأنّ قضيّة المال الممتزج هذا.

ولما رواه إسحاق بن عمّار عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال في الرجل يبضعه الرجل ثلاثين درهماً في ثوبٍ وآخَر عشرين درهماً في ثوبٍ ، فبعث الثوبين فلم يعرف هذا ثوبه ولا هذا ثوبه ، قال : « يباع الثوبان ، فيعطى صاحب الثلاثين ثلاثة أخماس الثمن ، والآخَر خُمسي الثمن » قال : قلت : فإنّ صاحب العشرين قال لصاحب الثلاثين : اختر أيّهما شئت ، قال : « قد أنصفه »(٢) .

وللشافعيّة قولٌ بأنّ شراء العبدين ينقلب إلى العامل ، ويغرم لهما ؛ للتفريط حيث لم يفردهما حتى تولّد الاشتباه(٣) .

ثمّ المغروم عند الأكثرين الألفان(٤) .

وقال بعضهم : يغرم قيمة العبدين وقد تزيد على الألفين(٥) .

ولهم قولٌ غريب ثالث : إنّه يبقى العبدان على الإشكال إلى أن‌

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٣٢ ، الوسيط ٤ : ١٣١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٥ ، البيان ٧ : ١٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٥.

(٢) الكافي ٧ : ٤٢١ - ٤٢٢ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٢٣ / ٦٢ ، التهذيب ٦ : ٢٠٨ / ٤٨٢ و ٣٠٣ - ٣٠٤ / ٨٤٧.

(٣) بحر المذهب ٩ : ٢٣٢ ، الوسيط ٤ : ١٣١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٥ ، البيان ٧ : ١٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٤.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٤ - ٢٢٥.

١٥٨

يصطلحا(١) .

مسألة ٣٠٣ : إذا تعدّى المضارب وفَعَل ما ليس له فعله أو اشترى شيئاً نهاه المالك عن شرائه ، ضمن المال في قول أكثر أهل العلم(٢) ، وروي ذلك عن أهل البيتعليهم‌السلام (٣) ، وبه قال أبو هريرة وحكيم بن حزام وأبو قلابة ونافع وأياس والشعبي والنخعي والحكم ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي(٤) .

وروى العامّة عن عليٍّعليه‌السلام أنّه قال : « لا ضمان على مَنْ شُورك في الربح »(٥) ونحوه عن الحسن والزهري(٦) .

والمعتمد : الأوّل ، والرواية عن أمير المؤمنينعليه‌السلام نحن نقول بموجبها ؛ فإنّه لا ضمان بدون التفريط.

والأصل فيه أنّه قد تصرّف في مال غيره بدون إذنه ، فلزمه الضمان ، كالغاصب. وقد تقدّم أنّه يشارك في الربح.

إذا عرفت هذا ، فلو اشترى شيئاً نهاه المالك عن شرائه فربح ، فالربح على الشرط ، وبه قال مالك(٧) ؛ لما تقدّم(٨) من الرواية عن أهل البيتعليهم‌السلام ، ولأنّه تعدٍّ ، فلا يمنع كون الربح لهما على ما شرطاه ، كما لو لبس الثوب وركب دابّةً ليس له ركوبها.

وقال أحمد : الربح بأسره لربّ المال - وعن أحمد رواية أُخرى :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٥.

(٢) كما في المغني ٥ : ١٦٥ ، والشرح الكبير ٥ : ١٥٨.

(٣) التهذيب ٧ : ١٩٣ / ٨٥٣.

(٤ - ٦) المغني ٥ : ١٦٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٨.

(٧) المنتقى - للباجي - ٥ : ١٧٠ ، المغني ٥ : ١٦٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٨.

(٨) آنفاً.

١٥٩

إنّهما يتصدّقان بالربح على سبيل الورع ، وهو لربّ المال في القضاء - لأنّ عروة بن [ الجعد ](١) البارقي قال : عرض للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جلب فأعطاني ديناراً فقال : « يا عروة ائت الجلب فاشتر لنا شاةً » فأتيتُ الجلب فساومتُ صاحبه فاشتريتُ شاتين بدينارٍ ، فجئتُ أسوقهما - أو أقودهما - فلقيني رجل بالطريق فساومني ، فبعتُ منه شاةً بدينار ، فجئتُ بالدينار والشاة فقلت : يا رسول الله هذا ديناركم وهذه شاتكم ، فقال : « وكيف صنعتَ؟ » فحدّثته الحديث ، فقال : « اللّهمّ بارك له في صفقة يمينه »(٢) .

ولأنّه نماء عينه بغير إذن مالكه ، فكان لمالكه ، كما لو غصب حنطةً فزرعها(٣) .

والخبر لا يدلّ على المتنازع ، والفرق ظاهر بين الغاصب والمضارب المأذون له.

إذا عرفت هذا ، فهل يستحقّ العامل الأُجرة ، أم لا؟ عن أحمد روايتان :

إحداهما : إنّه لا يستحقّ ، كالغاصب.

والثانية : إنّه يستحقّ ؛ لأنّ ربّ المال رضي بالبيع وأخذ الربح ، فاستحقّ العامل عوضاً ، كما لو عقده بإذنٍ(٤) .

وفي قدر الأُجرة عنه روايتان :

إحداهما : أُجرة مثله ما لم يحط بالربح ؛ لأنّه عمل ما يستحقّ به‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « لبيد ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٨٦ ، الهامش (٢)

(٣) المغني ٥ : ١٦٥ - ١٦٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٨ - ١٥٩.

(٤) المغني ٥ : ١٦٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٩.

١٦٠

السّلمي كذب عليه، ولم يبلغنا أنّ الحاكم ينال من معاوية، ولا يظنُّ ذلك فيه، وغاية ما قيل فيه الإِفراط في ولاء علي كرّم الله وجهه، ومقام الحاكم عندنا أجلّ من ذلك »(١) .

بطلان حكمه بوضع حديث: تقاتل الناكثين

وأمّا حكم ابن تيميّة بوضع حديث: « تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين » فقلّة حياء، وقد دعاه إلى هذه الوقاحة اعتقاده الخبيث بخطأ أمير المؤمنينعليه‌السلام في قتال أهل الجمل وصفّين، - كما قد أظهر هذا الاعتقاد في بعض المواضع من خرافاته - فهو يريد إبطال كلّ حديثٍ يدلّ على حقيّة أمير المؤمنينعليه‌السلام في قتال أولئك البغاة

وعلى كلّ حالٍ فإنّ هذا الحديث من الأحاديث الصحاح الثّابتة التي لم يجد طائفة من متعصّبيهم بدّاً من الاعتراف به وحتى أن والد ( الدهلوي ) مع ميله إلى تخطئة الأميرعليه‌السلام في حروبه مع البغاة والخارجين عليه ينقل هذا الحديث في كتبه بل يصرّح بثبوته، بل ( الدهلوي ) نفسه ينصّ في بحث مطاعن عثمان من ( التحفة ) على ثبوت هذا الحديث، فهل يكون ( الدهلوي ) ووالده من الشيعة؟

هذا، وقد روى حديث أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياً بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين جمع من أئمة أهل السنّة وحفّاظهم الكبار:

منهم : أبو عمرو ابن عبد البرّ بترجمة أمير المؤمنينعليه‌السلام حيث قال: « وروي من حديث علي كرّم الله وجهه، ومن حديث ابن مسعود، ومن حديث أبي أيّوب الأنصاري: إنّه: أمر بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين »(٢) .

____________________

(١). طبقات الشافعيّة للسبكي ٤ / ١٦٣.

(٢). الاستيعاب في معرفة الأصحاب ٣ / ١١١٧.

١٦١

ومنهم : أبو المؤيَّد الموفق بن أحمد الخوارزمي حيث قال: « أخبرني الشيخ الإِمام شهاب الدين أبو النجيب سعد بن عبد الله بن الحسن الهمداني المعروف بالمروزي - فيما كتب إليَّ من همدان - قال: أخبرنا الحافظ أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن الحدّاد بإصبهان - فيما أذن - قال: أخبرنا الشيخ الأدي يعلى عبد الرزاق بن عمر بن إبراهيم الطهراني سنة ٤٧٣ قال: أخبرنا الإمام الحافظ طراز المحدّثين أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني وبهذا الإسناد: عن الحافظ أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه هذا قال: حدّثنا محمّد بن علي بن دحيم، قال: حدّثنا أحمد بن حازم قال: حدّثنا عثمان بن محمّد قال: حدّثنا يونس بن أبي يعقوب قال: حدّثنا حمّاد بن عبد الرحمن الأنصاري، عن أبي سعيد التيمي، عن عليعليه‌السلام قال:

عهد إليَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنْ أُقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين. فقيل له: يا أمير المؤمنين، من الناكثون؟ قال: الناكثون أهل الجمل، والمارقون الخوارج، والقاسطون أهل الشام »(١) .

ومنهم : ابن الأثير الجزري بترجمة الإِمامعليه‌السلام حيث قال: « أنبأنا أرسلان بن بعان الصّوفي، حدّثنا أبو الفضل أحمد بن طاهر بن سعيد بن أبي سعيد الميهني، أنبأنا أبو بكر أحمد بن خلف الشيرازي، أنبأنا الحاكم أبو عبد الله محمّد بن عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو جعفر محمّد بن علي بن دحيم الشيباني، حدّثنا الحسين بن الحكم الحيري، حدّثنا إسماعيل بن أبان، حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الأزدي، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري قال: أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين. فقلنا: يا رسول الله: أمرتنا بقتال هؤلاء فمع من؟ فقال: مع علي بن أبي طالب، معه يُقتل عمّار بن ياسر.

____________________

(١). مناقب أمير المؤمنين للخوارزمي: ١٧٥.

١٦٢

و أخبر الحاكم: أنبأنا أبو الحسن بن علي بن محمشاد المعدّل، حدّثنا إبراهيم بن الحسين بن ديرك، حدّثنا عبد العزيز بن الخطا، حدّثنا محمّد بن كثير، عن الحارث بن حصيرة، عن أبي صادق، عن محنف بن سليم قال: أتينا أبا أيوب الأنصاري فقلنا: قاتلت بسيفك المشركين مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ جئت تقاتل المسلمين؟ قال: أمرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتل الناكثين والقاسطين والمارقين.

وأنبأنا أبو الفضل بن أبي الحسن، بإسناده عن أبي يعلى، حدّثنا إسماعيل بن موسى، حدّثنا الربيع بن سهل، عن سهل بن عبيد، عن علي بن ربيعة قال: سمعت عليّاً على منبركم هذا يقول: عهد إليَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنْ أُقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين »(١) .

ومنهم : شهاب الدين أحمد حيث قال: « عن أبي سعيد -رضي‌الله‌عنه - قال: ذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبارك وسلّم لعلي رضوان الله تعالى عليه ما يلقى من بعده فبكى وقال: أسألك بقرابتي وصحبتي إلّا دعوت الله تعالى أنْ يقبضني. قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبارك وسلّم: يا علي تسألني أن أدعو الله لأجل مؤجل! فقال يا رسول الله: على ما أُقاتل القوم؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبارك وسلّم: على الإِحداث في الدين.

وعن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه، عن علي كرّم الله تعالى وجهه قال: عهد إليَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبارك وسلّم أنْ أُقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين. فقيل له: يا أمير المؤمنين من الناكثون؟ قال كرّم الله تعالى وجهه: الناكثون أهل الجمل، والقاسطون أهل الشام، والمارقون الخوارج.

رواهما الصالحاني وقال: رواهما الإِمام المطلق روايةً ودرايةً أبو بكر ابن

____________________

(١). أَسد الغابة في معرفة الصحابة ٤ / ٣٢.

١٦٣

مردويه، وخطيب خوارزم الموفق أبو المؤيد. أدام الله جمال العلم بمأثور أسانيدهما ومشهور مسانيدهما»(١) .

ومنهم : محمد بن طلحة الشافعي - في الأحاديث الدالّة على علم علي وفضله -: « ومن ذلك ما نقله القاضي الإِمام أبو محمّد الحسين بن مسعود البغوي في كتابه المذكور - يعني شرح السنّة - عن ابن مسعود قال: خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتى منزل أُم سلمة، فجاء علي فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أُم سلمة هذا - والله - قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين من بعدي فالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكر في هذا الحديث فرقاً ثلاثة صرّح بأنّ عليّاً يقاتلهم من بعده، وهم: الناكثون، والقاسطون، والمارقون »(٢) .

ومنهم : محمّد صدر العالم حيث قال: « وأخرج ابن أبي شيبة، وابن عدي، والطبراني، وعبد الغني بن سعيد في إيضاح الإِشكال، والإِصبهاني في الحجة، وابن مندة في غرائب شعبة، وابن عساكر: عن علي قال: أُمرت بقتل الناكثين والقاسطين والمارقين ».

قال محمّد صدر العالم: « وأخرج الحاكم في الأربعين، وابن عساكر، عن علي قال: أُمرت بقتال ثلاثة: القاسطين والناكثين والمارقين. أمّا القاسطون فأهل الشام، وأمّا الناكثون فذكرهم، وأما المارقون فأهل النهروان - يعني الحرورية - »(٣) .

ومنهم : محمّد بن إسماعيل الأمير حيث قال:

وسل الناكث والقاسط والـ

مارق الآخذ بالإِيمان غيّا »

« والبيت إشارة إلى قتال أمير المؤمنين عليه‌السلام ثلاث طوائف بعد

____________________

(١). توضيح الدلائل في ترجيح الفضائل - مخطوط.

(٢). مطالب السؤول في مناقب آل الرسول ١ / ٦٧.

(٣). معارج العلى في مناقب المرتضى - مخطوط.

١٦٤

إمامته وهم: الناكثون والقاسطون والمارقون.

قال ابن حجر: وقد ثبت عند النسائي في الخصائص، والبزّار، والطبراني من حديث عليعليه‌السلام : أُمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين.

ذكره الحافظ ابن حجر في التخليص الحبير ثمّ قال: والناكثون: أهل الجمل، لأنّهم نكثوا بيعتهم، والقاسطون: أهل الشام، لأنّهم جاروا عن الحقّ في عدم مبايعته، والمارقون: أهل النهروان، لثبوت الخبر الصحيح أنّه يمرقون من الدين كما يمرق السّهم من الرمية. إنتهى بلفظه »(١) .

وبهذا القدر الذي ذكرناه ظهر ثبوت الحديث عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، عند كبار الأئمة والحفّاظ من أهل السنّة أمثال:

أبي بكر ابن أبي شيبة.

وأبي بكر البزّار.

وأحمد بن شعيب النسائي.

وأبي يعلى الموصلي.

وأبي القاسم الطّبراني.

وابن عدي الجرجاني.

وابن مندة الأصبهاني.

وعبد الغني بن سعيد.

وأبي بكر ابن مردويه.

وابن عبد البرّ القرطبي.

وأبي القاسم إسماعيل الإِصبهاني صاحب كتاب الحجة.

وأخطب الخطباء الخوارزمي المكّي.

وابن عساكر الدمشقي.

____________________

(١). الروضة الندية - شرح التحفة العلوية.

١٦٥

وأبي حامد الصالحاني.

وابن الأثير الجزري.

وشهاب الدين أحمد.

وابن حجر العسقلاني.

ومحمّد صدر العالم.

ومحمّد بن إسماعيل الأمير.

إذن، لا يجوز الشك والريب في ثبوت هذا الحديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا سيّما مع تأيّده بحديثٍ: ابن مسعود، وأبي أيوب الأنصاري، وأبي سعيد الخدري كما عرفت

بطلان دعوى تشيّع النسائي

ودعوى ابن تيميّة تشيّع النسَائي من العجائب، لأنّ النسائي من أساطين أهل السنّة وأركان مذهبهم، وكتابه أحد الصّحاح الستّة التي يستند إليها أهل السنّة في جميع اُمورهم فجعل النسائي من أكابر أساطين مذهبهم تارةً، وجعله من المتشيّعين تارةً أُخرى من عجائب أهل السنّة المختصّة بهم

بطلان دعوى تشيّع ابن عبد البرّ

والأعجب من ذلك دعواه تشيّع ابن عبد البرّ مع أنّه من كبار حفّاظهم في المغرب، ومن أشهر فقهاء المذهب المالكي تجد مآثره ومفاخره في كلمات الحفّاظ الكبار ومشاهير المؤرّخين والمترجمين له أمثال:

أبي سعد عبد الكريم السمعاني في ( الأنساب ).

وابن خلكان في ( وفيات الأعيان ).

وشمس الدين الذهبي في ( تذكرة الحفاظ ) و ( العبر في خبر من غبر )

١٦٦

و ( سير أعلام النبلاء ).

وأبي الفداء في ( المختصر في أحوال البشر ).

وعمر بن الوردي في ( تتمّة المختصر في أحوال البشر ).

وعبد الله بن أسعد اليافعي في ( مرآة الجنان ).

وابن الشحنة في ( روضة المناظر في أخبار الأوائل والأواخر ).

وجلال الدين السيوطي في ( طبقات الحفّاظ ).

والزرقاني المالكي في ( شرح المواهب اللدنيّة ).

و ( الدهلوي ) في ( بستان المحدّثين ).

حول ترّفض ابن عقدة

وإذا كان ابن تيميّة يتمادى في الغيّ والضلالة حتى نسب النسائي والحاكم وابن عبد البرّ إلى التشيع، فلا عجب أنْ ينسب ابن عقدة إلى الترفّض، بل الكفر لكن هذه النسبة إلى ابن عقدة باطلة عند محققي أهل السنّة وإن القائل بها متعصّب عنيد، يقول محمّد طاهر الفتني: « حديث أسماء في ردّ الشمس. فيه فضيل بن مرزوق، ضعيف، وله طريق آخر فيه ابن عقدة رافضي رمي بالكذب ورافضي كاذب.

قلت : فضيل صدوق احتجّ به مسلم والأربعة.

وابن عقدة من كبار الحفّاظ، وثّقه الناس، وما ضعّفه إلّا عصريٌ متعصّب »(١) .

وتقدّم في قسم حديث الغدير، الأدلة الكثيرة المتينة على وثاقة ابن عقدة وجلالته من شاء فليرجع إليه.

____________________

(١). تذكرة الموضوعات: ٩٦.

١٦٧

بطلان دعوى تواتر فضائل الشيخين وأنها أكثر من مناقب علي

وادّعى ابن تيميّة تواتر فضائل الشّيخين، وأنّها باتّفاق أهل العلم بالحديث أكثر ممّا صحّ من فضائل علي وأصحّ وأصرح في الدلالة وهذه دعوى فارغة وعن الصحة عاطلة ». إنّ الروايات الّتي يشير إليها روايات واهية متناقضة، وضعها قوم تزلّفاً إلى الملوك وتقرّباً إلى السلاطين، ثمّ جاء المدّعون للعلم من تلك الطائفة وأدرجوها في كتبهم وأمّا دعوى أنّها أصح وأكثر من مناقب مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام - المتّفق عليها بين الفريقين - فمصادمة للبداهة والضرورة.

تكذيبه كلمة أحمد في فضائل علي كذب

وأمّا قوله: وأحمد بن حنبل لم يقل « إنّه صح لعليّ من الفضائل ما لم يصح لغيره، بل أحمد أجلّ من أن يقول مثل هذا الكذب » فمن غرائب الهفوات وعجائب الخرافات لقد وجد ابن تيمية هذه الكلمة الشهيرة عن أحمد بن حنبل مكذّبةً لدعوة أكثرية فضائل الشيخين من فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ...، وأنّ معناها أفضلّية الإِمامعليه‌السلام منهما فاضطرّ إلى إنكارها لكنّ هذا القول منه كسائر أقواله في السّقوط ولا يجديه النفي والإِنكار لكون الكلمة ثابتة عند الأئمة والعلماء الأعلام، ينقلونها عن أحمد بأسانيدهم المتصّلة إليه أو يرسلونها عنه إرسال المسلّمات وقد ذكرها وأكدّ على قطعية صدورها العلامة أبو الوليد ابن الشّحنة: « وفضائله كثيرة مشهورة. قال أحمد بن حنبلرحمه‌الله : لم يصح في فضل أحد من الصحابة ما صحّ في فضل عليرضي‌الله‌عنه وكرّم الله وجهه، وناهيك به »(١) .

____________________

(١). روضة المناظر - سنة ٤٠، ترجمة أمير المؤمنين.

١٦٨

ثمّ إنّ جماعةً منهم: كابن عبد البرّ، وابن حجر العسقلاني، والسيّوطي، والسّمهودي، وابن حجر المكّي، وغيرهم نقلوا الكلمة بلفظ « لم يرد » أو « لم يرو »:

قال ابن عبد البرّ: « قال أحمد بن حنبل وإسماعيل بن إسحاق القاضي: لم يرو في فضائل أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد ما روي في فضائل علي ابن أبي طالب كرّم الله وجهه. وكذلك قال أحمد بن علي بن شعيب النسائي »(١) .

وقال السّمهودي: « قال الحافظ ابن حجر: قال أحمد، وإسماعيل القاضي، والنسائي، وأبو علي النيسابوري: لم يرد في حق أحدٍ من الصّحابة بالأسانيد الجياد أكثر ممّا جاء في علي »(٢) .

وإنّ جماعةً منهم: كالحاكم، والثعلبي، والبيهقي، والخوارزمي، وابن عساكر، وابن الأثير الجزري، والكنجي، والزرندي، والسّيوطي، والسمهودي، وابن حجر المكي، وكثيرين غيرهم نقلوا الكلمة بلفظ « ما جاء »:

قال الحاكم: « سمعت القاضي أبا الحسن علي بن الحسن الجراحي وأبا الحسين محمّد بن المظّفر يقولان: سمعنا أبا حامد محمّد بن هارون الحضرمي يقول سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما جاء لأحدٍ من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الفضائل ما جاء لعلّي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه »(٣) .

وقال الخوارزمي في بيان كثرة فضائل الإِمامعليه‌السلام : « ويدّلك على ذلك أيضاً ما يروى عن الإِمام الحافظ أحمد بن حنبل - وهو كما عرف أصحاب

____________________

(١). الاستيعاب في معرفة الأصحاب ٣ / ١١١٥.

(٢). جواهر العقدين - مخطوط.

(٣). المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٠٧.

١٦٩

الحديث في علم الحديث، قريع أقرانه وإمام زمانه والمقتدى به في هذا الفن في إبّانه، والفارس الذي يكبّ فرسان الحفّاظ في ميدانه، وروايته فيهرضي‌الله‌عنه مقبولة وعلى كاهل التصديق محمولة، لما علم أن الإمام أحمد بن حنبل ومن احتذى على مثاله ونسج على منواله وحطب في حبله وانضوى إلى حفله مالوا إلى تفضيل الشيخين رضوان الله عليهما، فجاءت روايته فيه كعمود الصباح لا يمكن ستره بالراح - وهو:

ما رواه الشيخ الإمام الزاهد فخر الأئمة أبو الفضل ابن عبد الرحمن الحفر بندي الخوارزميرحمه‌الله - إجازة - قال: أخبرنا الشيخ الإِمام أبو محمّد الحسن بن أحمد السمرقندي قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن أحمد بن محمّد بن عبدان العطّار وإسماعيل بن أبي نصر عبد الرحمن الصّابوني وأحمد ابن الحسين البيهقي قالوا جميعاً: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت القاضي الإِمام أبا الحسن علي بن الحسين وأبا الحسن محمّد بن المظفر الحافظ يقولان: سمعنا أبا حامد محمّد بن هارون الحضرمي يقول: سمعت محمّد بن منصور الطوسي يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما جاء لأحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام »(١) .

وقال ابن الأثير: « قال أحمد بن حنبل: ما جاء لأحد من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما جاء لعلي بن أبي طالب »(٢) .

وقال ابن حجر المكّي: « الفصل الثاني في فضائل علي كرّم الله وجهه، وهي كثيرة عظيمة شهيرة، حتى قال أحمد: ما جاء لأحدٍ من الفضائل ما جاء لعلي. وقال إسماعيل القاضي، والنسائي، وأبو علي النيسابوري: لم يرو في

____________________

(١). مناقب علي بن أبي طالب: ٣٣.

(٢). الكامل في التاريخ ٣ / ٣٩٩.

١٧٠

حق أحدٍ من الصحابة بالأسانيد الحسان أكثر ممّا جاء في علي »(١) .

وهذا تمام الكلام على ما ذكره ابن تيمية في الوجه الثاني في هذا المقام.

قال :

«الثالث : إنّ أكل الطير ليس فيه أمر عظيم يناسب أن يجئ أحب الخلق إلى الله ليأكل معه، فإن إطعام الطعام مشروع للبرّ والفاجر، وليس في ذلك زيادة قربة لعند الله لهذا الأكل، ولا معونة على مصلحة دين ولا دنيا، فأيّ أمرٍ عظيم هنا يناسب جعل أحبّ الخلق إلى الله بفعله ».

جواب إنكار إنّ أكل الطّير معَ النبيّ فيه أمر عظيم

وهذا كلام سخيف في الغاية، وما أكثر صدور مثله عند ما يحاولون الإِجابة من فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهم يفقدون كلّ استدلال متين وبرهان مبين

إنّ من الواضح جدّاً لدى جميع العقلاء دلالة المؤاكلة مع العظماء، على الشرف العظيم، فكيف بالمؤاكلة مع النبيّ الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الذي لا يشك مسلمٌ في كونها شرفاً عظيماً جدّاً، فدعوة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحبّ الخلق لنيل هذا الشرف العظيم في كمال المناسبة، ومن هنا قالت عائشة – لـمّا سمعت هذه الدعوة -: « اللّهم اجعله أبي ». وقالت حفصة: « اللّهم اجعله أبي ». وقال أنس: « اللّهم اجعله سعد بن عبادة » وفي رواية: « اللّهم اجعله رجلاً منّا حتى نشرَّف به ».

وأيّ ربط لقوله: « فإنّ إطعام الطعام مشروع للبرّ والفاجر » بما نحن فيه؟ إذ الكلام في اختيار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودعوته لأن يأكل معه، ولا يلزم من مشروعيّة الإِطعام للبرّ والفاجر أنْ لا يطلب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حصول شرف المؤاكلة معه لأحبّ الخلق.

____________________

(١). الصواعق المحرقة: ٧٢.

١٧١

وقوله: « وليس في ذلك زيادة قربة لعند الله » خطأ فاحش وسوء أدب، ونفيه ترتّب المصلحة عليه خطأ أفحش لأنّ تخصيص رجلٍ بالمؤاكلة - التي هي شرف عظيم - وطلب حضوره مرةً بعد اُخرى، وردّ غيره، دليلٌ واضح على فضل ذلك الرّجل، وفي هذا مصلحة عظيمة من مصالح الدين.

ولو تنزلّنا عن كلّ هذا وسلّمنا قوله: بأنّ أكل الطّير ليس فيه أمر عظيم يناسب أن يجئ أحبّ الخلق إلى الله ليأكل معه، وليس فيه زيادة قربة، لا معونة على مصلحة ومع أنّ طلبهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك لأحب الخلق لم يكن محرّماً ولا مكروهاً، ليكون شاهداً على كون الحديث موضوعاً نعم لو تنزلّنا وسلّمنا ما ذكره، فهل كان ابن تيميّة يقول هذا لو كان هذا الحديث في حقّ أحد الشيخين أو الشيوخ، وهل كان يقدح فيه بمثل هذه الوجوه؟ لا والله، بل كانوا يجعلون هذا من أعظم مفاخره وأكبر مآثره؟! ولقالوا: إن مجرّد المؤاكلة مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضل عظيم، فكيف بامتناعهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن مؤاكلة الغير معه، وإرادته هذا الشخص بالخصوص لذلك؟

وعلى الجملة، فإنّ التعصّب والعناد هو الباعث لمثل ابن تيميّة على الطعن والقدح في هذا الحديث الشريف، بمثل هذه الشبهات الركيكة والوساوس السّخيفة.

ثمّ إنّه قد جاء في روايات الإِمامية أنّ الطّير كان من الجنّة نزل به جبرئيل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعلى هذا الأساس أيضاً تبطل شبهة ابن تيميّة وتندفع، لأنّ أكل طعام الجنّة أمر عظيم يناسب أن يجئ أحبُّس الخلق إلى الله ليأكل منه معهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن الواضح جدّا أن في أكل طعام الجنّة زيادة قربة، وأنّ الله لم يقسّم الأكل منه للبرّ والفاجر، بل إنّ أهل الحقّ على أنّ الأكل من طعام الجنّة دليل على العصمة والطّهارة قال العلّامة المجلسي طاب ثراه:

١٧٢

« وفي بعض روايات الإِماميّة أنّ الطّير المشوي جاء به جبرئيل من الجنّة، ويشهد به عدم إشراكهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنساً وغيره - مع جوده وسخائه - في الأكل معه، لأنّ طعام الجنّة لا يجوز أكله في الدنيا لغير المعصوم. فتكون هذه الواقعة دالّة على فضيلة أمير المؤمنينعليه‌السلام من جهتين، إذ تكون دليلاً على العصمة والإِمامة معاً »(١) .

ويؤيّد هذا الكلام ما رواه أسعد بن إبراهيم الأربلي بقوله:

« الحديث الثاني والعشرون، يرفعه عبد الله التنوخي إلى صعصعة بن صوحان قال: اُمطرت المدينة مطراً، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه أبو بكر، والتحق به علي، فساروا مسير فرحة بالمطر بعد جدب، فرفع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طرفه إلى السماء وقال: اللّهم أطعمنا شيئاً من فاكهة الجنّة، فإذا هو برمّانة تهوي من السماء، فأخذها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومصّها حتى روى منها، وناولها علياً فمصّها حتى روى منها. والتفت إلى أبي بكر وقال: لو لا أنّه لا يأكل من ثمار الجنّة في الدنيا إلّا نبيّ أو وصيّه لأطعمتك منها. فقال أبو بكر: هنيئاً لك يا علي »(٢) .

وكان هذا الوجه الثالث لا بن تيميّة.

قال :

« الرّابع: إنّ هذا الحديث يناقض مذهب الرافضة، فإنّهم يقولون إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعلم أنّ علياً أحبّ الخلق إلى الله، وأنّه جعله خليفة من بعده. وهذا الحديث يدلّ على أنّه ما كان يعرف أحبّ الخلق إلى الله ».

____________________

(١). بحار الأنوار ٣٨ / ٣٤٨.

(٢). الأربعين في الحديث - مخطوط.

١٧٣

بطلان دعوى دلالة الحديث على أنّ النبيّ ما كان يعرف أحبّ الخلق

هذا كلامه وليت شعري إلى أيّ حدٍّ ينجرُّ العناد وتؤدّي الضغائن والأحقاد!! وليت أتباع شيخ الإِسلام؟! يوضّحون لنا موضع دلالة حديث الطّير على أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان يعرف أحبّ الخلق إلى الله، وكيفية هذه الدلالة، ليكون الحديث مناقضا لمذهب الإماميّة!!

إن قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اللهم ائتني بأحبّ الخلق إليك » لا يدلّ على ما يدّعيه ابن تيميّة بإحدى الدّلالات الثلاث، ولا يفهم أهل اللغة ولا أهل العرف ولا أهل الشرع من هذه الجملة ما فهمه ابن تيمية!!

بل إنّ أهل العلم يعلمون باليقين أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعرف بأنّ عليّاًعليه‌السلام أحبّ الخلق إلى الله، وأنّه لم يكن مراده من « أحبّ الخلق » في ذلك الوقت إلاّ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام . لكنه إنّما دعاه بهذا العنوان ليظهر فضله، كما اعترف بذلك ابن طلحة الشافعي وأوضحه كما ستعرف.

ثمّ إنّ مفاد بعض أخبار الإِماميّة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد صرّح في واقعة حديث الطّير بتعيّن أحبّ الخلق عنده ومعرفته به، بحيث لو لم يحضر الإِمامعليه‌السلام عنده في المرّة الثالثة لصرّح باسمه ففي كتاب ( الأمالي ) للشيخ ابن بابويه القمي:

« حدّثنا أبيرحمه‌الله قال: حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن أبي هدبة قال: رأيت أنس بن مالك معصوباً بعصابة، فسألته عنها فقال: هي دعوة علي بن أبي طالب، فقلت له: وكيف يكون ذلك؟ فقال: كنت خادماً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأُهدي إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائر مشوي، فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك وإليَّ يأكل معي هذا الطائر. فجاء علي، فقلت له: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنك

١٧٤

مشغول، وأحببت أنْ يكون رجلاً من قومي، فرفع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده الثانية فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك وإليَّ يأكل معي من هذا الطائر، فجاء علي، فقلت له: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنك مشغول، وأحببت أنْ يكون رجلاً من قومي، فرفع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده الثالثة فقال: اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك وإليّ يأكل معي من هذا الطائر، فجاء علي، فقلت: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنك مشغول وأحببت أن يكون رجلاً من قومي.

فرفع علي صوته فقال: وما يشغل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنّي، فسمعه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال: يا أنس من هذا؟ قلت: علي بن أبي طالب. قال: ائذن له. فلمـّا دخل قال له: يا علي، إنّي قد دعوت الله عزّ وجلّ ثلاث مرّات أن يأتيني بك. فقالعليه‌السلام : يا رسول الله، إنّي قد جئت ثلاث مرّات كلّ ذلك يردّني أنس ويقول: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنك مشغول. فقال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أنس ما حملك على هذا؟ فقلت: يا رسول الله سمعت الدعوة فأحببت أن يكون رجلاً من قومي.

فلمـّا كان يوم الدار استشهدني عليعليه‌السلام فكتمته، فقلت: إنّي نسيته. قال: فرفع عليعليه‌السلام يده إلى السماء فقال: اللّهم ارم أنساً بوضح لا يستره من الناس، ثمّ كشف العصابة عن رأسه فقال: هذه دعوة علي. هذه دعوة علي، هذه دعوة علي »(١) .

فكيف يناقض هذا الحديث مذهب الإماميّة يا شيخ الإِسلام؟!! وهل هذا إلّا رمي للسّهام في الظلام، واتّباع الوساوس والهواجس والأوهام؟!!

وكان هذا ما ذكره ابن تيميّة في الرابع.

____________________

(١). الأمالي للشيخ محمّد بن علي بن بابويه: ٧٥٣.

١٧٥

وقال في الخامس والأخير:

« الخامس - أن يقال: إمّا أن يكون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعرف أنّ عليّاً أحبّ إلى الله أو ما كان يعرف، فإنْ كان يعرف ذلك كان يمكنه أنْ يرسل بطلبه كما كان يطلب الواحد من أصحابه، أو يقول: اللّهم ائتني بعليّ فإنّه أحبّ الخلق إليك، فأيّ حاجة إلى الدعاء والإِبهام في الدعاء، ولو سمّى علياً لاستراح أنس من الرجاء الباطل ولم يغلق الباب في وجه علي. وإنْ كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يعرف ذلك، بطل ما يدّعونه من كونه كان يعرف ذلك. ثمّ إنّ في لفظة « أحبّ الخلق إليك وإليَّ » فكيف لا يعرف أحبّ الخلق إليه؟ ».

جواب اعتراضه بأنّه إن كان يعرفه فلما ذا الإبهام؟

قلت : قد عرفت أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعرف أحبّ الخلق إلى الله، وأنّه لم يكن إلّا عليعليه‌السلام ، فالترديد التي ذكره ابن تيميّة في غير محلّه. وأمّا قوله: فأيّ حاجة إلى الدّعاء والإِبهام في الدّعاء؟ فالجواب:

إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد أنْ يُعلم الاُمّة بأنّ مصداق هذا العنوان ليس إلّا الإِمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وأنّ الله عزّ وجلّ هو الذي جعل علياً أحبّ الخلق إليه وإلى رسوله، لا أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل علّياً كذلك من عند نفسه ولو أرسل بطلبه أو قال: اللّهم ائتني بعلّي فإنّه أحبّ الخلق إليك لم تتبيّن هذه الحقيقة، ولتعنّت المنافقون وقالوا بأنّ الذي قاله النبيّ من عنده لا من الله عزّ وجل.

فقضيّة الطّير هذه على ما ذكرنا تشبه قضيّة شفاعة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يوم القيامة بتقدّمٍ وطلب من الأنبياء واحدٍ بعد واحد كما في الحديث المرويّ قال الإِسكندري ما نصّه:

« أمّا المقدمة، فاعلم أنّ الله سبحانه وتعالى لمـّا أراد إتمام عموم نعمته

١٧٦

وإفاضة فيض رحمته، واقتضى فضله العظيم أنْ يمنَّ على العباد بوجود معرفته، وعلم سبحانه وتعالى عجز عقول عموم العباد عن التلّقي من ربوبيّته، جعل الأنبياء والرسل لهم الاستعداد العام لقبول ما يرد من إلهيّته، يتلقّون منه بما أودع فيهم من سرّ خصوصيّته، ويلقون عنه جمعاً للعباد على أحديّته، فهم برازخ الأنوار ومعادن الأسرار، رحمة مهداة ومنّة مصفّاة، حرّر أسرارهم في أزله من رقّ الأغيار، وصانهم بوجود عنايته من الركون إلى الآثار، لا يحبّون إلّا إيّاه ولا يعبدون ربّاً سواه، يلقي الروح من أمره عليهم ويواصل الإِمداد بالتأييد إليهم.

وما زال فلك النبوّة والرسالة دائراً إلى أن عاد الأمر من حيث الإِبتداء، وختم بمن له كمال الإِصطفاء، وهو نبيّنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو السيّد الكامل القائم الفاتح الخاتم، نور الأنوار وسرّ الأسرار، المبجّل في هذه الدار وتلك الدار على المخلوقات، أعلى المخلوقات مناراً وأتمّهم فخاراً.

دلّ على ذلك الكتاب المبين قال الله سبحانه:( وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ ) ومن رحم به غيره فهو أفضل من غيره. والعالم كلّ موجود سوى الله تعالى. وأمّا تفضيله على بني آدم خصوصاً فمن قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّي سيد بني آدم ولا فخر. وأمّا تفضيله على آدم عليه اسلام فمن قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كنت نبيّاً وآدم بين الماء والطين و من قوله: آدم فمن دونه من الأنبياء يوم القيامة تحت لوائي. و بقوله: إنّي أوّل شافع وإنّي أوّل مشفّع. وأنا أول من تنشق الأرض عنه وحديث الشفاعة المشهور الذي:

أخبرنا به الشيخ الإِمام الحافظ بقيّة المحدّثين شرف الدين أبو محمّد عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن الدمياطي - بقراءتي عليه أو قرئ عليه وأنا أسمع - قال: أخبرنا الشيخان الإِمام فخر الدين وفخر القضاة أبو الفضل أحمد ابن محمّد بن عبد العزيز الحبّاب التميمي وأبو التقى صالح بن شجاع بن سيدهم المدلجي الكناني قالا: أخبرنا الشريف أبو المفاخر سعيد بن الحسين

١٧٧

ابن محمّد بن سعيد العباسي المأموني قال: أخبرنا أبو عبد الله الفراوي وقال: أخبرنا عبد الغافر الفارسي قال: أخبرنا أبو أحمد محمّد بن عيسى بن عمرويه الجلودي قال: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد بن سفيان الفقيه قال:

حدّثنا أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري قال: حدّثنا أبو الرّبيع العتكي قال: حدّثنا حمّاد بن زيد قال: حدّثنا سعيد بن هلال الغنوي، وحدّثنا سعيد بن منصور - واللفظ له - قال: حدّثنا حمّاد بن زيد قال: حدّثنا سعيد بن هلال الغنوي قال:

إنطلقنا إلى أنس بن مالك وتشفّعنا بثابت، فانتهينا إليه وهو يصلّي الضحى، فاستأذن لنا ثابت، فدخلنا عليه وأجلس ثابتاً معه على سريره فقال له: يا أبا حمزة، إن إخوانك من أهل البصرة يسألونك أنْ تحدّثهم حديث الشفاعة. قال:

حدّثنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم إلى بعض، فيأتون آدم فيقولون: إشفع لذريّتك، فيقول: لست لها ولكن عليكم بموسى فإنّه كليم الله. فيأتون موسى فيقول: لست لها ولكن عليكم بعيسى فإنّه روح الله وكلمته فيأتون عيسى، فيقول: لست لها ولكن عليكم بمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيأتون إليَّ فأقول: أنا لها. فأنطلق إلى ربّي، فيؤذن لي، فأقوم بين يديه، فأحمده بمحامد لا أقدر عليه إلّا أنْ يلهمنيه الله عزّ وجلّ. ثمّ اُخرّ ساجداً فيقال لي: يا محمّد، إرفع رأسك وقل، نسمع لك، وسل تعطه، واشفع تشفّع. فأقول: ربّي أُمّتي أُمّتي، فيقال: إنطلق فمن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبّة من خردل من الإيمان فأخرجه من النار. فأنطلق فأفعل

فانظر - رحمك الله - ما تضمنّه هذا الحديث من فخامة قدرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجلالة أمره، وإن أكابر الرسل والأنبياء لم ينازعوه في هذه الرتبة التي هي مختصة به، وهي الشفاعة العامّة في كلّ من ضمّه المحشر.

١٧٨

فإنْ قلت: فما بال آدم أحال على نوح في حديث وعلى إبراهيم في هذا ودلّ نوح على إبراهيم، وإبراهيم على موسى، وموسى على عيسى، وعيسى على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم تكن الدلالة على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأوّل؟

فاعلم أنّه لو وقعت الدلالة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأوّل لم يتبيّن من نفس هذا الحديث أنّ غيره لا يكون له هذه الرتبة، فأراد الله سبحانه وتعالى أن يدلّ كلّ واحد على من بعده، وكل واحد يقول لست لها، مسلّماً للرتبة غير مدّع لها، حتى أتوا عيسىعليه‌السلام ، فدلَّ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فقال: أنا لها »(١) .

هذا، وقول ابن تيمية: « ولو سمّى علياً لاستراح أنس » اعتراض صريح على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يجترئ عليه إلّا هذا الرّجل وأمثاله ونعوذ بالله منه ونشكره سبحانه وتعالى على أن عافانا ممّا ابتلي به هؤلاء

____________________

(١). لطائف المنن - في مبحث شفاعة نبيّنا بطلب الأنبياء السابقين.

١٧٩

مع الأعور الواسطي

وجاء الأعور الواسطي ناسجاً على منوال ابن تيميّة يقول:

« ومنها - حديث الطائر المنسوب إلى أنس بن مالك خادم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أتى رجل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطائر مشوي فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل منه، وكان أنس في الباب فجاء عليرضي‌الله‌عنه ثلاث مرات وأنس يردّه، فبصق عليه فبرص من فرقه إلى قدمه.

والجواب من وجوه:

الأوّل - نقول: هذا حديث مكذوب.

الثاني - نقول: مردود، لأنّهم يدّعون أن أنساً كذب ثلاث مرات في مقام واحد، فترد شهادته.

الثالث - نسلّم صحته ونقول: معنى « أحبّ خلقك يأكل منه »: الذي أحببت أنْ يأكل منه حيث كتبته رزقاً له، لا ما يعنيه الرافضة أنّ علياً أحبّ إلى الله، فإنّه يلزم أنْ يكون أحبّ من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو ظاهر البطلان »(١) .

بطلان دعوى أنّ هذا حديث مكذوب

أقول : أمّا الوجه الأوّل فما ذكره فيه مجرّد دعوى فارغة، ولو كان قول القائل « هذا حديث مكذوب » كافياً في ردّ شيء من الأحاديث، فمن الممكن أن تردّ جميع الأحاديث والآثار بهذه الكلمة لكلّ أحد.

____________________

(١). رسالة الأعور في الردّ على الإِماميّة - مخطوط.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466