تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

تذكرة الفقهاء12%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 978-964-319-530-4
الصفحات: 466

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156632 / تحميل: 5498
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٩٦٤-٣١٩-٥٣٠-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

وأمّا عند الشافعي على تقدير صحّة التقاطها يتعلّق الضمان بذمّة سيّدها دون رقبتها ؛ لأنّه لا يجوز بيعها ، وإنّما منع السيّد بالإحبال من بيعها ، فضمن عنها.

وهذا مبنيٌّ على أصله من أنّ الضمان في القِنّ يتعلّق برقبته دون ذمّته ، أمّا هنا فلا يمكن بيعها ، فلزم الضمان مولاها ، سواء علم بالتقاطها أو لم يعلم ؛ لأنّ جناية أُمّ الولد على سيّدها(١) .

هذا هو المشهور عند الشافعيّة.

وقال الشافعي في الأُم : ليس للعبد أن يلتقط ؛ لأنّ أخذه اللّقطة غرر ، وكذلك المدبَّر وأُمّ الولد ، وإن علم بها سيّدها فالضمان في ذمّته ، وإن لم يعلم بها فالضمان في ذمّتها(٢) .

وهذا مخالف لما ذكره الأصحاب(٣) ، فمنهم مَنْ نسب ذلك إلى سهو الكاتب(٤) ، وقال بعضهم : يكون هذا على القول الذي يقول : لها أن تلتقط(٥) .

وهذا لا وجه له ؛ لأنّه لا نصّ في هذا الكلام على أنّه ليس للعبد الالتقاط.

وتأوّله بعضهم بأنّه يكون قد التقطت لسيّدها لا لنفسها ، قال : ويجوز‌

____________________

(١) البيان ٧ : ٤٧٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٢.

(٢) الأُم ٤ : ٦٨ ، وراجع : البيان ٧ : ٤٧٥ ، والعزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٠ ، وروضة الطالبين ٤ : ٤٦٢.

(٣) أي : الأصحاب من الشافعيّة.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٢.

(٥) البيان ٧ : ٤٧٥.

٢٠١

ذلك ، فإذا لم تدفعه إلى سيّدها ضمنته في ذمّتها ، كالقرض الفاسد ، قال هذا القائل : وكذا العبد القِنّ إذا التقط لسيّده(١) .

مسألة ٣٢٤ : لو التقط الصبي أو المجنون أو السفيه ، فإن كان من الحرم أخذها الوليُّ منهم ؛ لأنّ هذه اللّقطة مجرّد أمانةٍ ، ولا يجوز تملّكها ، ومَنْ ليس يملك(٢) لا يصحّ استئمانه ، فيجب على الوليّ انتزاعها من يده واحتفاظها لصاحبها.

وإن كانت لقطة غير الحرم ، صحّ التقاطهم ؛ لأنّهم من أهل التكسّب ، ويصحّ منهم الاحتطاب والاحتشاش والاصطياد - وهو أصحّ قولَي الشافعيّة(٣) - فإذا أخذ أحدهم اللّقطة ، تثبت يده عليها.

فإن لم يعرف الوليُّ بالتقاطه وأتلفه الصبي ، ضمن ، وإن تلف في يده بغير تفريطٍ منه ، لم يضمن ؛ لأنّه أخذ ما لَه أخذه ، فلا يكون عليه ضمان ، كما لو أُودع مالاً فتلف عنده.

وإن علم الوليُّ ، لزمه أخذها منه ؛ لأنّه ليس من أهل الحفظ والأمانة ، فإن تركها في يد الصبي ضمنها الوليُّ ؛ لأنّه يجب عليه حفظ ما يتعلّق بالصبي من أمواله وتعلّقاته وحقوقه ، وهذا قد تعلّق به حقّه ، فإذا تركها في يده صار مضيّعاً لها فضمنها ، وإذا أخذها الوليُّ عرّفها ؛ لأنّ الصبي والمجنون ليسا من أهل التعريف ، وبه قال الشافعي(٤) .

وعنه قولٌ آخَر : إنّ الوليّ إذا لم يعلم باللّقطة وتلفت في يد الصبي من غير تفريطٍ من الصبي ، كان الصبي ضامناً لها أيضاً ؛ لأنّه وإن كان أهلاً‌

____________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٢) في النُّسَخ الخطّيّة : « ومَنْ ليس له تملّك ».

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٢.

٢٠٢

للالتقاط فلا يُقرّ المال في يده ، ولا يُجعل أهلاً للأمانة ، بخلاف الوديعة ؛ لأنّ مالك الوديعة سلّطه عليه(١) .

ونحن نقول : تسليط الشرع يُغني عن تسليط المالك.

مسألة ٣٢٥ : إذا انتزع وليّ الطفل أو المجنون اللّقطة منهما وعرّفها حولاً ، اعتمد المصلحة.

فإن رأى المصلحة في تمليك الصبي إيّاها وتضمينه لها ، فَعَل ذلك ، كما يجوز له أن يقترض عليه ؛ لأنّ تملّك اللّقطة استقراض.

وحينئذٍ اختلفت الشافعيّة :

فقال بعضهم : إذا اقتضت المصلحة تمليك الصبي ملّكه حيث يجوز له الاستقراض ، ولا يجوز حيث لا يجوز له الاستقراض(٢) .

وقال بعضهم : يجوز أن يتملّك وإن كان ممّن لا يجوز عليه الاستقراض ؛ لاستغنائه عنه ؛ لأنّ الظاهر عدم صاحبه ؛ لأنّا نلحقه على هذا القول بالاكتساب(٣) .

وهو المعتمد عندي ؛ لأنّه لو جرى مجرى الاقتراض في ذلك لم يصح الالتقاط من الصبي والمجنون ، فلهذا جعلناه بمنزلة الاكتساب.

وإن رأى أنّ المصلحة للطفل والمجنون في عدم التمليك ، احتفظها الوليُّ أمانةً ، أو سلّمها إلى القاضي.

ولو احتاج التعريف إلى مئونةٍ ، لم يصرف مال الصبي إليه ، بل يرفع الأمر إلى الحاكم ليبيع جزءاً من اللّقطة لمئونة التعريف.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٢.

(٢ و ٣) البيان ٧ : ٤٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٢ ، المغني ٦ : ٣٨٦ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٩٩.

٢٠٣

ولو تلفت اللّقطة في يد الصبي قبل الانتزاع من غير تقصيرٍ ، فلا ضمان على الصبي.

وإن كان الوليُّ قصّر بتركها في يده حتى تلفت أو أتلفها ، فعليه الضمان ، كما لو احتطب الصبي وتركه الوليُّ في يده حتى تلف أو أتلفه ، يجب الضمان على الوليّ ؛ لأنّ عليه حفظَ الصبي عن مثله ، ثمّ يعرّف التالف ، وبعد التعريف يتملّك الصبي إن كان النظر له فيه.

وللشافعي قولٌ آخَر : إنّه لا يصحّ من الصبي والمجنون الالتقاط ، فلو التقط وتلفت اللّقطة في يده أو أتلفها ، وجب الضمان في ماله ، وليس للوليّ أن يُقرّها في يده ، بل يسعى في انتزاعها ، فإن أمكنه رَفْعُ الأمر إلى القاضي فَعَل ، فإذا انتزع القاضي ففي براءة الصبي عن الضمان للشافعيّة وجهان ، كالخلاف في انتزاع القاضي للمغصوب من الغاصب ، وأولى بحصول البراءة ؛ نظراً للطفل ، وإن لم يمكنه رَفْعُ الأمر إلى القاضي ، أخذه بنفسه ، وفي براءة الصبي عن الضمان للشافعيّة قولان ، كالخلاف في براءة الغاصب بأخذ الآحاد ، فإن لم تحصل البراءة ، ففائدة الأخذ صون عين المال عن التضييع والإتلاف(١) .

وإذا أخذه الوليّ ، فإن أمكنه التسليم إلى القاضي فلم يفعل حتى تلف ، قال الشافعي : يكون عليه الضمان ، وإن لم يمكنه فقرار الضمان على الصبي ، وفي كون الوليّ طريقاً وجهان(٢) .

هذا إذا أخذ الوليُّ لا على قصد الالتقاط ، أمّا إذا قصد ابتداء الالتقاط ، ففيه له وجهان(٣) .

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٤.

٢٠٤

وكذا الخلاف في الأخذ من العبد على هذا القصد إذا لم يصح التقاطه(١) .

وعندي في ذلك نظر ، أقربه - بناءً على بطلان التقاط الصبي - : عدم الضمان على الوليّ ، ويكون أخذه التقاطاً مبتدأً ، ولا حاجة إلى نيّة الالتقاط ، كما لو أخذه من الأرض لا بنيّة الالتقاط.

ولو قصّر الوليُّ وترك المالَ في يده ، قال بعض الشافعيّة : لا ضمان عليه ؛ بناءً على أنّه لا يصحّ التقاط الصبي ؛ لأنّه لم يحصل في يده ، ولا حقّ للصبي فيه حتى يلزمه الحفظ له ، بخلاف ما إذا قلنا : إنّه يصحّ التقاطه(٢) .

وخصّص بعض الشافعيّة هذا بما إذا قلنا : إنّ أخذه لا يُبرئ الصبي ، أمّا إذا قلنا : إنّه يُبرئه ، فعليه الضمان ؛ لإلقائه الطفل في ورطة الضمان ، ويجوز أن يضمن وإن قلنا : إنّ أخذه لا يُبرئ الصبي ؛ لأنّ المال في يد الصبي في معرض الضياع ، فمن حقّه أن يصونه(٣) .

والمجنون والسفيه المحجور عليه كالصبي في الالتقاط ، إلّا أنّه يصحّ تعريف السفيه ، دون الصبي والمجنون.

الركن الثالث : في المال الملقوط.

اللّقطة كلّ مالٍ ضائعٍ أُخذ ولا يد لأحدٍ عليه.

فإن كان في الحرم ، لم يجز تملّكه ، عند علمائنا أجمع ، بل في جواز التقاطها قولان.

ولا خلاف في الكراهة الشاملة للتحريم والتنزيه.

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٤.

٢٠٥

وعلى القول بالتحريم أو الكراهة لا يجوز التقاطها للتملّك قطعاً عندنا ، بل ليحتفظها لصاحبها دائماً ، ويعرّفها حولاً ، ويتصدّق بها بعد الحول عن صاحبها.

وفي الضمان لعلمائنا قولان مع التصدّق ، المشهور : ثبوته ؛ لأنّه دفع مال غيره المعصوم إلى غير مالكه ، فكان ضامناً له.

ولما رواه عليّ بن أبي حمزة عن العبد الصالح موسى الكاظمعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجلٍ وجد ديناراً في الحرم فأخذه ، قال : « بئس ما صنع ، ما كان ينبغي له أن يأخذه » قال : قلت : ابتلى بذلك ، قال : « يُعرّفه » قلت : فإنّه قد عرّفه فلم يجد له باغياً ، فقال : « يرجع إلى بلده فيتصدّق به على أهل بيتٍ من المسلمين ، فإن جاء طالبه فهو له ضامن »(١) .

وقال بعض علمائنا : لا يضمن إذا تصدّق بها بعد الحول ؛ لأنّه امتثل الأمر بالصدقة بها ، فلا ضمان عليه(٢) .

والمشهور : الأوّل.

إذا عرفت هذا ، فاعلم أنّ أحمد بن حنبل - في إحدى الروايتين - ذهب إلى ما اخترناه من الفرق بين لقطة الحِلّ والحرم ، فحرّم التقاط لقطة الحرم للتملّك ، وإنّما يجوز التقاطها لحفظها لصاحبها ، فإن التقطها عرّفها أبداً حتى يأتي صاحبها - وهو أحد قولَي الشافعي - لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تحلّ ساقطتها إلّا لـمُنشدٍ »(٣) معناه : لا تحلّ لقطة مكة إلّا لمن يُعرّفها ؛

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٩٥ - ٣٩٦ / ١١٩٠.

(٢) المفيد في المقنعة : ٦٤٦ ، والطوسي في النهاية : ٣٢٠ ، وسلاّر في المراسم : ٢٠٦ ، وابن البرّاج في المهذّب ٢ : ٥٦٧ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٢٧٨ ، والمحقّق الحلّي في شرائع الإسلام ٣ : ٢٩٢.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ١٦٤ - ١٦٥ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٨٨ / ١٣٥٥.

٢٠٦

لأنّها خُصّت بهذا من بين سائر البلدان.

وفي حديثٍ آخَر : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن لقطة الحاج(١) .

قال ابن وهب : يعني يتركها حتى يجدها صاحبها(٢) .

وفي روايةٍ أُخرى أنّه قال في مكة : « لا يُنفَّر صيدها ، ولا يُعضد شجرها ، ولا يُختلى خلاها ، ولا تحلّ لقطتها إلّا لـمُنشدٍ »(٣) يعني لمعرّفٍ(٤) .

وهذا القول يوافق قول علمائنا من وجهٍ ، ويخالفه من وجهٍ آخَر.

أمّا وجه الموافقة : ففي تحريم تملّكها للّاقط.

وأمّا وجه المخالفة : فإنّ أصحابنا جوّزوا الصدقة بها بعد تعريفها حولاً ، وفي الضمان حينئذٍ خلاف.

ولم يذكر هؤلاء العامّة الصدقةَ.

والقول الثاني للشافعي : إنّه لا فرق بين لقطة الحرم والحِلّ ، بل هُما سواء في الحكم من التعريف حولاً وتملّكها بعده - ورواه العامّة عن ابن عباس وابن عمر وعائشة وابن المسيّب ، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين - لعموم الأحاديث ، ولأنّه أحد الحرمين ،

____________________

(١) صحيح مسلم ٣ : ١٣٥١ / ١٧٢٤ ، سنن أبي داوُد ٢ : ١٣٩ / ١٧١٩ ، سنن البيهقي ٦ : ١٩٩ ، مسند أحمد ٤ : ٥٥٨ / ١٥٦٤٠ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٦٤ - ٦٥.

(٢) سنن أبي داوُد ٢ : ١٣٩ ، ذيل ح ١٧١٩.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ١٦٤ ، سنن النسائي ٥ : ٢١١.

(٤) المغني ٦ : ٣٦٠ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨٥ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٦ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٢ - ٥٢٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥٢ ، البيان ٧ : ٤٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٧٧ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٠٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥٧.

٢٠٧

فأشبه المدينة ، ولأنّها أمانة ، فلم يختلف حكمها بالحِلّ والحرم ، كالوديعة(١) .

والعمومات قد تُخصّص بالأدلّة ، وقد بيّنّاه ، والحرمة في حرم مكة أعظم منه في حرم المدينة ، ولهذا حرم فيه أشياء هي مباحة في المدينة ، وجاز أن تختلف الأمانة باختلاف المحلّ ، فلا يتمّ القياس.

مسألة ٣٢٦ : لقطة غير الحرم إن كانت قليلةً جاز تملّكها في الحال ، ولا يجب تعريفها ، ولا نعلم خلافاً بين أهل العلم في إباحة أخذ القليل والانتفاع به من غير تعريفٍ ، ورواه العامّة عن عليٍّعليه‌السلام وعن عمر وابن عمر وعائشة ، وبه قال عطاء وجابر بن زيد وطاوُوس والنخعي ويحيى بن أبي كثير ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وأحمد بن حنبل(٢) وإن اختلفوا في حدّ القليل.

والأصل فيه : ما روى العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه لم يُنكر على واجد التمرة حيث أكلها ، بل قال له : « لو لم تأتها لأتتك »(٣) .

ورووا عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه رأى تمرةً فقال : « لو لا إنّي أخشى أن تكوني من‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٦ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥٣ ، البيان ٧ : ٤٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٦ ، المغني ٦ : ٣٦٠ - ٣٦١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٧٧ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٠٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥٧.

(٢) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٥١ ، المغني ٦ : ٣٥١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٤٧ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٠٨ ، البيان ٧ : ٤٣٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٤٨.

(٣) المغني ٦ : ٣٥١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٤٧ ، وفي صحيح ابن حبّان - بترتيب ابن بلبان - ٨ : ٣٣ / ٣٢٤٠ ، وكتاب السنّة - لابن أبي عاصم - : ١١٧ / ٢٦٥ بتفاوتٍ.

٢٠٨

تمر الصدقة لأكلتكِ »(١) .

وعن جابر قال : رخّص [ لنا ] رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في العصا والسوط والحبل وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به(٢) .

وعن عائشة أنّها قالت : لا بأس بما دون الدرهم أن يستنفع به(٣) .

وعن سويد بن غفلة قال : خرجتُ مع [ سلمان بن ربيعة ](٤) وزيد بن صوحان حتى إذا كُنّا بالعُذَيب التقطتُ سوطاً [ فقالا ](٥) لي : ألقه [ فأبيتُ ](٦) فلـمّا قدمنا المدينة أتيتُ أُبيّ بن كعب فذكرتُ ذلك له ، فقال : أصبت(٧) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه محمّد بن أبي حمزة عن بعض أصحابنا عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن اللّقطة ، قال : « تعرّف سنةً قليلاً كان أو كثيراً » قال : « وما كان دون الدرهم فلا يُعرّف »(٨) .

مسألة ٣٢٧ : وقد اختلف في حدّ القليل الذي لا يجب تعريفه ، فالذي عليه علماؤنا أنّه ما نقص عن الدرهم ، فهذا لا يجب تعريفه ، ويجوز تملّكه‌

____________________

(١) أورده الطوسي في المبسوط ٣ : ٣٠٢ ، وفي صحيح البخاري ٣ : ١٦٤ ، وصحيح مسلم ٢ : ٧٥٢ / ١٠٧١ ، وسنن البيهقي ٦ : ١٩٥ بتفاوتٍ يسير.

(٢) سنن أبي داوُد ٢ : ١٣٨ / ١٧١٧ ، سنن البيهقي ٦ : ١٩٥ ، المغني ٦ : ٣٥١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٤٧ ، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٦.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « سعد ». والمثبت كما في المصدر.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « فقال ». والمثبت كما في المصدر.

(٦) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(٧) سنن ابن ماجة ٢ : ٨٣٧ - ٨٣٨ / ٢٥٠٦ ، المغني ٦ : ٣٥١ - ٣٥٢ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٤٨.

(٨) الكافي ٥ : ١٣٧ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٨٩ / ١١٦٢ ، الاستبصار ٣ : ٦٨ / ٢٢٦.

٢٠٩

في الحال عند علمائنا أجمع ، وما زاد على ذلك يجب تعريفه حولاً ؛ لحديث محمّد بن أبي حمزة(١) .

وفي الحسن عن حريز عن الصادقعليه‌السلام قال : « لا بأس بلقطة العصا والشظاظ والوتد والحبل والعقال وأشباهه » قال : « وقال الباقرعليه‌السلام : ليس لهذا طالب »(٢) .

وفي الصحيح عن عليّ بن جعفر عن أخيه موسى الكاظمعليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصيب درهماً أو ثوباً أو دابّةً كيف يصنع؟ قال : « يُعرّفها سنةً ، فإن لم يعرف حفظها في عرض ماله حتى يجي‌ء طالبها فيعطيها إيّاه ، وإن مات أوصى بها وهو لها ضامن »(٣) .

وقال الشافعي : حدّ القليل ما لا تتبعه النفس ولا تطلبه ، فهذا يجوز الانتفاع به من غير تعريفٍ(٤) .

وهذا غلط ؛ لأنّه غير مضبوطٍ ولا مقدَّر بقدرٍ ، ولا يجوز التحديد به ، وهو مضطرب مختلف باختلاف النفوس شرفاً وضعةً وغناءً وفقراً ، ومثل ذلك لا يجوز من الشارع أن [ يجعله ](٥) مناطاً للأحكام.

وقال مالك وأبو حنيفة : لا يجب تعريف ما لا يقطع به السارق ، وإن اختلفا في القدر الذي يقطع به السارق ، فعند مالك ربع دينار ، فما نقص‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٣٧ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٨٩ / ١١٦٢ ، الاستبصار ٣ : ٦٨ / ٢٢٦.

(٢) الكافي ٥ : ١٤٠ - ١٤١ / ١٥ ، التهذيب ٦ : ٣٩٣ / ١١٧٩.

(٣) الفقيه ٣ : ١٨٦ / ٨٤٠ ، التهذيب ٦ : ٣٩٧ - ٣٩٨ / ١١٩٨.

(٤) الحاوي الكبير ٨ : ١٦ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٨ ، البيان ٧ : ٤٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٦ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥٧.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « يجعلها ». والظاهر ما أثبتناه.

٢١٠

عنه لا يجب تعريفه ، وعند أبي حنيفة عشرة دراهم ، فما نقص عنه لا يجب تعريفه ؛ لأنّ ما دون ذلك تافه ، فلا يجب تعريفه ، كالتمرة واللّقمة ، وقد قالت عائشة : كانوا لا يقطعون في الشي‌ء التافه(١) .

وروى العامّة عن عليٍّعليه‌السلام : إنّه وجد ديناراً فتصرّف فيه(٢) .

وهو عندنا ضعيف ، ويُحمل على غير اللّقطة.

ورووا عن سلمى بنت كعب قالت : وجدتُ خاتماً من ذهبٍ في طريق مكة ، فسألتُ عائشة عنه ، قالت : تمتّعي به(٣) (٤) .

وليس قول عائشة بحجّةٍ البتّة ، والتحديد بما يجب فيه القطع منافٍ للأصل ، وهو عصمة مال الغير ، وقد ثبت تحريم مال المسلم ، وأنّ حرمته كحرمة دمه(٥) ، صِرْنا إلى ما نقص عن الدرهم ؛ للإجماع ، فيبقى الباقي على الأصل.

فروع :

أ - لو تملّك ما دون الدرهم ثمّ وجد صاحبه ، فالأقرب : وجوب‌

____________________

(١) المحلّى ١١ : ٣٣٨ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ٢ : ٤٢٦ ، الكامل - لابن عدي - ٤ : ١٥٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٥ ، المغني ٦ : ٣٥١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٤٨.

(٢) المغني ٦ : ٣٥١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٤٨ ، وراجع : سنن أبي داوُد ٢ : ١٣٧ - ١٣٨ / ١٧١٤ و ١٧١٥.

(٣) كتاب الثقات ٤ : ٣٥١ ، المغنى ٦ : ٣٥١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٤٨.

(٤) بداية المجتهد ٢ : ٤٤٧ ، التلقين : ٥٠٨ ، المعونة ٣ : ١٤١٣ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ١٦٠ ، المبسوط - للسرخسي - ٩ : ١٣٧ ، و ١١ : ٣ ، المغني ٦ : ٣٥١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٤٨ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٨ ، و ٨ : ٤٩ - ٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٥ ، و ١١ : ١٧٥ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥٧ - ٥٨.

(٥) سنن البيهقي ٦ : ١٠٠ ، سنن الدارقطني ٣ : ٢٦ / ٩١ و ٩٢ ، مسند أحمد ٦ : ٦٩ / ٢٠١٧٢ ، مسند الشهاب ١ : ١٣٧ - ١٣٨ / ١٧٧ و ١٧٨ ، حلية الأولياء ٧ : ٣٣٤.

٢١١

دفعه إليه ؛ لأصالة بقاء ملك صاحبه عليه ، وتجويز التصرّف للملتقط لا ينافي وجوب ردّه.

ب - الأقرب : وجوب دفع العين مع وجود صاحبه.

ويحتمل القيمة مطلقاً كالكثير إذا تملّكه بعد التعريف ، والقيمة إن نوى التملّك ، وإلّا فالعين ، وهو أقرب.

ج - لو تلف بتفريطه ثمّ وجد صاحبه ، فالأقرب : وجوب الضمان ، مع احتمال عدمه.

د - الأقرب : إنّه فرقٌ بين لقطة الحرم والحِلّ فيما دون الدرهم ، كما في الزائد عليه ؛ لحرمة الحرم ، الشاملة للقليل والكثير.

مسألة ٣٢٨ : إذا بلغت اللّقطة درهماً فما زاد ، وجب فيها التعريف ، فلا يجوز تملّكها في الحال ، فإن نواه لم يملك وضمن ؛ لأنّ بعض أصحابنا سأل الصادقَعليه‌السلام عن اللّقطة ، قال : « تعرّف سنةً قليلاً كان أو كثيراً » قال : « وما كان دون الدرهم فلا يُعرّف »(١) فلزم من هذا وجوب تعريف الدرهم.

وعن محمّد بن قيس عن الباقرعليه‌السلام قال : « قضى عليٌّعليه‌السلام في رجلٍ وجد ورقاً في خربةٍ أن يُعرّفها ، فإن وجد مَنْ يعرفها وإلّا تمتّع بها »(٢) .

وعن داوُد بن سرحان عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال في اللّقطة : « يُعرّفها سنةً ثمّ هي كسائر ماله »(٣) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ وجوب التعريف حولاً إنّما هو في الأموال التي‌

____________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٢٠٨ ، الهامش (٨)

(٢) التهذيب ٦ : ٣٩٨ / ١١٩٩.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ١٦٦ ، الهامش (٣)

٢١٢

يمكن بقاؤها ولا يسرع الفساد إليها إمّا بمعالجةٍ كالرطب المفتقر إلى العلاج بالتشميس والكبس حتى يصير تمراً ، أو بغير معالجةٍ كالذهب والفضّة والثياب وغيرها.

وأمّا ما لا بقاء له - كالهريسة والطبيخ وشبههما - فإنّه يجوز تناوله بعد التقويم على نفسه ، ويضمنه للمالك.

مسألة ٣٢٩ : يكره التقاط ما تكثر فائدته وتقلّ قيمته ، كالنعلين والإداوة(١) والسوط وأشباه ذلك ؛ لأنّ عبد الرحمن بن أبي عبد الله سأل الصادقَعليه‌السلام عن النعلين ، والإداوة ، والسوط يجده الرجل في الطريق أينتفع به؟ قال : « لا يمسّه »(٢) .

ولأنّ الاكتساب في ذلك منتفٍ ، وربما تضرّر مالكه بضياعه عنه.

وقول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس بلقطة العصا والشظاظ والوتد والحبل والعقال وأشباهه »(٣) لا ينافي ما قلناه ؛ لحقارة هذه الأشياء ، فلا يطلبها المالك ، ولهذا روي في تتمّة الخبر عن أبيه الباقرعليه‌السلام قال : « قال أبو جعفرعليه‌السلام : ليس لهذا طالب »(٤) فدلّ ذلك على البناء على العادة في الإعراض عن هذه الأشياء ، فيكون في الحقيقة إباحة من المالك لها ، مع أنّ نفي البأس لا يضادّ الكراهة.

إذا عرفت هذا ، فلو التقط أحدٌ هذه الأشياء ثمّ ظهر مالكها ، كان له أخذها.

وبالجملة ، فأخذ اللّقطة مطلقاً عندنا مكروه ، ويتأكّد في مثل هذه‌

____________________

(١) الإداوة : إناء صغير من جلدٍ يُتّخذ للماء. لسان العرب ١٤ : ٢٥ « أدا ».

(٢) التهذيب ٦ : ٣٩٤ / ١١٨٣.

(٣ و ٤) تقدّم تخريجه في ص ٢٠٩ ، الهامش (٢)

٢١٣

الأشياء ، وتتأكّد الكراهة في مطلق اللّقطة للفاسق ، وآكد منه المعسر.

مسألة ٣٣٠ : ما ليس بمالٍ ممّا يجوز اقتناؤه ، مثل كلب الصيد إذا منعنا من بيعه ، وكذا غيره من الكلاب المنتفع بأعيانها - مثل كلب الماشية والزرع والحائط - فإنّه يجوز التقاطه ، ويُعرَّف سنةً ، وبه قال الشافعي ، إلّا أنّ الشافعي شرط في الالتقاط قصد الحفظ أبداً ؛ لأنّه لا يجوز له تملّكه بعد السنة بالعوض ؛ لأنّه لا قيمة له عنده ، وبغير عوضٍ مخالفٌ لوضع اللّقطة(١) .

وأمّا المنفعة فعلى وجهين ، إن جوّزوا إجارة الكلب كانت مضمونةً ، وإلّا فلا(٢) .

وقال أكثر الشافعيّة يُعرّفه سنةً - كما قلناه - ثمّ يختصّ به وينتفع به ، فإن ظهر صاحبه بعد ذلك وقد تلف لم يضمنه.

وهل عليه أُجرة المثل لمنفعة تلك المدّة؟ وجهان مبنيّان على جواز إجارة الكلب(٣) .

وأمّا عندنا فإن كان الكلب له قيمة مقدّرة في الشرع فإذا عرّفه حولاً ولم يجد صاحبه ، جاز له أن يتملّكه ، فيكون عليه القيمة الشرعيّة.

المطلب الثاني : في الأحكام.

ومباحثه أربعة :

الأوّل : الضمان وعدمه.

مسألة ٣٣١ : اللّقطة أمانة في يد الملتقط ما لم يَنْو التملّك أو يفرّط فيها أو يتعدّى ، فإذا أخذها بقصد الحفظ لصاحبها دائماً فهي أمانة في يده‌

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٨.

٢١٤

ما لم يَنْو التملّك أو يفرّط أو يتعدّى وإن بقيت في يده أحوالاً إن قلنا بافتقار التملّك إلى نيّةٍ ؛ لأنّه بذلك مُحسنٌ في حقّ المالك بحفظ ماله وحراسته ، فلا يتعلّق به ضمان ؛ لقوله تعالى :( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (١) ولأنّ حاله لم يختلف قبل الحول ولا بعده ، فكذا الحكم بعدم الضمان ينبغي أن لا يختلف.

وأمّا إن قلنا بدخولها في ملكه بعد الحول وإن لم يقصد التملّك ، فإنّه يضمنها بدخولها في ملكه.

لكن المعتمد عند علمائنا : الأوّل ، وسيأتي.

مسألة ٣٣٢ : إذا نوى الاحتفاظ لها دائماً ، فهي أمانة في يده على ما تقدّم.

فإن دفعها إلى الحاكم ، وجب عليه القبول ؛ لأنّه مُعدٌّ لمصالح المسلمين ، وأعظمها حفظ أموالهم ، بخلاف الوديعة ، فإنّه لا يلزمه قبولها - على أحد وجهي الشافعيّة(٢) - لأنّه قادر على الردّ إلى المالك ، بل لا يجوز له دفعها إلى الحاكم مع القدرة على صاحبها ؛ لقوله تعالى :( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) (٣) .

ولو تعذّر عليه الردّ إلى المالك وافتقر إلى إيداعها ، أودعها الحاكم ؛ للضرورة.

ولو أخذ للتملّك ثمّ بدا له ودفعها إلى الحاكم ، لزمه القبول.

ولو قصد الحفظ أبداً ، لزمه التعريف حولاً ، ولا يسقط وجوب‌

____________________

(١) سورة التوبة : ٩١.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٩.

(٣) سورة النساء : ٥٨.

٢١٥

التعريف حولاً بقصد الحفظ دائماً ، وهو أحد وجهي الشافعيّة(١) على ما يأتي ، فإن لم يجب لم يضمن بتركه عندهم(٢) .

وإذا بدا له قصد التملّك ، عرّفها سنةً من حينئذٍ ، ولا يعتدّ بما عُرّف من قبلُ.

وإن أوجبناه ، فهو ضامن بالترك ، حتى لو ابتدأ بالتعريف بعد ذلك فهلك في سنة التعريف ضمن.

مسألة ٣٣٣ : لو نوى الخيانة والتملّك بغير تعريفٍ حين الالتقاط وأخفاها عن المالك ، كان ضامناً غاصبا ، ولا يحلّ له أخذها بهذه النيّة ، فإن أخذها لزمه ضمانها ، سواء تلفت بتفريطه أو بغير تفريطه.

فإن دفعها إلى الحاكم ، فالأقرب : زوال الضمان ؛ لأنّه نائب عن المالك ، فكأنّه قد دفع إلى المالك ، وهو أحد وجهي الشافعيّة ، كما في الغاصب(٣) .

ولو لم يدفعها إلى الحاكم بل عرّفها حولاً ، فالأقرب : إنّه يجوز له التملّك ؛ لأنّه قد وُجد سبب التملّك(٤) ، وهو التعريف والالتقاط ، فيملكها به ، كالاصطياد والاحتشاش ، فإنّه لو دخل حائط غيره بغير إذنه فاصطاد منه صيداً مَلَكه وإن كان دخوله محرَّماً ، كذا هنا.

ولأنّ عموم النصّ يتناول هذا الملتقط ، فيثبت حكمه فيه.

ولأنّا لو اعتبرنا نيّة التعريف وقت الالتقاط ، لافترق الحال بين العَدْل‌

____________________

(١ و ٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٩ - ٤٧٠.

(٤) في النُّسَخ الخطّيّة : « الملك » بدل « التملّك ».

٢١٦

والفاسق والصبي والسفيه ؛ لأنّ الغالب على هؤلاء الالتقاط للتملّك من غير تعريفٍ.

وهو أحد قولَي الشافعيّة.

والأظهر عندهم والأشهر بينهم : إنّه لا يُمكَّن من التملّك ؛ لأنّه أخذ مال غيره(١) .

وعلى وجهٍ : لا يجوز له أخذه ، فأشبه الغاصب(٢) . ولا بأس به.

مسألة ٣٣٤ : لو أخذ اللّقطة بنيّة التعريف حولاً والتملّك بعده ، فإنّها في الحول أمانة غير مضمونة لو تلفت بغير تفريطٍ منه أو نقصت ، فلا ضمان عليه كالوديعة ، إلّا بالتعدّي أو التفريط أو نيّة التملّك.

وأمّا بعد السنة فالأقرب : إنّها تصير مضمونةً عليه إذا كان عزم التملّك مطّرداً وإن لم يَجْر حقيقةً ؛ لأنّه صار ممسكاً لنفسه ، فأشبه المستام.

هذا إن قلنا : إنّ اللّقطة لا تُملك بمضيّ السنة ، فإن قلنا : تُملك ، فإذا تلفت تلفت منه لا محالة ، وهذا قول بعض الشافعيّة(٣) .

وأكثرهم على أنّها أمانة إذا لم يختر التملّك قصداً أو لفظاً إذا اعتبرنا اللفظ كما كانت قبل الحول. نعم ، إذا اختار وقلنا : لا بدّ من التصرّف ، فحينئذٍ يكون مضموناً عليه ، كالقرض(٤) .

وقد اعتُرض على ذلك : بأنّه قد يغيّر القصد إلى الحفظ ما لم يتملّك ، فلا يكون ممسكاً لنفسه ، فلو كان قصد التملّك يجعله ممسكاً لنفسه ، لزم أن يكون الذي لا يقصد بالتعريف إلّا تحقيق شرط التملّك ممسكاً لنفسه في‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٥٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٠.

(٢ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٠.

٢١٧

مدّة السنة أيضاً(١) .

مسألة ٣٣٥ : لو أخذ اللّقطة بنيّة الأمانة والتعريف ثمّ قصد الخيانة ، ضمن بقصده ؛ لأنّ سبب أمانته مجرّد نيّته ، وإلّا فأخذ مال الغير بغير رضاه ممّا يقتضي الضمان ، ولأنّه استئمان ضعيف ؛ لأنّه ثبت من غير جهة المالك ، فيكفي في زواله أدنى سبب ، ولأنّ نيّة الخيانة لو حصلت حالة الالتقاط لاقتضت الضمان ، فكذا بعده ؛ لبراءة ذمّته قبل الالتقاط وحالة الأمانة ، وهو أحد وجهي الشافعيّة(٢) .

والأصحّ عندهم : إنّه لا يصير المال مضموناً عليه بمجرّد القصد ، كالمستودع لو جدّد نيّة الخيانة في الوديعة بعد نيّة الحفظ لم يصر ضامناً بذلك ، كذا الملتقط(٣) .

والفرق ظاهر بين الملتقط والمستودع ؛ لأنّ المستودع مسلّط مؤتمن من جهة المالك ، على أنّ في المستودع وجهاً للشافعيّة : إنّه يضمن بمجرّد القصد(٤) .

وعلى الظاهر من مذهب الشافعيّة - من أنّ الودعيّ لا يضمن بقصد الخيانة بعد نيّة الحفظ - لو أخذ الوديعة على قصد الخيانة في الابتداء وجهان للشافعيّة في أنّه هل يكون ضامناً أم لا؟(٥) .

وإذا قلنا : صار الملتقط ضامناً في الدوام إمّا بنفس الخيانة أو بقصدها ثمّ رجع عن نيّة الخيانة وقَصَد الأمانة وأراد أن يُعرّف ويتملّك للشافعيّة

____________________

(١) راجع : العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٩.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٩ - ٣٦٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٠.

(٥) الوسيط ٤ : ٢٩٢ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٤ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٧.

٢١٨

وجهان :

أحدهما : المنع ؛ لأنّه قد تعدّى في أمانته ، وصار مضموناً عليه بنيّة الخيانة أوّلاً ، فلا يبرأ من الضمان ؛ لأنّ الأمانة لا تعود بترك التعدّي.

والثاني : إنّ التقاطه في الابتداء وقع مفيداً للتملّك ، فلا يبطل حكمه بتفريطٍ يطرأ ، ولأنّ سبب التملّك هو الالتقاط ، والتعريف غير محرَّمٍ ، وإنّما المحرَّم ما قصده ، ولم يتّصل به تحقيق(١) .

مسألة ٣٣٦ : قال الشيخ ; : اللّقطة تُضمن بمطالبة المالك لا بنيّة التملّك(٢) . وفيه نظر ؛ لأنّ المطالبة تترتّب على الاستحقاق ، فلو لم يثبت الاستحقاق أوّلاً لم يكن لصاحبها المطالبة ، فلو ترتّب الاستحقاق على المطالبة لزم الدور.

ولو أخذ الملتقط اللّقطة ولم يقصد خيانةً ولا أمانةً ، لم تكن مضمونةً عليه ، وله أن يتملّك بشرطه ، وكذا لو أضمر أحدهما ونسي ما أضمره ؛ لأصالة البراءة.

البحث الثاني : في التعريف.

مسألة ٣٣٧ : ينبغي للملتقط أن يقف على اللّقطة ليميّزها عن أمواله ، فلا يختلط أمرها عليه ويشتبه بما يختصّ به ، وأيضاً يستدلّ بها على معرفة صدق مدّعيها إذا جاء وطلبها ، فحينئذٍ يستحبّ أن يعرف عفاصها - وهو الوعاء من جلدٍ أو خرقٍ أو غيرهما - ووكاءها - وهو الخيط الذي يشدّ به -

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٠.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٣ : ٣٣٠ - ٣٣١.

٢١٩

لورود ذلك في الخبر : إنّهعليه‌السلام قال : « اعرف عفاصها ووكاءها »(١) .

وينبغي أن يعرف أيضاً جنسها هل هي ذهب أو فضّة ، أو ثوب هرويّ أو مرويّ ، ويعرف قدرها بالوزن أو العدد إن كان ممّا يُعدّ في العادة ؛ لما ورد في حديث أُبيّ بن كعب : « اعرف عدّتها »(٢) ومهما ازداد عرفاناً ازداد احتياطاً في حفظها وتبيّنها على أنّه لا يفرّط في طرفها.

وينبغي أن يقيّد ذلك بالكتابة لئلّا ينسى ما عرفه منها.

مسألة ٣٣٨ : ويجب على الملتقط تعريف اللّقطة إذا بلغت درهماً فما زاد ، والإنشاد بها ليظهر خبرها لصاحبها فيأخذها ، سواء قصد الملتقط حفظها دائماً لصاحبها ، أو نوى التملّك بعد السنة ، عند علمائنا - وبه قال أحمد(٣) - لما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث زيد بن خالد الجهني ، قال : جاء رجل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يسأله عن اللّقطة ، فقال : « اعرف عفاصها ووكاءها ثمّ عرِّفها سنةً ، فإن جاء صاحبها وإلّا فشأنك بها »(٤) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه داوُد بن سرحان عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال في اللّقطة : « يُعرّفها سنةً ثمّ هي كسائر ماله »(٥) .

وفي الصحيح عن الحلبي عن الصادقعليه‌السلام في اللّقطة في حديثٍ قال : « يُعرّفها سنةً ، فإن جاء لها طالب وإلّا فهي كسبيل ماله »(٦) .

ولأنّه مال للغير حصل في يده فيجب عليه دفعه إلى مالكه ، ولا طريق‌

____________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ١٦٦ ، الهامش (١)

(٢) تقدّم تخريجه في ص ١٧٠ ، الهامش (١)

(٣) المغني ٦ : ٣٤٧ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٧٣.

(٤) تقدّم تخريجه في ص ١٦٦ ، الهامش (١)

(٥) تقدّم تخريجه في ص ١٦٦ ، الهامش (٣)

(٦) تقدّم تخريجه في ص ١٦٨ ، الهامش (١)

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

أفضل(١) .

وله قول ثالث : إنّ عليه الهدي لا غير ، ولا يجزئه الصيام ، وهو الرواية الثانية لأحمد(٢) .

والشافعي بنى أقواله على أقواله في الكفّارات هل الاعتبار بحال الوجوب أو الأداء؟ فإن قلنا بحال الوجوب ، أجزأه الصيام ، وإن قلنا بحال الأداء أو بأغلظ الحالين ، لزمه الهدي(٣) .

مسألة ٦١٧ : لو تعيّن عليه الصوم وخاف الضعف عن المناسك يوم عرفة ، أخّر الصوم إلى بعد انقضاء أيّام التشريق‌ ، ولو خرج عقيب أيّام التشريق ولم يصم الثلاثة ، صامها في الطريق أو إذا رجع إلى أهله ؛ للرواية(٤) الصحيحة عن الصادقعليه‌السلام . والأفضل المبادرة إلى صومها في الطريق ؛ إذ ليس السفر مانعاً.

هذا إذا لم يهلّ المحرّم ، فإذا أهلّ قبل صومها ، تعيّن عليه الهدي.

قال الشيخ : ولو لم يصم الثلاثة لا بمكّة ولا في الطريق ورجع إلى بلده وكان متمكّناً من الهدي ، بعث به ، فإنّه أفضل من الصوم.

قال : والصوم بعد أيّام التشريق يكون أداءً لا قضاءً ، فلو أحرم بالحجّ ولم يكن صام ثم وجد الهدي ، لم يجز له الصوم ، وتعيّن عليه الهدي ، فلو مات ، اشتُري الهدي من صلب ماله ؛ لأنّه دَيْنٌ(٥) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٩ ، فتح العزيز ٧ : ١٩١ - ١٩٢.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٩ ، المغني ٣ : ٥١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٥.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٩ ، المجموع ٧ : ١٩٠ ، فتح العزيز ٧ : ١٩١ - ١٩٢.

(٤) الكافي ٤ : ٥٠٧ - ٥٠٨ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٣٩ / ١١٥.

(٥) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٧١.

٢٨١

ولو مات مَنْ وجب عليه الهدي ، اُخرج من صلب التركة ؛ لأنّه دَيْنٌ.

مسألة ٦١٨ : مَنْ وجب عليه بدنة في كفّارة أو نذر ولم يجد ، كان عليه سبع شياه على الترتيب عندنا‌ - وهو إحدى الروايتين عن أحمد(١) - لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه أتاه رجل فقال : إنّ عليّ بدنة وأنا موسر لها ولا أجدها فأشتريها؟ فأمره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يبتاع سبع شياه فيذبحهنّ(٢) (٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : في الرجل يكون عليه بدنة واجبة في فداء ، قال : « إذا لم يجد بدنة فسبع شياه ، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً بمكّة أو في منزله »(٤) والترتيب على عدم الوجدان يدلّ على الترتيب.

وقال أحمد في الرواية الأخرى : إنّها على التخيير ، لأنّ الشاة معدولة بسبع بدنة وهي أطيب لحماً ، فكانت أولى(٥) .

ونمنع المعادلة.

إذا عرفت هذا ، فلو لم يتمكّن من سبع شياه ، صام ثمانية عشر يوماً ؛ للرواية(٦) عن الصادقعليه‌السلام . ولو وجب عليه سبع شياه ، لم تجزئه بدنة.

وفرّق أحمد بين وجوب السبع من(٧) جزاء الصيد وبين وجوبها في كفّارة محظورٍ ، فذهب إلى الجواز في الثاني ؛ لأنّ الواجب ما استيسر من‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٩٣.

(٢) في « ق ، ك » والطبعة الحجرية : فذبحهنّ. وما أثبتناه من المصدر.

(٣) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٤٨ / ٣١٣٦ ، مسند أحمد ١ : ٣١١.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٣٧ / ٨٠٠ و ٤٨١ / ١٧١١.

(٥) المغني ٣ : ٥٩٣ - ٥٩٤.

(٦) المصدر في الهامش (٤).

(٧) كذا ، والظاهر : في ، بدل من.

٢٨٢

الهدي ، وهو شاة أو سُبع بدنة ، وقد كان أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يشترك السبعة منهم في البقرة أو البدنة(١) . وذهب إلى المنع في الأوّل ؛ لأنّ سبعاً من الغنم أطيب لحماً من البدنة ، فلا يعدل إلى الأدنى(٢) .

ولو وجب عليه بقرة ، فالأقرب إجزاء بدنة ؛ لأنّها أكثر لحماً وأوفر.

ولو لزمه بدنة في غير النذر وجزاء الصيد ، قال أحمد : تجزئه بقرة ؛ لأنّ جابراً قال : كنّا ننحر البدنة عن سبعة ، فقيل له : والبقرة؟ فقال : وهل هي إلّا من البُدْن؟(٣) (٤) .

والحقّ خلافه.

أمّا النذر : فإن عيّن شيئاً ، انصرف إليه ، وإن أطلق في النيّة واللفظ ، أجزأه أيّهما كان ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد ، وفي الثانية : تتعيّن البدنة ، وهو قول الشافعي(٥) .

البحث الخامس : في الأحكام.

مسألة ٦١٩ : [ قال الشيخ : ](٦) الهدي إن كان واجباً ، لم يجزئ الواحد إلّا عن واحد‌ حالة الاختيار(٧) . وكذا مع الضرورة على الأقوى ، وبه قال مالك(٨) .

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٩٥٥ / ٣٥١ و ٩٥٦ / ٣٥٥.

(٢) المغني ٣ : ٥٩٤.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٩٥٥ / ٣٥٣ نحوه.

(٤و٥) المغني ٣ : ٥٩٤.

(٦) زيادة يقتضيها السياق وكما في منتهى المطلب - للمصنّف - ٢ : ٧٤٨.

(٧) الخلاف ، كتاب الضحايا ، المسألة ٢٧.

(٨) المدوّنة الكبرى ١ : ٤٦٩ ، المجموع ٨ : ٣٩٨ ، المغني ٣ : ٥٩٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٧٤.

٢٨٣

ويتعيّن الصوم على الفاقد منهم ؛ للاحتياط ، ولقول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « تجزئ البقرة والبدنة في الأمصار عن سبعة ، ولا تجزئ بمنى إلّا عن واحد »(١) .

وللشيخرحمه‌الله قول آخر : إنّه تجزئ مع الضرورة عن سبعة وعن سبعين(٢) ؛ لما رواه العامّة عن جابر ، قال : كنّا نتمتّع مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فنذبح البقرة عن سبعة نشترك فيها(٣) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه حمران - في الحسن - قال : عزّت البُدْنُ سنة بمنى حتى بلغت البدنة مائة دينار ، فسُئل الباقرعليه‌السلام عن ذلك ، فقال : « اشتركوا فيها » قال : قلت : كم؟ قال: « ما خفّ فهو أفضل » فقال : قلت : عن كم تجزئ؟ فقال : « عن سبعين »(٤) .

ويحتمل أن يقال : إن ملك واحد الثمن ، وجب عليه أن يهدي عن نفسه ويأمر العاجز عن الثمن وبعضه بالصوم. ولو تمكّن كلّ واحد منهم على بعض الثمن بحيث يحصل الهدي ، جاز الاشتراك ؛ لأنّه أنفع للفقراء من الصوم.

وقال سوادة القطان للصادقعليه‌السلام : إنّ الأضاحي قد عزّت علينا ، قال : « فاجتمعوا فاشتروا جزوراً فانحروها فيما بينكم » قلنا : فلا تبلغ نفقتنا ذلك ، قال : « فاجتمعوا فاشتروا بقرةً فيما بينكم » قلنا : فلا تبلغ نفقتنا ذلك ، قال : « فاجتمعوا فاشتروا شاةً فاذبحوها فيما بينكم » قلنا : تجزئ عن سبعة؟ قال :

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٠٧ - ٢٠٨ / ٦٩٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٦ / ٩٤٠.

(٢) النهاية : ٢٥٨ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٧٢ ، الجُمل والعقود ( ضمن الرسائل العشر ) : ٢٣٥.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٩٥٦ / ٣٥٥ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٣٤.

(٤) الكافي ٤ : ٤٩٦ - ٤٩٧ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٢٠٩ / ٧٠٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٧ / ٩٤٨.

٢٨٤

« نعم وعن سبعين »(١) .

وقال الشافعي : يجوز للسبعة أن يشتركوا في بدنة أو بقرة ، سواء كان واجباً أو تطوّعاً ، وسواء أراد جميعهم القربة ، أو بعضهم وأراد الباقون اللحم(٢) .

وقال أبو حنيفة : يجوز اشتراك السبعة في البدنة والبقرة إذا كانوا متقرّبين كلّهم ، تطوّعاً كان أو فرضاً ، ولا يجوز إذا لم يُردْ بعضهم القربة(٣) .

والشيخ –رحمه‌الله - اشترط في الخلاف اجتماعهم على قصد التقرّب ، سواء كانوا متطوّعين أو مفترضين أو بالتفريق ، وسواء اتّفقت مناسكهم بأن كانوا متمتّعين أو قارنين أو افترقوا(٤) .

إذا عرفت هذا ، فقد شرط علماؤنا في المشتركين أن يكونوا أهل خوان واحد ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « تجزئ البقرة عن خمسة بمنى إذا كانوا أهل خوان واحد »(٥) .

وأمّا التطوّع : فيجزئ الواحد عن سبعة وعن سبعين حال الاختيار ، سواء كان من الإبل أو البقر أو الغنم إجماعاً.

مسألة ٦٢٠ : الهدي إمّا تطوّع ، كالحاجّ أو المعتمر إذا ساق معه هدياً

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٠٩ / ٧٠٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٧ / ٩٤٧.

(٢) الأُمّ ٢ : ٢٢٢ ، مختصر المزني : ٧٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٧٤ - ٣٧٥ ، فتح العزيز ٨ : ٦٥ - ٦٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٧ ، المجموع ٨ : ٣٩٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٩.

(٣) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٣١ - ١٣٢ و ١٤٤ ، المغني ٣ : ٥٩٤ - ٥٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤٥ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٧٤ ، فتح العزيز ٨ : ٦٦ ، المجموع ٨ : ٣٩٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٩.

(٤) الخلاف ٢ : ٤٤١ - ٤٤٢ ، المسألة ٣٤١.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٠٨ / ٦٩٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٦ / ٩٤٢.

٢٨٥

بنيّة أنّه ينحره بمنى أو بمكّة من غير أن يشعره أو يقلّده ، فهذا لم يخرج عن ملك صاحبه ، بل له التصرّف فيه كيف شاء من بيع أو غيره. ولو تلف ، لم يكن عليه شي‌ء.

وإمّا واجب ، وهو قسمان : أحدهما : واجب بنذر أو عهد أو يمين ، والثاني واجب ، وهو قسمان : أحدهما : واجب بنذر أو عهد أو يمين ، والثاني واجب بغيرها ، كهدي التمتّع وما وجب بترك واجبٍ أو فعل محظور.

والواجب بالنذر وشبهه قسمان :

أحدهما : أن يطلق النذر ، فيقول : لله عليَّ أن اُهدى بدنة ، مثلاً ، ويكون حكمه حكم ما وجب بغير النذر.

والثاني : أن يعيّنه ، مثل : لله عليَّ أن اُهدى هذه البدنة ، فيزول ملكه عنها ، وينقطع تصرّفه عنها ، وهي أمانة للمساكين في يده ، وعليه أن يسوقها إلى المنحر.

ويتعلّق الوجوب بعين المنذور دون ذمّة الناذر ، بل يجب عليه حفظه وإيصاله إلى المحلّ ، فإن تلف بغير تفريط أو سُرق ، أو ضلّ كذلك ، فلا ضمان.

وأمّا الواجب المطلق - كهدي التمتّع وجزاء الصيد والنذر غير المعيّن - فإمّا أن يسوقه وينوي به الواجب من غير أن يعيّنه بالقول ، فهذا لا يزول ملكه عنه إلّا بذبحه ودفعه إلى أهله ، وله التصرّف فيه بما شاء من أنواع التصرّف ، كالبيع والهبة والأكل وغير ذلك ؛ لعدم تعلّق حقّ الغير به.

فإن عطب ، تلف من ماله ، وإن عاب ، لم يجزئه ذبحه ، وعليه الهدي الذي كان واجباً عليه؛ لشغل ذمّته ، فلا تبرأ إلّا بإيصاله إلى مستحقّه ،

٢٨٦

كالمديون إذا حمل الدَّيْن إلى صاحبه فتلف قبل وصوله إليه.

وإمّا أن يعيّن الواجب عليه بالقول ، فيقول : هذا الواجب عليَّ ، فإنّه يتعيّن الوجوب فيه من غير أن تبرأ الذمّة منه ، ويكون مضموناً عليه ، فإن عطب أو سُرق أو ضلّ ، عاد الواجب إلى ذمّته ، كالمديون إذا باع صاحب الدَّيْن سلعة به فتلفت قبل التسليم ، فإنّ الدَّيْن يعود إلى ذمّته.

وإذا ثبت أنّه يتعيّن بالقول فإنّه يزول ملكه عنه وينقطع تصرّفه ، وعليه أن يسوقه إلى المنحر ، ولا يجوز له بيعه ولا إخراج بدله ، فإن وَصَل نَحَره ، وإلّا سقط التعيين ، ووجب(١) عليه إخراج الذي في ذمّته ، ولا نعلم خلافاً في ذلك كلّه ، إلّا من أبي حنيفة : فإنّه قال : يجوز له إخراج بدله(٢) ؛ لأنّ القصد نفع المساكين.

ويبطل بأنّه يرجع إلى أصله بالإبطال.

وسأل محمد بن مسلم - في الصحيح - أحدهماعليهما‌السلام : عن الهدي الذي يقلّد أو يشعر ثم يعطب ، قال : « إن كان تطوّعاً فليس عليه غيره ، وإن كان جزاءً أو نذراً فعليه بدله »(٣) .

مسألة ٦٢١ : لو ذبح الواجب غير المعيّن فسُرق أو غُصب بعد الذبح ، فالأقرب : الإجزاء‌ - وبه قال أحمد والثوري وبعض أصحاب مالك ، وأصحاب الرأي(٤) - لأنّه أدّى الواجب عليه ، فبرئ منه ، كما لو فرّقه ؛ لأنّ‌

____________________

(١) في الطبعة الحجرية : ويجب.

(٢) المغني ٣ : ٥٨٠ ، المجموع ٨ : ٣٦٧ - ٣٦٨.

(٣) التهذيب ٥ : ٢١٥ / ٧٢٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٩ / ٩٥٥.

(٤) المغني والشرح الكبير ٣ : ٥٧٥.

٢٨٧

الواجب هو الذبح ، والتفرقة ليست واجبةً ، لأنّه لو خُلّي بينه وبين الفقراء أجزأه وإن لم يفرّقه عليهم ، ولهذا قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لمـّا نحر : ( مَنْ شاء فليقتطع )(١) .

وقال الشافعي : عليه الإعادة ؛ لأنّه لم يوصل الحقّ إلى مستحقّه ، فأشبه ما لو لم يذبحه(٢) .

والفرق ظاهر ؛ فإنّه مع الذبح والتخلية يحصل فعل الواجب ، بخلاف المقيس عليه.

ولو عيّن بالقول الواجبَ غير المعيَّن ، تعيّن ، فإن عطب أو عاب ، لم يجزئه ؛ لأنّ الواجب في الذمّة هدي سليم ولم يوجد ، فيرجع الهدي إلى ملكه يصنع به ما شاء من بيع وهبة وأكل وغيرها - وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي(٣) - لما رواه العامّة عن ابن عباس ، قال : وإذا أهديت هدياً واجباً فعطب فانحره بمكانه إن شئت ، واهده إن شئت ، وبِعْه إن شئت وتقوَّ به في هدي آخر(٤) .

ومن طريق الخاصّة : رواية الحلبي - الحسنة - قال : سألته عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب أيبيعه صاحبه ويستعين بثمنه في هدي‌

____________________

(١) المستدرك - للحاكم - ٤ : ٢٢١ ، مسند أحمد ٤ : ٣٥٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٤١ ، شرح معاني الآثار ٣ : ٥٠ ، مشكل الآثار ٢ : ١٣٢ ، المغني ٣ : ٥٧٥ - ٥٧٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٥ وفيها : ( اقتطع ) بدل ( فليقتطع ).

(٢) المجموع ٧ : ٥٠١ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٥٧٥.

(٣) المجموع ٨ : ٣٧٧ - ٣٧٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٦٨ ، المغني ٣ : ٥٧٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٥ - ٥٧٦ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٨٨ ، الاختيار لتعليل المختار ١ : ٢٣٢ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٤٥.

(٤) المغني ٣ : ٥٧٦.

٢٨٨

آخر؟ قال : « يبيعه ويتصدّق بثمنه ويهدي هدياً آخر »(١) .

وقال مالك : يأكل ويُطْعم مَنْ أحبَّ من الأغنياء والفقراء ، ولا يبيع منه شيئاً(٢) .

والأولى ذبحه وذبح ما وجب في ذمّته معاً ، فإن باعه ، تصدّق بثمنه ؛ لرواية محمد بن مسلم - الصحيحة - عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال : سألته عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب أيبيعه صاحبه ويستعين بثمنه في هديه؟ قال : « لا يبيعه ، وإن باعه تصدّق بثمنه وليهد آخر»(٣) .

وأوجب أحمد في رواية ذبحه(٤) .

والأقرب : حمل الرواية على الاستحباب.

ولو عيّن معيباً عمّا في ذمّته عيباً لا يجزئه ، لم يجزئه ؛ لأنّ الواجبَ السليمُ ، فلا يخرج عن العهدة بدونه ، ولا يلزمه ذبحه ، بخلاف ما لو عيّن السليم.

إذا عرفت هذا ، فإنّ تعيين الهدي يحصل بقوله : هذا هدي ، أو بإشعاره وتقليده مع نيّة الهدي ، وبه قال الثوري وإسحاق(٥) . ولا يحصل بالشراء مع النيّة ولا بالنيّة المجرّدة في قول أكثر العلماء(٦) .

وقال أبو حنيفة : يجب الهدي ويتعيّن بالشراء مع النيّة(٧) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٢١٧ / ٧٣٠.

(٢) المغني والشرح الكبير ٣ : ٥٧٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٢١٧ / ٧٣١ بتفاوت يسير.

(٤) المغني والشرح الكبير ٣ : ٥٧٦.

(٥ و ٦ ) المغني ٣ : ٥٧٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦٠.

(٧) المغني ٣ : ٥٧٧.

٢٨٩

وليس بجيّد ؛ لأصالة عدم التعيين.

مسألة ٦٢٢ : لو سُرق الهدي من حرز ، أجزأ عن صاحبه‌ ، وإن أقام بدله فهو أفضل ؛ لأنّ معاوية بن عمّار سأل - في الصحيح - الصادقَعليه‌السلام : عن رجل اشترى اُضحية فماتت أو سُرقت قبل أن يذبحها ، قال : « لا بأس وإن أبدلها فهو أفضل ، وإن لم يشتر فليس عليه شي‌ء»(١) .

ولو عطب الهدي في مكان لا يجد مَنْ يتصدّق عليه فيه ، فلينحره ، وليكتب كتاباً ويضعه عليه ليعلم المارّ به أنّه صدقة ؛ لأنّ عمر بن حفص الكلبي سأل الصادقَعليه‌السلام : عن رجل ساق الهدي فعطب في موضع لا يقدر على مَنْ يتصدّق به عليه ولا مَن يُعْلمه أنّه هدي ، قال : « ينحره ويكتب كتاباً ويضعه عليه ليعلم مَنْ يمرّ به أنّه صدقة »(٢) .

ولأنّ تخليته بغير ذبح تضييع له.

ولو ضلّ الهدي فاشترى مكانه غيره ثم وجد الأوّل ، تخيّر بين ذبح أيّهما شاء ، فإن ذبح الأوّل ، جاز له بيع الأخير ، وإن ذبح الأخير ، لزمه ذبح الأوّل أيضاً إن كان قد أشعره ، وإن لم يكن أشعره ، جاز له بيعه - وبه قال عمر وابنه وابن عباس ومالك والشافعي وإسحاق(٣) - لما رواه العامّة عن عائشة أنّها أهدت هديين فأضلّتهما ، فبعث إليها ابن الزبير هديين ، فنحَرَتْهما ، ثم عاد الضالّان فنحرتهما ، وقالت : هذه سنّة الهدي(٤) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٩٣ - ٤٩٤ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٢١٧ - ٢١٨ / ٧٣٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٢١٨ / ٧٣٦.

(٣) المغني ٣ : ٥٧٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٧ ، المجموع ٨ : ٣٧٨.

(٤) المغني ٣ : ٥٧٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٧ ، وبتفاوت في اللفظ في سنن الدار قطني ٢ : ٢٤٢ / ٢٩ وسنن البيهقي ٥ : ٢٤٤.

٢٩٠

ومن طريق الخاصّة : رواية أبي بصير أنّه سأل الصادقَعليه‌السلام : عن رجل اشترى كبشاً فهلك منه ، قال : « يشتري مكانه آخر » قلت : [ فإن اشترى مكانه آخر ](١) ثم وجد الأوّل؟ قال : « إن كانا جميعاً قائمين فليذبح الأوّل وليبع الأخير ، وإن شاء ذَبَحه ، وإن كان قد ذبح الأخير ذبح الأوّل معه »(٢) .

وقال أصحاب الرأي : يصنع بالأوّل ما شاء(٣) .

وأمّا نحر الأوّل مع الإشعار : فلرواية الحلبي - الصحيحة - عن الصادقعليه‌السلام : في الرجل يشتري البدنة ثم تضلّ قبل أن يشعرها أو يقلّدها فلا يجدها حتى يأتي منى فينحر ويجد هديه ، قال : « إن لم يكن أشعرها فهي من ماله إن شاء نحرها وإن شاء باعها وإن كان أشعرها نحرها »(٤) .

مسألة ٦٢٣ : لو غصب شاةً فذبحها عن الواجب عليه ، لم يجزئه ، سواء رضي المالك أو لم يرض ، وسواء عوّضه عنها أو لم يعوّضه ؛ لأنّه لم يكن ذبحه قربة ، بل كان منهيّاً عنه ، فلا يكون خارجاً عن العهدة به.

وقال أبو حنيفة : يجزئه مع رضى المالك(٥) .

ولو ضلّ الهدي فوجده غيره ، فإن ذَبَحه عن نفسه ، لم يجزئ عن واحد منهما ؛ لعدم النيّة من صاحبه ، ولا يجزئ عنه ولا عن الذابح ؛ لأنّه منهيّ عنه.

____________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) التهذيب ٥ : ٢١٨ - ٢١٩ / ٧٣٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٧١ / ٩٦١.

(٣) المغني ٣ : ٥٧٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٧.

(٤) التهذيب ٥ : ٢١٩ / ٧٣٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٧١ - ٢٧٢ / ٩٦٢.

(٥) المغني والشرح الكبير ٣ : ٥٧٧.

٢٩١

وإن ذَبَحه عن صاحبه ، فإن ذَبَحه بمنى ، أجزأ عنه ، وبغيرها لا يجزئ ؛ لرواية منصور بن حازم - الصحيحة - عن الصادقعليه‌السلام : في رجل يضلّ هديه فيجده رجل آخر فينحره ، قال : « إن كان نحره بمنى ، فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضلّ عنه ، وإن كان نحره في غير منى ، لم يجزئ عن صاحبه »(١) .

وينبغي لواجد الضالّ أن يعرّفه ثلاثة أيّام ، فإن عرفه صاحبه ، وإلّا ذَبَحه عنه ؛ لرواية محمد بن مسلم - الصحيحة - عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال : « إذا وجد الرجل هدياً فليعرّفه يوم النحر واليوم الثاني والثالث ثم ليذبحها عن صاحبها عشيّة الثالث »(٢) .

ولو اشترى هدياً وذبحه فعرفه غيره وذكر أنّه هديه ضلّ عنه ، وأقام بيّنةً بذلك ، كان له لحمه ، ولا يجزئ عن واحد منهما ، أمّا عن صاحبه : فلعدم النيّة منه ومن الذابح ، وأمّا عن المشتري : فلانتفاء ملكه ، ولصاحبه الأرش ؛ للرواية(٣) .

وإذا عيّن هدياً صحيحاً عمّا في ذمّته فهلك ، أو عاب عيباً يمنع الإجزاء بغير تفريط ، لم يلزمه أكثر ممّا كان واجباً في ذمّته ؛ لأنّ الزائد لم يجب في الذمّة ، وإنّما تعلّق بالعين ، فسقط بتلفها.

ولو أتلفه أو فرّط فتلف ، قال قوم : يجب مثل المعيّن ؛ لأنّ الزائد تعلّق به حقّ الله تعالى ، فإذا فوّته ، لزمه ضمانه ، كالهدي المعيّن ابتداءً(٤) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٩٥ / ٨ ، التهذيب ٥ : ٢١٩ / ٧٣٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٢ / ٩٦٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٢١٧ / ٧٣١.

(٣) الكافي ٤ : ٤٩٥ / ٩ ، التهذيب ٥ : ٢٢٠ / ٧٤٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٢ / ٩٦٤.

(٤) المغني ٣ : ٥٧٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٦ - ٥٧٧.

٢٩٢

وفيه نظر.

مسألة ٦٢٤ : إذا ولدت الهدية ، وجب نحر ولدها أو ذبحه ، سواء عيّنه ابتداءً أو عيّنه بدلاً عن الواجب في ذمّته ؛ لما رواه العامّة عن عليعليه‌السلام أنّه أتاه رجل ببقرة قد أولدها ، فقال : « لا تشرب من لبنها إلّا ما فضل عن ولدها ، فإذا كان يوم الأضحى ضحّيت بها وولدها عن سبعة»(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إن نتجت بدنتك فاحلبها ما لم يضرّ بولدها ثم انحرهما جميعاً » قلت : أشرب من لبنها وأسقي ، قال : « نعم »(٢) .

ولو تلفت المعيّنة ابتداء أو بتعيينه ، وجب إقامة بدلها ، ووجب ذبح الولد ؛ لأنّه تبعها في الوجوب حالة اتّصاله بها ، ولم يتبعها في زواله ؛ لأنّه منفصل عنها ، فكان كولد المعيبة إذا ردّها المشتري بالعيب ، لم يبطل البيع في الولد.

مسألة ٦٢٥ : يجوز ركوب الهدي بحيث لا يتضرّر به‌ - وبه قال الشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي وأحمد في إحدى الروايتين(٣) - لما رواه العامّة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( اركبها بالمعروف إذا ألجِئْت إليها حتى تجد ظهراً )(٤) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام في قول الله عزّ وجلّ :( لَكُمْ

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٨١ نقلاً عن سعيد والأثرم ، ونحوه في سنن البيهقي ٥ : ٢٣٧.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٢٠ / ٧٤١.

(٣) الاُم ٢ : ٢١٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٧٦ - ٣٧٧ ، المجموع ٨ : ٣٦٨ ، المغني ٣ : ٥٨١ - ٥٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦٣.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٩٦١ / ٣٧٥ ، سنن أبي داود ٢ : ١٤٧ / ١٧٦١ ، سنن النسائي ٥ : ١٧٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٣٦.

٢٩٣

فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ) (١) قال : « إن احتاج إلى ظهرها(٢) ركبها من غير أن يعنف بها ، وإن كان لها لبن حلبها حلاباً لا ينهكها »(٣) .

وقال أحمد في الرواية الاُخرى : لا يجوز ؛ لتعلّق حقّ الفقراء بها(٤) .

ونمنع عموم التعلّق.

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجوز له شرب لبنها ما لم يضرّ بها ولا بولدها ؛ لرواية العامّة عن عليعليه‌السلام : « ولا تشرب [ من ] لبنها إلّا ما فضل عن ولدها »(٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « وإن كان لها لبن حلبها حلاباً لا ينهكها »(٦) .

ولأنّ بقاء اللبن في الضرع مضرّ له.

ولو شرب ما يضرّ بالاُم أو بالولد ، ضمن.

ولو كان بقاء الصوف على ظهرها يضرّ بها ، أزاله ، وتصدّق به على الفقراء ، وليس له التصرّف فيه ، بخلاف اللبن ؛ لأنّ اللبن لم يكن موجوداً وقت التعيين ، فلا يدخل فيه ، كالركوب وغيره من المنافع.

مسألة ٦٢٦ : هدي التمتّع من السنّة أن يأكل صاحبه منه‌ - وبه قال ابن عمر وعطاء والحسن وإسحاق ومالك وأحمد وأصحاب الرأي(٧) - لقوله‌

____________________

(١) الحجّ : ٣٣.

(٢) في « ق ، ك » والطبعة الحجرية : ظهورها. وما أثبتناه من المصدر.

(٣) الكافي ٤ : ٤٩٢ - ٤٩٣ / ١ ، التهذيب ٥ : ٢٢٠ / ٧٤٢.

(٤) المغني ٣ : ٥٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦٣.

(٥) المغني ٣ : ٥٨١ نقلاً عن سعيد والأثرم ، ونحوه في سنن البيهقي ٥ : ٢٣٧.

(٦) الكافي ٤ : ٤٩٢ - ٤٩٣ / ١ ، التهذيب ٥ : ٢٢٠ / ٧٤٢.

(٧) المغني والشرح الكبير ٣ : ٥٨٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٦٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٢٦.

٢٩٤

تعالى :( فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) (١) .

وما رواه العامّة عن مسلم أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر من كلّ بدنة ببضعة ، فجعلت في قِدْرٍ فأكل هو وعليعليه‌السلام من لحمها وشربا من مرقها(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إذا ذبحت أو نحرت فكُلْ وأطعم كما قال الله تعالى :( فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) (٣) »(٤) .

وقال الشافعي : لا يأكل منه ؛ لأنّه هدي وجب بالإحرام ، فلم يجز الأكل منه ، كدم الكفّارة(٥) .

وهو قياس فلا يعارض القرآن ، مع الفرق ؛ فإنّ دم التمتّع دم نسك ، بخلاف الكفّارة.

وينبغي أن يقسّم أثلاثاً : يأكل ثُلثه ، ويهدي ثُلثه ، ويتصدّق على الفقراء بثُلثه ، ولو أكل دون الثلث جاز.

وقد روى سيف التمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام : « إنّ سعد ابن عبد الملك قدم حاجّاً فلقي أبي ، فقال : إنّي سُقْتُ [ هدياً ](٦) فكيف أصنع؟ فقال له أبي : أطعم أهلك ثلثاً ، وأطعم القانع والمعترّ ثُلثاً ، وأطعم المساكين ثُلثاً »(٧) الحديث.

واختلف علماؤنا في وجوب الأكل واستحبابه ، وعلى الوجوب‌

____________________

(١) الحجّ : ٣٦.

(٢) المغني والشرح الكبير ٣ : ٥٨٤ ، وصحيح مسلم ٢ : ٨٩٢ / ١٢١٨.

(٣) الحجّ : ٣٦.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٢٣ / ٧٥١.

(٥) الاُم ٢ : ٢١٧ ، المجموع ٨ : ٤١٧ ، المغني ٣ : ٥٨٣ - ٥٨٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٨٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧٩ ، أحكام القرآن - لابن العربي - ٣ : ١٢٩٠.

(٦) أضفناها من المصدر.

(٧) التهذيب ٥ : ٢٢٣ / ٧٥٣.

٢٩٥

لا يضمن بتركه ، بل بترك الصدقة ؛ لأنّه المطلوب الأصلي من الهدي.

ولو أخلّ بالإهداء ، فإن كان بسبب أكله ، ضمن ، وإن كان بسبب الصدقة ، فلا.

مسألة ٦٢٧ : لا يجوز له الأكل من كلّ هدي واجب غير هدي التمتّع ، بإجماع علمائنا - وبه قال الشافعي(١) . لأنّ جزاء الصيد بدل ، والنذر جعل لله تعالى ، والكفّارة عقوبة ، وكلّ هذه لا تناسب جواز التناول.

وللرواية : قال الصادقعليه‌السلام : « كلّ هدي من نقصان الحجّ فلا تأكل [ منه ](٢) وكلّ هدي من تمام الحجّ فكُلْ »(٣) .

وعن أحمد رواية تناسب مذهبنا ؛ لأنّه جوّز الأكل من دم المتعة والقران(٤) .

ودم القران عندنا غير واجب ، فيجوز الأكل منه ، وهو قول أصحاب الرأي(٥) .

وعن أحمد رواية ثالثة : أنّه لا يأكل من النذر وجزاء الصيد ، ويأكل ممّا سواهما ، وبه قال ابن عمر وعطاء والحسن البصري وإسحاق(٦) .

وقال ابن أبي موسى : لا يأكل أيضاً من الكفّارة ، ويأكل ممّا سوى هذه الثلاثة(٧) . وهو قول مالك(٨) .

____________________

(١) الاُمّ ٢ : ٢١٧ ، المجموع ٨ : ٤١٧ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧٩ ، أحكام القرآن - لابن العربي - ٣ : ١٢٩٠.

(٢) أضفناها من المصدر.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٢٤ - ٢٢٥ / ٧٥٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٣ / ٩٦٧.

(٤) المغني والشرح الكبير ٣ : ٥٨٣.

(٥) بدائع الصنائع ٢ : ٢٢٦ ، أحكام القرآن - لابن العربي - ٣ : ١٢٩٠ ، المحلّى ٧ : ٢٧١ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧٩ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٥٨٣.

(٦) المغني والشرح الكبير ٣ : ٥٨٣ ، المحلّى ٧ : ٢٧١.

(٧) المغني والشرح الكبير ٣ : ٥٨٣.

(٨) بداية المجتهد ١ : ٣٧٩ ، أحكام القرآن - لابن العربي - ٣ : ١٢٩٠ ، المحلّى ٧ : ٢٧١ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٥٨٣.

٢٩٦

وأمّا هدي التطوّع : فيستحب الأكل منه إجماعاً ؛ للآية(١) .

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أكل هو وعليعليه‌السلام من هديهما(٢) .

ولقول الباقرعليه‌السلام : « إذا أكل الرجل من الهدي تطوّعاً فلا شي‌ء عليه »(٣) .

وينبغي أن يأكل ثلثه ويهدي ثلثه ويتصدّق بثلثه ، كهدي التمتّع ، وهو القديم للشافعي ، وله آخر : أنّه يأكل النصف ويتصدّق بالنصف(٤) .

والآية(٥) تقتضي الأكل وإطعام صنفين ، فاستحبّت التسوية.

ولو أكل الجميع في التطوّع ، لم يضمن ، وهو قول بعض الشافعيّة(٦) .

وقال باقيهم : يضمن. واختلفوا ، فقال بعضهم : يضمن القدر الذي لو تصدّق به أجزأه. وقال بعضهم : يضمن قدر النصف أو الثلث على الخلاف(٧) .

ولو لم يأكل من التطوّع ، لم يكن به بأس إجماعاً.

ولو أكل ما مُنع من الأكل منه ، ضمنه بمثله لحماً ؛ لأنّ الجملة مضمونة بمثلها من الحيوانات فكذا أبعاضها.

____________________

(١) الحجّ : ٣٦.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٨٩٢ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٧ / ٣٠٧٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٩.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٢٥ - ٧٦١ ، الإستبصار ٢ : ٢٧٣ - ٩٧٠.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٣٨٠ ، وانظر : حلية العلماء ٣ : ٣٧٦ ، والمهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٦ ، والمجموع ٨ : ٤١٥ ، والمغني ١١ : ١٠٩ ، والشرح الكبير ٣ : ٥٨٧.

(٥) الحجّ : ٣٦.

(٦) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٧ ، المجموع ٨ : ٤١٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٦.

(٧) الحاوي الكبير ٤ : ٣٨٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٧ ، المجموع ٨ : ٤١٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧٦.

٢٩٧

ولو أطعم غنيّاً ممّا له الأكل منه ، كان جائزاً ؛ لأنّه يسوغ له أكله ، فيسوغ له إهداؤه.

ولو باع منه شيئاً أو أتلفه ، ضمنه بمثله ؛ لأنّه ممنوع من ذلك ، كما مُنع من عطيّة الجزّار.

ولو أتلف أجنبي منه شيئاً ، ضمنه بقيمته ؛ لأنّ المتلف من غير ذوات الأمثال ، فلزمته قيمته.

مسألة ٦٢٨ : الدماء الواجبة بنصّ القرآن أربعة : دم التمتّع ، قال الله تعالى :( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (١) ودم الحلق ، وهو مخيّر ، قال الله تعالى :( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) (٢) وهدي الجزاء على التخيير ، قال الله تعالى :( وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ ) (٣) وهدي الإحصار ، قال الله تعالى :( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (٤) ولا بدل له ، للأصل.

مسألة ٦٢٩ : قد سلف أنّ ما يُساق في إحرام الحجّ يُذبح أو يُنحر بمنى ، وما يُساق في إحرام العمرة يُنحر أو يُذبح بمكّة ، وما يلزم من فداء يُنحر بمكّة إن كان معتمراً ، وبمنى إن كان حاجّاً.

وتجب تفرقته على مساكين الحرم ، وهو مَنْ كان في الحرم من أهله أو من غيره من الحاجّ وغيرهم ممّن يجوز دفع الزكاة إليه. وكذا الصدقة‌

____________________

(١ و ٢ ) البقرة : ١٩٦.

(٣) المائدة : ٩٥.

(٤) البقرة : ١٩٦.

٢٩٨

مصرفها مساكين الحرم. أمّا الصوم فلا يختصّ بمكان دون غيره إجماعاً.

ولو دفع إلى مَنْ ظاهره الفقر فبان غنيّاً ، فالوجه : الإجزاء ، وهو أحد قولي الشافعي(١) .

وما يجوز تفريقه في غير الحرم لا يجوز دفعه إلى فقراء أهل الذمّة - وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور(٢) - لأنّه كافر فيمنع من الدفع إليه ، كالحربي.

وقال أصحاب الرأي : يجوز(٣) .

ولو نذر هدياً مطلقاً أو معيّناً وأطلق مكانه ، وجب صرفه في فقراء الحرم.

وجوّز أبو حنيفة ذبحه حيث شاء ، كما لو نذر الصدقة بشاة(٤) .

وهو باطل ؛ لقوله تعالى :( ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) (٥) .

ولأنّ إطلاق النذر ينصرف إلى المعهود شرعاً ، وهو الحرم.

ولو عيّن موضعه غير الحرم ممّا ليس فيه صنم أو شي‌ء من أنواع الكفر ، كبيوت البِيَع والكنائس ، جاز ؛ لما رواه العامّة أنّ رجلاً جاء إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : إنّي نذرت أن أنحر ببوانة(٦) ، قال : ( أبِها صنمٌ؟ ) قال : لا ، قال : ( أوفِ بنذرك )(٧) .

ومن طريق الخاصّة : قول الكاظمعليه‌السلام في رجل جعل لله عليه بدنة‌

____________________

(١ - ٣ ) المغني ٣ : ٥٨٩.

(٤) بدائع الصنائع ٢ : ٢٢٥ ، المغني ٣ : ٥٩٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٨١.

(٥) الحجّ : ٣٣.

(٦) بُوانة : هضبة وراء يَنبُع ، قريبة من ساحل البحر. معجم البلدان ١ : ٥٠٥.

(٧) المغني ٣ : ٥٩٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٨٢ ، وبتفاوت في اللفظ في سنن أبي داود ٣ : ٢٣٨ / ٣٣١٣ ، وسنن ابن ماجة ١ : ٦٨٨ / ٢١٣١ ، ومسند أحمد ٦ : ٣٦٦.

٢٩٩

ينحرها بالكوفة في شكره ، فقال : « عليه أن ينحرها حيث جعل الله عليه وإن لم يكن سمّى موضعاً نحرها في فناء الكعبة »(١) .

ولو كان إلى موضع منهيّ عنه ، لم يجب عليه ؛ لأنّه نذر في معصية.

ولو لم يتمكّن من إيصاله إلى المساكين بالحرم ، لم يلزمه إيصاله إليهم. ولو تمكّن من إنفاذه ، وجب.

مسألة ٦٣٠ : يستحب إشعار الإبل‌ بأن يشقّ صفحة سنامها من الجانب الأيمن ويلطخه بالدم ليعلم أنّه صدقة ، ذهب إليه علماؤنا أجمع.

وقال عامّة أهل العلم بمشروعية إشعار الإبل والبقر(٢) أيضاً.

لما رواه العامّة عن عائشة ، قالت : فتلت قلائد هدي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم أشعرها وقلّدها(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام في كيفية إشعار البُدْن : « تُشعر وهي باركة يشقّ سنامها الأيمن »(٤) .

وقال أبو حنيفة : لا يجوز الإشعار ؛ لأنّه مُثْلة ، ولاشتماله على إيلام الحيوان(٥) .

ولا حجّة فيه ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فَعَله لغرض صحيح ، فأشبه الكي‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٣٩ / ٨٠٦ بتفاوت في اللفظ.

(٢) المغني ٣ : ٥٩١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٢ - ٢٤٣ ، المجموع ٨ : ٣٥٨ ، فتح العزيز ٨ : ٩٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٧٢.

(٣) المغني ٣ : ٥٩١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٨٠ ، وصحيح البخاري ٢ : ٢٠٧.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٠٩ / ٩٥٥ بتفاوت يسير.

(٥) المغني ٣ : ٥٩١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٦٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٧٢ ، فتح العزيز ٨ : ٩٣ ، المجموع ٨ : ٣٥٨ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٣١٢ ، الاستذكار ١٢ : ٢٦٩ / ١٧٥٨٦.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466