تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

تذكرة الفقهاء12%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 978-964-319-530-4
الصفحات: 466

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156741 / تحميل: 5503
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٩٦٤-٣١٩-٥٣٠-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

وفي لفظٍ : « وإلّا فهي كسبيل مالك »(١) .

وفي لفظٍ : « ثمّ كُلْها »(٢) .

وفي لفظٍ : « فانتفع بها »(٣) .

وفي لفظٍ : « فشأنك بها »(٤) .

وفي حديث أُبيّ بن كعب : « فاستنفقها »(٥) .

وفي لفظٍ : « فاستمتع بها »(٦) .

قال الشافعي : وكان أُبيّ من أيسر أهل المدينة أو كأيسرهم(٧) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام في اللّقطة يجدها الرجل الفقير أهو فيها بمنزلة الغني؟ قال : « نعم » [ و ] اللّقطة يجدها الرجل ويأخذها ، قال : « يُعرّفها سنةً ، فإن جاء لها طالب ، وإلّا فهي كسبيل ماله »(٨) .

ولأنّه مَنْ مَلَك بالعوض القرضَ مَلَك بالعوض اللّقطةَ ، كالفقير ، ولأنّ اللّقطة سببٌ في التملّك ، فاستوى فيه الغني والفقير ، كالاحتطاب ، ولأنّ‌

____________________

(١) كما في المغني ٦ : ٣٥٤ ، والشرح الكبير ٦ : ٣٨٠ - ٣٨١.

(٢) صحيح مسلم ٣ : ١٣٤٩ / ٧ ، المغني ٦ : ٣٥٤ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨١.

(٣) المغني ٦ : ٣٥٤ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨١.

(٤) صحيح البخاري ٣ : ١٦٣ ، صحيح مسلم ٣ : ١٣٤٧ / ١٧٢٢ ، سنن البيهقي ٦ : ١٨٥ ، المغني ٦ : ٣٥٤ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨١.

(٥) كما في المغني ٦ : ٣٥٤ - ٣٥٥.

(٦) صحيح البخاري ٣ : ١٦٢ و ١٦٦ ، صحيح مسلم ٣ : ١٣٥٠ / ١٧٢٣ ، سنن أبي داوُد ٢ : ١٣٤ / ١٧٠١ ، سنن البيهقي ٦ : ١٩٣ و ١٩٧.

(٧) الأُم ٤ : ٦٧ ، مختصر المزني : ١٣٥ ، الحاوي الكبير ٨ : ٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٠.

(٨) تقدّم تخريجه في ص ١٦٨ ، الهامش (١) ، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

٢٤١

تملّك الغني لها أولى من تملّك الفقير وأنفع لمالكها حيث يجد لها عوضاً ، بخلاف الفقير ؛ فإنّه إذا تملّكها لم يجد عوضاً لها غالباً فيتلف منه.

وقال أبو حنيفة : إن كان الملتقط فقيراً تخيّر بين الثلاثة المذكورة : الحفظ لصاحبها دائماً ، والصدقة بها وتكون موقوفةً على إجازة صاحبها ، والتملّك لها ، إلّا أن يكون من ذوي القربى ، وإن كان غنيّاً لم يكن له التملّك ، بل يتخيّر بين الإمساك والصدقة ، فإذا جاء صاحبها فإن رضي بالأجر ، وإلّا كان له الرجوعُ على الملتقط بها - وبه قال الحسن بن صالح والثوري - لما رواه عياض بن حمار المجاشعي : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « مَنْ وجد لقطةً فليُشهد عليها ذا عدلٍ أو ذوي عدلٍ ، ولا يكتم ولا يغيِّب ، فإن وجد صاحبها فليردّها عليه ، وإلّا فهو مال الله يؤتيه مَنْ يشاء »(١) .

قالوا : وما يضاف إلى الله تعالى فإنّما يملكه مَنْ يستحقّ الصدقة.

ولما روى العامّة عن أبي هريرة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه سئل عن اللّقطة ، فقال : « عرّفها حولاً ، فإن جاء ربّها وإلّا تصدّق بها ، فإذا جاء ربّها فرضي بالأجر وإلّا غرمها »(٢) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه الحسين بن كثير عن أبيه قال : سأل رجلٌ أميرَ المؤمنينعليه‌السلام : عن اللّقطة ، فقال : « يُعرّفها فإن جاء صاحبها دفعها إليه ، وإلّا حبسها حولاً ، فإن لم يجئ صاحبها أو مَنْ يطلبها تصدّق بها ، فإن جاء صاحبها بعد ما تصدّق بها إن شاء أغرمها الذي كانت عنده وكان الأجر‌

____________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ١٧٤ ، الهامش (١)

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٣٥٥ ، المغني ٦ : ٣٥٤ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨٠ ، الحاوي الكبير ٨ : ١٥ ، حلية العلماء ٥ : ٥٣٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥٠ ، البيان ٧ : ٤٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦٩ - ٣٧٠ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥٦.

٢٤٢

له ، وإن كره ذلك احتسبها والأجر له »(١) .

ورواياتنا أظهر من حديث عياض ؛ لأنّ الأشياء كلّها تضاف إلى الله تعالى ؛ فإنّه خالقها ومالكها ، كما قال الله تعالى :( وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ ) (٢) فدعوى أنّ ما يضاف إلى الله تعالى لا يتملّكه إلّا مَنْ يستحقّ الصدقة دعوى باطلة بغير دليلٍ.

وحديث أبي هريرة لم يثبت عند نَقَلة الأخبار ، ولا نُقل في كتابٍ يوثق به عندهم(٣) ، فلا حجّة فيه ، ومع ذلك فإنّ الأمر بالصدقة إمّا لأنّه أحد الأشياء المخيّر فيها فيتناوله الأمر ، أو على وجه الاستحباب ؛ جمعاً بين الأدلّة.

وكذا الحديث من طريق الخاصّة ؛ جمعاً بين الأدلّة.

وقد روى محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال : سألته عن اللّقطة ، قال : « لا ترفعوها ، فإن ابتليتَ فعرِّفها سنةً ، فإن جاء طالبها ، وإلّا فاجعلها في عرض مالك يجري عليها ما يجري على مالك إلى أن يجي‌ء [ لها ] طالب »(٤) .

والأخبار في ذلك كثيرة.

وحكى الشافعيّة عن مالك عكسَ قول أبي حنيفة ، وهو : إنّه قال : يتملّكها الغني ، ولا يتملّكها الفقير(٥) ، ولم يحكه أصحابه عنه.

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٨٩ / ١١٦٤ ، الاستبصار ٣ : ٦٨ / ٢٢٨.

(٢) سورة النور : ٣٣.

(٣) المغني ٦ : ٣٥٥ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨١.

(٤) تقدّم تخريجه في ص ٢٢٢ ، الهامش (٣) ، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(٥) الحاوي الكبير ٨ : ١٥ ، حلية العلماء ٥ : ٥٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٠.

٢٤٣

مسألة ٣٥٢ : لا يملك الملتقط اللّقطةَ بمضيّ الحول من غير أن يختار الملتقط تملّكها ، ولا تدخل في ملكه بعد الحول قهراً على أشهر القولين لعلمائنا - وهو أحد قولَي الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد(١) - لأنّه تملّكٌ بعوضٍ ، فلم يحصل إلّا باختيار التملّك ، كالبيع.

ولما رواه العامّة من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « فشأنك بها »(٢) فوّض الأمر إلى خيرته ، ولم يحكم بقهره على تملّكها.

ومن طريق الخاصّة : ما روي عن الباقرعليه‌السلام ، قال في حديث أبي بصير : « مَنْ وجد شيئاً فهو له فليتمتّع به حتى يأتيه طالبه ، فإذا جاء طالبه ردّه إليه »(٣) أمره بردّه ، وإنّما يثبت له ردّ العين ، ولو مَلَك لم يجب ردّ العين.

وفي الصحيح عن عليّ بن جعفر عن أخيه الكاظمعليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصيب درهماً أو ثوباً أو دابّةً كيف يصنع؟ قال : « يُعرّفها سنةً ، فإن لم يعرف حفظها في عرض ماله حتى يجي‌ء طالبها فيعطيها إيّاه ، وإن مات أوصى بها وهو لها ضامن »(٤) ولو كان مالكاً لها بغير اختياره كان له التصرّف فيها كيف شاء ، ولم يأمره بحفظها.

والقول الثاني للشافعي : إنّه يملكها بمضيّ حول التعريف ، وتدخل في ملكه بغير اختياره ، كالإرث ؛ لأن مضيّ حول التعريف هو السبب في

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ١٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٧ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥١ ، البيان ٧ : ٤٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٠ ، المغني ٦ : ٣٥٥ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٧٨.

(٢) راجع : الهامش (٤) من ص ٢٤٠.

(٣) الكافي ٥ : ١٣٩ / ١٠ ، التهذيب ٦ : ٣٩٢ / ١١٧٥.

(٤) تقدّم تخريجه في ص ٢٠٩ ، الهامش (٣)

٢٤٤

التملّك ، فإذا حصل ، حصل الملك كالإحياء والاحتطاب - وهو الرواية الشهيرة(١) عن أحمد(٢) ، وقولٌ لبعض علمائنا(٣) - لما رواه العامّة عن قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « فإذا جاء صاحبها [ وإلّا ] فهي كسائر مالك »(٤) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام في اللّقطة : « يُعرّفها سنةً ثمّ هي كسائر ماله »(٥) .

ونمنع كون التعريف حولاً سبباً للملك القهري.

نعم ، هو سبب للملك الاختياري.

والحاصل : إنّه بعد الحول يملك إن تملّك ، وكونها كسائر ماله يصدق على الملك الاختياري.

مسألة ٣٥٣ : يثبت الملك بعد التعريف حولا واختيار الـمُلتقط التملّكَ بأن يقول : اخترتُ تملّكها - وهو أحد أقوال الشافعي(٦) - لأنّ الملك هنا حصل بالعوض - وهو المثل أو القيمة - فافتقر إلى الاختيار واللفظ الدالّ عليه ، كالبيع ، وكالشفيع والغانمين في تملّك الغنيمة.

والثاني للشافعي : إنّه لا بدّ مع الاختيار واللفظ من التصرّف ، فلو‌

____________________

(١) في « ث ، ر » : « المشهورة ».

(٢) الحاوي الكبير ٨ : ١٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٧ ، الوسيط ٤ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥١ ، البيان ٧ : ٤٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٠ ، المغني ٦ : ٣٥٥ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٧٨.

(٣) ابن إدريس في السرائر ٢ : ١٠٢ و ١٠٣.

(٤) الشرح الكبير ٦ : ٣٧٩ ، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(٥) تقدّم تخريجه في ص ١٦٦ ، الهامش (٣)

(٦) الحاوي الكبير ٨ : ١٥ ، الوسيط ٤ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥١ ، البيان ٧ : ٤٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٦.

٢٤٥

لم يتصرّف الـمُلتقط لم يملك اللّقطة وإن قال : اخترتُ التملّك ؛ لأنّ صاحبها لو حضر قبل التصرّف كان أحقَّ بها ، فلم تكن مملوكةً لغيره ، ولأنّ التملّك باللّقطة كالاستقراض لا يملكه المستقرض إلّا بالتصرّف والعقد والقبض ، وعلى هذا فيشبه أن يجي‌ء الخلاف المذكور في القرض في أنّ الملك بأيّ نوعٍ من التصرّف يحصل؟(١) .

والثالث : إنّه يملك بمجرّد النيّة والقصد من غير تلفّظٍ ولا تصرّفٍ ؛ لأنّ التصرّف يتوقّف على الملك ؛ لأنّ الأصل تحريم التصرّف في مال الغير إلّا بإذنه ، فلو توقّف الملك عليه لزم الدور ، ولـمّا خلا هذا التملّك عن الإيجاب لم يفتقر إلى القبول ، وإنّما يراعى فيه الاختيار ، وذلك يحصل بالقصد والنيّة(٢) .

فحصل له أقوال أربعة فيما به يملك : الثلاثة المذكورة ، والرابع : إنّه يدخل في ملكه بغير اختياره(٣) .

مسألة ٣٥٤ : قد بيّنّا أنّه لا يلتقط من حرم مكة ، وذكرنا الخلاف في التحريم والكراهة ، وعلى القولين معاً لا يجوز تملّكها بحالٍ ، بل إن التقطها نوى الحفظ لمالكها وعرّفها دائماً - وهو أحد قولَي الشافعي(٤) - لما رواه‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ١٥ ، الوسيط ٤ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥١ ، البيان ٧ : ٤٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٦.

(٢) الوسيط ٤ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥١ ، البيان ٧ : ٤٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٦.

(٣) راجع : الهامش (٢) من ص ٢٤٤.

(٤) الحاوي الكبير ٨ : ٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٦ ، والوسيط ٤ : ٢٩٨ ،

٢٤٦

العامّة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « إنّ هذا البلد حرّمه الله يوم خلق السماوات والأرض ، لا يُعضد شوكه ، ولا يُنفَّر صيده ، ولا يلتقط لقطته إلّا مَنْ عرّفها »(١) وروي : « لا تحلّ لقطتها إلّا لمنشدٍ »(٢) أي : لمعرّفٍ ، والمعنى على الدوام ، وإلّا فالحكم في سائر البلاد كذلك ، ولا تظهر فائدة التخصيص.

ومن طريق الخاصّة : ما رواه سعيد بن عمرو الجعفي(٣) قال : خرجتُ إلى مكة وأنا من أسوأ الناس حالاً فشكوتُ إلى أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام ، فلـمّا خرجتُ وجدتُ على بابه كيساً فيه سبعمائة دينار ، فرجعتُ إليه من فوري ذلك فأخبرتُه ، فقال : « يا سعيد اتّق الله عزّ وجلّ ، وعرِّفه في المشاهد » وكنتُ رجوتُ أن يرخّص لي فيه ، فخرجتُ وأنا مغتمّ فأتيتُ منى فتنحّيتُ عن الناس حتى أتيتُ الماقوفة(٤) فنزلتُ في بيتٍ متنحّياً عن الناس ثمّ قلت : مَنْ يعرف الكيس؟ فأوّل صوتٍ صوّت إذا رجل على رأسي يقول : أنا صاحب الكيس ، فقلت في نفسي : أنت فلا كنت ، قلت : ما علامة الكيس؟ فأخبرني بعلامته ، فدفعته إليه ، فتنحّى ناحيةً فعدّها فإذا الدنانير على حالها ثمّ عدَّ منها سبعين ديناراً فقال : خُذْها حلالاً خير لك من سبعمائة حراماً ، فأخذتُها ثمّ دخلتُ على الصادقعليه‌السلام فأخبرتُه كيف تنحّيتُ‌

____________________

= حلية العلماء ٥ : ٥٢٢ - ٥٢٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥٢ ، البيان ٧ : ٤٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٦ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥٧ ، المغني ٦ : ٣٦٠ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨٥.

(١) صحيح مسلم ٢ : ٩٨٦ - ٩٨٧ / ١٣٥٣ ، سنن البيهقي ٥ : ١٩٥.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٢٠٦ ، الهامش (٣)

(٣) في التهذيب : « الخثعمي » بدل « الجعفي ».

(٤) في الكافي : « الموقوفة ». والماقوفة لعلّها اسم موضعٍ ، أو محلّ الوقوف بمنى ، كما في ملاذ الأخيار ١٠ : ٤٢٦.

٢٤٧

وصنعتُ ، فقال : « أما إنّك حين شكوتَ إلَيَّ أمرنا لك بثلاثين ديناراً ، يا جارية هاتيها » فأخذتُها وأنا أحسن قومي حالاً(١) .

ولأنّ مكة مثابة للناس يعودون إليها مرّةً بعد أُخرى ، فربما يعود مَنْ أضلّها ، أو يبعث في طلبها.

والقول الثاني للشافعي : إنّ مكة كغيرها من البقاع في حكم اللّقطة يُعرّفها الملتقط سنةً ثمّ إن شاء حفظها لمالكها وإن شاء تملّكها ، وبه قال أبو حنيفة ومالك ، وهو أظهر الروايتين عن أحمد(٢) .

وقد بيّنّا بطلانه.

مسألة ٣٥٥ : كلّ ما جاز التقاطه ملك بالتعريف عند تمامه حولا ، سواء كانت اللّقطة أثماناً أو عروضاً عند علمائنا أجمع - وهو قول جمهور العلماء ؛ فإنّهم لم يختلفوا فيه ، ولم يفرّقوا بين العروض والأثمان في التعريف حولاً وجواز التصرّف فيها بعد الحول(٣) - لأنّ الأخبار الواردة في ذلك عامّة تشمل القسمين.

روى العامّة : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله سئل عن اللّقطة ، فقال : « عرِّفها سنةً » ثمّ قال في آخره : « فانتفع بها »(٤) أو : « فشأنك بها »(٥) .

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٣٨ / ٦ ، التهذيب ٦ : ٣٩٠ - ٣٩١ / ١١٧٠.

(٢) الحاوي الكبير ٨ : ٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٦ ، الوسيط ٤ : ٢٩٨ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥٣ ، البيان ٧ : ٤٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٦ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٨٠ / ١٢١٤ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٠٢ ، المغني ٦ : ٣٦٠ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨٥ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥٧.

(٣) المغني ٦ : ٣٥٧ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨١ - ٣٨٢.

(٤) راجع : الهامش (١) من ص ١٦٦ ، والهامش (٣) من ص ٢٤٠.

(٥) راجع : الهامش (١) من ص ١٦٦.

٢٤٨

وجاء رجل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله كيف ترى في متاعٍ يوجد في الطريق المنتاب أو في قريةٍ مسكونة؟ قال : « عرِّفه سنةً ، فإن جاء صاحبه وإلّا فشأنك به(١) »(٢) .

وروى الحرّ(٣) بن الصباح قال : كنتُ عند ابن عمر بمكة إذ جاءه رجل فقال : إنّي وجدتُ هذا البرد وقد نشدته وعرّفته فلم يعرفه أحد وهذا يوم التروية ويوم يتفرّق الناس ، فقال : إن شئت فقوِّمه قيمة عدلٍ ولبسته وكنتَ ضامناً له متى جاءك صاحبه دفعته إليه(٤) ، وإن لم يجئ له طالب فهو لك إن شئت(٥) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه هشام بن سالم - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام قال : « جاء رجل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله ، إنّي وجدتُ شاةً ، فقال رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : هي لك أو لأخيك أو للذئب »(٦) .

وفي الحسن عن حريز عن الصادقعليه‌السلام قال : « لا بأس بلقطة العصا والشظاظ والوتد والحبل والعقال وأشباهه » قال : « وقال الباقرعليه‌السلام : ليس لهذا طالب »(٧) .

وفي الصحيح عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، قال : سألتُ

____________________

(١) في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « صاحبها بها » ، والمثبت يقتضيه السياق وكما في المصدر.

(٢) أورده ابنا قدامة في المغني ٦ : ٣٥٨ ، والشرح الكبير ٦ : ٣٨٣.

(٣) في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « الحارث » بدل « الحر ». والمثبت كما في المصدر.

(٤) في المصدر : « دفعت ثمنه إليه ».

(٥) أورده ابنا قدامة في المغني ٦ : ٣٥٨ - ٣٥٩ ، والشرح الكبير ٦ : ٣٨٣.

(٦) الكافي ٥ : ١٤٠ / ١٢ ، التهذيب ٦ : ٣٩٢ / ١١٧٦.

(٧) تقدّم تخريجه في ص ٢٠٩ ، الهامش (٢)

٢٤٩

أبا الحسن الرضاعليه‌السلام : عن الرجل يصيد الطير الذي يسوي دراهم كثيرة وهو مستوي الجناحين ، وهو يعرف صاحبه أيحلّ إمساكه؟ فقال : « إذا عرف صاحبه ردّه عليه ، وإن لم يكن يعرفه ومَلَك جناحه(١) فهو له ، وإن جاءك طالب لا تتّهمه ردّه عليه »(٢) .

وعن أبي بصير عن الباقرعليه‌السلام قال : « مَنْ وجد شيئاً فهو له فليتمتّع به حتى يأتيه طالبه ، فإذا جاء طالبه ردّه إليه »(٣) وهو عامّ في النقد وغيره.

ولأنّ ما جاز التقاطه جاز ملكه بالتعريف ، كالأثمان.

وعن أحمد روايتان ، هذا أظهرهما عنده.

والثانية - وعليها أكثر أصحابه - : إنّ العروض لا تُملك بالتعريف - وفرّقوا بينها وبين الأثمان ، واختلفوا فيما يُصنع بها ، فقال بعضهم : يُعرّفها أبداً. وقال بعضهم : هو بالخيار بين أن يقيم على تعريفها حتى يجي‌ء صاحبها ، وبين دفعها إلى الحاكم حتى يرى فيها رأيه. وهل له بيعها والصدقة بثمنها؟ روايتان - لأنّ ابن عمر وابن عباس وابن مسعود قالوا بذلك ، ولأنّها لقطة لا تُملك في الحرم فلا تُملك في غيره ، كالإبل ، ولأنّ الخبر [ ورد ](٤) في الأثمان ، وغيرها لا يساويها ؛ لعدم الغرض المتعلّق بعينها ، فمثلها يقوم مقامها من كلّ وجهٍ ، بخلاف غيرها(٥) .

ونقلُهم عن ابن عمر وغيره ممنوع ؛ لما تقدّم من نقل ضدّه ، على أنّ‌

____________________

(١) في المصدر : « جناحيه ».

(٢) التهذيب ٦ : ٣٩٤ / ١١٨٦.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٢٤٣ ، الهامش (٣)

(٤) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(٥) المغني ٦ : ٣٥٧ - ٣٥٨ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨١ - ٣٨٢.

٢٥٠

قول هؤلاء ليس حجّةً.

ونمنع أنّها لا تُملك في الحرم ، وهو منقوض بالأثمان.

ولا يصحّ قياسها على الإبل ؛ لأنّ معها حذاءها وسقاءها ، ترد الماء وتأكل الشجر حتى يأتيها مالكها ، ولا يوجد ذلك في غيرها ، ولأنّ الإبل لا يجوز التقاطها فلا تُملك به ، وهنا يجوز التقاطها فتُملك ، كالأثمان.

ولا يصحّ قياسها على لقطة الحرم ؛ لأنّ الحرم متميّز بأنّ لقطته لا يضمنها إلّا منشد ، ولهذا لم تُضمن الأثمان بالتقاطها فيه ، فلا يلزم أن لا تُملك في موضعٍ آخَر لم يوجد المانع فيه.

ونمنع خصوصيّة النصّ في الأثمان ، بل هو عامّ في كلّ لقطةٍ.

وأيضاً لو تخصّص اللّقطة بالأثمان ، لجاز القياس عليها عندكم إذا وُجدت المشاركة بينهما في المعنى ، كسائر النصوص التي عقل معناها ووجد في غيرها ، وهنا قد وُجد المعنى ، بل هو آكد ؛ لأنّ الأثمان لا تتلف بمضيّ الأزمنة عليها وانتظار صاحبها أبداً ، والعروض تتلف بذلك ، ففي النداء عليها دائماً هلاكُها وضياع ماليّتها على مالكها وملتقطها وسائر الناس ، وفي إباحة الانتفاع بها وملكها بعد التعريف حفظٌ لماليّتها على صاحبها بدفع قيمتها إليه ونفع غيره ، فيجب المصير إليه ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن إضاعة المال(١) ، ولاشتماله على المصلحة والحفظ للمال على صاحبه وجب مشروعيّة التقاطه وتملّكه ، ولأنّ في [ إثبات ](٢) الملك فيها حثّاً على التقاطها‌

____________________

(١) معاني الأخبار : ٢٧٩ ( باب معنى المحاقلة والمزابنة ) ، صحيح البخاري ٢ : ١٣٩ ، صحيح مسلم ٣ : ١٣٤١ / ١٤ ، سنن البيهقي ٦ : ٦٣ ، سنن الدارمي ٢ : ٣١١ ، مسند أحمد ٥ : ٣١٢ / ١٧٧٦٨.

(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

٢٥١

وحفظها وتعريفها ؛ لكونه وسيلةً إلى الملك المقصود للآدمي ، وفي نفي ملكها تضييع لها.

البحث الرابع : في وجوب الردّ.

مسألة ٣٥٦ : يجب ردّ لقطة الحرم على مالكها بعينها مع ظهوره ، ولا يجوز تملّكها بحال ، بل إمّا أن يحتفظها دائماً ولا ضمان ، وإمّا أن يتصدّق بها بعد الحول.

وفي الضمان قولان.

وأمّا لقطة غير الحرم : فإن كانت أقلَّ من درهمٍ لم يجب تعريفها ، وللملتقط التصرّف فيها كيف شاء ، فإن جاء صاحبها فإن كانت العين باقيةً ، فالأقرب : وجوب ردّها إليه ؛ لأصالة عصمة مال الغير ، سواء نوى الملتقط التملّك أو لا ، وإن كانت تالفةً فالأقرب : ردّ القيمة على إشكالٍ.

وأمّا ما زاد على ذلك فإن كانت العين باقيةً ولم يخرج حول التعريف ، وجب ردّها بجميع زوائدها المتّصلة والمنفصلة ؛ لأنّ النماء تابع للأصل ، والأصل هنا باقٍ على ملك المالك لم يخرج عنه ، فيكون النماء له.

وكذا الحكم لو عرّفها حولاً ولم يَنْو التملّك ؛ لبقاء ملك صاحبها عليها حيث اعتبرنا في تملّك الملتقط النيّة واللفظ ولو بقيت في يده أحوالاً كذلك إذا لم يَنْو التملّك.

ولو عرّفها حولاً ثمّ نوى التملّك وتملّك باللفظ ، وبالجملة أتى بشرائط التملّك ، أو كمل حول التعريف وقلنا : يملك به ، ثمّ ظهر المالك ، فإن ردّها الملتقط عليه وجب عليه قبولها ، وليس له المطالبة ببدلها وإن كان‌

الملتقط قد نوى تملّكها ؛ لأنّها لا تنحطّ عن مرتبة المثل ، ولا شكّ في أنّه لو دفع إليه المثل لم يكن له المطالبة بغيره فكذا العين.

ولو لم يدفعها الملتقط ، فالأقرب : إنّه ليس للمالك انتزاعها ؛ لأنّها قد صارت ملكاً للملتقط ، فلا تُنتقل عنه إلّا بوجهٍ شرعيّ ، كالقرض ليس للمُقرض بعد تملّك المقترض الرجوعُ في العين ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

٢٥٢

والثاني - وهو الأظهر عندهم - : إنّه ليس للملتقط إلزام المالك بأخذ البدل ، بل للمالك انتزاع العين ؛ لأنّ الملتقط إنّما يملكها ملكاً مراعىً(١) ، ولهذا قالعليه‌السلام : « عرِّفها سنةً ، فإن جاء صاحبها وإلّا فشأنك بها »(٢) ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - قال : « يُعرّفها سنةً ، فإن جاء لها طالب وإلّا فهي كسبيل ماله »(٣) .

ولا حجّة فيهما ؛ لاحتمال « فإن جاء في السنة » ونمنع كون الملتقط يملكها ملكاً مراعىً ؛ فإنّه نفس المتنازع.

مسألة ٣٥٧ : إذا زادت اللّقطة بعد تملّك الملتقط لها ثمّ جاء المالك ، فإن كانت الزيادة متّصلةً تبعت العين ، وأخذها المالك وزيادتها ؛ لأنّ الزيادة المتّصلة تتبع العين في الردّ بالعيب وفي الإقالة ، فكذا هنا ؛ لأنّها إنّما تبعت هناك ؛ لكونها بمنزلة الجزء من العين ، وهذا المقتضي موجود هنا.

وإن كانت الزيادة منفصلةً ، فهي للملتقط خاصّةً ، ويأخذ المالك العينَ مسلوبةَ الزيادة ، كالولد والثمرة ؛ لأنّ الزيادة نمت على ملك الملتقط ، وهي متميّزة غير تابعةٍ للعين في المفسوخ ، فكان له ، كنماء المبيع إذا رُدّ بعيبٍ.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٨.

(٢) راجع : الهامش (١) من ص ١٦٦.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ١٦٨ ، الهامش (١)

٢٥٣

وللحنابلة وجه آخَر ضعيف : إنّ الزيادة تتبع الأصل أيضاً وإن كانت منفصلةً ؛ بناءً على المفلس إذا استُرجعت منه العين بعد أن زادت زيادةً متميّزة ، والولد إذا استرجع أبوه ما وهبه له بعد زيادته(١) .

والحكم في المثالين ممنوع ، بل الزيادة هنا لمن وقعت في ملكه ، وهو المفلس والولد ، على أنّا نمنع الرجوع في هبة الولد بعد التصرّف ، لكن يُفرض ذلك في الأجنبيّ عندنا ، على أنّ الفرق قائم بين المتنازع وبين الصورتين المذكورتين ؛ لأنّ الملتقط ضمن الأصل ومَلَكه مضموناً بالمثل أو القيمة ، فكان النماء له ليكون الخراج بالضمان ، وفي الصورتين لا ضمان على المفلس ولا على الولد ، فلم تكن لهما الزيادة ، على أنّ الحقّ ما قلناه من كون الزيادة لهما أيضاً.

مسألة ٣٥٨ : لو التقط وعرّف حولاً ثمّ مَلَك ثمّ باع أو وهب أو فَعَل ما يوجب خروجها عن ملكه ثمّ جاء المالك ، لم يكن له أخذ العين ؛ لأنّ الملتقط قد تصرّف تصرّفاً صحيحاً ، وكان له أخذ بدلها.

فإن رجعت إلى الملتقط بفسخٍ أو عقدٍ ناقل - كبيعٍ أو هبةٍ أو غير ذلك - قبل أخذ البدل ، فإن قلنا : للمالك إذا وجد العين بعد التملّك المطالبةُ بها ، كان له هنا ذلك ؛ لأنّه وجد عين ماله في يد ملتقطه ، فكان له أخذه ، كالزوج إذا طلّق قبل الدخول فوجد الصداق قد رجع إلى المرأة. وإن قلنا : ليس له الرجوعُ هناك إلى العين بل الواجب له المثل أو القيمة ، فعدم الرجوع في العين هنا أولى.

ولو كان الملتقط قد باعها بخيارٍ ثمّ جاء مالكها في مدّة الخيار ،

____________________

(١) المغني ٦ : ٣٦٨ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٩٠.

٢٥٤

لم يكن له فسخ العقد - وهو أحد وجهي الشافعيّة(١) - لأنّ فسخ العقد حقّ العاقد ، فلا يتمكّن غيره منه بغير إذنه.

والثاني : إنّ له الفسخَ(٢) .

وردّ بعض الشافعيّة الوجهين إلى أنّه هل يُجبر الملتقط على الفسخ؟(٣) .

ويجوز عندهم فرض الوجهين في الانفساخ كالوجهين فيما إذا باع العَدْل الرهنَ بثمن المثل فظهر طالب في مجلس العقد بزيادةٍ(٤) .

مسألة ٣٥٩ : لو باع الملتقط اللّقطةَ أو اشترى بها شيئاً بعد أن تملّكها ، لم يكن للمالك الرجوعُ في الثمن الذي باع به الملتقط ولا في العين التي اشتراها بها ، بل يرجع إلى مثل اللّقطة أو قيمتها ؛ لأنّه الواجب له ، إلّا أن يشتري لصاحبها لا له.

فإن اشترى بالعين بعد التملّك ، لم يصح ؛ لأنّه لا يجوز أن يشتري الإنسان لغيره بمالٍ ليس للغير.

وإن اشترى في الذمّة ونسب ، فإن جاء صاحبها وأجاز الشراء كان له ، وإن لم يُجز الشراء كان له المطالبة بالمثل أو القيمة.

وإن كان الملتقط قد أضاف الشراء إليه في العقد وسمّاه ، كان له الفسخ وأخذ عين ماله ؛ لأنّ الملتقط لم يشتر لنفسه ، بل على حدّ الوكالة التي لم يأذن الموكّل في الشراء فيها.

ولو كان الملتقط قد اشترى بالعين جاريةً لنفسه ثمّ ظهر أنّها بنت‌

____________________

(١ و ٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٨ ، حلية العلماء ٥ : ٥٣٢ ، البيان ٧ : ٤٥٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٨.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٩.

٢٥٥

صاحب اللّقطة ، لم تُعتق عليه ، ولم يجز له أخذها من الملتقط ؛ لأنّ الشراء وقع له.

ولما رواه أبو العلاء عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : رجل وجد مالاً فعرّفه حتى إذا مضت السنة اشترى منه خادماً فجاء طالب المال فوجد الجارية التي اشتُريت بالدراهم هي ابنته ، قال : « ليس له أن يأخذ إلّا دراهمه ، وليس له البنت ، إنّما له رأس ماله ، وإنّما كانت ابنته مملوكة قومٍ »(١) .

مسألة ٣٦٠ : اللّقطة في مدّة حول التعريف أمانة في يد الملتقط إذا لم يتملّكها قبل التعريف ولا فرّط ولا تعدّى فيها ، فلو تلفت لم يكن عليه شي‌ء ، وكذا لو نقصت.

وإن أتلفها الملتقط أو تلفت بتفريطه ، ضمنها بمثلها إن كانت من ذوات الأمثال ، وبقيمتها إن لم يكن لها مثلٌ بغير خلافٍ.

وإن تلفت بعد الحول قبل نيّة التملّك ، فكذلك إن لم نقض بالتملّك بمجرّد حئول الحول.

وإن قلنا : إنّه يملك بمضيّ الحول بغير اختياره ، أو حال الحول وتملّك باختياره ثمّ تلفت أو أتلفها ، ثبت في الذمّة مثلها إن كانت من ذوات الأمثال ، وإن كانت من ذوات القِيَم ضمن القيمة ؛ لأنّه تصرّف في مال الغير بالتملّك أو الإتلاف بغير إذنه ورضاه ، فكان ضامناً.

ولما رواه حنان قال : سأل رجل أبا عبد الله الصادقَعليه‌السلام : عن اللّقطة‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٣٩ / ٨ ، التهذيب ٦ : ٣٩١ - ٣٩٢ / ١١٧٣.

٢٥٦

وأنا أسمع ، قال : « تعرّفها سنةً ، فإن وجدتَ صاحبها وإلّا فأنت أحقّ بها » وقال : « هي كسبيل مالك » وقال : « خيِّره إذا جاءك بعد سنةٍ بين أجرها وبين أن تغرمها له إذا كنت أكلتها »(١) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه إن كانت العين من ذوات الأمثال ، وجب ردّ المثل مع تلفها إن أمكن ، وإن تعذّر ردّ المثل كان عليه قيمته يوم الغرم ، وإن كانت من ذوات القِيَم وجب عليه ردّ قيمتها يوم التملّك.

مسألة ٣٦١ : إذا تملّكها الغني أو الفقير بعد التعريف حولاً ثمّ أتلفها أو تلفت ، كان عليه بدلها لصاحبها في قول عامّة أهل العلم(٢) ، وإن كانت باقيةً ردّها بعينها أو بقيمتها أو مثلها على الخلاف الذي تقدّم ؛ لما رواه العامّة في حديث أُبيّ بن كعب أنّه قال : « فإن جاء صاحبها فأدِّها إليه »(٣) وأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاًعليه‌السلام بغرم الدينار الذي وجده لـمّا جاء صاحبه(٤) ، فوجب أن يكون ضامناً في ذمّته من يوم التلف ، ولو لا تقوّمه(٥) لما تمكّن المالك من طلبه إذا جاء.

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام : « مَنْ وجد شيئاً فهو له فليتمتّع به حتى يأتيه طالبه ، فإذا جاء طالبه ردّه إليه »(٦) .

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٩٦ - ٣٩٧ / ١١٩٤.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٨ ، حلية العلماء ٥ : ٥٣١ ، البيان ٧ : ٤٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٩ ، المغني ٦ : ٣٦٦ - ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٩١.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ١٧٠ ، الهامش (١)

(٤) تقدّم تخريجه في ص ٢٣١ ، الهامش (٤)

(٥) كذا قوله : « ضامناً تقوّمه ». والظاهر : « ثابتاً ثبوته ».

(٦) تقدّم تخريجه في ص ٢٤٣ ، الهامش (٣)

٢٥٧

ولأنّ هذا مال مَنْ له حرمة ، فإذا أتلفه بغير إذنه وكان من أهل الضمان في حقّه ، لزمه بدله ، كما لو اضطرّ إلى طعام غيره فأكله.

وقال بعض الشافعيّة : إذا تملّكها الملتقط بعد الحول ، لم يطالب بقيمةٍ ولا بعينٍ ، سواء كانت باقيةً أو تالفةً - وبه قال داوُد الظاهري - لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال للسائل : « عرِّفها حولاً ، فإن جاء صاحبها وإلّا فشأنك بها »(١) وروي « فهي لك »(٢) ولم يأمره بردّ بدلها(٣) .

وهو غلط ؛ لأنّ الأمر بردّ البدل قد ثبت بغير هذا الحديث ، ولا معارضة له في هذا الحديث.

مسألة ٣٦٢ : قال أبو إسحاق من الشافعيّة : إذا تملّك اللّقطة بعد الحول فإن جاء صاحبها وإلّا فهي مال الله يؤتيه مَنْ يشاء ، فجَعَلها من المباحات ، ولأنّه لو مات لم يعزل بدلها من تركته(٤) .

وهو غلط ؛ لأنّه يستحقّ صاحبه المطالبة ببدله ، فدلّ على أنّه يملكه بعوضٍ ، كالقرض ، والحديث(٥) لو ثبت حُمل على جواز التملّك واستباحته.

ولا نسلّم أنّه لا يعزل بدله ؛ فإنّ جماعةً من الشافعيّة قالوا : لا نعرف‌

____________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ١٦٦ ، الهامش (١)

(٢) المصنّف - لابن أبي شيبة - ٦ : ٤٥٠ / ١٦٧٢ ، مسند أحمد ٢ : ٤٢٠ - ٤٢١ / ٦٨٩٧.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٨ ، حلية العلماء ٥ : ٥٣١ ، البيان ٧ : ٤٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٩ ، المغني ٦ : ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٩١.

(٤) البيان ٧ : ٤٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٩ ، المغني ٦ : ٣٥٦.

(٥) أي : حديث عياض بن حمار ، المتقدّم في ص ٢٤١.

٢٥٨

هذه المسألة(١) ، ولئن(٢) سلّمناها فإنّما كان كذلك ؛ لأنّه لا يعرف المستحقّ ، فالظاهر أنّه لا يعرف فلم توقف التركة.

إذا عرفت هذا ، فإنّ اللّقطة عندنا تُملك بالتعريف والاختيار على ما تقدّم(٣) .

وقال الحسن والنخعي وأبو مجلز والحارث العكلي ومالك وأبو يوسف : لا يجوز للملتقط تملّك اللّقطة بحالٍ ، فإذا تلفت بعد الحول أو قبله من غير تعدٍّ ولا تفريطٍ ، لم يضمنها الملتقط(٤) .

وقد بيّنّا جواز تملّكها ، فيضمن حينئذٍ.

وقد بيّنّا أنّ داوُد وبعض الشافعيّة ذهب إلى أنّ الملتقط يملك العين بعد الحول ، فإذا أتلفها لم يضمنها(٥) .

وعن أحمد رواية بمثل ذلك(٦) .

وقد تقدّم بطلانه ، ولأنّها عين يجب ردّها لو كانت باقيةً ، فيلزمه ضمانها إذا أتلفها ، كما قبل الحول.

مسألة ٣٦٣ : لو وجد المالك العينَ ناقصةً ، فإن كان قبل التملّك من غير تفريطٍ من الملتقط أخذها المالك بحالها ، ولا ضمان على الملتقط ؛ لأنّها لو تلفت بأسرها لم يكن عليه ضمان ، فالأجزاء أولى ؛ لأنّها تابعة للأصل.

____________________

(١) لم نهتد إلى مظانّه.

(٢) في « ج ، خ » : « وإن » بدل « ولئن ».

(٣) في ص ٢٤٤ ، المسألة ٣٥٣.

(٤) المغني ٦ : ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٩١.

(٥) راجع : ص ٢٥٧ ، الهامش (٣)

(٦) المغني ٦ : ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٩١.

٢٥٩

وإن نقصت قبل تملّكه من غير تفريطٍ ثمّ تملّكها ثمّ جاء المالك ، لم يكن له المطالبة بالأرش أيضاً ؛ لأنّ النقص وقع وهي في ملكه بَعْدُ لم تنتقل إلى الملتقط(١) ، وإنّما مَلَكها ناقصةً ، فلم يكن عليه ضمان النقص ، كما لو تلفت قبله.

وكذا لو تلفت بعد أن تملّكها ناقصةً ، لم يكن عليه ضمان النقص ، بل يضمن العين ناقصةً بالمثل أو القيمة ناقصةً.

ولو نقصت بعد التملّك أو بتفريطٍ منه ثمّ جاء مالكها ، فإن قلنا : إنّ المالك لا يرجع في العين ، بل ينتقل حقّه إلى المثل أو القيمة ، لم يكن له أخذها ، ويرجع إلى بدلها سليمةً.

ولو دفعها الملتقط مع الأرش ، فإن قلنا بوجوب قبولها لو كانت سليمةً ، وجب هنا أيضاً ، وإن قلنا : للمالك أن يأخذ عين ماله ، كان له الأخذ هنا مع الأرش ؛ لأنّ الكلّ مضمون على الملتقط لو تلف فكذا البعض.

وقال بعض الشافعيّة : إنّه يقنع بها ، وليس له أرش(٢) .

وليس بجيّدٍ.

ولو أراد الرجوع إلى بدلها وقال الملتقط : أنا أدفع العين مع الأرش ، فالأقوى : إنّه يجب على المالك القبول - وهو أحد وجهي الشافعيّة(٣) - لأنّ العين الناقصة مع الأرش كغير الناقصة ، وصار كالغاصب.

ولهم وجهٌ آخَر : إنّ للمالك الرجوعَ إلى البدل وإن أوجبنا عليه أخذ‌

____________________

(١) في « ج » : « ملتقطها ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٣ - ٣٧٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٩.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

أبي طالب، حدثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن عليرضي‌الله‌عنه ، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:

سألت [ الله ] - يا علي - فيك خمساً، فمنعني واحدةً وأعطاني أربعاً، سألت الله أنْ يجمع عليك أُمّتي فأبى عليَّ. وأعطاني فيك: أنّ أوّل من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا وأنت معي، [ معك ] لواء الحمد، وأنت تحمله بين يديّ، تسبق [ به ] الأوّلين والآخرين. وأعطاني أنّك أخي في الدّنيا والآخرة. وأعطاني أن بيتي مقابل بيتك في الجنّة. وأعطاني أنّك وليّ المؤمنين بعدي »(١) .

أقول:

وإنّ هذا الحديث الشريف يهتك أستار التضليل والتخديع، ويكشف أسرار التزويق والتلميع، فهو من خير الأدلّة على بطلان تأويل حديث الولاية، وحمله على معنىً غير معنى ( المتصرّف في الأمر )، وسقوطه من أصله وقمعه من جذوره

إنّ هذا الحديث يدل دلالةً وأضحةً على أنّ المراد من جملة ( ولي المؤمنين بعدي ) معنىً جليل ومقام عظيم، لأنّ المنازل التي ذكرها النبي صلّى الله عليه وسلّم له قبل هذه الجملة يستوجب كلّ واحدةٍ منها على اليقين أفضليتهعليه‌السلام من جميع الخلائق من الأوّلين والآخرين، لأنّ مفادها مساواتهعليه‌السلام للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم - الذي لا شك في أفضليّته من الخلائق أجمعين - في مراتبه ومنازله كلّها.

__________________

(١). التدوين بذكر أهل العلم بقزوين ٢ / ١٢٦.

٣٠١

فكما أنّ تلك المنازل والمراتب للنبي صلّى الله عليه وسلّم جعلته خير الخلائق وأشرف المرسلين كذلك يكون عليعليه‌السلام - المساوي له فيها - أفضل الخلائق أجمعين من الأنبياء والمرسلين وسائر الناس، فلذا قال بعد أن ذكرها: « وأعطاني أنّك وليُّ المؤمنين بعدي » ليشير إلى أن تلك المنازل توجب أنْ يكون هو ( المتصرّف ) في أُمور المؤمنين بعده صلّى الله عليه وسلّم، وهذا ليس إلّا ( الإمامة والخلاقة ).

ترجمة الرّافعي

ولا بأس بذكر ترجمة الرافعي الرّاوي لهذا الحديث عن بعض المصادر المعتبرة:

١ - الذهبي: الامام الرافعي أبو القاسم عبدالكريم بن محمّد بن عبدالكريم بن الفضل القزويني الشافعي، صاحب الشرح الكبير، إليه انتهت معرفة المذهب ودقائقه، وكان مع براعته في العلم صالحاً زاهداً ذا أحوالٍ وكراماتٍ ونسكٍ وتواضع. توفي في حدود آخر السنة.رحمه‌الله »(١) .

٢ - ابن الوردي: « وفيها مات إمام الدين عبدالكريم بن محمّد بن عبدالكريم الرافعي القزويني، مصنّف الشّرح الكبير والصّغير على الوجيز والمحرر، ومصنّف التذنيب على الشرحين. وكان مع براعته في العلوم صالحاً زاهداً ذا أحوالٍ وكرامات. وعلى شرحه الكبير اليوم إعتماد المفتين والحكّام في الدنيا »(٢) .

__________________

(١). العبر ٣ / ١٩٠ حوا دث ٦٢٣

(٢). تتمة المختصر في أخبار البشر - حوادث ٦٢٣.

٣٠٢

٣ - اليافعي: « وفيها توفي الإمام الكبير العلّامة البارع الشهير، الجامع بين العلوم والأعمال الصالحات، والزهد والعبادات، والتّصانيف المفيدات النفيسات، أبو القاسم عبدالكريم بن محمّد بن عبدالكريم القزويني الشافعي، صاحب الشرح الكبير المشتمل على معرفة المذهب ودقائقه الغامضات، الجامع الفائق على التصانيف السابقات واللّاحقات. ومن كراماته: أنّه أضاءت له شجرة في بيته لـمّا انطفى السراج الذي يستضيء به عند كتبه بعض مصنفاته »(١) .

٤ - الأسنوي: « أبو القاسم إمام الدين عبدالكريم بن محمّد القزويني، صاحب الشرح الوجيز الذي لم يصنّف في المذهب مثله. تفقّه على والده وعلى غيره.

وكان إماماً في الفقه والتفسير والحديث والاُصول وغيرها، طاهر اللّسان في تصنيفه، كثير الأدب، شديد الإحتراز في المنقولات، ولا يطلق نقلاً عن أحدٍ غالباً إلّا إذا رآه في كلامه، وإنْ لم يقف عليه فيه عبّر بقوله: وعن فلانٍ كذا، شديد الإحتراز أيضاً في مراتب الترجيح »(٢) .

وتوجد ترجمته أيضاً في:

سير أعلام النبلاء ٢٢ / ٢٥٢

فوات الوفيات ٢ / ٧

طبقات الشافعية للسبكي ٨ / ٢٨١

تهذيب الأسماء واللغات ٢ / ٢٦٤

__________________

(١). مرآة الجنان ٤ / ٥٦.

(٢). طبقات الشافعية: ١ / ٢٨١.

٣٠٣

النجوم الزاهرة ٦ / ٢٦٦

شذرات الذهب ٥ / ١٠٨

(١٦)

« الأولياء » في تفسير أهل البيت بمعنى « الأئمّة »

جاء ذلك في خطبةٍ للإمام الحسن السّبطعليه‌السلام ، رواها الأئمة الطاهرون من أهل البيت، وأوردها العلّامة القندوزي، قال:

« وفي التفسير المنسوب إلى الأئمّة من أهل البيت الطيّبين - رضي الله عنهم - عن جعفر الصادق، عن أبيه، عن جدّه: إن الحسن ابن أمير المؤمنين علي - سلام الله عليهم - خطب على المنبر وقال:

إنّ الله عزّ وجلّ - بمنّه ورحمته – لـمّا فرض عليكم الفرائض، لم يفرض ذلك عليكم لحاجةٍ منه إليه، بل رحمةً منه، لا إله إلّا هو، ليميز الخبيث من الطيّب، وليبلي ما في صدوركم، وليمحّص ما في قلوبكم، ولتتسابقوا إلى رحمته، ولتتفاضل منازلكم في جنّته، ففرض عليكم الحج والعمرة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم والولاية لنا أهل البيت، وجعلها لكم باباً لتفتحوا به أبواب الفرائض، ومفتاحاً إلى سبيله، ولولا محمّد - صلّى الله عليه وسلّم - وأوصياؤه لكنتم حيارى، لا تعرفون فرضاً من الفرائض، وهل تدخلون داراً إلّامن بابها؟

فلمّا منَّ الله عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيّكم - صلّى الله عليه وسلّم - قال:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ

٣٠٤

دِيناً ) . ففرض عليكم لأوليائه حقوقاً، وأمركم بأدائها إليهم، ليحلّ ما وراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومآكلكم ومشاربكم، ويعرّفكم بذلك البركة والنماء والثروة، وليعلم من يطيعه منكم بالغيب.

ثم قال الله عزّ وجلّ:( قُلْ لا أَسْألُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) واعلموا أنّ من يبخل المودّة فإنّما يبخل عن نفسه، إنّ الله هو الغني وأنتم الفقراء إليه.

فاعملوا من بعد ما شئتم، فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون، ثم تردّون إلى عالم الغيب والشهادة فينبّئكم بما كنتم تعملون، والعاقبة للمتّقين، ولا عدون إلّا على الظالمين.

سمعت جدّي - صلّى الله عليه وسلّم - يقول: خلقت أنا من نور الله وخلق أهل بيتي من نوري، وخلق محبّيهم من نورهم، وسائر الناس في النار »(١) .

أقول:

ولا ريب في أنّ مرادهعليه‌السلام من « إقامة الأولياء بعد النبي » هو: نصب الأئمة، ويؤكّده استشهاده بالآية المباركة( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) النازلة في يوم غدير خم.

فإذن: المراد من « الولي » هو « الإمام ».

فكذلك: المراد من « الولي » في حديثنا هو « الإمام ».

__________________

(١). ينابيع المودة ٣ / ٣٦٥ الطبعة المحققة.

٣٠٥

لأنّ: الحديث يفسّر بعضه بعضاً، كما نصّ عليه العلماء كالحافظ في ( شرح البخاري ) وغيره من الأعلام.

(١٧)

إختصاص لفظ « الولي » ومقام « الولاية » بنوّاب نبيّنا وهم « اثنا عشر »

وهذا ما نصَّ عليه شيخ الشيوخ سعدالدين الحموي، أورده الشيخ عزيز ابن محمّد النسفي(١) في كتابه، وحكاه الشيخ القندوزي، وهذا معرّبه:

إنّه لم يكن قبل نبيّنا محمّد - صلّى الله عليه وسلّم - في الأديان السابقة عنوان « الولي » وإنّما كان عنوان « النبي »، وكان يسمّون المقرّبين إلى الله الوارثين لصاحب الشريعة بـ « الأنبياء » فلمـّا نزل الدين الجديد والشريعة الجديدة على محمّد - صلّى الله عليه وسلّم - من عند الله عزّ وجلّ، وجد في هذا الدين اسم « الولي »، إذ اختار اثني عشر رجلاً من أهل بيت محمّد - صلّى الله عليه وسلّم - وجعلهم الوارثين له، المقرّبين إلى نفسه، واختصهم بولايته، فهم النوّاب - من عند الله - لمحمّد صلّى الله عليه وسلّم، الوارثون له، وهؤلاء الاثنا عشر هم الذين ورد فيهم الحديث: العلماء ورثة الأنبياء، والحديث: علماء اُمتي كأنبياء بني إسرائيل.

وإنّ آخر الأولياء - وهو آخر النوّاب - هو الولي والنائب الثاني عشر، وهو خاتم الأولياء، واسمه: المهدي، صاحب الزمان.

__________________

(١). عزيز الدين محمّد النّسفي، من أعلام الصّوفية، له في ذلك مصنّفات، توفي سنة ٦٨٦. هدية العارفين ١ / ٥٨٠.

٣٠٦

قال الشيخ: والأولياء في العالم لا يزيدون على اثني عشر، وأمّا الثلاثمائة والخمسون، الذين هم رجال الغيب، فلا يسمّون بالأولياء، وإنّما هم الأبدال »(١) .

فهذا رأي شيخ شيوخ القوم، الذي نقله النّسفي وهو من كبارهم، فدونكها من حجة حاسمة لشكوك أرباب الغواية، مبيّنة لكون « الولي » دليلاً على « الإمامة » في حديث الولاية!

(١٨)

تبادر « المتصرّف في الأمر » من « الولي » عند الإطلاق

فإنّ المنسبق إلى الأذهان من لفظ « الولي » عند الإطلاق هو معنى « المتصرّف في الأمر » فكيف لو ضمّ إليه كلمة « بعدي »؟

فلو غض النظر عن جميع الأدلة السابقة لكفى هذا التبادر وجهاً تامّاً للإستدلال، ودليلاً قاطعاً للشبهة.

وإنّ لنا على هذا الذي ذكرناه شواهد في كلمات كبار العلماء المعتمدين، ومن ذلك ما جاء في ( الروضة النديّة ) بعد حديث الثقلين المشتمل لفظه على حديث الغدير:

« وتكلّم الفقيه حميد(٢) على معانيه وأطال، ولننقل بعض ذلك:

__________________

(١). ينابيع المودّة: ٤٧٥.

(٢). حميد بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن عبدالواحد المحلّي، النهمي، الوادعي، الهمداني. متكلّم، من شيوخ الزيدية، من تصانيفه: العمدة، في مجلدين، العقد الفريد.=

٣٠٧

قال -رحمه‌الله - منها: فضل العترةعليهم‌السلام ، ووجوب رعاية حقّهم، حيث جعلهم أحد الثقلين اللّذين يسأل عنهما، وأخبر بأنّه سأل لهم اللطيف الخبير وقال: فأعطاني، يعني: استجاب لدعاه فيهم.

... ومنها قوله: - صلّى الله عليه وسلّم -: من كنت وليّه فهذا وليّه. الولي: المالك المتصرف، بالسبق إلى الفهم، وإنْ استعمل في غيره، ولهذا قال: السلطان وليّ من لا وليّ له. يريد: ملك التصرف في عقد النكاح، يعني: إنّ الإمام له الولاية فيه حيث لا عصبة ».

(١٩)

وجوب حمل اللفظ المشترك على جميع معانيه حيث لا قرينة

عند الشافعي وجماعة

فلقد ذهب الشافعي(١) وأبو بكر الباقلاني(٢) وجماعة من أعلام الاُصوليين عند القوم إلى: وجوب حمل اللفظ المشترك عند فقد المخصّص على جميع معانيه، فلو فرضنا عدم الدليل على ما نذهب إليه في المراد من حديث الولاية، لكفى هذا المبنى الاُصولي في الاستدلال بالحديث على إمامة أمير

__________________

= الحسام الوسيط، عقيدة الآل. الحدائق الوردية. وفاته سنة: ٦٥٢. معجم المؤلفين ١ / ٦٥٨.

(١). محمد بن إدريس، إمام الشّافعيّة، توفي سنة ٢٠٤، من مصادر ترجمته: حليةالأولياء ٩ / ٦٣، تهذيب الأسماء واللغات ١ / ٤٤، وفيات الأعيان ٤ / ١٦٣، سير أعلام النبلاء ١٠ / ٥، صفة الصفوة ٢ / ٩٥.

(٢). محمّد بن الطيّب، المتكلّم الكبير، الاُصولي الشهير المتوفى سنة ٤٠٣. من مصادر ترجمته: تاريخ بغداد ٥ / ٣٧٩، وفيات الأعيان ٤ / ٢٦٩، سير أعلام النبلاء ١٧ / ١٩٠.

٣٠٨

المؤمنينعليه‌السلام ، إذ لا ريب في أنّ من جملة المعاني هو: المتصرّف في الأمر، فيثبت له هذا المعنى، وسائر معاني لفظ « الولي » له، ولا ضير فيه.

وأمّا أن ما ذكر هو مذهب الشّافعي والباقلاني وأتباعهما، فصريح الكتب الاُصولية، قال العبري(١) في ( شرح المنهاج ).

« نقل عن الشافعي -رضي‌الله‌عنه - والقاضي أبي بكر -رحمه‌الله - وجوب حمل المشترك على جميع معانيه حيث لا قرينة معه تدل على تعيين المراد منه، لأنّ حمله على جميع معانيه غير ممنوع لما ذكرناه، فيجب أن يحمل، إذ لو لم حمل عليه فإمّا أنْ لا يحمل على شيء من معانيه، وذلك إهمال اللّفظ بالكليّة، وهو ظاهر البطلان، أو يحمل على بعض معانيه دون بعض، وذلك ترجيح بلا مرجّح، لاستواء الوضع بالنسبة إليها وعدم القرينة المعيّنة للبعض، وهو أيضاً محال »(٢) .

وقال الفخر الرازي في كتاب ( مناقب الشافعي ):

« المسألة الرابعة: عابوا عليه قوله: اللفظ المشترك محمول على جميع معانيه عند عدم المخصّص. قالوا: والدليل على أنّه غير جائز: إنّ الواضع وضعه لأحد المعنيين فقط، فاستعماله فيها معاً يكون مخالفةً للّغة.

وأقول: إن كثيراً من الاُصوليّين المحققين وافقوه عليه، كالقاضي أبي بكر الباقلاني، والقاضي عبدالجبّار بن أحمد. ووجه قوله فيه ظاهر وهو: إنّه لـمّا

__________________

(١). عبدالله بن محمّد العبري الفرغاني المتوفى سنة ٧٤٣، فقيه، اُصولي، متكلّم. البدر الطالع ١ / ٤١١، الدرر الكامنة ٢ / ٤٣٣.

(٢). شرح المنهاج في الاصول - مخطوط.

٣٠٩

تعذّر التعطيل والترجيح لم يبق إلّا الجمع. وإنّما قلنا: إنّه تعذّر التعطيل، لأنّه تعالى إنّما ذكره للبيان والفائدة، والقول بالتعطيل إخراج له عن كونه بياناً وفائدة. وإنّما قلنا: إنّه تعذّر الترجيح، لأنّه يقتضي ترجيح الممكن من غير مرجّح وهو محال. ولـمّا بطل القسمان لم يبق إلّا الجمع، وهذا وجه قوي حسن في المسألة وإنْ كنا لا نقول به ».

وقال محمد الأمير في ( الروضة الندية ) بعد الكلام المنقول عنه سابقاً، نقلاً عن الفقيه الحميد:

« ثم لو سلّمنا احتمال « الولي » لغير ما ذكرنا على حدّه، فهو كذلك يجب حمله على الجميع، بناءً على أنَّ كلّ لفظةٍ احتملت معنيين بطريقة الحقيقة فإنّه يجب حملها على الجميع، إذ لم يدل دليل على التخصيص ».

(٢٠)

ابن حجر: « من كنت وليّه » أي: المتصرّف في الأُمور

وهذا نصّ كلامه:

« على أنّ كون « المولى » بمعنى « الإمام » لم يعهد لغةً ولا شرعاً، أمّا الثاني فواضح، وأمّا الأوّل: فلأنَّ أحداً من أئمة العربيّة لم يذكر أن « مفعلاً » يأتي بمعنى « أفعل ». وقوله تعالى:( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) أي: مقرّكم أو ناصرتكم مبالغةٌ في نفي النصرة، كقولهم: الجوع زاد من لا زاد له. وأيضاً: فالإستعمال يمنع من أنّ « مفعلاً » بمعنى « أفعل » إذْ يقال: هو أولى من كذا، دون: مولى من كذا. وأولى الرجلين، دون: مولاهما.

٣١٠

وحينئذٍ، فإنّما جعلنا من معانيه: المتصرف في الامور، نظراً للرواية الآتية: من كنت وليّه »(١) .

أقول:

فابن حجر يرى أنّ لفظ « الولي » في الحديث: « من كنت وليّه فعلي وليّه » بمعنى « المتصرّف في الاُمور »، وعليه يكون المراد منه في الحديث « وليّكم بعدي » هو « المتصرف في الاُمور » كذلك، حتى لا يلزم الافتراق واختلال الاتّساق المستبشع في المذاق، الذي لا يلتزمه إلّامن ليس له من الفهم والحدس الصائب خلاق.

ولا يخفى أنّ هذا كافٍ في الإستدلال به على المطلوب.

(٢١)

حديث بريدة بلفظ : « من كنت وليّه فعلي وليّه »

وفي بعض طرق حديث بريدة، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: « من كنت وليّه فعلي وليّه »، وأخرجه غير واحدٍ من الأئمة الأعلام:

* أخرج أحمد: « ثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: من كنت وليّه فعلي وليّه »(٢) .

__________________

(١). الصواعق المحرقة: ٦٥.

(٢). مسند أحمد ٥ / ٣٦١.

٣١١

* وأخرج: « حدّثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: بعثنا رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في سرية، قال: لـمّا قدمنا قال: كيف رأيتم صحبة صاحبكم؟ قال: فإمّا شكوته أو شكاه غيري قال: فرفعت رأسي - وكنت رجلاً مكباباً - قال: فإذا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد احمرّ وجهه قال: وهو يقول: من كنت وليّه فعلي وليّه »(١) .

وأخرج: « ثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن ابن بريدة، عن أبيه، إنّه مرّ على مجلسٍ وهم يتناولون من علي، فوقف فقال: إنّه قد كان في نفسي على علي شيء، وكان خالد بن الوليد كذلك، فبعثني رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في سرية عليها علي، وأصبنا سبياً، قال: فأخذ علي جاريةً من الخمس لنفسه، فقال خالد بن الوليد: دونك. قال: فلمـّا قدمنا على النبي - صلّى الله عليه وسلّم - في سرية عليها علي، وأصبنا سبياً، قال: فأخذ علي جاريةً من الخمس لنفسه، فقال خالد بن الوليد: دونك. قال: فلمـّا قدمنا على النبي - صلّى الله عليه وسلّم - جعلت اُحدّثه بما كان، ثم قلت: إنَّ علياً أخذ جاريةً من الخمس، قال: وكنت رجلاً مكباباً، قال: فرفعت رأسي فإذا وجه رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قد تغيّر فقال: من كنت وليّه فعلي وليّه »(٢) .

* وأخرج النَسائي: « أخبرنا أبو كريب محمّد بن العلاء الكوفي قال: حدّثنا أبو معاوية، قال: ثنا الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: بعثنا رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في سرية، واستعمل علينا علياً، فلمـّا رجعنا سألنا كيف رأيتم صحبة صاحبكم، فإمّا شكوته أنا وإمّا شكاه غيري، فرفعت رأسي - وكنت رجلاً مكباباً - فإذا وجه رسول الله - صلّى الله

__________________

(١). مسند أحمد ٥ / ٣٥٠.

(٢). مسند أحمد ٥ / ٣٥٨.

٣١٢

عليه وسلّم - قد احمرّ فقال: من كنت وليّه فعلي وليّه »(١) .

* وأخرج: « أخبرنا محمّد بن المثنّى قال حدثنا يحيى بن حماد قال أخبرنا أبو عوانة عن سليمان قال: حدّثنا حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم، قال: لـمّا رجع رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - من حجّة الوداع ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقممن، ثم قال: كأنّي قد دعيت فأجبت، وإني قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنّهما لن يفترفا حتى يردا عليَّ الحوض. ثم قال:

إنّ الله مولاي، فأنا ولي كلّ مؤمن. ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت وليّه فهذا وليّه، اللّهم والِ من والاه وعادِ من عاداه.

فقلت لزيد: سمعته من رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -؟

قال: ما كان في الدوحات أحد إلّا رآه بعينه وسمعه باُذنه »(٢) .

* وأخرج الحاكم: « حدّثنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن تميم الحنظلي - ببغداد - ثنا أبو قلابة عبدالملك بن محمّد الرقاشي، حدّثنا يحيى بن حماد.

وحدّثني أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه، وأبو بكر أحمد بن جعفر البزاز، قالا: ثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل، حدّثني أبي، ثنا يحيى بن حماد.

وثنا أبو نصر أحمد بن سهل الفقيه - ببخارى - ثنا صالح بن محمّد الحافظ البغدادي، ثنا خلف بن سالم المخرّمي، ثنا يحيى بن حماد، ثنا أبو عوانة، عن سليمان الأعمش قال: ثنا حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن

__________________

(١). الخصائص: ٧٠.

(٢). الخصائص: ٦٩.

٣١٣

زيد بن أرقم قال: لـمّا رجع رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - من حجّة الوداع، ونزل غدير خم، أمر بدوحاتٍ فقممن، ثم قال: كأنّي قد دعيت فأجبت، وإنّي قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض؛ ثمّ قال:

الله عزّ وجلّ مولاي، وأنا مولى كلّ مؤمنٍ، ثم أخذ بيد علي فقال:

من كنت مولاه فهذا وليّه، اللّهم والِ من والاه.

وذكر الحديث بطوله.

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بطوله.

شاهده حديث سلمة بن كهيل، عن أبي الطفيل أيضاً، صحيح على شرطهما »(١) .

* وروى ابن كثير عن سنن النسائي عن محمّد بن المثّنى بإسناده فيه:

« إنّ الله مولاي وأنا وليّ كلّ مؤمنٍ. ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فهذا وليّه »(٢) .

* ورواه المتّقي الهندي عن ابن جرير الطبري وفيه:

« إنّ الله مولاي وأنا وليّ كلّ مؤمنٍ. ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت وليّه فعلي وليّه، اللّهم والِ من والاه وعاد من عاداه »(٣) .

* وقال العزيزي - شارح الجامع الصغير -: « من كنت وليّه فعلي وليّه،

__________________

(١). المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٠٩.

(٢). البداية والنهاية ٣ / ٢٠٩.

(٣). كنز العمال ١٣ / ١٠٤ رقم ٣٦٣٤٠.

٣١٤

يدفع عنه ما يكرهه. حم ن ك عن بريدة، وإسناده حسن »(١) .

* وقال محمد صدر العالم الهندي: « أخرج ابن أبي شيبة، والنسائي، وأحمد، وابن حبان، والحاكم، والضياء، عن بريدة. والطبراني عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: من كنت وليّه فعلي وليّه »(٢) .

أقول:

لا ريب في أنّ المراد من « الولي » في « فعلي وليّه » هو نفس المراد منه في « من كنت وليّه »، ولا ريب في أنّه بمعنى « المتصرّف في الاُمور ». قال العزيزي:

« أنا وليُّ المؤمنين. أي: متولّي أُمورهم. وكان - صلّى الله عليه وسلّم يباح له أنْ يزوّج ما شاء من النّساء ممّن يشاء من غيره ومن نفسه، وإنْ لم يأذن كلّ من الولي والمرأة، وأنْ يتولّى الطرفين بلا أذن. حم م ن »(٣) .

ترجمة العزيزي

والعزيزي - شارح الجامع الصغير - إمامٌ عالم محدِّث جليل حافظ، قال العلّامة المحبّي بترجمته: « علي العزيزي البولاقي الشافعي، كان إماماً فقيهاً محدّثاً حافظاً، متقناً ذكيّاً، سريع الحفظ بعيد النسيان، مواظباً على النظر

__________________

(١). السراج المنير في شرح الجامع الصغير ٢ / ١٨٤.

(٢). معارج العلى في مناقب المرتضى - مخطوط.

(٣). السراج المنير في شرح الجامع الصغير ١ / ٢١٢.

٣١٥

والتحصيل، كثير التلاوة سريعها، متوادداً متواضعاً، كثير الاشتغال بالعلم ومحبّاً لأهله، خصوصاً أهل الحديث، حسن الخلق والمحاضرة، مشاراً إليه في العلم، شارك النور الشبراملسي في كثيرٍ من شيوخه، وأخذ عنه واستفاد منه، وكان يلازمه في دروسه الأصليّة والفرعيّة، وفنون العربية، وله مؤلفات كثيرة، نقله فيها يزيد على تصرّفه، منها: شرح على الجامع الصغير للسيوطي في مجلَّدات، وحاشية على شرح التحرير للقاضي زكريّا، وحاشية على شرح الغاية لابن القاسم في نحو سبعين كرّاسة، واُخرى على شرحها للخطيب.

وكانت وفاته ببولاق في سنة ١٠١٧٠ وبها دفن »(١) .

(٢٢)

الحديث بلفظ: « الله وليّي وأنا وليُّ المؤمنين ومن كنت وليّه فهذا وليّه »

وقد أخرجه النسائي من طريق الحسين بن حريث ...: « إنّ الله وليّي وأنا ولي المؤمنين ومن كنت وليه فهذا وليه، اللّهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره »(٢) .

ولا ريب أنّ الله هو « الولي » أي « متولّي أُمور الخلق »، فهذا المعنى هو المراد من ولاية النبي، فكذا ولاية علي

وأمّا أنّ المراد من ولاية الله ما ذكرناه فهو صريحهم في كتب التفسير وغيرها:

__________________

(١). خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ٣ / ٢٠١.

(٢). الخصائص ١٠١.

٣١٦

قال النيسابوري بتفسير آية الكرسي:( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا ) أي: متولّي أُمورهم وكافل مصالحهم، فعيل بمعنى فاعل »(١) .

وقال القاري في ( الحرز الثمين - شرح الحصن الحصين ) بشرح الدعاء: « اللّهم إني أعوذ بك من العجز والكسل اللّهم آت نفسي تقواها أنت وليّها » قال:

« أي المتصرّف فيها ومصلحها ومربّيها، ومولاها، أي: ناصرها وعاصمها. وقال الحفني: عطف تفسيري ».

(٢٣)

قوله لبريدة: « لا تقل هذا فهو أولى الناس بكم بعدي »

فإنّه لـمّا شكى عليّاً عليه الصّلاة والسّلام نهاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وزبره بشدّة، وكذا فعل مع وهب بن حمزة لمـّا انتقصه، وقال: لا تقل هذا

وقد جاء هذا اللفظ في رواية:

سليمان بن أحمد الطبراني.

ومحمّد بن إسحاق بن يحيى بن مندة الأصبهاني.

وأحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني.

وأبي نعيم أحمد بن عبدالله الأصبهاني.

وعلي بن محمّد بن محمّد الجزري المعروف بابن الأثير.

__________________

(١). تفسير النيسابوري ٣ / ٢٢ هامش الطبر ي

٣١٧

ونور الدين الهيثمي.

وجلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي.

وعلي بن حسام الدين المتّقي الهندي.

و إبراهيم بن عبدالله الوصّابي اليمني.

رواية الطبراني:

في ( مجمع الزوائد ): « وعن وهب بن حمزة قال: صحبت عليّاً إلى مكة، فرأيت منه بعض ما أكره. فقلت: لئن رجعت لأشكونّك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فلما قدمت لقيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: رأيت من علي كذا وكذا، فقال: لا تقل هذا، فهو أولى الناس بكم بعدي.

رواه الطبراني »(١) .

وفي ( كنز العمّال ): « لا تقل هذا، فهو أولى الناس بكم بعدي يعني: عليّاً. طب عن وهب بن حمزة »(٢) .

وفي ( الإكتفاء ): « عن وهب بن حمزة قال: قدم بريدة من اليمن - وكان خرج مع علي بن أي طالب، فرأى منه جفوةً - فأخذ يذكر عليّاً وينتقص من حقّه، فبلغ ذلك رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقال له: لا تقل هذا، فهو أولى الناس بكم بعدي. يعني عليّاً. أخرجه الطّبراني في الكبير »(٣) .

__________________

(١). مجمع الزوائد ٩ / ١٠٩.

(٢). كنز العمال ١١ / ٦١٢ رقم ٣٢٩٦١.

(٣). الاكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء - مخطوط.

٣١٨

رواية ابن مندة وأبي نعيم:

في ( اُسد الغابة ) قال: « وهب بن حمزة، يعدّ في أهل الكوفة، روى حديثه: يوسف بن صُهيب، عن رُكين، عن وهب بن حمزة قال: صحبت عليّاً -رضي‌الله‌عنه - من المدينة إلى مكّة، فرأيت منه بعض ما أكره، فقلت: لئن رجعت إلى رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - لأشكونّه إليه، فلمـّا قدمت لقيت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقلت: رأيت من علي كذا وكذا. فقال: لا تقل هذا، فهو أولى الناس بعدي. أخرجه ابن مندة وأبو نعيم »(١) .

رواية ابن مردويه:

في كتاب ( الطرائف ): « وفي كتاب المناقب، تأليف أبي بكر أحمد بن موسى ابن مردويه - وهو من رؤساء المخالفين لأهل البيتعليهم‌السلام - هذا الحديث من عدّة طرق. وفي رواية بريدة بزيادة وهي: إنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لبريدة:

أيه عنك يا بريدة، فقد أكثرت الوقوع في علي، فوالله إنّك لتقع في رجل إنّه أولى الناس بكم بعدي »(٢) .

__________________

(١). أُسد الغابة ٤ / ٦٨١.

(٢). الطرائف في معرفة الطوائف: ٦٦.

٣١٩

تراجم الرواة

ورواة هذا الحديث من أكابر الحفّاظ الأعلام.

أما الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم وابن الأثير، فقد سبقت تراجمهم.

بقي أن نترجم لابن مندة:

قال الذهبي: « ابن مندة. الإمام الحافظ الجوّال، محدّث العصر، أبو عبدالله محمّد ابن الشيخ أبي يعقوب إسحاق ابن الحافظ أبي عبدالله محمّد بن أبي زكريا يحيى بن مندة

ولد أبو عبدالله سنة ٣١٠ وقيل في التي تليها.

سمع أباه، وعم أبيه عبدالرحمن بن يحيى، وأبا علي الحسن بن أبي هريرة، وطائفة باصبهان، ومحمّد بن الحسين القطّان

وعدّه شيوخه الذين سمع وأخذ عنهم ألف وسبعمائة شيخ وما بلغنا أنّ أحداً من هذه الاُمّة سمع ما سمع، ولا جمع ما جمع، وكان ختام الرحّالين وفرد المكثرين، مع الحفظ والمعرفة والصّدق.

حدّث عنه

قال الباطرقاني: نا أبو عبدالله إمام الأئمة في الحديث لقّاه الله روضوانه.

قال شيخنا أبو علي الحافظ: بنو مندة أعلام الحفّاظ في الدنيا قديماً وحديثاً، ألا ترون إلى قريحة أبي عبدالله؟!

وقيل: إنّ أبا نعيم ذكر له ابن مندة فقال: كان جبلاً من الجبال »(١) .

__________________

(١). تذكرة الحفاظ ٣ / ١٠٣١ - ١٠٣٣.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466