تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

تذكرة الفقهاء12%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 978-964-319-530-4
الصفحات: 466

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156884 / تحميل: 5511
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٩٦٤-٣١٩-٥٣٠-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

العين السليمة إذا دفعها الملتقط ؛ لأنّ ما خرج عن ملكه تغيّر عمّا كان(١) .

وحينئذٍ هو بالخيار بين البدل والعين الناقصة إمّا مع الأرش - كما ذهبنا إليه وإمّا بدونه ، كما قاله بعض الشافعيّة(٢) .

مسألة ٣٦٤ : إذا كانت اللّقطة موجودةً وكتمها الملتقط ولم يُعرّفها ثمّ ظهر المالك ، كان له أخذها لا غير ؛ لأصالة براءة الذمّة ، والملتقط لم تشتغل ذمّته إلّا بعين اللّقطة ، فلا يجب عليه ردّ ما عداها.

وقد روى صفوان الجمّال عن الصادقعليه‌السلام أنّه سمعه يقول : « مَنْ وجد ضالّةً فلم يُعرّفها ثمّ وجدت عنده فإنّها لربّها ومثلها من مال الذي كتمها »(٣) .

وهو مناسب لقول أحمد في الغنيمة : إنّ مَنْ غلّ منها شيئاً وجب عليه ردّها ومثله(٤) .

والرواية محمولة على الاستحباب ، أو على أنّه قد مضى من الزمان الذي بقيت في يده ما تكون أُجرته مساويةً لها ، فيجب عليه أداء ذلك إذا كان مالكها قد طلبها وكَتَمها عنه.

مسألة ٣٦٥ : لو وجد اللّقطةَ اثنان فالتقطاها معاً دفعةً ، وجب عليهما معاً تعريفها حولاً.

والأقرب : الاكتفاء بتعريف أحدهما إذا فَعَل ما يجب في التعريف ؛ لأنّا قد بيّنّا أنّه لا يجب على الملتقط مباشرة التعريف ، بل له أن يُعرّفها بنفسه وبغيره.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٩.

(٣) الكافي ٥ : ١٤١ / ١٧ ، الفقيه ٣ : ١٨٧ / ٨٤٣ ، التهذيب ٦ : ٣٩٣ / ١١٨٠.

(٤) المغني ١٠ : ٥٢٦ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٢٧.

٢٦١

إذا عرفت هذا ، فإن عرّفاها حولاً وقلنا : إنّ الملتقط يملك ملكاً قهريّاً ، مَلَكاها معاً بحئول الحول ، وليس لأحدهما نقل حقّه إلى صاحبه ، إلّا بسببٍ ناقلٍ من هبةٍ أو غيرها ، كما لو ورثا معاً مالاً ، وكما أنّه ليس للملتقط نقل حقّه إلى غيره.

وإن قلنا : لا يملك الملتقط إلّا باختياره لو اختارا معاً تملّكها ، مَلَكاها. ولو اختارا حفظها وعدم تملّكها ، لم يملكها أحدهما ، وكانت أمانةً في أيديهما. ولو اختلفا فاختار أحدهما التملّك دون الآخَر ، مَلَك المختار نصفها دون الآخَر.

ولو رأياها معاً فبادر أحدهما فأخذها أو رآها أحدهما فأعلم بها الآخَر فأخذها ، فهي للآخذ خاصّةً ؛ لأنّ استحقاق اللّقطة بالأخذ ؛ لا بالرؤية ، كالاصطياد والاحتطاب.

ولو رآها أحدهما فأعلم بها صاحبه وقال له : هاتها ، أو أعطني إيّاها ، أو ارفعها إلَيَّ ، فإن أخذها المأمور لنفسه ، فهي له دون الآمر ؛ لوجود سبب الملك في حقّه ، دون صاحبه ، وإن أخذها للآمر أو لنفسه وللآمر ، بُني على جواز التوكيل في الاصطياد ونحوه ، إن سوّغنا التوكيل عُمل بمقتضى نيّة الآخذ ، وإلّا كانت للآخذ خاصّةً.

ولو تنازعا في لقطةٍ(١) ، فادّعى كلٌّ منهما أنّه الذي التقطها دون صاحبه وأقام كلٌّ منهما بيّنةً ، فإن شهدت إحداهما بالسبق حُكم له ، وإلّا حُكم بها للخارج عندنا ، وللداخل عند الشافعي(٢) .

مسألة ٣٦٦ : لو ضاعت اللّقطة عن ملتقطها بغير تفريطٍ منه ، فلا ضمان‌

____________________

(١) في النُّسَخ الخطّيّة : « اللّقطة ».

(٢) راجع : العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٤ ، وروضة الطالبين ٤ : ٤٧٩.

٢٦٢

عليه ؛ لأنّها أمانة في يده ، وكما لو تلفت في يده ، فأشبهت الوديعة.

فإن التقطها آخَر فعرف أنّها ضاعت من الأوّل ، فعليه ردّها إليه ؛ لأنّه قد ثبت له حقّ التموّل وولاية التعريف والحفظ ، فلا يزول ذلك بالضياع ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّ الثاني أحقّ بها(١) .

وليس بجيّدٍ.

ولو لم يعلم الثاني بالحال حتى عرّفها حولاً ، مَلَكها الثاني ؛ لأنّ سبب الملك وُجد منه من غير عدوانٍ ، فيثبت الملك فيه ، كالأوّل ، ولا يملك الأوّل انتزاعها ؛ لأنّ الملك مقدَّم على حقّ التملّك ، وإذا جاء صاحبها فله أخذها من الثاني ، وليس له مطالبة الأوّل ؛ لأنّه لم يفرّط.

ولو علم الثاني بالأوّل فردّها إليه فامتنع من أخذها وقال : عرِّفها أنت ، فعرَّفها ، مَلَكها أيضاً ؛ لأنّ الأوّل ترك حقّ اليد وولاية التعريف ، فسقط.

وإن قال : عرِّفها ويكون ملكها لي ، ففَعَل ، فهو مستنيب له في التعريف ، ويملكها الأوّل ؛ لأنّه وكّله في التعريف ، فصحّ ، كما لو كانت في يد الأوّل.

وإن قال : عرِّفها وتكون بيننا ، صحّ أيضاً ، وكانت بينهما ؛ لأنّه أسقط حقّه من نصفها ، ووكّله في الباقي.

ولو قصد الثاني بالتعريف تملّكها لنفسه دون الأوّل ، احتُمل أن يملكها الثاني ؛ لأنّ سبب الملك وُجد منه ، فمَلَكها ، كما لو أذن له الأوّل وعرَّفها لنفسه ، وأن لا يملكها الثاني ؛ لأنّ ولاية التعريف للأوّل ، فأشبه ما‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٤ - ٣٧٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٠.

٢٦٣

لو غصبها من الملتقط غاصب فعرّفها.

وكذا الحكم إذا علم الثاني بالأوّل فعرّفها ولم يُعلِمْه بها ، وهذا يشبه المحجّر في الموات إذا سبقه غيره إلى ما حجره فأحياه بغير إذنه.

فأمّا إن غصبها غاصب من الملتقط فعرّفها لم يملكها ؛ لأنّه متعدٍّ بأخذها ، ولم يوجد منه سبب تملّكها ، فإنّ الالتقاط من جملة السبب ولم يوجد منه ، بخلاف ما لو التقطها اثنان ، فإنّه وُجد منه الالتقاط والتعريف.

ولو دفعها الثاني إلى الأوّل فامتنع الأوّل من أخذها فمَلَكها الثاني وأتلفها أو تلفت بعد تملّكه مطلقاً أو قبله بالتفريط فجاء المالك فطلبها ، تخيّر في الرجوع على مَنْ شاء منهما.

أمّا الأوّل : فلتمكّنه من أخذ مال الغير الذي استولى عليه ، فكان كالدافع لها إلى الغير ، لكن يستقرّ الضمان على الثاني.

وأمّا الثاني : فلأنّ التلف في يده.

ولو تملّكها الأوّل بعد التعريف حولاً ثمّ ضاعت منه فالتقطها الثاني فعرّفها حولاً ومَلَكها ثمّ جاء المالك ، فإن قلنا : له الرجوع في العين ، كان له مطالبة مَنْ شاء منهما ، ويستقرّ الضمان على الثاني ، وإن قلنا : لا حقّ له في العين ، فالأقوى : إنّه ليس له مطالبة الثاني ، بل الأوّل خاصّةً ، وللأوّل الرجوع على الثاني.

فروع :

أ - لو رأى شيئاً مطروحاً على الأرض فدفعه برِجْله ليعرف جنسه أو قدره ثمّ لم يأخذه حتى ضاع ، قال بعض الشافعيّة : لا يضمنه ؛ لأنّه‌

٢٦٤

لم يحصل في يده(١) .

وفيه نظر.

ب - لو دفع اللّقطة إلى الحاكم وترك التعريف والتملّك ثمّ ندم وأراد أن يُعرّف ويتملّك ، كان له ذلك ، ويُمكّنه الحاكم منه.

وللشافعيّة وجهان(٢) .

ج - لو وجد خمراً أراقها صاحبها ، لم يلزمه تعريفها ؛ لأنّ إراقتها مستحقّة.

فإن صارت عنده خَلاًّ ، مَلَكها ؛ لأنّ الأوّل أسقط حقّه منها ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّه لمَنْ أراقها ، كما لو غصبها فصارت خَلاًّ عنده(٣) .

والفرق : إنّها في الغصب مأخوذة بغير رضا صاحبها ، وفي المتنازع قد أسقط صاحبها حقّه منها.

وهذا البحث يستمرّ في الخمر المحترمة خاصّةً ، فالقول حينئذٍ بأنّ إراقتها مستحقّة ممنوع.

أمّا في الابتداء فظاهر.

وأمّا عند الوجدان فكذلك ينبغي أن يجوز إمساكها إذا خلا عن قصدٍ فاسد.

ثمّ هذا الحكم مخصوص بما إذا أراقها ؛ لأنّه بالإراقة مُعرض عنها ، فيكون كما لو أعرض عن جلد ميتةٍ فدبغه غيره.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٠.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٠.

٢٦٥

وفيه للشافعيّة وجهان(١) .

وأمّا إذا ضاعت الخمر المحترمة من صاحبها ، فلتُعَّرف ، كالكلب.

مسألة ٣٦٧ : وإنّما يجب الدفع إلى المالك ، فإذا جاء مَنْ يدّعيها ، فإن لم يُقِمْ بيّنةً بها ولا وَصَفها ، لم تُدفع إليه ، إلّا أن يعلم الملتقط أنّها له ، فيجب عليه دفعها إليه.

وإن أقام البيّنة ، رُدّت عليه.

وإن لم تكن هناك بيّنة ولكن وَصَفها بصفاتها الخاصّة التي تخفى عن غير المالك ، فإن لم يغلب على ظنّ الملتقط صدقه وأنّها له ، لم تُدفع إليه - وهو المشهور للشافعيّة(٢) - لأصالة عصمة مال الغير.

ولقولهعليه‌السلام : « البيّنة على المدّعي »(٣) .

وحكى الجويني وجهاً آخَر في جواز الدفع(٤) .

وقال مالك وأبو عبيد وداوُد وأحمد وابن المنذر : إذا عرف عفاصها ووكاءها وعددها ، وجب دفعها إليه ، سواء غلب على ظنّه صدقه أو لم يغلب(٥) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٧.

(٣) جامع المسانيد - للخوارزمي - ٢ : ٢٧٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٦٢٦ / ١٣٤١ ، سنن الدارقطني ٤ : ١٥٧ / ٨ ، سنن البيهقي ٨ : ٢٧٩ ، و ١٠ : ٢٥٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٧.

(٥) الاستذكار ٢٢ : ٣٣٩ / ٣٣١٠٧ ، التمهيد ٣ : ١٢٠ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٠٦ ، الذخيرة ٩ : ١١٧ ، المعونة ٢ : ١٢٦٣ ، المغني ٦ : ٣٦٣ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨٨ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥٨ ، الحاوي الكبير ٨ : ٢٣ ، حلية العلماء ٥ : ٥٤٠ ، البيان ٧ : ٤٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٢.

٢٦٦

وأمّا الشافعي وأبو حنيفة فإنّهما قالا : لا يُجبر على دفعها إلّا ببيّنةٍ(١) ، كما ذهبنا إليه.

ويجوز له دفعها إليه إذا غلب على ظنّه صدقه ، وبه قالا(٢) .

وقال أصحاب الرأي : إن شاء دفعها إليه ، وأخذ كفيلاً(٣) .

واحتجّ مالك وأحمد : بما روي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « فإن جاء أحد يُخبرك بعددها ووعائها ووكائها فادفعها إليه »(٤) .

قال ابن المنذر : هذا الثابت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبه أقول(٥) .

ولأنّ إقامة البيّنة بذلك تتعذّر(٦) في اللّقطة ، فاكتفي فيها بالوصف ،

____________________

(١) الأُم ٤ : ٦٦ ، مختصر المزني : ١٣٦ ، الحاوي الكبير ٨ : ٢٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٨ ، الوجيز ١ : ٢٥٣ ، حلية العلماء ٥ : ٥٤٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥٤ ، البيان ٧ : ٤٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٧ ، مختصر القدوري : ١٣٥ - ١٣٦ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٣٥٥ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٠٢ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٥٠ ، المغني ٦ : ٣٦٣ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨٨ ، الاستذكار ٢٢ : ٣٣٩ - ٣٤٠ / ٣٣١١٤ و ٣٣١١٥ ، التمهيد ٣ : ١٢٠ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٠٦ ، الذخيرة ٩ : ١١٧ ، المعونة ٢ : ١٢٦٣ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥٨.

(٢) الأُم ٤ : ٦٦ ، مختصر المزني : ١٣٦ ، الحاوي الكبير ٨ : ٢٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٨ ، الوجيز ١ : ٢٥٣ ، حلية العلماء ٥ : ٥٤٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥٤ ، البيان ٧ : ٤٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٧ ، مختصر القدوري : ١٣٦ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٠٢ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٥٠ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥٨ ، المغني ٦ : ٣٦٣ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨٨ ، الاستذكار ٢٢ : ٣٣٩ - ٣٤٠ / ٣٣١١٤ و ٣٣١١٥.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٧٧ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٠٢ ، الاستذكار ٢٢ : ٣٤٠ / ٣٣١١٨ ، المغني ٦ : ٣٦٣ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨٨.

(٤) سنن البيهقي ٦ : ١٩٢ و ١٩٧.

(٥) المغني ٦ : ٣٦٣.

(٦) في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « متعذّر ». والصحيح ما أثبتناه.

٢٦٧

ولهذا أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الملتقط بمعرفة العفاص والوكاء(١) (٢) .

والمعتمد ما قلناه ؛ لأنّ وصف الوعاء لا يستحقّ به(٣) ، كالمغصوب ، وتعذّر إقامة البيّنة قائم في المغصوب والمسروق ، وذِكْرُ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الصفاتِ ؛ لما قدّمناه من الفوائد ، لا للتسليم إلى مدّعيه بمجرّد ذكرها.

وإن غلب على ظنّ الملتقط صدق المدّعي الواصف لها ، جاز دفعها إليه ولا يجب - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أصحّ القولين(٤) - لما تقدّم من أنّه مُدّعٍ ، فيفتقر إلى البيّنة.

والوجه الثاني للشافعي : إنّه يجب دفعها ، وبه قال مالك وأحمد ؛ لأنّهم أوجبوا الدفع مع وصف العفاص والوعاء والعدد وإن لم يغلب على الظنّ الصدقُ ، فمعه أولى(٥) .

مسألة ٣٦٨ : ولا يكفي في وجوب الدفع الشاهدُ الواحد وإن كان عَدْلا ؛ لأنّ البيّنة لا تثبت به ، والأمر بالإشهاد وقع باثنين ، فلا يكفي الواحد ، والأصل عصمة مال الغير.

وللشافعيّة وجهٌ آخَر : الاكتفاء بالعَدْل الواحد ؛ لحصول الثقة بقوله(٦) .

ويحتمل عندي جواز الدفع إن حصل الظنّ ، كما لو حصل الظنّ بالوصف.

ولو قال الواصف : يلزمك تسليمها إلَيَّ ، فله أن يحلف أنّه لا يلزمه.

____________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ١٦٦ ، الهامش (١)

(٢) المغني ٦ : ٣٦٣ - ٣٦٤ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨٨ - ٣٨٩.

(٣) في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « بها ». والمثبت هو الصحيح.

(٤) راجع : الهامش ( ١ و ٢ ) من ص ٢٦٦.

(٥) راجع : الهامش (٥) من ص ٢٦٥.

(٦) الوسيط ٤ : ٢٩٩ ، الوجيز ١ : ٢٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٢.

٢٦٨

ولو قال : تعلم أنّها ملكي ، حلف على نفي العلم ، فإن نكل حلف المدّعي ، وحُكم له به.

مسألة ٣٦٩ : إذا حضر طالب اللّقطة ووَصَفَها ولم يُقِم بيّنةً فدفعها الملتقط إليه ثمّ جاء آخَر وأقام البيّنة على أنّها له ، فإن كانت باقيةً انتُزعت منه ودُفعت إلى الثاني.

وإن تلفت عنده ، تخيّر المالك بين أن يُضمّن الملتقطَ ؛ لأنّه حالَ بين المالك وملكه بدفعه إلى غيره ، أو الواصفَ ؛ لفساد القبض ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(١) .

فإن ضمّن الواصفَ ، لم يرجع على الملتقط ؛ لأنّ التلف وقع في يده ، ولأنّ الثاني ظالم بزعمه ، فلا يرجع على غير ظالمه ، وإن ضمّن الملتقطَ رجع إن لم يُقرّ للواصف بالملك ، وإن أقرّ لم يرجع ؛ مؤاخذةً له بقوله.

وقال بعض أصحاب مالك ، وأبو عبيد : إنّه لا يضمن الملتقط ؛ لأنّه فَعَل ما أُمر به ، وهو أمين غير مفرّطٍ ولا مقصّرٍ ، فلم يضمن ، كما لو دفعها بأمر الحاكم [ و ](٢) لأنّ الدفع واجب عليه ، فصار الدفع بغير اختياره ، فلم يضمنه ، كما لو أُكره(٣) .

هذا إذا دفع بنفسه ، وأمّا إذا ألزمه الحاكم الدفع إلى الواصف ، لم يكن لمقيم البيّنة تضمينه ؛ لأنّها مأخوذة منه على سبيل القهر ، فلم يضمنها ، كما‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٨ ، البيان ٧ : ٤٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٧ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٥٠ ، المغني ٦ : ٣٦٥ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٩٣.

(٢) ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني.

(٣) الذخيرة ٩ : ١١٩ : المغني ٦ : ٣٦٥.

٢٦٩

لو غصبها غاصب.

وإذا ضمّن الواصفَ ، لم يرجع على أحدٍ ؛ لأنّ العدوان منه ، والتلف عنده.

ثمّ إن كان رأي الحاكم الدفعَ بالوصف ، كان لمقيم البيّنة تضمين المدفوع إليه خاصّةً.

وإن لم يكن رأيه ذلك ، كان مخيّراً بين أن يرجع على الحاكم ؛ لبطلان الدفع عنده ، وبين أن يرجع على القابض ، ويستقرّ الضمان على القابض.

ولو جاء الواصف بعد ما تملّك الملتقط اللّقطةَ وأتلفها فغرمها الملتقط له لظنّه صدقه ثمّ جاء آخَر وأقام البيّنة بملكيّتها ، كان له مطالبة الملتقط دون الواصف ؛ لأنّ الذي قبضه الواصف ليس عين ماله ، وإنّما هو مال الملتقط.

ثمّ إنّ الملتقط يرجع على الواصف إن لم يكن قد أقرّ له بالملك عند الغرامة ، وإن كان قد أقرّ لم يكن له الرجوعُ ؛ لاعترافه بأنّه المستحقّ ، وأنّ الثاني ظالم.

ولو تعذّر الرجوع على الملتقط ، فالأقوى : إنّ له الرجوعَ على القابض اقتصاصاً للملتقط إن لم يُقم القابض البيّنةَ على الملتقط باعترافه له بالملكيّة.

مسألة ٣٧٠ : لو أقام واحد بيّنةً بها فدُفعت إليه ثمّ أقام آخَر بيّنةً أُخرى بأنّها له أيضا ، فإن لم يكن هناك ترجيح لإحدى البيّنتين على الأُخرى ، أُقرع بينهما ؛ لأنّه مشكل ؛ لانتفاء الأولويّة والحكم بهما ودفعهما معاً.

فإن خرجت للأوّل فلا بحث ، وإن خرجت القرعة للثاني انتُزعت من‌

٢٧٠

الأوّل وسُلّمت إليه.

ولو تلفت ، فإن كان الملتقط قد دفع بإذن الحاكم ، لم يضمن ، وكان الضمان على الأوّل ، وإن كان قد دفعها باجتهاده ضمن ؛ لأنّه ليس له الحكم لنفسه.

أمّا لو قامت البيّنة بعد الحول وتملّك الملتقط ودفع العوض إلى الأوّل ، ضمن الملتقط للثاني على كلّ حالٍ ؛ لأنّ الحقّ ثابت في ذمّته لم يتعيّن بالدفع إلى الأوّل ، ورجع الملتقط على الأوّل ؛ لتحقّق بطلان الحكم.

وعند الشافعي إذا أقام كلّ واحدٍ بيّنةً على أنّها له ، ففيه أقوال التعارض(١) .

تذنيب : لو أقام مدّعي اللّقطة شاهدَيْن عَدْلين عنده وعند الملتقط وفاسقين عند القاضي ، لم يجز للقابض الدفع بشهادة هذين الشاهدين وإن اعترف الغريم بعدالتهما ؛ لأنّه يعرف منهما ما يخفى عن الغريم.

وللشافعيّة وجهان :

أصحّهما عندهم : هذا.

والثاني : إنّ له الدفعَ ؛ لاعترافه بعدالتهما(٢) .

وليس بشي‌ءٍ.

آخَر : لو وصفها اثنان وتداعياها ، فإن قلنا بالدفع بالوصف وجوباً ، أُقرع بينهما ، كما لو أقاما بيّنةً ، وإن قلنا به جوازاً ، جازت القرعة ، والحكم كما تقدّم.

وقال بعض الحنابلة : تقسم بينهما ؛ لتساويهما فيما يستحقّ به الدفع ،

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ٥٥٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧٨.

٢٧١

فتساويا فيها ، كما لو كانت في أيديهما(١) .

وليس بشي‌ءٍ ؛ لأنّهما لو تداعيا عيناً في يد غيرهما وتساويا في البيّنة أو عدمها ، تكون لمن وقعت له القرعة ، كما لو تداعيا وديعةً في يد إنسانٍ واعترف لأحدهما من غير تعيينٍ ، بخلاف ما لو كانت في يديهما ؛ لأنّ يد كلّ واحدٍ منهما على نصفها ، فيُرجّح قوله فيه.

آخَر : لا تُدفع إلى مَنْ خرجت له القرعة إلّا باليمين ، فإن امتنع منها أُحلف الآخَر ، فإن امتنعا احتُمل إيقافها إمّا عليهما حتى يصطلحا ، أو على غيرهما.

ولا فرق في ذلك بين وجوب القرعة بالوصف أو بالبيّنة.

آخَر : لو وصفها واحد فدُفعت إليه ثمّ جاء آخَر فوصفها وادّعاها ، لم يستحق شيئا ؛ لأنّ الأوّل استحقّها لوصفه إيّاها ، وعدم المنازع فيها ، وتثبت يده عليها ، ولم يوجد ما يقتضي انتزاعها منه ، فيجب بقاؤها له ، كسائر أمواله.

مسألة ٣٧١ : لو جاء مدّعي اللّقطة فادّعاها ولم يُقم بيّنةً ولا وَصَفَها ، لم يجز دفع اللّقطة إليه ، سواء غلب على ظنّه صدقه أو كذبه - وبه قال جمهور العامّة(٢) - لأنّها أمانة ، فلم يجز(٣) دفعها إلى مَنْ لم يثبت أنّه صاحبها ، كالوديعة.

____________________

(١) المغني ٦ : ٣٦٤ - ٣٦٥ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٩٢.

(٢) المغني ٦ : ٣٦٦ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٩٤.

(٣) في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « لم يجب » بدل « لم يجز ». والمثبت يقتضيه السياق.

٢٧٢

فإن دفعها إليه فجاء آخَر فوَصَفَها أو أقام بيّنةً ، لزم الدافع غرامتها ؛ لأنّه فوّتها على مالكها ، وحالَ بينه وبينها بدفعه ، وله الرجوع على مدّعيها ؛ لأنّه أخذ مال غيره ، ولصاحبها تضمين آخذها ، فإذا ضمّنه لم يرجع على أحدٍ.

وإن لم يأت أحد ، فللملتقط مطالبة آخذها بها ؛ لأنّه لا يأمن مجي‌ء صاحبها ، فيغرمه إيّاها ، ولأنّها أمانة في يده ، فمَلَك أخذها من غاصبها ، كالوديعة.

* * *

٢٧٣

المطلب الثالث : في اللواحق.

مسألة ٣٧٢ : قد بيّنّا الخلاف في أنّ الملتقط هل يملك اللّقطة ملكاً مراعىً يزول بمجي‌ء صاحبها ويضمن له بدلها إن تعذّر ردّها ، أو يملكها ملكاً مستقرّاً ويجب عليه دفع العوض إلى صاحبها وإن كانت موجودةً؟

إذا تقرّر هذا ، فهل يملكها الملتقط مجّاناً بغير عوضٍ يثبت في ذمّته ، وإنّما يتجدّد وجوب العوض بمجي‌ء صاحبها ، كما يتجدّد زوال الملك عنها بمجيئه ، وكما يتجدّد وجوب نصف الصداق للزوج أو بدله إن تعذّر ثبوت الملك فيه بالطلاق ، أو لا يملكها إلّا بعوضٍ يثبت في ذمّته لصاحبها؟ إشكال ينشأ : من قولهعليه‌السلام : « فإن جاء صاحبها وإلّا فهي مال الله تعالى يؤتيه مَنْ يشاء »(١) فجَعَلها من المباحات ، رواه العامّة ، ومن أنّه يملك المطالبة ، فأشبه القرض.

والثاني أولى ، والفائدة : وجوب عزلها ، أو عزل بدلها من تركته ، واستحقاق الزكاة بسبب الغرم ، ووجوب الوصيّة بها ، ومنع وجوب الخمس بسبب الدَّيْن على التقدير الثاني.

مسألة ٣٧٣ : ما يوجد في المفاوز أو في خربةٍ قد باد أهلها ، فهو لواجده من غير تعريفٍ إن لم يكن عليه أثر الإسلام ، وإلّا فهو لقطة.

وكذا المدفون في أرضٍ لا مالك لها ، ولو كان لها مالك فهو له ؛ قضاءً لليد.

____________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ١٧٤ ، الهامش (١)

٢٧٤

ولو انتقلت عنه بالبيع إليه عرّفه ، فإن عرّفه فهو أحقّ به ، وإلّا عرّفه البائع السابق على بائعه ، وهكذا ، فإن لم يعرفه أحد منهم فهو لواجده ؛ لما رواه محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال : وسألته عن الورق يوجد في دارٍ ، فقال : « إن كانت الدار معمورةً فهي لأهلها ، وإن كانت خربةً فأنت أحقّ بما وجدتَ »(١) .

وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم عن الباقرعليه‌السلام ، قال : سألته عن الدار يوجد فيها الورق ، فقال : « إن كانت معمورةً فيها أهلها فهو لهم ، وإن كانت خربةً قد جلا عنها أهلها فالذي وجد المال أحقّ به »(٢) .

ولا ينافي هذا ما رواه محمّد بن قيس عن الباقرعليه‌السلام قال : « قضى عليٌّعليه‌السلام في رجلٍ وجد ورقاً في خربةٍ أن يُعرّفها ، فإن وجد مَنْ يعرفها ، وإلّا تمتّع بها »(٣) لأنّه محمول على ما إذا كان لها مالك معروف ، أو كان على الورق أثر الإسلام.

ولو وجد في داره شيئاً ولم يعرفه ، فإن كان يدخل منزله غيره فهو لقطة يُعرّفه سنةً ، كما يُعرّف اللّقطة ، ويكون حكمه حكم اللّقطة ، وإن كان لا يدخله غيره كان له ؛ بناءً على الظاهر ، وقد يعرض له النسيان عمّا مَلَكه.

ولما رواه جميل بن صالح - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : رجل وجد في بيته ديناراً ، قال : « يدخل منزله غيره؟ » قال : نعم كثير ، قال : « هذه لقطة »(٤) .

ولو وجد في صندوقه شيئاً ولم يعرف أنّه له ، فالحكم كالدار إن كان‌

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٩٠ / ١١٦٥.

(٢) الكافي ٥ : ١٣٨ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٣٩٠ / ١١٦٩.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٩٨ / ١١٩٩.

(٤) الكافي ٥ : ١٣٧ / ٣ ، الفقيه ٣ : ١٨٧ / ٨٤١ ، التهذيب ٦ : ٣٩٠ / ١١٦٨.

٢٧٥

غيره يشاركه في فتحه ، كان لقطةً ، وإلّا كان لصاحبه ؛ لما رواه جميل بن صالح - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام : قلت : فرجل قد وجد في صندوقه ديناراً ، قال : « يدخل أحد يده في صندوقه غيره أو يضع فيه شيئاً؟ » قلت : لا ، قال : « فهو له »(١) .

مسألة ٣٧٤ : لو وجد شيئاً في جوف دابّةٍ ، فإن كانت الدابّة قد انتقلت إليه من غيره ، عرّفه المالك ، فإن عرفه فهو أحقّ به ، وإلّا كان(٢) ملكاً له.

ويحتمل أن يكون لقطةً يُعرّف البائع وغيره ، ويبدأ بالبائع ، لكن علماؤنا على الأوّل.

وكذا لو لم تنتقل إليه من غيره ، بل تولّدت عنده.

لما رواه عبد الله بن جعفر - في الصحيح - قال : كتبتُ إلى الرجل أسأله عن رجلٍ اشترى جزوراً أو بقرةً للأضاحي فلـمّا ذبحها وجد في جوفها صُرّةً فيها دراهم أو دنانير أو جوهر لمن تكون؟ قال : فوقّععليه‌السلام : « عرّفها البائع ، فإن لم يكن يعرفها فالشي‌ء لك رزقك الله إيّاه »(٣) .

ولو وجد شيئاً في جوف سمكةٍ كالدرّة يجدها في جوف السمكة ، فإن كان قد مَلَكها بالصيد فهو له ، قال الله تعالى :( وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها ) (٤) فيكون لواجدها.

وإن كانت قد انتقلت إليه بالبيع من الصيّاد فوجدها المشتري ولم يعلم الصيّاد بها ، قال أحمد : تكون للصيّاد ؛ لأنّه إذا لم يعلم ما في بطنها لم يبعه ولم يرض بزوال ملكه عنه ، فلم يدخل في المبيع ، كمن باع‌

____________________

(١) نفس المصادر.

(٢) في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « كانت » بدل « كان ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) الكافي ٥ : ١٣٩ / ٩ ، التهذيب ٦ : ٣٩٢ / ١١٧٤.

(٤) سورة النحل : ١٤.

٢٧٦

داراً له مال مدفون فيها(١) .

ولو وجد شيئاً غير الدرّة ممّا يكون في البحر ، فهو للصيّاد ، وكان حكمه حكم الجوهرة.

وإن وجد دراهم أو دنانير ، فهي لقطة ؛ لأن ذلك لا يخلق في البحر ، ولا يكون إلّا لآدميٍّ ، فيكون لقطةً ، كما لو وجده في البحر.

وكذا الدرّة إذا كان فيها أثر آدميّ ، كما لو كانت مثقوبةً أو متّصلةً بذهبٍ أو فضّةٍ أو غيرها ، فإنّها تكون لقطةً لا يملكها الصيّاد ؛ لأنّها لم تقع في البحر حتى تثبت اليد عليها ، فهي كالدينار.

وأمّا علماؤنا فقد أطلقوا القول بأنّ ما يجده في جوف السمكة يكون له ، ولم يفصّلوا إلى ما ذكرناه ، وهو يدلّ على أنّ تملّك اللّقطة يشترط فيه النيّة.

وبالجملة ، قول أحمد لا بأس به عندي.

ولم يفرّق علماؤنا بين أن يصطاد السمكة من البحر وغيره.

وأحمد فرَّق بينهما ، فجعل ما يصطاد من السمك في النهر والعين كالشاة في أنّ ما يوجد في بطنها من ذلك يكون لقطةً ، درّةً كانت أو غيرها(٢) .

مسألة ٣٧٥ : لو وجد عنبرةً على ساحل البحر ، فهي له ؛ لإمكان أن يكون البحر قد ألقاها ، والأصل عدم الملك فيها ، فكانت مباحةً لآخذها ، كالصيد.

وقد روي أنّ بحر عدن ألقى عنبرةً مثل البعير فأخذها ناس بعدن ، فكُتب إلى عمر بن عبد العزيز ، فكتب عمر : خُذوا منها الخُمْس وادفعوا إليهم سائرها ، وإن باعوكموها فاشتروها ، فأردنا أن نزنها فلم نجد ميزاناً‌

____________________

(١) المغني ٦ : ٣٧٠.

(٢) المغني ٦ : ٣٧٠ - ٣٧١.

٢٧٧

يخرجها ، فقطعناها باثنتين(١) ووزناها فوجدناها ستّمائة رطل ، فأخذنا خُمْسها ودفعنا سائرها إليهم ثمّ اشتريناها بخمسة آلاف دينار وبعثنا بها إلى عمر بن عبد العزيز فلم يلبث إلّا قليلاً حتى باعها بثلاثة وثلاثين ألف دينار(٢) .

وعلماؤنا قالوا : إنّ العنبر إن أُخرج من البحر بالغوص ، أُخرج منه الخُمْس إن بلغ قيمته ديناراً فصاعداً ، وكان الباقي للمُخْرج ، وإن قلّت قيمته عن دينارٍ ، فهو له بأجمعه ، وإن جُبي من وجه الماء أو من الساحل ، كان للواجد يخرج منه خُمْسه إن بلغت قيمته عشرين ديناراً ، والباقي له.

وقيل : لا يشترط النصاب(٣) .

وقد روى الشعيري عن الصادقعليه‌السلام أنّه سئل عن سفينةٍ انكسرت في البحر فأُخرج بعضه بالغوص وأخرج البحر بعضَ ما غرق فيها ، فقال : « أمّا ما أخرجه البحر فهو لأهله ، الله أخرجه، وأمّا ما أُخرج بالغوص فهو لهم وهُمْ أحقّ به »(٤) .

مسألة ٣٧٦ : لو اصطاد غزالاً فوجده مخضوباً أو وجد في عنقه خرزاً أو في أُذنه خيطاً أو نحو ذلك ممّا يدلّ على ثبوت اليد عليه ، فهو لقطة ؛ لأنّ ذلك دليل على أنّه كان مملوكاً لغيره.

ولو ألقى شبكةً في البحر فوقع فيها سمكة فجذبت السمكةُ الشبكةَ فمرّت بها في البحر فصادها رجل ، فالسمكة للّذي صادها ، وأمّا الشبكة‌

____________________

(١) في النُّسَخ الخطّيّة والمغني : « باثنين ».

(٢) المغني ٦ : ٣٧١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٦٣.

(٣) لم نتحقّق القائل بذلك.

(٤) التهذيب ٦ : ٢٩٥ / ٨٢٢.

٢٧٨

فيُعرفها ، فإن وجد صاحبها دفعها إليه ، ولا يملك صاحب الشبكة السمكةَ وإن حصلت في شبكته ؛ لأنّ شبكته لم تثبتها ، فبقيت على الإباحة.

وكذا لو نصب فخّاً(١) أو شَرَكاً(٢) فوقع فيه صيد من صيود البَرّ فأخذه وذهب به وصاده آخَر ، فهو للصائد ، ويردّ الآلة إلى صاحبها ، فإن لم يعرف صاحبها فهي لقطة.

أمّا لو وجد غزالاً أو حمارَ وحشٍ أو غيرهما من الصيود في شَرَكٍ وقد شارف الموت فخلّصه وذبحه ، فهو لصاحب الحبالة ، وما كان من الصيد في الحبالة فهو لناصبها وإن كان صقراً أو عقاباً.

مسألة ٣٧٧ : لو أُخذت ثيابه في الحمّام ووجد بدلها ، أو أُخذ مداسه(٣) وتُرك له بدله ، لم يملكه بذلك ، ولا بأس باستعماله إن علم أنّ صاحبه تركه له عوضاً ، ويعرّفه سنةً ، ثمّ إمّا أن يتملّكه مع الضمان ، أو يحتفظه دائماً ، أو يتصدّق به ويضمن ؛ لأنّ سارق الثياب لم تَجْر بينه وبين مالكها معاوضة توجب زوال ملكه عن ثيابه ، فإذا أخذها فقد أخذ مال غيره ، فلا يعرف مالكه ، فيعرّفه كاللّقطة ، إلّا أن يعلم أنّ السارق قصد المعاوضة بأن يكون الذي له أردأ من الذي سرقه ، وكانت ممّا لا يشتبه على الآخذ بالذي له ، فلا يحتاج حينئذٍ إلى التعريف ؛ لأنّ مالكها تركها قصداً ، والتعريف إنّما جُعل للضائع عن صاحبه ليعلم به ويأخذه ، وتارك هذا عالم به وراضٍ ببدله عوضاً عمّا أخذه ، فلا تحصل من تعريفه فائدة ، وحينئذٍ يباح للواجد‌

____________________

(١) الفخّ : المصيدة التي يصاد بها. لسان العرب ٣ : ٤١ « فخخ ».

(٢) الشَّرَك : حبائل الصائد وما يُنصب للطير. لسان العرب ١٠ : ٤٥٠ « شرك ».

(٣) المداس : الذي ينتعله الإنسان أو ما يُلبَس في الرِّجْل. المصباح المنير : ٢٠٣ ، القاموس المحيط ٢ : ٢١٧ « دوس ».

٢٧٩

استعمالها ؛ لأنّ الظاهر أنّ صاحبها تركها له باذلاً له إيّاها عوضاً عمّا أخذه ، فصار كالمبيح له أخذها بلسانه ، وهو أحد وجوه الحنابلة.

ولهم آخَران :

أحدهما : الصدقة بها.

والثاني : الرفع إلى الحاكم ليبيعها ويدفع ثمنها إليه عوضاً عن ماله(١) .

وما قلناه أولى ؛ لأنّه أرفق بالناس ؛ لأنّ فيه نفعاً لمن سُرقت ثيابه ؛ لحصول عوضها له ، وللسارق بالتخفيف عنه من الإثم وحفظ هذه الثياب المتروكة من الضياع ، وقد أُبيح لمن له على إنسانٍ حقٌّ من دَيْنٍ أو غصبٍ أو غير ذلك أن يأخذ من مال مَنْ عليه الحقّ بقدر ما عليه إذا عجز عن استيفائه بغير ذلك ، فهنا مع رضا مَنْ عليه الحقّ بأخذه أولى.

فإن وجد هناك قرينة تدلّ على اشتباه الحال على الآخذ ، وأنّه إنّما أخذها ظنّاً أنّها ثيابه بأن تكون المتروكة خيراً من المأخوذة أو مساويةً لها وهي ممّا تشتبه ، فينبغي أن يُعرّفها ؛ لأنّ صاحبها لم يتركها عمداً ، فهي بمنزلة الضائعة منه ، والظاهر : إنّه إذا علم بها أخذها ، وردّ ما كان أخذه.

إذا عرفت هذا ، فالظاهر أنّه يتملّكها باختياره بعد التعريف حولاً ، فإن ظهر المالك قاصّه بماله وترادّ الفضل.

ولو دفعها إلى الحاكم بعد التعريف حولاً ليبيعها ويأخذ ثمنها ، جاز.

مسألة ٣٧٨ : لو كان عنده وديعة قد أتى عليها زمان لا يعرف صاحبها ، يبيعها ويتصدّق بثمنها ، فإذا جاء مالكها بعد ذلك خيّره المستودع بين الغرم ويكون الأجر له ، وبين إجازة ما فَعَله ويكون الأجر للمالك.

____________________

(١) المغني ٦ : ٣٧٣ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٦٥.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

٩ - والجلال السيوطي في ( طبقات الحفاظ ٥١٧ ).

١٠ - والشوكانى في ( البذر الطالع لمحاسن من بعد القرن السابع ٢ / ٣٥٢ ).

وهنا نكتفي بما ذكره الشوكاني، وهذا نصه:

« يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الملك بن يوسف بن علي بن أبي الزاهر الحلبي الاصل المزي، أبو الحجاج جمال الدين، الامام الكبير الحافظ، صاحب التصانيف. ولد في ربيع الآخر سنة ٦٥٤ وطلب فأكثر عن أحمد بن أبي الخير ومسلم بن علان والفخر بن البخاري ونحوهم من أصحاب ابن طبرزد والكندي، وسمع الكتب الطوال والاجزاء، ومشايخه نحو ألف شيخ، ومن مشايخه النووي، وأسمع بالشام والحرمين ومصر وحلب والاسكندرية وغيرها.

وأتقن اللغة والتصريف، وتبحر في الحديث، ودرس بمدارس منها دار الحديث الاشرفية، ولما ولي تدريسها قال ابن تيمية: لم يلها من حين بنيت الى الان أحق بشرط الواقف منه. قال الذهبي: ما رأيت أحداً في هذا الشأن أحفظ منه.

ومن مصنفاته ( تهذيب الكمال )، اشتهر في زمانه وحدث به خمس مرات، و ( كتاب الاطراف ) وهو كتاب مفيد جداً.

وقد أخذ عنه الاكابر وترجموا له وعظموه جداً. قال ابن سيد الناس في ترجمته: انه أحفظ الناس للتراجم وأعلمهم بالرواة الاعارب والاعاجم. وأطال الثناء عليه ووصفه بأوصاف ضخمة وقال: انه في اللغة امام، وله في الفرائض معرفة والمام.

وقال الصفدي: سمعنا صحيح مسلم على السيد المنبجي وهو حاضر، فكان يرد على القارئ فيقول القارئ: ما عندي الا ما قرأت، فيوافق المزي بعض من حضر ممن بيده نسخة، اما بأن يوجد فيها كما قال أو يوجد مظننا عليه أو في الحاشية، ولما كثر منه ذلك قلت له: ما النسخة الصحيحة

٤٠١

الا أنت. قال: ولم أر بعد أبي حيان مثله في العربية مثله خصوصاً التصريف، ولم يكن مع توسعه في معرفة الرجال يستحضر تراجم غير المحدثين، لا من الملوك ولا من الوزراء والقضاة والأدباء.

وقال الذهبي: كان خاتم الحفاظ، وناقد الأسانيد والألفاظ، وهو صاحب معضلاتنا ومرجع مشكلاتنا. قال: وفيه حياء وكرم وسكينة واحتمال وقناعة، وترك للتجمل وانجماع عن الناس، ومات يوم السبت ثاني عشر صفر سنة ٧٤٤ ».

*(١٢١)*

اثبات شرف الدين الطيبي

أثبت حديث الثقلين في ( شرح المشكاة ) حيث قال:

« السادس زيد، قوله الثقلين، الثقل المتاع المحمول على الدابة، وانما قيل للانس والجن الثقلان لأنهما قطان الأرض فكأنهما ثقلاها. وقد شبه بها الكتاب والعترة لان الدين يستصلح بهما ويعمر كما عمرت الدنيا بالثقلين. وقيل: سماهما ثقلين لان الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل، وقيل: في تفسيره قوله تعالى:( إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ) أي أوامر الله ونواهيه، لأنه لا تؤدى الا بتكليف ما ثقيل. وقيل قولا ثقيلا: أي له وزن. وسمي الجن والانس ثقلين لأنهما فضلا بالتمييز على سائر الحيوان، وكل شيء له وزن وقدر يتنافس فيه فهو ثقل. قوله « أذكركم الله في أهل بيتي » أي أحذركم الله في شأن أهل بيتي وأقول لكم لا تؤذوهم واحفظوهم، والتذكير بمعنى الوعظ، يدل عليه قوله « ووعظ وذكر ».

وقال فيه أيضاً: « الفصل الثاني - الاول جابر، قوله « وعترتي أهل بيتي » عترة الرجل أهل بيته ورهطه الأدنون، ولاستعمالهم العترة على أنحاء كثيرة بينها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليعلم أنه أراد بذلك نسله وعصابته الأدنين وأزواجه.

٤٠٢

الثاني زيد، قوله « ما ان تمسكتم به » ما الموصولة، والجملة الشرطية صلتها، وإمساك الشيء التعلق به وحفظه، قال تعالى:( وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ ) . واستمسك الشيء: إذا تحرى الإمساك به، ولهذا لما ذكر التمسك عقبه بالمتمسك به صريحاً، وهو الحبل في قوله « كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الأرض »، وفيه تلويح الى معنى قوله تعالى:( وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ ) . والتمسك بالعترة: محبتهم والاهتداء بهديهم وسيرتهم.

و قوله « انّي تارك فيكم » إشارة الى أنهما بمنزلة التوأمين الخلفين عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنه يوصي الامة بحسن المعاشرة معهما وايثار حقهما على أنفسهم، كما يوصي الأب المشفق لأولاده. ويعضده الحديث السابق في الفصل الاول « أذكركم الله في أهل بيتي »، كما يقول الأب المشفق: الله الله في حق اولادي. ومعنى كون أحدهما أعظم من الآخر: ان القرآن مؤساة للعترة، وعليهم الاقتداء به، وهم أولى الناس بالعمل بما فيه.

ولعل السرفي هذه الوصية والاقتران بالقرآن إيجاب محبتهم، لقوله تعالى( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) فانه تعالى جعل شكر انعامه وإحسانه بالقرآن منوطاً بمحبتهم على سبيل الحصر، وكأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوصي الامة بقيام الشكر وقيد تلك النعمة به ويحذرهم عن الكفران، فمن قام بالوصية وشكر تلك الصنيعة بحسن الخلافة بينهما لن يتفرقا، فلا يفارقانه في مواطن القيامة ومشاهدها حتى يردا الحوض فيشكرا صنيعه عند رسول الله، فحينئذ هو بنفسه يكافيه والله يجازيه الجزاء الأوفى، ومن أضاع الوصية وكفر النعمة فحكمه بالعكس.

وعلى هذا التأويل حسن موقع قوله « أنظروا كيف تخلفوني فيهما »، والنظر بمعنى التأمل والتفكر، أي تفكروا واستعملوا الروية في استخلافى إياكم، هل تكونون خلف صدق أو خلف سوء. وان استغربت قولي لا يفارقانه في مواقف الحشر حتى يردا علي الحوض تمسكت بما ورد عن

٤٠٣

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « اقرأوا الزهراوين - الى قوله - يحاجان عن صاحبهما ». وان استبعدت قولي أنشدت لك قول الأعشى »(١) .

ترجمته:

١ - ابن حجر العسقلاني: « الحسن بن محمد بن عبد الله الطيبي، الامام المشهور، صاحب شرح المشكاة وغيره. قرأت بخط بعض الفضلاء: كان ذا ثروة من الإرث والتجارة، فلم يزل ينفق ذلك في وجوه الخيرات الى أن كان في آخر عمره فقيراً. قال: وكان كريماً متواضعاً حسن المعتقد، شديد الرد على الفلاسفة والمبتدعة، مظهراً فضائحهم مع استيلائهم في بلاد المسلمين حينئذ، شديد الحب لله ولرسوله، كثير الحياء ملازماً لاشغال الطلبة في العلوم الإسلامية بغير طمع، بل يجديهم ويعينهم ويعير الكتب النفيسة لأهل بلده وغيرهم من أهل البلدان من يعرف ومن لا يعرف، محباً لمن عرف منه تعظيم الشريعة، مقبلا على نشر العلم، آية في استخراج الدقائق من القرآن والسنن. شرح الكشاف شرحاً كبيراً وصنف في المعاني والبيان التبيان وشرحه، وأمر بعض تلامذته باختصار المصابيح على طريقة نهجها له وسماه المشكاة وشرحها هو شرحا حافلا، ثم شرع في جمع كتاب في التفسير وعقد مجلساً عظيماً لقراءة كتاب البخاري »(٢) .

٢ - الجلال السيوطي : « الامام المشهور العلامة في المعقول والعربية والمعاني والبيان، قال ابن حجر: كان آية »(٣) .

٣ - والشمس الداودي بمثل ما تقدم(٤) .

٤ - الشوكانى : « الامام المشهور، صاحب شرح المشكاة وحاشية

____________________

(١). الكاشف في شرح المشكاة - مخطوط.

(٢). الدرر الكامنة ٢ / ٦٨.

(٣). بغية الوعاة ٢٢٨.

(٤). طبقات المفسرين ١ / ١٤٣.

٤٠٤

الكشاف وغيرهما له اقبال على استخراج الدقائق من الكتاب والسنة، وحاشيته على الكشاف هي أنفس حواشيه على الإطلاق، مع ما فيها من الكلام على الأحاديث في بعض الحالات إذا اقتضى ذلك على طريقة المحدثين، مما يدل على ارتفاع طبقته في علمي المعقول والمنقول »(١) .

٥ - القنوجى : « امام مشهور وعالم مبرور »(٢) .

*(١٢٢)*

اثبات شمس الدين الخلخالى

أثبت حديث الثقلين حيث قال: « قوله بماء يدعى خماً » أي سمي ذلك الماء خماً، بضم الخاء المعجمة وتشديد الميم. قوله « يوشك أن يأتينى رسول ربى فأجيب » أخبر النبيعليه‌السلام الناس عن وفاته « الثقلين » قال في شرح السنة: قيل سماهما ثقلين لان الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل، لان الكتاب عظيم القدر والعمل بمقتضاه ثقيل، وكذا محافظة اهل بيته واحترامهم وانقيادكم لهم إذا كانوا خلفاء بعدي »(٣) .

وقال فيه: « قوله: على ناقته القصوى »، قيل انها ناقة تلقب بالجدعاء وتارة بالعضباء وأخرى بالقصوى على حسب ما خيل للناظرين. قوله « كتاب الله وعترتي »، بيان « ما » في ما أخذتم به أو بدل، و « أهل بيتي » بيان عترتي. يريد بأهل بيتي نسله وعصابته الأدنين وأزواجه. و قوله « من السماء الى الأرض » المراد من السماء الربوبية وبالأرض الخلق. و « لن يتفرقا » أي كتاب الله وعترتي »(٤) .

____________________

(١). البدر الطالع ١ / ٢٢٩.

(٢). التاج المكلل: ٣٧٣.

(٣). المفاتيح في شرح المصابيح - مخطوط.

(٤). المفاتيح في شرح المصابيح - مخطوط.

٤٠٥

ترجمته:

١ - الاسنوى : « كان اماماً في العلوم النقلية والعقلية ذا تصانيف كثيرة مشهورة، منها ( شرح المصابيح ) و ( مختصر ابن الحاجب ) و ( المفتاح ) و ( التلخيص في علم البيان ) وصنف أيضاً في المنطق »(١) .

٢ - وابن قاضي شهبة في ( طبقات الشافعية ٣ / ٨٧ ).

٣ - والجلال السيوطي في ( بغية الوعاة ١٠٦ ).

٤ - وابن حجر العسقلاني في ( الدرر الكامنة ٤ / ٢٦٠ ) بمثل ما تقدم.

*(١٢٣)*

تصحيح شمس الدين الذهبي

قال الشيخاني القادري ما نصه: « وأخرج ابو عوانة عن ابى الطفيل عن زيد بن أرقمرضي‌الله‌عنه قال: لما رجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم [ أمر بدوحات ] فقممن، ثم قال: كأنى قد دعيت فأجبت، وانّي قد تركت فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض. ثم قال: ان الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن. ثم أخذ بيد عليرضي‌الله‌عنه فقال: من كنت مولاه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقلت لزيد: سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال: ما كان في الدوحات أحد الا رآه بعينه وسمعه بأذنه. قال الحافظ الذهبي: هذا حديث صحيح »(٢) .

أقول: ووافق الحاكم على تصحيحه في ( تلخيص المستدرك ٣ / ١٠٩ ).

____________________

(١). طبقات الشافعية ١ / ٥٠٥.

(٢). الصراط السوى - مخطوط.

٤٠٦

ترجمته:

١ - ابن شاكر الكتبي في ( فوات الوفيات ٣ / ٣١٥ ).

٢ - وتاج الدين السبكى في ( طبقات الشافعية ٥ / ٢١٦ ).

٣ - وجمال الدين الاسنوى في ( طبقات الشافعية ١ / ٥٥٨ ).

٤ - وابن قاضي شهبة في ( طبقات الشافعية ٢ / ٧٢ ).

٥ - وابن حجر العسقلاني في ( الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ٤ / ٤٢٦ ).

٦ - والجلال السيوطي في ( طبقات الحفاظ ٥١٧ ).

٧ - وغياث الدين المدعو خواندمير في ( حبيب السير ).

٨ - ( الدهلوي ) في ( بستان المحدثين ) و ( التحفة ).

٩ - والقنوجى في ( التاج المكلل ٤١٣ ).

ونكتفي هنا بما ذكرهالشوكانى وهذا نصه: « محمد بن أحمد بن عثمان ابن قايماز بن عبد الله التركماني الأصل، الفارقي ثم الدمشقي، أبو عبد الله شمس الدين الذهبي، الحافظ الكبير المؤرخ، صاحب التصانيف السائرة في الأقطار، ولد ثالث شهر ربيع الآخر سنة ٦٧٣، وأجاز له في سنة مولده جماعة بعناية أخيه من الرضاع، وطلب بنفسه بعد سنة ٦٩٠ فأكثر عن ابن عساكر وطبقته، ثم رحل الى القاهرة وأخذ عن الدمياطي وابن الصواف وغيرهما وخرج لنفسه ثلاثين بلداً، ومهر في فن الحديث وجمع فيه المجاميع المفيدة الكثيرة. قال ابن حجر: حتى كان أكثر أهل عصره تصنيفاً، وجمع ( تاريخ الإسلام ) فأربى فيه على من تقدمه بتحرير أخبار المحدثين خصوصاً - انتهى.

أي لا باعتبار تحرير غيرهم، فان غيره أبسط منه. واختصر منه مختصرات كثيرة منها ( النبلاء ) و ( العبر ) و ( تلخيص التاريخ ) و ( طبقات الحفاظ ) و ( طبقات القراء ). ولعل ( تاريخ الإسلام ) في زيادة على عشرين مجلداً وقفت منه على أجزاء، و ( النبلاء ) في نحو العشرين مجلدا وقفت منه على أجزاء، وهو مختصر من ( تاريخ الإسلام ) باعتبار أن الأصل لمن لم ينبل

٤٠٧

في الغالب و ( النبلاء ) ليس الا لمن نبل، لكنه أطال تراجم النبلاء فيه بما لم يكن في تاريخ الإسلام.

ومن مصنفاته ( الميزان في نقد الرجال ) جعله مختصاً بالضعفاء الذين قد تكلم فيهم متكلم [ وان كانوا غير ضعفاء في الواقع، ولهذا ذكر فيه مثل ابن معين وعلي بن المديني باعتبار أنه قد تكلم فيهما متكلم ] وهذا كتاب مفيد في ثلاث مجلدات كبار.

وله كتاب ( الكاشف ) المعروف، ومختصر ( سنن البيهقي ) الكبرى، ومختصر ( تهذيب الكمال ) لشيخه المزي، وخرج لنفسه ( المعجم الكبير ) و ( الصغير ) و ( المختص بالمحدثين )، فذكر فيه غالب الطلبة من أهل ذلك العصر، وعاش الكثير منهم بعده الى نحو أربعين سنة، وخرج لغيره من شيوخه وأقرانه وتلامذته.

وجميع مصنفاته مقبولة مرغوب فيها، رحل اليه الناس لأجلها، وأخذوا عنه وتداولوها وقرأوها وكتبوها في حياته وطارت في جميع بقاع الأرض، وله فيها تعبيرات رائقة وألفاظ رشيقة غالباً، لم يسلك فيها مسلكه أهل عصره ولا من قبلهم ولا من بعدهم. وبالجملة فالناس في التاريخ من أهل عصره فمن بعدهم عيال عليه، ولم يجمع أحد في هذا الفن كجمعه ولا حرره كتحريره.

قال البدر النابلسى في ( مشيخته ): كان علامة زمانه في الرجال وأحوالهم جيد الفهم ثاقب الذهن، وشهرته تغنى عن الاطناب فيه - انتهى »(١) .

*(١٢٤)*

رواية جمال الدين الزرندي المدني الأنصاري

روى حديث الثقلين في كتاب [ نظم درر السمطين ] حيث قال:

____________________

(١). البدر الطالع ٢ / ١١٠.

٤٠٨

« ذكر وصاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأهل بيته وفضل مودتهم وأن محبتهم من الايمان بالله ورسوله:روى ابن عباس ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أحبوا الله لما يغدوكم من نعمه، وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي.

و عن عبد الرحمن بن عوف (رض) قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أوصيكم بعترتي خيراً، وان موعدكم الحوض. وعن زيد بن أرقم (رض) قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما.

و ورد عن عبد الله بن زيد عن أبيه أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: من أحب أن ينسأ له في أجله وأن يمتع بما خوله الله فليخلفني في أهلي خلافة حسنة، فمن لم يخلفني فيهم بتك عمره، وورد علي يوم القيامة مسوداً وجهه.

و في رواية عن زيد بن أرقم: ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قام خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: أيها الناس، انما أنا بشر يوشك أن يأتينى رسول ربى فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي.

و في رواية: كتاب الله هو حبل من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على الضلالة.

قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وأنا تارك فيكم ثقلين » سماهما ثقلين لان الاخذ بهما والعمل بهما والمحافظة على رعايتهما ثقيل، وقد جعلهما ثقلين لان كان نفيس وخطير ثقيل، ومنه الثقلان الانس والجن، لانهما فضلا بالتمييز والعقل على سائر الحيوان، وكل شيء له وزن وقدر يتنافس فيه فهو ثقل، وسماهما بذلك إعظاماً لقدرهما. وفسروا قوله تعالى:( إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً

٤٠٩

ثَقِيلاً ) أن أوامر الله تعالى وفرائضه ونواهيه لا يؤدى الا بتكلف ما يثقل، وقيل أي له وزن. قال زيد بن أرقمرضي‌الله‌عنه : أهل بيته أهل وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده: آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس.

و عن أبي سعيد الخدريرضي‌الله‌عنه قال سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: أيها الناس اني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود بين السماء والارض، وعترتي أهل بيتي، ألا وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض - غريب.

و عن جابررضي‌الله‌عنه قال: رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب فسمعته يقول: يا أيها الناس، اني تركت فيكم ما أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي.

و رواه بلفظ آخر عن زيد بن أرقم أيضاً »(١) .

وقال نور الدين السمهودي ضمن طرق الحديث: « روى الحافظ جمال الدين محمد بن يوسف الزرندي المدني في كتابه ( نظم درر السمطين ) حديث زيد من غير اسناد ولا عزو، ولفظه: روى زيد بن أرقم قال: أقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع فقال: اني فرطكم على الحوض وانكم تبعي، وانكم توشكون أن تردوا علي الحوض فأسألكم عن ثقلي كيف خلفتموني فيهما. فقام رجل من المهاجرين فقال: ما الثقلان؟ قال: الاكبر منهما كتاب الله سبب طرفه بيد الله وسبب طرفه بأيديكم فتمسكوا به، والاصغر عترتي، فمن استقبل قبلتي وأجاب دعوتي فليستوص بهم خيراً. او كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ولا تقصروا عنهم، واني قد سألت لهم اللطيف الخبير فأعطانى أن يردوا علي الحوض كتين - أو قال كهاتين - فأشار بالمسبحتين، ناصرهما لي ناصر، وخاذلهما لي خاذل، ووليهما لي ولي، وعدوهما لي عدو.

____________________

(١). نظم درر السمطين ٢٣١ - ٢٣٢.

٤١٠

و قال الحافظ جمال الدين المذكور، وورد عن عبد الله بن زيد عن أبيه أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: من أحب أن ينسأ له في أجله وان يمتع بما خوله الله فليخلفني في أهلي خلافة حسنة، فمن لم يخلفني فيهم بتر عمره وورد علي يوم القيامة مسوداً وجهه »(١) .

ترجمته:

ترجم له وأثنى عليه ونقل عنه جماعة من كبار العلماء، منهم:

١ - شمس الدين الكرماني في ( الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري ).

٢ - وابن حجر العسقلاني في ( الدرر الكامنة في اعيان المائة الثامنة ٤ / ٢٩٥ ).

٣ - وشهاب الدين احمد في ( توضيح الدلائل - مخطوط ).

٤ - وابن الصباغ المالكي في ( الفصول المهمة ).

٥ - ونور الدين السمهودي في ( جواهر العقدين - مخطوط ).

٦ - ومحمد بن يوسف الشامي في ( سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد ).

٧ - وأحمد بن محمد بن الفضل بن باكثير المكي في ( وسيلة المآل - مخطوط ).

٨ - وميرزا محمد خان البدخشانى في ( مفتاح النجا - مخطوط ).

٩ - وأحمد العجيلى في ( ذخيرة المآل - مخطوط ).

وبمراجعة هذه المصادر وغيرها يتبين شأن هذا الرجل واعتماد أبناء السنة عليه.

____________________

(١). جواهر العقدين - مخطوط.

٤١١

*(١٢٥)*

رواية سعيد الدين الكازروني

روى حديث الثقلين في كتابه ( المنتقى في سيرة المصطفى ) وهذا نص كلامه:

« ومن توقيرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بره وبر آله وذريته وأمهات المؤمنين، قال رسول الله: أنشدكم الله في أهل بيتي - ثلاثاً. قال الراوي: قلنا لزيد: من أهل بيته؟ قال: آل عليّ وآل جعفر وآل عقيل وآل العباس.

و قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انّي تارك فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ».

وقال فيه أيضاً: « ومن طعن في نسب شخص من أولاد فاطمة رضي الله عنها بأن قال: أفنى الحجاج بن يوسف ذريتها ولم يبق أحد منهم وليس في الناس أحد يصح نسبه إليها. فقد ظلم وكذب وأساء، فان تعمد ذلك بعد ما نشأ في بلاد علماء الدين كاد يكون كافراً، لانه يخالف ما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما ثبت في الترمذي عن زيد بن أرقم أنه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الاخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الارض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما. وقد تقدم في حديث المباهلة قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم هؤلاء أهل بيتي.

قال مؤلف هذا الكتاب سعيد بن مسعود الكازروني - جعله الله ممن دخل في العلم من طريق الباب حتى يفوز بالسداد والصواب: فما دام القرآن باقياً فأولاد فاطمة باقون، لظاهر الحديث الصحيح ».

ترجمته:

١ - ابن حجر العسقلاني: « محمد بن مسعود بن محمد ابن خواجة امام

٤١٢

مسعود بن محمد بن علي بن أحمد بن عمر بن اسماعيل بن الشيخ أبي علي الدقاق البليانى الكازروني.

ذكره ابن الجزري في ( مشيخة الجنيد البلياني ) ثم قال: كان سعيد الدين محدثاً فاضلا سمع الكثير، وأجاز له المزي صاحب ( تهذيب الكمال ) وجماعة، وخرج ( المسلسل ) وألف ( المولد النبوي ) فأجاد، ومات في أواخر جمادى الاخرة سنة ٧٥٨ »(١) .

٢ - محيي الدين محمد بن الخطيب القاسم: في ( حاشية روض الاخبار المنتخب من ربيع الابرار - مخطوط ): « كان شيخاً محدثاً في وقته، كتب اجازة بعض تلامذته سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة [ سبعمائة ظ ] بهراة، وروى عنه الشيوخ، منهم الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن محمد الجزري الشافعي، وكان الجزري شيخ المحدثين في أوانه وامام القراء في زمانه ».

٣ - وترجم له محمد بن أحمد بن محمدالسمرقندي في مقدمة كتابه ( ترجمة المنتقى ) ترجمة مفصلة.

وهذا المقدار باختصار يكفي لمعرفة عظمة سعيد الدين الكازروني.

*(١٢٦)*

رواية ابن كثير الدمشقي

روى حديث الثقلين في تفسير قوله تعالى( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، رواه في تفسير هذه الاية عن مسلم بسنده عن زيد بن أرقم(٢) .

ورواه في تفسير آية المودة عن أحمد بن حنبل بسنده عن زيد أيضاً، ثم

____________________

(١). الدرر الكامنة ٤ / ٢٥٥.

(٢). تفسير ابن كثير ٥ / ٤٥٧.

٤١٣

قال بعده: « وهكذا رواه مسلم في ( الفضائل ) والنسائي من طرق [ عن ] يزيد بن حيان به ».

« ورواه أيضاً عن الترمذي كذلك ثم قال: « وفي الباب عن أبي ذر وأبي سعيد وزيد بن أرقم وحذيفة بن أسيد رضي الله عنهم »(١) .

وقال أيضاً: « و قد ثبت في الصحيح أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في خطبته بغدير خم: انّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض »(٢) .

هذا، وقد تقدم في ابن عساكر أن ابن كثير قد روى حديث الثقلين في ( تاريخه ) أيضاً.

ترجمته:

١ - الذهبي في ( المعجم المختص - مخطوط ).

٢ - وابن حجر العسقلاني في ( الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ١ / ٣٩٩ ).

٣ - وابن قاضى شهبة في ( طبقات الشافعية ٢ / ١١٣ ).

٤ - وجلال الدين السيوطي في ( طبقات الحفاظ ٥٢٩ ).

٥ - والداودي المالكي في ( طبقات المفسرين ١ / ١١٠ ).

وللاختصار نكتفي بما يلي:

قال الداودي: « اسماعيل بن عمر بن كثير كان قدوة العلماء والحفاظ، وعمدة أهل المعاني والالفاظ، تفقه على الشيخين برهان الدين الفزاري وكمال الدين ابن قاضي شهبة، ثم صاهر الحافظ أبا الحجاج المزي ولازمه وأخذ عنه وأقبل على علم الحديث، وأخذ الكثير عن ابن تيمية، وقرأ

____________________

(١). تفسير ابن كثير ٦ / ٢٠٠.

(٢). تفسير ابن كثير ٦ / ١٩٩.

٤١٤

الاصول على الاصفهاني، وسمع الكثير وأقبل على حفظ القرآن ومعرفة الاسانيد والعلل والرجال والتاريخ حتى برع في ذلك وهو شاب، وصنف في صغره كتاب الاحكام على أبواب التنبيه والتاريخ المسمى بالبداية والنهاية والتفسير وكتاباً في جمع المسانيد العشرة واختصر تهذيب الكمال وأضاف اليه ما تأخر في الميزان سماه التكميل وطبقات الشافعية ومناقب الامام الشافعي وخرج الاحاديث الواقعة في مختصر ابن الحاجب وسيرة صغيرة، وشرع في أحكام كثيرة حافلة كتب منها مجلدات الى الحج، وشرح قطعة من البخاري وقطعة كبيرة من التنبيه، وولي مشيخة أم الصالح بعد موت الذهبي، وبعد موت السبكي مشيخة دار الحديث الاشرفية مدة يسيرة، ثم أخذت منه.

وذكره شيخه الذهبي في المعجم المختص فقال: فقيه متفنن ومحدث متقن ومفسر نقاد.

وقال تلميذه الحافظ شهاب الدين ابن حجر: كان أحفظ من أدركناه لمتون الاحاديث، وأعرفهم بتخريجها ورجالها وصحيحها وسقيمها، وكان أقرانه وشيوخه يعترفون له بذلك، وكان يستحضر شيئاً كثيراً من الفقه والتاريخ، قليل النسيان، وكان فقيهاً جيد الفهم صحيح الذهن، ويحفظ ( التنبيه ) الى آخر وقت، ويشارك في العربية مشاركة جيدة، وينظم الشعر، وما أعرف أني اجتمعت به مع كثرة ترددي اليه الا واستفدت منه.

وقال غيره: كانت له خصوصية بالشيخ تقي الدين ابن تيمية ومناضلة عنه واتباع له في كثير من آرائه، وكان يفتي برأيه في مسألة الطلاق، وامتحن بسبب ذلك وأوذي. مات في يوم الخميس السادس والعشرين من شعبان سنة أربع وسبعين وسبعمائة، ودفن بمقبرة الصوفية عند شيخه ابن تيمية »

وقالالقنوجى في ( أبجد العلوم ): « الفقيه الشافعي الحافظ عماد الدين ابن الخطيب شهاب الدين المعروف بالحافظ ابن كثير، ولد سنة سبعمائة وقدم دمشق وله نحو سبع سنين مع أخيه بعد موت أبيه وذكره الذهبي في

٤١٥

معجمه المختص فقال: الامام المحدث المفتي البارع ووصفه بحفظه المتون وسمع من ابن عساكر وغيره وصنف التصانيف الكثيرة في التفسير والتاريخ والاحكام. وقال ابن حبيب فيه: امام ذوي التسبيح والتهليل، وزعيم أرباب التأويل، سمع وجمع وصنف وأطرب الاسماع بأقواله وشنف، وحدث وأفاد وطارت أوراق فتاواه الى البلاد، واشتهر بالضبط والتحرير، وانتهت اليه رئاسة العلم في التاريخ والحديث والتفسير ».

*(١٢٧)*

رواية السيد على الهمداني

روى حديث الثقلين في كتابه [ المودة في القربى ] حيث قال ما نصه: « عن أبي سعيد الخدريرضي‌الله‌عنه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انّي تارك فيكم الثقلين، كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الارض وأهل بيتي - ويروى عترتي - لم [ لن ظ ] يفترقا حتى يردا علي الحوض ».

و قال فيه: « وعن جبير بن مطعمرضي‌الله‌عنه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألست بوليكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: اني أوشك أن أدعى فأجيب، وانّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله ربي وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ».

ترجمته:

ترجم له، واعتمد عليه عدة من الاعلام، مما يدل على جلالته، نذكر من ذلك:

١ - نور الدين جعفر البدخشانى في ( خلاصة المناقب - مخطوط ).

٢ - عبد الرحمن الجامى في ( نفحات الانس ٤٤٧ ).

٣ - الكفوى في ( كتائب أعلام الاخيار - مخطوط ).

٤ - مجد الدين البدخشانى في ( جامع السلاسل - مخطوط ).

٤١٦

٥ - شهاب الدين احمد في ( توضيح الدلائل - مخطوط ).

٦ - حسين الميبدى في ( الفواتح ).

٧ - القشاشى في ( السمط المجيد ).

٨ - الدهلوي ( والد الدهلوي ) في ( الانتباه ).

٩ - الفاضل الرشيد الدهلوي ( تلميذ الدهلوي ) في ( ايضاح لطافة المقال ).

*(١٢٨)*

اثبات السيد محمد الطالقاني

في كتابه ( رساله قيافه نامه ) - على ما نقل عنه مجد الدين البدخشاني في كتابه ( جامع السلاسل - مخطوط ) بترجمة السيد علي الهمداني.

قال في كلام له في معنى « حبل الله »: « وقال بعضهم: ان المراد من حبل الله هو عترة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما قال: انّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، ألا فتمسكوا بهما، فانهما حبلان لا ينقطعان الى يوم القيامة ».

ترجمته:

ترجم له مجد الدين البدخشاني في كتابه ( جامع السلاسل - مخطوط ). وقد أثنى عليه الثناء البالغ، ووصفه بالاوصاف الجميلة التي قلما يصفون أحداً بها.

*(١٢٩)*

اثبات سعد الدين التفتازاني

أثبت حديث الثقلين حيث قال ما نصه:

« فان قيل: قال الله تعالى( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ

٤١٧

الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) . وقال عليه الصلاة والسلام: انّي تركت فيكم ما أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله تعالى وعترتي أهل بيتي. وقال عليه‌السلام : انّي تارك فيكم الثقلين، كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي. ومثل هذا يشعر بفضلهم على العالم وغيره.

قلنا: لا تصافهم بالعلم والتقوى وشرف النسب، ألا ترى أنه عليه الصلاة والسلام قرنهم بكتاب الله تعالى في كون التمسك بهما منقذاً عن الضلالة، ولا معنى للتمسك بالكتاب الا الاخذ بما فيه من العلم والهداية. فكذا في العترة، ولهذا قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه »(١) .

ترجمته:

وقد ترجم للتفتازاني جماعة من أعيان العلماء، أمثال:

١ - الجلال السيوطي في ( بغية الوعاة ٣٩١ ).

٢ - وابن حجر العسقلاني في ( الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ٥ / ١١٩ ).

٣ - والداودي في ( طبقات المفسرين ٢ / ٣١٩ ).

٤ - والقنوجى في ( التاج المكلل ٤٧١ ).

٥ - والشوكانى في ( البدر الطالع ٢ / ٣٠٣ ) وهذا نص كلام الشوكاني:

« مسعود بن عمر التفتازاني، الامام الكبير، صاحب التصانيف المشهورة المعروف بسعد الدين، ولد بتفتازان في صفر سنة ٧٢٢، وأخذ عن أكابر أهل العلم في عصره كالعضد وطبقته، وفاق في النحو والصرف

____________________

(١). شرح المقاصد ٢ / ٢٢١.

٤١٨

والمنطق والمعاني والبيان والاصول والتفسير والكلام وكثير من العلوم، وطار صيته واشتهر ذكره ورحل اليه الطلبة، وشرع في التصنيف وهو في ست عشرة سنة، فصنف الزنجانية وفرغ منها في شعبان سنة ٧٣٨، وفرغ من شرح التلخيص الكبير في صفر سنة ٧٤٨ بهراة، ومن مختصره سنة ٧٥٦، ومن شرح التوضيح في ذي القعدة سنة ٧٥٨ بكاشان، ومن شرح العقائد في شعبان سنة ٧٦٨، ومن حاشية العضدي في ذي الحجة سنة ٧٧٠، ومن رسالة الارشاد سنة ٧٧٤، كلها بخوارزم، ومن المقاصد وشرحه في ذي القعدة سنة ٧٨٤ بسمرقند، ومن تهذيب الكلام في رجب منها، ومن شرح المفتاح في شوال سنة ٧٨٩ بسمرقند ايضاً.

وشرع في فتاوى الحنفية يوم الاحد التاسع من ذي القعدة سنة ٧٦٩ بهراة، وفي تأليف مفتاح الفقه سنة ٧٧٢، وفي شرح تلخيص المفتاح سنة ٧٨٦ كليهما بسرخس، وفي حاشية الكشاف في ثامن ربيع الآخر سنة ٧٨٩ بظاهر سمرقند.

هكذا ذكر ملا زادة تاريخ ما فرغ منه من مؤلفاته وما شرع فيه ولم يكمل وقال في أول الترجمة ما لفظه: أستاذ العلماء المتأخرين وسيد الفضلاء المتقدمين مولانا سعد الملة والدين، معدل ميزان المعقول والمنقول، منقح أغصان الفروع والاصول، أبي سعيد مسعود ابن القاضي الامام فخر الملة والدين عمر ابن المولى الاعظم سلطان العارفين الغازي التفتازاني

وبالجملة، فصاحب الترجمة متفرد بعلومه في القرن الثامن، لم يكن له في أهله نظير فيها، وله من الحظ والشهرة والصيت في أهل عصره فمن بعدهم مالا يلحق به غيره ».

*(١٣٠)*

رواية حسام الدين حميد المحلى

روى حديث الثقلين في كتابه ( محاسن الازهار في تفصيل مناقب

٤١٩

العترة الاخيار الاطهار ) كما ذكره العلامة محمد بن اسماعيل الامير في ( الروضة الندية ) في سياق طرق حديث الغدير حيث قال ما نصه: « وذكر الخطبة بطولها الفقيه العلامة حميد المحلى في ( محاسن الازهار ) في شرح قول الامام المنصور بالله:

أيهما نص بها أجملا

له على المكي واليثربي

بسنده الى زيد بن أرقم قال: أقبل نبى اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع حتى نزل بغدير الجحفة بين مكة والمدينة، فأمر بدوحات فقم ما تحتهن من شوك، ثم نادى الصلاة جامعة، فخرجنا الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يوم شديد الحر، ان منا من يضع بعض ردائه على رأسه وبعضه على قدمه من شدة الرمضاء، حتى أتينا الى رسول الله، فصلى بنا الظهر، ثم انصرف الينا فقال:

الحمد لله نحمده ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، الذي لا هادي لمن أضل ولا مضل لمن هدى، وأشهد ان لا اله الا الله وأن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد، أيها الناس فانه لم يكن لنبي من العمر الا النصف من عمر الذي قبله، وان عيسى بن مريم لبث في قومه أربعين سنة، واني قد شرعت في العشرين، ألا واني يوشك أن أفارقكم، ألا واني مسؤول وأنتم مسؤولون، فهل بلغتكم فما ذا أنتم قائلون؟

فقام من كل ناحية من القوم مجيب يقولون: نشهد أنك عبد الله ورسوله، قد بلغت رسالته وجاهدت في سبيله، وصدعت بأمره وعبدته حتى أتاك اليقين، جزاك الله عنا خيراً ما جزى نبياً عن أمته.

فقال: ألستم تشهدون أن لا اله الا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الجنة حق والنار حق وتؤمنون بالكتاب كله؟ قالوا: بلى.

فقال: انى أشهد أن صدقتكم وصدقتموني، ألا واني فرطكم وأنتم تبعي توشكون أن تردوا علي الحوض فأسألكم حين تلقوني عن ثقلي كيف

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466