تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

تذكرة الفقهاء12%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 978-964-319-530-4
الصفحات: 466

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156753 / تحميل: 5504
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٩٦٤-٣١٩-٥٣٠-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

من بجيلة يقال له عاصم بن عمر فقال لأبي جعفرعليه‌السلام إن كعب الأحبار كان يقول إن الكعبة تسجد لبيت المقدس في كل غداة فقال أبو جعفرعليه‌السلام فما تقول فيما قال كعب فقال صدق القول ما قال كعب فقال أبو جعفرعليه‌السلام كذبت وكذب كعب الأحبار معك وغضب قال زرارة ما رأيته استقبل أحدا بقول كذبت غيره ثم قال ما خلق الله عز وجل بقعة في الأرض أحب إليه منها ثم أومأ بيده نحو الكعبة ولا أكرم على الله عز وجل منها لها حرم الله الأشهر الحرم في كتابه «يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ » ثلاثة متوالية للحج ـ شوال وذو القعدة وذو الحجة وشهر مفرد للعمرة وهو رجب.

٢ ـ وبهذا الإسناد ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن لله تبارك وتعالى حول الكعبة عشرين ومائة رحمة منها ستون للطائفين وأربعون للمصلين وعشرون للناظرين.

ما دل على الكراهة على ما كان في المسجد الحرام الذي كان في زمن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وهذا الخبر على ما إذا كان في غيره.

قوله عليه‌السلام : « ما خلق الله عز وجل بقعة » اعلم : أنه اختلف في أشرف البقاع.

فقيل : هي موضع الكعبة.

وقيل : موضع قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعده مواضع قبور الأئمةصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقال الشهيد (ره) في الدروس : مكة أفضل بقاع الأرض ما عدا موضع قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وروي في كربلاء على ساكنها السلام مرجحات. والأقرب أن مواضع قبور الأئمةعليهم‌السلام كذلك إلا البلدان التي هم بها فمكة أفضل منها حتى من المدينة.

الحديث الثاني : حسن كالصحيح.

قوله عليه‌السلام : « وأربعون للمصلين » لا ينافي هذا ما روي : أن الطواف في السنة الأولى أفضل من الصلاة ، وفي الثانية مساو لها ، وفي الثالثة الصلاة أفضل إذ الواردون غير المجاورين أكثر من المجاورين والمقيمين بكثير وكذا طوافهم أكثر فتأمل.

١٠١

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي عبد الله الخزاز ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن للكعبة للحظة في كل يوم يغفر لمن طاف بها أو حن قلبه إليها أو حبسه عنها عذر.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن الحسن بن علي ، عن ابن رباط ، عن سيف التمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من نظر إلى الكعبة لم يزل تكتب له حسنة وتمحى عنه سيئة حتى ينصرف ببصره عنها.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال النظر إلى الكعبة عبادة والنظر إلى الوالدين عبادة والنظر إلى الإمام عبادة وقال من نظر إلى الكعبة كتبت له حسنة ومحيت عنه عشر سيئات.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي عمير ، عن علي بن عبد العزيز ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من نظر إلى الكعبة بمعرفة فعرف من حقنا وحرمتنا مثل الذي عرف من حقها وحرمتها غفر الله له ذنوبه وكفاه هم الدنيا والآخرة.

الحديث الثالث : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « للحظة » يحتمل أن يكون اللام في قولهعليه‌السلام للحظة للسببية أي أن لله بسبب الكعبة للحظة أي نظر رحمة إلى العباد ، أو للاختصاص أي للكعبة نظر رحمة من الله بها يغفر لمن طاف بها ، أو الكعبة ينظر إلى الناس مجازا وكلمة « أو » فيقوله أو حبسه إما بمعنى الواو ، أو ألف زيد من النساخ ، أوقوله « حسن قلبه » أريد به من اشتاق لكن تركه بغير عذر ، وفيه بعد.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

الحديث الخامس : حسن.

الحديث السادس : مجهول.

١٠٢

(باب )

(فيمن رأى غريمه في الحرم)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن شاذان بن الخليل أبي الفضل ، عن سماعة بن مهران ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن رجل لي عليه مال فغاب عني زمانا فرأيته يطوف حول الكعبة أفأتقاضاه مالي قال لا لا تسلم عليه ولا تروعه حتى يخرج من الحرم.

(باب )

(ما يهدى إلى الكعبة)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز قال أخبرني ياسين قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول إن قوما أقبلوا من مصر فمات منهم رجل فأوصى بألف درهم للكعبة فلما قدم الوصي مكة سأل فدلوه على بني شيبة فأتاهم فأخبرهم الخبر فقالوا قد برئت ذمتك ادفعها إلينا فقام الرجل فسأل الناس فدلوه على أبي جعفر محمد بن عليعليه‌السلام قال أبو جعفرعليه‌السلام فأتاني فسألني فقلت له إن الكعبة غنية عن هذا

باب في من رأى غريمه في الحرم

الحديث الأول : مجهول. وقال الشهيد (ره) في الدروس : لو التجأ الغريم إلى الحرم حرمت المطالبة والرواية تدل على تحريم المطالبة لو ظفر به في الحرم من غير قصد للالتجاء.

وقال علي بن بابويه : لو ظفر به في الحرم لم تجز مطالبته إلا أن تكون قد أدانه في الحرم ، وألحق القاضي ، والحلبي مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والمشاهد به ، وفي المختلف تكره المطالبة لمن أدانه في غير الحرم وإن أدانه فيه لم تكره وهو نادر.

باب ما يهدى إلى الكعبة

الحديث الأول : مجهول.

١٠٣

انظر إلى من أم هذا البيت فقطع به أو ذهبت نفقته أو ضلت راحلته أو عجز أن يرجع إلى أهله فادفعها إلى هؤلاء الذين سميت لك فأتى الرجل بني شيبة فأخبرهم بقول أبي جعفرعليه‌السلام فقالوا هذا ضال مبتدع ليس يؤخذ عنه ولا علم له ونحن نسألك بحق هذا وبحق كذا وكذا لما أبلغته عنا هذا الكلام قال فأتيت أبا جعفرعليه‌السلام فقلت له لقيت بني شيبة فأخبرتهم فزعموا أنك كذا وكذا وأنك لا علم لك ثم سألوني بالعظيم إلا بلغتك ما قالوا قال وأنا أسألك بما سألوك لما أتيتهم فقلت لهم إن من علمي أن لو وليت شيئا من أمر المسلمين لقطعت أيديهم ثم علقتها في أستار الكعبة ثم أقمتهم على المصطبة ثم أمرت مناديا ينادي ألا إن هؤلاء سراق الله فاعرفوهم.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن بنان بن محمد ، عن موسى بن القاسم ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه أبي الحسنعليه‌السلام قال سألته عن رجل جعل جاريته هديا للكعبة كيف يصنع قال إن أبي أتاه رجل قد جعل جاريته هديا للكعبة فقال له قوم الجارية أو بعها ثم

قوله عليه‌السلام : « فادفعها » ظاهر الخبر أن من أوصى شيئا للكعبة يصرف إلى معونة الحاج وظاهر الأصحاب أن من نذر شيئا أو أوصى للبيت أو لأحد المشاهد المشرفة ، يصرف في مصالح ذلك المشهد ولو استغنى المشهد عنهم في الحال والمال يصرف في معونة الزوار أو إلى المساكين والمجاورين فيه ، ويمكن حمل هذا الخبر على ما إذا علم أنه لا يصرف في مصالح المشهد كما يدل عليه آخر الخبر ، أو على ما إذا لم يحتج البيت إليه كما يشعر به أول الخبر فلا ينافي المشهور.

« والمصطبة » بكسر الميم وشد الباء كالدكان للجلوس عليه ذكره الفيروزآبادي.

الحديث الثاني : مجهول. ومضمونه مشهور بين الأصحاب إذ الهدي يصرف إلى النعم ولا يتعلق بالجارية والدابة ، وذكر الأكثر الجارية وألحق جماعة بها الدابة.

وقال بعض المحققين : لا يبعد مساواة غيرهما لهما في هذا الحكم من إهداء الدراهم والدنانير والأقمشة وغير ذلك ، ويؤيده الخبر المتقدم.

١٠٤

مر مناديا يقوم على الحجر فينادي ألا من قصرت به نفقته أو قطع به طريقه أو نفد به طعامه فليأت فلان بن فلان ومره أن يعطي أولا فأولا حتى ينفد ثمن الجارية.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن أبان ، عن أبي الحر ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال جاء رجل إلى أبي جعفرعليه‌السلام فقال إني أهديت جارية إلى الكعبة فأعطيت بها خمسمائة دينار فما ترى قال بعها ثم خذ ثمنها ثم قم على حائط الحجر ثم ناد وأعط كل منقطع به وكل محتاج من الحاج.

٤ ـ أحمد بن محمد ، عن علي بن الحسن الميثمي ، عن أخويه محمد وأحمد ، عن علي بن يعقوب الهاشمي ، عن مروان بن مسلم ، عن سعيد بن عمرو الجعفي ، عن رجل من أهل مصر قال أوصى إلي أخي بجارية كانت له مغنية فارهة وجعلها هديا لبيت الله الحرام فقدمت مكة فسألت فقيل ادفعها إلى بني شيبة وقيل لي غير ذلك من القول فاختلف علي فيه فقال لي رجل من أهل المسجد ألا أرشدك إلى من يرشدك في هذا إلى الحق قلت بلى قال فأشار إلى شيخ جالس في المسجد فقال هذا جعفر بن محمدعليهما‌السلام فسله قال فأتيتهعليه‌السلام فسألته وقصصت عليه القصة فقال إن الكعبة لا

وقال في الدروس : لو نذر أن يهدي عبدا أو أمة أو دابة إلى بيت الله أو مشهد معين بيع وصرف في مصالحه ومعونة الحاج والزائرين لظاهر صحيحة علي بن جعفر(١) .

الحديث الثالث : مجهول.

الحديث الرابع : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « فارهة » قال البيضاوي عند تفسير قوله تعالى : «وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ »(٢) بطرين أو حاذقين من الفراهة وهي النشاط فإن الحاذق يعمل بنشاط.

__________________

(١) علل الشرائع ص ٤٠٩ ح ٢ طبع النجف.

(٢) سورة الشعراء : ١٤٩.

١٠٥

تأكل ولا تشرب وما أهدي لها فهو لزوارها بع الجارية وقم على الحجر فناد هل من منقطع به وهل من محتاج من زوارها فإذا أتوك فسل عنهم وأعطهم واقسم فيهم ثمنها قال فقلت له إن بعض من سألته أمرني بدفعها إلى بني شيبة فقال أما إن قائمنا لو قد قام لقد أخذهم وقطع أيديهم وطاف بهم وقال هؤلاء سراق الله.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن أبي عبد الله البرقي ، عن بعض أصحابنا قال دفعت إلي امرأة غزلا فقالت ادفعه بمكة ليخاط به كسوة الكعبة فكرهت أن أدفعه إلى الحجبة وأنا أعرفهم فلما صرت بالمدينة دخلت على أبي جعفرعليه‌السلام فقلت له جعلت فداك إن امرأة أعطتني غزلا وأمرتني أن أدفعه بمكة ليخاط به كسوة الكعبة فكرهت أن أدفعه إلى الحجبة فقال اشتر به عسلا وزعفرانا وخذ طين قبر أبي عبد اللهعليه‌السلام واعجنه بماء السماء واجعل فيه شيئا من العسل والزعفران وفرقه على الشيعة ليداووا به مرضاهم.

قوله عليه‌السلام : « فسل عنهم » ظاهره عدم جواز الاكتفاء بقولهم ولزوم التفحص عن حالهم وإن أمكن أن يكون المراد سؤال أنفسهم عن حالهم لكنه بعيد.

الحديث الخامس : مرسل. ويدل على جواز مخالفة الدافع إذا عين المصرف على جهالة ويمكن اختصاصه بالإمامعليه‌السلام ، ويحتمل أن يكونعليه‌السلام علم أن غرضها الصرف إلى أحسن الوجوه وظنت أنها عينته أحسن فصرفهعليه‌السلام إلى ما هو أحسن واقعا.

١٠٦

(باب )

(في قوله عز وجل «سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ »)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن الحسين بن أبي العلاء قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن معاوية أول من علق على بابه مصراعين بمكة فمنع حاج بيت الله ما قال الله عز وجل : «سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ » وكان الناس

باب في قوله عز وجل «سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ »(١)

الحديث الأول : حسن. واختلف الأصحاب في أنه هل يحرم منع الناس من سكنى دور مكة أو يكره ، وذهب الشيخ وجماعة : إلى التحريم.

والمشهور بين المتأخرين الكراهة ، فظاهر هذه الأخبار الحرمة. وإن لم تكن صريحة فيها ، وأما الآية ففي الاستدلال بها لغير المعصوم العالم بمراد الله تعالى إشكال. لأن الموصول وقع في الآية صفة للمسجد الحرام حيث قال تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ »(٢) أي يصدون عن المسجد الحرام الذي جعل الله للناس مستويا فيه «الْعاكِفُ » أي المقيم فيه «وَالْبادِ » أي الذي يأتيه من غير أهله.

فقوله « سواء » منصوب على أنه مفعول ثان لجعلنا.

وقوله « للناس » تعليل للجعل أي لعبادتهم ، أو لانتفاعهم ، أو حال من الهاء ، ويجوز أن يكون متعلقا بمحذوف هو المفعول الثاني أي جعلناه مرجعا أو معبدا للناس « فسواء » بمعنى مستويا يكون حالا « والعاكف والباد » فاعلاه كما في الأول.

وأما معنى « الاستواء » ، فروى الطبرسي عن ابن عباس ، وقتادة ، وابن جبير أن المراد به أن العاكف والباد مستويان في سكناه والنزول به فليس أحدهما

__________________

(١) سورة الحجّ : ٢٥.

(٢) سورة الحجّ : ٢٥.

١٠٧

إذا قدموا مكة نزل البادي على الحاضر حتى يقضي حجه وكان معاوية صاحب السلسلة التي قال الله تعالى «فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ » وكان فرعون هذه الأمة.

٢ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن أبان بن عثمان ، عن يحيى بن أبي العلاء ، عن أبي عبد الله ، عن أبيهعليهما‌السلام قال لم يكن لدور مكة أبواب

أحق بالمنزل يكون فيه من الآخر غير أنه لا يخرج أحد من بيته ، وقالوا إن كراء دور مكة وبيعها حرام ، والمراد بالمسجد الحرام على هذا : الحرم كله كقوله : «أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ».

وقيل المراد بالمسجد الحرام عين المسجد الذي يصلي فيه ، وعلى هذا يكون المعنى في قوله «جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ » أي قبلة لصلاتهم ومنسكا لحجهم فالعاكف والباد سواء في حكم النسك(١) انتهى.

وظاهر هذه الأخبار : هو الأول ويؤيده ما رواه في كتاب نهج البلاغة عن أمير المؤمنينعليه‌السلام في كتاب كتبه إلى قثم بن العباس وهو عامله على مكة ، وأمر أهل مكة أن لا يأخذوا من ساكن أجرا فإن الله سبحانه يقول «سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ » ، والعاكف المقيم به والبادي الذي يحج إليه من غير أهله.

وقال ابن البراج : ليس لأحد أن يمنع الحاج موضعا من دور مكة ومنازلها بقوله تعالى«سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ ».

وقال ابن الجنيد : الإجارة لبيوت مكة حرام ولذلك استحب للحاج أن يدفع ما يدفعه لأجرة حفظ رحله ، لا أجرة ما ينزله.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

__________________

(١) مجمع البيان ج ٧ ـ ٨ ص ٨٠.

١٠٨

وكان أهل البلدان يأتون بقطرانهم فيدخلون فيضربون بها وكان أول من بوبها معاوية.

(باب)

(حج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله )

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن يحيى ، عن غياث بن إبراهيم ، عن جعفرعليه‌السلام قال لم يحج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد قدومه المدينة إلا واحدة وقد حج بمكة مع قومه حجات.

٢ ـ أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن عيسى الفراء ، عن عبد الله بن أبي يعفور ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال حج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عشر حجات مستسرا في كلها

قوله عليه‌السلام : « بقطراتهم » كأنه جمع القطار على غير القياس ، أو هو تصحيف قطرات.

قال في مصباح اللغة : القطار من الإبل عدد على نسق واحد ، والجمع قطر مثل كتاب وكتب ، والقطرات جمع الجمع.

قوله عليه‌السلام « فيضربون بها » أي خيمهم.

باب حج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

الحديث الأول : موثق.

الحديث الثاني : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « عشر حجات مستسرا » يمكن الجمع بين الأخبار : بحمل العشر على ما فعلهصلى‌الله‌عليه‌وآله مستسرا لله ، والعشرين على الأعم بأن يكون قد حج علانية مع قومه عشرا كما يدل عليهقوله عليه‌السلام : « قد حج بمكة مع قومه » وإن أمكن أن يكون المراد كائنا مع قومه بمكة لا أنه حج معهم ، ويمكن حمل العشرين على الحج والعمرة تغليبا ، وأما حجةصلى‌الله‌عليه‌وآله مستسرا مع أن قومه كانوا غير منكرين للحج وكانوا يأتون به

١٠٩

يمر بالمأزمين ـ فينزل ويبول.

٣ ـ أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن يونس بن يعقوب ، عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال حج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عشرين حجة.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أقام بالمدينة عشر سنين لم يحج ثم أنزل الله عز وجل عليه : «وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِ

إما للنسيء فإنهم كانوا غالبا يأتون به في غير ذي الحجة ، أو للاختلاف في الأعمال كوقوف عرفة ، وأما ما رواه الصدوقرحمه‌الله في كتاب علل الشرائع بإسناده عن سليمان ابن مهران قال : قلت لجعفر بن محمدعليهما‌السلام كم حج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال عشرين حجة مستترا في كل حجة يمر بالمأزمين فيبول فقلت يا ابن رسول الله ولم كان ينزل هناك ويبول؟ قال : لأنه أول موضع عبد فيه الأصنام ومنه أخذ الحجر الذي نحت منه هبل الذي رمى به عليعليه‌السلام من ظهر الكعبة لما علا على ظهر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأمر بدفنه عند باب بني شيبة فصار الدخول إلى المسجد من باب بني شيبة سنة لأجل ذلك انتهى(١) .

فيمكن حمل الحج فيه على ما يشمل العمرة ، أو على أن المراد كون بعضها مستترا ، أو بعض أعمالها كما عرفت.

وقال الجوهري :« المأزم » كل طريق ضيق بين جبلين ، ومنه سمي الموضع الذي بين المشعر وبين عرفة مأزمين.

الحديث الثالث : موثق.

الحديث الرابع : حسن كالصحيح.

قوله تعالى : «وَأَذِّنْ »(٢) قيل : الخطاب للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في حجة الوداع.

__________________

(١) علل الشرايع : ص ٤٥٠ طبع النجف الأشرف.

(٢) سورة الحجّ : ٢٧.

١١٠

يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ » فأمر المؤذنين أن يؤذنوا بأعلى أصواتهم بأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يحج في عامه هذا فعلم به من حضر المدينة وأهل العوالي والأعراب واجتمعوا لحج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وإنما كانوا تابعين ينظرون ما يؤمرون ويتبعونه أو يصنع شيئا فيصنعونه فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في أربع بقين من ذي القعدة فلما انتهى إلى ذي الحليفة زالت الشمس فاغتسل ثم خرج حتى أتى المسجد الذي عند الشجرة فصلى فيه الظهر وعزم بالحج مفردا وخرج حتى انتهى إلى البيداء عند الميل الأول فصف له سماطان فلبى بالحج مفردا وساق الهدي ستا وستين أو أربعا وستين حتى انتهى إلى مكة في سلخ أربع من ذي الحجة فطاف بالبيت سبعة أشواط ثم صلى ركعتين خلف مقام إبراهيمعليه‌السلام ثم عاد إلى الحجر فاستلمه وقد كان

وقيل لإبراهيمعليه‌السلام : بعد بناء البيت أي ناد فيهم وأعلمهم بالحج بأن يحجوا وبوجوب الحج «يَأْتُوكَ رِجالاً » رجالا جمع راجل أي مشاة«وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ » أي وركبانا على كل بعير مهزول أتعبه بعد السفر فهزله «يَأْتِينَ » صفة لكل ضامر محمولة على معناه.

وقيل أوله ولرجالا وفيه نظر.

«مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ » أي طريق بعيد.

وقال الجوهري : الفج الطريق الواسع بين الجبلين.

وقال في النهاية : تكرر ذكر« العالية والعوالي » وهي أماكن بأعلى أراضي المدينة.(١)

قوله عليه‌السلام : « مفردا » أي مفردا عن العمرة أي لم يتمتع لأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان قارنا.

قوله عليه‌السلام : « أو أربعا » الترديد من الراوي.

قوله عليه‌السلام : « في سلخ أربع » أي مضى أربع ، في القاموس : سلخ الشهر أي مضى كانسلخ.

__________________

(١) النهاية لابن الأثير : ج ٣ ص ٢٩٥.

١١١

استلمه في أول طوافه ثم قال إن الصفا والمروة من شعائر الله فأبدأ بما بدأ الله تعالى به وإن المسلمين كانوا يظنون أن السعي بين الصفا والمروة شيء صنعه المشركون فأنزل الله عز وجل : «إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما » ثم أتى الصفا فصعد عليه واستقبل الركن اليماني فحمد الله وأثنى عليه ودعا مقدار ما يقرأ سورة البقرة مترسلا ثم انحدر إلى المروة فوقف عليها كما وقف على الصفا ثم انحدر وعاد إلى الصفا فوقف عليها ثم انحدر إلى المروة حتى فرغ من سعيه فلما فرغ من سعيه وهو على المروة أقبل على الناس بوجهه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن هذا جبرئيل وأومأ بيده إلى خلفه يأمرني أن آمر من لم يسق هديا أن يحل ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لصنعت مثل ما أمرتكم ولكني سقت الهدي ولا ينبغي لسائق الهدي أن يحل «حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ » قال :

قوله تعالى : «مِنْ شَعائِرِ اللهِ » هي جمع شعيرة بمعنى العلامة أي من إعلام مناسكه ومعبداته و« الترسل » التأني.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لو استقبلت » قال في النهاية أي لو عن لي هذا الرأي الذي رأيته آخرا وأمرتكم به في أول أمري لما سقت الهدي معي وقلدته ، وأشعرته فإنه إذا فعل ذلك لا يحل حتى ينحر ، ولا ينحر إلا يوم النحر ، فلا يصح له فسخ الحج بعمرة ، ومن لم يكن معه هدى فلا يلتزم هذا ويجوز له فسخ الحج وإنما أراد بهذا القول تطييب قلوب أصحابه لأنه كان يشق عليهم أن يحلوا وهو محرم ، فقال : لهم ذلك لئلا يجدوا في أنفسهم ، وليعلموا أن الأفضل لهم قبول ما دعاهم إليه وأنه لو لا الهدى لفعله(١) .

__________________

(١) النهاية لابن الأثير : ج ٤ ص ١٠.

١١٢

فقال له رجل من القوم لنخرجن حجاجا ورءوسنا وشعورنا تقطر فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أما إنك لن تؤمن بهذا أبدا فقال له سراقة بن مالك بن جعشم الكناني يا رسول الله علمنا ديننا كأنا خلقنا اليوم فهذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أم لما يستقبل فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بل هو للأبد إلى يوم القيامة ثم شبك أصابعه وقال دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة قال وقدم عليعليه‌السلام من اليمن على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو بمكة فدخل على فاطمة سلام الله عليها وهي قد أحلت فوجد ريحا طيبة ووجد عليها ثيابا مصبوغة فقال ما هذا يا فاطمة فقالت أمرنا بهذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فخرج عليعليه‌السلام إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مستفتيا فقال يا رسول الله إني رأيت فاطمة قد أحلت وعليها ثياب مصبوغة فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنا أمرت الناس بذلك فأنت يا علي بما أهللت قال يا رسول الله إهلالا كإهلال النبي فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قر على إحرامك مثلي وأنت شريكي في هديي قال ونزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بمكة بالبطحاء هو وأصحابه ولم ينزل الدور فلما كان يوم التروية عند زوال الشمس أمر الناس أن يغتسلوا ويهلوا بالحج وهو قول الله عز وجل الذي أنزل على نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « فاتبعوا

قوله عليه‌السلام : « رجل » هو عمر عليه اللعنة باتفاق الخاصة والعامةوقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنك لن تؤمن بهذا أبدا من معجزاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله فإنه قد أنكر ذلك بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا سيما في أيام خلافته أشد الإنكار كما هو المتواتر بين الفريقين ، ويكفي هذا الكفرة وشقاوته لكل ذي عقل ولب.

قوله عليه‌السلام : « رؤوسنا وشعورنا تقطر » أي من ماء غسل الجنابة ، وفي بعض الروايات وذكرنا تقطر أي من ماء المني.

قال : لعنه الله ذلك تقبيحا وتشنيعا على ما أمر الله ورسوله به.

قوله عليه‌السلام : « كانا خلقنا » إذ بالعلم حياة الأرواح والقلوب.

قوله عليه‌السلام : « وهو قول الله » لعله إشارة إلى ترك الشرك الذي ابتدعه المشركون في التلبية.

١١٣

ملة أبيكم إبراهيم فخرج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه مهلين بالحج حتى أتى منى فصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر ثم غدا والناس معه وكانت قريش تفيض من المزدلفة وهي جمع ويمنعون الناس أن يفيضوا منها فأقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقريش ترجوا أن تكون إفاضته من حيث كانوا يفيضون فأنزل الله تعالى عليه : «ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ » يعني إبراهيم وإسماعيل وإسحاق في إفاضتهم منها ومن كان بعدهم فلما رأت قريش أن قبة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد مضت كأنه دخل في أنفسهم شيء للذي كانوا يرجون من الإفاضة من مكانهم حتى انتهى إلى نمرة وهي بطن عرنة بحيال الأراك فضربت قبته وضرب الناس أخبيتهم عندها فلما زالت الشمس خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه قريش وقد اغتسل وقطع التلبية حتى وقف بالمسجد فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم ثم صلى الظهر والعصر بأذان وإقامتين ثم مضى إلى الموقف فوقف به فجعل الناس يبتدرون أخفاف ناقته يقفون إلى جانبها فنحاها ففعلوا مثل ذلك فقال أيها الناس ليس موضع أخفاف ناقتي ـ بالموقف ولكن هذا كله وأومأ بيده إلى الموقف فتفرق الناس وفعل مثل ذلك بالمزدلفة فوقف الناس حتى وقع القرص قرص الشمس ثم أفاض وأمر الناس بالدعة حتى انتهى إلى المزدلفة وهو المشعر الحرام فصلى المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين ثم أقام حتى صلى فيها

قوله عليه‌السلام : « يعني إبراهيم » تفسير للناس أي المراد بالناس : هؤلاء الأنبياء فأمر الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يتبعهم في الإفاضة من عرفات.

وقال البيضاوي : فيقوله تعالى «مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ » أي من عرفة لا من المزدلفة ، والخطاب مع قريش كانوا يقفون بالجمع وسائر الناس بعرفة ويرون ذلك ترفعا عليهم فأمروا بأن يساووهم ، وقيل : من مزدلفة إلى منى بعد الإفاضة من عرفة إليها ، والخطاب عام وقرئ الناس بالكسر أي الناسي يريد آدم من قوله فنسي ، والمعنى إن الإفاضة من عرفة شرع قديم فلا تغيروه.

١١٤

الفجر وعجل ضعفاء بني هاشم بليل وأمرهم أن لا يرموا الجمرة ـ جمرة العقبة حتى تطلع الشمس فلما أضاء له النهار أفاض حتى انتهى إلى منى فرمى جمرة العقبة وكان الهدي الذي جاء به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أربعة وستين أو ستة وستين وجاء عليعليه‌السلام بأربعة وثلاثين أو ستة وثلاثين فنحر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ستة وستين ونحر عليعليه‌السلام أربعا وثلاثين بدنة وأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يؤخذ من كل بدنة منها جذوة من لحم ثم تطرح في برمة ثم تطبخ فأكل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي وحسوا من مرقها ولم يعطيا الجزارين جلودها ولا جلالها ولا قلائدها وتصدق به وحلق وزار البيت ورجع إلى منى وأقام بها حتى كان اليوم الثالث من آخر أيام التشريق ثم رمى الجمار ونفر حتى انتهى إلى الأبطح فقالت له عائشة يا رسول الله ترجع نساؤك بحجة وعمرة معا وأرجع بحجة فأقام بالأبطح وبعث معها عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فأهلت بعمرة ثم جاءت وطافت بالبيت وصلت ركعتين عند مقام إبراهيمعليه‌السلام وسعت بين الصفا والمروة ثم أتت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فارتحل من يومه ولم يدخل المسجد الحرام ولم يطف بالبيت ودخل من أعلى مكة من عقبة المدنيين وخرج من أسفل مكة من ذي طوى.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن إسماعيل بن همام ، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين غدا من منى في طريق ضب ورجع ما بين المأزمين وكان إذا سلك طريقا لم يرجع فيه.

قوله عليه‌السلام : « جذوة » هي مثلثة القطعة« والبرمة » بالضم قدر من الحجارة« وحسو المرق » شر به شيئا بعد شيء.

قوله عليه‌السلام : « فقالت له عائشة » إنما قالت ذلك لأنها كانت قد حاضت ولم تعدل من الحج إلى العمرة.

الحديث الخامس : صحيح.

١١٥

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين حج حجة الإسلام خرج في أربع بقين من ذي القعدة حتى أتى الشجرة فصلى بها ثم قاد راحلته حتى أتى البيداء فأحرم منها وأهل بالحج وساق مائة بدنة ـ وأحرم الناس كلهم بالحج لا ينوون عمرة ولا يدرون ما المتعة حتى إذا قدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مكة طاف بالبيت وطاف الناس معه ثم صلى ركعتين عند المقام واستلم الحجر ثم قال أبدأ بما بدأ الله عز وجل به فأتى الصفا فبدأ بها ثم طاف بين الصفا والمروة سبعا فلما قضى طوافه عند المروة قام خطيبا فأمرهم أن يحلوا ويجعلوها عمرة وهو شيء أمر الله عز وجل به فأحل الناس وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لو كنت استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما أمرتكم ولم يكن يستطيع أن يحل من أجل الهدي الذي كان معه إن الله عز وجل يقول : «وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ » فقال سراقة بن مالك بن جعشم الكناني يا رسول الله علمنا كأنا خلقنا اليوم أرأيت هذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أو لكل عام فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا بل للأبد الأبد وإن رجلا قام فقال يا رسول الله نخرج حجاجا ورءوسنا تقطر فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إنك لن تؤمن بهذا أبدا قال وأقبل عليعليه‌السلام من اليمن حتى وافى الحج فوجد فاطمة سلام الله عليها قد أحلت ووجد ريح الطيب فانطلق إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مستفتيا فقال رسول

الحديث السادس : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « فأحرم منها » لعل المراد بالإحرام هنا عقد الإحرام بالتلبية ، أو إظهار الإحرام وإعلامه لئلا ينافي الأخبار المستفيضة الدالة على أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحرم من مسجد الشجرة.

قوله عليه‌السلام : « وساق مائة بدنة » يمكن الجمع بين الأخبار بأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ساق مائة لكن ساق بضعا وستين لنفسه والبقية لأمير المؤمنينعليه‌السلام لعلمه بأنهعليه‌السلام يحرم كإحرامه ويهل كإهلاله ، أو يحمل السياق المذكور في الخبر السابق على السياق

١١٦

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يا علي بأي شيء أهللت فقال أهللت بما أهل به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لا تحل أنت فأشركه في الهدي وجعل له سبعا وثلاثين ونحر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثا وستين فنحرها بيده ثم أخذ من كل بدنة بضعة ـ فجعلها في قدر واحد ثم أمر به فطبخ فأكل منه وحسا من المرق وقال قد أكلنا منها الآن جميعا والمتعة خير من القارن السائق وخير من الحاج المفرد قال وسألته أليلا أحرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أم نهارا فقال نهارا قلت أية ساعة قال صلاة الظهر.

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن عبد الله بن سنان قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام ذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الحج فكتب إلى من بلغه كتابه ممن دخل في الإسلام أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يريد الحج يؤذنهم بذلك ليحج من أطاق الحج فأقبل الناس فلما نزل الشجرة أمر الناس بنتف الإبط وحلق العانة والغسل والتجرد في إزار ورداء أو إزار وعمامة يضعها على عاتقه لمن لم يكن له رداء وذكر أنه حيث لبى قال لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يكثر من ذي المعارج

من مكة إلى عرفات ومنى.

قوله عليه‌السلام : « سبعا وثلاثين » لعل أحد الخبرين في العدد محمول على التقية ، أو نشأ من سهو الرواة ، والبضعة بالفتح القطعة من اللحم.

الحديث السابع : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « لبيك » قال في القاموس : « ألب » أقام كلب ومنه « لبيك » أي أنا مقيم على طاعتك إلبابا بعد إلباب وإجابة بعد إجابة ، أو معناه اتجاهي وقصدي لك من داري ، تلب داره أي تواجهها ، أو معناه محبتي لك من امرأة لبه محبته لزوجها ، أو معناه إخلاصي لك من حسب لباب خالص انتهى.

وهو منصوب على المصدر كقولك حمدا وشكرا وكان حقه أن يقال : لبا لك ، وثنى تأكيدا أي إلبابا لك بعد إلباب.

قوله عليه‌السلام : « إن الحمد » قال الطيبي : يروى بكسر الهمزة وفتحها وهما

١١٧

وكان يلبي كلما لقي راكبا أو علا أكمة أو هبط واديا ومن آخر الليل وفي أدبار الصلوات فلما دخل مكة دخل من أعلاها من العقبة وخرج حين خرج من ذي طوى فلما انتهى إلى باب المسجد استقبل الكعبة وذكر ابن سنان أنه باب بني شيبة فحمد الله وأثنى عليه وصلى على أبيه إبراهيم ثم أتى الحجر فاستلمه فلما طاف بالبيت صلى ركعتين خلف مقام إبراهيمعليه‌السلام ودخل زمزم فشرب منها ثم قال اللهم إني أسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء وسقم فجعل يقول ذلك وهو مستقبل الكعبة ثم قال لأصحابه ليكن آخر عهدكم بالكعبة استلام الحجر فاستلمه ثم خرج إلى الصفا ثم قال أبدأ بما بدأ الله به ثم صعد على الصفا فقام عليه مقدار ما يقرأ الإنسان سورة البقرة.

٨ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول نحر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيده ثلاثا وستين ونحر عليعليه‌السلام ما غبر قلت سبعة وثلاثين قال نعم.

٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الذي كان على بدن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ناجية بن جندب الخزاعي الأسلمي والذي حلق رأس النبي

مشهور أن عند أهل الحديث.

قال الخطابي : بالفتح رواية العامة.

وقال تغلب : الكسر أجود لأن معناه أن الحمد والنعمة له على كل حال ، ومعنى الفتح : لبيك لهذا السبب انتهى.

ونحوه روى العلامة في المنتهى عن بعض أهل العربية.

الحديث الثامن : ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام : « ما غبر » أي ما بقي أو ما مضى ذكره ، والأول أظهر.

الحديث التاسع : حسن كالصحيح.

قوله عليه‌السلام : « الذي كان على بدن رسول الله » أي كان موكلا بالبدن التي

١١٨

صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجته معمر بن عبد الله بن حراثة بن نصر بن عوف بن عويج بن عدي بن كعب قال ولما كان في حجة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يحلقه قالت قريش أي معمر أذن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في يدك وفي يدك الموسى فقال معمر والله إني لأعده من الله فضلا عظيما علي قال وكان معمر هو الذي يرحل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال رسول الله يا معمر ـ إن الرحل الليلة لمسترخى فقال معمر بأبي أنت وأمي لقد شددته كما كنت أشده ولكن بعض من حسدني مكاني منك يا رسول الله أراد أن تستبدل بي فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما كنت لأفعل.

١٠ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال اعتمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاث عمر مفترقات عمرة في ذي القعدة أهل من عسفان وهي عمرة الحديبية

ساقها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان يحميها ويسوقها.

قوله عليه‌السلام : « أذن رسول الله » يحتمل أن يكون بضم الهمزة والذال أي رأسه في يدك ، ويمكن أن يقرأ بكسر الهمزة وفتح الذال أي في هذا الوقت هوصلى‌الله‌عليه‌وآله في يدك ، والموسى كفعلى ما يحلق به ، ذكره الفيروزآبادي وقال : ورحلت البعير أرحله رحلا إذا شددت على ظهره الرحل.

وروى الصدوقرحمه‌الله في الفقيه هذه الرواية بسند صحيح وزاد فيه بعد الأسلمي والذي حلق رأسهعليه‌السلام يوم الحديبية خراش بن أمية الخزاعي ، وكأنه سقط من قلم الكليني ، أو النساخ وفيه وكان معمر بن عبد الله يرجل شعرهعليه‌السلام واكتفى به ولم يذكر التتمة : وهذا التصحيف منه غريب ولعله كان في الأصل يرحل بعيره فصحفه النساخ لمناسبة الحلق.

الحديث العاشر : حسن كالصحيح. وقال الفيروزآبادي :عسفان كعثمان موضع على مرحلتين من مكة لقاصد المدينة.

وقال :الحديبية كدويهية ، وقد تشدد بئر قرب مكة أو شجرة حدباء كانت

١١٩

وعمرة أهل من الجحفة وهي عمرة القضاء وعمرة أهل من الجعرانة بعد ما رجع من الطائف من غزوة حنين.

١١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن أبي نجران ، عن العلاء بن رزين ، عن عمر بن يزيد قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام أحج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله غير حجة الوداع قال نعم عشرين حجة.

١٢ ـ سهل ، عن ابن فضال ، عن عيسى الفراء ، عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال حج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عشرين حجة مستسرة كلها يمر بالمأزمين فينزل فيبول.

١٣ ـ حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد بن سماعة ، عن جعفر بن سماعة ومحمد بن يحيى ، عن عبد الله بن محمد ، عن علي بن الحكم جميعا ، عن أبان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال اعتمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عمرة الحديبية وقضى الحديبية من قابل ومن الجعرانة حين أقبل من الطائف ثلاث عمر كلهن في ذي القعدة.

هنالك ، وقال« الجحفة » : ميقات أهل الشام وكانت به قرية جامعة على اثنين وثمانين ميلا من مكة : وكانت تسمى مهيعة فنزل بنو عبيد وهم إخوة عاد وكان أخرجهم العماليق من يثرب فجاءهم سيل فاجتحفهم فسميت الجحفة.

وقال :الجعرانة وقد تكسر العين وتشدد الراء.

وقال الشافعي : التشديد خطأ موضع بين مكة والطائف تسمى بريطة بنت سعد وكانت تلقب بالجعرانة.

الحديث الحادي عشر : ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام : « عشرين حجة » أي مع حجة الوداع كما هو ظاهر الخبر المتقدم أو بدونها كما هو ظاهر الخبر الآتي وما روينا سابقا من العلل.

الحديث الثاني عشر : ضعيف على المشهور.

الحديث الثالث عشر : موثق كالصحيح.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

ولو كان عنده رهون لا يعرف أربابها لطول مكثها ، باعها الحاكم ودفع إليه دَيْنه الذي له ، وتصدّق بالباقي ، ولا يكون ذلك لقطةً.

ولو كان المُلاّك قد أذنوا له في البيع ، جاز أن يتولّاه بنفسه.

ولو تعذّر الحاكم ولم يكن أربابها أذنوا له في البيع ، جاز له التقويم والبيع للضرورة.

ولو وجد كنزاً في فلاةٍ أو خربةٍ وليس عليه أثر الإسلام ، أخرج منه الخُمْس ، والباقي له ، ولو كان عليه أثر الإسلام فهو لقطة.

ولو وجد لقطةً في دار الحرب ، فإن لم يكن فيها مسلم مَلَكها ، وإن كان فيها مسلم عرَّفها حولاً ثمّ يملكها إن شاء ، ولا يجب عليه المقام في دار الحرب للتعريف ، بل يتمّ التعريف في دار الإسلام.

وكذا لو وجد لقطةً في بلدٍ ، عرّفه فيه ثمّ جاز له أن يسافر ، ويكمل التعريف في غيره.

ولو دخل دار الحرب بأمانٍ فالتقط منها لقطةً ، عرّفها حولاً ؛ لأنّ أموالهم محرّمة عليه ، فإن لم يعرفها أحد مَلَكها بعد التعريف.

ولو دخل إليهم متلصّصاً فوجد لقطةً ، مَلَكها إن لم يكن فيها مسلم ، وإلّا عرّفها حولاً.

مسألة ٣٧٩ : لو مات الملتقط قبل التعريف ، قام وارثه مقامه في التعريف حولاً ثمّ يتملّكها بعده ، ويضمن كالمورّث.

ولو كان الملتقط قد عرّف بعض الحول ، أكمله الوارث ، ولا يحتاج إلى استئناف التعريف ، بخلاف الملتقط من الملتقط ؛ لأنّه يطلب المالك أو الملتقط ، فافتقر إلى استئناف التعريف حولاً ، وأمّا الوارث فإنّه يطلب المالك لا غير.

٢٨١

ولو كان المورّث قد عرّفها حولاً ولم يتملّك ، كان للوارث أن يتملّك بغير تعريفٍ.

ولو مات بعد أن عرّفها حولاً وتملّكها ، صارت موروثةً عنه ، كغيرها من أمواله ، فإن جاء صاحبها أخذها من الوارث ، كما يأخذها من المورّث ، وإن كانت معدومة العين فصاحبها غريم للميّت يطالبه بمثلها إن كانت من ذوات الأمثال ، وإلّا فبالقيمة ، فيأخذ [ ذلك ](١) من تركته إن اتّسعت لذلك ، فإن ضاقت زاحم الغرماء ببدلها ، سواء تلفت بعد التملّك بفعله أو بغير فعله ، وكذا لو تلفت بَعْدُ بتعدّيه بفعله أو بغير فعله ؛ لأنّها في الأوّل دخلت في ملكه بنيّة التملّك ، وفي الثاني في ضمانه بتعدّيه.

ولو علم أنّها تلفت قبل الحول بغير تفريطه ، فلا ضمان عليه ، ولا شي‌ء لصاحبها ؛ لأنّها أمانة في يده تلفت بغير تفريطه ، فلم يضمنها ، كالوديعة.

وكذا لو تلفت بعد الحول قبل التملّك بغير تفريطٍ على رأي مَنْ يعتقد أنّها لا تدخل في ملكه إلّا بنيّة التملّك.

ولو لم يعلم تلفها ولم توجد في تركته ، احتُمل أن يكون لصاحبها المطالبة من تركته ، سواء كان قبل الحول أو بعده ؛ لأنّ الأصل بقاؤها.

ويحتمل أن لا يلزم الملتقط شي‌ء ، ويسقط حقّ صاحبها ؛ لأصالة براءة ذمّة الملتقط منها.

ويحتمل أن تكون قد تلفت بغير تفريطٍ ، فلا تشتغل ذمّته بالشكّ.

____________________

(١) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

٢٨٢

٢٨٣

الفصل الثاني : في لقطة الحيوان‌

ومطالبه ثلاثة :

الأوّل : المأخوذ.

مسألة ٣٨٠ : كلّ حيوانٍ مملوكٍ ضائعٍ ولا يد عليه يجوز التقاطه ، إلّا ما يستثنى ، ويُسمّى ضالّةً.

وأخذه في صُور الجواز مكروه ؛ لما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « لا يؤوي الضالّةَ إلّا ضالٌّ »(١) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه جرّاح المدائني عن الصادقعليه‌السلام قال : « الضوالّ لا يأكلها إلّا الضالّون إذا لم يُعرّفوها »(٢) .

وعن وهب عن الصادقعليه‌السلام عن أبيه الباقرعليه‌السلام قال : « لا يأكل الضالّة إلّا الضالّون »(٣) .

أمّا إذا تحقّق التلف ، فإنّه تزول الكراهة ، ويبقى طلقاً.

إذا عرفت هذا ، فإنّه يستحبّ الإشهاد - كما قلنا في لقطة الأموال - لما لا يؤمن تجدّده على الملتقط ، ولتنتفي التهمة عنه.

مسألة ٣٨١ : الحيوان إن كان ممّا يمتنع من صغار السباع إمّا لفضل قوّته - كالإبل والخيل والبغال والحمير - أو لشدّة عَدْوه - كالظباء المملوكة والأرانب - أو بطيرانه - كالحمام - وبالجملة ، كلّ ما يمتنع من صغار السباع‌

____________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ١٦٧ ، الهامش (٢)

(٢) التهذيب ٦ : ٣٩٤ / ١١٨٢.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٩٦ / ١١٩٣.

٢٨٤

وصغار الثعالب وابن آوى وولد الذئب والسبع لا يجوز التقاطه ولا التعرّض له ، سواء كان لكِبَر جثّته - كالإبل والخيل والبغال والحمير - أو لطيرانه ، أو لسرعة عَدْوه ، أو لنابه ، كالكلاب والفهود - وبه قال الشافعي والأوزاعي وأبو عبيد وأحمد(١) - لما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه سئل عن ضالّة الإبل ، فغضب حتى احمرّت وَجْنتاه وقال : « ما لك ولها؟ معها حذاؤها وسقاؤها ، ترد الماء وترعى الشجر »(٢) .

وسئلعليه‌السلام ، فقيل : يا رسول الله ، إنّا نُصيب [ هوامي ](٣) الإبل ، فقال : « ضالّة المسلم حرَق النار(٤) »(٥) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه هشام بن سالم - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام قال : « جاء رجل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله ، إنّي وجدتُ شاةً ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : هي لك أو لأخيك أو للذئب ، فقال : يا رسول الله ، إنّي وجدتُ بعيراً ، فقال : معه حذاؤه وسقاؤه ، حذاؤه خُفّه ، وكرشه سقاؤه ، فلا تهجه »(٦) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٥ - ٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٨ ، حلية العلماء ٥ : ٥٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٣ - ٣٥٤ ، المغني ٦ : ٣٩٦ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٤٩ - ٣٥٠.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ١٦٦ ، الهامش (١)

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « هؤلاء ». وذلك تصحيف ، والمثبت كما في المصدر ، والهوامي : المهملة التي لا راعي لها ولا حافظ. غريب الحديث - لابن سلاّم - ١ : ٢٣ « همي ».

(٤) « حرَق النار » بالتحريك : لهبُها. النهاية - لابن الأثير - ١ : ٣٧١ « حرق ».

(٥) غريب الحديث - لابن سلاّم - ١ : ٢٢ ، سنن البيهقي ٦ : ١٩١ ، مسند أحمد ٤ : ٦٠٤ / ١٥٨٧٩ ، صحيح ابن حبّان - بترتيب ابن بلبان - ١١ : ٢٤٩ / ٤٨٨٨.

(٦) تقدم تخريجه في ص ٢٤٨ ، الهامش (٦)

٢٨٥

ولأنّ مثل هذا الحيوان مصون عن أكثر السباع بامتناعه ، مستغنٍ بالرعي ، فمصلحة المالك ترك التعرّض له حتى يجده ، والغالب أنّ مَنْ أضلّ شيئاً طلبه حيث ضيّعه ، فلو أخذه غيره ضاع عنه.

وقال مالك والليث في ضالّة الإبل : مَنْ وجدها في القرى عرّفها ، ومَنْ وجدها في الصحراء لا يقربها(١) . ورواه المزني عن الشافعي(٢) .

وكان الزهري يقول : مَنْ وجد بدنةً فليُعرّفها ، فإن لم يجد صاحبها فلينحرها قبل أن تنقضي الأيّام الثلاثة(٣) .

وقال أبو حنيفة : هي لقطة يباح التقاطها ؛ لأنّها لقطة أشبهت الغنم وما لا يمتنع بنفسه(٤) .

وهو غلط ؛ لأنّه قياس في معرض النصّ ، مع قيام الفرق ، وقد نبّهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليه ؛ لأنّ الغنم ضعيفة لا تصبر على الماء ، وهي في معرض التلف غالباً.

مسألة ٣٨٢ : وهذا الحكم في البعير إنّما هو إذا كان صحيحاً ضلّ عن صاحبه أو تركه من غير جهدٍ ولا تعب ، أمّا إذا كان مريضاً أو ضعيفاً أو لا يتبع صاحبه ، فإن كان صاحبه قد تركه من جهدٍ في كلأ وماء فكذلك لا يجوز أخذه ، وإن كان قد تركه في غير كلأ ولا ماء فهو لواجده ؛ لأنّه كالتالف ، ويملكه الآخذ ، ولا ضمان عليه لصاحبه ؛ لأنّه يكون كالمبيح له.

____________________

(١) المغني ٦ : ٣٩٦ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٠.

(٢) مختصر المزني : ١٣٦ ، البيان ٧ : ٤٦٤ ، المغني ٦ : ٣٩٦ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٠.

(٣) المغني ٦ : ٣٩٦ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٠.

(٤) الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٧٦ ، المغني ٦ : ٣٩٦ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٠.

٢٨٦

وكذا حكم الدابّة والبقرة والحمار إذا ترك من جهدٍ في غير كلأ ولا ماء.

لما رواه السكوني عن الصادقعليه‌السلام : « إنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام قضى في رجلٍ ترك دابّته من جهدٍ ، قال : إن تركها في كلأ وماء وأمن فهي له يأخذها حيث أصابها ، وإن كان تركها في خوفٍ وعلى غير ماءٍ ولا كلأ فهي لمن أصابها »(١) .

وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان عن الصادقعليه‌السلام قال : « مَنْ أصاب مالاً أو بعيراً في فلاةٍ من الأرض قد كلّت(٢) وقامت وسيّبها(٣) صاحبها لـمّا لم تتبعه فأخذها غيره فأقام عليها وأنفق نفقةً حتى أحياها من الكلال ومن الموت فهي له ، ولا سبيل له عليها ، وإنّما هي مثل الشي‌ء المباح »(٤) .

وعن مسمع عن الصادقعليه‌السلام قال : « إنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام كان يقول في الدابّة : إذا سرحها أهلها أو عجزوا عن علفها أو نفقتها فهي للّذي أحياها » قال : « وقضى أمير المؤمنينعليه‌السلام في رجلٍ ترك دابّته ، فقال : إن كان تركها في كلأ وماء وأمن فهي له يأخذها متى شاء ، وإن تركها في غير كلأ وماء فهي للّذي أحياها »(٥) .

مسألة ٣٨٣ : لو أخذ البعير وشبهه في موضع المنع من أخذه بأن كان في كلأ وماء أو كان صحيحاً ، كان ضامنا ؛ لأنّه متعدٍّ بالأخذ ، لأنّه أخذ ملك‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٤٠ / ١٤ ، التهذيب ٦ : ٣٩٣ / ١١٧٨.

(٢) كللت من المشي : أعييت ، وكذا البعير إذا أعيا. لسان العرب ١١ : ٥٩١ « كلل ».

(٣) سيّب الدابّة أو الشي‌ء : تركه. لسان العرب ١ : ٤٧٨ « سيب ».

(٤) الكافي ٥ : ١٤٠ / ١٣ ، التهذيب ٦ : ٣٩٢ - ٣٩٣ / ١١٧٧.

(٥) الكافي ٥ : ١٤١ / ١٦ ، التهذيب ٦ : ٣٩٣ / ١١٨١.

٢٨٧

غيره بغير إذنه ولا إذن الشارع ، فهو كالغاصب ، ولا يبرأ لو تركه في مكانه أو ردّه إليه ، بل إنّما يبرأ بالردّ إلى صاحبه مع القدرة ، فإن فقده سلّمه إلى الحاكم ؛ لأنّه منصوب للمصالح - وبه قال الشافعي وأحمد(١) - لأنّ ما لزمه ضمانه لا يزول عنه إلّا برّده إلى صاحبه أو نائبه ، كالمسروق والمغصوب.

وقال أبو حنيفة ومالك : يبرأ ؛ لأنّ عمر قال : أرسِلْه في الموضع الذي أصبتَه فيه ، وجرير طرد البقرة التي لحقت ببقره(٢) .

وقول عمر لا حجّة فيه ، ولا جرير أيضاً ، مع أنّه لم يأخذ البقرة ولا أخذها راعيه ، إنّما لحقت بالبقر فطردها عنها ، فأشبه ما لو دخلت داره فأخرجها ، وعلى هذا متى لم تثبت يده عليها ويأخذها لم يلزمه ضمانها وإن طردها على إشكالٍ.

مسألة ٣٨٤ : لو وجد شاةً في الفلاة أو في مهلكةٍ ، كان له أخذها عند علمائنا ، وهو قول أكثر أهل العلم(٣) .

قال ابن عبد البرّ : أجمعوا على أنّ [ آخذ ](٤) ضالّة الغنم في الموضع المخوف عليها له أكلها(٥) .

والأصل فيه ما رواه العامّة والخاصّة حين سئلعليه‌السلام عن ضالّة الغنم ،

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٦ ، الوسيط ٤ : ٢٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٥ ، المغني ٦ : ٣٩٨ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٢.

(٢) الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٤٦ ، المغني ٦ : ٣٩٨ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٢ ، الحاوي الكبير ٨ : ٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٤.

(٣) المغني ٦ : ٣٩٠ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٦٨.

(٤) ما بين المعقوفين أثبتناه من « الاستذكار » و « التمهيد ».

(٥) الاستذكار ٢٢ : ٣٣٠ / ٣٣٠٤٠ ، التمهيد ٣ : ١٠٨ ، المغني ٦ : ٣٩٠ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٦٨.

٢٨٨

فقال : « خُذْها فإنّما هي لك أو لأخيك أو للذئب »(١) .

وكذا الحيوان الذي لا يمتنع عن صغار السباع ، مثل الثعلب وابن آوى والذئب وولد الأسد ونحوها ، فإنّ صغار النَّعَم كفُصْلان الإبل وعجول البقر وصغار الخيل والدجاج والإوَزّ ونحوها فإنّ ذلك كلّه يجوز التقاطه في الفلوات والمواضع المهلكة.

وعن أحمد رواية أُخرى : إنّه لا يجوز لغير الإمام التقاط الشاة وصغار النَّعَم(٢) .

وقال الليث بن سعد : لا أُحبّ أن يقربها إلّا أن يحرزها لصاحبها ؛ لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يؤوي الضالّةَ إلّا ضالٌّ »(٣) .

ولأنّه حيوان ، فأشبه الإبل في المنع(٤) .

وحديثهم عامّ ، فيُحمل على ما يمتنع من الحيوان لكِبَره أو لسرعة عَدْوه أو طيرانه ؛ جمعاً بين العامّ والخاصّ.

والقياس على الإبل لا يصحّ ؛ لأنّهعليه‌السلام مَنَع وذَكَر علّة المنع من التقاطها بأنّ معها حذاءها وسقاءها(٥) ، وهذا المعنى مفقود في الغنم ، فلا يتمّ القياس.

وأيضاً إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فرّق بينهما في خبرٍ واحد(٦) ، فلا يجوز الجمع بين ما فرّق الشارع ، ولا قياس ما أمر بالتقاطه على ما منع ذلك فيه.

____________________

(١) راجع : الهامش ( ١ و ٢ ) من ص ١٦٦.

(٢) المغني ٦ : ٣٩٠ - ٣٩١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٨.

(٣) راجع : الهامش (٢) من ص ١٦٧.

(٤) المغني ٦ : ٣٩١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٨.

(٥) راجع : الهامش (١) من ص ١٦٦.

(٦) راجع : خبر زيد بن خالد الجهني في ص ١٦٥ - ١٦٦.

٢٨٩

مسألة ٣٨٥ : وهذا الحكم في الشاة وغيرها من صغار الأنعام التي لا تمتنع من صغار السباع إنّما يثبت لو وجدها في الصحراء أو في موضع مهلكة ، أمّا لو وجدها في العمران فإنّه لا يجوز له التقاطها بحالٍ.

ولا فرق بين ما يمتنع بكِبَره أو سرعة عَدْوه أو طيرانه ، وبين ما لا يمتنع كالشاة وشبهها في تحريم الأخذ من العمران - وبه قال مالك وأبو عبيد وابن المنذر(١) - لأنّه المفهوم من قولهعليه‌السلام : « هي لك أو لأخيك أو للذئب »(٢) والذئب لا يكون في المصر.

ولعموم قولهعليه‌السلام : « الضوالّ لا يأكلها إلّا الضالّون »(٣) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام قال : « سأل رجلٌ رسولَ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الشاة الضالّة بالفلاة ، فقال للسائل : هي لك أو لأخيك أو للذئب » قال : « وما أُحبّ أن أمسّها »(٤) وإذا كان في موضع المخافة والهلاك وتعرّضها للذئب كره أخذها ، ناسب التحريم وجدانها في العمران.

وقال أحمد بن حنبل : لا فرق بين أن يجدها في الفلاة أو في العمران ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « خُذْها »(٥) ولم يفرّق ولم يستفصل بين وجدانها في العمران والصحاري ، ولو افترق الحال لسأل واستفصل ، ولأنّها لقطة ، فيستوي فيها المصر والصحراء ، كغيرها من اللّقطات(٦) .

____________________

(١) المغني ٦ : ٣٩١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٨.

(٢) راجع : الهامش (١) من ص ١٦٦.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٢٨٣ ، الهامش (٢) من طريق الخاصّة.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٩٤ / ١١٨٥.

(٥) راجع : الهامش (١) من ص ١٦٦.

(٦) المغني ٦ : ٣٩١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٨.

٢٩٠

ونمنع عدم الاستفصال ؛ لأنّه مفهوم من قولهعليه‌السلام : « أو للذئب »(١) والقياس باطل خصوصاً مع قيام الفارق.

مسألة ٣٨٦ : إذا أخذ الشاة وشبهها من صغار النَّعَم من الفلاة ، تخيّر إن شاء تملّكها وضمن على إشكال ، وإن شاء دفعها إلى الحاكم ليحفظها ، أو يبيعها ويوصل ثمنها إلى المالك ، وإن شاء حبسها أمانةً في يده لصاحبها ويُنفق عليها من ماله ، وإن شاء تصدّق بها وضمن إن لم يرض المالك بالصدقة.

وقال الشافعي : هو بالخيار بين أن يأكلها في الحال ويغرم قيمتها إذا جاء صاحبها ، وبين أن يُعرّفها سنةً ويُنفق عليها من ماله ، وبين أن يُمسكها على صاحبها ويُنفق عليها من ماله ولا يعرّفها ولا يتملّكها ، وبين أن يبيعها بإذن الإمام في الحال ويحفظ ثمنها على صاحبها(٢) .

قال ابن عبد البرّ : أجمعوا على أنّ [ آخذ ](٣) ضالّة الغنم في الموضع المخوف عليها له أكلها ؛ لقولهعليه‌السلام : « هي لك أو لأخيك أو للذئب »(٤) أضافها إليه بلفظة « له »(٥) المقتضية للتمليك في الحال ، وسوّى فيها بينه وبين الذئب الذي لا يستأني بأكلها ، ولأنّ في أكلها في الحال دفعاً لنقلها بالمئونة عليها والإنفاق ، وحفظاً لماليّتها على صاحبها إذا جاء أخذ قيمتها‌ بكمالها من غير نقصٍ [ فيها ](٦) وفي إبقائها تضييع للمال بالإنفاق عليها

____________________

(١) راجع : الهامش (١) من ص ١٦٦.

(٢) الحاوي الكبير ٨ : ٧ - ٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٩ ، البيان ٧ : ٤٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٥.

(٣) ما بين المعقوفين أثبتناه من « الاستذكار » و « التمهيد ».

(٤) راجع : الهامش (١) من ص ١٦٦.

(٥) الظاهر : « لك ».

(٦) بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « فيه ». والظاهر ما أثبتناه.

٢٩١

والغرامة في نقلها ، فكان أكلها أولى(١) .

إذا ثبت هذا ، فإذا أراد أكلها ، حفظ صفتها حتى إذا جاء صاحبها غرمها له ؛ فإنّ الغرامة تجب عليه في قول عامّة أهل العلم(٢) ، إلّا مالكاً ؛ فإنّه قال : يأكلها ولا يغرم قيمتها لصاحبها ولا يعرّفها ؛ لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « هي لك »(٣) ولم يوجب تعريفاً ولا غرماً ، وسوّى بينه وبين الذئب ، والذئب لا يعرّف ولا يغرم(٤) .

قال ابن عبد البرّ : لم يوافق مالكاً أحدٌ من العلماء على قوله ، وقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ردّ على أخيك ضالّته » دليل على أنّ الشاة على ملك صاحبها ، ولأنّها لقطة لها قيمة وتتبعها النفس ، فتجب غرامة قيمتها لصاحبها إذا جاء ، كغيرها ، ولأنّها ملك لصاحبها ، فلم يجز تملّكها عليه بغير عوضٍ من غير رضاه ، كما لو كانت في البنيان ، ولأنّها عين يجب ردّها مع بقائها ، فوجب غرمها إذا أتلفها ، كلقطة الذهب ، وقولهعليه‌السلام : « هي لك » لا يمنع وجوب غرامتها ، فإنّه قد أذن في لقطة الذهب والورق بعد تعريفها في أكلها وإنفاقها ، وقال : « هي كسائر مالك » ثمّ قد أجمعوا على وجوب غرامتها ولم يذكره في الحديث ، فكذا الشاة ، ولا فرق بينهما في الماليّة ، فلا فرق بينهما في الغرم(٥) .

____________________

(١) الاستذكار ٢٢ : ٣٣٠ / ٣٣٠٤٠ ، التمهيد ٣ : ١٠٨ ، المغني ٦ : ٣٩٢ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٦٨.

(٢) المغني ٦ : ٣٩٢ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٦٨.

(٣) راجع : الهامش (١) من ص ١٦٦.

(٤) الاستذكار ٢٢ : ٣٤٣ / ٣٣١٤١ ، التمهيد ٣ : ١٢٣ و ١٢٦ ، الحاوي الكبير ٨ : ٦ ، حلية العلماء ٥ : ٥٣٦ ، البيان ٧ : ٤٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٥ ، المغني ٦ : ٣٩٢ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٦٨.

(٥) الاستذكار ٢٢ : ٣٤٤ - ٣٤٥ / ٣٣١٤٨ - ٣٣١٥٥ ، التمهيد ٣ : ١٢٥ - ١٢٦ ، وحكاه عنه ابنا قدامة في المغني ٦ : ٣٩٢ - ٣٩٣ ، والشرح الكبير ٦ : ٣٦٨ - ٣٦٩.

٢٩٢

مسألة ٣٨٧ : إذا اختار الملتقط للشاة في الفلاة حِفْظَها على صاحبها ، كان عليه الإنفاق عليها ؛ لأنّ بقاءها لا يتمّ بدونه ، ولأنّه قد التزم حفظها فقد ألزم نفسه بما يتوقّف حفظها عليه.

إذا ثبت هذا ، فإنّه يتخيّر بين أن يتبرّع بالإنفاق عليها ولا يرجع به على مالكها ، وبين أن يرفع أمرها إلى الحاكم لينفق عليها الحاكم أو يأمره بالإنفاق عليها ليرجع به على مالكها ، ولو لم يرفع أمرها إلى الحاكم وأنفق فهو متبرّع ، كما لو أنفق على حيوان غيره مع تمكّنه من استئذانه ، فإنّ الحاكم وليّ المالك ونائب عنه مع غيبته.

ولو لم يجد حاكماً ، أشهد شاهدين بالرجوع بما يُنفقه ويرجع به ؛ لأنّه أنفق على اللّقطة لحفظها ، فكان من مال صاحبها ، كمئونة تجفيف الرطب والعنب ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد ، والرواية الثانية عنه : إنّه لا يرجع بشي‌ءٍ ، وبه قال الشعبي والشافعي(١) .

ولم يعجب الشعبي قضاء عمر بن عبد العزيز - في مَنْ وجد ضالّةً فلينفق عليها فإذا جاء ربّها طالبه بما أنفق - لأنّه أنفق على مال غيره بغير إذنه ، فلم يرجع به(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّه محسن بالإنفاق ، فلا سبيل عليه ، وفي عدم تمكّنه من الرجوع سبيل عليه بإسقاط ماله بغير عوضٍ.

ولو لم يتمكّن من شاهدين ، فإن نوى الرجوع بما يُنفق رجع ، وإلّا فلا ، لكن لا يقضى له بقوله وادّعائه النيّة ، على إشكالٍ ينشأ : من أنّ الرجوع في النيّة إليه ، ومن أصالة براءة الذمّة.

____________________

(١ و ٢) المغني ٦ : ٣٩٣ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٦٩.

٢٩٣

مسألة ٣٨٨ : قد ذكرنا أنّ للملتقط الخيار بين تملّكها وحفظها وبيعها ، فإذا اختار البيع جاز له ، وحفظ ثمنها.

وهل له أن يتولّى ذلك بنفسه ، أو يجب رفعها إلى الحاكم؟ الأقرب : الأوّل ، والأحوط : الثاني ، وليس شرطاً - خلافاً لبعض الشافعيّة(١) - لأنّه يجوز له أكلها بغير إذنٍ ، فبيعها أولى.

وهل يجب تعريفها؟ الأقرب : العدم ، لكن لو اختار ذلك عرّفها حولاً ، كما يعرّف اللّقطة ، ويغرم عليها النفقة إمّا من ماله أو من مال صاحبها على ما تقدّم.

وقال بعض العامّة : يجب تعريفها حولاً ؛ لأنّها لقطة لها خطر ، فوجب تعريفها ، كالمطعوم الكثير ، ولا يلزم من جواز التصرّف فيها في الحول سقوط التعريف ، كالمطعوم(٢) .

وقال آخَرون : لا يجب التعريف ؛ لقولهعليه‌السلام : « هي لك أو لأخيك أو للذئب »(٣) ولم يأمر بتعريفها كما أمرعليه‌السلام في لقطة الذهب والورق(٤) (٥) .

والأقوى : الأوّل.

وإن أكلها ، ثبت في ذمّته قيمتها ، ولا يلزم عزلها ؛ لعدم الفائدة في ذلك ؛ لأنّها لا تنتقل عن الذمّة إلى المال المعزول.

ولو عزل شيئاً ثمّ أفلس ، كان صاحب اللّقطة أُسوة الغرماء في المال‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٩ ، حلية العلماء ٥ : ٥٣٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥٧ ، البيان ٧ : ٤٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٦ ، المغني ٦ : ٣٩٤ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٧٠.

(٢) المغني ٦ : ٣٩٤ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٧٠.

(٣ و ٤) راجع : الهامش (١) من ص ١٦٦.

(٥) المغني ٦ : ٣٩٤ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٧٠.

٢٩٤

المعزول ، ولا يختصّ بصاحب اللّقطة.

ولو باعها وحفظ ثمنها ثمّ جاء صاحبها ، أخذه ، ولم يشاركه فيه أحد من الغرماء ؛ لأنّه ماله لا شي‌ء للمفلس فيه ، بخلاف ما لو تملّكها أو تملّك الثمن.

ويحتمل التخصيص ؛ لأنّ مَنْ وجد عين ماله كان أحقَّ به مع وجود سبب الانتقال منه ، فهنا أولى.

مسألة ٣٨٩ : قد بيّنّا أنّه لا يجوز أخذ الشاة وشبهها في العمران ، خلافاً لأحمد(١) ، فإن أخذها لم يجز له تملّكها بحالٍ ، بل يتخيّر آخذها بين إمساكها لصاحبها أمانةً ، وعليه نفقتها من غير رجوعٍ بها ؛ لتبرّعه حيث أخذ في موضع المنع ، وبين دفعها إلى الحاكم ؛ لأنّه من المصالح.

ولو تعذّر الحاكم ، أنفق ورجع بالقيمة.

ولا فرق في ذلك بين الحيوان الممتنع وغيره.

ولو وجد شاةً في العمران ، حبسها ثلاثة أيّام ثمّ تصدّق بها عن صاحبها إن لم يأت ، أو باعها وتصدّق بثمنها.

والأقرب : إنّه يضمن.

وقد روى ابن أبي يعفور عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال : « جاءني رجل من أهل المدينة فسألني عن رجلٍ أصاب شاةً » قال : « فأمرتُه أن يحبسها عنده ثلاثة أيّام ، ويسأل عن صاحبها ، فإن جاء صاحبها ، وإلّا باعها وتصدّق بثمنها »(٢) .

ونقل المزني عن الشافعي فيما وضعه بخطّه ولا أعلم أنّه سُمع منه :

____________________

(١) المغني ٦ : ٣٩٠ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٨.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٩٧ / ١١٩٦.

٢٩٥

إذا وجد الشاة أو البقرة أو الدابّة ما [ كانت ](١) بمصر أو في قريةٍ فهي لقطة ، فسوّى في البلد والقرية بين الصغير والكبير(٢) .

واختلف أصحابه.

فقال أبو إسحاق : الذي نقله المزني هو الصحيح ، ويستوي الصغير والكبير في كونها لقطةً بالمصر ؛ لأنّ الكبير لا يهتدي فيه للرعي وورود الماء ، فيكون ضائعاً ، كالصغير(٣) .

وقال الباقون : لا فرق بين المصر والصحاري ، والكبير لا يكون لقطةً ؛ لأنّ الكبير لا يضيع في البلد ولا يخفى أمره ، بخلاف الصغير(٤) .

فعلى هذا الوجه لا فرق بين الصحاري والأمصار إلّا في حكمٍ واحد ، وهو أنّ في الصحاري له أكل الصغار ؛ لأنّه يتعذّر عليه بيعها ، ولا يتعذّر ذلك في الأمصار ، فليس له أكلها.

وعلى ما نقله المزني الصغار والكبار لقطة ، وهي كالصغار في الصحاري في جواز الأكل.

وقد بيّنّا مذهبنا في ذلك.

مسألة ٣٩٠ : لا يجوز أخذ الغِزْلان واليحامير وحُمُر الوحش في الصحاري إذا مُلكت هذه الأشياء ثمّ خرجت إلى الصحراء ، وكذا باقي‌

____________________

(١) في « ج » والطبعة الحجريّة : « ما قامت ». وبدلها في « ث ، ر ، خ » : « ما لم يثبت ». والمثبت كما في مختصر المزني.

(٢) مختصر المزني : ١٣٦ ، وراجع : الحاوي الكبير ٨ : ٢٦ ، والمهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٩ ، وحلية العلماء ٥ : ٥٣٦ ، والبيان ٧ : ٤٦٤.

(٣ و ٤) البيان ٧ : ٤٦٤ ، وراجع : الحاوي الكبير ٨ : ٢٦ ، والمهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٩ ، وحلية العلماء ٥ : ٥٣٦ ، والعزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٤ ، وروضة الطالبين ٤ : ٤٦٥.

٢٩٦

الصيود المستوحشة التي إذا تُركت رجعت إلى الصحراء ؛ لأنّها تمتنع بسرعة عَدْوها عن صغار السباع ، وهي مملوكة للغير ، فلا تخرج عن ملكه بالامتناع ، كما لو توحّش الأهلي.

أمّا لو خاف الواجد لها ضياعَها عن مالكها أو عجز مالكها عن استرجاعها ، فالأقوى : جواز التقاطها ؛ لأنّ تركها أضيع لها من سائر الأموال ، والمقصود حفظها لصاحبها ، لا حفظها في نفسها ، ولو كان الغرض حفظها في نفسها لما جاز التقاط الأثمان ، فإنّ الدينار محفوظ حيثما كان.

مسألة ٣٩١ : حكم البقر حكم الإبل - وبه قال الشافعي وأبو عبيد وأحمد(١) - لأنّها تمتنع عن صغار السباع ، وتجزئ في الأُضحية والهدي عن سبعةٍ ، فأشبهت الإبل.

وقال مالك : إنّ البقر كالشاة(٢) . وليس بشي‌ءٍ.

أمّا الخيل والبغال فإنّها كالإبل ؛ لأنّها تمتنع عن صغار السباع ، وبه قال الشافعي وأحمد(٣) .

____________________

(١) مختصر المزني : ١٣٥ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٥٩ ، الحاوي الكبير ٨ : ٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٨ ، حلية العلماء ٥ : ٥٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥٥ ، البيان ٧ : ٤٥٩ ، الاستذكار ٢٢ : ٣٥٠ / ٣٣١٧٥ ، المغني ٦ : ٣٩٧ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥١.

(٢) الاستذكار ٢٢ : ٣٤٣ / ٣٣١٤٢ ، الذخيرة ٩ : ٩٦ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٤٢٦ - ٤٢٧ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٥٩ - ١٦٠ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٣٤٥ - ٣٤٦ / ٢٠٤٥ ، المغني ٦ : ٣٩٧ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥١.

(٣) مختصر المزني : ١٣٥ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٥٩ ، الحاوي الكبير ٨ : ٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٨ ، حلية العلماء ٥ : ٥٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥٥ ، البيان ٧ : ٤٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٣ ، روضة =

٢٩٧

وأمّا الحُمُر فإنّها كذلك أيضاً ؛ لامتناعها(١) عن صغار السباع ، ولها أجسام عظيمة ، فأشبهت البغال والخيل ، ولأنّها من الدوابّ فأشبهت البغال ، وهو أحد قولَي الحنابلة.

والثاني : إنّها كالشاة ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله علّل الإبلَ : بأنّ معها حذاءها وسقاءها(٢) ، يريد شدّة صبرها عن الماء ؛ لكثرة ما توعي في بطونها منه وقوّتها على وروده ، وإباحةَ ضالّة الغنم : بأنّها معرّضة لأخذ الذئب إيّاها ؛ لقوله : « هي لك أو لأخيك أو للذئب »(٣) والحُمُر مساوية للشاة في علّتها ، فإنّها لا تمتنع من الذئب ، ومفارقة للإبل في علّتها ، فإنّها لا صبر لها عن الماء ، وإلحاق الشي‌ء بما ساواه في علّة الحكم وفارقه في الصورة أولى من إلحاقه بما فارقه في الصورة والعلّة(٤) .

مسألة ٣٩٢ : الأحجار الكبار كأحجار الطواحين ، والحباب الكبيرة وقدور النحاس العظيمة وشبهها ممّا يتحفّظ بنفسه ملحقة بالإبل في تحريم أخذه ، بل هو أولى منه ؛ لأنّ الإبل في معرض التلف إمّا بالأسد أو بالجوع أو بالعطش أو غير ذلك ، وهذه بخلاف تلك ، ولأنّ هذه الأشياء لا تكاد تضيع عن صاحبها ولا تخرج من مكانها ، بخلاف الحيوان ، فإذا حرم أخذ الحيوان فهذه أولى.

____________________

= الطالبين ٤ : ٤٦٥ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٣٤٦ / ٢٠٤٥ ، الاستذكار ٢٢ : ٣٥٠ / ٣٣١٧٦ ، المغني ٦ : ٣٩٧ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥١.

(١) في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « وأمّا الحمار فإنّه كذلك أيضاً ؛ لامتناعه » وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٢ و ٣) راجع : الهامش (١) من ص ١٦٦.

(٤) المغني ٦ : ٣٩٧ - ٣٩٨ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥١.

٢٩٨

وكذا السفن المربوطة في الشرائع المعهودة لا يجوز أخذها ، والأخشاب الموضوعة على الأرض.

أمّا السفن المحلولة الرباط السارية في الفرات وشبهها بغير ملاّحٍ فإنّها لقطة إذا لم يعرف مالكها.

مسألة ٣٩٣ : ما يوجد من الحيوان قريباً من العمران حكمه حكم الموجود في العمران ؛ للعادة القاضية بأنّ الناس يشمّرون(١) دوابّهم قريباً من عمارة البلد.

وقد تقدّم أنّ للشافعي في جواز التقاط الممتنع في المفازة قولين(٢) .

وكذا له قولان في جواز التقاطها في العمران ، أصحّهما : جواز التقاطها للتملّك ؛ لأنّها في العمران تضيع بامتداد اليد الخائنة ، بخلاف المفازة ، فإنّ طروق الناس بها لا يعمّ ، ولأنّها لا تجد ما يكفيها ، ولأنّ البهائم في العمران لا تُهمل ، وفي الصحراء قد تسرح وتُهمل ، فيحتمل أنّ صاحبها يظفر بها ولا يضلّ عنها(٣) .

وحكى بعض الشافعيّة طريقين ، أحدهما : القطع بالمنع ، والثاني : القطع بالجواز(٤) .

هذا إذا كان الزمان زمانَ أمنٍ ، أمّا في زمان النهب والفساد فيجوز‌

____________________

(١) أي : يرسلون. العين ٦ : ٢٦٢ « شمر ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٥ ، ولم نعثر فيما تقدّم على القولين للشافعي.

(٣) الحاوي الكبير ٨ : ٢٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٩ ، حلية العلماء ٥ : ٥٣٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥٦ ، البيان ٧ : ٤٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٥.

٢٩٩

التقاطها ، سواء وُجدت في الصحاري أو العمران.

والمشهور عند الشافعيّة : إنّ ما لا يمتنع من الغنم والعجاجيل والفُصْلان يجوز أخذها للتملّك ، سواء كانت في العمران أو المفاوز(١) .

وقال بعضهم : إنّها لا تؤخذ(٢) ، كما ذهبنا نحن إليه.

فإذا وجدها في المفازة تخيّر بين أن يُمسكها ويُعرّفها ويتملّكها ، وبين أن يبيعها ويحفظ ثمنها ويُعرّفها ثمّ يتملّك الثمن ، وبين أن يأكلها إن كانت مأكولةً ويغرم قيمتها ، والأوّل أرجح من الثاني ، والثاني من الثالث.

قالوا : ولو وجدها في العمران ، فله الإمساك والتعريف وتملّك الثمن ، وفي الأكل قولان :

أحدهما : الجواز ، كما في الصحراء.

وأرجحهما عند أكثر الشافعيّة : المنع ؛ لسهولة البيع في العمران(٣) .

وهل يجوز تملّك الصغار ممّا لا يؤكل في الحال؟ لهم وجهان :

أحدهما : نعم ، كما يجوز أكل المأكول.

وأصحّهما عندهم : إنّه لا يجوز تملّكها حتى تُعرَّف سنةً ، كغيرها من اللّقطة(٤) .

فإذا أمسكها وأراد الرجوع بالإنفاق ، استأذن الحاكم ، فإن تعذّر أشهد ، وقد سبق(٥) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٥.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٥ - ٤٦٦.

(٥) في ص ٢٩٢ ، المسألة ٣٨٧.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466