تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

تذكرة الفقهاء12%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 978-964-319-530-4
الصفحات: 466

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156172 / تحميل: 5491
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٩٦٤-٣١٩-٥٣٠-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

تغيب الشمس وتطلع فأكثروا ذكر الله عز وجل في هاتين الساعتين وتعوذوا بالله من

_________________________________________

وأقول : يمكن إضافة الوقتين إلى الليل لمجاورة أحدهما لابتداء الليل ، والآخر لانتهائهفإنهما ساعتا غفلة ، أي يغفل الناس فيهما عن ذكر الله ، ولا يبعد أن يكون إشارة إلى قوله تعالى «وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ » وفي القاموس : غفل عنه غفولا تركه وسها عنه كأغفله أو غفل صار غافلا وغفل عنه وأغفله أوصل غفلته إليه ، والاسم الغفلة والغفل محركة.

فائدة

اعلم أن الآيات المتكاثرة والأخبار المتواترة تدل على فضل الدعاء والذكر ولا سيما التهليل في هذين الوقتين ، وكثير منها ظاهرها الوجوب ، وإن لم يقل به صريحا أحد ، وفيه علل كثيرة.

الأولى : شكر النعم التي مضت على الإنسان في اليوم الماضي ، أو الليلة الماضية من الصحة والعافية والأمن من البلايا والتوفيق للطاعة وغير ذلك.

الثانية : أنه يستقبل يوما أو ليلة يمكن نزول البلايا والطوارق فيه ، ويمكن أن يحصل له فيه صنوف الخيرات ، والطاعات والصحة والسلامة ، وأنواع الفوائد الدنيوية والأخروية ، وأضدادها من الذنوب والخطيئات والبلايا والآفات ، وهاذان الوقتان من أوقات التقديرات كما دلت عليه الروايات ، فلا بد له من تمهيد ما يستجلب له الخيرات ويدفع عنه الآفات.

الثالثة : أن في هاذين الوقتين الفراغ للعبادة والذكر والدعاء أكثر من سائر الأوقات ففي الصباح لم يشتغل بأعمال اليوم وفي السماء قد فرغ منها ، ولم يشتغل بعد بأعمال الليل.

الرابعة أن فيهما تظهر قدرة الله الجليلة من إذهاب الليل والإتيان بالنهار ، وبالعكس ، مع ما فيهما من المنافع العظيمة والفوائد الجسمية الدالة على كمال

٢٢١

شر إبليس وجنوده وعوذوا صغاركم في تلك الساعتين فإنهما ساعتا غفلة.

_________________________________________

حكمته ولطفه لعباده فيستحق بذلك ثناء طريفا وشكرا جديدا.

الخامسة : أنه يظهر في الوقتين ظهورا بينا أن جميع الممكنات في معرض التغير والتبدل والفناء ، وأنها مسخرة لإرادة رب الأرض والسماء ، وهو سبحانه باق على حال لا يعتريه الزوال ولا يخاف عليه الأهوال ولا تتبدل عليه الأحوال كما قال الخليلعليه‌السلام ( لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ) (١) فيتنبه العارف المترقي إلى درجة اليقين أنه سبحانه المستحق للتسبيح ، والتهليل ، والتحميد ، والتمجيد ، والثناء العتيد.

السادسة : أن في هاتين الساعتين تنادي جميع المخلوقات في الأرضين والسماوات ، أنها مخلوقة مربوبة ، مفتقرة إلى صانع حكيم ، منزه عن صفات الحدوث والإمكان وسمات العجز والنقصان كما قال سبحانه( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) (٢) بسمع اليقين ينبغي أن يوافقهم في ذلك ، بل ينادي روحه ونفسه وجسده وأعضاؤه بشراشرها بلسان الحال ، فيجب أن يوافقها بالمقال في جميع الأحوال ، لا سيما في هاتين الحالتين اللتين ظهور ذلك فيهما أكثر من سائر الأحوال وهذه قريبة من السابقة.

السابعة : أنه ينبغي للإنسان أن يحاسب نفسه كل يوم بل كل ساعة قبل أن يحاسب في القيامة كما ورد عنهمعليهم‌السلام « حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا » لا سيما في هذين الوقتين اللذين هما وقتا صعود ملائكة الليل والنهار ، فعند المساء ينبغي أن ينظر ويتفكر فيما عمل به في اليوم وساعاته ، وما قصر فيه من عبادة ربه وطاعاته ، وما أتى به من سيئاته فيستغفر ربه ويحمده ويمجده استدراكا لما فات منه من الحسنات ، واستمحالا فتيلا في ذلك بالذكر

__________________

(١) الأنعام : ٧٦.

(٢) الإسراء : ٤٤.

٢٢٢

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن الحسن بن عطية ، عن رزين صاحب الأنماط ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال من قال اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك المقربين وحملة عرشك المصطفين أنك أنت الله لا إله إلا أنت الرحمن الرحيم وأن محمدا عبدك ورسولك وأن فلان بن فلان إمامي ووليي وأن أباه ـ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليا والحسن والحسين وفلانا و

_________________________________________

والدعاء والاستغفار ، ويتوب إلى ربه المطلع على الخفايا والأسرار ، والنكات في ذلك كثيرة لا يمكن إحصاؤها وبما نبهنا عليه يمكن أن يتفطن العارف الخبير ببعض ما تركنا والله الموفق.

الحديث الثالث : مجهول ، وفي المحاسن ، عن أبي يوسف ، عن ابن أبي عمير ، عن الأنماطي ، عن كليمة صاحب الكلل عنهعليه‌السلام وبينهما اختلاف ، وعلى ما رواه الكليني ، لا إشعار فيه بالقراءة عند الصباح بل فيه إيماء باختصاصه بالمساء ، وفي المحاسن هكذا قال : قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : من قال هذا القول إذا أصبح فمات في ذلك اليوم دخل الجنة ، فإن قال إذا أمسى فمات من ليلته دخل الجنة اللهم ـ إلى قوله ـ ورسولك وفلان ، وفلان حتى ينتهي إليه ـ إلى قوله ـ وأبرأ من فلان وفلان وفلان وفلان أربعة ، فإن مات في يومه أو ليلته دخل الجنة.« الرحمن » بالرفع خبر ثان ، لأن أو خبر مبتدإ محذوف أي أنت الرحمن ، وكذا« الرحيم » يحتمل الوجهين.

« وإن فلان بن فلان » أي يسمي إمام العصر ، أو القائمعليه‌السلام والأول أظهر ، وعلى التقديرين ضمير إليه عائد إليه ، والتخصيص على الأول ، لأن إمام العصر أخص بالداعي وأحق بالذكر ، وعلى الثاني لأن الإيمان به مستلزم للإيمان بالجميع ، وأنه المنتظر لشفاء غيظ صدورهم والغلبة لأعدائهم ، وأنه لا يستخفي بشيء من الحق مخافة أحد من الخلق والذكر أخيرا أيضا للتأكيد إن كان ذكره في الأخير أيضا مقصودا كما هو الظاهر« إمامي » أي يجب على الاقتداء به في جميع الأمور

٢٢٣

فلانا حتى ينتهي إليه أئمتي وأوليائي على ذلك أحيا وعليه أموت وعليه أبعث يوم القيامة وأبرأ من فلان وفلان وفلان فإن مات في ليلته دخل الجنة.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحجال وبكر بن محمد ، عن أبي إسحاق الشعيري ، عن يزيد بن كلثمة ، عن أبي عبد الله أو ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : تقول إذا أصبحت ـ أصبحت بالله مؤمنا على دين محمد وسنته ودين علي وسنته ودين

_________________________________________

« ووليي » أي أولى بي وبالتصرف في ، من نفسي ومن كل أحد« وإن أباه » فيما عندنا من النسخ بصيغة المفردفقوله : « رسول الله » عطف بيان له و« عليا » عطف على أباه ويحتمل أن يكون « آباءه » بصيغة الجمع فقوله عليا عطف على رسول الله ، وعلى الأول تخصيص الأبوة بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنه الذي نفاه المخالفون « على ذلك أحيى » إلخ قيل هذا القول أما بالنظر إلى رسوخ اعتقاده والاعتماد عليه ، أو للطلب من الله أن يجعله كذلك« وفلان » في الثاني في أكثر نسخ الكتاب ثلاثة وفي بعضها أربعة ، كالمحاسن فالرابع معاوية عليهم اللعنة ، وقيل : فلان في غير الأول غير منون لأنها كناية عن غير المنصرف« دخل الجنة » ظاهره أنه يدخلها بلا عقوبة ، وقد يقال : إن المذكور أصل الإيمان وهو بدون الأعمال لا يوجب دخول الجنة ابتداء لأن المعاصي في المشية فلا بد من حمل الدخول على الدخول في الجملة ، وإن كان بعد الجزاء ، ولا يخفى بعده إذ لا فائدة حينئذ لهذا العمل.

الحديث الرابع : كالسابق.

« وأصبحت » من الأفعال التامة و« مؤمنا » حال عن ضمير أصبحت« وبالله » متعلق به والتقديم للحصر أي لا أشرك بعد غيره في الإلهية« آمنت بسرهم وعلانيتهم » أي من دعى منهم الإمامة ظاهرا ، كأمير المؤمنين ، والحسن صلوات الله عليهما ، ومن اتقى ولم يدع ظاهرا كسائر الأئمةعليهم‌السلام أو المراد بالسر ، العقائد وبالعلانية الأقوال والأعمال ، أو المراد بالسر ما اختص بهمعليهم‌السلام من الجميع ، وبالعلانية ما اشترك بينهم وبين سائر المسلمين ، أو المراد بالسر ما يتقون فيه من المخالفين

٢٢٤

الأوصياء وسنتهم آمنت بسرهم وعلانيتهم وشاهدهم وغائبهم وأعوذ بالله مما استعاذ منه ـ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليعليه‌السلام والأوصياء وأرغب إلى الله فيما رغبوا إليه ولا حول ولا قوة إلا بالله.

٥ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن أبي أيوب إبراهيم بن عثمان الخزاز ، عن محمد بن مسلم قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن علي بن الحسين صلوات الله عليهما كان إذا أصبح قال : « أبتدئ يومي هذا بين يدي نسياني وعجلتي بسم الله وما شاء الله فإذا فعل ذلك العبد أجزأه مما نسي في يومه ».

_________________________________________

وبالعلانية ما لا يتقون فيه ، وهذا قريب من السابق ، أو بحكم التقية وحكم الواقع ، أو المراد بالسر ما لا يصل إليه عقول سائر الخلق من المعارف الربانية وبعض درجاتهم وحالاتهم وبالعلانية ما سوى ذلك ، وهذا أظهر الوجوه ، وشاهدهم غير القائمعليه‌السلام وغائبهم هوعليه‌السلام ، وقيل : الشاهد الموجود ، والغائب الماضي إلى جوار الله ، ولا يخفى بعده ، وفي القاموس :رغب فيه كسمع زغبا ويضم ورغبة أراده ، وعنه لم يرده وإليه رغبا محركة ورغبة بالضم ويحرك ابتهل أو هو الضراعة والمسألة« فيما رغبوا إليه » العائد محذوف أي إليه فيه.

الحديث الخامس : صحيح.

« أبتدئ يومي هذا » أي أفتتح يومي أو أبتدئ في يومي هذا باسم الله أو بقول بسم الله ، وما شاء الله عطف على اسم الله أو بسم الله ، وقيل : على أبتدئ ، وحاصل الكلام يحتمل وجوها :

الأول : أن يكون المعنى ، أبتدئ قبل كل عمل قبل أن أنسى الله سبحانه وأعجل عن ذكره إلى غيره ، وقوله : « فإذا فعل ذلك » من كلام الصادقعليه‌السلام « أجزأه مما نسي من ذكر الله » في هذا اليوم ، لأنه افتتح يومه بذكره تعالى.

الثاني : أنه لما وجب أن يكون العبد جميع أفعاله مقرونة بالتسمية والتمشية ،

٢٢٥

٦ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن شهاب وسليم الفراء ، عن رجل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من قال هذا

_________________________________________

ويعرف أنه لا يتم له فعل ، ولا يصدر منه أمر إلا بالاستعانة به سبحانه وبأسمائه العظام ، ولا يكون شيء إلا بمشيته سبحانه كما مر تحقيقه في الأصول ، وقد يغفل الإنسان عن ذلك أما للنظر إلى الأسباب الظاهرة ، والغفلة عن مسبب الأسباب ، وقد ينسى التسمية لا بد من ذكرها وتذكرها ، ويترك قول ما شاء الله عند رؤية نعم الله ، وتذكر أنها من قبل الله وتركهما إما لغفلة ، أو لتعجيله في أمر فيذكر في أول يومه هذين القولين ، ويتذكر هاتين العقيدتين ، ليكون كل أفعاله وأقواله مقرونة بهما ، وإن تحققت الفاصلة بينهما ، وقوله : « أجزأه » أي كفاه ، وقام مقام المنسي ، وفي النهاية أجزأني الشيء أن كفاني فضمير المفعول ، راجع إلى العبد ، وضمير الفاعل إلى فعل ذلك وهذا أظهر الوجوه ، وله مؤيدات من سائر الأدعية.

الثالث : أن يكون المعنى أقول بسم الله وما شاء الله قبل أن يقع مني نسيان وعجلة ، لئلا يقعا مني ، وآخر الخبر يأبى عنه.

الرابع : ما قيل أن المعنى أبتدئ وأقدم بين يدي نسياني عن الخيرات وسرعتي فيها هاتين الكلمتين الشريفتين ، وفي الأول توسل بالذات الواجب وجوده لذاته المستجمع لجميع كمالاته وصفاته ، وفي الثانية تفويض للأمر إليه وإذعان بأنه لا يقع في ملكه شيء إلا بمشيته إلا أن مشيته في فعل العباد غير حتمية وتعلقها بالطاعة بالذات وبالمعصية بالعرض لأنه أراد انطباق علمه بالمعلوم وهي تستلزم إرادة المعلوم بالعرش فمشيئته المتعلقة بالطاعة بالذات من وجه وبالعرض من وجه آخر ومشيته المتعلقة بالمعصية بالعرض فقط ومنه يظهر سر ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، انتهى ، وأقول : هو في غاية العبد لفظا ومعنى.

الحديث السادس : مرسل.

وكونه محفوفابجناح جبرئيل كناية عن كونه محفوظا من جميع

٢٢٦

حين يمسي حف بجناح من أجنحة ـ جبرئيلعليه‌السلام حتى يصبح أستودع الله العلي الأعلى الجليل العظيم نفسي ومن يعنيني أمره أستودع الله نفسي المرهوب المخوف المتضعضع لعظمته كل شيء ثلاث مرات.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد وأبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن الحجال ، عن علي بن عقبة وغالب بن عثمان عمن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام

_________________________________________

الآفات ، وفي المصباح :استودعته مالا دفعته له وديعة ليحفظه ، وفي النهاية :العلي الذي ليس فوقه شيء في الرتبة ، والحكم فعيل بمعنى مفعول من علا يعلو ، انتهى ، والأعلى تأكيد ومبالغة في علوه ، وإنه أعلى من أن يدرك علوه ، أو يدانيه أحد في علوه ، وفي النهاية :الجليل هو الموصوف بنعوت الجلال والحاوي جميعها هو الجليل المطلق ، وهو راجع إلى كمال الصفات ، كما أن الكبير راجع إلى كمال الذات ، والعظيم راجع إلى كمال الذات والصفات ، وقال فيه أتاه جبرئيل فقال بسم الله أرقيك من كل داء يعنيك أي يقصدك يقال عنيت فلانا عنيا إذا قصدته ، وقيل معناه من كل داء يشغلك يقال : هذا أمر لا يعنيني أي لا يشغلني ويهمني ، ومنه الحديث « من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه » أي ما لا يهمه ويقال :عنيت أعني بها فأنالها معنى ، وعنيت به فأنا عان ، والأول أكثر أي اهتممت بها واشتغلت.

« أستودع الله نفسي » كذا في النسخ ، والظاهر تأخير نفسي عن كل شيء معقوله ومن يعنيني أمره كما في سائر الروايات ، وعلى تقدير صحته فالمرهوب صفة للجلالة ، والفرق بينه وبين المخوف أن الرهبة ملاحظة العظمة من حيث هي ، والخوف بملاحظتها مع ملاحظة التقصير كذا قيل ، وقال الراغب :الرهبة ، والرهب ، والرهب مخافة مع تحرز واضطراب ، وفي القاموستضعضع خضع وذل وافتقر.

الحديث السابع : كالسابق ، والمرادبالصلوات صلاة المغرب ، والجمع

٢٢٧

قال إذا أمسيت قل ـ اللهم إني أسألك عند إقبال ليلك وإدبار نهارك وحضور صلواتك وأصوات دعائك أن تصلي على محمد وآل محمد وادع بما أحببت.

_________________________________________

باعتبار تعدد المكلفين كما قيل ، أو مع نوافلها أو مع صلاة العشاء ونوافلها أيضا ، والدعاة جمع الداعي والمراد بها المؤذنون فإنهم يدعون الناس إلى الصلاة ، أو طالبوا الحاجات منه تعالى.

الحديث الثامن : ضعيف.

« إلا قال له » أي اليوم بلسان الحال أو الملك الموكل به بلسان المقال ، وقيل : يبقى للأقوال والأفعال والأعمال آثار في بدن الإنسان تظهر في القيامة فهي شهادتها ، نسبت إلى اليوم مجازا فهو يخوف الإنسان بلسان الحال من ذلك ، وقد يقال : إن للجمادات وسائر الموجودات أرواحا وشعورا وتسبيحا ، كما قال تعالى( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ) (١) والإيمان الإجمالي بأمثال ذلك ، وعدم الخوض فيها أحوط وأولى« فإنك لن تراني بعدها » الضمير راجع إلى الأعمال والأقوال ، أو إلى الساعات والأزمنة ، وفي الفقيه بعد هذا أبدا ويمكن أن يكون المراد عدم الرؤية في دار التكليف ، فلا ينافي الشهادة يوم القيامة ، والغرض إني لا أرجع إليك في الدنيا حتى يمكنك تدارك ما فات في ، واليوم الآخر الذي تدركه له حقوق عليك وأعمال تختص به فلا يمكن تدارك ذلك فيه أيضا.

وقال الجوهري :الرحب بالضم السعة ، وقولهم مرحبا وأهلا أي أتيت سعة وأتيت أهلا. فاستأنس ولا تستوحش انتهى ، وقيل : منصوب بفعل محذوف ، والباء للسببية أي صادفنا سعة في الحال وسرورا بسبب مجيئك ،والكاتب الشهيد أي الشاهد علي أو الحاضر ، والخطاب في« اكتبا » للملكين ، وكون الخطاب لليوم ، والملك بعيد وعلى التقديرين المراد بالكاتب الجنس ، والأمر لكاتب السيئات بالتبع ، أو لمدخليته في كتابة الحسنات أيضا« على اسم الله » أي مستعينا بذكر

__________________

(١) الإسراء : ٤٤.

٢٢٨

٨ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن ابن القداح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما من يوم يأتي على ابن آدم إلا قال له ذلك اليوم يا ابن آدم أنا يوم جديد وأنا عليك شهيد فقل في خيرا واعمل في خيرا أشهد لك به يوم القيامة فإنك لن تراني بعدها أبدا قال وكان عليعليه‌السلام إذا أمسى يقول مرحبا بالليل الجديد والكاتب الشهيد اكتبا على اسم الله ثم يذكر الله عز وجل.

٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن عبد الله بن بكير ، عن شهاب بن عبد ربه قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إذا تغيرت الشمس فاذكر الله عز وجل وإن كنت مع قوم يشغلونك ـ فقم وادع.

١٠ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن شريف بن سابق ، عن الفضل بن أبي قرة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ثلاث تناسخها الأنبياء من

_________________________________________

اسم الله ، أو بعون الله ، أو ابتداء بكتابة اسمه تعالى ، ثم اكتبا أعمالي ويمكن أن يقرأ « علي » بتشديد الياء أي لي لكنه بعيد ، والضمير المستتر في يذكر عائد إلى عليعليه‌السلام .

الحديث التاسع : مجهول.

« إذا تغيرت الشمس » تطلق الشمس على جرمها وضوئها والخبر يحتملهما والمراد تغير لونها واصفرارها قريبا من غروبها« يشغلونك » من باب منع أو باب الأفعال ، وقيل الثانية قليلة أو ردية ، ويروي أنه كتب رجل إلى الصاحب بن عباد : المأمول من الأمير إشغالي ببعض إشغاله فكتب الصاحب على عريضته من كتب إشغالي لا يصلح لإشغالي« فقم » أي إلى موضع لا يشغلك فيه أحد« وادع الله » وأذكره فإنها ساعة الإجابة وقبول الدعاء والعبادة.

الحديث العاشر : ضعيف.

وكان المرادبالتناسخ الانتساخ ونسخ بعضهم عن بعض ، ويحتمل أن يكون

٢٢٩

آدمعليه‌السلام حتى وصلن إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا أصبح يقول ـ اللهم إني أسألك إيمانا تباشر به قلبي ويقينا حتى أعلم أنه لا يصيبني إلا ما كتبت لي ورضني بما قسمت لي.

_________________________________________

من تناسخ الميراث أو التداول في القاموس : نسخ الكتاب كمنع كتبه عن معارضة كانتسخه واستنسخه ، والمنقول منه النسخة بالضم ، والتناسخ والمناسخة في الميراث موت ورثة بعد ورثة ، وأصل الميراث قائم لم يقسم ، وتناسخ الأزمنة تداولها« كان إذا أصبح يقول » الضمائر الثلاثة راجعة إلى رسول الله ، أو إلى كل واحد من الأنبياء وكان الأول أظهر.

« تباشر به قلبي » المباشرة ملاقاة البشرة ، وفي القاموس. باشر الأمر وليه بنفسه ، والمرأة جامعها ، أو صار في ثوب واحد فباشرت بشرته بشرتها ، فهذه الفقرة تحتمل وجوها :

الأول : أن يكون المعنى تجده في قلبي ، ولا يكون إيمانا ظاهريا بمحض اللسان ، وهذا ما فهم أكثر مشايخنا ، ولعل وجه الدلالة أن من طلب شيئا من موضع ووجده فيه أو في محل لا يكون غالبا إلا بأن يدخل الموضع أو يباشر الشيء الذي قام ذلك الشيء به بكفه ، فعبر عن كون الإيمان في القلب بمباشرة الله القلب بسببه ، أي إيمانا تباشر بسبب ذلك الإيمان وتفحصه والعلم به قلبي.

والثاني : أن يكون عبارة عن استقرار الإيمان وثباته وعدم كونه مستودعا فالمراد إما مباشرته به ووجدانه فيه دائما أو إشارة إلى أن الإيمان القلبي لا يزول والمستودع لا يكون قلبيا.

الثالث : أن يكون المعنى أسألك إيمانا كاملا تكون بسبب ذلك الإيمان مباشرا لقلبي مستقرا فيه ، أي يكون محلا لمعرفتك وحبك كما ورد في الخبر « قلب المؤمن عرش الرحمن ».

الرابع : أن يكون المعنى أسألك إيمانا ثابتا تجده في قلبي يوم لقائك أي

٢٣٠

ورواه بعض أصحابنا وزاد فيه حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما

_________________________________________

عند الموت أو في القيامة ، وهذا مما أفاده الوالد العلامة ره.

الخامس : أن يكون المعنى أسألك إيمانا كاملا تكون بسببه مالكا لازمة نفسي مدبرا الأمور قلبي كما ورد « قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء » وخاطب سبحانه مقر بي جنابه بقوله( وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ ) (١)

السادس : أن يكون المعنى أسألك إيمانا كاملا يقينيا يباشرك قلبي ، ويراك على سبيل القلب كما ورد « أعبد الله كأنك تراه » وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام « لم أكن لأعبد ربا لم أره » وقال : « لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا ».

السابع : ما قيل أي تلي بإثباته قلبي بنفسك يقال : باشر الأمر إذا وليه بنفسه.

الثامن : أن تكون الباء للتعدية ، أي تجعله مباشرا لقلبي مستقرا فيه ، وأكثر هذه الوجوه مما خطر بالبال والله أعلم بأسرار تلك الفقرة ، ومن قال ويحضرني وجوه دقيقة أخرى لا نطيل بإيرادها المقال.

« ويقينا » أي بالقضاء والقدر ، وقد مر في باب اليقين أنه يطلق غالبا على الإيمان الكامل بذلك ، ولذا قال« حتى أعلم أنه لا يصيبني إلا ما كتبت لي » وهو إشارة إلى قوله تعالى : «قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاَّ ما كَتَبَ اللهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ » وقيل : حتى أعلم أي حتى أعمل بمقتضى علمي وهو التوكل كما قال تعالى ـ بعد قوله قُلْ لَنْ يُصِيبَنا. « وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ » وقد يطلق اليقين على مطلق الإيمان الكامل بجميع العقائد الإيمانية بحيث يظهر على الجوارح آثاره ، وقال المحقق الطوسي ره ـ في أوصاف الأشراف ـ اليقين هو العلم بالحق مع العلم بأنه لا يكون غيره فهو مركب من علمين.

« إلا ما كتبت لي » أي في اللوح أو هو كناية عن القضاء والقدر ، وهو لا

__________________

(١) الإنسان : ٣٠.

٢٣١

عجلت يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا وصلى الله على محمد وآله

١١ ـ وروي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام الحمد لله الذي أصبحنا والملك له وأصبحت

_________________________________________

ينافي مدخلية العبد واختياره في بعضها ، أو هو في غير التكاليف وقد مر تحقيقه في أبواب العدل.

« ورضا بما قسمت لي » هذه هي الكلمة الثالثة إشارة إلى قوله سبحانه( ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ ) (١) قوله : وزاد فيه هذه الفقرات من تتمة الكلمة الثالثة ، ويمكن أن لا تكون في هذه الرواية لفظة ثلاث« تعجيل ما أخرت » من متاع الدنيا وزهراتها« ولا تأخير ما عجلت » أي من نوائب الأزمنة ومصيباتها ، ويمكن التعميم فيهما كما يقول بعض الجاهلين لو كان هذا المطر قبل ذلك أو بعد ذلك كان أنفع مثلا ، وقيل في حذف المستغاث له دلالة على التعميم ، ويمكن تخصيصه بالشدائد الحاضرة وتخصص« أصلح لي شأني كله » بالتقصيرات الماضية ، والشأن الخطب والأمر والحال ، وقد تخفف الهمزة وتخصيصقوله « ولا تكلني » بالأموال الآتية ، وقال الجوهري : وكل إليه الأمر وكلا ووكولا سلمه وتركه وأقول : يحتمل أن يكون قوله : « يا حي إلخ » مشتركا بين الروايتين والاختصاص بالثانية أظهر.

الحديث الحادي عشر : مرسل.

ويحتمل أن يكون عطفا على السند السابق فيكون مثله.

« أصبحنا والملك له » الإصباح الدخول في الصباح والواو للحال والملك بالضم العظمة والسلطة والتصرف بالأمر والنهي في الجمهور والقدرة على إجراء ما أراد منهم ، والملك الحقيقي مخصوص به ، وملك من سواه بيده كما قال سبحانه

__________________

(١) الحديد : ٢٣.

٢٣٢

عبدك وابن عبدك وابن أمتك في قبضتك اللهم ارزقني من فضلك رزقا من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب واحفظني من حيث أحتفظ ومن حيث لا أحتفظ اللهم ارزقني من فضلك ولا تجعل لي حاجة إلى أحد من خلقك اللهم ألبسني العافية

_________________________________________

( قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ ) (١) الآية ، وقيل المحمود عليه الإصباح المقيد أو القيد ، والأول نعمة لنا ، والثاني وهو كون الملك له تعالى صفة له ، وبكل واحدة منهما يستحق الحمد« وأصبحت » في الأول عمم نعمة الإصباح وفي الثاني خصه بنفسه وقوله عبدك حال وكذا ما عطف عليه وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب ، إشارة إلى أنه بالحمد الأول صار مستحقا للحضور والمخاطبة كما قبل في سورة الحمد ، وربما يقرأعبدك بالضم ليكون مبتدأ ، وقوله « في قبضتك » خبره ، والجملة حالا وهو بعيد ، وكونه في قبضته سبحانه كناية عن اقتداره واستيلائه وتسلطه عليه فإن ما كان في كف أحد يقدر على التصرف فيه كيف شاء ، ومنه قوله تعالى( وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ ) (٢) قال البيضاوي : تنبيه على عظمته وحقارة الأفعال العظام التي تتحير فيها الأفهام بالإضافة إلى قدرته تعالى ، ودلالة على أن تخريب العالم أهون شيء عليه على طريقة التخييل والتمثيل من غير اعتبار اليمين حقيقة ولا مجازا كقولهم ( شابت لمة الليل ) وقال الجوهري : قبضت الشيء قبضا أخذته ويقال صار الشيء في قبضك وفي قبضتك أي في ملكك والقبضة بالضم ما قبضت عليه من شيء.

« من حيث أحتسب » أي أظن« ومن حيث لا أحتسب » أي لا أظن أو من حيث أعده من جهات حصول رزقي ومن حيث لا أعد وقال تعالى( وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) (٣) قيل أي لا يظن من حسبت ، أو

__________________

(١) آل عمران : ٢٦.

(٢) الزمر : ٦٧.

(٣) الطلاق : ٣.

٢٣٣

وارزقني عليها الشكر يا واحد يا أحد يا صمد يا الله الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ يا الله يا رحمان يا رحيم يا مالك الملك ورب الأرباب وسيد السادات

_________________________________________

لم يكن في حسابه من حسب ، وقوله تعالى( يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ ) (١) أي يظنهم وفي الحديث ( أبي الله إلا أن يرزق المؤمنين من حيث لا يحتسبون )« من حيث احتفظ » الاحتفاظ هنا بمعنى التحفظ والتحرز والتيقظ ، وإن لم أره في كتب اللغة بهذا المعنى ، أي من حيث أعلم ضرره وأتحرز منه ، ومن حيث لا أعلم ولا أتحرز.

« وسيد السادات » أي مالك الملاك ، وقال في النهاية : السيد يطلق على الرب ، والمالك ، والشريف ، والفاضل ، والكريم ، والحليم ، والمتحمل أذى قومه ، والزوج ، والمقدم ، وأصله من ساد يسود فهو سيود فقلبت الواو ياء لأجل الياء الساكنة قبلها ثم أدغمت ، وقال فيه : إنه جاء رجل فقال أنت سيد قريش فقال : السيد الله ، أي هو الذي يحق له السيادة ، كأنه كره أن يحمد في وجهه وأحب التواضع ، وفيه أنه قال للحسن بن علي إن ابني هذا سيد فقيل أراد به الحكيم لأنه قال في تمامه وإن الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين.

وقال الراغب : السيد المتولي للسواد أي الجماعة الكثيرة ، وينسب ذلك فيقال سيد القوم ، ولا يقال سيد الثوب ، وسيد الفرس ، يقال ساد القوم يسودهم ، ولما كان من شرط المتولي للجماعة أن يكون مهذب النفس ، قيل لكل من كان فاضلا في نفسه سيد ، وعلى ذلك قوله تعالى( وَسَيِّداً وَحَصُوراً ) (٢) وقوله( وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ ) (٣) فسمي الزوج سيدا لسياسة زوجته ، وقوله عز وجل( إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا ) (٤) أي ولاتنا وسائسينا.

__________________

(١) البقرة : ٢٧٣.

(٢) آل عمران : ٣٩.

(٣) يوسف : ٢٥.

(٤) الأحزاب : ٦٧.

٢٣٤

ويا الله يا لا إله إلا أنت اشفني بشفائك من كل داء وسقم فإني عبدك وابن عبدك أتقلب في قبضتك

_________________________________________

« يا لا إله إلا أنت » الموصول مقدر أي يا من لا إله إلا أنت« بشفائك » أي بلا توسط أحد من المخلوقين أو بالشفاء الكامل فإن ما ينسب إلى الكامل يكون كاملا ، وقد يقال« من كل داء وسقم » متعلق بشفائك لا بقوله اشفني ، ويمكن أن يكون المراد بالداء الأمراض الروحانية ، وبالسقم العلل الجسمانية« أتقلب في قبضتك » أي أتحول وأتصرف من حال إلى حال من الشباب والمشيب ، والصحة والسقم ، وسائر الأحوال المختلفة في قبضتك ، وقدرتك واختيارك ، أو أتصرف في الأمور في قبضتك ، إشارة إلى الأمر بين الأمرين أي وإن كنت أتصرف في الأمور ، لكن لم أخرج من قدرتك وقبضتك واختيارك ولم يصدر عني أمر إلا بمشيتك وقضائك وقدرك ، وهذا معنى لطيف جليل خطر بالبال ، قال في القاموس : قلبه يقلبه حوله عن وجهه ، كأقلبه وقلبه ، والشيء حوله ظهرا لبطن كقلبه ، وتقلب في الأمور تصرف كيف شاء انتهى ، وقال تعالى( أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ ) (١) أي متقلبين في متاجرهم وأسفارهم وقال « تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ » أي تصرفهم فيها للتجارة ، أي فلا يغرنك تقلبهم وخروجهم من بلد إلى بلد فإن الله تعالى محيط بهم ، وقال( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) (٢) أي المصلين ، وتقلبه فيهم تصرفه فيما بينهم بقيامه وركوعه وسجوده وقعوده إذا أمهم ، وقال « تقلب فيه القلوب والأبصار »(٣) أي تضطرب من الهول والفزع وتشخص أو ينقلب أحوالها فتفقه القلوب وتبصر الأبصار بعد إن كانت لا تفقه ولا تبصر ، وقال( قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ ) (٤) أي تردد وجهك وتصرف نظرك تطلعا للوحي.

__________________

(١) النحل : ٤٦.

(٢) الشعراء : ٢١٩.

(٣) النور : ٣٧.

(٤) البقرة : ١٤٤.

٢٣٥

١٢ ـ عنه ، عن محمد بن علي رفعه إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه كان يقول ـ اللهم إني وهذا النهار خلقان من خلقك اللهم لا تبتلني به ولا تبتله بي اللهم ولا تره

_________________________________________

الحديث الثاني عشر : مرفوع ، وضميرعنه راجع إلى أحمد بن محمد.

وفي الفقيه في دعاء آخر شبيه بهذا الدعاء « اللهم إن الليل والنهار خلقان هن خلقك فلا تبتليني فيهما بجرأة على معاصيك إلخ » فقرأ السيد الداماد (ره) خلفان بكسر الخاء المعجمة والفاء إشارة إلى قوله تعالى «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً » وهو تصحيف لطيف مخالف للمضبوط في النسخ المعتبرة ، ثم اعلم أنه على نسخة الكافي يمكن أن يقرأالنهار بالنصب عطفا على اللفظ وبالرفع عطفا على المحل ، والابتلاء الامتحان ، أو الوقوع في البلاء والشدة ، وابتلاء الإنسان باليوم الابتلاء بالبلايا والمصائب فيه فكأن اليوم أوقعه فيها فالإسناد مجازي ، ويحتمل أن يكون الباء للظرفية لكنه بعيد ، وابتلاء اليوم بالإنسان أن يوقع فيه الشرك والكفر أو المعاصي لأنه يضيع يومه بها فكأنه قد أذاها ، فالإسناد أيضا على المجاز أو المراد ابتلاء الملائكة الموكلين باليوم أو بالإنسان فيه ، أو يقال : إن جميع المخلوقات لما كانت في مقام التذلل ، والخضوع ، والسجود ، والانقياد ، والتسبيح له تعالى فهي منكرة للمعاصي طبعا ، وهي مخالفة لمقتضاها فهي مبتلى بها ، وعلى القول بأن لها أرواحا وشعورا لا يحتاج إلى تكلف. وقوله « ولا تره » تفسير وتأكيد له ، وقد يخص الابتلاء بالشرك والكفر حذرا من التكرار ، وهو تكلف ، ويمكن إدخال الجميع في كل من الفقرتين الأولين ، فتكون الثانية تأكيدا للأولى تفننا في الكلام فإن الابتلاء بالمعاصي لما كان في اليوم يمكن نسبته إليه مع قطع النظر عن أن لمقتضيات الأزمنة مدخلا في ذلك ، وأيضا لما كان لأفعال الإنسان مدخلا في البلايا والمصائب ، وهي من هذه الجهة مخالفة لمقتضى اليوم ، كما قال تعالى( وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ) (١)

__________________

(١) الشورى : ٣٠.

٢٣٦

مني جرأة على معاصيك ولا ركوبا لمحارمك اللهم اصرف عني الأزل واللأواء والبلوى وسوء القضاء وشماتة الأعداء ومنظر السوء في نفسي ومالي.

_________________________________________

ويمكن أن يراد بالمعاصي الكبائر ولذا نسب الجرأة إليها ، وبالمحارم الصغائر أو الأعم ، ويمكن أن يقال : في الركوب إشعار بالإصرار ، « والمحارم » جمع المحرم على مفعول بناء التفعيل« والأزل » بالفتح الضيق والشدة« واللأواء » الشدة وضيق المعيشة« والبلوى » اسم لما يبتلي ويختبر به من المحنة ، والبلية ، والغم من بلوته وابتليته اختبرته.

« وسوء القضاء » السوء بالضم اسم من ساءه سوءا إذا فعل به ما يكره ، والمراد به الآفات والبليات وغيرها مما تعلق به القضاء قد يدفع بالدعاء كما مر« وشماتة الأعداء » هي الفرح والسرور بذل الغير وهو أنه وبليته ،« ومنظر السوء في نفسي ومالي » السوء يقرأ بالضم والفتح والفتح أحسن.

في القاموس : ساءه سوءا وسواءة ومساءة فعل به ما يكره والسوء بالضم الاسم منه ، ورجل سوء ورجل السوء بالفتح والإضافة ، وقال المنظر والمنظرة ما نظرت إليه فأعجبك أو ساءك.

وقال الجوهري : ساءه يسوؤه سوء بالفتح نقيض سره ، والاسم السوء بالضم ، وقرئ قوله تعالى «عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ » يعني الهزيمة والشر ومن فتح فهو من المساءة ، وتقول هذا رجل سوء بالإضافة ثم تدخل عليه الألف واللام فتقول هذا رجل السوء.

قال الأخفش : ولا يقال الرجل السوء ، ويقال الحق اليقين ، وحق اليقين جميعا لأن السوء ليس بالرجل ، واليقين هو الحق ، قال : ولا يقال هذا رجل السوء بالضم ، انتهى : إذا عرفت هذا فهذه العبارة تحتمل وجهين :

الأول : أن يكون « منظر » مصدرا ميميا أي النظر إلى أمر يسوؤني في نفسي ومالي

٢٣٧

قال وما من عبد يقول حين يمسي ويصبح ـ رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله نبيا وبالقرآن بلاغا وبعلي إماما ثلاثا إلا كان حقا على الله العزيز الجبار أن يرضيه يوم القيامة.

_________________________________________

الثاني : أن يكون منظر بمعنى ما ينظر إليه ، فالإضافة بيانية ، وعلى التقديرين سوء النفس شامل للعيوب النفسانية ، والجسمانية ، والعاهات البدنية ، وفي المال تلفه أو نقصه ، أو الخسران فيه أو كساده ، بل كونه حراما أو شبهة أو مخلوطا بالحرام ، وفي بعض الأدعية للسفر « أعوذ بك من كابة المنقلب وسوء المنظر في النفس ، والأهل ، والمال ، والولد.

« وبالقرآن بلاغا » إشارة إلى ما وصف الله تعالى في مواضع من القرآن بالبلاغ منها قوله سبحانه في سورة إبراهيم( هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ ) (١) وقال الطبرسي (ره) : هو إشارة إلى القرآن ، أي هذا القرآن عظة للناس بالغة كافية ، وقيل هو إشارة إلى ما تقدم ذكره ، أي هذا الوعيد كفاية لمن تدبره من الناس ، والأول هو الصحيح ، ومنها قوله تعالى في سورة الأحقاف «بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ » وقال الطبرسي : أي هذا القرآن وما فيه من البيان بلاغ من الله إليكم والبلاغ بمعنى التبليغ ، ومنها قوله عز وجل في سورة الأنبياء «إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ » قالوا أي في هذا القرآن ودلائله كفاية ووصلة إلى البغية والبلاغ سبب الوصول إلى الحق.

والحاصل : أن البلاغ بالفتح الكفاية ، والاسم من الإبلاغ والتبليغ وهما الإيصال ، وقد يقوم مقامهما ويفيد مفادهما ، وفي القرآن تبليغ رسالات الله وكفاية لمن تدبر فيه وعمل به لأن فيه الدلالة على الإمام ، وعلى أن لكل قوم وكل عصر هاديا وإماما يبين للناس ما أشكل عليهم فمن عمل به لا يشتبه عليه أمر« قال

__________________

(١) إبراهيم : ٥٢.

٢٣٨

قال وكان يقولعليه‌السلام إذا أمسى : « أصبحنا لله شاكرين وأمسينا لله حامدين فلك الحمد كما أمسينا لك مسلمين سالمين ».

قال وإذا أصبح قال أمسينا لله شاكرين وأصبحنا لله حامدين والحمد لله كما

_________________________________________

وكان يقول » أي أمير المؤمنينعليه‌السلام « إذا أمسى » أي دخل في وقت المساء« أصبحنا لله شاكرين » قيل أصبح وأمسى هنا إما لاقتران مضمون الجملة بهذين الوقتين أو بمعنى صار لإفادة الانتقال من حال إلى حال ، مجردا عن ملاحظة الوقت له ، أو تامة « ولله » على الأولين متعلق بما بعده وتقديمه لقصد الحصر أو الاهتمام ، وعلى الأخير حال كما بعده أو متعلق به والتقديم لما ذكر ، وإنما قدم الشكر على الحمد لأن العرفي منه أعظم من الحمد ، واللغوي أهم لكونه في مقابل النعمة وأعم باعتبار صدوره من كل واحد من الموارد الثلاثة« والحمد لله كما أمسينا » إشارة إلى أن هاتين النعمتين ، يعني الكون من أهل الإسلام أو التسليم والانقياد ، والكون من أهل السلامة من الآفات يقتضيان الحمد لله رعاية لحسن المعاملة وأداء لحق النعمة« وإذا أصبح قال » إنما غير الأسلوب فقال في السابق أولا أصبحنا ، وقال هنا أولا أمسينا لرعاية تقديم ما هو المقدم بحسب الواقع في الموضعين ، انتهى.

وقيل : الفرق بين الشكر والحمد هنا ، إن الأول تعظيم بجميع الجوارح التي تعلقت بها الفرائض ، والثاني تعظيم باللسان فقط« وشاكرين » في الموضعين حال محققة ، إذ تقدير الله تعالى الشكر في اليوم الماضي معلوم لنا في أول الليل ، بسبب أداء الفرائض مثل الصلاة وتقديره تعالى الشكر في الليل غير معلوم لنا في أوله ، بل المعلوم الحمد فقط ، فلذا نسب الشكر إلى الماضي والحمد إلى الحال ، والأمر في الفقرة الثانية أيضا كذلك والكاف في كما في الموضعين للتشبيه ، وما مصدرية والظرف قائم مقام المفعول المطلق للنوع بتقدير حمدا ، كما وأقيم هنا المقتضي للشيء

٢٣٩

أصبحنا لك مسلمين سالمين ».

١٣ ـ عنه ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان أبيعليه‌السلام يقول إذا أصبح بسم الله وبالله وإلى الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اللهم إليك أسلمت نفسي وإليك فوضت أمري وعليك توكلت

_________________________________________

مقامه فإن الإمساء بالسلامة مثلا يقتضي نوعا عظيما من الحمد ، فكأنه وقع ذلك الحمد نفي هذا الوقت ينتنئ مثله ونظائر هذا كثيرة نحو ـ أحسن كما أحسن الله إليك ـ« ولك » متعلق بكل من مسلمين ، وسالمين ، والمرادبالإسلام هنا الانقياد ، وبالسلامة ، والسلامة من الغش والخلوص لله تعالى ، انتهى.

الحديث الثالث عشر : موثق.

« بسم الله » أي أبتدئ هذا الدعاء أو كل أعمالي في هذا اليوم أو متبركا أو مستعينا بسم الله ، وقيل الاسم مقحم« وبالله » أي أستعين بالله« وإلى الله » أي مرجعي أو التجائي إليه« وفي سبيل الله » أي جعلت نفسي أو أعمالي وإرادتي كلها في سبيل الله ، حتى تكون أعمالي خالصة له وموافقة لرضاه ، وقيل : أي أنا مستقيم في سبيل الله ، وأنا مستقر ثابت على ملة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو أعمالي موافقة لملة رسول الله وشريعته ، وقيل الجار في هذه المواضع متعلق بفعل مقدر وتقديره بعده لقصد الحصر ، والعطف من باب عطف الجملة على الجملة ، كما في حمدا له ، وشكرا له.

« إليك أسلمت نفسي » أي سلمتها إليك لا إلى غيرك ، فعليك حفظها وإصلاحها ، وفي القاموس : أسلم انقاد وصار مسلما كتسلم ، والعدو خذله وأمره إلى الله سلمه.« وإليك فوضت أمري » قال في النهاية : في حديث الدعاء ،فوضت أمري إليك أي رددته ، يقال : فوض إليه الأمر تفويضا إذا رده إليه وجعله الحاكم فيه انتهى ، ومن فوض أمره إلى الله هداه إلى الخيرات ووقاه من الشرور ، وكما قال تعالى «فَوَقاهُ

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

وإن أراد البيع ولا حاكم هناك ، استقلّ به ، فإن كان فوجهان لهم ، أحدهما : جواز الاستقلال ؛ لأنّه نائب عن المالك في الحفظ ، فكذا في البيع(١) .

مسألة ٣٩٤ : لو وجد بعيراً في أيّام منى في الصحراء مقلَّداً كما يُقلَّد الهدي ، لم يجز أخذه ؛ لأنّه لا يجوز مع عدم التقليد فمعه أولى.

وقال الشافعي : يأخذه ويُعرّفه أيّام منى ، فإن خاف أن يفوته وقت النحر نحره ، والأولى عنده أن يرفع إلى الحاكم حتى يأمره بنحره(٢) .

ونقل بعضهم قولاً آخَر : إنّه لا يجوز أخذه(٣) ، كما ذهبنا إليه.

ثمّ بنوا القولين على القولين فيما إذا وجد بدنة منحورة غمس ما قُلّدت به في دمها وضرب صفحة سنامها ، هل يجوز الأكل منها؟ فإن منعنا الأكل ، منعنا الأخذ هنا ، وإن جوّزنا الأكل اعتماداً على العلامة ، فكذا التقليد علامة كون البعير هدياً ، والظاهر أنّ تخلّفه كان لضعفه عن المسير ، والأُضحية المعيّنة إذا ذُبحت في وقت النحر وقع في موقعه وإن لم يأذن صاحبها(٤) .

قال الجويني : لكن ذبح الضحيّة وإن وقع في موقعه لا يجوز الإقدام عليه من غير إذنٍ(٥) .

وجوّز بعض الشافعيّة الأخذ والنحر(٦) .

ولهذا الإشكال ذهب القفّال تفريعاً على هذا القول أنّه يجب رفع

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٦.

(٢) البيان ٧ : ٤٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨١.

(٣ - ٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨١.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٦.

٣٠١

الأمر إلى الحاكم لينحره(١) .

وهذا ليس بشي‌ءٍ ؛ لأنّ الأخذ الممنوع منه إنّما هو الأخذ للتملّك ، ولا شكّ أنّ هذا البعير لا يؤخذ للتملّك.

المطلب الثاني : في الملتقط.

مسألة ٣٩٥ : يصحّ أخذ الضالّة في موضع الجواز لكلّ بالغٍ عاقلٍ.

ولو أخذه في موضع المنع ، لم يجز ، وضمنه ، إماماً كان أو غيره ؛ لأنّه أخذ ملك غيره بغير إذنه ، ولا أذن الشارع له ، فهو كالغاصب.

وهذا الفرض في الإمام عندنا باطل ؛ لأنّه معصوم.

أمّا عند العامّة الذين لم يوجبوا عصمة إمامهم فإنّه قد يُفرض.

وكذا يُفرض عندنا في نائب الإمام.

وكذا يجوز للصبي والمجنون أخذ الضوالّ ؛ لأنّه اكتساب ، وينتزع الوليّ ذلك من يدهما ، ويتولّى التعريف عنهما سنةً ، فإن لم يأت له مالك تملّكاه وضمناه بتمليك الوليّ لهما وتضمينهما إيّاه إن رأى الغبطة في ذلك ، وإن لم يكن في تمليكهما غبطة ، أبقاها أمانةً.

مسألة ٣٩٦ : الأقرب : عدم اشتراط الحُرّيّة ، فيجوز للعبد القِنّ والمدبَّر والمكاتَب وأُمّ الولد والمعتق بعضه التقاطُ الضوالّ في موضع الجواز ؛ لأنّه اكتساب وهؤلاء من أهله وهُمْ أهلٌ للحفظ.

والأقرب : إنّه لا يشترط الإسلام ولا العدالة ، فيجوز للكافر أخذ الضالّة ، وكذا للفاسق ؛ لأنّه اكتساب وهُما من أهله.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨١.

٣٠٢

وقال الشافعي : لا يجوز لغير الإمام وغير نائبه أخذ الضوالّ للحفظ لصاحبها ، فإن أخذها غير الامام أو نائبه ليحفظها لصاحبها لزمه الضمان ؛ لأنّه لا ولاية له على صاحبها(١) .

ولأصحابه وجهٌ آخَر : إنّه يجوز أخذها لحفظها قياساً على الإمام(٢) .

واحتجّ بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مَنَع من أخذها من غير أن يفرّق بين قاصد الحفظ وقاصد الالتقاط ، والقياس على الإمام باطل ؛ لأنّ له ولايةً ، وهذا لا ولاية له(٣) .

ونحن نقول بموجبه في موضع المنع من أخذها.

أمّا لو وجدها في موضعٍ يخاف عليها فيه ، مثل أن يجدها في أرض مسبعة يغلب على الظنّ افتراس الأسد لها إن تركها فيه ، أو وجدها قريبةً من دار الحرب يخاف عليها من أهلها ، أو في موضعٍ يستحلّ أهله أخذ أموال المسلمين ، أو في برّيّة لا ماء بها ولا مرعى ، فالأولى جواز الأخذ للحفظ ، ولا ضمان على آخذها ؛ لما فيه من إنقاذها من الهلاك ، فأشبه تخليصها من غرقٍ أو حرقٍ ، وإذا حصلت في يده سلّمها إلى بيت المال ، وبرئ من ضمانها ، وله التملّك مع الضمان ؛ لأنّ الشارع نبّه على علّة عدم التملّك لها بأنّها محفوظة ، فإذا كانت في المهلكة انتفت‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥٥ - ٥٥٦ ، البيان ٧ : ٤٦٠ - ٤٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٣ و ٣٥٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٥ ، المغني ٦ : ٣٩٩ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٣.

(٢) الحاوي الكبير ٨ : ٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٨ ، حلية العلماء ٥ : ٥٣٢ - ٥٣٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٥٦ ، البيان ٧ : ٤٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٥ ، المغني ٦ : ٣٩٩ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٣.

(٣) راجع : المغني ٦ : ٣٩٩ ، والشرح الكبير ٦ : ٣٥٣.

٣٠٣

العلّة.

مسألة ٣٩٧ : لو ترك دابّة بمهلكةٍ فأخذها إنسان فأطعمها وسقاها وخلّصها ، تملّكها - وبه قال الليث والحسن بن صالح وأحمد وإسحاق(١) - إلّا أن يكون تركها بنيّة العود إليها فأخذها ، أو كانت قد ضلّت منه ؛ لما رواه العامّة عن الشعبي أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « مَنْ وجد دابّةً قد عجز عنها أهلها فسيّبوها فأخذها فأحياها فهي له »(٢) .

وفي لفظٍ آخَر عن الشعبي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « مَنْ ترك دابّةً بمهلكةٍ فأحياها رجل فهي لمَنْ أحياها »(٣) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه عبد الله بن سنان - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام قال : « مَنْ أصاب مالاً أو بعيراً في فلاةٍ من الأرض قد كلّت وقامت وسيّبها صاحبها لـمّا لم تتبعه فأخذها غيره فأقام عليها وأنفق نفقةً حتى أحياها من الكلال ومن الموت فهي له ، ولا سبيل له عليها ، وإنّما هي مثل الشي‌ء المباح »(٤) .

ولأنّ القول بملكها يتضمّن إحياءها وإنقاذها من الهلاك ، وحفظاً للمال عن الضياع ، ومحافظةً على حرمة الحيوان ، وفي القول بعدم الملك‌

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٦٠ - ١٦١ ، الحاوي الكبير ٨ : ٢٧ ، حلية العلماء ٥ : ٥٣٩ ، المغني ٦ : ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٤.

(٢) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٧ / ٣٥٢٤ ، سنن الدارقطني ٣ : ٦٨ / ٢٥٩ ، سنن البيهقي ٦ : ١٩٨ ، المغني ٦ : ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٤ - ٣٥٥.

(٣) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٨ / ٣٥٢٥ ، سنن البيهقي ٦ : ١٩٨ ، المغني ٦ : ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٥.

(٤) تقدّم تخريجه في ص ٢٨٦ ، الهامش (٤)

٣٠٤

تضييع ذلك كلّه من غير مصلحةٍ تحصل ، ولأنّ مالكه نبذه رغبةً عنه وعجزاً عن أخذه ، فمَلَكه آخذه ، كالمتساقط من السنبل وسائر ما ينبذه الناس رغبةً عنه وزهداً فيه.

المطلب الثالث : في الأحكام.

مسألة ٣٩٨ : يجوز للإمام ونائبه أخذ الضالّة على وجه الحفظ لصاحبه ، ثمّ يرسله في الحمى الذي حماه الإمام لخيل المجاهدين والضوالّ ؛ لأنّ للإمام نظراً في حفظ مال الغائب ، وفي أخذ هذه حفظ لها عن الهلاك ، ثمّ يُعرّفها حولاً ، فإن جاء صاحبها ، وإلّا بقيت في الحمى.

وقال أحمد : لا يلزمه تعريفها ؛ لأنّ عمر لم يكن يُعرّف الضوالّ(١) .

وفعل عمر ليس حجّةً.

وإذا عرف إنسان دابّته ، أقام البيّنة عليها وأخذها ، ولا يكفي وصفها ؛ لأنّها ظاهرة بين الناس يعرف صفاتها غير أهلها ، فلا تكون الصفة(٢) لها دليلاً على ملكه لها ، ولأنّ الضالّة قد كانت ظاهرةً للناس حين كانت في يد مالكها ، فلا يختصّ هو بمعرفة صفاتها دون غيره ، ويمكنه إقامة البيّنة عليها ؛ لظهورها للناس ومعرفة خلطائه وجيرانه بملكه إيّاها.

مسألة ٣٩٩ : الأقرب عندي : إنّه يجوز لكلّ أحدٍ أخذ الضالّة ، صغيرةً كانت أو كبيرةً ، ممتنعةً عن السباع أو غير ممتنعةٍ ، بقصد الحفظ لمالكها ، والأحاديث(٣) الواردة في النهي عن ذلك محمولة على ما إذا نوى بالالتقاط‌

____________________

(١) المغني ٦ : ٣٩٨ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٣.

(٢) في « ث ، خ ، ر » : « الصفات ».

(٣) منها : ما تقدّم تخريجه في الهامش (١) من ص ١٦٦.

٣٠٥

التملّك إمّا قبل التعريف أو بعده ، أمّا مع نيّة الاحتفاظ فالأولى الجواز ، كما أنّه لا يجوز للإمام ولا لنائبه أخذ ما لا يجوز أخذه على وجه التملّك.

مسألة ٤٠٠ : ما يحصل عند الإمام من الضوالّ فإنّه يُشهد عليها ويَسِمها بوَسْم أنّها ضالّة.

ثمّ إن كان له حمى ، تركها فيه إن رأى المصلحة في ذلك ، وإن رأى المصلحة في بيعها أو لم يكن له حمى ، باعها بعد أن يصفها ويحفظ صفاتها ، ويحفظ ثمنها لصاحبها ، فإنّ ذلك أحفظ لها ؛ لأنّ في تركها ضرراً على مالكها ؛ لإفضائه إلى أن تأكل جميع ثمنها.

وأمّا غير الإمام ونائبه إذا التقط الضالّة ولم يجد سلطاناً يُنفق عليها ، أنفق من نفسه ، ويرجع مع نيّة الرجوع.

وقيل : لا يرجع ؛ لأنّ عليه الحفظَ ، ولا يتمّ إلّا بالإنفاق(١) .

والأوّل أقرب ؛ دفعاً لتوجّه الضرر بالالتقاط.

ولا يبعد من الصواب التفصيلُ ، فإن كان قد نوى التملّك قبل التعريف أو بعده ، أنفق من ماله ، ولا رجوع ؛ لأنّه فَعَل ذلك لنفعه ، وإن نوى الحفظ دائماً ، رجع مع الإشهاد إن تمكّن ، وإلّا فمع نيّته.

ولو كان للّقطة نفعٌ كالظهر للركوب ، أو الحمل أو اللبن أو الخدمة ، قال الشيخرحمه‌الله : يكون ذلك بإزاء ما أنفق(٢) .

والأقرب : أن ينظر في قدر النفقة وقيمة المنفعة ، ويتقاصّان.

مسألة ٤٠١ : لا يضمن الضالّة بعد الحول إلّا مع قصد التملّك.

ولو قصد حفظها دائماً ، لم يضمن ، كما في لقطة الأموال ، إلّا مع‌

____________________

(١) كما في شرائع الإسلام ٣ : ٢٩٠.

(٢) النهاية : ٣٢٤.

٣٠٦

التفريط أو التعدّي.

ولو قصد التملّك ، ضمن ، فإن نوى الحفظ بعد ذلك ، لم يبرأ من الضمان ؛ لأنّه قد تعلّق الضمان بذمّته ، كما لو تعدّى في الوديعة ثمّ نوى الحفظ.

ولو قصد الحفظ ثمّ نوى التملّك ، لزمه الضمان من حين نيّة التملّك.

مسألة ٤٠٢ : لو وجد مملوكاً بالغاً أو مراهقاً ، لم يجز له أخذه ؛ لأنّه كالضالّة الممتنعة يتمكّن من دفع المؤذيات عنه.

ولو كان صغيراً ، كان له أخذه ؛ لأنّه في معرض التلف ، والمال إذا كان بهذه الحال جاز أخذه ، وهو نوع منه.

وإذا أخذ عبداً صغيراً للحفظ ، لم يدفع إلى مدّعيه إلّا بالبيّنة ، ولا تكفي الشهادة على شهود الأصل بالوصف ؛ لاحتمال الشركة في الأوصاف ، بل يجب إحضار شهود الأصل ليشهدوا بالعين ، فإن تعذّر إحضارهم لم يجب نقل العبد إلى بلدهم ولا بيعه على مَنْ يحمله ، ولو رأى الحاكم ذلك صلاحاً جاز ، ولو تلف قبل الوصول أو بعده ولم يثبت دعواه ، ضمن المدّعي قيمة العبد وأجره.

مسألة ٤٠٣ : لو ترك متاعاً في مهلكةٍ فخلّصه إنسان ، لم يملكه ؛ لأنّه لا حرمة له في نفسه ولا يخشى عليه التلف كالخشية على الحيوان ، فإنّ الحيوان يموت إذا لم يطعم ويسقى وتأكله السباع ، والمتاع يبقى إلى أن يعود مالكه إليه.

ولو كان المتروك عبداً ، لم يملكه آخذه ؛ لأنّ العبد في العادة يمكنه التخلّص إلى الأماكن التي يعيش فيها ، بخلاف البهيمة.

وله أخذ العبد والمتاع ليخلّصه لصاحبه.

وهل يستحقّ الأُجرة عن تخليص العبد أو المتاع؟ الوجه : إنّه لا يستحقّ إلّا مع الجُعْل ؛ لأنّه عمل في مال غيره بغير جُعْلٍ ، فلم يستحق شيئاً ، كالملتقط.

٣٠٧

وقال أحمد : يستحقّ الجُعْل(١) . وليس بجيّدٍ.

مسألة ٤٠٤ : ما يلقيه رُكْبان البحر فيه من السفينة خوفاً من الغرق إذا أخرجه غير مالكه ، فالأقرب : إنّه للمُخرج ، وبه قال الليث بن سعد والحسن البصري [ قال : ](٢) وما نضب عنه الماء فهو لأهله(٣) .

وقال ابن المنذر : يردّه على أربابه ، ولا جُعْل له(٤) ، وهو مقتضى قول الشافعي(٥) .

ويتخرّج على قول أحمد : إنّ لمن أنقذه أُجرة مثله(٦) .

والأقرب : ما قدّمناه ؛ لأنّه مال ألقاه أربابه فيما يتلف بتركه فيه اختياراً منهم ، فمَلَكه مَنْ أخرجه ، كالمنبوذ بنيّة الإعراض عن تملّكه.

ولو انكسرت السفينة في البحر فأُخرج بعض المتاع الذي فيها بالغوص وأخرج البحر بعض ما غرق فيها ، روى الشعيري فيه أنّ الصادقعليه‌السلام سئل عن ذلك ، فقال : « أمّا ما أخرجه البحر فهو لأهله ، الله أخرجه ، وأمّا ما أُخرج بالغوص فهو لهم وهُمْ أحقّ به »(٧) .

____________________

(١) المغني ٦ : ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٥.

(٢) ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني والشرح الكبير ، وهو مقتضى ما في الإشراف على مذاهب أهل العلم.

(٣ و ٤) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٦١ ، المغني ٦ : ٤٠١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٦.

(٥) كما في المغني ٦ : ٤٠١ ، والشرح الكبير ٦ : ٣٥٦.

(٦) المغني ٦ : ٤٠١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٦.

(٧) تقدّم تخريجه في ص ٢٧٧ ، الهامش (٣)

٣٠٨

وقال الشافعي وابن المنذر : إذا انكسرت السفينة فأخرجه قوم ، يأخذ أصحاب المتاع متاعهم ، ولا شي‌ء للّذين أصابوه(١) .

وعلى قياس قول أحمد يكون لمستخرجه أُجرة المثل ؛ لأنّ ذلك وسيلة إلى تحصيله(٢) وحفظه لصاحبه وصيانته عن الغرق ، فإنّ الغوّاص إذا علم أنّه يُدفع إليه الأجر بادر إلى التخليص ، وإن علم أنّه يؤخذ منه بغير شي‌ءٍ لم يخاطر بنفسه في استخراجه(٣) .

مسألة ٤٠٥ : قد بيّنّا أنّه يجوز للإنسان أن يلتقط العبد الصغير وكذا الجارية الصغيرة ، ويُملك كلٌّ منهما بعد التعريف.

وقياس مذهب أحمد : إنّه لا يُملكان بالتعريف(٤) .

وقال الشافعي : يملك العبد دون الجارية ؛ لأنّ التملّك بالتعريف - عنده - كالقرض ، والجارية - عنده - لا تُملك بالقرض(٥) .

واستشكل بعض العامّة ذلك ؛ فإنّ الملقوط محكوم بحُرّيّته ، وإن كان ممّن يعبّر عن نفسه فأقرّ بأنّه مملوك لم يُقبل إقراره ؛ لأنّ الطفل لا قول له ، ولو اعتبر قوله في ذلك لاعتبر في تعريف سيّده(٦) .

____________________

(١) المغني ٦ : ٤٠١ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٦ - ٣٥٧.

(٢) الظاهر : « تخليصه ».

(٣) كما في المغني ٦ : ٤٠١ ، والشرح الكبير ٦ : ٣٥٧.

(٤) كما في المغني ٦ : ٤٠٢ ، والشرح الكبير ٦ : ٣٥٧.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٣٩ ، حلية العلماء ٥ : ٥٣٩ ، البيان ٧ : ٤٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦٧ ، المغني ٦ : ٤٠٢ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٧.

(٦) المغني ٦ : ٤٠٢ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٥٧.

٣٠٩

الفصل الثالث : في اللقيط‌

وفيه مطالب :

الأوّل : الأركان.

اللقيط كلّ صبي ضائع لا كافل له ، ويُسمّى منبوذاً باعتبار أنّه يُنبذ ، أي يرمى ، ويُسمّى لقيطاً ، أي ملقوطاً ، واللقيط فعيل بمعنى مفعول ، كما يقال : دهين وخضيب وجريح وطريح ، وإنّما هو مدهون ومخضوب ومجروح ومطروح ، ويُسمّى ملقوطاً باعتبار أنّه يُلقط.

إذا عرفت هذا ، فالأركان ثلاثة :

الأوّل : الالتقاط.

وهو واجب على الكفاية ؛ لاشتماله على صيانة النفس عن الهلاك ، وفي تركه إتلاف النفس المحترمة ، وقد قال الله تعالى :( وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ ) (١) .

ولأنّ فيه إحياء النفس فكان واجباً ، كإطعام المضطرّ وإنجائه من الغرق ، وقد قال الله تعالى :( وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً ) (٢) وقال تعالى :( وَافْعَلُوا الْخَيْرَ ) (٣) .

ووجد سُنَين أبو جميلة منبوذاً فجاء به إلى عمر بن الخطّاب ، فقال :

____________________

(١) سورة المائدة : ٢.

(٢) سورة المائدة : ٣٢.

(٣) سورة الحجّ : ٧٧.

٣١٠

ما حملك على أخذ هذه النسمة؟ فقال : وجدتُها ضائعةً فأخذتُها ، فقال عريفه : إنّه رجل صالح ، فقال : كذلك؟ قال : نعم ، قال : اذهب فهو حُرٌّ ، ولك ولاؤه ، وعلينا نفقته(١) .

وهذا الخبر عندنا لا يُعوّل عليه ، والولاء عندنا لمن يتولّاه الملتقط ، فإن لم يتوال أحداً ، كان ميراثه للإمام.

وليس أخذ اللقيط واجباً على الأعيان بالإجماع وأصالة البراءة ، ولئلّا تتضادّ الأحكام ، ولأنّ الغرض الحفظ والتربية ، وذلك يحصل بأيّ واحدٍ اتّفق ، بل هو من فروض الكفايات إذا قام به البعض سقط عن الباقين ، ولو تركه الجماعة بأسرهم أثموا بأجمعهم إذا علموا به وتركوه مع إمكان أخذه.

مسألة ٤٠٦ : ويستحبّ الإشهاد على أخذه ؛ لأنّه أصون وأحفظ ، لأنّه يحتاج إلى حفظ الحُرّيّة والنسب ، ولأنّ اللّقطة يشيع أمرها بالتعريف ، ولا تعريف في اللقيط.

وللشافعيّة طريقان ، أحدهما : إنّه على وجهين أو قولين كما قدّمنا في اللّقطة ، والأصح : القطع بالوجوب ، بخلاف اللّقطة ، فإنّ الأصحّ فيها الاستحباب ؛ لأنّ اللقيط يحتاج إلى حفظ الحُرّيّة والنسب ، فجاز أن يجب الإشهاد عليه كما في النكاح(٢) .

والأصل عندنا ممنوع.

وحكى الجويني وجهاً ثالثاً هو : الفرق ، فإن كان الملتقط على ظاهر العدالة لم يكلّف الإشهاد ، وإن كان مستور العدالة كُلّف ليصير الإشهاد قرينةً‌

____________________

(١) الموطّأ ٢ : ٧٣٨ / ١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٧.

(٢) الحاوي الكبير ٨ : ٣٧ ، الوجيز ١ : ٢٥٤ ، البيان ٨ : ٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٣.

٣١١

تغلب على الظنّ الثقة(١) .

وإذا أوجبنا الإشهاد فلو تركه لم تسقط ولاية الحضانة.

وقال الشافعي : تسقط ولاية الحضانة ، ويجوز الانتزاع(٢) .

وإذا أشهد فليشهد على الملتقط وما معه من ثيابٍ وغيرها إن كان معه شي‌ء.

الركن الثاني : اللقيط.

وقد ذكرنا أنّه كلّ صبي ضائع لا كافل له ، والتقاطه من فروض الكفايات ، فيخرج بقيد الصبي البالغ ، فإنّه مستغنٍ عن الحضانة والتعهّد ، فلا معنى لالتقاطه.

نعم ، لو وقع في معرض هلاكٍ ، أُعين ليتخلّص.

أمّا الصبي الذي بلغ سنّ التمييز فالأقرب : جواز التقاطه ؛ لحاجته إلى التعهّد والتربية ، وهو أحد قولَي الشافعيّة ، والثاني : إنّه لا يلتقط ؛ لأنّه مستقلٌّ ممتنع ، كضالّة الإبل ، فلا يتولّى أمره إلّا الحاكم(٣) .

وقولنا : « ضائع » نريد به المنبوذ ؛ لأنّ غير المنبوذ يحفظه أبوه أو جدّه لأبيه أو الوصي لأحدهما ، فإن لم يكن أحد هؤلاء ، نصب القاضي له مَنْ يراعيه ويحفظه ويتسلّمه ؛ لأنّه كان له كافل معلوم ، وهو أبوه أو جدّه أو وصيّهما ، فإذا فقد قام القاضي مقامه ، كما أنّه يقوم لحفظ مال الغائبين والمفقودين ، أمّا المنبوذ فإنّه يشبه اللّقطة ولهذا يُسمّى لقيطاً فلم يختصّ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٩.

(٢) الوسيط ٤ : ٣٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٤.

٣١٢

حفظه بالقاضي.

وقولنا : « لا كافل له » نريد به مَنْ لا أب له ولا جدّ للأب ومَنْ يقوم مقامهما ، والملتَقَط ممّن هو في حضانة أحد هؤلاء لا معنى لالتقاطه.

نعم ، لو وُجد في مضيعةٍ أُخذ ليُردّ إلى حاضنه.

الركن الثالث : الملتقِط.

مسألة ٤٠٧ : يعتبر في الملتقِط التكليف والحُرّيّة والإسلام والعدالة ، فلا يصحّ التقاط الصبي ولا المجنون.

ولو كان الجنون يعتوره أدواراً ، أخذه الحاكم من عنده ، كما يأخذه لو التقطه المجنون المطبق أو الصبي.

وأمّا العبد فليس له الالتقاط ؛ لأنّ منافعه ملك سيّده ، فليس له صَرفها إلى غيره إلّا بإذنه ، ولأنّ الالتقاط تبرّعٌ والعبد ليس من أهله ؛ إذ أوقاته مشغولة بخدمة مولاه.

ولو أذن له السيّد أو علم به فأقرّه في يده ، جاز ، وكان السيّد في الحقيقة هو الملتقِط ، والعبد نائبه قد استعان به عليه في الأخذ والتربية والحضانة ، فصار كما لو التقطه سيّده وسلّمه إليه.

وإذا أذن له السيّد ، لم يكن له الرجوع في ذلك.

أمّا لو كان الطفل في موضعٍ لا ملتِقط له سوى العبد ، فإنّه يجوز له التقاطه ؛ لأنّه تخليصٌ له من الهلاك ، فجاز ، كما لو أراد التخليص من الغرق.

ولو التقط العبد مع وجود ملتقطٍ غيره ، لم يُقر في يده ، وينتزعه الحاكم ؛ لأنّه المنصوب للمصالح ، إلّا أن يرضى مولاه ويأذن بتقريره في‌

٣١٣

يده ، فيقدَّم على الحاكم.

ولا فرق بين القِنّ والمدبَّر وأُمّ الولد والمكاتَب والمحرَّر بعضه في ذلك كلّه ؛ لأنّه ليس لأحد هؤلاء التبرّعُ بماله ولا بمنافعه إلّا بإذن السيّد.

وقال الشافعي : المكاتَب إذا التقط بغير إذن السيّد انتُزع من يده ، كالقِنّ ، وإن التقط بإذن السيّد جاء فيه الخلاف في تبرّعاته بالإذن ، لكنّ الظاهر عندهم المنع ؛ لأنّ حقّ الحضانة ولاية ، وليس المكاتَب أهلاً لها(١) .

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّ الحقّ لا يعدوهما.

وللشافعيّة وجهان في الـمُعتَق نصفه إذا التقط في يوم نفسه هل يستحقّ الكفالة؟(٢) .

مسألة ٤٠٨ : لا يجوز للكافر أن يلتقط الصبي المسلم ، سواء كان الكافر ذمّيّاً أو معاهداً أو حربيّاً ؛ لأنّه لا ولاية للكافر على المسلم ، قال الله تعالى :( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (٣) ولأنّه لا يؤمن أن يفتنه عن دينه ويُعلّمه الكفر ، بل الظاهر أنّه يُربّيه على دينه وينشأ على ذلك كولده ، فإن التقطه لم يُقرّ في يده.

أمّا لو كان الطفل محكوماً بكفره ، فإنّه يجوز للكافر التقاطه ؛ لقوله تعالى :( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) (٤) .

وللمسلم التقاط الطفل الكافر.

مسألة ٤٠٩ : الأقرب : اعتبار العدالة في الملتقِط ، فلو التقطه الفاسق‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٥.

(٢) حلية العلماء ٥ : ٥٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٥.

(٣) سورة النساء : ١٤١.

(٤) سورة الأنفال : ٧٣.

٣١٤

لم يُقر في يده ، وينتزعه الحاكم ؛ لأنّ الفاسق غير مؤتمنٍ شرعاً ، وهو ظالم ، فلا يجوز الركون إليه ؛ لقوله تعالى :( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ ) (١) ولا يؤمن أن يبيع الطفل أو يسترقّه ويدّعيه مملوكاً له بعد مدّةٍ ، ولا يؤمن سوء تربيته له ولا يوثق عليه ويخشى الفساد به ، وهو قول الشافعي(٢) أيضاً.

ويفارق اللّقطة - حيث أُقرّت في يد الفاسق عندنا وفي أحد قولَي الشافعي(٣) - من ثلاثة أوجُه :

الأوّل : إنّ في اللّقطة معنى التكسّب ، والفاسق من أهل التكسّب ، وهاهنا لا كسب ، بل هو مجرّد الولاية.

الثاني : إنّ في اللّقطة وجوب ردّها إليه لو انتزعناها منه بعد التعريف حولاً ونيّة التملّك ليتملّكها ، فلم ننتزعها منه واستظهرنا عليه في حفظها وإن كان الانتزاع أحوط ، وهنا لا يردّ اللقيط إليه ، فكان الانتزاع أحوط وأسهل.

الثالث : المقصود في اللّقطة حفظ المال ، ويمكن الاحتياط عليه بالاستظهار في التعريف ، أو بنصب الحاكم مَنْ يُعرّفها ، فيزول خوف الخيانة ، ولا يحتاج إلى أن ينتزعها الحاكم ، وهنا المقصود حفظ الحُرّيّة والنسب ، ولا سبيل إلى الاستظهار عليه ؛ لأنّه قد يدّعي رقّه في بعض البلدان وبعض الأحوال.

____________________

(١) سورة هود : ١١٣.

(٢) الحاوي الكبير ٨ : ٣٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٤٢ ، الوجيز ١ : ٢٥٤ ، الوسيط ٤ : ٣٠٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٧٠ ، البيان ٨ : ١٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٥ ، المغني ٦ : ٤١٣ ، الشرح الكبير ٦ : ٤٠٩.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٦٣ ، البيان ٧ : ٤٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤٢ و ٣٨١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٥٥.

٣١٥

وقيل : لا يشترط العدالة ، ولا ينتزع اللقيط من يد الفاسق ؛ لإمكان حفظه في يده بالإشهاد عليه ، ويأمر الحاكم أميناً يشارفه عليه كلّ وقتٍ ويتعهّده في كلّ زمانٍ ، ويشيع أمره فيعرف أنّه [ لقيط ](١) فينحفظ بذلك من غير زوال ولايته ؛ جمعاً بين الحقّين ، كما في اللّقطة(٢) .

مسألة ٤١٠ : مَنْ ظاهر حاله الأمانة إلّا أنّه لم يختبر حاله ، لا ينتزع من يده ؛ لأنّ ظاهر المسلم العدالة ، ولم يوجد ما يعارض هذا الظاهر ، ولأنّ حكمه حكم العَدْل في لقطة المال والولاية في النكاح وأكثر الأحكام ، لكن يوكل الإمام مَنْ يراقبه من حيث لا يدري لئلّا يتأذّى ، فإذا حصلت للحاكم الثقة به صار كمعلوم العدالة.

وقبل ذلك لو أراد السفر به ، مُنع وانتُزع منه ؛ لأنّه لا يؤمن أن يسترقّه وأن يكون إظهاره العدالة لمثل هذا الغرض الفاسد ، وهو أحد قولَي الشافعي ، والثاني له : إنّه يُقرّ في يده ويسافر به ؛ لأنّه يُقرّ في يده في الحضر من غير مشرفٍ يُضمّ إليه ، فكذا في السفر ، كالعَدْل ، ولأنّ الظاهر الستر والصيانة(٣) .

فأمّا مَنْ عُرفت عدالته وظهرت أمانته فيُقرّ اللقيط في يده في سفرٍ وحضرٍ ؛ لأنّه مأمون عليه إذا كان سفره لغير النقلة ، ولها وجهان.

مسألة ٤١١ : يعتبر في الملتقِط الرشد ، فلا يصحّ التقاط المبذِّر‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « لقطة ». والمثبت كما في المصدر.

(٢) المغني ٦ : ٤١٣ - ٤١٤ ، الشرح الكبير ٦ : ٤٠٩ - ٤١٠.

(٣) الوسيط ٤ : ٣٠٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٦ ، المغني ٦ : ٤١٤ ، الشرح الكبير ٦ : ٤١١ ، وفيها القول الأوّل فقط.

٣١٦

المحجور عليه ، فلو التقط لم يُقر في يده وانتُزع منه ؛ لأنّه ليس مؤتمناً عليه شرعاً وإن كان عَدْلاً.

ولا يشترط في الملتقِط الذكورة ، فإنّ الحضانة أليق بالإناث.

ولا يشترط كونه غنيّاً ؛ إذ ليست النفقة على الملتقط.

والفقير يساوي الغني في الحضانة.

وللشافعيّة وجهٌ آخَر ، وهو : إنّه لا يُقرّ في يد الفقير ؛ لأنّه لا يتفرّغ للحضانة ؛ لاشتغاله بطلب القوت(١) .

مسألة ٤١٢ : لو ازدحم على لقيطٍ اثنان ، فإن كان ازدحامهما عليه قبل أخذه وقال كلّ واحدٍ منهما : أنا آخذه وأحضنه ، جعله الحاكم في يد مَنْ رآه منهما أو من غيرهما ؛ لأنّه لا حقّ لهما قبل الأخذ.

وإن ازدحما بعد الأخذ بأن تناولاه تناولاً واحداً دفعةً واحدة ، فإن لم يكن أحدهما أهلاً للالتقاط مُنع منه ، وسلّم اللقيط إلى الآخَر ، كما لو كان أحدهما مسلماً حُرّاً عَدْلاً والآخَر يكون كافراً أو فاسقاً أو عبداً لم يأذن له مولاه ، أو مكاتَباً كذلك ، فإنّ المسلم العَدْل الحُرّ يُقرّ في يده ، ولا يشاركه الآخَر ، ولا اعتبار بمشاركته إيّاه في الالتقاط ؛ لأنّه لو التقطه وحده لم يُقرّ في يده ، فإذا شاركه مَنْ هو من أهل الالتقاط كان أولى.

وأمّا إن كان كلّ واحدٍ منهما أهلاً للالتقاط ، فإن سبق أحدهما إلى الالتقاط ، مُنع الآخَر من مزاحمته.

ولا يثبت السبق بالوقوف على رأسه من غير أخذٍ ، وهو أظهر وجهي‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٤٣ ، الوسيط ٤ : ٣٠٤ ، البيان ٨ : ١٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٦.

٣١٧

الشافعيّة ، والثاني : إنّه يثبت(١) .

وإن لم يسبق أحدهما ، فإن اختصّ أحدهما بوصفٍ يوجب تقدّمه قُدّم ، وكان أولى من الآخَر.

وإن تساويا من كلّ وجهٍ ، فإن سلّم أحدهما لصاحبه ورضي بإسقاط حقّه جاز ؛ لأنّ الحقّ له ، فلا يُمنع من الإيثار به ، وإن تشاحّا أُقرع بينهما - وبه قال الشافعي(٢) - لقوله تعالى :( وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ) (٣) .

ولأنّه أمر مشكل ؛ لعدم إمكان الجمع بينهما ، وعدم أولويّة أحدهما ، وكلّ مشكلٍ ففيه القرعة بالنصّ عن أهل البيتعليهم‌السلام (٤) .

ولأنّه لا يمكن أن يُخرج عن أيديهما ؛ لاشتماله على إبطال حقّهما الثابت لهما بالالتقاط ، أو يُترك في أيديهما إمّا جمعاً ، والاجتماع على الحضانة مشقٌّ أو متعذّر ، ولا يمكن أن يكون عندهما في حالةٍ واحدة ، وإمّا بالمهايأة ، وهو يشتمل على الإضرار باللقيط ؛ لما في تبدّل الأيدي من قطع الأُلفة واختلاف الأغذية والأخلاق ، أو يختصّ به أحدهما لا بالقرعة ، ولا سبيل إليه ؛ لتساويهما ، فلم يبق مخلص إلّا القرعة ، كالزوج يسافر بإحدى زوجاته بالقرعة.

____________________

(١) الوسيط ٤ : ٣٠٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨٢ - ٣٨٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٦.

(٢) الحاوي الكبير ٨ : ٣٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٤٣ ، الوجيز ١ : ٢٥٤ ، الوسيط ٤ : ٣٠٥ ، حلية العلماء ٥ : ٥٥٥ ، البيان ٨ : ١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٧.

(٣) سورة آل عمران : ٤٤.

(٤) الفقيه ٣ : ٥٢ / ١٧٤ ، التهذيب ٦ : ٢٤٠ / ٥٩٣.

٣١٨

وقال بعض الشافعيّة : يرجّح أحدهما باجتهاد القاضي ، فمَن رآه خيراً للّقيط أقرّه في يده(١) .

وهو غلط ؛ لأنّه قد يستوي الشخصان في اجتهاد القاضي ولا سبيل إلى التوقّف ، فلا بدّ من مرجوعٍ إليه ، وليس سوى القرعة.

وقال بعض الشافعيّة : يخيّر الصبي في الانضمام إلى مَنْ شاء منهما(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّه قد لا يكون مميّزاً بحيث يفوّض إليه التخيير ، ولو كان مميّزاً فإنّه لا يخيّر ، كما يخيّر الصبي بين الأبوين عند بلوغه سنّ التمييز - عندهم(٣) - لأنّه هناك يعوّل على الميل الناشئ من الولادة ، وهذا المعنى معدوم في اللقيط.

مسألة ٤١٣ : هذا إذا تساويا في الصفات ، فإن ترجّح أحد الملتقطين بوصفٍ يوجب تخصيصه به دون الآخَر وكانا معاً ممّن يثبت لهما جواز الالتقاط ، أُقرّ في يده ، وانتُزع من يد الآخَر.

والصفات المرجّحة أربعة :

أ : الغنى ، فلو كان أحدهما غنيّاً والآخَر فقيراً ، فللشافعيّة وجهان :

أحدهما : إنّهما يتساويان - وهو قول بعض علمائنا(٤) - لأنّ الفقير أهل للالتقاط ، كالغني.

وأظهرهما عند الشافعيّة : أولويّة الغني ؛ لأنّه ربما يواسيه بمالٍ وينفعه في كثيرٍ من الأوقات ويؤاكله أحياناً ، ولأنّ الفقير قد يشتغل بطلب القوت‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٤٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٤٣ ، حلية العلماء ٥ : ٥٥٦ ، البيان ٨ : ١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٧.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨٤.

(٤) لم نتحقّقه.

٣١٩

عن الحضانة(١) .

فإن رجّحنا الغني على الفقير وكانا معاً غنيّين إلّا أنّ أحدهما أكثر غنىً من الآخَر ، فللشافعيّة وجهان في تقديم أكثرهما مالاً(٢) .

ب : أن يكون أحدهما بلديّاً والآخَر قرويّاً ، أو كان أحدهما بلديّاً أو قرويّاً والآخَر بدويّاً ، تساويا عند بعض علمائنا(٣) ، ورجّح البلديّ على القرويّ ، والقرويّ على البدويّ ؛ لما فيه من حفظ نسبه وإمكان وصول قريبه إليه.

وللشافعيّة وجهان(٤) .

ج : مَنْ ظهرت عدالته بالاختبار يُقدّم على المستور على خلافٍ بين علمائنا.

وللشافعيّة وجهان :

أحسنهما : إنّه يقدّم احتياطاً للصبي.

والثاني : يستويان ؛ لأنّ المستور لا يسلّم ثبوت المزيّة للآخَر ويقول : لا أترك حقّي بجهلكم بحالي(٥) .

د : الحُرّ أولى من العبد والمكاتَب وإن كان التقاطه بإذن السيّد ؛ لأنّه في نفسه ناقص ، وليست يدُ المكاتَب يدَ السيّد.

مسألة ٤١٤ : لا تُقدّم المرأة على الرجل ؛ لأنّ المرأة وإن كانت

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٦.

(٣) لم نتحقّقه.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨٧ - ٣٨٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٧ - ٤٨٨.

(٥) الوسيط ٤ : ٣٠٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨٦.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466