تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

تذكرة الفقهاء12%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 978-964-319-530-4
الصفحات: 466

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156727 / تحميل: 5501
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٩٦٤-٣١٩-٥٣٠-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

الفصل الثالث: مظاهر من شخصية الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام

لقد كان الإمام أبو محمد الحسن العسكريعليه‌السلام في معالي أخلاقه نفحة من نفحات الرسالة الإسلامية فقد كان على جانب عظيم من سموّ الأخلاق، يقابل الصديق والعدو بمكارم أخلاقه ومعالي صفاته، وكانت هذه الظاهرة من أبرز مكوناته النفسية، ورثها عن آبائه وجده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي وسع الناس جميعاً بمكارم أخلاقه، وقد أثّرت مكارم أخلاقه على أعدائه والحاقدين عليه، فانقلبوا من بغضه إلى حبه والإخلاص له.(١)

ونقل المؤرخون أنّ المتوكل الذي عرف بشدّة عدائه لأهل البيتعليهم‌السلام ، وحقده على الإمام عليعليه‌السلام ، أمر بسجن الإمام العسكريعليه‌السلام والتشديد عليه إلاّ أنّه لمّا حلّ في الحبس ورأى صاحب الحبس سمو أخلاق الإمامعليه‌السلام وعظيم هديه وصلاحه انقلب رأساً على عقب، فكان لا يرفع بصره إلى الإمامعليه‌السلام إجلالاً وتعظيماً له، ولمّا خرج الإمام من عنده كان أحسن الناس بصيرة، وأحسنهم قولاً فيه.(٢)

ــــــــــــ

(١) حياة الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام : ٤٢.

(٢) أصول الكافي: ١/٥٠٨ ح ٨ وعنه في الإرشاد: ٢/٣٢٩، ٣٣٠ وفي أعلام الورى: ٢/١٥٠ وعن الإرشاد في كشف الغمة: ٣/٢٠٢.

٢١

سماحته وكرمه

نقل المؤرخون نماذج من السيرة الكريمة للإمام العسكري عليه‌السلام نذكر بعضاً منها:

١ ـ روى الشيخ المفيد عن محمد بن علي بن إبراهيم بن موسى بن جعفر عليه‌السلام : قال: ضاق بنا الأمر فقال لي أبي: امض بنا حتى نصير إلى هذا الرجل ـ يعني أبا محمد ـ فإنه قد وصف عنه سماحة.

فقلت: تعرفه ؟

قال: ما أعرفه، ولا رأيته قط.

قال: فقصدناه.

فقال لي أبي وهو في طريقه: ما أحوجنا إلى أن يأمر لنا بخمس مئة درهم مئتا درهم للكسوة ومئتا درهم للدقيق، ومئة درهم للنفقة.

وقلت في نفسي ليته أمر لي بثلاث مائة درهم، مائة اشتري بها حماراً ومائة للنفقة ومائة للكسوة، فأخرج إلى الجبل.

قال ـ أي محمد بن علي ـ فلما وافينا الباب خرج غلامه، فقال:يدخل علي بن إبراهيم ومحمد ابنه ، فلما دخلنا عليه وسلمنا، قال لأبي: ياعلي ما أخلفك عنا إلى هذا الوقت ، فقال: ياسيدي: استحييت أن ألقاك على هذا الحال، فلما خرجنا من عنده جاءنا غلامه فناول أبي صرة، وقال: هذه خمسمئة درهم، مئتان لِلكسوة، ومئتان للدقيق، ومئة للنفقة . وأعطاني صرة وقال: هذه ثلاثمئة درهم اجعل مئة في ثمن حمار، ومئة للكسوة، ومئة للنفقة، ولا تخرج إلى الجبل، وصر إلى

٢٢

قال: فصار إلى سوار وتزوج بامرأة منها فدخله اليوم ألف دينار ومع هذا يقول بالوقف.(١)

٢ ـ وروى إسحاق بن محمد النخعي قال: حدثني أبو هاشم الجعفري قال: شكوت إلى أبي محمدعليه‌السلام ضيق الحبس وكلب القيد(٢) ، فكتب إلي:(أنت تصلي اليوم الظهر في منزلك) ، فأخرجت وقت الظهر فصليت في منزلي كما قال، وكنت مضيقاً فأردت أن أطلب منه معونة في الكتاب الذي كتبته إليه فاستحييت، فلما صرت إلى منزلي وجّه إليّ بمئة دينار، وكتب إليّ:إذا كانت لك حاجة، فلا تستحِ ولا تحتشم واطلبها فإنك على ما تحب إن شاء الله .(٣)

٣ ـ وعن إسماعيل بن محمد بن علي بن إسماعيل بن علي بن عبد الله بن العباس قال: قعدت لأبي محمدعليه‌السلام على ظهر الطريق، فلما مرَّ بي شكوت إليه الحاجة وحلفت له أن ليس عندي درهم واحد، فما فوقه، ولا غذاء ولا عشاء قال: فقالعليه‌السلام :تحلف بالله كاذباً وقد دفنت مئتي دينار ؟! وليس قولي هذا دفعاً لك عن العطية، أعطه ياغلام ما معك ، فأعطاني غلامه مئة دينار ثم أقبل عليّ فقال:إنك تحرم الدنانير التي دفنتها أحوج ما تكون إليها ، وصدقعليه‌السلام ، وذلك أني أنفقت ما وصلني به، واضطررت ضرورة شديدة إلى شيء أنفقه، وانغلقت عليّ أبواب الرزق، فنبشت الدنانير التي كنت دفنتها فلم أجدها فإذا ابن لي قد عرف موضعها فأخذها وهرب، فما قدرت منها على شيء.(٤)

ــــــــــــ

(١) أصول الكافي: ١/٥٠٦ ح ٣ ب ١٢٤ وعنه في الإرشاد: ٢ / ٣٢٦، ٣٢٧ وعنه في كشف الغمة: ٣ / ٢٠٠.

(٢) كلب القيد: شدته وضيقه.

(٣) أصول الكافي: ١/٥٠٨ ح ١٠ وعنه في الإرشاد: ٢/٣٣٠ وفي إعلام الورى: ٢/١٤٠ وعن الإرشاد في كشف الغمة: ٣/٢٠٢.

(٤) أصول الكافي: ١/٥٠٩ ح ١٤ وعنه في الإرشاد: ٢/٣٢٢ وإعلام الورى: ٢/١٣٧ وعن الإرشاد في كشف الغمة: ٣/٢٠٣، ولعلّه كان من المغضوب عليهم لدى بني العباس ولذلك لم يكفوه.

٢٣

زهده وعبادته

عُرف الإمام العسكريعليه‌السلام في عصره بكثرة عبادته وتبتّله وانقطاعه إلى الله سبحانه واشتهر ذلك بين الخاصة والعامة، حتى أنّه حينما حبس الإمامعليه‌السلام في سجن علي بن نارمش ـ وهو من أشد الناس نصباً لآل أبي طالب ـ ما كان من علي هذا إلاّ أن وضع خديه له وكان لا يرفع بصره إليه إجلالاً وإعظاماً فخرج من عنده وهو أحسن الناس بصيرة وأحسن الناس قولاً فيه.(١)

ولما حبسه المعتمد كان يسأل السجّان ـ علي بن جرين ـ عن أحوال الإمامعليه‌السلام وأخباره في كل وقت فيخبره علي بن جرين أنّ الإمامعليه‌السلام يصوم النهار ويصلي الليل.(٢)

عن علي بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمّد عن عليّ بن عبدالغفّار قال: دخل العبّاسيّون على صالح بن وصيف ودخل صالح بن عليّ وغيره من المنحرفين عن هذه الناحية على صالح بن وصيف عندما حبس أبا محمّدعليهما‌السلام .

فقال لهم صالح: وما أصنع قد وكّلت به رجلين من أشرّ من قدرت عليه، فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام إلى أمر عظيم، فقلت لهما: ما فيه؟ فقالا: ما تقول في رجل يصوم النهار ويقوم اللّيل كلّه، لا يتكلّم ولا يتشاغل وإذا نظرنا إليه ارتعدت فرائصنا ويداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا، فلمّا سمعوا ذلك

ــــــــــــ

(١) الكافي: ١ / ٥٠٨ ح ٨.

(٢) مهج الدعوات: ٢٧٥.

٢٤

انصرفوا خائبين(١) .

عن محمّد بن إسماعيل العلوي قال: دخل العبّاسيّون على صالح بن وصيف عندما حُبس أبو محمّد فقالوا له: ضيّق عليه، قال: وكّلت به رجلين من شرّ من قدرت عليه عليّ بن بارمش واقتامش، فقد صارا من العبادة والصّلاح إلى أمر عظيم يضعان خدّيهما له، ثم أمر بإحضارهما فقال: ويحكما ما شأنكما في شأن هذا الرجل؟ فقالا: ما تقول في رجل يقوم اللّيل كلّه ويصوم النّهار ولا يتكلّم ولا يتشاغل بغير العبادة، فإذا نظرنا إليه ارتعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا(٢) .

وكان يتسوّر عليه الدار جلاوزة السلطان في جوف الليل فيجدونه في وسط بيته يناجي ربّه سبحانه.

إنّ سلامة الصلة بالله سبحانه وما ظهر على يدي الإمام من معاجز وكرامات تشير إلى المنزلة العالية والشأن العظيم للإمامعليه‌السلام عند الله الذي اصطفاه لعهده والذي تجلّى في إمامته عليه‌السلام . (٣)

علمه ودلائل إمامته

وإليك شذرات من علوم الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام ودلائل إمامته:

١ ـ عن أبي حمزة نصر الخادم قال: سمعت أبا محمدعليه‌السلام غير مرة يكلّم غلمانه بلغاتهم، وفيهم ترك، وروم وصقالبة، فتعجّبت من ذلك وقلت: هذا ولد بالمدينة ولم يظهر لأحد حتى مضى أبو الحسن ـ أي الإمام

ــــــــــــ

(١) الكافي: ١/٥١٣.

(٢) المناقب: ٢/٤٦٢.

(٣) إشارة إلى قوله تعالى( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) . البقرة(٢): ١٢٤.

٢٥

الهاديعليه‌السلام ـ ولا رآه أحد فكيف هذا ؟! أُحدّث نفسي بذلك فأقبل عليَّ وقال:إنّ الله جلّ اسمه بيّنَ حجته من ساير خلقه وأعطاه معرفة بكل شيء ويعطيه اللغات ومعرفة الأسباب والآجال والحوادث: ولولا ذلك لم يكن بين الحجة والمحجوج فرق (١) .

٢ ـ وقال الحسن بن ظريف: اختلج في صدري مسألتان أردت الكتاب بهما إلى أبي محمدعليه‌السلام ، فكتبت إليه أسأله عن القائم إذا قام بم يقضي ؟ وأين مجلسه الذي يقضي فيه بين الناس ؟ وأردت أن أسأله عن شيء لحُمّى الربع، فأغفلت ذكر الحُمّى، فجاء بالجواب:

سألتَ عن القائم إذا قام قضى بين الناس بعلمه كقضاء داود عليه‌السلام ولا يسأل البينة، وكنت أردت أن تسأل عن حمّى الرُّبع، فأنسيت فاكتب ورقة وعلّقها على المحموم فإنّه يبرأ بإذن الله إن شاء الله: ( يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) . فكتبت ذلك وعلّقته على المحموم فبرئ وأفاق.(٢)

٣ ـ وروى الشيخ المفيد عن أبي القاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن جعفر، قال: كتب أبو محمدعليه‌السلام إلى أبي القاسم إسحاق بن جعفر الزبيري قبل موت المعتز بنحو عشرين يوماً:إلزم بيتك حتى يحدث الحادث ، فلما قُتل بريحة كتب إليه قد حدث الحادث، فما تأمرني ؟ فكتب إليه:ليس هذا الحادث، الحادث الآخر . فكان من المعتز ما كان.(٣)

ــــــــــــ

(١) أصول الكافي: ١/٥٠٩ ح ١١ وعنه في الإرشاد: ٢/٣٣٠ وإعلام الورى: ٢/١٤٥ وعن الإرشاد في كشف الغمة: ٣/٢٠٢.

(٢) أصول الكافي: ١/٥٠٩ ح ١٣ وعنه في الإرشاد: ٢/٣٣١ وإعلام الورى: ٢/١٤٥ وعن الإرشاد في كشف الغمة: ٣/٢٠٣ وحُمّى الرّبع: هو أن يأخذ يوماً ويترك يومين ويعود في اليوم الرابع، والآية من سورة الأنبياء: ٦٩.

(٣) أصول الكافي: ١/٥٠٦ ح ٢ وعنه في الإرشاد: ٢/٣٢٥ وعنه في كشف الغمة: ٣/٢٠٠ وابن «تريخة».كذا في النسخ وفي المصدر «بريحة» وقال الطريحي في المجمع «بريمة» هو: عبدالله بن محمد بن داود الهاشمي العباسي الناصبي من ندماء المتوكل وقتله اثنان من الحسنيين بالكوفة قبل المعتز بأيام كما في الطبري: ٩/٣٨٨ وعنه في الكامل: ٧/٥٦، وجاء في هامش الإرشاد: ٢/٣٢٥ بهامش بريحة وابن اُترجة

٢٦

أي أن الإمامعليه‌السلام ، أشار إلى موت المعتز، فطلب من مواليه أن يلتزموا بالبقاء في بيوتهم حتى ذلك الوقت لظروف خاصة كانت تحيط بالإمامعليه‌السلام وبهم من الشدة وطلب السلطان وجلاوزته لهم.

ومن الطبيعي أن موت الخليفة يعقبه غالباً اضطراب في الوضع يمكّن معارضيه من التحرك والتنقل بسهولة.

٤ ـ وروى الشيخ الكلينيرضي‌الله‌عنه عن علي بن محمد عن الحسن بن الحسين قال: حدثني محمد بن الحسن المكفوف قال: حدثني بعض أصحابنا عن بعض فصّادي العسكر ـ أي سامراء ـ من النصارى: أن أبا محمدعليه‌السلام بعث إلي يوماً في وقت صلاة الظهر فقال لي:

إفصد (١) هذا العرق ، قال: وناولني عرقاً لم أفهمه من العروق التي تفصد فقلت في نفسي، ما رأيت أمراً أعجب من هذا يأمرني أن أفصد في وقت وليس بوقت فصد، والثانية عرق لا أفهمه، ثم قال لي:انتظر وكن في الدار ، فلما أمسى دعاني فقال لي:سرّح الدم فسرّحت، ثم قال لي:أمسك فأمسكت، ثم قال لي:كن في الدار ، فلما كان نصف الليل أرسل إلي وقال لي:سرّح الدم ، قال: فتعجبت أكثر من عجبي الأول وكرهت أن أسأله: قال: فسرحت فخرج دم أبيض كأنه الملح: قال: ثم قال لي:احبس ، فحبست. ثم قال:كن في الدار (٢) ، فلما أصبحت قدم إلي تخت ثياب وخمسين ديناراً وقال:خذها واعذر وانصرف فصرت إلى بختيشوع وقلت له القصة ففكر ساعة ثم مكثنا ثلاثة أيام بلياليها

ــــــــــــ

(١) الفصد: شق العرق، يستخرج دمه ; لسان العرب، ابن منظور: ١٠ / ٢٧٠، طبع بيروت، إحياء التراث.

(٢) الكافي: ١ / ٥١٢.

٢٧

نقرأ الكتب على أن نجد لهذه القصة ذكراً في العالم فلم نجد.

ثم قال بختيشوع: لم يبق اليوم في النصرانية أعلم بالطب من راهب بدير العاقول، فكتب إليه كتاباً يذكر فيه ما جرى، فخرجت وناديته فأشرف عليّ فقال من أنت ؟ قلت صاحب بختيشوع. قال: أمعك كتابه ؟ قلت: نعم فأرخى لي زنبيلاً، فجعلت الكتاب فيه فرفعه فقرأ الكتاب ونزل من ساعته وقال: أنت الذي فصدت الرجل ؟ قلت: نعم، قال: طوبى لأمك، وركب بغلاً، وسرنا، فوافينا(سرّ من رأى) وقد بقي من الليل ثلثه، قلت: أين تحب ؟ دار أستاذنا أم دار الرجل ـ أي دار الإمام الحسن العسكري ـ ؟ قال: دار الرجل، فصرنا إلى بابه قبل الأذان الأول ففتح الباب وخرج إلينا خادم أسود وقال: أيكما راهب دير العاقول ؟ فقال: أنا جعلت فداك، فقال انزل، وقال لي الخادم: احتفظ بالبغلين، وأخذ بيده ودخلا فأقمت إلى أن أصبحنا وارتفع النهار ثم خرج الراهب، وقد رمى بثياب الرهبانية ولبس ثياباً بيضاً وأسلم فقال: خذني الآن إلى دار أستاذك، فصرنا إلى باب بختيشوع، فلما رآه بادر يعدو إليه ثم قال، ما الذي أزالك عن دينك ؟

قال: وجدت المسيح وأسلمت على يده، قال: وجدت المسيح ؟! قال: أو نظيره، فإن هذه الفصدة لم يفعلها في العالم إلاّ المسيح وهذا نظيره في آياته وبراهينه، ثم انصرف إليه ولزم خدمته إلى أن مات.(١)

٥ ـ وعن أبي علي المطهري أنه كتب إليه من القادسية يعلمه بانصراف الناس عن المضي إلى الحج وأنه يخاف العطش إن مضى، فكتبعليه‌السلام :امضوا فلا خوف عليكم إن شاء الله ، فمضوا سالمين(ولم يجدوا عطشاً)(٢) والحمد لله رب العالمين.

ــــــــــــ

(١) الخرائج والجرايح: ١ / ٤٢٢. وبحار الأنوار: ٥ / ٢٦٢.

(٢) الكافي: ١/٥٠٧، والمناقب: ٢/٤٦٤.

٢٨

الباب الثاني

فيه فصول:

الفصل الأول: نشأة الإمام الحسن بن علي العسكريعليه‌السلام .

الفصل الثاني: مراحل حياة الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام .

الفصل الثالث: الإمام الحسن العسكري في ظلّ أبيهعليهما‌السلام .

الفصل الأول: نشأة الإمام الحسن بن علي العسكريعليه‌السلام

نسبه الشريف

هو الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام .

وهو الإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيتعليهم‌السلام (١) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

وأمه أم ولد يقال لها: حديث. أو سليل، وكانت من العارفات الصالحات.(٢) وذكر سبط بن الجوزي: أن اسمها سوسن. (٣)

محل الولادة وتأريخها

ولد الإمام أبو محمد الحسن العسكريعليه‌السلام ـ كما عليه أكثر المؤرخين ـ في شهر ربيع الآخر سنة(٢٣٢هـ) من الهجرة النبوية المشرفة في المدينة المنورة.

ــــــــــــ

(١) أصول الكافي: ١ / ٥٠٣.

(٢) الإرشاد: ١ / ٣١٣.

(٣) تذكرة الخواص: ٣٢٤.

٢٩

ويلاحظ هنا اختلاف المؤرخين والرواة في تاريخ ميلاده الشريف من حيث اليوم والشهر والسنة التي ولد فيها.

فمنهم من قال أنّ ولادته كانت سنة(٢٣٠هـ)(١) وقال آخرون إنها كانت سنة(٢٣١ هـ )(٢) أو سنة(٢٣٢هـ)(٣) أو سنة(٢٣٣هـ)(٤) .

وروي أنها كانت في السادس من ربيع الأوّل أو السادس أو الثامن أو العاشر من ربيع الآخر أو في رمضان(٥) .

ولا نرى غرابة في هذا الاختلاف، فربما يعزى إلى إجراءات كان الإمام الهاديعليه‌السلام يقوم بها من أجل المحافظة على حياة الإمام العسكري عليه‌السلام أو يكون لغير هذا من أسباب تعزى إلى ملابسات تأريخية خاصة.

ألقابهعليه‌السلام وكناه

أطلق على الإمامين علي بن محمد والحسن بن عليعليهما‌السلام (العسكريّان) لأنّ المحلة التي كان يسكنها هذان الإمامان ـ في سامراء ـ كانت تسمى عسكر(٦) .

و(العسكري) هو اللقب الذي اشتهر به الإمام الحسن بن عليعليه‌السلام . وله ألقاب أخرى، نقلها لنا المحدّثون، والرواة، وأهل السير وهي: الرفيق، الزكي، الفاضل، الخالص، الأمين، والأمين على سرّ الله، النقي، المرشد إلى

ــــــــــــ

(١) المنتظم في تاريخ الأمم والملوك: ٧ / ١٢٦.

(٢) تذكرة الخواص: ٣٢٤، وكشف الغمة: ٣/ ١٩٢ عن ابن طلحة الشافعي في مطالب السؤول.

(٣) وفيات الأعيان: ٢ / ٩٤.

(٤) دلائل الإمامة: ٢٢٣.

(٥) راجع حياة الإمام العسكري(دراسة تحليلية تاريخية علمية): ٥٨ ـ ٥٩.

(٦) بحار الأنوار: ٥٠ / ٢٣٥.

٣٠

الله، الناطق عن الله، الصادق، الصامت، الميمون، الطاهر، المؤمن بالله، وليّ الله، خزانة الوصيين، الفقيه، الرجل، العالم(١) .

وكل منها له دلالته الخاصّة على مظهر من مظاهر شخصيته وكمال من كمالاته.

وكان يكنّى بابن الرضا. كأبيه وجدّه، وكنيته التي اختص بها هي:(أبو محمد).

ملامحه

وصف أحمد بن عبيد الله بن خاقان ملامح الإمام الحسن العسكري بقوله: إنه أسمر، أعين(٢) ، حسن القامة، جميل الوجه، جيد البدن، له جلالة وهيبة(٣) . وقيل: إنّه كان بين السمرة والبياض(٤) .

النشأة وظروفها

نشأ الإمام أبو محمدعليه‌السلام في بيت الهداية ومركز الإمامة الكُبرى، ذلك البيت الرفيع الذي أذهب الله عن أهله الرجس وطهّرهم تطهيراً. وقد وصف الشبراوي هذا البيت الذي ترعرع فيه هذا الإمام العظيم قائلاً:

ــــــــــــ

(١) كمال الدين: ١ / ٣٠٧، إثبات الهداة: ١ / ٦٥١، ٥٤٤، ٤٦٩، الشيعة والرجعة: ١ / ٨٨.

وحياة الإمام العسكري: ٢٣ ـ ٢٨(للشيخ محمد جواد الطبسي. والألقاب الثلاثة الأخيرة هي الألقاب التي وردت في الكتب الرجالية باعتبار ورودها في أسانيد الروايات والتي كانت تلاحظ فيها ظروف النقل والرواية.

(٢) الأعين: الواسع العين.

(٣) أصول الكافي: ١/٥٠٣ ح ١ وعنه في الإرشاد: ٢/٣٢١، وفي كمال الدين: ١/٤٠ بطريق آخر، وعن الكليني أو المفيد في إعلام الورى: ٢/١٤٧، وعن الإرشاد في كشف الغمة: ٣/١٩٧، وعن كمال الدين والإرشاد والإعلام في بحار الأنوار: ٣٢٦ ـ ٣٣٠.

(٤) بحار الأنوار: ٥٠ / ٣٢٨ وأخبار الدول: ١١٧.

٣١

فللّه درّ هذا البيت الشريف، والنسب الخضم المنيف، وناهيك به من فخار، وحسبُك فيه من علوّ مقدار، فهم جميعاً في كرم الأرومة وطِيب الجرثومة كأسنان المشط; متعادلون، ولسهام المجد مقتسمون، فياله من بيت عالي الرتبة سامي المحلة، فلقد طاول السماء عُلاً ونُبلاً، وسما على الفرقدين منزلةً ومحلاًّ، واستغرق صفات الكمال فلا يستثنى فيه بـ «غير» ولا بـ «إلاّ»، انتظم في المجد هؤلاء الأئمة انتظام اللآلي، وتناسقوا في الشرف فاستوى الأوّل والتالي، وكم اجتهد قوم في خفض منارهم، والله يرفعه، وركبوا الصعب والذلول في تشتيت شملهم والله يجمعه، وكم ضيّعوا من حقوقهم ما لا يهمله الله ولا يضيّعه»(١) .

لقد ظفر الإمام أبو محمد بأسمى صور التربية الرفيعة وهو يترعرع في بيت زكّاه الله وأعلى ذكره ورفع شأنه حيث ( يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ... ) (٢) ، ذلك البيت الذي رفع كلمة الله لتكون هي العليا في الأرض وقدّم القرابين الغالية في سبيل رسالة الله.

وقطع الإمام الزكي شوطاً من حياته مع أبيه الإمام الهاديعليه‌السلام لم يفارقه في حلّه وترحاله، وكان يرى فيه صورة صادقة لمُثل جدّه الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما كان يرى فيه أبوه أنّه امتداد الرسالة والإمامة فكان يوليه أكبر اهتمامه، ولقد أشاد الإمام الهاديعليه‌السلام بفضل ابنه الحسن العسكري قائلاً:«أبو محمد ابني أصحّ آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غريزةً وأوثقهم حجة. وهو الأكبر من ولدي وهو الخلف وإليه تنتهي عرى الإمامة وأحكامها» (٣) ، والإمام الهادي بعيد عن

ــــــــــــ

(١) حياة الإمام الحسن العسكري(دراسة وتحليل): ١٠٣ عن الإتحاف بحبّ الأشراف: ٦٨.

(٢) النور(٢٤): ٣٧.

(٣) أصول الكافي: ١/٣٢٧ ح ١١ وعنه في الإرشاد: ٢/٣١٩ وإعلام الورى: ٢/١٣٥ وعن الإرشاد في كشف الغمة: ٣/١٩٦، وعن بعضها في أعيان الشيعة ٤ ق ٣: ٢٩٥ وعنه في حياة الإمام الحسن العسكري: ٢٣.

٣٢

المحاباة والاندفاع العاطفي مثله في ذلك آبائه المعصومين.

وقد لازم الإمام أبو محمدعليه‌السلام أباه طيلة عقدين من الزمن وهو يشاهد كل ما يجري عليه وعلى شيعته من صنوف الظلم والاعتداء. وانتقل الإمام العسكريعليه‌السلام مع والده إلى سرَّ من رأى(سامراء) حينما وُشي بالإمام الهاديعليه‌السلام عند المتوكل حيث كتب إليه عبد الله بن محمد بن داود الهاشمي: «يذكر أن قوماً يقولون إنه الإمام ـ أي علي الهاديعليه‌السلام ـ فأشخصه عن المدينة مع يحيى بن هرثمة حتى صار إلى بغداد، فلما كان بموضع يقال له الياسرية نزل هناك، وركب إسحاق بن إبراهيم لتلقّيه، فرأى تشوّق الناس إليه واجتماعهم لرؤيته، فأقام إلى الليل، ودخل به في الليل، فأقام ببغداد بعض تلك الليلة ثم نفذ إلى سرَّ من رأى»(١) .

ولقد أسرف المتوكّل العباسي في الجور والاعتداء على الإمام علي بن محمد الهاديعليه‌السلام ففرض عليه الإقامة الجبرية في سامرّاء وأحاط داره بالشرطة تحصي عليه أنفاسه وتمنع العلماء والفقهاء وشيعته من الاتصال به، وقد ضيّق المتوكّل على الإمام في شؤونه الاقتصادية أيضاً، وكان يأمر بتفتيش داره بين حين وآخر، وحمله إليه بالكيفية التي هو فيها.

وكان من شدّة عداء المتوكّل لأهل البيتعليهم‌السلام أن منع رسميًّا من زيارة قبر الإمام الحسين بن عليعليهما‌السلام بكربلاء، وأمر بهدم القبر الشريف الذي كان مركزاً من مراكز الإشعاع الثوري في أرض الإسلام.

وكانت كل هذه الظروف المريرة هي الظروف التي عاشها الإمام الزكي أبو محمد العسكريعليه‌السلام وهو في نضارة العمر وغضارة الشباب فكَوَتْ

ــــــــــــ

(١) تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٤٨٤.

٣٣

نفسه آلاماً وأحزاناً وقد عاش تلك الفترة في ظل أبيه وهو مروّع فذابت نفسه أسىً وتقطّعت ألماً وحسرة(١) .

وكان استشهاد والده(سنة ٢٥٤هـ) وتقلّد الإمامة بعده وكانت فترة إمامته أقصر فترة قضاها إمام من أئمة أهل البيت الأطهار وهم أصح الناس أبداناً وسلامة نفسيّة وجسديّة. قد استشهد وهو بعد لمّا يكمل العقد الثالث من عمره الشريف، إذ كان استشهاده في سنة(٢٦٠هـ)(٢) فتكون مدة إمامتهعليه‌السلام ست سنين. وهذه المدة القصيرة تعكس لنا مدى رعب حكّام الدولة العباسية منه ومن دوره الفاعل في الأمة لذا عاجلوه بعد السجن والتضييق بدس السم له وهو لم يزل شاباً في الثامنة أو التاسعة والعشرين من عمره الميمون.(٣)

ولا بد من الإشارة إلى أنّ المنقول التاريخي عن الإمام العسكريعليه‌السلام في ظل حياة والده الإمام علي الهاديعليه‌السلام ومواقفهما لا يتعدى الولادة والوفاة والنسب الشريف وحوادث ومواقف يسيرة لا تتناسب ودور الإمامعليه‌السلام الذي كان يتمثل في حفظ الشريعة والعمل على إبعاد الأمة عن الانحراف ومواجهة التحديات التي كانت تواجهها من قبل أعداء الإسلام.

غير أن مجموعة من الروايات التي نقلها لنا بعض المحدثين تشير إلى أمور مهمّة من حياة الإمام العسكريعليه‌السلام ، وقد أشار الإمام العسكري نفسه إلى صعوبة ظرفه بقولهعليه‌السلام :«ما مُنيَ أحد من آبائي بمثل ما مُنيتُ به من شك هذه العصابة فيّ» .(٤)

ــــــــــــ

(١) حياة الإمام الحسن العسكري: ٢٤.

(٢) الإرشاد: ٢ / ٣١٥، وعنه في بحار الأنوار: ٥٠ / ٢٣٦.

(٣) مناقب آل أبي طالب: ٤ / ٤٢٢.

(٤) تحف العقول: ٥١٧.

٣٤

وهذا شاهد آخر على حراجة الظروف السياسية والاجتماعية التي كانت تحيط بالإمامين العسكريين علي بن محمد والحسن بن عليعليهما‌السلام والتي كانت تحتم إبعاد الإمام العسكري من الأضواء والاتصال بالعامة إلاّ في حدود يسمح الظرف بها أو تفرضها ضرورة بيان منزلته وإمامته وعلو مكانته وإتمام الحجة به على الخواص والثقاة من أصحابه، كل ذلك من أجل الحفاظ على حياته من طواغيت بني العباس.

وإن ما ورد منه في وفاة أخيه محمد يعدّ مؤشراً آخر يضاف إلى قول الإمامعليه‌السلام ويدل على صعوبة الظرف الذي كان يعيشه الإمامان وحالة الاستعداء التي كانت تفرضها السلطة عليهما، فعند وفاة محمد بن علي الهاديعليه‌السلام ـ كما يروي الكليني عن سعد بن عبد الله عن جماعة من بني هاشم منهم الحسن بن الحسين الأفطس ـ حيث قال: «إنهم حضروا يوم توفي محمد بن علي بن محمد دار أبي الحسنعليه‌السلام وقد بسط في صحن داره والناس جلوس حوله فقالوا: قدّرنا أن يكون حوله من آل أبي طالب ومن بني العباس وقريش مئة وخمسون رجلاً سوى مواليه وسائر الناس إذ نظرنا إلى الحسن بن عليعليه‌السلام قد جاء مشقوق الجيب حتى قام عن يمينه ونحن لا نعرفه فنظر إليه أبو الحسنعليه‌السلام بعد ساعة من قيامه ثم قال له:«يابني أحدث لله شكراً فقد أحدث فيك أمراً» .

فبكى الحسنعليه‌السلام واسترجع وقال:«الحمد لله رب العالمين، وإيّاه أسأل تمام نعمه لنا فيك وإنا لله وإنا إليه راجعون» .

فسألنا عنه فقيل لنا: هذا الحسن إبنه وقدّرنا له في ذلك الوقت عشرين

٣٥

سنة أو أرجح فيومئذ عرفناه وعلمنا أنه قد أشار إليه بالإمامة وأقامه مقامه»(١) .

ونلاحظ أن سؤال جماعة عن الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام وفي هذه المناسبة الأليمة التي حضرها أعيان الناس دليل قوي على مدى تكتّم الإمام الهادي على ولده العسكريعليهما‌السلام ، خصوصاً وهو قد بلغ العشرين من مراحل حياة الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام عمره الشريف.

الفصل الثاني: مراحل حياة الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام

تنقسم حياة الإمام العسكريعليه‌السلام إلى مرحلتين متميزتين:

المرحلة الأولى: هي الأيام التي قضاها الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام في ظلال إمامة أبيه الإمام الهاديعليه‌السلام والتي تقرب من(٢٢ سنة) حيث تنتهي باستشهاد أبيه سنة(٢٥٤هـ ).

ولا نملك صورة تفصيلية عن هذين العقدين من الزمن فيما يخص حياة الإمام الحسن العسكري سوى بضعة حوادث تتلخص في صور من خشيته لله منذ صباه وعلاقته الحميمة بأخويه محمد والحسين ثم رزؤه بأخيه محمد، ثم زواجه ونصّ الإمام الهادي على إمامته، ثم تجهيزه لأبيه حين وفاته صلوات الله عليه.

ولا بد لنا أن نلمّ بأحداث عصر الإمام الهاديعليه‌السلام ومواقفه منها كي نستطيع أن نخرج بصورة واضحة عن الظروف التي أحاطت بالإمام العسكريعليه‌السلام في المرحلة الثانية من حياته كي يتسنى لنا تقويمها ودراسة نشاطاتهعليه‌السلام في عصر إمامته الذي لا نجد عصراً أقصر منه ولا أشد حراجة بالنسبة للإمام نفسه ولشيعته ولأهدافه.

ــــــــــــ

(١) الكافي: كتاب الحجة، باب الإشارة والنص على أبي محمد عليه‌السلام ، الحديث رقم ٨.

٣٦

المرحلة الثانية: هي أيام إمامته حتى استشهاده والتي تبدأ من سنة(٢٥٤هـ) وحتى سنة استشهاده(٢٦٠هـ) وهي مرحلة حافلة بأحداث مهمة على الرغم من قصرها.

وقد عاصر فيها كُلاًّ من المعتزّ(٢٥٥ هـ ) والمهتدي(٢٥٦ هـ ) والمعتمد(٢٧٩ هـ )

وتبرز مدى أهميتها حينما نتصوّر أهمية مرحلة الغيبة التي كان لا بد للإمام الحسن العسكريعليه‌السلام أن يقوم بالتمهيدات اللازمة فيها لنقل شيعة أهل البيتعليهم‌السلام من مرحلة الحضور إلى مرحلة الغيبة التي يُراد من خلالها حفظ الإمام المعصوم وحفظ شيعته وحفظ خطّهم الرسالي من الضياع والانهيار والاضمحلال، حتّى تتهيّأ الظروف الملائمة لثورة أهل البيت الربّانية على كل صروح الظلم والطغيان وتحقيق جميع أغراض الرسالة الإلهية الخالدة على وجه الأرض من خلال دولة العدالة العالمية لأهل البيتعليهم‌السلام .

الفصل الثالث: الإمام الحسن العسكري في ظلّ أبيهعليهما‌السلام

كان شخوص الإمام الهادي مع ابنه الحسن العسكريعليه‌السلام من المدينة سنة(٢٣٤هـ)(١) ، ورافقه خلال مدة تواجده في سامرّاء البالغة عشرين سنة فيكون قد عاش الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام في ظل أبيه اثنين وعشرين سنة حيث استشهد أبوه الإمام الهاديعليه‌السلام سنة(٢٥٤هـ).

وقد عاش الظروف المأساوية القاسية التي كان يعيشها الإمام الهاديعليه‌السلام وشيعته والتي كانت تفرضها السلطة الغاشمة على الإمامعليه‌السلام وأتباعه من أجل إيقاف نشاط الإمام ونشاط أتباعه أو تحديده وتطويقه لئلاّ يتسع نشاط مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام وتنتشر آثارهم بين جميع أبناء الأمة الإسلامية ذلك النشاط الذي قد يؤدي إلى المواجهة معها ; لذا فهي كانت تعمد إلى الاضطهاد والسجن والنفي والمتابعة وهي وسائل السلطات الجائرة على امتداد تاريخ الإنسان.

١ ـ طفولة متميّزة

روي أن شخصاً مرّ بالحسن بن علي العسكريعليهما‌السلام وهو واقف مع

ــــــــــــ

(١) تاريخ الطبري: ٧ / ٥١٩.

٣٧

أترابه من الصبيان، يبكي، فظنّ ذلك الشخص أن هذا الصبيّ يبكي متحسّراً على ما في أيدي أترابه، ولذا فهو لا يشاركهم في لعبهم، فقال له: أشتري لك ما تلعب به ؟، فردّ عليه الحسنعليه‌السلام :«لا، ما للّعب خُلِقنا» .

وبهر الرجل فقال له: لماذا خلقنا ؟ فأجابهعليه‌السلام :«للعلم والعبادة» .

فسأله الرجل: من أين لك هذا ؟، فأجابهعليه‌السلام : من قوله تعالى( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً ) .

وبهت الرجل ووقف حائراً، وانطلق يقول له: ما نزل بك، وأنت صغير لا ذنب لك ؟!!

فأجابهعليه‌السلام :«إليك عنّي، إني رأيت والدتي توقد النار بالحطب الكبار، فلا تتقد إلاّ بالصغار، وإني أخشى أن أكون من صغار حطب جهنّم» (١) .

وروي عن محمّد بن عبد الله أنه قال: وقع أبو محمدعليه‌السلام وهو صغير في بئر الماء وأبو الحسنعليه‌السلام في الصلاة، والنسوان يصرخن، فلمّا سلّم قال:لا بأس . فرأوه وقد ارتفع الماء إلى رأس البئر وأبو محمد على رأس الماء يلعب بالماء (٢) .

٢ ـ عصر الإمام الهاديعليه‌السلام

عاصر الإمام الهاديعليه‌السلام مدة إمامته ستّة من خلفاء بني العباس، المعتصم منذ سنة(٢٢٠ ـ ٢٣٢ هـ ) والمتوكل(٢٣٢ ـ ٢٤٧ هـ) حيث قتل على يد الأتراك، ثم جاءت أيام المنتصر ـ وكانت مدّة خلافته ستة أشهر ويومين، ثم المستعين(٢٤٨ ـ ٢٥٢هـ) كما عاصر الشطر الأكبر من خلافة

ــــــــــــ

(١) حياة الإمام الحسن العسكري: ٢٢ ـ ٢٣ عن جوهرة الكلام في مدح السادة الأعلام: ١٥٥.

(٢) الخرائج والجرائح: ١/٤٥١ ح ٣٦ وعنه في بحار الأنوار: ٥٠ / ٢٧٤.

٣٨

المعتز(٢٥٢ ـ ٢٥٥هـ) حيث كان استشهاد الإمام الهاديعليه‌السلام سنة(٢٥٤هـ)(١) ، وفي هذا العام تولى مهام الإمامة ابنه الحسن بن علي العسكريعليهما‌السلام .

وكانت الظروف التي تمر بها الدولة العباسية بعد تولي المتوكل ظروفاً صعبة جداً، إذ إنها كانت تعد مؤشراً على ضعفها، وتشكل بدايةً لانحلالها، فالحروب الداخلية والخارجية من جهة، والقتال بين أبناء الخلفاء على كرسي الحكم من جهة أخرى كالذي حصل بين المستعين والمعتز والذي أدّى إلى تولي المعتز وخلع الأول عام(٢٥٢هـ)(٢) . كل واحد من هذه الصراعات كان له تأثيره المباشر في إيجاد الضعف والانحلال.

وتمثّلت الأحداث الداخلية أيضاً بنشاط الخوارج والذي كان نشاطاً قوياً فعالاً مدعماً بالمال والسلاح بقيادة مادر الشاري، وهناك أيضاً الثورات والانتفاضات العلوية إلى جانب نزاعات الطامعين في السلطة.

كما ان الدولة كانت تعاني من سوء الحالة الاقتصادية نتيجة للبذخ والإسراف الذي كانت تعيشه رجالات البلاط والوزراء وحاشيتهم، وفي أيام المتوكل قام المتوكّل بهدم قبر الإمام الحسينعليه‌السلام (٣) ، ومَنَعَ القاصدين لزيارته عن زيارته; لأن المتوكل كان يتجاهر بعدائه لآل أبي طالب ومطاردتهم، ولم يرد تجاه تلك الأحداث أي تعليق من قبل الإمام الهاديعليه‌السلام ، ويمكن أن يقال: «إنه لم يرد إلينا عن موقف الإمامعليه‌السلام مع الخلفاء شيء سوى ما جاء عن موقفه من المتوكل وهو أقل القليل».(٤)

ــــــــــــ

(١) تاريخ الطبري: ٧ أحداث سنة ٢٣٤ وسنة ٢٥٤ هـ.

(٢) تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٤٧٦.

(٣) تاريخ ابن الوردي: ١ / ٢١٦.

(٤) تاريخ الغيبة الصغرى: ١١٧.

٣٩

وكانت للإمام الهاديعليه‌السلام منزلة سامية ومكانة رفيعة القدر لدى أهل المدينة لإحسانه إليهم وعلاقته القوية معهم، فلمّا أشخصه المتوكل وأرسل يحيى ابن هرثمة لجلب الإمام من المدينة إلى سامراء عام(٢٣٤هـ) اضطرب الناس وضجّوا كما يروي يحيى بن هرثمة نفسه حيث قال: «فذهبت إلى المدينة فلمّا دخلتها ضجَّ أهلها ضجيجاً عظيماً، ما سمع الناس بمثله خوفاً على علي ـ أي الإمام الهاديعليه‌السلام ـ وقامت الدنيا على ساق، لأنه كان محسناً إليهم ملازماً للمسجد، لم يكن عنده ميل إلى الدنيا، فجعلت أسكّنهم، وأحلف لهم أني لم أؤمر فيه بمكروه، وأنه لا بأس عليه، ثم فتّشتُ منزله فلم أجد إلاّ مصاحف وأدعية، وكتب علم، فعظم في عيني»(١) .

وتعكس هذه الرواية لنا حجم ما كان يؤديه الإمام الهاديعليه‌السلام من دور في المدينة والذي نتج عنه حصول روابط ووشائج قوية تصل الأمة به كما كانت توصله بالأمة، وربما كان المتوكل قد وقف على هذا التأثير البالغ للإمامعليه‌السلام فكان سبباً لإبعاده عن المدينة المنوّرة إلى سامراء التي أسسها العباسيون أنفسهم والتي عُرفت بميول أهلها والذين كان أغلبهم من الأتراك إلى العباسيين أوّلاً، بالإضافة إلى ما عرفوا به من تطرّف في التوجه إلى السيطرة والسلطة ثانياً.

٣ ـ مواقف الإمام الهاديعليه‌السلام تجاه الأحداث

يتضح لنا من خلال الإجراءات التي قام بها المتوكل العباسي تجاه الإمام الهاديعليه‌السلام أنّ حركة الإمام وقيامه بمهامّه إزاء الأمة وخاصّته ـ وهي القواعد

ــــــــــــ

(١) تذكرة الخواص: ٣٦٠ عن علماء السير.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

صحيح باطناً لا ظاهراً(١) .

واستشكله الجويني ؛ لأنّ مَنْ يُحكم له بالفوز [ لإسلامه كيف لا يُحكم بإسلامه!؟(٢) .

وقد يجاب عنه : بأنّه قد يُحكم بالفوز ] في الآخرة وإن لم يُحكم بأحكام الإسلام في الدنيا ، كمن لم تبلغه الدعوة(٣) .

وغير المميّز ، والمجنون لا يصحّ إسلامهما مباشرةً إجماعاً ، ولا يُحكم بإسلامهما إلّا بالتبعيّة لغيرهما.

مسألة ٤٢٩ : جهة التبعيّة في الإسلام عندنا أُمور ثلاثة ، فالنظر هنا في أُمور ثلاثة :

الأوّل : إسلام الأبوين أو أحدهما وذلك يقع على وجهين :

أحدهما : أن يكون الأبوان أو أحدهما مسلماً حال علوق الولد ، فيُحكم بإسلام الولد ؛ لأنّه جزء من مسلمٍ ، فإن بلغ ووصف الإسلام فلا بحث ، وإن أعرب عن نفسه بالكفر واعتقده ، حُكم بارتداده عن فطرةٍ يُقتل من غير توبةٍ ، ولو تاب لم تُقبل توبته.

والثاني : أن يكون أبواه كافرين حالة العلوق ثمّ يُسلما أو أحدهما قبل الولادة أو بعدها إلى قبل البلوغ بلحظة ، فيُحكم بإسلام الولد من حين إسلام أحد الأبوين ، ويجري عليه أحكام المسلمين ، فيقتصّ له من المسلم لو قتله ، ويُحكم له بدية المسلم بقتله ، ويرث قريبه المسلم ، ويجزئ عتقه عن الظهار لو كان مملوكاً.

هذا إذا قلنا : إنّ إسلام الصبي غير صحيحٍ ، أمّا إذا قلنا بصحّة إسلام‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩٦.

(٣) كما في المصدر السابق ، وما بين المعقوفين أثبتناه منه.

٣٤١

المراهق ، فقد تردّد أصحاب أبي حنيفة في تبعيّته لمن أسلم من أبويه ؛ لأنّ الجمع بين إمكان الاستقلال وبين إثبات التبعيّة بعيد(١) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه لا فرق عندنا بين أن يُسلم الأب أو الأُمّ في أنّ الولد يتبعه في إسلامه ، فأيّهما أسلم تبعه الولد ، وكان مسلماً بإسلامه في الحال إذا لم يكن بالغاً - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّه إذا كان أحد الأبوين مسلماً ، وجب تغليب الإسلام على طرف الكفر ؛ لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « الإسلام يعلو ولا يعلى »(٣) .

وقال مالك : لا يكون الصغير مسلماً بإسلام الأُمّ ، بل بإسلام الأب ؛ لقوله تعالى :( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ ) (٤) ولأنّه لا يدخل في أمان الأُمّ ، فلا يتبعها في الإسلام ، كالأجنبيّ(٥) .

ولا دلالة في الآية ؛ لدخول الأُمّ تحت لفظة : ( الَّذِينَ ) ولأنّ الحكم باتّباع الذرّيّة للأب إذا آمن لا ينافي اتّباعهم للأُمّ إذا آمنت ، ونعارضه بأنّ الولد يتبع الأُمّ في الملك عنده ، وولادتها متحقّقة ، فكان أولى بالتبعيّة ، وقد سلّم أنّ الولد إذا كان حملاً في بطنها فأسلمت يتبعها الولد في إسلامها ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩٧.

(٢) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٣ : ١٥٨ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤٤ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٠ ، الوجيز ١ : ٢٥٦ ، حلية العلماء ٧ : ٦٦٣ ، البيان ٨ : ٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩٦ ، المغني ١٠ : ٩١ ، الشرح الكبير ١٠ : ١٠٥.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٤٣ / ٧٧٨ ، سنن البيهقي ٦ : ٢٠٥ ، سنن الدارقطني ٣ : ٢٥٢ / ٣.

(٤) سورة الطور : ٢١.

(٥) الذخيرة ٩ : ١٣٤ ، المعونة ٢ : ١٢٩٢ ، المغني ١٠ : ٩١ ، الشرح الكبير ١٠ : ١٠٥ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٣ : ١٥٨ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤٤ ، حلية العلماء ٧ : ٦٦٣ ، البيان ٨ : ٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩٧.

٣٤٢

فيقيس المتنازع عليه وعلى ما إذا كانت مسلمةً يوم العلوق.

واعلم أنّه متى تأخّر إسلام أحدهما عن العلوق فلا فرق بين أن يتّفق في حالة اجتنان الولد أو بعد انفصاله.

وقال بعض الشافعيّة : يجوز أن يجعل إسلام أحدهما في حالة الاجتنان كما لو كان مسلماً يوم العلوق جواباً على أنّ الحمل لا يُعرف حتى يلتحق ذلك بالوجه الأوّل(١) .

مسألة ٤٣٠ : في معنى الأبوين الأجداد والجدّات ، سواء كانوا وارثين أو لا ، فلو أسلم الجدّ أو الجدّة لأبٍ كان أو لأُمٍّ تبعه الطفل ، فيُحكم عليه بالإسلام من حين إسلام الجدّ إن لم يكن الأب حيّاً ؛ لصدق الأب عليه ، ولأنّ الأب يتبعه ويكون أصلاً له ، فيكون أصالته للطفل أولى ، وبه قال الشافعي(٢) .

ولو كان الأب حيّاً ، فإشكال ينشأ : من أنّ سبب التبعيّة القرابة وأنّها لا تختلف بحياة الأب وموته ، كسقوط القصاص وحدّ القذف ، ومن انتفاء ولاية الحضانة للجدّين مع الأبوين.

وللشافعيّة قولان(٣) كهذين.

ولا فرق بين أن يكون المسلم من الجدّين طرف أحد الأبوين أو مقابله ، فلو أسلم جدّ الأُمّ والأب حيٌّ أو أسلم جدّ الأب والأُمّ حيّة ، جاء الإشكال.

وكذا البحث لو كان الأبوان والجدّان القريبان موتى وأسلم الجدّ البعيد أو الجدّة البعيدة إمّا من قِبَل الأب أو من الأُمّ أو من قِبَلهما معاً ، فإنّ الولد‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩٨.

(٢ و ٣) الوجيز ١ : ٢٥٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩٦.

يتبعه.

٣٤٣

والإشكال الثالث في طرف الأب والأُمّ مع الجدّ القريب والجدّة القريبة آتٍ في طرف الأبوين والجدّين البعيدين.

وكذا الإشكال لو كان الأبوان معدومين ووُجد أحد الأجداد الأربعة الأدنين وأحد الأجداد الثمانية الأباعد وأسلم أحد الثمانية.

مسألة ٤٣١ : لا شكّ في أنّ الولد يُحكم له بالإسلام إذا كان أبواه أو أحدهما مسلماً بالأصالة أو تجدّد إسلامه حال علوق الولد ، فإذا بلغ الولد ووصف الإسلام تأكّد ما حُكم به ، وانقطع الكلام ، وإن أعرب الكفر فهو مرتدّ عن فطرةٍ يُقتل في الحال.

وإن كان الأبوان كافرين وعلقت الأُم به قبل إسلام أحدهما ثمّ أسلم أحدهما بعد العلوق وقبل بلوغ الصبي ، فإنّه يُحكم على الصبي بالإسلام من حين إسلام أحد أبويه ، فإذا بلغ فإن أعرب عن نفسه بالإسلام فقد تأكّد ما حكمنا به أيضاً من إسلامه ، وإن أعرب بالكفر فهو مرتدّ.

وهل تُقبل توبته ، ويكون ارتداده كارتداد مَنْ أسلم عقيب كفره وقت بلوغه ، أو يكون مرتدّاً عن فطرةٍ لا تُقبل توبته ، ويكون ارتداده كارتداد مَنْ هو مسلم بالأصالة لا عقيب كفره حالة بلوغه؟ الأقوى : الأوّل ؛ لأنّه كافرٌ أصليٌّ حكمنا بكفره أوّلاً ثمّ أُزيل كفره بالتبعيّة ، فإذا استقلّ انقطعت التبعيّة ، فوجب أن يعتبر بنفسه.

وللشافعيّة فيما إذا بلغ هذا الصبي الذي تجدّد تكوّنه قبل إسلام أحد أبويه ثمّ أسلم أحد أبويه قبل بلوغه إذا أعرب بالكفر وجهان :

أصحّهما : إنّه مرتدّ ؛ لأنّه سبق الحكم بإسلامه جزماً ، فأشبه ما إذا باشر الإسلام ثمّ ارتدّ ، وما إذا حصل العلوق حالة الإسلام.

٣٤٤

والثاني : إنّه كافرٌ أصليٌّ ؛ لأنّه كافر محكوم بكفره أوّلاً وأُزيل بالتبعيّة(١) .

مسألة ٤٣٢ : إذا حكمنا بارتداد هذا الصبي إذا أسلم أحد أبويه ثمّ بلغ وأعرب الكفر بعد بلوغه ، لم ينقض شيئا ممّا أمضيناه من أحكام الإسلام ، وإن قلنا : إنّه كافرٌ أصليٌّ ، فللشافعيّة وجهان :

أحدهما : إنّها ممضاة بحالها ؛ لجريانها في حالة التبعيّة.

وأظهرهما عندهم : إنّا نتبيّن الانتقاض ، ونستدرك ما يمكن استدراكه حتى يردّ ما أخذه من تركة قريبه المسلم ، ويأخذ من تركة قريبه الكافر ما حرم بمنعه ، ويُحكم بأنّ إعتاقه عن الكفّارة لم يقع مجزئاً.

هذا فيما يجري في الصغر ، فأمّا إذا بلغ ومات له قريب مسلم قبل أن يعرب عن نفسه بشي‌ءٍ أو أُعتق عن الكفّارة في هذه الحالة ، فإن قلنا : لو أعرب عن نفسه بالكفر لكان مرتدّاً ، أمضينا أحكام الإسلام ، ولا نقض ، وإن جعلناه كافراً أصليّاً ، فإن أعرب بالكفر تبيّنّا أنّه ما أجزأ عن الكفّارة.

فإن فات الإعراب بموتٍ أو قتلٍ ، فوجهان :

أحدهما : إمضاء أحكام الإسلام ، كما لو مات في الصغر.

وأظهرهما : إنّا نتبيّن الانتقاض ؛ لأنّ سبب التبعيّة الصغر وقد زال ، ولم يظهر في الحال حكمه في نفسه ، ويُردّ الأمر إلى الكفر الأصلي(٢) .

وللشافعيّة قولٌ : إنّه لو مات قبل الإعراب وبعد البلوغ يرثه قريبه‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٤٥ ، الوجيز ١ : ٢٥٦ ، الوسيط ٤ : ٣١٠ ، حلية العلماء ٥ : ٥٦٨ ، البيان ٨ : ٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩٧.

٣٤٥

المسلم. ولو مات له قريب مسلم فإرثه عنه موقوف ، بناءً منهم على أنّ المسلم لا يرث الكافر(١) .

قال الجويني : أمّا التوريث منه فيخرج على أنّه إذا مات قبل الإعراب هل ينقض الحكم؟ وأمّا توريثه فإن عني بالتوقّف أنّه يقال : أعرب عن نفسك بالإسلام ، فهو قريب ، ويستفاد به الخروج من الخلاف ، وأمّا إذا مات القريب ثمّ مات هو وفات الإعراب بموته ، فلا سبيل إلى الفرق بين توريثه والتوريث عنه(٢) .

ولو قُتل بعد البلوغ وقبل الإعراب ، ففي تعلّق القصاص بقتله قولان :

أحدهما : التعلّق ، كما لو قُتل قبل البلوغ.

والثاني : المنع ؛ لأنّ سكوته يحتمل الكفر والجحود ، والقصاص يدرأ بالشبهة ، ويخالف ما قبل البلوغ ، فإنّه حينئذٍ محكوم بإسلامه تبعاً ، وقد انقطعت التبعيّة بالبلوغ.

والقولان مبنيّان على أنّه لو أعرب بالكفر كان مرتدّاً أو كافراً أصليّاً؟ إن قلنا بالأوّل ، وجب القصاص ، وإن قلنا بالثاني ، فلا ، لكنّ الأظهر : منع القصاص وإن كان الأظهر كونه مرتدّاً ، تعليلاً بالشبهة.

وأمّا الدية فالذي أطلقه الشافعيّة وحكوه عن قول الشافعي : تعلّق الدية الكاملة بقتله.

وعلى القول بأنّه لو أعرب بالكفر كان كافراً أصليّاً لا يوجب الدية‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩٩ و ٥٠٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩٧ ، و ٥ : ٣٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩٧.

٣٤٦

الكاملة على رأي(١) .

وروى الجويني عن القاضي الحسين من الشافعيّة : إجراء القول بمنع القصاص مع الحكم بأنّه لو أعرب بالكفر لكان مرتدّاً. وعدّه من هفواته(٢) .

تذنيب : الصبي المحكوم بكفره إذا بلغ مجنوناً كان حكمه حكم الصغير حتى أنّه لو أسلم أحد أبويه تبعه ، أمّا لو بلغ عاقلاً ثمّ جُنّ ففي التبعيّة إشكال.

وللشافعيّة وجهان :

أحدهما : إنّه لا يتبعهما ؛ لأنّه قد ثبت له حكم الإسلام بنفسه ، فلا يكون تبعاً ، كالعاقل.

والثاني : إنّه يكون تبعاً ؛ لأنّه غير مكلّفٍ ، فأشبه الذي بلغ مجنوناً ، وإسلامه بنفسه قد بطل بجنونه ، فعاد تبعاً ، كما يعود مولّياً عليه(٣) .

ثمّ أصحّهما عندهم : إنّهم قالوا : إنّه إذا طرأ جنونه عادت ولاية المال إلى الأب ، فإذا أسلم استتبعه ، وإلّا فلا(٤) .

النظر الثاني : في الجهة الثانية في تبعيّة الإسلام.

مسألة ٤٣٣ : قال بعض علمائنا : إنّ الصبي يتبع السابي في الإسلام(٥) ، فإذا سبى المسلم طفلاً منفرداً عن أبويه حُكم بإسلامه ؛ لأنّه صار تحت ولايته ، وليس معه مَنْ هو أقرب إليه ، فيتبعه ، كما يتبع الأبوين ؛ لأنّ السبي‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٠.

(٣) الوسيط ٤ : ٣١٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٠.

(٥) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٣ ، و ٣ : ٣٤٢.

٣٤٧

لـمّا أبطل حُرّيّته قلبه قلباً كلّيّاً فعدم عمّا كان وتجدّد له وجود تحت يد السابي وولايته ، فأشبه تولّده من الأبوين ، وهو أحد وجهي الشافعيّة(١) .

والثاني : إنّه لا يُحكم بإسلامه(٢) .

وهو جيّد ؛ لأنّ يد السابي يد ملكٍ ، فأشبهت يد المشتري.

لكن المشهور عندهم : الأوّل.

مسألة ٤٣٤ : لو كان السابي ذمّيّاً ، لم يُحكم بإسلامه - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٣) - إذ لا سبب له من إسلام أحد أبويه أو إسلام سابيه ، فيبقى على حالة الكفر.

والثاني : إنّه يُحكم بإسلامه ؛ لأنّه إذا سباه صار من أهل دار الإسلام ؛ لأنّ الذمّي من أهلها ، فيجعل مسلماً تبعاً للدار(٤) .

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّ كون الذمّي من أهل دار الإسلام لا يؤثّر فيه ولا في حقّ أولاده فكيف يؤثّر في حقّ مسبيّه!؟ وتبعيّة الدار له إنّما تؤثّر في حقّ المجهول حاله ونسبه.

ولو باعه الذمّي السابي من مسلمٍ ، لم يُحكم بإسلامه أيضاً ؛ لأنّ ملك المسلم طرأ عليه وهو رقيق ، وإنّما تحصل التبعيّة في ابتداء الملك ، فإنّ عنده يتحقّق تحوّل الحال ، وكذا سبي الزوجين يقطع النكاح ، وتجدّد‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٤٥ ، و ١٤ : ٢٤٦ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٠ ، الوجيز ١ : ٢٥٦ ، حلية العلماء ٧ : ٦٦٣ ، البيان ٨ : ٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩٧ - ٤٩٨.

(٢) الحاوي الكبير ٨ : ٤٥ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٠ ، الوجيز ١ : ٢٥٦ ، حلية العلماء ٧ : ٦٦٣ ، البيان ٨ : ٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩٨.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩٨.

٣٤٨

الملك على الرقيقين لا يقطعه عند الشافعي(١) .

مسألة ٤٣٥ : لو سبي الطفل ومعه أبواه الكافران أو أحدهما ، لم يُحكم بإسلامه ، ولا يتبع السابي هنا في الإسلام - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّ والديه أقرب إليه من سابيه ، فكانا أولى بالاستتباع.

وقال أحمد : إنّه يتبع السابي أيضاً في إحدى الروايتين(٣) .

ولو كانا معه ثمّ ماتا ، لم يُحكم بإسلامه أيضاً ؛ لما تقدّم من أنّ التبعيّة إنّما تثبت في ابتداء السبي.

وحكم الصبي المحكوم بإسلامه تبعاً [ للسابي إذا بلغ حكم الذي حُكم بإسلامه تبعاً ](٤) لأبويه إذا بلغ.

واعلم أنّ الصبي المسبي والذي أسلم أحد أبويه إذا أعربا الكفر وجعلناهما كافرين أصليّين ألحقناهما بدار الحرب ، فإن كان كفرهما ممّا يجوز التقرير عليه بالجزية قرّرناهما.

ولو أعربا بنوعٍ من الكفر غير ما كانا موصوفين به ، فهُما منتقلان من ملّةٍ إلى ملّةٍ.

وهل يُقبل؟ قولان سبقا.

ولو ماتا ، فالقول في تجهيزهما والصلاة عليهما ودفنهما في مقابر‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠١.

(٢) الحاوي الكبير ٨ : ٤٥ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٤٠ ، الوسيط ٤ : ٣١٢ ، البيان ٨ : ٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩٩ ، المغني ١٠ : ٤٦٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٠٤ - ٤٠٥.

(٣) المغني ١٠ : ٤٦٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠١.

(٤) ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٢ ، وروضة الطالبين ٤ : ٤٩٩.

٣٤٩

المسلمين إذا ماتا بعد البلوغ وقبل الإعراب يتفرّع على القولين في أنّهما إذا أعربا بالكفر كانا مرتدّين أو كافرين أصليّين؟

النظر الثالث : في الجهة الثالثة في التبعيّة في الإسلام.

وهي تبعيّة الدار ، وهي المقصودة هنا ؛ لأنّ الغرض من عقد الباب بيان أحكام اللقيط في الإسلام وغيره ، والجهتان السابقتان لا تُفرضان في حقّ اللقيط حتى يُعرف بهما إسلامه ، وإنّما يُحكم بإسلامه بهذه الجهة خاصّةً.

مسألة ٤٣٦ : الدار قسمان : دار إسلامٍ ودار كفرٍ.

أمّا دار الإسلام فقسّمها الشافعيّة أقساماً ثلاثة(١) .

أ : دار خطّها المسلمون ، كالبصرة والكوفة وبغداد ، فإذا وُجد فيها لقيط حُكم بإسلامه تبعاً للدار وإن كان فيها أهل ذمّةٍ ؛ لظاهر الدار ، ولأنّ الإسلام يعلو ولا يعلى ، ولأنّه إن كان المسلمون أكثر فالظاهر أنّه من أولادهم ، وإن كان أهل الذمّة أكثر فيُحتمل أن يكون من أولاد المسلمين ، فيُغلّب حكم الإسلام ، حتى لو لم يكن فيها سوى مسلمٍ واحد حُكم بإسلام اللقيط ، تغليباً للإسلام.

ب : دار فتحها المسلمون فملكوها وأقرّوهم فيها ببذل الجزية ، أو لم يملكوها وصالحوهم على بذل الجزية ، فإنّها تكون دار الإسلام أيضاً ؛ لأنّ حكم الإسلام جارٍ فيها ، فإذا كان في هذه ولو مسلم واحد حُكم بإسلام اللقيط ، وإن لم يكن فيها مسلم البتّة حُكم بكفره ؛ لأنّا نغلّب حكم الإسلام‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٠.

٣٥٠

مع الاحتمال.

ج : دار غلب عليها المشركون كطرسوس ، فإنّها كانت للإسلام فغلب عليها المشركون ، فإن كان فيها ولو مسلم واحد حكمنا بإسلام اللقيط. وأمّا إذا لم يكن فيها مسلم البتّة لم يُحكم بإسلامه ، وهو قول أكثر الشافعيّة(١) .

وقال أبو إسحاق منهم : يُحكم بإسلامه ؛ لأنّه لا يخلو أن يكون فيها مسلم وإن لم يظهر إسلامه ، ولأنّ الدار دار الإسلام وربما بقي فيها مَنْ يكتم إيمانه ، ولو كان فيها مسلم واحد حُكم باسلامه(٢) .

والأقوى : إنّ دار الإسلام قسمان :

أ : دار خطّها المسلمون ، كبغداد والبصرة والكوفة ، فلقيط هذه محكوم بإسلامه وإن كان فيها أهل الذمّة.

ب : دار فتحها المسلمون ، كمدائن والشام ، فهذه إن كان فيها مسلم واحد حُكم بإسلام لقيطها ، وإلّا فهو كافر.

وقال الجويني : القسم الثالث السابق مجراه مجرى دار الكفر ؛ لغلبة الكفّار عليها(٣) .

وعدُّ القسم الثاني من بلاد الإسلام يدلّ على أنّه لا يشترط في بلاد الإسلام أن يكون فيها مسلمون ، بل يكفي كونها في يد الإمام واستيلائه.

وأمّا القسم الثالث : فقال بعض الشافعيّة : إنّ الاستيلاء القديم يكفي‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٤٣ ، الوسيط ٤ : ٣١٢ - ٣١٣ ، البيان ٨ : ٨ - ٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٠.

(٢) الوسيط ٤ : ٣١٣ ، البيان ٨ : ٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٠.

٣٥١

لاستمرار الحكم(١) .

ونزّل بعضهم ما ذكروه على ما إذا كانوا لا يمنعون المسلمين عنها ، فإن منعوهم فهي دار الكفر(٢) .

وأمّا دار الكفر فعلى ما اخترناه قسمان :

أ : بلد كان للمسلمين فغلب الكفّار عليه ، كالساحل ، فهذا إن كان فيه ولو مسلم واحد حُكم بإسلام لقيطه ، وإن لم يكن فيها مسلم فهو كافر.

ويحتمل أن يكون مسلماً ؛ لاحتمال أن يكون فيه مؤمن يكتم إيمانه ، وقد سبق.

ب : أن لم يكن للمسلمين أصلاً ، كبلاد الهند والروم ، فإن لم يكن فيها مسلم فلقيطها كافر ؛ لأنّ الدار لهم وأهلها منهم.

وإن كان فيها مسلمون - كالتجّار وغيرهم - ساكنون ، فهو مسلم ؛ لقيام الاحتمال ، تغليباً للإسلام ، وهو أحد وجهي الشافعيّة ، والثاني : إنّه يُحكم بكفره ، تبعاً للدار(٣) .

ويجري الوجهان فيما إذا كان فيها أُسارى مسلمون.

وقال الجويني : الخلاف في الأُسارى مرتَّب على الخلاف في التجّار ؛ لأنّهم تحت الضبط.

قال : ويشبه أن يكون الخلاف في قومٍ منتشرين إلّا أنّهم ممنوعون من الخروج من البلدة ، فأمّا المحبوسون في المطامير فيتّجه أن لا يكون لهم أثر ، كما لا أثر لطروق العابرين من المسلمين(٤) .

قال ابن المنذر : أجمع عوام أهل العلم على أنّ الطفل إذا وُجد في‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٠ - ٥٠١.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠١.

٣٥٢

بلاد المسلمين ميّتاً في أيّ مكانٍ وُجد أنّ غسله ودفنه في مقابر المسلمين يجب ، وقد منعوا أن يُدفن الطفل من أولاد المشركين في مقابر المسلمين.

قال : وإذا وُجد لقيط في قريةٍ ليس فيها إلّا مشرك ، فهو على ظاهر ما حكموا به أنّه كافر ، وهكذا قول الشافعي وأصحاب الرأي(١) .

تذنيب : كلّ موضعٍ حكمنا بكفر اللقيط فيه لو كان أهل البقعة أصحاب مللٍ مختلفة ، فالأقرب : أن يجعل من خيرهم ديناً.

آخَر : إنّما نحكم بإسلام مَنْ يوجد في بلاد الكفر إذا كان فيها مسلم ساكن ، فلا اعتبار بالطروق والاجتياز في ذلك.

مسألة ٤٣٧ : كلّ صبيٍّ حكمنا بإسلامه بأحد الأسباب الثلاثة فحكمه قبل بلوغه أحكام المسلمين ، فيرث من المسلم ، ولا يرثه الكافر ، ويُقتل قاتله ، ويصلّى عليه.

فإذا بلغ ووصف الإسلام ، فقد استقرّ إسلامه ، وحكمه حكم ما كان قبل بلوغه.

وإن وصف الكفر فإن كان ممّن حكمنا بإسلامه تبعاً لأحد أبويه ، فإنّه مرتدّ.

وقال الشافعي : إنّه يطالَب بالإسلام ، ولا يُقرّ على الكفر. فأجراه مجرى المرتدّ عن غير فطرةٍ(٢) .

وقال بعض أصحابه : إنّه يُقرّ على الكفر ؛ لأنّا حكمنا بإسلامه تبعاً لغيره ، فإذا بلغ صار حكمه حكم نفسه ، فرُوعي قوله ، وزال حكم التبع‌

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٦٣ و ١٦٦ ، وعنه في المغني ٦ : ٤٠٤ - ٤٠٥ ، والشرح الكبير ٦ : ٤٠٦.

(٢) البيان ٨ : ٣٦.

٣٥٣

عنه(١) .

وحكى بعض الشافعيّة هذا قولاً آخَر للشافعي(٢) .

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّا حكمنا بإسلامه باطناً وظاهراً ، فلم يُقرّ على الكفر ، كما لو أسلم بعد بلوغه ثمّ ارتدّ.

وإن كان ممّن حكمنا عليه بإسلامه تبعاً للسابي ، قال الشافعي : إنّه كالأوّل الذي حكمنا عليه بإسلامه تبعاً لأحد أبويه(٣) .

وليس بجيّدٍ ؛ لضعف العلاقة هناك وقوّتها في النسب.

وإن كان ممّن حكمنا عليه بإسلامه تبعاً للدار ، فالأقرب : إنّه لا يُحكم بارتداده ، بل بكفره ؛ لأنّ الحكم بإسلامه وقع ظاهراً ، لا باطناً ؛ بدليل أنّه لو ادّعى ذمّيٌّ بنوّته وأقام بيّنةً على دعواه ، سُلّم إليه ، وحُكم بكفره ، ونُقض الحكم بإسلامه ، فإذا بلغ ووصف الكفر كان قوله أقوى من ظاهر اليد فأقررناه ، ولهذا لو حكمنا بحُرّيّته بظاهر الدار ثمّ بلغ وأقرّ بالرقّ فإنّه يُحكم عليه بالرقّ ، وهذا بخلاف مَنْ تبع أباه ؛ لأنّ الحكم هناك كان على علمٍ منّا بحقيقة الحال ، وهنا مبنيٌّ على ظاهر الدار ، فإذا أعرب عن نفسه بالكفر ظهر كذب ما ظننّاه.

وقال الشافعي : لا يتبيّن لي أن أقتله ولا أُجبره على الإسلام(٤) .

ولأصحابه فيه طريقان ، أحدهما : إنّ هذا ترديد قولٍ منه ، وفي كونه مرتدّاً أو كافراً أصليّاً قولان ، كما في المحكوم بإسلامه تبعاً لأبويه(٥) .

ولهم وجهٌ آخَر : إنّه لا يُقرّ عليه - وبه قال أبو حنيفة وأحمد - لأنّه‌

____________________

(١ - ٣) البيان ٨ : ٣٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٥.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠١.

٣٥٤

حُكم بإسلامه قبل بلوغه ، فأشبه مَنْ تبع أبويه(١) .

مسألة ٤٣٨ : إذا بلغ المحكوم بإسلامه تبعاً للدار فأعرب بالكفر ، فإن جعلناه كافراً أصليّاً ، ففي التوقّف في الأحكام الموقوفة على الإسلام إشكال ، أقربه : إنّا لا نتوقّف ، بل نمضيها ، كما في المحكوم بإسلامه تبعاً لأبويه.

ويحتمل التوقّف إلى أن يبلغ فيعرب عن نفسه.

فإن مات في صباه ، لم يُحكم بشي‌ءٍ من أحكام الإسلام.

وللشافعي قولان(٢) كالاحتمالين.

وقال أبو حنيفة وأحمد : إنّه مرتدّ(٣) .

وبالجملة ، فالحكم بإسلام الصبي تبعاً للدار إنّما يثبت ظاهراً ، لا يقيناً ؛ لاحتمال أن يكون أبوه كافراً.

فإن ادّعى كافر بنوّته وأقام عليه بيّنةً ، لحقه وتبعه في الكفر ، وارتفع ما ظننّاه أوّلاً ؛ لضعف تبعيّة الدار.

ولو تجرّدت دعواه عن البيّنة ، فالأقرب : عدم الالتفات إليه ، ويُحكم بإسلامه ؛ لأنّا حكمنا له بالإسلام أوّلاً ، فلا نغيّره بمجرّد دعوى الكافر ، وجاز أن يكون ولده لكن من مسلمةٍ ، فلا يتبع الدين النسب ، وهذا أظهر قولَي الشافعي.

والثاني : إنّه يُحكم بكفره ؛ لأنّه يلحقه بالاستلحاق ، وإذا ثبت نسبه تبعه في الدين ، كما لو قامت البيّنة على النسب(٤) .

____________________

(١ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠١.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٢.

٣٥٥

ونمنع لحوقه وتبعيّة الدين النسب على ما تقدّم.

وعلى كلا القولين سواء قلنا بإسلامه - كما اخترناه نحن - أو قلنا بكفره - كما قال الشافعي - يحال بينه وبين مدّعيه الكافر لئلّا يرغبه عن الإسلام ويزهده فيه ، ويُقرّب إليه الكفر ويزيّنه عليه.

إذا ثبت هذا ، فإن بلغ ووصف الكفر ، فإن قلنا بتبعيّته في الكفر ، قُرّر عليه ، لكن يُهدَّد ويُخوَّف أوّلاً لعلّه يُسلم.

وإن قلنا : لا يتبعه ، ففي تقريره إشكال.

وللشافعيّة قولان(١) .

فإن قلنا : يُقرّ على كفره ، فإن وصف كفراً يُقرّ أهله عليه ، خيّرناه بين التزام الجزية والرجوع إلى دار الحرب ، وإن وصف كفراً لا يُقرّ أهله عليه ، قلنا له : إمّا أن تسلم أو تخرج إلى دار الحرب أو تصف كفراً يُقرّ أهله عليه على الخلاف ، قاله بعض الشافعيّة(٢) .

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّ هذا إمّا ابن حربيٍّ وقد حصل في يد المسلمين بغير عهدٍ فيكون لواجده ، ويصير مسلماً بإسلام سابيه ، أو يكون أحد أبويه ذمّيّاً ، فلا يُقرّ على الانتقال إلى غير دين أهل الكتاب ، أو يكون ابن مسلمٍ ، فيكون مسلماً ، فلا وجه لردّه إلى دار الحرب.

تذنيب : اللقيط المحكوم بإسلامه يُنفَق عليه من بيت المال إذا لم يكن له مال ولم يوجد متبرّع عليه على ما تقدّم ، أمّا المحكوم بكفره فإشكال ينشأ : من أنّه كافر فلا يعان من بيت مال المسلمين ، ومن احتمال الإنفاق عليه ؛ إذ لا وجه لتضييعه وفيه مصلحة للمسلمين ، فإنّه إذا بلغ إمّا أن‌

____________________

(١) البيان ٨ : ٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٢.

(٢) البيان ٨ : ٣٧.

٣٥٦

يُسلم ويصير من المسلمين ، أو يعطي الجزية إن بقي على كفره ، وكلاهما مصلحة للمسلمين.

البحث الثاني : في حكم جناية اللقيط والجناية عليه.

مسألة ٤٣٩ : إذا جنى هذا اللقيط ، فإن كان بالغاً وكانت الجناية عمداً ، وجب عليه القصاص عيناً عندنا ، ولا يجب المال إلّا صلحاً.

وعند الشافعي يتخيّر وليّ الجناية بين أن يقتصّ أو يعفو على مالٍ(١) .

فإن عفي على مالٍ ، كان الأرش في ذمّته - إمّا مع رضا الغريم عندنا ، أو مطلقاً عند الشافعي(٢) - مغلّظاً يتبع إذا أيسر.

وإن كانت الجناية خطأً ، تعلّقت بعاقلته ، وهو الإمام عندنا ؛ لأنّ ميراثه له ، فإنّه وارث مَنْ لا وارث له.

وعند العامّة في بيت مال المسلمين ؛ لأنّه ليس له عاقلة خاصّة ، ومالُه إذا مات مصروف إلى بيت المال إرثاً ، فلـمّا كان بيت المال وارثاً له عقل عنه(٣) .

وإن كانت الجناية صدرت منه قبل البلوغ ، فعندنا أنّها خطأٌ محض تكون على عاقلته مخفّفةً.

والعاقلة عندنا هو الإمام.

وللشافعي قولان في أنّ عمده عمد أو خطأ؟ فإن قلنا بأنّها عمد ،

____________________

(١ و ٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٧٣ ، البيان ٨ : ٣٨.

(٣) الوجيز ١ : ٢٥٦ - ٢٥٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٧٣ ، البيان ٨ : ٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٢ ، المغني ٦ : ٤٠٦ ، الشرح الكبير ٦ : ٤١٩.

٣٥٧

وجبت الدية مغلّظةً في ماله ، وإن لم يكن له مال فهي في ذمّته إلى أن يجد ، وإن قلنا : إنّ عمد الصبي خطأ ، وجبت الدية مخفّفةً في بيت المال(١) .

ولو أتلف مالاً ، كان الضمان عليه لا غير ، سواء أتلفه عمداً أو خطأً.

ولو كان اللقيط محكوماً بكفره ، لم يضرب موجَب جنايته على بيت المال على ما تقدّم ، وتركته له.

مسألة ٤٤٠ : لو جُني على اللقيط ، فإن كانت خطأً وكانت على النفس أُخذت الدية ووُضعت في بيت المال عند العامّة(٢) وعندنا للإمام ، بناءً على القولين في أنّ وارثه الإمام أو بيت المال.

وإن كانت على الطرف ، فالدية على عاقلة الجاني إن تحمّلها العاقلة ، أو على الجاني إن قصرت عن الموضحة يستوفيه الحاكم له ؛ لأنّه وليّه.

وإن كانت الجناية عمداً ، فإن كانت نفساً كان للإمام أن يقتصّ إن رأى ذلك حظّاً للملاقيط ، وكان له العفو على مالٍ إذا رأى ذلك صلاحاً ورضي به الجاني عندنا ، ومطلقاً عند الشافعي ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وابن المنذر ، إلّا أنّ أبا حنيفة يخيّره بين القصاص والمصالحة(٣) ، كما ذهبنا‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٤٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٧٣ ، البيان ٨ : ٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٢.

(٢) المغني ٦ : ٤٠٦ ، الشرح الكبير ٦ : ٤١٧ - ٤١٨ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٦٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٧٣ ، البيان ٨ : ٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٣.

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٦٦ ، البيان ٨ : ٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٣ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - =

٣٥٨

نحن إليه.

واختلفت الشافعيّة على قولين :

قال بعضهم بالقطع على ما قلناه ولم يُثبتوا فيه خلافاً.

وأثبت الأكثر منهم قولاً آخَر : إنّه لا يجب القصاص(١) .

وهو خطأ ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « السلطان وليّ مَنْ لا وليّ له »(٢) .

ثمّ اختلف هؤلاء في شيئين :

أحدهما : في مأخذ القولين.

قال قوم : وجه الوجوب : إنّه مسلم معصوم الدم ، فوجب القصاص كغير اللقيط ، ووجه المنع : إنّه لو وجب القصاص لوجب لعامّة المسلمين ، كما يصرف ماله إليهم ، وفي المسلمين أطفال ومجانين ، ومهما كان في الورثة أطفال ومجانين لا يمكن استيفاء القصاص قبل البلوغ والإفاقة ، وأيضاً لا بدّ من اجتماع الورثة على الاستيفاء ، واجتماع جميع المسلمين متعذّر(٣) .

وقال بعضهم : بناؤهما على أنّ المحكوم بإسلامه تجري عليه أحكام الإسلام ، أو يتوقّف فيه إلى أن يعرب بالإسلام؟ فإن قلنا بالأوّل ، أوجبنا القصاص ، وإن قلنا بالثاني ، فقد فات الإعراب بقتله ، فلا يجري عليه حكم المسلمين.

قال : والمأخذ الأوّل فاسد ؛ لأنّ الاستحقاق ينسب إلى جهة الإسلام ،

____________________

= ٣ : ٣٩٩ ، المبسوط - للسرخسي - ١٠ : ٢١٨ ، المغني ٦ : ٤٠٦ ، الشرح الكبير ٦ ٤١٨.

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٣.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٦٠٥ / ١٨٧٩ ، سنن أبي داوُد ٢ : ٢٢٩ / ٢٠٨٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٤٠٨ / ١١٠٢ ، سنن الدارمي ٢ : ١٣٧ ، مسند أحمد ١ : ٤١٥ / ٢٢٦٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٨.

٣٥٩

لا إلى آحاد المسلمين ، ولهذا لو أوصى مَنْ ليس له وارثٌ خاصّ لجماعةٍ من المسلمين لا يُجعل ذلك وصيّةً للورثة(١) .

فهذان مأخذان للمسألة عند الشافعيّة.

وفرّع بعضهم عليهما ما إذا ثبت لرجلٍ حقُّ قصاصٍ ولم يستوفه حتى مات وورثه المسلمون ، فعلى المأخذ الأوّل في بقاء القصاص القولان ، وعلى الثاني يبقى لا محالة(٢) .

وهذا لا يتأتّى على مذهبنا ؛ لأنّ المستحقّ لقصاصه وديته هو الإمام خاصّةً.

ولو قُتل اللقيط بعد البلوغ والإعراب بالإسلام ، اقتصّ له مع العمد ، وأُخذت الدية للإمام مع الخطأ.

ويجري هنا الخلاف للشافعيّة على المأخذ الأوّل ، دون الثاني(٣) .

ولو قُتل بعد البلوغ وقبل الإعراب ، جرى الخلاف على المأخذين ، ولكن الترتيب على ما قبل البلوغ ، إن منعنا القصاص ثَمَّ فهنا أولى ، وإن أوجبناه فهنا وجهان ؛ لقدرته على إظهار ما هو عليه(٤) .

والاختلاف الثاني في كيفيّة قول المنع.

فعن جماعةٍ منهم : البويطي والربيع : إنّه غير منصوصٍ عليه في المسألة بخصوصها ، لكن قال قائلون : إنّ اللقيط لا وارث له(٥) .

وروى البويطي : أن لا قصاص بقتل مَنْ لا وارث له ، فيتناول اللقيطَ تناولَ العموم للخصوص(٦) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٨ - ٤٠٩.

(٣ - ٦) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٩.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466