تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

تذكرة الفقهاء12%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 978-964-319-530-4
الصفحات: 466

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156123 / تحميل: 5491
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٩٦٤-٣١٩-٥٣٠-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

ولو انفصل الولد ميّتاً ، لم تجب قيمته ؛ لأنّا لا نعلم حياته قبل ذلك. ولأنّه لم يحل بينه وبينه ، وإنّما يجب التقويم لأجل الحيلولة.

إذا ثبت هذا ، فإنّ المشتري إن كان عالماً بالغصبيّة ، فالولد رقٌّ لمولاه ، ولا يرجع بالثمن على البائع ولا بما غرمه.

ويحتمل عندي رجوعه بالثمن إن(١) كان باقياً ، أمّا إذا تلف فلا.

وإن كان جاهلاً ، فإنّه يرجع بالثمن الذي دفعه وبما غرمه ممّا لا نفع في مقابلته ، كقيمة الولد.

وهل يرجع بما حصل له في مقابلته نفع ، كاُجرة الخدمة والسكنى والعقر؟ إشكال ينشأ من إباحة البائع له بغير عوض ، ومن استيفاء عوضه.

وتفصيل هذا أن يقال : إن علم المشتري بالغصب ، لم يرجع ؛ لأنّه قد أباح البائع إتلاف ماله بغير عوض ، وبه قال الشافعي(٢) .

والتحقيق ما قلناه من الرجوع مع قيام العين لا مع التلف.

وأمّا إذا لم يعلم المشتري بالغصب ، فعلى ثلاثة أضرب.

ضَرْبٌ : لا يرجع به عليه قولا واحدا ، وهو قيمتها إن تلفت في يده ، أو أرش البكارة إن تلفت في يده ، أو بدل جزء منها إن تلف في يده ، لأنّ المشتري دخل مع الغاصب على أن يكون ضامنا لذلك بالثمن ، فإذا ضمنه ، لم يرجع به ، وبه قال الشافعي(٣) .

و ضَرْبٌ : يرجع به قولاً واحداً ، وهو ما إذا ولدت في يده منه ورجع‌

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « إذا » بدل « إن ».

(٢) الوسيط ٣ : ٤١٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٠.

(٣) الوسيط ٣ : ٤١٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣١٦ - ٣١٧.

٣٤١

عليه بقيمة الولد ، فإنّه يرجع به على الغاصب ؛ لأنّه دخل معه على أن لا يكون الولد مضموناً عليه ، ولم يحصل من جهته إتلاف ، بل المتلف الشرع بحكم بيع الغاصب منه ، وبه قال الشافعي(١) .

الثالث : ما اختلف فيه ، وهو مهرها واُجرة منفعتها ، فهنا إشكال‌ تقدّم.

وللشافعي قولان :

ففي القديم : يرجع ؛ لأنّه دخل في العقد على أن يتلفه بغير عوض فقد غرّه.

وقال في الجديد : لا يرجع - وبه قال أبو حنيفة وأصحابه - لأنّه غرم ما استوفى به له ، فلم يرجع به(٢) .

ولو أمسكها ولم يستخدمها وتلفت المنفعة تحت يده ، ففي الرجوع للشافعي وجهان :

أحدهما : أنّه يرجع باُجرتها ؛ لأنّه لم يستوف بدل ما غرم ، ودخل في العقد على أن لا يضمنها.

والثاني : لا يرجع ؛ لأنّ تلفها تحت يده بمنزلة إتلافها(٣) .

مسألة ١٥٣ : يصحّ بيع الحامل بحُرٍّ ؛ لأنّها مملوكة‌ ، وحُرّيّة الحمل لا تُخرج الرقّيّة عن الملكيّة ، فيصحّ بيعها ؛ لوجود المقتضي السالم عن المعارض.

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٤٢٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٠.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٠ ، حلية العلماء ٥ : ٢٤٣ - ٢٤٤ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥١.

(٣) الوسيط ٣ : ٤٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٧٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥١.

٣٤٢

مسألة ١٥٤ : العبد المرتدّ إمّا أن يرتدّ عن فطرة أولا‌ ، فإن لم يكن عن فطرة ، صحّ بيعه ؛ لأنّه مملوك لا يجب قتله في الحال ، ويمكن بقاؤه بردّه إلى الإسلام ، فصحّ(١) بيعه ، كالقاتل.

وأمّا إن كانت عن فطرة ، ففي جواز بيعه إشكال ينشأ من تضادّ الأحكام ؛ إذ وجوب القتل ينافي جواز البيع ، ومن بقاء الملكيّة.

أمّا المرتدّة فإنّه يجوز بيعها مطلقاً ، سواء كانت عن غير فطرة أو عنها ؛ لعدم وجوب قتلها بالارتداد. ووجوب الحبس - إن أثبتناه في حقّها - لا ينافي الملكيّة والانتفاع.

وكذا يجوز بيع المريض المأيوس من بُرْئه لفائدة الإعتاق ، أمّا ما لا يستقرّ فيه الحياة فالأقوى بطلان بيعه وعتقه.

مسألة ١٥٥ : من اشترى جاريةً من وليّ اليتيم ، صحّ الشراء‌ ، وجاز له نكاحها واستيلادها عملاً بالمقتضي السالم عن المعارض ، وقول الكاظمعليه‌السلام وقد سُئل في رجل ترك أولاداً صغاراً ومماليك غلماناً وجواري ولم يُوص فما ترى فيمن يشتري منهم الجارية يتّخذها اُمّ ولد؟ وما ترى في بيعهم؟

فقال : « إن كان لهم وليّ يقوم بأمرهم باع عليهم وينظر لهم كان مأجوراً فيهم » قلت : فما ترى فيمن يشتري منهم الجارية فيتّخذها اُمّ ولد؟ قال : « لا بأس بذلك إذا باع عليهم القيّم لهم الناظر لهم فيما يصلحهم فليس لهم أن يرجعوا فيما صنع القيّم لهم الناظر فيما يصلحهم »(٢) .

مسألة ١٥٦ : إذا اشترى الإنسان ثلاث جوارٍ ثمّ دفعهنّ إلى البيّع‌ وقوّم‌

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : فيصحّ.

(٢) الكافي ٥ : ٢٠٨ / ١ ، الفقيه ٤ : ١٦١ - ١٦٢ / ٥٦٤ ، التهذيب ٧ : ٦٨ - ٦٩ / ٢٩٤ بتفاوت وزيادة فيها.

٣٤٣

عليه كلّ جارية بقيمة معيّنة ، وقال له : بع هؤلاء الجواري ولك نصف الربح ، فباع البيّع جاريتين وأحبل المالكُ الثالثةَ ، لم يكن عليه شي‌ء فيما أحبل ، وكان عليه للبيّع اُجرة مثل عمله فيما باع.

وقال الشيخ في النهاية : يكون عليه فيما باع نصف الربح(١) ؛ تعويلاً على رواية أبي علي بن راشد ، قال : قلت له : إنّ رجلاً اشترى ثلاث جوارٍ قوّم كلّ واحدة بقيمة فلمـّا صاروا إلى البيّع جعلهنّ بثمنٍ ، فقال للبيّع : لك عليَّ نصف الربح ، فباع جاريتين بفضل على القيمة وأحبل الثالثةَ ، قال : « يجب عليه أن يعطيه نصف الربح فيما باع ، وليس عليه فيما أحبل شي‌ء »(٢) .

وهذه الرواية غير مسندة إلى إمام.

وتُحمل هذه الرواية على ما إذا عيّن قدر الربح ، وكان القول على سبيل الجعالة.

____________________

(١) النهاية : ٤١٤.

(٢) التهذيب ٧ : ٨٢ / ٣٥٢.

٣٤٤

٣٤٥

الفصل الثاني

في الثمار‌

وفيه مطلبان :

الأوّل : في أنواعها. وهي ثلاثة :

الأوّل : في ثمرة النخل.

إذا باع ثمرة النخل ، فلا يخلو إمّا أن يكون قبل ظهورها أو بعده. فإن كان قبل ظهورها فلا يخلو إمّا أن يبيعها منفردةً أو منضمّةً إلى الغير إمّا الاُصول أو ثمرة سنة اُخرى ، أو غيرهما.

فإن باعها منفردةً ، لم يصحّ إجماعاً ؛ لأنّه غير موجود ولا معلوم الوجود ، ولا يمكن تسليمه ، ولا يُعلم حقيقته ولا وصفه ، فكان كبيع الملاقيح والمضامين ، بل هو هو في الحقيقة.

وروت العامّة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيع الثمار حتى تزهي ، قيل : يا رسول الله وما تزهي؟ قال : « حتى تحمّر »(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام وقد سُئل عن رجل اشترى بستاناً فيه نخل ليس فيه غير بُسْر أخضر ، فقال : « لا ، حتى يزهو » قلت : وما الزهو؟ قال : « حتى يتلوّن »(٢) .

وإن باعها منضمّةً إلى الأصول ، فالوجه عندي : البطلان ، إلّا أن يجعل‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ١٠١ ، سنن النسائي ٧ : ٢٦٤ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٠٠ ، الموطّأ ٢ : ٦١٨ / ١١.

(٢) الكافي ٥ : ١٧٦ / ٨ ، التهذيب ٧ : ٨٤ / ٣٥٩ ، الاستبصار ٣ : ٨٦ / ٢٩٤.

٣٤٦

انضمامها على سبيل التبعيّة فلا يضرّ فيها الجهالة ، كأساسات الحيطان واُصول الأشجار ، أمّا إذا جُعلت جزءاً مقصوداً من المبيع ، ففيه الإشكال ، يقتضي النصّ الجواز.

وإن باعها منضمّةً إلى شي‌ء غير الثمرة ، فإنّه يجوز. وينبغي أن يكون ذلك على سبيل التبعيّة لا الأصالة ؛ لما تقدّم ، لكنّ إطلاق النصّ يقتضي إطلاق الجواز.

روى سماعة قال : سألته عن بيع الثمرة هل يصلح شراؤها قبل أن يخرج طلعها؟ فقال : « لا ، إلّا أن يشتري معها شيئاً غيرها رطبةً أو بقلاً ، فيقول : أشتري منك هذه الرطبة وهذا النخل وهذا الشجر بكذا وكذا ، فإن لم تخرج الثمرة كان رأس مال المشتري في الرطبة والبقل »(١) .

والوجه عندي : المنع. وهذه الرواية مع ضعف سندها لم تُسند إلى إمامٍ ، فلا تعويل عليها.

وإن باعها منضمّةً إلى ثمرة سنة اُخرى ، فلا يخلو إمّا أن تكون السنة الاُخرى سابقةً ثمرتها موجودة أو لا حقة ، فإن كانت سابقةً ، صحّ إجماعاً.

وإن كانت لا حقةً أو كانت سابقةً لم تخرج ، جاز أيضاً ؛ لما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سُئل عن شراء النخل والكرم والثمار ثلاث سنين أو أربع سنين ، قال : « لا بأس به يقول : إن لم يخرج في هذه السنة أخرج في قابل »(٢) .

وفي الصحيح عن يعقوب بن شعيب أنّه سأل الصادقَعليه‌السلام عن شراء‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٧٦ / ٧ ، الفقيه ٣ : ١٣٣ / ٥٧٨ ، التهذيب ٧ : ٨٤ / ٣٦٠ ، الإستبصار ٣ : ٨٦ - ٨٧ / ٢٩٥.

(٢) الكافي ٥ : ١٧٥ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٣٢ / ٥٧٦ ، التهذيب ٧ : ٨٥ / ٣٦٤ ، الاستبصار ٣ : ٨٧ / ٢٩٩.

٣٤٧

النخل ، فقال : « كان أبي يكره شراء النخل قبل أن تطلع ثمرة السنة ، ولكن السنتين والثلاث ، كان يقول : إن لم يحمل في هذه السنة حمل في السنة الاُخرى »(١) .

ويحتمل قويّاً : المنع ؛ لأنّه مبيع غير مشاهد ولا معلوم الوصف والقدر ، فيكون باطلاً ؛ للغرر. ولأنّه كبيع الملاقيح والمضامين. ويُحمل قولهعليه‌السلام : « إن لم يخرج في هذه السنة » أي إن لم تدرك ، أو أراد إن لم تخرج في بعض السنة المتأخّرة عن سنة البيع.

ويؤيّد هذا : ما رواه أبو الربيع الشامي عن الصادقعليه‌السلام قال : « كان الباقرعليه‌السلام يقول : إذا بِيع الحائط فيه النخل والشجر سنة واحدة فلا يباعنّ حتى تبلغ ثمرته ، وإذا بِيع سنتين أو ثلاثاً فلا بأس ببيعه بعد أن يكون فيه شي‌ء من الخضرة »(٢) وتعليق الحكم على وصفٍ يقتضي نفيه عند عدمه.

مسألة ١٥٧ : ولو باع الثمرة بعد ظهورها قبل بدوّ صلاحها‌ ، فإمّا أن يبيعها منفردةً أو منضمّةً ، فإن باعها منفردةً ، فإمّا أن يبيعها بشرط القطع أو بشرط التبقية أو مطلقاً.

فإن باعها بشرط القطع ، صحّ البيع إجماعاً ؛ لأنّ مع شرط القطع يظهر أنّ غرض المشتري هو الحِصْرم والبلْح وأنّه حاصل.

وإن باعها بشرط التبقية ، فالأقوى عندي : الجواز ؛ لعموم( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٣) السالم عن صلاحيّة المعارض للمعارضة ؛ لأنّ المعارض ليس إلّا تجويز العاهة والتلف عليها ، لكن ذلك التجويز متطرّق إلى غير الثمار ،

____________________

(١) التهذيب ٧ : ٨٧ / ٣٧٣ ، الاستبصار ٣ : ٨٦ / ٢٩٢.

(٢) الفقيه ٣ : ١٥٧ - ١٥٨ / ٦٩٠ ، التهذيب ٧ : ٨٧ / ٣٧٢ ، الإستبصار ٣ : ٨٦ / ٢٩٣.

(٣) البقرة : ٢٧٥.

٣٤٨

كالحيوان وشبهه ، فلو كان مانعاً من بيع الثمرة ، لكان مانعاً من بيع الحيوان ؛ والتالي باطل بالإجماع ، فالمقدّم مثله. ولأنّه مال مملوك طاهر منتفع به فجاز بيعه. ولأنّه يجوز بيعه بشرط القطع إجماعاً ، فجاز بشرط التبقية ، كما لو باعه بعد بدوّ الصلاح بشرط التبقية.

ولما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سُئل عن الرجل يشتري الثمرة المسمّاة من أرض فتهلك تلك(١) الأرض كلّها ، فقال : « اختصموا في ذلك إلى رسول الله ٦ فكانوا يذكرون ذلك فلمـّا رآهم لا يدعون الخصومة نهاهم عن ذلك البيع حتى تبلغ الثمرة ولم يحرّمه ، ولكن فعل ذلك من أجل خصومتهم »(٢) .

وعن الباقرعليه‌السلام قال : « خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فسمع ضوضاء(٣) ، فقال : ما هذا؟ فقيل : تبايع الناس بالنخل فقعد(٤) النخل العام ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أما إذا فعلوا فلا تشتروا النخل العام حتى يطلع فيه شي‌ء. ولم يحرّمه »(٥) .

ومَنَع جماعة(٦) من علمائنا هذا البيع - وهو مذهب الفقهاء الأربعة(٧) -

____________________

(١) في الكافي والفقيه : ثمرة تلك.

(٢) الكافي ٥ : ١٧٥ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٣٢ / ٥٧٦ ، التهذيب ٧ : ٨٥ / ٣٦٤ ، الاستبصار ٣ : ٨٧ / ٢٩٩.

(٣) الضوضاة : أصوات الناس وجلبتهم. الصحاح ٦ : ٢٤١٠ « ضوا ».

(٤) في « ق ، ك » : ففقد. وقعدت النخلة : حملت سنة ولم تحمل اُخرى. القاموس المحيط ١ : ٣٢٨ « قعد ».

(٥) الكافي ٥ : ١٧٤ - ١٧٥ / ١ ، التهذيب ٧ : ٨٦ / ٣٦٦ ، الاستبصار ٣ : ٨٨ / ٣٠١.

(٦) منهم : الشيخ الطوسي في النهاية : ٤١٤ - ٤١٥ ، والمبسوط ٢ : ١١٣ ، والخلاف ٣ : ٨٥ ، المسألة ١٤٠ ، والمحقّق الحلّي في شرائع الإسلام ٢ : ٥٢ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٢٥٠.

(٧) بداية المجتهد ٢ : ١٤٩ ، المعونة ٢ : ١٠٠٥ ، التلقين ٢ : ٣٧٣ ، الحاوي الكبير ٥ : =

٣٤٩

للحديث(١) الذي رواه العامّة أوّلاً ، وما رواه الخاصّة أيضاً ، وقد سبق(٢) .

وأيضاً ما رواه سليمان بن خالد عن الصادقعليه‌السلام قال : « لا يشترى(٣) النخل حولاً واحداً حتى يطعم إن كان يطعم ، وإن شئت أن تبتاعه سنتين فافعل »(٤) .

وسأل الحسنُ بن علي الوشّاء الرضاعليه‌السلام : هل يجوز بيع النخل إذا حمل؟ فقال : « لا يجوز بيعه حتى يزهو » قلت : وما الزهو جعلت فداك؟

قال : « يحمرّ ويصفرّ وشبه ذلك »(٥) .

والجواب : حمل النهي على الكراهة ؛ جمعاً بين الأدلّة خصوصاً وقد نصّ الإمامعليه‌السلام على ذلك.

وإن باعها مطلقاً ولم يشترط القطع ولا التبقية ، فالأقوى عندي : الجواز - وبه قال أبو حنيفة(٦) - لأنّه لو شرط القطع ، جاز إجماعاً ، ولو شرط التبقية ، جاز على الأقوى ، والإطلاق لا يخلو عنهما ، فكان الجواز أقوى. ولما تقدّم من الأدلّة. ولأنّ القطع تفريغ ملك البائع ونقل المبيع‌

____________________

= ١٩٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٦ و ٣٤٧ ، الوسيط ٣ : ١٨١ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٠ ، المغني ٤ : ٢١٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٣١.

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٣٤٥ ، الهامش (١).

(٢) في ص ٣٤٥.

(٣) في المصدر : « لا تشتر ».

(٤) التهذيب ٧ : ٨٨ / ٣٧٤ ، الاستبصار ٣ : ٨٥ / ٢٩٠.

(٥) الكافي ٥ : ١٧٥ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٨٥ / ٣٦٣ ، الإستبصار ٣ : ٨٧ / ٢٩٨.

(٦) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٥ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٩١ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٢ ، حلية العلماء ٤ : ٢١٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٧ ، بداية المجتهد ٢ : ١٤٩ ، المعونة ٢ : ١٠٠٦ ، المغني ٤ : ٢١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٣١.

٣٥٠

عنه ، وليس ذلك شرطاً في البيع.

ومَنَع جماعة(١) من أصحابنا إطلاقَ البيع هنا - وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق(٢) - لأنّ الإطلاق يقتضي التبقية ، وهو منهيّ عنها.

ولأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أطلق النهي عن بيع الثمرة قبل بدوّ صلاحها(٣) ، وهذا يقتضي النهي عن بيع مطلق. ولأنّ النقل في الثمار إنّما يكون عند بلوغ الثمرة في العرف والعادة ، فينصرف إليه مطلق البيع كإطلاق الثمن مع العرف في نقد(٤) البلد ، فإنّه ينصرف إليه.

والجواب : لا نسلّم النهي عن التبقية. وما ورد(٥) عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك فقد بيّنّا أنّه للكراهة. ونحن نسلّم عود الإطلاق إلى التبقية ، ونمنع التحريم فيها ؛ لما بيّنّا من جواز اشتراطها.

تذنيب : إذا باعها مطلقاً ، وجب على البائع الإبقاء مجّاناً إلى حين أخذها عرفاً‌ ، كما فيما بعد بدوّ الصلاح.

وقال أبو حنيفة : المطلق يقتضي القطع في الحال ، فهو بمنزلة ما لو شرط القطع عنده ، ولهذا جوّز المطلق ؛ لأنّ بيعه قبل بدوّ الصلاح بشرط‌

____________________

(١) منهم : الشيخ الطوسي في المبسوط ٢ : ١١٣ ، والخلاف ٣ : ٨٥ ، المسألة ١٤٠ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٢٥٠.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٠ ، الوسيط ٣ : ١٨١ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٩١ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٢ ، حلية العلماء ٤ : ٢١٢ - ٢١٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٦ و ٣٤٧ ، بداية المجتهد ٢ : ١٤٩ ، المعونة ٢ : ١٠٠٦ ، التلقين ٢ : ٣٧٣ ، المغني ٤ : ٢١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٣١.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ١٠١ ، صحيح مسلم ٣ : ١١٦٧ / ٥٤ ، سنن النسائي ٧ : ٢٦٢ - ٢٦٣ ، الموطّأ ٢ : ٦١٨ / ١٠ ، مسند أحمد ٢ : ٧٠ ، ٤٥١١ ، و ١٧٠ / ٥٢٧٠.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « إطلاق » بدل « نقد ».

(٥) في الطبعة الحجريّة : وما روي.

٣٥١

التبقية عنده باطل(١) .

وإن باعها قبل بدوّ الصلاح منضمّةً إلى شي‌ء أو إلى ثمرة سنة اُخرى ، فإنّه يجوز إجماعاً منّا ؛ لرواية يعقوب بن شعيب - الصحيحة - عن الصادقعليه‌السلام قال : « إذا كان الحائط فيه ثمار مختلفة فأدرك بعضها فلا بأس ببيعه جميعاً »(٢) .

مسألة ١٥٨ : لو باع بستاناً بدا صلاح بعضه ولم يَبْدُ صلاح الباقي‌ ، فعلى ما اخترناه نحن يجوز ؛ لأنّا جوّزنا بيع ما لم يَبْدُ صلاحه منفرداً فمنضمّاً إلى ما بدا صلاحه أولى.

أمّا القائلون بالمنع من علمائنا فإنّه يجوز عندهم أيضاً ؛ لأنّ العاهة قد اُمنت فيما بدا صلاحه ، فجاز بيعه ، وما لم يَبْدُ صلاحه يجوز بيعه منضمّاً إليه تبعاً ، كما لو باعه مع الزرع.

ولما رواه يعقوب بن شعيب - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام : « إذا كان الحائط فيه ثمار مختلفة فأدرك بعضها فلا بأس ببيعه جميعاً »(٣) .

وهل يشترط اتّحاد البستان؟ قال الشيخ : نعم ، بمعنى أنّه لو كان بستان قد بدا صلاحه والبستان الآخر لم يَبْدُ صلاح شي‌ء منه ، لم يجز بيعهما صفقةً واحدة. ولو كان بعض نخل البستان الواحد قد بدا صلاحه والبعض الآخر لم يَبْدُ صلاحه ، جاز بيعه أجمع في عقدٍ واحد(٤) .

وهذا القول لا اعتبار به عندنا.

والشافعي فصّل هنا ، فقال : إن كانت النخلة واحدةً بأن بدا صلاح‌

____________________

(١) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٥ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٩ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٩١ ، حلية العلماء ٤ : ٢١٤ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٧ ، المغني ٤ : ٢١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٣١ - ٢٣٢.

(٢و٣) الكافي ٥ : ١٧٥ / ٥ ، التهذيب ٣ : ٨٥ / ٣٦٢ ، الاستبصار ٣ : ٨٧ / ٢٩٧.

(٤) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١١٤.

٣٥٢

بعض طلعها وبعضه لم يَبْدُ صلاحه ، جاز بيع ثمرتها أجمع صفقةً واحدة ؛ لعسر التمييز والفرق بينهما. وإن تعدّد النخل وكان بعضه قد بدا صلاحه دون البعض ، فإن كان البستان واحدا وضمّ أحدهما إلى الآخر في الصفقة ، جاز ، كما في النخلة الواحدة وإن كان ما بدا صلاحه نخلة واحدة.

وإن أفرد ما بدا صلاحه بالبيع ، صحّ إجماعاً. وإن أفرد ما لم يَبْدُ صلاحه بالبيع ، ففي اشتراط شرط القطع وجهان ، سواء اتّحد نوع النخل أو اختلف :

أحدهما : أنّه يشترط ، إذ ليس في المبيع شي‌ء قد بدا صلاحه ، فيتبعه في عدم شرط القطع.

والثاني : أنّه لا يشترط ، ويكون ما لم يَبْدُ صلاحه تابعاً لما بدا ؛ لدخول وقت بدوّ الصلاح ، فكأنّه موجود بالفعل.

ولو اختلف نوع الثمرة - كالبرني والمعقلي - في البستان الواحد فأدرك نوع دون آخر وباعهما صفقةً واحدة ، ففي الجواز وجهان أحدهما : أنّه يجوز ؛ لأنّه إذا كان يضمّ بعضٍ النوع إلى بعض آخر ضمّ نوعٍ إلى نوع آخر من جنسه كالزكاة. والثاني : لا يضمّ ؛ لأنّه قد يتباعد إدراكهما ، فصارا كالجنسين.

ولو اختلف جنس الثمرة فكان أحدهما رطباً والآخر عنبا وبدا صلاح أحد الجنسين وضمّهما في البيع ، وجب شرط القطع فيما لم يَبْدُ صلاحه منهما ، ولا يتبع أحد الجنسين الآخرَ. وإن تعدّد البستان فبدا صلاح أحدهما دون الآخر ، فإنّه لا يتبع أحدهما الآخر(١) ، بل يجب شرط القطع فيما لم يَبْدُ صلاحه - وبه قال أحمد - لأنّه إنّما جعل ما لم يَبْدُ صلاحه تابعاً في‌

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : فإنّه لا يتبعه أحدهما.

٣٥٣

البستان الواحد ؛ لما فيه من اشتراك الأيدي والتضرّر به ، أمّا ما كان في قراح آخر فوجب أن يعتبر بنفسه(١) .

وقال مالك : يجوز ضمّ أحد البستاين إلى الآخر وإن أدرك أحدهما خاصّة دون البستان الآخر من غير شرط القطع إذا كان مجاوراً له وكان الصلاح معهوداً لا منكراً(٢) .

وربما نُقل(٣) عنه الضبط في المجاور ببساتين البلدة الواحدة ؛ لأنّ الغرض الأمن من العاهة ، وما جاوره بمنزلة ما في هذا القراح.

مسألة ١٥٩ : لو كان الذي بدا صلاحه من النخل لواحدٍ وما لم يَبْدُ صلاحه لآخر‌ ، فباع مالك ما لم يَبْدُ صلاحه ثمرة ملكه ، جاز عندنا مطلقاً وعند جماعة من علمائنا والجمهور بشرط القطع.

وللشافعي قول آخر ، وهو : أنّه فصّل فقال : لا يخلو إمّا أن يكونا معاً في بستانٍ واحد أو نخل كلّ واحد منهما في بستان منفرد.

فإن كانا في بستان واحد ، فوجهان مع اتّحاد المالك على ما تقدّم.

وأمّا مع تعدّده فقولان :

أحدهما : طرد الوجهين هنا.

والثاني : القطع بالمنع ؛ إذ لا يتعدّى حكم أحد المالكين إلى الآخر ، فيجب شرط القطع.

وإن كانا في بستانين ، فقولان :

____________________

(١) اُنظر العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٩ ، وروضة الطالبين ٣ : ٢١١ - ٢١٢.

(٢) بداية المجتهد ٢ : ١٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٩ ، حلية العلماء ٤ : ٢١٥ ، المغني ٤ : ٢٢٣.

(٣) كما في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٩.

٣٥٤

أحدهما : القطع بأنّه لا عبرة به ، ولا نظر إلى بدوّ الصلاح في بستان غير البائع.

والثاني : أنّه إذا لم يفرق فيما إذا بدا فيه الصلاح من ذلك البستان ولم يدخل في البيع بين أن يكون ملك البائع أو ملك غيره ، فقياسه أن لا يفرق فيما بدا فيه الصلاح في بستانٍ آخر أيضاً إذا لم يشترط اتّحاد البستان(١) .

مسألة ١٦٠ : إذا باعه الثمرة قبل بدوّ الصلاح بشرط القطع ، جاز‌ إجماعاً على ما تقدّم ، ويجب الوفاء به على المشتري ( إذا لم يشترطه )(٢) على البائع.

ولو تراضيا على الترك جاز إجماعاً منّا ، وبه قال الشافعي(٣) ، وكان بدوّ الصلاح بمنزلة كبر العبد الصغير.

وقال أحمد : يبطل البيع وتعود الثمرة إلى البائع(٤) . وليس(٥)

ولو أبقاه المشتري ولم ينكر البائع أو أنكر ، فعلى المشتري اُجرة المثل عن مدّة الإبقاء.

تذنيب : لا فرق بين ما إذا اشترط القطع في مقطوع ينتفع به أو لا ينتفع به‌ ؛ عملاً بالأصل ، فلو شرط القطع فيما لا منفعة فيه - كالجوز والكُمَّثْرى - جاز.

وقال بعض الشافعيّة : لا يجوز البيع بشرط القطع إلّا إذا كان المقطوع‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٢.

(٢) بدل ما بين القوسين في « ق ، ك » : إلّا أن يشترطه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٠.

(٤) المغني ٤ : ٢٢١ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٢٣ - ٢٢٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٧.

(٥) كذا في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة. والظاهر : « ليس بجيّد ».

٣٥٥

ممّا ينتفع به ، كالحِصْرم واللوز(١) .

مسألة ١٦١ : لو كانت الأشجار للمشتري فباع الثمرة عليه بأن يبيع الشجرة من إنسان بعد ظهور الثمرة‌ ويُبقي الثمرة له ثمّ يبيع الثمرة من مشتري الشجرة ، أو يوصي بالثمرة لإنسان ثمّ يبيع الموصى له الثمرة من الوارث ، لم يشترط اشتراط القطع عندنا ؛ لما مرّ.

وأمّا المشترطون فقد اختلفوا هنا.

فقال أكثر الشافعيّة : إنّه يشترط شرط القطع في صحّة البيع ؛ لشمول الخبر ، وللمعنى أيضاً ؛ فإنّ المبيع هو الثمرة ، ولو تلفت لم يبق في مقابلة الثمن شي‌ء لكن يجوز له الإبقاء ، ولا يلزمه الوفاء بالشرط هنا ؛ إذ لا معنى لتكليفه قطع ثماره من أشجاره(٢) .

وقال بعضهم : لا حاجة إلى شرط القطع ؛ لأنّه يجمعهما ملك مالكٍ واحد ، فأشبه ما لو اشتراهما معاً(٣) .

ولو باع الشجرة وعليها ثمرة مؤبّرة ، بقيت للبائع ، فلا حاجة إلى شرط القطع ؛ لأنّ المبيع هو الشجرة وليست متعرّضةً للعاهات ، والثمرة مملوكة بحكم الدوام.

ولو كانت الثمرة غير مؤبّرة فاستثناها البائع لنفسه ، صحّ عندنا ، ولم يجب شرط القطع.

وللشافعيّة وجهان :

أحدهما : نعم ؛ لأنّ الثمار والحال هذه مندرجة لو لا الاستثناء ، فكان كملكٍ مبتدأ.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٠.

(٢و٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٠.

٣٥٦

وأصحّهما عندهم : أنّه لا يجب ؛ لأنّه في الحقيقة استدامة ملك ، فعلى هذا له الإبقاء إلى وقت الجذاذ. ولو صرّح بشرط الإبقاء ، جاز ، وعلى الأوّل لا يجوز(١) .

مسألة ١٦٢ : لو باع الثمار مع الاُصول قبل بدوّ الصلاح من غير شرط القطع ، جاز إجماعاً ؛ لقولهعليه‌السلام : « مَنْ باع نخلاً بعد أن تؤبّر فثمرتها للبائع إلّا أن يشترط المبتاع »(٢) دلّ على أنّه لو اشترطها ، كانت للمشتري ، وذلك هو بيع الثمرة مع الاُصول. ولأنّ الثمرة هنا تتبع الأصل ، والأصل غير معرّض للعاهة. ويحتمل في التابع(٣) ما لا يحتمل في غيره إذا اُفرد بالتصرّف ، كالحمل في البطن ، واللبن في الضرع ، والسقف مع الدار وأساسات الحيطان.

ولو شرط بائع الأصل والثمرة قطع الثمرة قبل بدوّ الصلاح ، لم يجز ؛ لتضمّنه الحجر عليه في ملكه.

مسألة ١٦٣ : لو باع الثمرة بعد بدوّ صلاحها ، جاز مطلقاً وبشرط القطع إجماعاً‌ ؛ للأصل السالم عن معارضة تطرّق الآفة.

ولو باعها حينئذٍ بشرط التبقية ، جاز عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي ومالك وأحمد(٤) - لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيع الثمرة حتى‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١١.

(٢) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٦٨ / ٣٤٣٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٤٦ / ١٢٤٤ ، سنن النسائي ٧ : ٢٩٧ ، مسند الحميدي ٢ : ٢٧٧ / ٦١٣.

(٣) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : البائع. والصحيح ما أثبتناه.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٨ ، حلية العلماء ٤ : ٢١٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٦ ، التلقين ٢ : ٣٧٢ ، المعونة ٢ : ١٠٠٦ ، المغني ٤ : ٢٢٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٦٣.

٣٥٧

تزهي(١) ، وقد ثبت أنّه إنّما نهى عنه قبل أن تزهي عن بيعٍ يتضمّن التبقية ؛ لأنّه يجوز شرط القطع عند أبي حنيفة مطلقاً(٢) ، فثبت أنّ الذي أجازه هو الذي نهى عنه(٣) .

ولأنّ النقل والتحويل يجوز في البيع بحكم العرف ، فإذا شُرط جاز ، كما لو شرط أن ينقل الطعام من ملك البائع حسب الإمكان ، فإنّه يجوز.

ولأنّ النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها ، والحكم بعد الغاية يخالف الحكم قبلها.

ثمّ عند الإطلاق يجوز الإبقاء [ إلى ](٤) أوان الجذاذ ؛ للعرف. وشرط التبقية تصريح بما هو من مقتضيات العقد.

وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا يجوز بشرط التبقية ، ويجب القطع في الحال في صورة الإطلاق ، إلّا أنّ محمّداً يقول : إذا تناهى عظم الثمرة ، جاز فيها شرط التبقية ؛ لأنّ هذا شرط الانتفاع بملك البائع على وجه لا يقتضيه العقد ، كما لو شرط تبقية الطعام في منزله(٥) .

والجواب : نسلّم الملازمة ، ونمنع بطلان التالي ، وما لا يقتضيه العقد يجوز اشتراطه إذا لم يُناف العقد ولا الشرع. وشَرْطُ تبقية الطعام في منزله جائز عندنا.

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ١٠١ ، سنن النسائي ٧ : ٢٦٤ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٠٠ ، الموطّأ ٢ : ٦١٨ / ١١.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٥ ، المغني ٤ : ٢٢٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٦٣ - ٢٦٤.

(٣) كذا ورد قوله : « وقد ثبت نهى عنه » في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة ، فلا حظ.

(٤) أضفناها لأجل السياق.

(٥) المغني ٤ : ٢٢٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٦٣ - ٢٦٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٩٣ ، حلية العلماء ٤ : ٢١٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٦.

٣٥٨

مسألة ١٦٤ : يجوز عندنا بيع الثمار بعد بدوّ صلاحها مع ما يحدث بعدها في تلك السنة أو سنة أخرى‌ - وبه قال مالك(١) - لما تقدّم(٢) من قول الصادقعليه‌السلام وقد سُئل عن شراء النخل والكرم والثمار ثلاث سنين أو أربع سنين : « لا بأس به » وإذا جاز(٣) ذلك قبل بدوّ الصلاح فبعده أولى.

ومَنَع الشافعي منه(٤) وليس بجيّد.

مسألة ١٦٥ : حدّ بدوّ الصلاح في ثمرة النخل تغيّر اللون من الخضرة‌ - التي هي لون البَلَح - إلى الحمرة أو الصفرة - وهو قول أكثر الجمهور(٥) - لما رواه العامّة من قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « حتى تزهي » قيل : يا رسول الله وما تزهي؟ قال : « حتى تحمرّ أو تصفرّ »(٦) .

وفي حديثٍ آخر : « حتى تحمارّ أو تصفارّ »(٧) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « حتى يزهو » قلت : وما الزهو؟ قال : « حتى يتلوّن »(٨) .

وعن الرضاعليه‌السلام : « حتى يزهو » قال الراوي : قلت : وما الزهو جُعلت فداك؟ قال : « يحمرّ ويصفرّ وشبه ذلك »(٩) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٦.

(٢) في ص : ٣٤٦.

(٣) في « ق ، ك » : أجاز.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠٩.

(٥) المغني ٤ : ٢٢٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٠١ - ٣٠٧.

(٦) أورده الماوردي في الحاوي الكبير ٥ : ١٩٤ ، والرافعي في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٠.

(٧) صحيح البخاري ٣ : ١٠١ ، المغني ٤ : ٢٢٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٣١٠.

(٨) الكافي ٥ : ١٧٦ / ٨ ، التهذيب ٧ : ٨٤ / ٣٥٩ ، الاستبصار ٣ : ٨٦ / ٢٩٤.

(٩) الكافي ٥ : ١٧٥ / ٣ ، الفقيه ٣ : ١٣٣ / ٥٨٠ ، التهذيب ٧ : ٨٥ / ٣٦٣ ، الاستبصار ٣ : ٨٧ / ٢٩٨.

٣٥٩

وحكي عن بعض الفقهاء أنّه قال : بدوّ الصلاح في الثمار بطلوع الثريّا(١) ؛ لأنّ ابن عمر روى أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيع الثمار حتى تذهب العاهة ، فقال له عثمان بن عبد الله بن سراقة : متى ذلك؟ قال : إذا طلع الثريّا(٢) .

والجواب : هذه التتمّة من قول ابن عمر لا من قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا عبرة به ، وإنّما قال ذلك بناء على عادة أهل تلك البلاد أنّ طلوع الثريّا إنّما يكون عند بلوغ الثمرة ، وإلّا فهو مختلف في البلاد. والغرض ببلوغ الثمرة زوال الغرر الحاصل من تطرّق العاهة ، وذلك يحصل ببلوغها لا بطلوع الثريّا.

الثاني : في ثمرة الأشجار.

مسألة ١٦٦ : لا يجوز بيع ثمرة الشجرة(٣) قبل ظهورها عاماً واحداً‌ إجماعاً ، لأنّها معدومة ، فكانت كبيع الملاقيح والمضامين ، إذ لا فرق بينهما ، فإنّ كلّ واحد منهما نماء وثمرة مستكنّ في أصله لم يبرز إلى الخارج.

وهل يجوز بيعها قبل ظهورها عامين؟ الأقوى عندي : المنع ، وقد تقدّم البحث فيه في ثمرة النخل ، والخلاف هنا كما هو ثمّ.

وكذا لو باع الثمرة قبل ظهورها منضمّة إلى شي‌ء آخر.

مسألة ١٦٧ : ويجوز بيع ثمرة الشجرة(٤) بعد ظهورها وإن لم يَبْدُ صلاحها سنة‌ ، وبعده بشرط القطع ومطلقاً وبشرط التبقية ؛ لما مرّ.

____________________

(١) بداية المجتهد ٢ : ١٥١.

(٢) مسند أحمد ٢ : ١٤٦ / ٥٠٨٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٠٠.

(٣و٤) في « ق ، ك ‍» : الشجر.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

بلوغه حدّ التمييز عند الشافعي في القديم(١) ، فإذا بلغ وانتسب إلى أحدهما رجع الآخَر عليه بما أنفق ، قاله الشافعي(٢) .

ويحتمل عدم الرجوع ؛ لأنّه مُقرٌّ باستحقاق الإنفاق عليه.

ولو انتفت البيّنة عنهما ، فقد قلنا بالقرعة ، وعند الشافعي وأحمد الرجوع إلى القافة ، فإن لم توجد قافة أو أشكل الأمر عليها أو تعارضت أقوالها أو وُجد مَنْ لا يوثق بقوله ، لم يرجّح أحدهما بذكر علامةٍ في جسده ؛ لأنّ ذلك لا يرجّح به في سائر الدعاوي سوى الالتقاط في المال ، ويضيع نسبه(٣) .

ولهم قولٌ آخَر : إنّه يُترك حتى يبلغ وينتسب إلى مَنْ شاء(٤) .

وقال أصحاب الرأي : يلحق بالمدّعيين بمجرّد الدعوى ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما لو انفرد سُمعت دعواه ، فإذا اجتمعا وأمكن العمل بهما وجب ، كما لو أقرّا له بمالٍ(٥) .

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّ دعواهما تعارضت ، ولا حجّة لواحدٍ منهما ، فلم يثبت ، كما لو ادّعيا رقّه.

وقول الشافعي : « إنّه يُحكم به لمن يميل قلبه إليه »(٦) ليس بشي‌ءٍ ؛

____________________

(١) المغني ٦ : ٤٣٣ ، الشرح الكبير ٦ : ٤٤٠.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١٥ و ٤١٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٥ - ٥٠٦ و ٥٠٨ ، المغني ٦ : ٤٣٢ - ٤٣٣ ، الشرح الكبير ٦ : ٤٣٩.

(٤) المغني ٦ : ٤٣٣ ، الشرح الكبير ٦ : ٤٣٩ ، وراجع : الهامش (١) من ص ٣٧٧.

(٥) المغني ٦ : ٤٣٣ ، الشرح الكبير ٦ : ٤٤٠ ، وراجع : الهامش (٤) من ص ٣٧٥.

(٦) راجع : الهامش (١) من ص ٣٧٧.

٣٨١

لأنّ الميل القلبي لا ينحصر في القرابة ، فإنّ المحسن يميل الطبع إليه ، فإنّ القلوب جُبلت على حُبّ مَنْ أحسن إليها وبُغض مَنْ أساء إليها ، وقد يميل إليه لإساءة الآخَر إليه ، وقد يميل إلى أحسنهما خلقاً وأعظمهما قدراً أو جاهاً أو مالاً ، فلا يبقى للميل أثر في الدلالة على النسب.

وقول عمر : والِ أيّهما شئت(١) ، ليس بحجّةٍ ؛ لأنّه إنّما أمره بالموالاة ، لا بالانتساب.

وعلى قول الشافعي : « إنّه يلحق بمن ينتسب إليه » لو انتسب إلى أحدهما ثمّ عاد وانتسب إلى الآخَر ، أو نفى نسبه من الأوّل ولم ينتسب إلى أحدٍ ، لم يُقبل منه ؛ لأنّه قد ثبت نسبه ، فلا يُقبل رجوعه(٢) .

والتصديق عندنا معتبر في حقّ البالغ العاقل ، فيجي‌ء هذا الحكم عليه.

مسألة ٤٥٠ : ولو لم ينتسب اللقيط إلى أحد المدّعيين ، بقي الأمر موقوفاً على القرعة عندنا وإلى أن يظهر نسبه بالقافة عند الشافعيّة(٣) أو بالبيّنة.

ولو انتسب إلى غير المدّعيين وادّعاه ذلك الغير ، ثبت نسبه منه ، وبه قال الشافعيّة(٤) .

ولهم وجهٌ آخَر : إنّه إن كان الرجوع إلى انتسابه بسبب إلحاق القائف بهما جميعاً لم يُقبل انتسابه إلى غيرهما(٥) .

ولو انتسب إلى أحدهما لفقد القائف ثمّ وجد القائف ، قال الشافعي :

____________________

(١) الموطّأ ٢ : ٧٤٠ - ٧٤١ / ٢٢ ، سنن البيهقي ١٠ : ٢٦٣ ، شرح معاني الآثار ٤ : ١٦٢ ، المغني ٦ : ٤٣٣ ، الشرح الكبير ٦ : ٤٤٠.

(٢) الحاوي الكبير ٨ : ٥٤ ، البيان ٨ : ٢٥.

(٣) راجع : الهامش (٢) من ص ٣٧٢.

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٦.

٣٨٢

يُعرض عليه ، فإن ألحقه بالثاني ، قدّمنا قوله على الانتساب ؛ لأنّه حجّة أو حكم(١) .

وقال بعضهم : يُقدّم الانتساب على قول القائف ، وعلى هذا فمهما ألحقه القائف بأحدهما فللآخَر أن ينازعه ويقول : ننتظر حتى يبلغ فينتسب(٢) .

وهذا كلّه عندنا باطل ؛ إذ لا عبرة بقول القائف في مذهبنا لو خلا عن المعارض فكيف إذا عارضه التصديق.

وعلى قول الشافعي لو ألحقه القائف بأحدهما ثمّ أقام الآخَر بيّنةً ، قُدّمت البيّنة على قول القائف ؛ لأنّ البيّنة حجّة يعتمد عليها في كلّ خصومةٍ ، وقول القائف مستنده حدس وتخمين(٣) .

وقال بعض الشافعيّة : لا ننقض ما حكمنا به ولا نعمل بالبيّنة(٤) .

مسألة ٤٥١ : لو ادّعت المرأة بنوّته ، ففي إلحاقها بالرجل في ثبوت النسب بمجرّد الدعوى من غير تصديقٍ ولا بيّنةٍ إذا لم يكن معارض قولان لعلمائنا سبقا(٥) .

فإن قلنا بمساواتها للرجل لو ادّعت امرأتان بنوّته وأقامتا بيّنتين أو لم تكن هناك بيّنة ، فالقرعة عندنا ، كالرجلين.

وللشافعيّة في عرضه على القافة وجهان :

أحدهما : المنع ؛ لأنّ معرفة الأُمومة يقيناً بمشاهدة الولادة ممكنة.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٦ - ٥٠٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٧.

(٥) في ص ٣٦٩.

٣٨٣

وأصحّهما : إنّه يُعرض ؛ لأنّ قول القائف حجّة أو حكم ، فكان كالبيّنة ، وعلى هذا تبتنى تجربة القائف وامتحانه(١) .

وإذا ألحقه القائف بإحداهما وهي ذات زوجٍ ، لحق زوجها أيضاً عند الشافعيّة ، كما لو قامت البيّنة(٢) .

ولهم وجهٌ آخَر : إنّه لا يلحقه(٣) .

وهو المعتمد ؛ لأنّ قول القائف لا يصلح للإلحاق بالمنكر ، فإنّ القائف لا يلحق المنبوذ بمن لا يدّعيه.

ولا فرق بين أن تكون إحدى الامرأتين مسلمةً والأُخرى كافرةً أو كانتا كافرتين.

وروي عن أحمد في يهوديّةٍ ومسلمةٍ ولدتا فادّعت اليهوديّة ولد المسلمة ، فتوقّف ، فقيل : يرى القافة ، فقال : ما أحسنه ، ولأنّ الشبه يوجد بينها وبين ابنها كما يوجد بين الرجل وابنه بل أكثر ؛ لاختصاصها بحمله وتغذيته ، والكافرة والمسلمة والحُرّة والأمة في التشابه سواء(٤) .

وقد عرفت بطلان القول بالقافة عندنا.

ولو ألحقته القافة بأُمّين ، لم يلحق بهما إجماعاً عندنا وعند القائلين بالقافة(٥) ؛ لأنّه يُعلم خطؤه يقيناً.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٥٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٤٥ ، حلية العلماء ٥ : ٥٦٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٧٧ ، البيان ٨ : ٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٧.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٧٧ ، البيان ٨ : ٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٧.

(٤) المغني ٦ : ٤٣٤ - ٤٣٥ ، الشرح الكبير ٦ : ٤٣٦ - ٤٣٧.

(٥) المغني ٦ : ٤٣٥ ، الشرح الكبير ٦ : ٤٣٧.

٣٨٤

وقال أصحاب الرأي : يلحق بهما بمجرّد الدعوى ؛ لأنّ الأُم أحد الأبوين ، فجاز أن يلحق بأُمّين كالآباء(١) .

وهذا غلط ؛ لأنّا نعلم يقيناً استحالة كونه منهما ، فلم يجز إلحاقه بهما ، كما لو كان أكبر منهما أو مثلهما.

وفرّق الشافعيّة بين الأُمّين والأبوين ؛ لأنّه يجوز اجتماع نطفتي رجلين في رحم امرأةٍ ويمكن أن يخلق منهما ولد ، كما يخلق من نطفة الرجل وامرأةٍ ، ولذلك قال القائف لعمر : قد اشتركا فيه(٢) ، ولا يلزم من إلحاقه بمَنْ يتصوّر كونه منه إلحاقه بمَنْ يستحيل تكوّنه منه ، كما لم يلزم من إلحاقه بمَنْ يولد مثله لمثله إلحاقه بأصغر منه(٣) .

مسألة ٤٥٢ : ولو ادّعى نسبه رجل وامرأة ، أُلحق بهما ؛ لأنّه لا تنافي بينهما ؛ لإمكان أن يكون بينهما نكاح أو وطؤ شبهة ، فيلحق بهما جميعاً ، فيكون ابنهما بمجرّد دعواهما ، كما لو انفرد كلّ واحدٍ منهما بالدعوى.

ولو قال الرجل : هذا ابني من زوجتي وادّعت زوجته ذلك وادّعت امرأة أُخرى أنّه ابنها ، فهو ابن الرجل.

وهل ترجّح زوجته على الأُخرى؟ الأقرب : ذلك ؛ لأنّ زوجها أبوه فالظاهر أنّها أُمّه ، ولأنّها ادّعت وحصل لدعواها قرينة تصديق الرجل إيّاها ، بخلاف الأُخرى ، فإنّه حصل لدعواها معارضة تكذيب الأب لها.

ويحتمل تساويهما ؛ لأنّ كلّ واحدةٍ منهما لو انفردت لالتحق بها ، فإذا اجتمعتا تساوتا.

____________________

(١) المغني ٦ : ٤٣٥ ، الشرح الكبير ٦ : ٤٣٧.

(٢) سنن البيهقي ١٠ : ٢٦٣ و ٢٦٤.

(٣) الحاوي الكبير ٨ : ٥٩ ، وراجع : المغني ٦ : ٤٣٥ ، والشرح الكبير ٦ : ٤٣٧.

٣٨٥

ولو ادّعت المرأة الأُخرى أنّه ابنها من زوجها وادّعى الرجل غير الزوج أنّه ابنه من زوجته غير المدّعية أوّلاً وصدّق الزوجُ المرأةَ المدّعية والزوجةُ الرجل المدّعي ، تعارضت الدعاوي وتساوى المتنازعان.

مسألة ٤٥٣ : إذا ادّعى بنوّته اثنان وأحدهما عبد ، تساويا في الدعوى ، ويكون الحكم القرعة كالحُرّين - وبه قال أحمد والشافعي على تقدير قبول استلحاق العبد ، إلّا أنّهما يعرضانه على القافة(١) - لأنّ كلّ واحدٍ منهما لو انفرد صحّت دعواه ، فإذا تنازعوا تساووا في الدعوى ، كالأحرار المسلمين.

وإن قلنا : لا يقبل استلحاق العبد - كما ذهب إليه الشافعي في القول الآخَر(٢) - فإنّ الحُرّ يكون أولى من العبد.

وقال أبو حنيفة : الحُرّ أولى من العبد ؛ لأنّ على اللقيط ضرراً في إلحاقه بالعبد ، فكان إلحاقه بالحُرّ أولى ، كما لو تنازعا في الحضانة(٣) .

ونمنع الضرر ؛ لأنّا لم نحكم برقّه ، والنسب لا يشبه الحضانة ؛ لأنّا نقدّم في الحضانة الموسر والحضريّ ، ولا نقدّمهما في دعوى النسب.

مسألة ٤٥٤ : ولو كان أحد المدّعيين مسلماً والآخَر كافراً ، تساويا أيضاً ، وحُكم بالقرعة عندنا ، وبالعرض على القافة عند الشافعي وأحمد(٤) ؛

____________________

(١) المغني ٦ : ٤٢٣ ، الشرح الكبير ٦ : ٤٣١ ، الحاوي الكبير ٨ : ٥٥ ، الوجيز ١ : ٢٥٧ ، حلية العلماء ٥ : ٥٥٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٧٦ ، البيان ٨ : ٢٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٥.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٥.

(٣) الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٤٤ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٩٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٧٤ ، المغني ٦ : ٤٢٣ - ٤٢٤ ، الشرح الكبير ٦ : ٤٣١ ، الحاوي الكبير ٨ : ٥٥ ، حلية العلماء ٥ : ٥٥٨ ، البيان ٨ : ٢٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١٤ و ٤١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٥ و ٥٠٦ ، المغني ٦ : ٤٢٣ و ٤٢٥ ، الشرح الكبير ٦ : ٤٣١ و ٤٣٢.

٣٨٦

لاستوائهما في الاستلحاق وجهات النسب.

وقال أبو حنيفة : المسلم أولى من الذمّي ؛ لما تقدّم من لحوق الضرر باللقيط لو ألحقناه بالذمّي(١) .

وهو ممنوع ؛ لما تقدّم من أنّا لا نحكم بكفر اللقيط وإن ألحقناه به في النسب.

وكذا لو كان أحدهما حُرّاً مسلماً والآخَر عبداً كافراً ، فإنّهما يتساويان عندنا وعند الشافعي وأحمد(٢) ، ويُقدّم المسلم الحُرّ عند أبي حنيفة(٣) .

ولو كان أحدهما مسلماً عبداً والآخَر حُرّاً كافراً ، تساويا عندنا.

ويتأتّى على قول أبي حنيفة ذلك أيضاً ؛ لما في كلّ واحدٍ منهما من صفات الأرجحيّة والمرجوحيّة.

مسألة ٤٥٥ : لو اختصّ أحد المتداعيين باليد ، فإن كان صاحب اليد هو الملتقطَ لم يُقدَّم ؛ لأنّ اليد لا تدلّ على النسب.

نعم ، لو استلحقه الملتقط أوّلاً وحكمنا بالنسب ثمّ ادّعاه آخَر فالأقوى : تقديم الملتقط ؛ لأنّا أثبتنا نسبه قبل معارضة المدّعي.

وقال الشافعي : يُعرض مع الثاني على القائف ، [ فإن نفاه بقي لاحقاً بالملتقط باستلحاقه ، وإن ألحقه بالثاني عُرض مع الملتقط عليه ](٤) فإن نفاه عنه فهو للثاني ، وإن ألحقه به أيضاً فقد تعذّر العمل بقول القائف‌

____________________

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ٣٥٣ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٩٩ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٤٤ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٧٤ ، المحيط البرهاني ٥ : ٤٢٩ ، الحاوي الكبير ٨ : ٥٥ ، حلية العلماء ٥ : ٥٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١٥ ، المغني ٦ : ٤٢٣ - ٤٢٤ ، الشرح الكبير ٦ : ٤٣١.

(٢ و ٣) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

(٤) ما بين المعقوفين أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز » و « روضة الطالبين » وورد مؤدّاه في « الحاوي الكبير » و « التهذيب ».

٣٨٧

فيُوقَف(١) .

وإن كان صاحب اليد غيرَ الملتقط ، فقد حكى الجويني عنه أنّه إن كان قد استلحقه حُكم بالنسب له ، ثمّ إن جاء آخَر وادّعى نسبه لم يُلتفت إليه ؛ لثبوت النسب من الأوّل معتضداً باليد وتصرّفِ الآباء في الأولاد ، وإن لم يُسمع استلحاقه إلّا بعد ما جاء الثاني واستلحقه ، ففيه وجهان :

أحدهما : تقديم صاحب اليد كما يُقدّم استلحاقه.

وأشبههما عندهم : التساوي ؛ لأنّ الغالب من حال الأب أن يذكر نسب ولده ويشهره ، فإذا لم يفعل صارت يده كيد الملتقط في أنّها لا تدلّ على النسب(٢) .

مسألة ٤٥٦ : لو تداعياه اثنان فأقام كلّ واحدٍ منهما بيّنةً وتعارضتا ، أُقرِع بينهما عندنا ، وقد تقدّم(٣) دليله.

وللشافعي في تعارض البيّنتين في الأملاك قولان :

أحدهما : التساقط ، فعلى تقديره تتساقطان هنا أيضاً ، ويرجع إلى قول القائف ، أو لا تتساقطان وتُرجَّح إحداهما بقول القائف.

والثاني : إنّهما تُستعملان إمّا بالتوقّف أو بالقسمة أو بالقرعة على ثلاثة أقوال معروفة بينهم(٤) .

والتوقّف لا يمكن هنا ؛ لما فيه من الإضرار بالطفل ، ولا القسمة ؛ إذ لا مجال لها في النسب. وأمّا القرعة ففيه وجهان :

أحدهما : إنّها تجري هنا ، فيُقرع ويُقدَّم مَنْ خرجت قرعته.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٥٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٦.

(٣) في ص ٣٧١.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٧.

٣٨٨

والثاني : المنع ؛ لأنّ القرعة لا تثبت في النسب ولا تعمل به(١) .

ولو اختصّ أحدهما باليد لم ترجّح بيّنته باليد ، بخلاف الأملاك ، حيث تُقدّم فيها بيّنة ذي اليد ؛ لأنّ اليد تدلّ على الملك.

وقال بعض الشافعيّة : لو أقام أحدهما البيّنة على أنّه في يده منذ سنةٍ والثاني على أنّه في يده منذ شهرٍ وتنازعا في نسبه ، فالتي هي أسبق تاريخاً أولى ، وصاحبها مقدَّم(٢) .

وهو باطل ؛ لأنّ ثبوت اليد لا يقتضي ثبوت النسب.

ولو فرض تعرّض البيّنتين لنفس النسب ، فلا مجال فيه للتقدّم والتأخّر.

وإن شهدتا على الاستلحاق ، فيبنى على أنّ الاستلحاق من شخصٍ هل يمنع غيره من الاستلحاق بعده؟

فروع :

أ - وألحقه القائف بأحدهما ثمّ ألحقه بالثاني ، لم ينتقل إليه ، فإنّ الاجتهاد لا ينتقض بمثله.

ب - لو وصف أحد المتداعيين خالا(٣) أو أثر جراحةٍ في ظَهْرٍ أو بعض أعضائه الباطنة وأصاب ، لا يُقدّم جانبه - وبه قال الشافعي(٤) - كما لو وصف أحدهما في الملك المتنازع بينهما وصفاً خفيّاً ، لم يقدّم باعتبار ذلك ، كذا هنا.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٧.

(٣) الخال : نكتة في الجسد. لسان العرب ١١ : ٢٣٢ « خيل ».

(٤) حلية العلماء ٥ : ٥٦٦ ، البيان ٨ : ٢٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٨ ، المغني ٦ : ٤١٩ ، الشرح الكبير ٦ : ٤١٦.

٣٨٩

وقال أبو حنيفة : يقدّم ويثبت النسب للواصف(١) . وليس بشي‌ءٍ.

ج - لو تداعياه ثمّ رجع أحدهما ، أُلحق بالآخَر ؛ عملاً بالمقتضي ، وهي الدعوى السالمة عن معارضة الدعوى الأُخرى ؛ لبطلانها بالرجوع.

ولو رجع مَنْ وقعت عليه القرعة ، فكذلك ، ولو رجع الآخَر قبل القرعة أو بعدها ، فإشكال ، أمّا لو قامت لأحدهما بيّنة بدعواه ثمّ رجع ، فإنّه لا يُقبل رجوعه وإن بقي الآخَر على دعواه.

مسألة ٤٥٧ : لو تنازع اثنان في التقاط الصبي وولاية الحضانة والتعهّد ، فإن كان قبل أخذهما له أو حال أخذه ، فقد سبق(٢) .

وإن قال كلّ واحدٍ منهما : أنا الذي التقطتُه(٣) وإلَيَّ حفظه ، فإن اختصّ أحدهما باليد وقال الآخَر : إنّه أخذه منّي ، فالقول قول صاحب اليد مع يمينه ، فإنّها تشهد بقوله.

وإن أقام كلٌّ منهما بيّنةً ، فبيّنة الخارج مقدَّمة عندنا ، كما في دعوى الملك ، فتُقدّم بيّنة الخارج.

وعند الشافعي تُقدَّم بيّنة ذي اليد ، فتُقدّم هنا أيضاً(٤) .

وإن لم يختص أحدهما باليد ، فإن لم يكن في يد واحدٍ منهما ، فهو كما لو أخذاه معاً وتشاحّا في حفظه ، فيجعله الحاكم عند مَنْ يراه منهما أو‌

____________________

(١) مختصر القدوري : ١٣٤ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٣٥٣ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٩٩ ، المحيط البرهاني ٥ : ٤٢٩ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٤٤ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٧٣ ، حلية العلماء ٥ : ٥٦٦ ، البيان ٧ : ٢٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١٨ ، المغني ٦ : ٤١٩ ، الشرح الكبير ٦ : ٤١٦.

(٢) في ص ٣١٦ ، المسألة ٤١٢.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « التقطه ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٨.

٣٩٠

من غيرهما.

وإن كان في أيديهما معاً ، فإن حلفا معاً أو نكلا معاً ، فالحكم كما لو ازدحما على الأخذ وهُما متساويان ومتساويا الحال.

فإن حلف أحدهما دون الآخَر ، خُصّ به ، سواء كان في يدهما أو لم يكن في يد واحدٍ منهما.

فلو أقام كلّ واحدٍ منهما البيّنةَ على ما يدّعيه ، نُظر فإن كانت البيّنتان مطلقتين أو مقيّدتين بتأريخٍ واحد ، أو إحداهما مطلقة والأُخرى مقيّدة ، تعارضتا ، فإن قلنا بالتساقط - كما هو أحد قولَي الشافعي(١) - فكأنّه لا بيّنة ، وإن قلنا بالاستعمال ، لم يجئ قول الوقف للشافعيّة ولا قول القسمة ، بل قول القرعة(٢) ، كما نذهب نحن إليه ، فيقرع ويُسلّم إلى مَنْ خرجت قرعته بعد اليمين.

وللشافعي في اليمين قولان(٣) .

وإن قيّدتا بتأريخين مختلفين ، حُكم لمن سبق تأريخه ؛ لأنّ الثاني إنّما أخذ مَنْ قد ثبت الحقّ فيه لغيره ، بخلاف المال - عند الشافعي في أصحّ قولَيه(٤) - حيث لا يُحكم بسبق التأريخ فيه ؛ لأنه قد ينتقل ذلك عن الأسبق إلى الأحدث ، وليس كذلك الالتقاط ؛ فإنّه لا يُنقل اللقيط عن الملتقط ما دامت الأهليّة باقية ، فإذا ثبت السبق لزم استمراره.

قال بعض الشافعيّة : هذا إذا قلنا : إنّ مَن التقط لقيطاً ثمّ نبذه لم يسقط حقّه ، فإن أسقطناه فهو على القولين في الأموال ؛ لأنّه ربما نبذه الأوّل‌

____________________

(١ و ٢) البيان ٨ : ١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٨.

(٣) البيان ٨ : ١٨.

(٤) البيان ٨ : ١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٨.

٣٩١

فالتقطه غيره(١) .

ويتفرّع على تقديم البيّنة المتعرّضة للسبق فيما إذا كان اللقيط في يد أحدهما وأقام مَنْ في يده البيّنة وأقام الآخَر البيّنة على أنّه كان في يده انتزعه منه صاحب اليد : تقديم بيّنة مدّعي الانتزاع ؛ لإثباتها السبق.

ولو كان أحد المتداعيين مَنْ لا يُقرّ يده على اللقيط ، أُقرّ في يد الآخَر ، ولم يُلتفت إلى دعوى مَنْ لا يُقرّ اللقيط في يده بحالٍ ، ولا إلى بيّنته مطلقاً.

مسألة ٤٥٨ : لو ولدت امرأتان ابناً وبنتاً فادّعت كلّ واحدةٍ منهما أنّ الابن ولدها دون البنت ، فحكمه حكم التنازع في الولد لو لم تكن هناك بيّنة ، وذلك بأن يُقرع بينهما إن ألحقنا الولد بالأُم بمجرّد الدعوى ، وإن اعتبرنا التصديق انتظر بلوغه ، فإن صدّق إحداهما لحق بها ، وإلّا لم يلحق بواحدةٍ منهما.

وللحنابلة وجهان :

أحدهما : أن تُرى المرأتان القافة مع الولدين فيلحق كلّ واحدٍ منهما بمن ألحقته به ، كما لو لم يكن لهما ولد.

والثاني : أن يعرض لبنهما على أهل الطبّ والمعرفة ، فإنّ لبن الذكر يخالف لبن الأُنثى في الطبع والوزن ، فقد قيل : إنّ لبن الذكر ثقيل ولبن الأُنثى خفيف ، فيعتبران بطباعهما ووزنهما وما يختلفان به عند أهل المعرفة ، فمَن كان لبنها لبن الابن فهو لها والبنت للأُخرى(٢) .

ولو كان الولدان ذكرين أو أُنثيين ، أُقرع عندنا ، وعُرضا على القافة‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤١٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٨.

(٢) المغني ٦ : ٤٣٦ ، الشرح الكبير ٦ : ٤٣٨.

٣٩٢

عند العامّة(١) .

وقد روي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام في قضاياه أنّ امرأتين تداعيا ولداً وأنّ كلّ واحدةٍ منهما ادّعت أنّها أُمّه ، فوعظهماعليه‌السلام فلم ترجعا فأمر قنبراً بإحضار منشارٍ ، فقالتا لهعليه‌السلام : ما تصنع بالمنشار يا أمير المؤمنين؟ فقالعليه‌السلام : « أنشره بنصفين فأُعطي كلّ واحدةٍ منكما نصفَه » فرضيت إحداهما وبكت الأُخرى وقالت : يا أمير المؤمنين إذا كان الحال كذلك سلّمه إليها ، فحكم لها به(٢) .

مسألة ٤٥٩ : لو ادّعى اللقيطَ رجلان ، فقال أحدهما : هذا ابني ، وقال الآخَر : إنّه بنتي ، نُظر فإن كان ابناً فهو لمدّعيه ، وإن كانت بنتاً فهي لمدّعيها ؛ لأنّ كلّ واحدٍ لا يستحقّ غير ما ادّعاه.

ولو ظهر خنثى مشكلاً ، أُقرع بينهما إن لم تكن بيّنة.

ولو أقام كلٌّ منهما بيّنةً بما ادّعاه ، فالحكم فيه كالحكم فيما لو انفرد كلّ واحدٍ منهما بالدعوى.

وعند أحمد يُرى القافة مع عدم البيّنة - وهو قول الشافعي - لعدم أولويّة تقديم قول أحدهما على الآخَر ؛ لتساويهما في الدعوى(٣) .

مسألة ٤٦٠ : لو وطئ رجلان امرأةً واحدة في طهرٍ واحد ، فإن كانا زانيين ، فلا حرمة لمائهما ، ولا يلتحق الولد بأحدهما.

وإن كان أحدهما زانياً ، فالولد للآخَر ؛ لقولهعليه‌السلام : « الولد للفراش ،

____________________

(١) المغني ٦ : ٤٣٦ ، الشرح الكبير ٦ : ٤٣٨.

(٢) راجع : الإرشاد - للمفيد - ١ : ٢٠٤ - ٢٠٥ ، ومناقب آل أبي طالب - لابن شهرآشوب - ٢ : ٣٦٧.

(٣) المغني ٦ : ٤٣٦ ، الشرح الكبير ٦ : ٤٣٨ ، وراجع : الهامش (٢) من ص ٣٧٢.

٣٩٣

وللعاهر الحجر »(١) .

ولو لم يكونا زانيين بأن يطئا جاريةً مشتركة بينهما في طهرٍ واحد أو يطأ رجل امرأةً أُخرى لشبهةٍ في طهرٍ وطئها زوجها فيه ، أو وطئ جارية الآخَر بشبهة أنّها زوجته أو أمته في طهرٍ وطئها سيّدها فيه بأن يجدها على فراشه فيظنّها زوجته أو أمته ، أو يدعو زوجته أو أمته في ظلمةٍ فتجيبه زوجة الآخَر أو جاريته ، أو يتزوّجها كلٌّ منهما تزويجاً فاسداً ولا يعرفان فساده ، أو يكون نكاح أحدهما صحيحاً ونكاح الآخَر فاسداً بأن يقع في العدّة ولم يعلم ، فإنّ الحكم فيه عندنا بالقرعة ؛ لأنّه أمر مشكل.

وعند الشافعيّة وأحمد يُعرض على القافة(٢) .

البحث الرابع : في رقّ اللّقيط وحُرّيّته.

اللّقيط إمّا أن يُقرّ على نفسه بالرقّ في وقت اعتبار الإقرار ، أو لا يُقرّ ، وعلى التقدير الثاني فإمّا أن يدّعي رقّه مُدّعٍ ، أو لا يدّعيه أحد ، فإن ادّعاه فإمّا أن يقيم عليه بيّنةً ، أو لا يقيم ، فالأقسام أربعة.

____________________

(١) صحيح البخاري ٨ : ٢٠٥ ، صحيح مسلم ٢ : ١٠٨٠ و ١٠٨١ / ١٤٥٧ و ١٤٥٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٤٧ / ٢٠٠٦ و ٢٠٠٧ ، سنن أبي داوُد ٢ : ٢٨٢ و ٢٨٣ / ٢٢٧٣ و ٢٢٧٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٤٦٣ / ١١٥٧ ، سنن النسائي ٦ : ١٨٠ و ١٨١ ، سنن الدارمي ٢ : ٣٨٩ ، سنن الدارقطني ٣ : ٤٠ - ٤١ / ١٦٦ ، سنن البيهقي ٧ : ١٥٧ و ٤٠٢ و ٤١٢.

(٢) الحاوي الكبير ١٧ : ٣٨٠ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ١٢١ ، الوسيط ٧ : ٤٥٦ - ٤٥٧ ، الوجيز ٢ : ٢٧٣ ، حلية العلماء ٧ : ٢١٦ ، التهذيب - للبغوي - ٨ : ٣٤٧ ، البيان ١٠ : ٣٨٢ ، العزيز شرح الوجيز ١٣ : ٢٩٨ ، روضة الطالبين ٨ : ٣٧٦ ، المغني ٦ : ٤٣٦ - ٤٣٧ ، الشرح الكبير ٦ : ٤٤١.

٣٩٤

القسم الأوّل : أن لا يُقرّ ولا يدّعي رقّه أحد ، فهو على أصالة الحُرّيّة ؛ لأنّ الآدمي خُلق لتسخير غيره ، لا ليُسخّره غيره ، ولأنّ الأغلب على الناس الحُرّيّة ، فإلحاقه بالأغلب أولى ، وأيضاً الأحرار هُمْ أهل الدار ، والأرقّاء مجلوبون إليها ليسوا من أهلها ، فكما نحكم بالإسلام بظاهر الدار نحكم بالحُرّيّة.

وبعض الشافعيّة لا يجزم بالإسلام ، ويذهب إلى التوقّف ، وذلك التردّد يجري في الحُرّيّة عنده ، بل هي أولى بالتردّد من الإسلام ؛ لقوّة الإسلام واقتضائه الاستتباع ، ولذلك يتبع الولد أيَّ الأبوين كان في الإسلام ، دون الحُرّيّة ، ويتبع السابي في الإسلام - عند جماعةٍ - دون الحُرّيّة.

ثمّ فصّل فقال : نجزم بالحُرّيّة ما لم ينته الأمر إلى إلزام الغير شيئاً ، فإذا انتهى إليه تردّدنا ما لم يعترف الملتزم بحُرّيّته ، فيخرج من ذلك أنّا نحكم له بالملك فيما يصادفه معه جزماً ، وإذا أتلفه عليه متلف ، أخذنا العوض منه وصرفناه إليه ؛ لأنّ المال المعصوم مضمون على المتلف ، فليس أخذ الضمان والعوض بسبب الحُرّيّة حتى يقع التردّد فيه ، فإن أخذناه فلا غرض للمتلف في أن يصرفه إلى اللقيط أو لا يصرفه ، ويكون ميراثه لبيت المال ، وأرش جنايته فيه(١) ، وعندنا للإمام.

وإذا قُتل اللّقيط ، ففي القصاص للشافعيّة وجهان تقدّما(٢) ، فمَنْ لا يجزم بحُرّيّته وإسلامه لا يوجب القصاص على الحُرّ المسلم بقتله ، ويوجبه على الرقيق الكافر ؛ ومَنْ يجزم بالحُرّيّة والإسلام من الشافعيّة يُخرِّج وجوبَ القصاص بكلّ حالٍ على قولين ، بناءً على أنّه ليس له وارث‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٢٠ - ٤٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٩.

(٢) في ص ٣٥٨ ، المسألة ٤٤٠.

٣٩٥

معيّن(١) .

وإذا قُتل خطأً ، فالواجب الدية في أظهر الوجهين ؛ أخذاً بظاهر الحُرّيّة ، وأقلّ الأمرين من الدية أو القيمة في الثاني ؛ بناءً على أنّ الحُرّيّة غير متيقّنةٍ ، فلا يؤخذ الجاني بما لا يتيقّن شغل ذمّته به(٢) .

وقال الجويني : قياس هذا أن نوجب له الأقلّ من قيمة عبدٍ أو دية مجوسيٍّ ؛ لإمكان الحمل على التمجّس(٣) .

مسألة ٤٦١ : قد بيّنّا أنّ اللقيط إن التُقط في دار الإسلام كان حُرّا ، بناءً على الدار ، فإنّها دار الإسلام ، والأصل فيه الحُرّيّة ، وهو قول عامّة أهل العلم ، إلّا النخعي(٤) .

قال ابن المنذر : أجمع عوام أهل العلم على أنّ اللقيط حُرٌّ ، روينا ذلك عن عليٍّعليه‌السلام وعمر بن الخطّاب ، وبه قال عمر بن عبد العزيز والشعبي والحكم وحمّاد ومالك والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي ومَنْ تبعهم(٥) .

للأصل ، فإنّ الله تعالى خلق آدمعليه‌السلام وذرّيّته أحراراً ، وإنّما الرقّ لعارضٍ ، فإذا لم يُعلم ذلك العارض فله حكم الأصل.

وقال النخعي : إن التقطه الملتقط للحسبة ، فهو حُرٌّ ، وإن كان يعزم أنّه يسترقّه ، فذلك له(٦) .

وهو قولٌ شاذّ لم يصر إليه أحد من العلماء ، ولا يصحّ في النظر ؛

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٩.

(٤) المغني والشرح الكبير ٦ : ٤٠٣.

(٥) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٦٣ ، وعنه في المغني والشرح الكبير ٦ : ٤٠٣.

(٦) المغني ٦ : ٤٠٣ ، الشرح الكبير ٦ : ٤٠٣ - ٤٠٤.

٣٩٦

لأصالة الحُرّيّة.

فإن التقط في دار الحرب ولا مسلم فيها ، قال علماؤنا : إنّه يكون رقّاً.

والأقرب عندي : الحكم بحُرّيّته ؛ عملاً بالأصل ، لكن تتجدّد الرقّيّة عليه بالاستيلاء عليه ؛ لأنّه كافر تبعاً للدار الخالية من مسلمٍ واحد.

مسألة ٤٦٢ : لو قذف أحدٌ اللقيطَ ، فإن كان اللقيط صغيراً عُزّر. وإن كان بالغاً ، فإن اعترف القاذف بحُرّيّته حُدّ قطعاً.

وإن ادّعى رقّه ، فإن صدّقه اللقيط سقط الحدّ ، ووجب التعزير ؛ لأنّه الواجب في قذف العبيد ، لأنّ المستحقّ أقرّ بسقوط الحدّ.

وإن كذّبه اللقيط وقال : إنّي حُرٌّ ، فالقول قوله ؛ لأنّه محكوم بحُرّيّته ، فقوله موافق للظاهر ، وأوجبنا له القصاص على الحُرّ ، بناءً على الظاهر ، والأُمور الشرعيّة منوطة بالظاهر ، فيثبت الحدّ ، كثبوت القصاص ، وهو أحد قولَي الشيخرحمه‌الله .

وقال في الآخَر : لا يُحدّ ، بل يُعزَّر ؛ لأنّ الحكم بالحُرّيّة غير معلومٍ ، بل هو بالبناء على الظاهر ، وهو محتمل للنقيض ، فيحصل الاشتباه الموجب لسقوط الحدّ ، فإنّ الحدّ يُدرأ بالشبهات ، بخلاف القصاص لو ادّعى الجاني أنّه عبد ؛ لأنّ القصاص ليس بحدٍّ ، وإنّما وجب حقناً للآدميّ(١) .

وأصحّ قولَي الشافعيّة عندهم : الأوّل ؛ لأنّ الأصل الحُرّيّة ، فيُحدّ القاذف ، إلّا أن يقيم بيّنةً على الرقّ ، وهو قول المزني.

والثاني : أصالة البراءة ، وتصديق قول القاذف ؛ لاحتمال أن يكون‌

____________________

(١) راجع : المبسوط - للطوسي - ٣ : ٣٤٧.

٣٩٧

رقيقاً ، فلا يقطع بثبوت حقٍّ في الذمّة بأمرٍ محتمل(١) .

وقطع بعض الشافعيّة بالقول الأوّل ؛ لأنّه محكوم بحُرّيّته بظاهر الدار ، وحمل القول الثاني على مجهولٍ لم تُعلم حُرّيّته بالدار(٢) .

مسألة ٤٦٣ : لو قطع حُرٌّ طرفه وادّعى رقّه ، وادّعى اللقيط الحُرّيّة ، اقتصّ من الجاني ، وصُدِّق اللقيط ؛ للأصل.

وللشافعيّة طريقان :

أحدهما : إجراء القولين تخريجاً لقول المنع من القصاص ممّا ذكر في اللعان ، فإنّ الشافعي قال فيه : إنّه يُحكم بقول القاذف : إنّه رقٌّ ، لا بدعواه الحُرّيّة ، والآخَر منصوص.

والثاني : القطع بالوجوب(٣) .

وقد فرّق القائلون بأمرين :

أ : بتصديق القاذف بأنّ المقصود من الحدّ الزجر ، وفي التعزير الذي يُعدل إليه من الحدّ ما يحصّل بعض هذا الغرض ، والمقصود من القصاص التشفّي والمقابلة ، وليس في المال المعدول إليه من الحدّ ما يحصّل هذا الغرض.

وهو ممنوع ؛ لأنّ بعض غرض التشفّي يحصل بالإضرار له في أخذ ماله.

____________________

(١) مختصر المزني : ١٣٧ ، الحاوي الكبير ٨ : ٥١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٤٥ ، الوجيز ١ : ٢٥٩ ، حلية العلماء ٥ : ٥٦٩ - ٥٧٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٧٣ - ٥٧٤ ، البيان ٨ : ٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١٨.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٤٥ ، حلية العلماء ٥ : ٥٧٠ ، البيان ٨ : ٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١٨.

٣٩٨

ب : إنّ ا ب :لتعزير الذي يُعدل إليه متيقّن ؛ لأنّه بعض الحدّ ، فالعدول إليه عدولٌ من ظاهرٍ أو مشكوكٍ إلى متيقّنٍ ، وإذا أسقطنا القصاص عدلنا إلى نصف الدية أو القيمة ، وذلك مشكوك فيه ؛ لأنّ الحُرّيّة شرط وجوب الدية ، والرقّ شرط [ وجوب ] القيمة ، فكان ذلك عدولاً من ظاهرٍ أو مشكوكٍ فيه إلى غير مشكوكٍ فيه ، ولأنّ حدّ القذف أقرب سقوطاً بالشبهة من القصاص ، فلذلك افترقا(١) .

مسألة ٤٦٤ : لو قذف اللقيط محصناً واعترف بأنّه حُرٌّ ، حُدَّ حَدّ الأحرار ؛ عملاً بمقتضى إقراره ، وإن ادّعى أنّه رقيق وصدّقه المقذوف ، حُدّ حَدّ العبيد ، وإن كذّبه فالأقرب : وجوب الثمانين عليه ؛ عملاً بأصالة الحُرّيّة.

وللشافعي قولان في أنّه يُحدّ حدّ العبيد أو حدّ الأحرار؟

وبنى أصحابه الأوّلَ على قبول إقراره مطلقاً ، والثاني على أنّه إنّما يُقبل فيما يضرّه ، لا فيما ينفعه ، وهُما على القولين فيما إذا ادّعى قاذف على اللقيط رقّه ، إن صدّقناه صدّقنا اللقيط هنا ، وإلّا فلا(٢) .

ولبعضهم وجهٌ آخَر : إنّه إن أقرّ لمعيّنٍ قُبِل إقراره ، وحُدّ حدّ العبيد ، وإن لم يعيّن حُدّ حدّ الأحرار(٣) .

إذا عرفت هذا ، فقد حصل للشافعيّة ثلاثة أوجُه ، فيقال : إن لم نوجب الدية في قتله فالقصاص أولى. وإن أوجبناها ففي القصاص وجهان ؛ لسقوطه بالشبهة ، فثالث الوجوه : وجوب الدية دون القصاص(٤) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٤٥ ، البيان ٨ : ٤٠ - ٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣٦ ، وما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٢١.

٣٩٩

القسم الثاني : أن يدّعي رقَّ اللقيط ولا بيّنة.

ولنقدّم عليه مقدّمةً ، وهي : إنّ كلّ مَن ادّعى رقّيّة صغيرٍ في يده ولا تُعلم حُرّيّته ، فإنّه تُسمع دعواه ؛ لإمكانها إذا كانت غير اليد التي عرفنا استنادها إلى التقاط المنبوذ.

فإن كانت اليد هي يد اللقطة ، لم يُحكم برقّه ، وكان الحكم الأصل فيه الحُرّيّة - وهو أصحّ قولَي الشافعي(١) - ويحتاج الملتقط في دعوى الرقّيّة إلى البيّنة ؛ لأصالة الحُرّيّة ، فلا يخالف بمجرّد الدعوى.

والثاني للشافعي : إنّه يُقبل قول الملتقط ، ويُحكم له بالرقّ ، كما في يد غير الالتقاط ، وكما لو التقط مالاً وادّعى أنّه لا منازع له فيه ، فإنّه يُقبل قوله ، ويصحّ شراؤه منه(٢) .

والفرق ظاهر ؛ فإنّ اليد إذا كانت عن الالتقاط ، يُعرف حدوثها لا بسبب الملك ؛ لما بيّنّا من أصالة الحُرّيّة ، ولم تظهر يد تدلّ على خلافها ، وأمّا يد غير اللقطة فإنّها تقضي بالملكيّة ؛ لأنّ الظاهر أنّ مَنْ في يده شي‌ء وهو متصرّف فيه تصرّفَ السادات في العبيد فإنّه ملكه ، ولم يُعرف حدوثها بسببٍ لا يقتضي الملك ، وأمّا المال الملقوط فإنّه يُحكم للملتقط به إذا ادّعى ملكيّته ؛ لأنّ المال في نفسه مملوك ، وليس في دعوى ملكيّته إخراج له عن صفة المال ، وأمّا اللقيط فإنّه حُرٌّ ظاهراً ، وفي دعواه تغيير هذه الصفة ، فافترقا ، فلا يجوز القياس.

وإن كانت اليد غير يد اللقطة ، حُكم لصاحبها بالرقّ إذا ادّعاه ، بناءً على الظاهر الذي سبق.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٢٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١٠.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466