تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

تذكرة الفقهاء12%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 978-964-319-530-4
الصفحات: 466

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156783 / تحميل: 5504
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٩٦٤-٣١٩-٥٣٠-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

أمه)، حتى يوافي يوم القيامة وقد صار مثل أحد"(١) .

٦- إحياء ليلة النصف منه:

وهي ليلة شريفة ورد أنّها أفضل الليالي بعد ليلة القدر، وقد زاد شرفها بولادة الإمام الحجّة بن الحسن المهدي المنتظرعجل الله تعالى فرجه الشريف في صبيحتها.

٧- إحياء المناسبات الجليلة فيه وأبرزها:

أ - ولادة الإمام الحسينعليه‌السلام في ٣ شعبان وهو يوم الحرس.

ب- ولادة أبي الفضل العباسعليه‌السلام في ٤ شعبان وهو يوم الجريح.

ج- ولادة الإمام زين العابدينعليه‌السلام في ٥ شعبان وهو يوم الأسير.

د- ولادة الإمام الحجة المنتظرعجل الله تعالى فرجه الشريف في ١٥ شعبان وهو يوم المستضعفين.

وينبغي في هذه المناسبات تعميق الارتباط بأهل البيت

____________________

١- السيد البروجردي - جامع احاديث الشيعة - ج ٩ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٤٥٧

١٢١

عليه‌السلام لا سيما بصاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف وإظهار الفرح والزينة من باب إحياء أمرهم لعلنا ننال دعوتهم المباركة:" رحم الله من أحيا أمرنا"(١) .

____________________

١- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٧٨ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٢١٩

١٢٢

الحسينعليه‌السلام في بيت عليعليه‌السلام

المناسبة: ولادة الإمام الحسينعليه‌السلام

التاريخ: ٣ شعبان

من الثابت أن للوراثة دوراً مهماً في تكوين شخصية الانسان، وقد توافقت النصوص الدينية مع الإكتشافات العلمية الحديثة في هذا المجال، فقد ورد في الحديث المعروف " العرق دسَّاس" وجاء هذا المضمون على لسان علماء الوراثة كمندل الذي قال:" إن كثيرا من الصفات الوراثية تنتقل بدون تجزئة أو تغيّر من أحد الأصلين أو منهما الى الفرع"(١) .

قبل الولادة:

وفي بيت الإمام عليعليه‌السلام ثلاثة نماذج لعب العِرق فيها دوراً بارزاً:

____________________

١- القرشي- حياة الامام الحسينعليه‌السلام - منشورات دار الكتب العلمية- قم -ج١ - ص ٤٣.

١٢٣

النموذج الأول: محمد بن الحنفية الذي ورد أن أباه أمير المؤمنينعليه‌السلام طلب منه يوم الجمل أن يحمل على القوم، فتوقف قليلاً، ثم كرَّر عليه أبوه الإمامعليه‌السلام قائلاً له:" أحمل"،فأجابه يا أمير المؤمنين، أما ترى السهام كأنها شآبيب المطر ؟!! فدفعه الإمام في صدره وقال له:" أدركك عرقٌ من أمك"(١) .

النموذج الثاني:

أبو الفضل العباس وأخوته الذين أراد لهم أبوهم الإمام عليعليه‌السلام أن يكونوا من أنصار أخيهم الحسينعليه‌السلام في كربلاء، فسأل عن امرأة تنتسب الى بيت شجاعة وإقدام ليجدها في أمهم أم البنين.

النموذج الثالث:

الحسن والحسينعليه‌السلام اللذان جمعا كمال الوراثة.

الحسينعليه‌السلام المولود:

وفي شهر شعبان ولد الإمام الحسينعليه‌السلام ، وكان يوم

____________________

١- أنظر الأمين - أعيان الشيعة- منشورات دار التعارف - بيروت- ج ١ - ص ٤٥٧.

١٢٤

الفرح الأكبر لولا دمعةٌ انسكبت من عين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي احتضن سبطه الحسين وأخذ يبكي، قالت له أسماء: فداك أبي وأمي ممَّ بكاؤك ؟!! فأجابها صلوات الله عليه وآله:" من إبني هذا ! تقتله الفئة الباغية من بعدي لا أنالهم الله شفاعتي "(١) .

واحتضن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حسيناً ليسمعه من فمه المبارك أول كلمة في الحياة الدنيا.

إذ أدنى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فمه الطاهر ناحية أذن الحسين اليمنى، وقال: " الله أكبر، الله أكبر" فأذَّن فيها ثم أقام في أذنه اليسرى(٢) ،فكانت كلمة " الله" أول كلمة دخلت أذن الحسينعليه‌السلام ، وقد ورد في الخبر أن ذلك عصمة للمولود من الشيطان الرجيم(٣) .

تسمية الحسينعليه‌السلام :

واختار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لسبطه اسم الحسينعليه‌السلام ، وقال المؤرّخون: لم تكن العرب في جاهليتها تعرف هذا الأسم، وإنما سمَّاه النبي به بوحي من السماء(٤) .

____________________

١- أنظر: القرشي- حياة الإمام الحسين- منشورات دار الكتب العلمية- قم - ج ١ ص ٢٧.

٢- المصدر السابق - ص ٣٠.

٣- أنظر: الطفل نشوؤه وتربيته اعداد ونشر مؤسسة البعثة - قم - ص ٦٥.

٤- القرشي - حياة الإمام الحسين - ص ٣٠.

١٢٥

الحسينعليه‌السلام في سورة الدهر:

وترعرع الحسينعليه‌السلام في البيئة الطاهرة تحت رعاية الأنوار الثلاثة الأولى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليعليه‌السلام وفاطمةعليه‌السلام ، وشاء الله تعالى أن يُعرِّف الناس كرامته حينما بشَّره بالجنة وهو طفل صغير، وذلك حين مرض الحسنعليه‌السلام والحسينعليه‌السلام فنذر أبوهما علي وأمهما فاطمة إن عافاهما الله أن يصوما ثلاثة أيام، وكذا فعل الحسن والحسينعليه‌السلام مع صغر سنهما، واقتدت بهم خادمتهم فضة.

وحينما برئا، أصبحوا صياماً وليس عندهم طعام، فانطلق عليعليه‌السلام إلى يهودي وأخذ منه جزة من الصوف على أن تغزلها السيدة الزهراءعليها‌السلام مقابل ثلاثة أصواع من الشعير، فغزلتعليه‌السلام ثلث الصوف ثم طحنت صاعاً من الشعير وعجنته، وخبزت منه خمسة أقراص، فلما جلسوا خمستهم ليتناولوا الطعام إذا مسكين على الباب يقول: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، أنا مسكين من مساكين المسلمين أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله من موائد الجنة، فوضع عليعليه‌السلام اللقمة من يده وأعطى قرصه للمسكين، وكذا فعلت فاطمةعليه‌السلام

١٢٦

وكذا فعل الحسنانعليه‌السلام ، فباتوا جياعاً وأصبحوا صياماً، ولم يذوقوا إلّا الماء، وفي اليوم الثاني غزلت السيدة فاطمةعليه‌السلام ثلث الصوف الآخر وطحنت صاعاً من الشعير وعجنته وخبزته خمسة أقراص، فلما جلسوا خمستهم ليتناولوا الطعام إذا يتيم على الباب يقول: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، أنا يتيم من يتامى المسلمين أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله من موائد الجنة، فدفع جميعهم الطعام الى هذا اليتيم وباتوا جياعاً وقاموا صياماً، وتكرَّر المشهد في اليوم الثالث حينما وقف على الباب اسيرٌ من أسرى المشركين يقول: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، تأسروننا وتشدّوننا ولا تطعموننا، ففعلوا كما فعلوا بالأمس وقبله، وباتوا جياعاً واستيقظوا ليأتي إليهم نبيُّ الإسلام بالبشرى الكبرى وهو قوله تعالى:﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا، وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا، إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا، فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا، وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا(١) .

____________________

١- أنظر: المشهدي- تفسير كنز الدقائق - ج١١ - ص ١١٦ - ١١٨، سورة الإنسان

١٢٧

الحسينعليه‌السلام في آية المباهلة:

وأراد الله تعالى أن يعرِّف الناس كرامة الحسينعليه‌السلام وهو صغير حينما جاء وفدٌ من نصارى نجران ليناظروا النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبعد حديث بينهم وبين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اتفقوا على الابتهال أمام الله ليجعل تعالى لعنته على الكاذبين وعيَّنوا لذلك وقتاً محدداً...وفي ذلك الوقت خرج السيد النصراني والعاقب بولديهما وعليهما الحلي والحلل ومعهم نصارى نجران، واحتشدت الجماهير لتنظر وفد المسلمين فإذا بهم يرون نبي الإسلام قد أقبل وهو يحتضن الحسينعليه‌السلام ، ويمسك بيده الأخرى الحسنعليه‌السلام وخلفه الإمام عليعليه‌السلام والسيدة الزهراءعليها‌السلام وهو يقول لوفد النصارى: " أباهلكم بخير أهل الأرض، وأكرمهم إلى الله".

فرجعوا إلى زعيمهم الأسقف يستشيرونه في الأمر، فقال لهم: " أرى وجوهاً لو سأل الله بها أحدٌ أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله".

فأسرعوا إلى النبي قائلين: " يا أبا القاسم، أقِلنا أقال الله

١٢٨

عثرتك"(١) .

ووثَّق القرآن هذه الحادثة العظيمة بقول الله تعالى: ﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ(٢) .

الحسينعليه‌السلام تحت كساء العصمة:

واستمرت العناية الربَّانية بالحسينعليه‌السلام الطفل حينما قدمت أمه الزهراء فاطمةعليه‌السلام إلى أبيها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال لهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : " أدعي زوجك وأبنيك" فجاءت بهما ليجلّلهم بكساء ويقول: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي أذهب عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيراً "(٣) .

ويتلوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آية العصمة التي أخبرت عن عصمة الحسين وأبيه وأمه وأخيه: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا(٤) .

____________________

١- أنظر: القرشي - حياة الحسين - ص ٧٠ - ٧٢.

٢- آل عمران: ٦٠.

٣- الفيروز آبادي - فضائل الخمسة- ج ١- ص ٢٧١.

٤-الأحزاب: ٣٢.

١٢٩

الحسينعليه‌السلام في صباه وأسلوب الدعوة:

ومضت الأيام ليظهر الحسينعليه‌السلام على مسرح الحياة وهو صبي يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة فقد رُوي أن الحسن والحسينعليه‌السلام رأيا أعرابياً يتوضأ بشكل خاطئ، فتقدما وطلبا منه أن يشرف على وضوئيهما ليعرفا أي الوضوءين أحسن ! فقال الحسينعليه‌السلام للأعرابي: " أيّنا يحسن الوضوء ؟ فأجاب الأعرابي: كلاكما تحسنانه، روحي لكما الفداء، ولكن أنا الذي لا أحسنه "(١) .

من أخلاق الحسينعليه‌السلام :

وكبر الحسينعليه‌السلام ليتجلَّى فيه خُلُق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأدب عليعليه‌السلام وجلال فاطمةعليه‌السلام ، فكان العابد الذي يقضي أكثر أوقاته مشغولاً بالصلاة والصوم، حتى قال عنه إبن الزبير: " أما والله لقد قتلوه طويلاً بالليل قيامه كثيراً في النهار صومه"(٢) .

وكان الحليم عند القدرة، فقد ورد أن بعض مواليه جنى جناية توجب التأديب فأمر الحسينعليه‌السلام بتأديبه.

____________________

١- التستري- الخصائص الحسينية - ص ١٧١.

٢- القرشي- حياة الحسين- ج ١ - ص ١٣٣./

١٣٠

فانبرى العبد قائلاً:

يا مولاي: إن الله تعالى يقول:" الكاظمين الغيظ".

فقال الحسينعليه‌السلام : " خلّو عنه، فقد كظمت غيظي".

فسارع العبد قائلاً: " والعافين عن الناس".

فأجابه الحسينعليه‌السلام : " قد عفوت عنك".

فطلب العبد المزيد بقوله:" والله يحب المحسنين".

فإذا بالحسينعليه‌السلام يفصح عن أخلاقه النبوية بقوله: " أنت حرٌّ لوجه الله".

ثم أمر بجائزة سنيَّة تغنيه عن الحاجة ومسألة الناس(١) .

هذا هو الحسينعليه‌السلام وهذه هي أخلاق الحسينعليه‌السلام فلنتخذ منه القدوة، ومن أخلاقه قبس الإهتداء.

____________________

١- القرشي - حياة الإمام الحسينعليه‌السلام - ج ١- ص١٢٤.

١٣١

نافذ البصيرة

المناسبة: ولادة أبو الفضل العباسعليه‌السلام

التاريخ: ٤ شعبان

قدَّم أبو الفضل العباسعليه‌السلام نموذجاً راقياً في الجهاد والإيثار وخصائل أخرى أشار إليها الإمام الصادقعليه‌السلام في زيارته لعمه العباسعليه‌السلام قائلاً:

" سلام الله وسلام ملائكته المقرَّبين وأنبيائه المرسلين، وعباده الصالحين، وجميع الشهداء والصديقين، الزاكيات الطيبات فيما تغتدي وتروح عليك يا ابن أمير المؤمنين...أشهد لك بالتسليم والتصديق والوفاء والتضحية لخلف النبي المرسل والسبط المنتجب..."(١) .

____________________

١- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٩٨ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٢١٧

١٣٢

الخصال الأربع:

وقد أشار الإمام الصادقعليه‌السلام بهذه الزيارة إلى خصال أربع في فضائل أبي الفضل العباسعليه‌السلام مع ولي أمرهعليه‌السلام نلقي بعض الضوء عليها مستلهمين منها دروساً في التولِّي:

١- التسليم: وهو عنصر أساس في تكوين شخصية المسلم الذي يسلِّم أمره لله ويتعبِّد بأوامره ونواهيه دون اعتراض كما رسم النموذَج الراقي في ذلك خليلُ الله إبراهيمعليه‌السلام الذي مضى في ذبح ولده إلى مشارفِ النهاية مسلِّماً في ذلك أمرَه لله تعالى فاستحق ان يكون من أطلق تسمية المسلمين على عباد الله الصالحين، يقول تعالى: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ(١) ،وأوضح الله تعالى في كتابه أنّ التسليم لله لا يتحقّق بدون التسليم لولي الأمر، بل لا يتمّ الإيمان حتى يتمّ التسليم له فيقول تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا(٢) من هنا كان القيمة في تسليم أبي الفضل

____________________

١- الحج : ٧٨

٢- النساء:٦٥.

١٣٣

العباس لأخيه الإمام الحسينعليه‌السلام .

٢- التصديق: والتسليم تارة يكون من دون قناعة بصوابية العمل وتصديق به وتارة تكون عن بصيرة وقناعة به والتسليم الثاني هو الأرقى والأكمل لذلك كان المدح الكبير لأبى الفضل العباسعليه‌السلام في زيارته لاسيَّما حينما قال الإمام الصادقعليه‌السلام فيها: " أشهد أنّك لم تهن ولم تنكل، وأنّك مضيت على بصيرة من أمرك مقتدياً بالصالحين متبعاً للنبيّين"(١) .

وقالعليه‌السلام عنه: " كان عمّي العباس بن عليعليه‌السلام نافذ البصيرة صلب الإيمان"(٢) ، فنفوذ البصيرة هو الذي يؤدي إلى صلابة الإيمان والتسليم لولي الأمر عن وعي وتصديق.

٣- الوفاء: والوفاء كما يكون بعهدٍ يلتزمه الإنسان يكون بأداء الحقوق وأداء حق ولي الأمر بنصرته والجهاد بين يديه من أعظم الوفاء وهذا ما تجلى بأبي الفضلعليه‌السلام في كربلاء كما يصفه أبن أخيه الإمام السجّادعليه‌السلام : " رحم الله عمي العباس بن علي فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه".

____________________

١- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٩٨ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٢١٨

٢- الشاكري - الحاج حسين - شهداء اهل البيتعليهم‌السلام قمر بني هاشم - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٣١

١٣٤

٤- التضحية: فقد ضحىعليه‌السلام فادياً أخاه واقياً له حتى وصل إلى منزلة قال عنها الإمام زين العابدينعليه‌السلام : " رحم الله عمي العباس فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه فأبدله الله بهما بجناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب، وان للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة"(١) .

وأراد إمام الأمّة الراحلقدس‌سره أن يلفتنا في ذكرى ولادة أبي الفضل العباسعليه‌السلام إلى المقاومين الجرحى فأطلق على هذا اليوم يوم الجريح، جزاهم الله تعالى عن الأمّة خير جزاء المحسنين.

____________________

١- الحائري - جعفر عباس - بلاغة الامام علي بن الحسينعليه‌السلام - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام ص ٢٣٥

١٣٥

حق النفس

المناسبة: ولادة الامام السجادعليه‌السلام

التاريخ: ٥ شعبان سنة ٣٨ ه

كان الامام زين العابدينعليه‌السلام قمّة في العلم والتقوى والعبادة والجهاد وقمّة في أخلاقه وسلوكه وعلاقته بربّه.

رسالة الحقوق:

ولا بدّ أن نقف عند رسالته التي حدّد فيها الحقوق، حقّ الله عليك، وحقّ نفسك عليك، وحقّ الناس عليك، وحقّك عليهم.

هذه الرسالة الفريدة العظيمة في مضامينها والتي تشتمل على أسرار العلاقات الإنسانيّة، والتي نحتاج أن نقرأها دائماً حتى نعيش في حياتنا الخاصّة والعامّة معنى المسؤوليّة، فلا يشعر الإنسان أنّه حرّ أمام شهواته ولذّاته ونوازعه الذاتيّة، بل يعرف أنّ الله عزّ وجلّ جعل للأشياء وللأشخاص حقوقاً عليه كما جعل حقوقاً عليهم.وأنّه يتحرّك في حياته ضمن المسار

١٣٦

الذي حدّده الله له.

إنّ خلاصة رسالة الحقوق هي أنّ الإنسان في هذه الحياة هو إنسان مسؤول، فالمسؤوليّة تحيط به من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، وفي موقفه بين يدي ربّه، فتعالوا نستمع إلى بعض ما ذكره الإمامعليه‌السلام من حقوق الإنسان على نفسه.

يقولعليه‌السلام : " وأما حقّ نفسك عليك فأن تستعملها بطاعة الله عزّ وجلّ، فتؤدّي إلى لسانك حقّه، وإلى سمعك حقّه، وإلى بصرك حقّه، وإلى يدك حقّها، وإلى رجلك حقّها، وإلى بطنك حقّه، وإلى فرجك حقّه، وتستعين بالله على ذلك".

حقّ اللسان:

" أما حقّ اللسان فإكرامه عن الخنا"، والخنا هي كلمات الفحش والسباب والشتائم.

" وتعويده على الخير" بأن تدرّب لسانك على أن لا يقول إلّا الخير وما ينفع نفسك والآخرين.

" وحمله على الأدب" أي أن تحمله على الكلمات التي تمثّل أدبك مع ربّك ومع الناس وذلك بأن تتكلّم الكلمات التي تفتح عقول وقلوب الناس عليك، ولا تثير حساسيّاتهم، ولا تعمل

١٣٧

على إثارة أعصابهم أو إلحاق الأذى بأنفسهم أو بحياتهم.

" وإجمامه إلّا لموضع الحاجة والمنفعة للدين والدنيا" أي أن تمسك لسانك عن الكلام إلّا لموضع الحاجة فليكن الصمت هو طابعك العام.إلّا أن تكون الكلمة محلّ حاجة لك أو للآخرين أو للرسالة، أما إذا كانت الكلمة لا تمثّل حاجّة لك في أمورك الخاصّة أو العامّة ولا للآخرين ولا للرسالة، فأمسك لسانك عن لغو الكلام الذي لا يفيد ولا ينفع.

" وإعفاؤه من الفضول الشنيعة القليلة الفائدة التي لا يؤمن شرّه" أي الكلام الذي لا داعي له ولا معنى له أو الكلام الذي يمكن أن يؤدّي إلى شرٍ أو إضرار بالآخرين.

وخلاصة الفكرة أن تعرف أنّ الله أنطق لسانك من أجل أن تستعين به على قضاء حاجاتك وحاجات الآخرين، وأن تستعمله من أجل الخير وهداية الناس ودعوتهم إلى خطّ الله وإدخال السرور عليهم، ولا تستعمله فيما يضرّهم ويؤذيهم ويضلّهم.

حقّ السمع:

" وأما حقّ السمع فتنزيهه عن أن تجعله طريقاً إلى قلبك إلّا لفوّهة كريمة، تحدث في قلبك خيراً أو تكسبك خلقاً كريماً فإنه

١٣٨

(أي السمع) باب الكلام إلى القلب يؤدّي إليه ضروب المعاني على ما فيها من خير أو شرّ" أي أنّ السمع هو النافذة التي تطلّ على العقل فالكلمات تنطلق من الآخرين لتدخل من خلال هذه النافذة لتستقرّ في قلبك وعقلك.

والكلام الذي نسمعه على نحوين: فهناك كلام يسيء إلى عقولنا وروحيّتنا وهدانا ومواقع الخير فينا، وهنالك كلمات تهدينا وترشدنا وترفع من مستوانا الثقافي والروحيّ وتعمّق تفكيرنا ولذلك فإنّ علينا أن نختار الكلمات التي ندخلها إلى عقولنا بعناية لتكون كلمات تنمّي عقولنا وأرواحنا وتعمّق إيماننا وترتفع بنا إلى مقام القرب الإلهيّ، فحاول دائماً أن يكون سمعك نافذة على العقل يعطي العقل ما يهديه إلى الخير والحقّ والعدل وإلى القرب من الله ولا تجعله نافذة وطريقاً إلى الشرّ واللهو واللغو وسماع الحرام.

حقّ البصر:

وأما حقّ بصرك فَغَضُّه عما لا يحل لك، ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾ ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ

١٣٩

أَبْصَارِهِنَّ(١) ،وترك ابتذاله إلّا لموضع عبرة تستقبل به بصراً أو تستفيد به علماً فإنّ البصر باب الاعتبار"، يعني أن تستعمل بصرك للتأمّل والبحث والاستفادة، بأن تحاول عندما تنظر إلى ما حولك وما فوقك وما تحتك أن تنظر على أساس أن تستفيد منه عظة وعبرة تستطيع من خلالهما أن تعطي لنفسك تجربة جديدة وفكرة جديدة وفائدة جديدة.

حقّ الرجلين:

" وأمّا حقّ رجليك أن لا تمشي بها إلى ما لا يحلّ لك، ولا تجعلها مطيَّتك في الطريق المستخفّ بأهلها فيها، فإنّها حاملتك وسالكة بك مسلك الدين"، أي عليك أن تحرّك رجليك إلى مواقع العدل والحقّ والجهاد وإلى مواقع العمل في سبيل الله وإلى الغايات والأهداف التي يحبّها الله ولا تحرّكها إلى المواقع التي لا يرضاها الله لأنّ رجليك غداً سوف تطالبانك بحقّها.

حقّ اليد:

" وأما حقّ يدك فأن لا تبسطها إلى ما لا يحلّ لك" فلا تضرب إنساناً بغير حقّ ولا تضرب ولدك بغير حقّ، أو زوجتك

____________________

١- النور: ٣١-٣٠.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

بالغير ، وما يتعلّق برقبته لا يضرّ المجنيّ عليه ، بل ينفعه ، فامّا أن يتبع ذلك تعلّقه ببيت المال فلا ضرر به ، فإنّ(١) قطع التعلّق عن بيت المال إضرار(٢) .

ولو زاد الأرش على قيمة الرقبة ، فالزيادة في بيت المال على القول الثاني(٣) .

مسألة ٤٨١ : لو جُني على اللقيط بأن قُطع طرفه ، ثمّ أقرّ بالرقّ ، فإن كانت الجناية عمداً ، فإن كان الجاني عبداً اقتُصّ منه ، وإن كان حُرّاً لم يُقتَصّ منه ؛ لأنّ قوله مقبول فيما يضرّ به ، ويكون الحكم كما لو كانت الجناية خطأً [ وإن كانت خطأً ](٤) فإن قبلنا إقراره في كلّ شي‌ءٍ فعلى الجاني كمال قيمته إن صادفت قتلاً ، وإلّا فما تقتضيه جراحة العبد.

وإن قبلنا إقراره فيما يضرّه خاصّةً دون ما يضرّ بغيره وكانت الجناية قَطْعَ يدٍ ، فإن كان نصف القيمة مثلَ نصف الدية ، أو كان نصف القيمة أقلَّ ، فهو الواجب.

وإن كان نصف الدية أقلَّ ، فللشافعيّة وجهان :

أحدهما : إنّا نوجب نصف القيمة ، ونغلّظ على الجاني ؛ لأنّ أرش الجناية يتبيّن مقداره بالأخرة ، وقد بانَ رقّه ، فلو نقصنا عن نصف القيمة لتضرّر السيّد.

وأصحّهما عنده(٥) : إنّه لا يجب إلّا نصف الدية ؛ لأنّ قبول قوله في الزيادة إضرار بالحال ، ونحن نفرع على أنّ قوله لا يُقبل فيما يضرّ بالغير ،

____________________

(١) كذا قوله : « فامّا أن يتبع ذلك فلا ضرر به ، فإنّ ». وبدله في المصدر : « وله أن يمنع ذلك بأنّ ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣٤.

(٣) البيان ٨ : ٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١٧.

(٤) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٥) الظاهر : « عندهم ».

٤٢١

وعلى هذا فالواجب أقلّ الأمرين من نصف الدية أو نصف القيمة(١) .

وهذا كلّه تفريع على تعلّق الدية بقتل اللقيط.

وفيه وجهٌ آخَر للشافعيّة ، وهو : إنّ الواجب الأقلّ من الدية أو القيمة(٢) .

وهذا الوجه مطّرد في الطرف من غير أن يُقرّ بالرقّيّة.

مسألة ٤٨٢ : لو ادّعى مدّعٍ رقَّه فأنكره ولا بيّنة للمدّعي ، كان عليه اليمين لإنكاره.

وقالت الشافعيّة : إن قلنا بقبول أصل الإقرار منه ، فله أن يحلّفه لرجاء أن يُقرّ ، وإن منعنا أصل الإقرار لم يكن له تحليفه ؛ لأنّ التحليف لطلب الإقرار ، وإقراره غير مقبولٍ(٣) .

هذا إن جعلنا اليمين مع النكول كإقرار المدّعى عليه ، فإن جعلناها كالبيّنة فله التحليف فلعلّه ينكل فيحلف المدّعي ويستحقّ ، كما لو أقام البيّنة.

واعلم أنّه لا فرق فيما تقدّم بأسره بين أن يُقرّ اللقيط بالرقّ ابتداءً وبين أن يدّعي رقَّه فيُصدَّق المدّعي.

ولو ادّعى إنسان رقَّه فأنكره ثمّ أقرّ ، ففي قبول قوله وجهان ؛ لأنّه بالإنكار لزمه أحكام الأحرار.

مسألة ٤٨٣ : ولاء اللقيط لمن يتولّى إليه ، فإن لم يتوال أحداً كان ميراثه للإمام عندنا ؛ لأنّه وارث مَنْ لا وارث له.

وعند أكثر العامّة ولاؤه لسائر المسلمين ؛ لأنّ ميراثه لهم(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣٤ - ٤٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣٥.

(٤) المغني ٦ : ٤١١ ، الشرح الكبير ٦ : ٤١٧.

٤٢٢

ولا ولاء للملتقط عليه عند علمائنا أجمع - وبه قال عليٌّعليه‌السلام وأهل بيتهعليهم‌السلام ، وأكثر الصحابة ، وهو قول مالك والشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم(١) - لما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « إنّما الولاء لمن أعتق »(٢) و « إنّما » للحصر.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « المنبوذ إن شاء جعل ولاءه للّذين ربّوه وإن شاء لغيرهم »(٣) .

ولأنّه حُرٌّ في الأصل لم يثبت عليه رقٌّ ولا على آبائه ، فلم يثبت عليه الولاء ، كالمعروف نسبه.

وقال شريح وإسحاق : عليه الولاء لملتقطه(٤) .

لما رواه واثلة بن الأسقع عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « المرأة تحوز ثلاث مواريث : عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه »(٥) .

ولقول عمر لأبي جميلة في لقيطه : هو حُرٌّ ، لك ولاؤه وعلينا نفقته(٦) .

وهُما ممنوعان ، قال ابن المنذر : حديث واثلة لم يثبت ، وأبو جميلة مجهول(٧) .

____________________

(١) المغني ٦ : ٤١١ ، الشرح الكبير ٦ : ٤١٧ ، حلية العلماء ٥ : ٥٧٣.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ٩٤ و ٢٠٠ ، صحيح مسلم ٢ : ١١٤٤ - ١١٤٥ / ١٤ ، سنن أبي داوُد ٤ : ٢١ - ٢٢ / ٣٩٣٠ ، سنن الترمذي ٤ : ٤٣٦ / ٢١٢٤ ، سنن الدارقطني ٣ : ٢٢ / ٧٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٣٨.

(٣) الفقيه ٣ : ٨٦ / ٣١٨ ، التهذيب ٨ : ٢٢٧ / ٨٢٠.

(٤) المغني ٦ : ٤١١ ، الشرح الكبير ٦ : ٤١٧.

(٥) سنن أبي داوُد ٣ : ١٢٥ / ٢٩٠٦ ، سنن الترمذي ٤ : ٤٢٩ / ٢١١٥ ، سنن البيهقي ٦ : ٢٥٩ ، مسند أحمد ٤ : ٥٤٤ / ١٥٥٧٤.

(٦) تقدّم تخريجه في ص ٣١٠ ، الهامش (١)

(٧) المغني ٦ : ٤١٢ ، الشرح الكبير ٦ : ٤١٧.

٤٢٣

المقصد السادس : في الجعالة‌

وفيه فصول :

الأوّل : الماهيّة‌

لـمّا كانت الحاجة غالباً إنّما تقع في ردّ الضوالّ والأموال المنبوذة ، وجب ذكر الجعالة بعقب اللّقطة والضوالّ.

والجعالة في اللّغة ما يجعل للإنسان على شي‌ءٍ يفعله ، وكذلك الجُعْل والجعيلة.

وأمّا في الشرع فصورة عقد الجعالة أن يقول : مَنْ ردّ عبدي الآبق ، أو : دابّتي الضالّة ، أو : مَنْ خاط لي ثوباً ، أو : مَنْ قضى لي الحاجة المعيّنة ، وبالجملة ، كلّ عملٍ محلَّلٍ مقصودٍ ، فله كذا.

وهي جائزة ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لقوله تعالى :( وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ) (١) .

وروى العامّة عن أبي عمرو الشيباني قال : قلت لعبد الله بن مسعود : إنّي أصبتُ عبيداً أُبّاقاً(٢) ، فقال : لك أجر وغنيمة ، فقلت : هذا الأجر فما الغنيمة؟ فقال : من كلّ رأسٍ أربعين درهماً(٣) ، وهذا لا يقوله إلّا توقيفاً.

ومن طريق الخاصّة : ما رواه وهب بن وهب عن الصادق عن‌

____________________

(١) سورة يوسف : ٧٢.

(٢) في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « عبداً آبقاً ». والمثبت كما في المصدر ويقتضيه السياق.

(٣) المغني ٦ : ٣٨٢.

٤٢٤

الباقرعليهما‌السلام ، قال : سألته عن جُعْل الآبق والضالّة ، فقال : « لا بأس »(١) .

وعن مسمع بن عبد الملك عن الصادقعليه‌السلام قال : « إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل في جُعْل الآبق ديناراً إذا أُخذ في مصره ، وإن أُخذ في غير مصره فأربعة دنانير »(٢) .

ولأنّ الحاجة تدعو إلى ذلك ، فإنّ العمل قد يكون مجهولاً ، كردّ الآبق والضالّة ونحو ذلك ، فلا يمكن عقد الإجارة فيه ، والحاجة داعية إلى ردّهم ، وقلّ أن يوجد متبرّع به ، فدعت الضرورة إلى إباحة بذل الجُعْل فيه مع جهالة العمل ؛ لأنّها غير لازمةٍ ، بخلاف الإجارة ، فإنّ الإجارة لـمّا كانت لازمةً افتقرت إلى تقدير مدّةٍ معيّنةٍ مضبوطةٍ لا يتطرّق إليها الزيادة والنقصان ، وأمّا العقود الجائزة - كالشركة والوكالة - فلا يجب لها ضرب المدّة ، ولأنّ كلّ عقدٍ جائزٍ يتمكّن كلٌّ من المتعاقدين فيه من فسخه وتركه.

____________________

(١) الفقيه ٣ : ١٨٩ / ٨٥١ ، التهذيب ٦ : ٣٩٦ / ١١٩٣.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٩٨ - ٣٩٩ / ١٢٠٣.

٤٢٥

الفصل الثاني : في الأركان‌

وهي أربعة :

الأوّل : الصيغة.

وهي كلّ لفظٍ دالٍّ على الإذن في العمل واستدعائه بعوضٍ يلتزمه ، كقوله : مَنْ ردّ عبدي أو ضالّتي ، أو : خاط لي ثوباً ، أو : بنى لي حائطاً ، أو ما أشبه ذلك من الأعمال المحلّلة المقصودة في نظر العقلاء ، سواء كان العمل مجهولاً أو معلوماً ؛ لأنّه عقد جائز كالمضاربة.

ولا بدّ من الإيجاب الصادر من الجاعل ، فلو عمل لغيره عملاً أو ضاع لغيره مالٌ غير الآبق والضالّة فردّه غيره تبرّعاً ، لم يكن له شي‌ء ، سواء كان معروفاً بردّ اللّقطة ، أو لم يكن ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّه عمل يستحقّ العوض مع المعاوضة ، فلا يستحقّ مع عدمها ، كالعمل في الإجارة.

مسألة ٤٨٤ : وأمّا الآبق والضالّة من الحيوانات فإن تبرّع الرادّ بالردّ أو حصل في يده قبل الجُعْل ، فلا شي‌ء له عند أكثر علمائنا(١) ، كما في غيرهما من الأموال - وبه قال الشافعي والنخعي وأحمد في إحدى الروايتين ، وابن المنذر(٢) - لأنّه عمل لغيره عملاً من غير أن يشترط له عوضاً ،

____________________

(١) منهم : ابن البرّاج في المهذّب ٢ : ٥٧٠ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ١٠٩ ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٣٢٦.

(٢) الأُم ٤ : ٧١ ، مختصر المزني : ١٣٦ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٦٩ ، الحاوي الكبير ٨ : ٢٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤١٨ ، الوسيط ٤ : ٢١٠ ، حلية العلماء ٥ : ٤٥٨ - ٤٥٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٦٤ ، البيان ٧ : ٣٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٩٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣٥ ، المغني ٦ : ٣٨١ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٣٥٦ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٠٣ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٧٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٣٥٢ / ٢٠٤٩ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥٩ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٨١ / ١٢١٦ ، الذخيرة ٦ : ٦ و ٧.

٤٢٦

فلم يستحق شيئاً ، كما لو ردّ لقطته من الأموال.

وقال الشيخرحمه‌الله : لم ينص أصحابنا على شي‌ءٍ من جُعْل اللّقط والضوالّ إلّا على إباق العبد ، فإنّهم رووا أنّه إن ردّه من خارج البلد استحقّ الأُجرة أربعين درهماً قيمتها أربعة دنانير ، وإن كان من البلد فعشرة دراهم قيمتها دينار ، وفيما عدا ذلك يستحقّ الأُجرة بحسب العادة.

ثمّ نقل عن الشافعي أنّه لا يستحقّ الأُجرة على شي‌ءٍ من ذلك إلّا أن يجعل له الجاعل(١) ، وعن مالك : إن كان معروفاً بردّ الضوالّ وممّن يستأجر لذلك فإنّه يستحقّ الجُعْل ، وإن لم يكن معروفاً به لم يستحق(٢) ، وعن أبي حنيفة : إن كان ضالّةً أو لقطةً فإنّه لا يستحقّ شيئاً ، وإن كان آبقاً فردّه من مسيرة ثلاثة أيّام فأكثر - وهو ثمانية وأربعون ميلاً وزيادة - استحقّ أربعين درهماً ، وإن نقص أحد الشرطين بأن جاء به من مسيرة أقلّ من ثلاثة أيّام فبحسابه ، وإن كان من مسيرة يومٍ فثلث الأربعين ، وإن كان من مسيرة يومين فثلثا الأربعين(٣) .

____________________

(١) راجع : الهامش السابق.

(٢) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٨١ / ١٢١٦ ، الذخيرة ٦ : ٦ و ٧ ، عيون المجالس ٤ : ١٨٤٤ / ١٣٠٤ ، المحلّى ٨ : ٢٠٦ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥٩ ، المغني ٦ : ٣٨٣ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٣٥٢ / ٢٠٤٩ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٧٠ ، الحاوي الكبير ٨ : ٢٩ ، حلية العلماء ٥ : ٤٦٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٦٤ ، البيان ٧ : ٣٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٩٦.

(٣) الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٥١ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٣٥٦ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٠٣ - =

٤٢٧

وإن كان قيمته أقلّ من أربعين ، قال أبو حنيفة ومحمّد : ينقص عن قيمته درهم ، ويستحقّ الباقي إن كان قيمته أربعين ، فيستحقّ تسعة وثلاثين ، وإن كان قيمته ثلاثين يستحقّ تسعة وعشرين(١) .

وقال أبو يوسف : يستحقّ أربعين وإن كان يسوى عشرة دراهم ، والقياس أنّه لا يستحقّ شيئاً ، لكن أعطيناه استحساناً(٢) ، هكذا حكاه الشيخرحمه‌الله عن الساجي(٣) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ قول الشيخ يحتمل استحقاق الرادّ للآبق وإن لم يشترط المالك له جُعْلاً ، ورواه العامّة عن عليٍّعليه‌السلام وابن مسعود وعمر وشريح وعمر بن عبد العزيز ومالك وأصحاب الرأي وأحمد في إحدى‌

____________________

= ٢٠٥ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ٢١ - ٢٢ ، المحيط البرهاني ٥ : ٤٤٦ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٣٥١ / ٢٠٤٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٧٨ ، المغني ٦ : ٣٨٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥٩ ، المحلّى ٨ : ٢٠٦ ، عيون المجالس ٤ : ١٨٤٤ / ١٣٠٤ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٨٢ / ١٢١٧ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٧٠ ، الحاوي الكبير ٨ : ٢٩ ، حلية العلماء ٥ : ٤٥٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٦٤ ، البيان ٧ : ٣٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٩٦.

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ٣٥٦ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٠٥ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ٣٢ ، المحيط البرهاني ٥ : ٤٤٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٥١ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٧٩ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٣٥١ / ٢٠٤٩ ، المحلّى ٨ : ٢٠٦ ، المغني ٦ : ٣٨٣ ، حلية العلماء ٥ : ٤٦٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٦٤ ، البيان ٧ : ٣٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٩٦.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٣٥٦ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٠٥ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ٣٢ ، المحيط البرهاني ٥ : ٤٤٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٥١ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٧٩ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٣٥٢ / ٢٠٤٩ ، المحلّى ٨ : ٢٠٦ ، المغني ٦ : ٣٨٣ ، حلية العلماء ٥ : ٤٦٠ ، البيان ٧ : ٣٥٩.

(٣) الخلاف ٣ : ٥٨٩ - ٥٩٠ ، المسألة ١٧.

٤٢٨

الروايتين(١) ؛ لما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه جعل في جُعْل الآبق إذا جاء به خارجاً من الحرم ديناراً(٢) .

ولأنّه قول مَنْ سمّيناه من الصحابة ، ولم نعرف لهم في زمنهم مخالفاً ، فكان إجماعاً ، ولأنّ في شرط الجُعْل في ردّهم حثّاً على ردّ الأُبّاق وصيانةً لهم عن الرجوع إلى دار الحرب وردّتهم عن دينهم(٣) وتقوية أهل الحرب بهم ، فيكون مشروعاً لهذه المصلحة ، بخلاف ردّ اللقط من الأموال فإنّه لا يفضي إلى ذلك.

والقول الأوّل أقوى ؛ لأنّ الأصل عدم الوجوب.

مسألة ٤٨٥ : لو استدعى الردّ فقال لغيره : رُدّ آبقي ، استحقّ الجُعْل ؛ لأنّه عمل يستحقّ في مثله الأُجرة ، فكان عليه الجُعْل ، كما لو استدعى ردّ اللّقطة ، كان عليه أُجرة المثل وإن لم ينص له على الأُجرة.

وكذا إذا أذن لرجلٍ في ردّ عبده الآبق ولم يشترط له عوضاً بردّه ، فالأقوى : استحقاق الجُعْل.

وللشافعيّة قولان :

منهم مَنْ قال : إن كان معروفاً بردّ الأُبّاق بالأُجرة ، استحقّ.

ومنهم مَنْ قال : لا يستحقّ ، وهو ظاهر كلام الشافعي ؛ لأنّه قال : إلّا أن يجعل له جُعْلاً(٤) .

____________________

(١) المغني ٦ : ٣٨١.

(٢) المغني ٦ : ٣٨١ - ٣٨٢.

(٣) في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « وردّهم دينهم » بدل « وردّتهم عن دينهم ». والظاهر ما أثبتناه.

(٤) الحاوي الكبير ٨ : ٣٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤١٨ ، حلية العلماء ٥ : ٤٥٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٦٥ ، البيان ٧ : ٣٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٩٦ - ١٩٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣٦ ، وراجع : الأُم ٤ : ٧١ ، ومختصر المزني : ١٣٦.

٤٢٩

وفيه الخلاف المذكور لهم فيما لو دفع ثوباً إلى غسّالٍ فغسله ، ولم يَجْر للأُجرة ذكر(١) .

ولو حصلت الضالّة في يد إنسانٍ قبل الجعل ، وجب دفعها إلى مالكها ، ولا شي‌ء عليه ، وكذا المتبرّع ، سواء عُرف بردّ الأُبّاق أو لا ، وسواء جعل المالك وقصد العامل التبرّع ، أو لم يجعل وإن لم يقصد التبرّع.

تذنيب : لا فرق في صيغة المالك بين أن يقول : مَنْ ردّ عبدي ، وبين أن يقول : إن ردّه إنسان ، أو : إن رددتَه ، أو : رُدّه ولك كذا.

ويصحّ التقييد بالزمان والمكان وأحدهما ، والإطلاق ، فيقول : مَنْ ردّ عبدي من بغداد في شهر كذا ، أو : خاط ثوبي في بغداد ، أو في يومٍ فله كذا.

الركن الثاني : العاقد.

ويشترط فيه أن يكون من أهل الاستئجار مطلق التصرّف ، فلا ينفذ جعل الصبي والمجنون والسفيه والمحجور عليه لفلسٍ والمكره وغير القاصد ، ولا نعلم فيه خلافاً.

ولا يشترط أن يكون الملتزم هو المالك ، ولا أن يقع العمل في ملكه ، فلو قال شخص : مَنْ ردّ عبد فلانٍ فله كذا ، استحقّه الرادّ عليه ؛ لأنّه التزمه ، فلزمه ، بخلاف ما إذا التزم الثمن في بيع غيره والثواب على هبة غيره ؛ لأنّه عوض تمليكٍ ، فلا يتصوّر وجوبه على غير مَنْ حصل له‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٩٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣٦.

٤٣٠

الملك ، والجُعْل ليس عوض تمليكٍ.

مسألة ٤٨٦ : لو قال فضوليٌّ : قال فلانٌ : مَنْ ردّ عبدي فله كذا ، لم يستحقّ الرادّ على الفضوليّ شيئا ؛ لأنّه لم يلتزم ، أقصى ما في الباب أنّه كذب ، وهو لا يوجب الضمان.

وأمّا المالك فإن كان الفضوليّ قد كذب عليه ، لم يكن [ عليه ] شي‌ء أيضاً ، وكان من حقّ الرادّ أن يتثبّت ويتفحّص ويسأل ، فالتفريط وقع منه.

وإن كان قد صدق ، فالأقوى : وجوب المال عليه ، خلافاً لبعض الشافعيّة حيث قال بذلك إن كان المُخبر ممّن يُعتمد على قوله ، وإلّا فهو كما لو ردّ غير عالمٍ بإذنه والتزامه(١) .

مسألة ٤٨٧ : لا يشترط تعيين العامل ، فيجوز أن يكون شخصاً معيّناً أو جماعةً معيّنين ، مثل أن يقول : إن ردّ زيدٌ عبدي فله كذا ، وإن ردّ زيد وعمرو وخالد فلهم كذا ، ويجوز أن يكون مجهولاً ، كقوله : مَنْ ردّ عبدي من هؤلاء العشرة فله كذا ، أو : مَنْ ردّ عبدي مطلقاً فله كذا ؛ لأنّ الغرض ردّ الآبق ، ولا تعلّق للمالك بخصوصيّة الرادّ ، فلم يكن شرطاً ، ولأنّ ردّ الآبق وما في معناه قد لا يتمكّن منه معيّن ، ومَنْ يتمكّن منه [ ربما ] لا يكون حاضراً ، وربما لا يعرفه المالك ، فإذا أطلق الاشتراط وشاع ذلك سارع مَنْ تمكّن منه إلى تحصيله فيحصل الغرض ، فاقتضت مصلحة العقد احتمال التجهيل فيه.

مسألة ٤٨٨ : لو عيّن واحداً فردّ غيره ، لم يستحق شيئا ، كما لو قال لزيدٍ : رُدّ عبدي ولك كذا ، أو قال : إن ردّه زيد فله كذا ، فردّه عمرو ؛ لأنّه‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٩٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣٦.

٤٣١

لم يشترط لغير ذلك المعيّن ، فكان متبرّعاً.

ولو ردّه عبد ذلك المعيّن ، استحقّ المولى الجُعْل ؛ لأنّ ردّ عبده كردّه ، ويده كيده.

ولو قال : مَنْ ردّه فله كذا ، استحقّ الرادّ ، سواء سمع نداءه أو لا ؛ لأنّه قد حصل المقصود ، وشمله اللفظ بعمومه ، ولم يقصد بقوله شخصاً معيّناً ولا جماعةً معيّنين ، بل أطلق ، فيُعمل بمقتضى إطلاقه ، كما لو قال : مَنْ صلّى فأعطه ديناراً ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.

والثاني - وهو الأظهر عندهم - : إنّه لا يستحقّ شيئاً ؛ لأنّه قصد التبرّع ، فإن قصد العوض ؛ لاعتقاده أنّ مثل هذا العمل لا يحبط ويستحقّ به الأُجرة ، فكذلك(١) .

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّا نمنع قصد التبرّع ، ولو قصد التبرّع لم يستحق شيئاً ، كما لو عيّنه وقال : إن رددتَ عبدي فلك كذا ، أو : إن ردّ زيد عبدي فله كذا ، فردّه زيد متبرّعاً بعد سماعه بالجعالة ، لم يستحق شيئاً ؛ لتبرّعه.

وكذا لو عيّنه وكان غائباً فقال : إن ردّه فلان فله كذا ، فردّه غير عالمٍ بإذنه والتزامه ، فإن نوى التبرّع لم يستحق شيئاً ، وإن لم يَنْوه استحقّ على ما تقدّم.

مسألة ٤٨٩ : لا يشترط القبول لفظا ، فلو قال : مَنْ ردّ عبدي فله كذا ، فاشتغل واحد بالردّ من غير أن يقول : قبلت ، أو : أنا أردّ ، صحّ العقد وتمّ ، سواء كان العامل معيّناً أو غير معيّنٍ.

وقالت الشافعيّة : إذا لم يكن العامل معيّناً فلا يتصوّر للعقد قبول ، وإن كان معيّناً فلا يشترط قبوله أيضاً على المشهور ، ويكفي الإتيان‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٩٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣٦.

٤٣٢

بالعمل(١) ، كما ذهبنا إليه.

وقال الجويني : لا يمتنع أن يكون كالوكيل في اشتراط القبول(٢) .

ونحن نمنع اشتراط القبول لفظاً في الوكيل.

نعم ، يشترط في العامل المعيّن أن يكون له أهليّة العمل ، فلو قال المسلم : مَنْ طالَب بدَيْني الذي على فلان المسلم فله كذا ، لم يدخل الذمّي تحته ؛ لما بيّنّا من أنّ الذمّي ليس أهلاً للتوكيل على المسلم.

مسألة ٤٩٠ : لو قال : مَنْ ردّ عبدي فله كذا ، وكان العبد مسلماً ، فهل للكافر ردّه؟ الأقرب ذلك ؛ لأنّه ليس بتوكيل عليه ، فلا يندرج تحت النهي ، مع احتمال اندراجه ؛ لاستلزامه إثبات السبيل للكافر على المسلم ، وهو منفيٌّ بالآية(٣) .

ويدخل تحته الرجل والمرأة والحُرّ والعبد والصبي والمسلم والكافر قطعاً في غير ردّ العبد المسلم ، وعلى إشكالٍ فيه(٤) .

ويدخل تحته الصبي والمجنون على إشكالٍ ينشأ : من عدم اشتراط التبرّع المشروط بالقصد المشروط بالعقل ، ومن اشتراط عدم التبرّع.

ويدخل تحته أيضاً الواحد والمتعدّد.

مسألة ٤٩١ : لو كان العوض شيئاً لا يصلح للكافر تملّكه ، كما لو قال : مَنْ ردّ عبدي ، أو : ضالّتي ، أو : فَعَل كذا فله عبدي فلان ، وكان عبده مسلماً ، أو : فله المصحف الفلاني ، ففي دخول الكافر إشكال ينشأ : من العموم الشامل للكافر ، ومن عدم صحّة تملّكه للجُعْل ، فيكون قرينة تصرف‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٩٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣٧.

(٣) سورة النساء : ١٤١.

(٤) أي : في ردّ العبد المسلم.

٤٣٣

اللفظ عن عمومه.

فإن قلنا بالدخول ، ففي ملكه إشكال أقربه : العدم ، فحينئذٍ هل يثبت له القيمة أو لا؟ إشكال.

الركن الثالث : العمل.

ويشترط فيه أن يكون محلّلاً ، فلا تصحّ الجعالة على المُحرَّم ، فلو قال : مَنْ زنى ، أو : قتل ، أو : سرق ، أو : ظلم ، أو : شرب خمراً ، أو : أكل محرَّماً ، أو : غصب ، أو غير ذلك من الأفعال الـمُحرَّمة فله كذا ، لم يصح ، ولو فَعَل المجعول له ذلك لم يستحق العوض ، سواء كان المجعول له معيّناً أو مجهولاً ، ولا نعلم فيه خلافاً.

ويشترط أيضاً أن يكون مقصوداً للعقلاء ، فلو قال : مَن استقى من دجلةٍ ورماه في الفرات ، أو : حفر نهراً وطمّه ، أو : بئراً وطمّها ، أو غير ذلك ممّا لا يعدّه العقلاء مقصوداً ، لم يصح.

ويشترط أن لا يكون واجباً ، فلو قال : مَنْ صلّى الفريضة ، أو : صام شهر رمضان فله كذا ، لم يصح ؛ لأنّ الواجب لا يصحّ أخذ العوض عليه.

مسألة ٤٩٢ : لا يشترط في العمل العلمُ إجماعا ؛ لأنّ الغرض الكلّي في الجعالة بذل العوض على ما لا يمكن التوصّل بعقد الإجارة إليه ؛ لجهالته ، فما لا تجوز الإجارة عليه من الأعمال لكونه مجهولاً يجوز عقد الجعالة عليه ؛ لأنّ مسافة ردّ الآبق قد لا تُعرف ، فتدعو الحاجة إلى احتمال الجهالة فيه ، كما تدعو إلى احتمالها في العامل ، فإذا احتُملت الجهالة في القراض لتحصيل زيادةٍ فلأن تُحتمل في الجعالة أولى.

وهل يشترط الجهل في العمل؟ الأصحّ : العدم ، فلو قال : مَنْ خاط‌

٤٣٤

ثوبي فله درهم ، أو قال : مَنْ حجَّ عنّي ، أو : مَنْ ردّ عبدي من بغداد فله مائة ، صحّ ، واستحقّ العامل الجُعْل ؛ لأنّه إذا جاز مع الجهل فمع العلم أولى ؛ لانتفاء الغرر فيه ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(١) .

ولهم وجهٌ آخَر : إنّه لا تجوز الجعالة على العمل المعلوم ، وإنّما تصحّ على المجهول ؛ لإمكان التوصّل في المعلوم بالإجارة(٢) .

وهو غير جيّدٍ ؛ لعدم المنافاة ، ولا استبعاد في التوصّل بأمرين أو أُمور.

ولو قيّد المعلوم بالمدّة المعلومة ، فقال : مَنْ ردّ عبدي الآبق من البصرة في الشهر فله كذا ، فالأقرب : الجواز.

ومَنَع منه بعض الشافعيّة ؛ لأنّه يكثر بذلك الغررُ(٣) .

مسألة ٤٩٣ : لو قال : مَنْ ردّ علَيَّ مالي فله كذا ، فردّه مَنْ كان المال في يده ، نُظر فإن كان في ردّه من يده كلفة ومئونة كالعبد الآبق ، استحقّ الجُعْل ، وإن لم يكن كالدراهم والدنانير ، فلا ؛ لأنّ ما لا كلفة فيه لا يُقابَل بالعوض.

ولو قال : مَنْ دلّني على مالي فله كذا ، فدلّه مَن المالُ في يده ، لم يستحق الجُعْل ؛ لأنّ ذلك واجب عليه بالشرع ، فلا يجوز أخذ العوض عليه ، أمّا لو كان في يد غيره فدلّه عليه ، استحقّ ؛ لأنّ الغالب أنّه يلحقه مشقّة في البحث عنه.

واعلم أنّ كلّ ما يجوز الاستئجار عليه تجوز الجعالة فيه ، ويعتبر فيما‌

____________________

(١ و ٢) الوسيط ٤ : ٢١١ ، الوجيز ١ : ٢٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٩٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٠٣ - ٢٠٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٤٢.

٤٣٥

تجوز الجعالة فيه ما يعتبر في جواز الإجارة ، سوى كونه معلوماً ، فلو قال : مَنْ ردّ عبدي ، أو : جاريتي فله دينار ، صحّ جعالةً ؛ لأنّ الجهالة غير ضائرةٍ في الجعالة ، ولا يجوز عقد الإجارة على ذلك ؛ لجهالة العمل ، المبطلة للإجارة.

الركن الرابع : في الجُعْل.

مسألة ٤٩٤ : يشترط في الجُعْل أن يكون مملوكاً مباحاً للعامل معلوما ، فلو شرط جُعْلاً لا يصحّ تملّكه - كالكلب والخنزير والخمر والعذرة وسائر ما لا يتملّك - لم يصح العقد ، ولم يستحقّ العامل شيئاً لا المسمّى ولا غيره.

نعم ، لو توهّم التملّك بذلك أو الاستحقاق ، فالأقرب : أُجرة المثل ؛ لأنّه غير متبرّعٍ بالعمل ، والمسمّى لا يصحّ أن يكون عوضاً وهو مغرور ، فاستحقّ أُجرة مثل عمله.

ولو كان المجعول محرَّماً ولم يُعلم ، مثل أن يقول : مَنْ ردّ عبدي فله ما في هذا الدَّن ، أو الزِّق ، أو ما في يدي ، وكان ذلك خمراً أو ما لا يتملّك ، وجب أُجرة المثل قطعاً.

ولو كان ممّا لا تقع المعاوضة عليه كحبّةٍ من حنطةٍ أو زبيبةٍ واحدة ، احتُمل استحقاق ذلك خاصّةً ، وعدم استحقاق شي‌ءٍ البتّة.

وشرطنا كونه مباحاً بالنسبة إلى العامل ؛ لأنّ الملك يقع له ، فإذا لم يصح له تملّكه لم يصح العقد ، وقد سبق ذكره.

مسألة ٤٩٥ : لا يجوز أن يكون العوض مجهولا ، بل يجب أن يكون معلوماً بالكيل أو الوزن أو العدد إن كانت العادة جاريةً بعدّه ، كالأُجرة ، فلو‌

٤٣٦

كان مجهولاً فسد العقد ، ووجب بالعمل أُجرة المثل ؛ لانتفاء الحاجة إلى احتمال الجهالة فيه.

والفرق بينه وبين العمل حيث جاز أن يكون هنا مجهولاً دعوى الحاجة إلى كون العمل هنا مجهولاً ، فإنّ الغالب أنّه لا يُعلم موضع الآبق والضالّ ، فلو شرطنا العلم لزم الحرج وعدم دعوى الحاجة إلى كون العوض مجهولاً.

وأيضاً العمل في الجعالة لا يصير لازماً ، فلهذا لم يجب كونه معلوماً ، وليس كذلك العوض ، فإنّه يصير بوجود العمل لازماً ، فوجب كونه معلوماً.

وأيضاً فإنّه لا يكاد يرغب أحد في العمل إذا لم يعلم الجُعْل ، فلا يحصل مقصود العقد ، فإن شرط جُعْلاً مجهولاً بأن قال : مَنْ ردّ عبدي الآبق فله ثوب ، أو : دابّة ، أو قال لغيره : إن رددتَ عبدي فعلَيَّ أن أُرضيك أو أُعطيك شيئاً ، فسد العقد ، ووجب بالعمل أُجرة المثل.

وكذا لو جعل العوض خمراً أو خنزيراً وكانا أو أحدهما مسلمين.

ولو جعل العوض شيئاً مغصوباً ، فسد العقد ، ووجب أُجرة المثل أيضاً.

وللشافعيّة هنا احتمالان :

أحدهما : تخريجه على القولين فيما إذا جعل المغصوب صداقاً حتى يرجع في قولٍ إلى قيمة ما يقابل الجُعْل وهو أُجرة المثل ، وفي قولٍ إلى قيمة المسمّى.

والثاني : القطع بأُجرة المثل ؛ لأنّ العوض ركن في هذه المعاملة ، بخلاف الصداق(١) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٩٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣٨.

٤٣٧

ولو قال : مَنْ ردّ عبدي فله ثيابه أو سَلَبه ، فإن كانت معلومةً ، أو وصفها بما يفيد العلم ، فللرادّ المشروط ، وإلّا فله أُجرة المثل.

ولو قال : مَنْ ردّ عبدي فله نصفه أو ربعه ، فالأقوى : الجواز ؛ للأصل ، وهو أحد وجهي الشافعية ، والثاني : المنع(١) .

وهو قريب من استئجار المرضعة بجزءٍ من المرتضع الرقيق بعد الفطام.

مسألة ٤٩٦ : لو قال : مَنْ ردّ عبدي من بغداد - مثلاً - فله دينار ، صحّ عندنا وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٢) .

فإن ردّه من نصف الطريق ، استحقّ نصف الجُعْل ، وإن ردّه من ثلثه فله الثلث ؛ لأنّه عمل نصف العمل أو ثلثه ، فكان له من الجُعْل مقابل عمله.

وإن ردّه من مكانٍ أبعد ، لم يستحق زيادةً ؛ لأنّ المالك لم يلتزم ذلك ، فيكون العامل فيه متبرّعاً بالزيادة ، فلا عوض له عنها.

ولو ردّه من غير ذلك البلد ، لم يستحق شيئاً ؛ لأنّه لم يجعل في ردّه منه شيئاً ، فأشبه ما لو جعل في ردّ عبدٍ شيئاً ، فردّ جاريةً.

ولو قال : مَنْ ردّ عبدَيَّ فله كذا ، فردّ أحدهما ، استحقّ نصف الجُعْل ، قاله بعض الشافعيّة(٣) .

وعندي فيه نظر.

أمّا لو كان الجُعْل على شي‌ءٍ تتساوى أجزاؤه ويقسّط عليها بالسويّة ؛ لتساوي العمل فيها ، كان الحكم ذلك.

ولو قال لاثنين : إن رددتما عبدي الآبق فلكما كذا ، فردّه أحدهما ،

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٩٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣٨.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤١٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣٨.

٤٣٨

استحقّ النصف ؛ لأنّه لم يلتزم له أكثر من ذلك ، لأنّه جعل الجُعْل لاثنين ، فقد جعل لكلّ واحدٍ منهما النصف على نصف العمل ، فيكون كلّ واحدٍ منهما في النصف الآخَر لو باشره متبرّعاً.

ولو قال لهما : إن رددتما عبدَيَّ الآبقين فلكما كذا ، فردّ أحدُهما أحدَهما ، لم يستحق إلّا الربع.

ويشكل بأنّ الالتزام متعلّق بالردّ من ذلك البلد وبردّ العبدين ، ولو توزّع الجُعْل في الجعالة على العمل لاستحقّ النصف إذا ردّ من ذلك البلد إلى نصف الطريق ، ولما وقع النظر إلى كون المأتيّ به نافعاً أو غير نافعٍ ، كما في الإجارة.

مسألة ٤٩٧ : لو قال : مَنْ ردّ عبدي فله كذا ، فإن ردّه واحد كان الجُعْل بأسره له ، وإن ردّه اثنان كان بينهما بالسويّة ، وإن ردّه جماعة اشترك الجُعْل بينهم كذلك ؛ لصدق لفظة « مَنْ » على كلّ واحدةٍ من هذه المراتب.

ولو قال لجماعةٍ : إن رددتم عبدي فلكم كذا ، فردّوه ، فالجُعْل بينهم بالسويّة على عدد الرءوس وإن تعاونوا في العمل ؛ لأنّ العمل في أصله مجهول ، فلا يُنظر إلى مقداره في التوزيع ، قاله بعض الشافعيّة(١) .

والمعتمد خلافه ، بل يُوزّع الجُعْل على قدر العمل كالإجارة ؛ لأنّا إنّما ندفع الجُعْل إليهم عند تمام العمل ، وحينئذٍ فقد انضبط العمل ، فيُوزّع على أُجور أمثالهم.

مسألة ٤٩٨ : يجوز أن يخصّص الجُعْل لواحدٍ بعينه ، كما يجوز تعميمه ، فلو قال لزيدٍ : إن رددتَ عبدي فلك دينار ، فردّه غيره ، لم يستحق الرادّ شيئاً ؛ لأنّه متبرّع به ، ولا زيد ؛ لأنّه لم يعمل.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٠٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣٨.

٤٣٩

نعم ، يجوز الاستعانة ، فإن استعان زيد المجعول له بغيره إمّا من عبدٍ أو غيره ، استحقّ زيد.

ولو قال لزيدٍ : إن رددته فلك دينار ، فردّه زيد وعمرو ، لم يكن لعمرو شي‌ء ؛ لتبرّعه ، ولم يلتزم المالك بشي‌ءٍ.

وإن قصد عمرو معاونة زيدٍ إمّا بعوضٍ أو مجّاناً ، فلزيدٍ تمام الجُعْل ؛ لأنّه قد يحتاج إلى الاستعانة بالغير ، ومقصود المالك ردّ العبد بأيّ وجهٍ أمكن ، فلا يُحمل لفظه على قصر العمل على المخاطب بالمباشرة.

ثمّ ذلك الغير إن تبرّع على زيدٍ بالإعانة ، لم يكن له شي‌ء.

وإن قصد العمل بالأُجرة فاستعمله زيد عليها ، فإن عيّن قدر الأُجرة استحقّ ما عيّنه له ، سواء زاد على مال الجعالة أو نقص ، وإن لم يعيّن له شيئاً كان له أُجرة المثل على زيدٍ وإن زادت على ما حصل له بالجعالة.

ولو قال عمرو : عملتُ للمالك ، لم يكن لزيدٍ تمام الجُعْل ، بل ما قابَل عمله.

ثمّ هل يُوزَّع مال الجعالة على الرءوس أو على قدر العمل؟ الأقرب : الثاني ، وهو قول بعض الشافعيّة. والمشهور عندهم : الأوّل(١) .

وكذا البحث لو عمل المالك مع زيدٍ فإنّه لا يستحقّ زيد كمالَ الجعالة ، إلّا أن يقصد المالك إعانته ، على إشكالٍ.

ولو قصد عمرو العمل للمالك ، لم يكن له شي‌ء ، سواء قصد التبرّع أو الشركة في الجُعْل ؛ لأنّ المالك لم يلتزم له شيئاً.

مسألة ٤٩٩ : لو قال لزيدٍ : إن رددتَ عبدي فلك كذا ، اختصّ بمال الجعالة مع كمال العمل ، فإن شاركه في العمل اثنان ، فإن قصدا معاً إعانةَ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٠٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣٩.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466