تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

تذكرة الفقهاء12%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 978-964-319-530-4
الصفحات: 466

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156667 / تحميل: 5498
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٩٦٤-٣١٩-٥٣٠-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

الشافعي ، ومسند الإمام أحمد ، عن أنس بن مالك ، قال :

اتي النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) بطائر فقال : اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي.

فجاء عليعليه‌السلام فحجبته مرّتين ، فجاء في الثالثة فأذنت له.

فقال النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : يا عليّ! ما حبسك؟! قال : هذه ثلاث مرّات قد جئتها فحبسني أنس.

قال (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : لم يا أنس؟! قال : قلت : سمعت دعوتك يا رسول الله ، فأحببت أن يكون رجلا من قومي.

فقال النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : الرجل يحبّ قومه.

فأسأل الشيخ عبد السلام وأقول : هل استجاب الله تعالى دعوة حبيبه ونبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم لا؟!

الشيخ عبد السلام : نعم ، وكيف لا يستجيب وقد وعده الإجابة؟! وهو سبحانه يعلم أنّ النبيّ لا يدعوه ولا يطلب منه حاجة إلاّ في محلّها. فلذلك كانت دعوة رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) مستجابة في كلّ وقت.

قلت : على هذا فعليّعليه‌السلام هو أحبّ الخلق إلى الله عزّ وجلّ.

كما إنّ كبار علمائكم صرّحوا بذلك ، مثل : العلاّمة محمد بن طلحة الشافعي ، في أوائل الفصل الخامس من الباب الأوّل من كتابه «مطالب السئول» بمناسبة حديث الراية وحديث الطير ، فقد أثبت أنّ عليّاعليه‌السلام كان أحبّ الخلق إلى الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ثمّ يقول : أراد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يحقّق للناس ثبوت هذه المنقبة السنيّة والصفة العليّة ، التي هي أعلى درجات المتّقين ، لعليّعليه‌السلام إلى آخره.

٣٤١

والعلاّمة الكنجي الشافعي ، فقيه الحرمين ومحدّث الشام وصدر الحفّاظ ، في كتابه «كفاية الطالب» الباب ٣٣ ، بعد نقله الحديث والخبر بسنده عن أربع طرق ، عن أنس وسفينة خادمي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : وفيه دلالة واضحة على ان عليّاعليه‌السلام أحبّ الخلق الى الله ، وأدل الدلالة على ذلك إجابة دعاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ما دعا به ، وقد وعد الله تعالى من دعاه الإجابة ، حيث قال عزّ وجلّ :( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) (١) .

فأمر بالدعاء ووعد الإجابة ، وهو عزّ وجلّ لا يخلف الميعاد. وما كان الله عزّ وجلّ ليخلف وعده رسله ، ولا يردّ دعاء رسوله لأحبّ الخلق إليه ، ومن هو أقرب الوسائل إلى الله تعالى محبّته ومحبّة من يحبّ لحبّه.

وبعد هذا يقول : وحديث أنس الذي صدّرته في أوّل الباب ، أخرجه الحاكم أبو عبد الله الحافظ النيسابوري عن ستّة وثمانين رجلا ، كلّهم رووه عن أنس ، ثمّ يذكر أسماءهم(٢) .

__________________

(١) سورة غافر ، الآية ٦٠.

(٢) وإليك الحديث كما نقله العلاّمة الكنجي الشافعي في أول الباب ٣٣ من كتاب «كفاية الطالب» وأسماء رواته كما يلي :

أخبرنا منصور بن محمد أبو غالب المراتبي ، أخبرنا أبو الفرج بن أبي الحسين الحافظ ، أخبرنا أحمد بن محمد السدّي ، أخبرنا عليّ بن عمر بن محمد السكّري ، أخبرنا أبو الحسن عليّ بن السرّاج المصري ، حدّثنا أبو محمد فهد بن سليمان النحّاس ، حدّثنا أحمد بن يزيد ، حدّثنا زهير ، حدّثنا عثمان الطويل ، عن أنس بن مالك :اهدي إلى رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) طائر وكان يعجبه أكله ، فقال : ائتني بأحبّ الخلق إليك يأكل معي من هذا الطائر.

٣٤٢

__________________

فجاء عليّ بن أبي طالب فقال : استأذن لي على رسول الله. قال : فقلت : ما عليه إذن ، وكنت أحبّ أن يكون رجلا من الأنصار.

فذهب ثمّ رجع فقال : استأذن لي عليه ، فسمع النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) كلامه ، فقال : ادخل يا عليّ ؛ ثمّ قال : اللهمّ وإليّ ، اللهمّ وإليّ. ـ أي : هو أحبّ الناس إليّ أيضا ـ.

وأمّا أسماء رواة هذا الحديث عن أنس كما ذكرهم العلاّمة الكنجي الشافعي نقلا عن الحاكم أبي عبد الله الحافظ النيسابوري ، وهم ستّة وثمانون رجلا ، ذكرهم في آخر الباب ٣٣ بترتيب حروف المعجم ، كما يلي :

[إ] إبراهيم بن هديّة أبو هديّة ، وإبراهيم بن مهاجر أبو إسحاق البجلي ، وإسماعيل ابن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، وإسماعيل بن عبد الرحمن السدّي ، وإسماعيل بن سليمان بن المغيرة الأزرق ، وإسماعيل بن وردان ، وإسماعيل بن سليمان ، وإسماعيل غير منسوب من أهل الكوفة ، وإسماعيل بن سليمان التيمي ، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، وأبان بن أبي عيّاش أبو إسماعيل.

[ب] بسّام الصيرفي الكوفي ، وبرذعة بن عبد الرحمن.

[ث] ثابت بن أسلم البنانيان ، وثمامة بن عبد الله بن أنس.

[ج] جعفر بن سليمان النخعي.

[ح] حسن بن أبي الحسن البصري ، وحسن بن الحكم البجلي ، وحميد بن التيرويه الطويل.

[خ] خالد بن عبيد أبو عصام.

[ز] زبير بن عديّ ، وزياد بن محمد الثقفي ، وزياد بن شروان.

[س] سعيد بن المسيّب ، وسعيد بن ميسرة البكري ، وسليمان بن طرخان التيمي ، وسليمان بن مهران الأعمش ، وسليمان بن عامر بن عبد الله بن عبّاس ، وسليمان ابن الحجّاج الطائفي.

[ش] شقيق بن أبي عبد الله.

٣٤٣

__________________

[ع] عبد الله بن أنس بن مالك ، وعبد الملك بن عمير ، وعبد الملك بن أبي سليمان ، وعبد العزيز بن زياد ، وعبد الأعلى بن عامر الثعلبي ، وعمر بن أبي حفص الثقفي ، وعمر بن سليم البجلي ، وعمر بن يعلى الثقفي ، وعثمان الطويل ، وعلي بن أبي رافع ، وعامر بن شراحيل الشعبي ، وعمران بن مسلم الطائي ، وعمران بن هيثم ، وعطيّة بن سعد العوفي ، وعبّاد بن عبد الصمد ، وعيسى بن طهمان ، وعمّار بن أبي معاوية الدهني.

[ف] فضيل بن غزوان.

[ق] قتادة بن دعامة.

[ك‍] كلثوم بن جبر.

[م] محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، الباقر عليه‌السلام ، ومحمد بن مسلم الزهري ، ومحمد بن عمر بن علقمة ، ومحمد بن عبد الرحمن أبو الرجال ، ومحمد بن خالد بن المنتصر الثقفي ، ومحمد بن سليم ، ومحمد بن مالك الثقفي ، ومحمد بن جحادة ، ومطيّر بن خالد ، ومعلّى بن هلال ، وميمون أبو خلف ، وميمون غير منسوب ، ومسلم الملائي ، ومطر بن طهمان الورّاق ، وميمون بن مهران ، ومسلم بن كيسان ، وميمون بن جابر السلمي ، وموسى بن عبد الله الجهني ، ومصعب بن سليمان الأنصاري.

[ن] نافع مولى عبد الله بن عمر ، ونافع أبو هرمز.

[ه‍] هلال بن سويد.

[ي] يحيى بن سعيد الأنصاري ، ويحيى بن هانئ ، ويوسف بن إبراهيم ، ويوسف أبو شيبة ـ وقيل هما واحد ـ ، ويزيد بن سفيان ، ويعلى بن مرّة ، ونعيم بن سالم.

[أبو] أبو الهندي ، وأبو مليح ، وأبو داود السبيعي ، وأبو حمزة الواسطي ، وأبو حذيفة العقيلي ، ورجل من آل عقيل ، وشيخ غير منسوب.

انتهى ما أردنا نقله من كتاب «كفاية الطالب في مناقب أمير المؤمنين علي بن

٣٤٤

فأنصفوا أيها المستمعون! هل من الصحيح أن نتمسّك بخبر واحد رواه عمرو بن العاص ، وهو أحد أعداء الإمام عليّعليه‌السلام ، والمعلن عليه الحرب ، والخارج لقتاله ، ونعرض عن هذه الأخبار الكثيرة المتواترة في كتب كبار علمائكم ومحدّثيكم؟!

الشيخ عبد السلام : أظنّ أنّكم مصرّون على ردّ كلّ خبر ننقله في فضيلة الشيخين!!

نحن نتّبع الحقّ!

قلت : إنّي أعجب من الشيخ إذ يتّهمني أمام الحاضرين بهذه التهمة! ولا أدري أي خبر موافق للكتاب الحكيم والعقل السليم والمنطق القويم قاله الشيخ وأنا رفضته وما قبلته؟! حتّى يجابهني بهذا العتاب ، ويواجهني بهذا الكلام الذي يقصد منه أنّنا نتّبع طريق اللجاج والعناد!!

__________________

أبي طالبعليه‌السلام » تأليف : العلاّمة ، فقيه الحرمين ، ومفتي العراقيين ، محدّث الشام ، وصدر الحفّاظ ، أبي عبد الله محمد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي.

وقد ثبت إجماع المسلمين على صحّة هذا الخبر ، فنقلوه بالتواتر في كتبهم ومسانيدهم ، كما ثبت أنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام احتجّ بهذا الحديث في يوم الدار في اجتماع الّذين أوصاهم عمر بن الخطّاب أن يجتمعوا لتعيين خليفته من بينهم ، فقال الإمام عليّ عليه‌السلام : أنشدكم الله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير ، فجاء أحد غيري؟!

فقالوا : اللهمّ لا فقال عليه‌السلام : اللهمّ اشهد إلى آخره. «المترجم».

٣٤٥

وإنّي أعوذ بالله أن أكون معاندا أو متعصّبا جاهلا ، وأعوذ به سبحانه أن يكون في قلبي شيء من الحقد عليكم خصوصا ، وعلى إخواني من أهل السنّة عموما.

وإنّي أشهد الله ربّي وربّكم أنّي ما كنت معاندا وما تبعت طريق اللجاج في محاوراتي ومناظراتي مع اليهود والنصارى ، والهنود والمجوس ، ومع المادّيّين والوجوديّين ، وسائر المذاهب والفرق والأحزاب المنحرفة ، بل كنت دائما أطلب وجه الله عزّ وجلّ وأبحث عن الحقّ والحقيقة على أساس المنطق والعقل واصول العلم والبرهان ، فكيف أكون معاندا في محاورتي معكم وأنتم إخواني في الدين ، ونحن وإياكم على دين واحد ، وكتاب واحد ، ونبي واحد ، وقبلة واحدة؟!

غاية ما هنالك لقد وقعت بعض الاشتباهات والمغالطات في الأمر ، والتبس بذلك الحقّ عليكم ، ونحن بتشكيل مجالس البحث والمناظرة ، نريد أن نتفاهم في القضايا حتّى يرتفع الاختلاف إن شاء الله تعالى ، ويخيّم علينا الاتّحاد والائتلاف ، ويتحقّق أمر الله عزّ وجلّ إذ يقول :( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (١) .

وأنتم والحمد لله عالمون وفاهمون ، ولكن تأثّرتم بكلمات وأكاذيب الامويّين المعادين للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الطيّبين فقلّدتم الناكثين والمارقين المتعصّبين ضدّ الإمام عليّ أمير المؤمنين وشيعته أهل الحقّ واليقين.

فإذا تخلّيتم عن أقاويل اولئك ، وتحرّرتم عن التعصّب والتقليد

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ١٠٣.

٣٤٦

الأعمى ، وأنصفتم الحكم في القضايا المطروحة ، فإنّا نصل إن شاء الله تعالى إلى الهدف المنشود والحقّ المعهود.

الشيخ عبد السلام : نحن قرأنا في الصحف والمجلاّت ، مناظراتكم مع الهنود والبراهمة في مدينة لاهور ، وعلمنا إفحامكم إيّاهم فأجبناكم لانتصاركم للدين الحنيف وإثباتكم الحقّ ، وكنّا نحبّ زيارتكم ونتشوّق لمجالستكم ، والآن نسأل الله تعالى أن يجمعنا وإيّاكم على الحقّ.

ونحن نوافقكم على مراجعة القرآن الحكيم في الأمور الخلافية ، وعرض الأخبار والأحاديث المرويّة على كتاب الله سبحانه ، فهو الفرقان الأعظم ، ولذا قبلنا منكم الردود على ما نقلناه من الأخبار والأحاديث حينما أثبتّم نقاط تعارضها مع الكتاب والعقل والعلم والمنطق.

فلذلك أذكر الآن دليلا من القرآن الكريم في شأن الخلفاء الراشدين وفضلهم ، وأنا على يقين بأنّكم ستوافقون عليه ولا تردّونه ، لأنّه مأخوذ ومقتبس من كتاب الله تعالى.

قلت : أعوذ بالله العظيم من أن أردّ الدلائل القرآنية أو الأحاديث الصحيحة النبوية. ولكن اعلموا أنّي حينما كنت احاور الفرق الملحدة مثل : الغلاة والخوارج ، وغيرهم من الّذين ينسبون أنفسهم للإسلام وما هم منه ، كانوا يحتجّون عليّ في إثبات ادّعائهم الباطل ببعض الآيات القرآنية! لأنّ بعض آيات الذكر الحكيم ذو معان متعدّدة ووجوه متشابهة ، ولذا لم يسمح النبيّ الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأحد أن يفسّر القرآن برأيه ، فقال :

٣٤٧

«من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار».

وقد وكّل هذا الأمر الهامّ إلى أهل بيته الكرامعليهم‌السلام ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدا».

وقد أجمعت الامّة على صحّة هذا الحديث الشريف ، فيجب أن نأخذ تفسير القرآن ومعناه من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو القرآن الناطق ، ومن بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجب أن نأخذ ذلك من العترة الهادية ، وهم أهل بيته الّذين جعلهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع القرآن ككفّتي ميزان.

والله سبحانه أيضا أمر الامّة أن يرجعوا إليهم في ما لا يعلمون ، فقال :( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (١) .

والمقصود من أهل الذكر : عليّ بن أبي طالب والأئمّة من بنيهعليهم‌السلام كما روى الشيخ سليمان الحنفي في «ينابيع المودة» الباب ٣٩ نقلا عن تفسير «كشف البيان» للعلاّمة الثعلبي بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، عن عليّعليه‌السلام ، قال : نحن أهل الذكر ، والذكر : هو القرآن الحكيم لقوله تعالى :( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ) (٢) .

وبتعبير آخر من القرآن الكريم ، الذكر : هو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقوله تعالى :( ... قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ ) (٣) .

فأهل الذكر هم آل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأهل القرآن الّذين نزل الوحي في

__________________

(١) سورة النحل ، الآية ٤٣.

(٢) سورة الحجر ، الآية ٩.

(٣) سورة الطلاق ، الآية ١٠ ـ ١١.

٣٤٨

بيتهم ، فهم أهل بيت النبوّة وأهل بيت الوحي.

ولذلك كان عليّعليه‌السلام يقول للناس : سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوني عن كتاب الله ، فإنّه ليس من آية إلاّ وقد عرفت بليل نزلت أم نهار ، وفي سهل أم في جبل ، والله ما انزلت آية إلاّ وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت وعلى من انزلت ، وإنّ ربّي وهب لي لسانا طلقا ، وقلبا عقولا إلى آخره.

ملخص القول : في نظرنا إنّ الاستدلال بالآيات القرآنية يجب أن يطابق بيان أهل البيت والعترة النبوية ، وإلاّ إذا كان كلّ إنسان يفسّر القرآن حسب رأيه وفكره لوقع الاختلاف في الكلمة والتشتّت في الآراء ، وهذا لا يرضى به الله سبحانه.

والآن بعد هذه المقدّمة ، فإنّا نستمع لبيانكم.

الشيخ عبد السلام : لقد أوّل بعض علمائنا الأعلام قوله تعالى :( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) (١) .

قالوا :( وَالَّذِينَ مَعَهُ ) إشارة إلى أبي بكر الصدّيق ، فهو كان مع رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) في كلّ مكان حتّى في الغار ، ورافقه في الهجرة إلى المدينة المنوّرة.

والمقصود من( أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ) : هو عمر بن الخطّاب (رض) الذي كان شديدا على الكفّار.

والمراد من( رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ) : هو عثمان ذو النورين ، فإنّه كان

__________________

(١) سورة الفتح ، الآية ٢٩.

٣٤٩

كما نعلم رقيق القلب كثير الرحمة.

والمعنيّ من( سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) : هو عليّ ابن أبي طالب كرّم الله وجهه ، فإنّه ما سجد لصنم قطّ.

وأنا أرجو أن تقبل هذا التأويل الجميل ، والقول الجامع لفضيلة الخلفاء الراشدين!

قلت : يا شيخ! إنّي أعجب من كلامك وفي حيرة منه! ولا أدري من أين جئت به؟! فإنّي لم أجد في تفاسيركم المعتبرة المشهورة ، هذا التفسير ، ولو كان الأمر كما تقول ، لكان الخلفاء المتقدّمون على الإمام عليّعليه‌السلام احتجّوا بها حينما واجهوا معارضة بني هاشم وامتناع السيّدة فاطمة الزّهراء والامام عليّعليه‌السلام من البيعة لهم.

ولكن لم نجد ذلك في التاريخ ولا في التفاسير التي كتبها كبار علمائكم ، أمثال : الطبري والثعلبي والنيسابوري والسيوطي والبيضاوي والزمخشري والفخر الرازي ، وغيرهم.

وهذا التأويل والتفسير ما هو إلاّ رأي شخصي غير مستند إلى حديث أو رواية ، وإنّ القائل والملتزم به ومن يقبله يشملهم حديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار».

وإذا قلت : إنّ ما قلته هو تأويل لا تفسير.

فأقول : إنّ مذاهبكم الأربعة لا يقبلون تأويل القرآن مطلقا ، ولا يجوز عند أئمّتكم تأويل القرآن ، وأضف على هذا ، إنّ في الآية الشريفة نكات علمية وأدبية تمنع من هذا التأويل ، وتحول دون الوصول إلى مقصودكم ، وهي :

أوّلا : الضمائر الموجودة في الآية الكريمة.

٣٥٠

وثانيا : صياغة الجمل ف( مُحَمَّدٌ ) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مبتدأ ، و( رَسُولُ اللهِ ) : عطف بيان أو صفة ، و( الَّذِينَ مَعَهُ ) : عطف على( مُحَمَّدٌ ) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و( أَشِدَّاءُ ) وما بعدها : خبر ؛ ولو قلنا غير هذا فهو غير معقول وخارج عن قواعد العربية والاصول.

ولذا فإنّ جميع المفسّرين من الفريقين قالوا : إنّ الآية الكريمة تشير إلى صفات المؤمنين بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جميعا.

ولكنّي أقول : إنّ هذه الصفات ما اجتمعت في كلّ فرد فرد من المؤمنين ، بل مجموعها كانت في مجموع المؤمنين ، أي : إنّ بعضهم كانوا( أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ) وبعضهم كانوا( رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ) وبعضهم( سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) ولم يكن من المؤمنين إلاّ رجل واحد جمع كلّ هذه الصفات والميزات الدينية ، وهو : أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فهو الذي كان مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أوّل رسالته وبعثته حتّى آخر ساعات حياته المباركة ، إذ كان رأس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجر وصيّه وابن عمّه عليّ بن أبي طالب حين فارقت روحه الدنيا.

الشيخ عبد السّلام : إنّك قلت : بأنّي لا اجادل ولست متعصّبا! بينما الآن تظهر التعصّب ، وتجادلنا على ما لا ينكره أيّ فرد من أهل العلم!

أما قرأت قوله تعالى :( إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ

٣٥١

كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (١) .

هذه الآية الكريمة إضافة على أنّها تؤيّد رأينا في تأويل الآية السابقة :( وَالَّذِينَ مَعَهُ ) فهي تسجّل فضيلة كبرى ، ومنقبة عظمى لسيّدنا أبي بكر الصدّيق (رض) ، لأنّ مصاحبته للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تدلّ على منزلته عنده ، ودليل على أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعلم بعلم الله أنّ أبا بكر يكون خليفته ، فكان يلزم عليه حفظه كما يلزم حفظ نفسه الشريفة ، لذلك أخذه معه حتّى لا يقع في أيدي المشركين ، ولم يأخذ النبيّ أحدا سواه ، وهذا أكبر دليل على خلافته.

قلت : إذا أبعدتم عنكم التعصّب ، وتركتم تقليد أسلافكم ، ونظرتم إلى الآية الكريمة بنظر التحقيق والتدقيق ، لوجدتم أنّها لا تعدّ فضيلة ومنقبة لأبي بكر ، وليس فيها أي دليل على خلافته!

الشيخ عبد السلام : إنّي أتعجّب من قولك هذا ، والآية صريحة في ما نقول ، ولا ينكره إلاّ معاند متعصّب!

قلت : قبل أن أخوض هذا البحث أرجو أن تعرضوا عن كلامكم ، لأنّي أخشى أن يمسّ ويخدش البحث عواطفكم ، فإنّ الكلام يجرّ الكلام ، ونصل بالبحث إلى ما لا يرام ، ولا يتحمّله العوامّ ، لسوء ما تركّز عندهم في الأفهام.

الشيخ عبد السلام : أرجو أن لا تتكلّم بالإبهام ، بل بيّن لنا كلّ ما عندك من الجواب والردّ على ما قلناه بالتمام ، ونحن إنّما اجتمعنا وحاورناكم لنعرف حقيقة الإسلام ، ونحن مستعدّون لاعتناق مذهبكم إذا ظهر لنا وثبت أنّه الحقّ الذي أمر به محمّد سيّد الأنام (صلّى الله

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية ٤٠.

٣٥٢

عليه [وآله] وسلّم).

قلت : إنّ إنكاري لقولكم لا يكون عن تعصّب وعناد ، وإعراضي عن الجواب ليس عن عيّ وجهل ، بل رعاية للأدب والوداد ، ولكن إصراركم على رأيكم ، وإحساسي بالمسئولية في كشف الحقّ وإظهار الحقيقة والإرشاد ، يفرض عليّ الردّ والجواب ، حتّى يعرف الحاضرون كلمة الحقّ والسداد ، فأقول :

أوّلا : قولك : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حمل معه أبا بكر ، لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعلم أنّه يكون خليفته ، فأراد أن يحفظه من شرّ المشركين ، كلام غريب

لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا حمله لهذا السبب ، فلما ذا لم يأخذ معه خلفاءه الآخرين ، الراشدين على حدّ زعمكم؟! عمر وعثمان وعليّ ، لأنّهم كانوا في مكّة مهدّدين أيضا!

فلما ذا هذا التبعيض؟! يأخذ أبا بكر ويأمر عليّا ليبيت على فراش الخطر ، ويفدي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفسه!

هل هذا من العدل والإنصاف؟!

ثانيا : بناء على ما ذكره الطبري في تاريخه ، ج ٣ : إنّ أبا بكر ما كان يعلم بهجرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجاء عند علي بن أبي طالب وسأله عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأخبره بأنّه هاجر نحو المدينة فأسرع أبو بكر ليلتقي بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فرآه في الطريق فأخذه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معه.

فالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما أخذ معه أبا بكر على غير ميعاد ، لا كما تقول.

وقال بعض المحقّقين : إنّ أبا بكر بعد ما التقى بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الطريق ، اقتضت الحكمة النبوية أن يأخذه معه ولا يفارقه ؛ لأنّه كان من الممكن أن يفشي أمر الهجرة ، وكان المفروض أن يكون سرّا ، كما نوّه

٣٥٣

به الشيخ أبو القاسم ابن الصبّاغ ، وهو من كبار علمائكم ، قال في كتابه : «النور والبرهان» :

إنّ رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) أمر عليّا فنام على فراشه ، وخشي من أبي بكر أن يدلّهم عليه فأخذه معه ومضى إلى الغار!

ثالثا : أسألك أن تبيّن لنا محلّ الشاهد من الآية الكريمة ، وتوضّح الفضيلة التي سجّلتها الآية لأبي بكر؟!

الشيخ عبد السلام : محلّ الشاهد ظاهر ، والفضيلة أظهر ، وهي :

أوّلا : صحبة النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) ، فإنّ الله تعالى يعبر عن الصدّيق (رض) بصاحب رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم).

ثانيا : جملة :( إِنَّ اللهَ مَعَنا ) .

ثالثا : نزول السكينة من عند الله سبحانه على سيّدنا أبي بكر.

ومجموعها تثبت أفضليّة سيّدنا الصديق وأحقّيّته بالخلافة.

قلت : لا ينكر أحد أنّ أبا بكر كان من كبار الصحابة ، ومن شيوخ المسلمين ، وأنّه زوّج ابنته من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولكنّ هذه الامور لا تدلّ على أحقّيّته بالخلافة.

وكذلك كلّ ما ذكرتم من شواهد ودلائل في الآية الكريمة ، لا تكون فضائل خاصة بأبي بكر ، بل لقائل أن يقول : إنّ صحبة الأخيار والأبرار لا تكون دليلا على البرّ والخير ؛ فكم من كفّار كانوا في صحبة بعض المؤمنين والأنبياء ، وخاصة في الأسفار.

٣٥٤

الصحبة ليست فضيلة

١ ـ فإنّا نقرأ في سورة يوسف الصدّيقعليه‌السلام أنّه قال :( يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ) (١) .

لقد اتّفق المفسّرون أنّ صاحبي يوسف الصدّيقعليه‌السلام هما ساقي الملك وطبّاخه ، وكانا كافرين ودخلا معه السجن ولبثا خمس سنين في صحبة النبيّ يوسف الصدّيقعليه‌السلام ، ولم يؤمنا بالله ، حتّى أنّهما خرجا من السجن كافرين ؛ فهل صحبة هذين الكافرين لنبي الله يوسفعليه‌السلام تعدّ منقبة وفضيلة لهما؟!

٢ ـ ونقرأ في سورة الكهف :( قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً ) (٢) .

ذكر المفسّرون : أنّ المؤمن ـ وكان اسمه : يهودا ـ قال لصاحبه ـ واسمه : براطوس ـ وكان كافرا ؛ وقد نقل المفسّرون ـ منهم : الفخر الرازي ـ محاورات هذين الصاحبين ، ولا مجال لنقلها ؛ فهل صحبة براطوس ليهودا ، تعدّ له فضيلة أو شرفا يقدّمه على أقرانه؟!

أم هل تكون دليلا على إيمان براطوس ، مع تصريح الآية :( أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ) ؟!(٣) .

فالمصاحبة وحدها لا تدلّ على فضيلة وشرف يميّز صاحبها ويقدّمه على الآخرين.

وأمّا استدلالك علي أفضليّة أبي بكر ، بالجملة المحكيّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

__________________

(١) سورة يوسف ، الآية ٣٩.

(٢) سورة الكهف ، الآية ٣٧.

(٣) سورة الكهف ، الآية ٣٧.

٣٥٥

( إِنَّ اللهَ مَعَنا ) فلا أجد فيها فضيلة وميزة لأحد ؛ لأنّ الله تعالى لا يكون مع المؤمنين فحسب ، بل يكون مع غير المؤمنين أيضا ، لقوله تعالى :( ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ) (١) .

فبحكم هذه الآية الكريمة ، فإنّ الله عزّ وجلّ يكون مع المؤمن والكافر والمنافق.

الشيخ عبد السلام : لا شكّ أنّ المراد من الآية الكريم :( إِنَّ اللهَ مَعَنا ) يعني : بما أنّنا مع الله ونعمل لله ، فإنّ ألطاف الله تعالى تكون معنا ، والعناية الإلهيّة تشملنا.

حقائق لا بدّ من كشفها

قلت : حتّى لو تنزّلنا لكم وسلّمنا لقولكم ، فلقائل أن يقول : إنّ الجملة مع هذا التفسير أيضا لا تدلّ على فضيلة ثابتة أو منقبة تقدّم صاحبها على الآخرين ؛ لأنّ هناك أشخاصا شملتهم الألطاف الإلهيّة والعناية الربّانيّة ، وما داموا مع الله كان الله معهم ، وحينما تركوا الله سبحانه تركهم وانقطعت العناية والألطاف الإلهية عنهم ، مثل :

١ ـ إبليس ـ ولا مناقشة في الأمثال ـ فإنّه عبد الله تعالى عبادة قلّ نظيرها من الملائكة ، وقد شملته الألطاف والعنايات الربّانية ، ولكن لمّا تمرّد عن أمر ربّه تكبّر واتّبع هواه واغترّ ، خاطبه الله الأعظم الأكبر قائلا :( قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ* وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ ) (٢) .

__________________

(١) سورة المجادلة ، الآية ٧.

(٢) سورة الحجر ، الآية ٣٤ ـ ٣٥.

٣٥٦

٢ ـ ومثله في البشر : بلعم بن باعورا ، فإنّه كما ذكر المفسّرون في تفسير قوله تعالى :( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ ) (١) قالوا : إنّه تقرّب إلى الله تعالى بعبادته له إلى أن أعطاه الاسم الأعظم وأصبح ببركة اسم الله سبحانه مستجاب الدعوة ، وعلى أثر دعائه تاه موسى وبنو إسرائيل أعواما كثيرة في الوادي.

ولكن على أثر طلبه للرئاسة والدنيا سقط في الامتحان ، واتّبع الشيطان ، وخالف الرحمن ، وسلك سبيل البغي والطغيان ، وصار من المخلّدين في النيران.

وإذا أحببتم تفصيل قصّته ، فراجعوا التاريخ والتفاسير ، منها : تفسير الرازي ٤ / ٤٦٣ ، فإنّه يروي عن ابن عبّاس وابن مسعود ومجاهد بالتفصيل.

٣ ـ وبرصيصا في بني إسرائيل ، كان مجدّا في عبادة الله سبحانه حتّى أصبح من المقرّبين ، وكانت دعوته مستجابة. ولكن عند الامتحان اصيب بسوء العاقبة فترك عبادة ربّ العالمين ، وسجد لإبليس اللعين ، وأمسى من الخاسرين ، فقال الله تعالى فيه :( كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ ) (٢) .

فإذا صدر عمل حسن من إنسان ، فلا يدلّ على أنّ ذلك الإنسان يكون حسنا إلى آخر عمره وأنّ عاقبة أمره تكون خيرا ، ولذا ورد في

__________________

(١) سورة الأعراف ، الآية ١٧٥.

(٢) سورة الحشر ، الآية ١٦.

٣٥٧

أدعية أهل البيتعليهم‌السلام : اللهمّ اجعل عواقب امورنا خيرا.

إضافة إلى ما قلنا : فإنّكم تعلمون أنّه قد ثبت عند علماء المعاني والبيان ، أنّ التأكيد في الكلام يدلّ على شكّ المخاطب وعدم يقينه للموضوع ، أو توهّمه خلاف ذلك.

والآية مؤكّدة «بأنّ» فيظهر بأنّ مخاطب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو صاحبه في الغار كان شاكّا في الحقّ ، على غير يقين بأنّ الله سبحانه يكون معهما!

الشيخ عبد السلام ـ شاط غاضبا ـ وقال : ليس من الإنصاف أن تمثّل صاحب رسول الله وخليفته بإبليس وبلعم وبرصيصا!

قلت : أنا في البداية بيّنت أن : «لا مناقشة في الأمثال» ومن المعلوم أنّ في المحاورات أنّما يذكرون الأمثال لتقريب موضوع الحوار إلى الأذهان ، وليس المقصود من المثل تشابه المتماثلين من جميع الجهات ، بل يكفي تشابههما من جهة واحدة ، وهي التي تركّز عليها موضوع الحوار.

وإنّي اشهد الله! بأنّي ما قصدت بالأمثال التي ذكرتها إهانة أحد أبدا ، بل البحث والحوار يقتضي أحيانا أن أذكر شاهدا لكلامي ، وابيّن مثلا لتفهيم مقصدي ومرامي.

الشيخ عبد السلام : دليلي على أنّ الآية الكريمة تتضمّن مناقب وفضائل لسيّدنا أبي بكر (رض) ، جملة :( فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ) فإنّ الضمير في :( عَلَيْهِ ) يرجع لأبي بكر الصدّيق ، وهذا مقام عظيم.

قلت : الضمير يرجع إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس لأبي بكر ، بقرينة الجملة التالية في الآية :( وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها ) .

٣٥٨

وقد صرّح جميع المفسّرين : أنّ المؤيّد بجنود الله سبحانه هو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

الشيخ عبد السلام : ونحن نقول أيضا : إنّ المؤيّد بالجنود هو النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) ولكنّ أبا بكر كذلك كان مؤيّدا مع النبيّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم).

السكينة والتأييد من خصوصيات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

قلت : إذا كان الأمر كما تقول ، لجاءت الضمائر في الآية الكريمة بالتثنية ، بينما الضمائر كلّها جاءت مفردة ، فحينئذ لا يجوز لأحد أن يقول : إنّ الألطاف والعنايات الإلهيّة كالنصرة والسكينة شملت أبا بكر دون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .. فينحصر القول بأنّها شملت رسول الله دون صاحبه!!

الشيخ عبد السّلام : إنّ رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) كان في غنى عن نزول السكينة عليه ، لأنّ السكينة الإلهية كانت دائما معه ولا تفارقه أبدا ، ولكن سيّدنا أبا بكر (رض) كان بحاجة ماسّة إلى السكينة فأنزلها الله سبحانه عليه.

قلت : لما ذا تضيّع الوقت بتكرار الكلام ، بأيّ دليل تقول : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يحتاج إلى السكينة الإلهية؟! بينما الله سبحانه يقول :( ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها ) (١) وذلك في غزوة حنين.

ويقول سبحانه وتعالى أيضا :( فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية ٢٦.

٣٥٩

وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى ) (١) وذلك في فتح مكّة المكرّمة.

فكما في الآيتين الكريمتين يذكر الله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويذكر بعده المؤمنين ، فلو كان أبو بكر في آية الغار من المؤمنين الّذين تشملهم السكينة الإلهيّة ، لكان الله عزّ وجلّ قد ذكره بعد ذكر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو يقول : فأنزل الله سكينته عليهما.

هذا ، وقد صرّح كثير من كبار علمائكم : بأنّ ضمير( عَلَيْهِ ) في الآية الكريمة يرجع إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا إلى أبي بكر ؛ راجعوا كتاب : «نقض العثمانية» للعلاّمة الشيخ أبي جعفر الإسكافي وهو استاذ ابن أبي الحديد ، وقد كتب ذلك الكتاب القيّم في ردّ وجواب أباطيل أبي عثمان الجاحظ.

إضافة على ما ذكرنا ، نجد في الآية الكريمة جملة تناقض قولكم! وهي :( إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ ) فالنبيّ ينهى أبا بكر عن الحزن ، فهل حزن أبي بكر كان عملا حسنا أم سيّئا؟

فإن كان حسنا ، فالرسول لا ينهى عن الحسن ، وإن كان سيّئا فنهي النبيّ لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من باب النهي عن المنكر بقوله :( لا تَحْزَنْ ) فالآية الكريمة لم تكن في فضل أبي بكر ومدحه ، بل تكون في ذمّه وقدحه! وصاحب السوء والمنكر ، لا تشمله العناية والسكينة الإلهيّة ، لأنّهما تختصّان بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين ، وهم أولياء الله الّذين لا يخشون أحدا إلاّ الله سبحانه.

__________________

(١) سورة الفتح ، الآية ٢٦.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

بالغير ، وما يتعلّق برقبته لا يضرّ المجنيّ عليه ، بل ينفعه ، فامّا أن يتبع ذلك تعلّقه ببيت المال فلا ضرر به ، فإنّ(١) قطع التعلّق عن بيت المال إضرار(٢) .

ولو زاد الأرش على قيمة الرقبة ، فالزيادة في بيت المال على القول الثاني(٣) .

مسألة ٤٨١ : لو جُني على اللقيط بأن قُطع طرفه ، ثمّ أقرّ بالرقّ ، فإن كانت الجناية عمداً ، فإن كان الجاني عبداً اقتُصّ منه ، وإن كان حُرّاً لم يُقتَصّ منه ؛ لأنّ قوله مقبول فيما يضرّ به ، ويكون الحكم كما لو كانت الجناية خطأً [ وإن كانت خطأً ](٤) فإن قبلنا إقراره في كلّ شي‌ءٍ فعلى الجاني كمال قيمته إن صادفت قتلاً ، وإلّا فما تقتضيه جراحة العبد.

وإن قبلنا إقراره فيما يضرّه خاصّةً دون ما يضرّ بغيره وكانت الجناية قَطْعَ يدٍ ، فإن كان نصف القيمة مثلَ نصف الدية ، أو كان نصف القيمة أقلَّ ، فهو الواجب.

وإن كان نصف الدية أقلَّ ، فللشافعيّة وجهان :

أحدهما : إنّا نوجب نصف القيمة ، ونغلّظ على الجاني ؛ لأنّ أرش الجناية يتبيّن مقداره بالأخرة ، وقد بانَ رقّه ، فلو نقصنا عن نصف القيمة لتضرّر السيّد.

وأصحّهما عنده(٥) : إنّه لا يجب إلّا نصف الدية ؛ لأنّ قبول قوله في الزيادة إضرار بالحال ، ونحن نفرع على أنّ قوله لا يُقبل فيما يضرّ بالغير ،

____________________

(١) كذا قوله : « فامّا أن يتبع ذلك فلا ضرر به ، فإنّ ». وبدله في المصدر : « وله أن يمنع ذلك بأنّ ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣٤.

(٣) البيان ٨ : ٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١٧.

(٤) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٥) الظاهر : « عندهم ».

٤٢١

وعلى هذا فالواجب أقلّ الأمرين من نصف الدية أو نصف القيمة(١) .

وهذا كلّه تفريع على تعلّق الدية بقتل اللقيط.

وفيه وجهٌ آخَر للشافعيّة ، وهو : إنّ الواجب الأقلّ من الدية أو القيمة(٢) .

وهذا الوجه مطّرد في الطرف من غير أن يُقرّ بالرقّيّة.

مسألة ٤٨٢ : لو ادّعى مدّعٍ رقَّه فأنكره ولا بيّنة للمدّعي ، كان عليه اليمين لإنكاره.

وقالت الشافعيّة : إن قلنا بقبول أصل الإقرار منه ، فله أن يحلّفه لرجاء أن يُقرّ ، وإن منعنا أصل الإقرار لم يكن له تحليفه ؛ لأنّ التحليف لطلب الإقرار ، وإقراره غير مقبولٍ(٣) .

هذا إن جعلنا اليمين مع النكول كإقرار المدّعى عليه ، فإن جعلناها كالبيّنة فله التحليف فلعلّه ينكل فيحلف المدّعي ويستحقّ ، كما لو أقام البيّنة.

واعلم أنّه لا فرق فيما تقدّم بأسره بين أن يُقرّ اللقيط بالرقّ ابتداءً وبين أن يدّعي رقَّه فيُصدَّق المدّعي.

ولو ادّعى إنسان رقَّه فأنكره ثمّ أقرّ ، ففي قبول قوله وجهان ؛ لأنّه بالإنكار لزمه أحكام الأحرار.

مسألة ٤٨٣ : ولاء اللقيط لمن يتولّى إليه ، فإن لم يتوال أحداً كان ميراثه للإمام عندنا ؛ لأنّه وارث مَنْ لا وارث له.

وعند أكثر العامّة ولاؤه لسائر المسلمين ؛ لأنّ ميراثه لهم(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣٤ - ٤٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٥١٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٣٥.

(٤) المغني ٦ : ٤١١ ، الشرح الكبير ٦ : ٤١٧.

٤٢٢

ولا ولاء للملتقط عليه عند علمائنا أجمع - وبه قال عليٌّعليه‌السلام وأهل بيتهعليهم‌السلام ، وأكثر الصحابة ، وهو قول مالك والشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم(١) - لما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « إنّما الولاء لمن أعتق »(٢) و « إنّما » للحصر.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « المنبوذ إن شاء جعل ولاءه للّذين ربّوه وإن شاء لغيرهم »(٣) .

ولأنّه حُرٌّ في الأصل لم يثبت عليه رقٌّ ولا على آبائه ، فلم يثبت عليه الولاء ، كالمعروف نسبه.

وقال شريح وإسحاق : عليه الولاء لملتقطه(٤) .

لما رواه واثلة بن الأسقع عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « المرأة تحوز ثلاث مواريث : عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه »(٥) .

ولقول عمر لأبي جميلة في لقيطه : هو حُرٌّ ، لك ولاؤه وعلينا نفقته(٦) .

وهُما ممنوعان ، قال ابن المنذر : حديث واثلة لم يثبت ، وأبو جميلة مجهول(٧) .

____________________

(١) المغني ٦ : ٤١١ ، الشرح الكبير ٦ : ٤١٧ ، حلية العلماء ٥ : ٥٧٣.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ٩٤ و ٢٠٠ ، صحيح مسلم ٢ : ١١٤٤ - ١١٤٥ / ١٤ ، سنن أبي داوُد ٤ : ٢١ - ٢٢ / ٣٩٣٠ ، سنن الترمذي ٤ : ٤٣٦ / ٢١٢٤ ، سنن الدارقطني ٣ : ٢٢ / ٧٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٣٨.

(٣) الفقيه ٣ : ٨٦ / ٣١٨ ، التهذيب ٨ : ٢٢٧ / ٨٢٠.

(٤) المغني ٦ : ٤١١ ، الشرح الكبير ٦ : ٤١٧.

(٥) سنن أبي داوُد ٣ : ١٢٥ / ٢٩٠٦ ، سنن الترمذي ٤ : ٤٢٩ / ٢١١٥ ، سنن البيهقي ٦ : ٢٥٩ ، مسند أحمد ٤ : ٥٤٤ / ١٥٥٧٤.

(٦) تقدّم تخريجه في ص ٣١٠ ، الهامش (١)

(٧) المغني ٦ : ٤١٢ ، الشرح الكبير ٦ : ٤١٧.

٤٢٣

المقصد السادس : في الجعالة‌

وفيه فصول :

الأوّل : الماهيّة‌

لـمّا كانت الحاجة غالباً إنّما تقع في ردّ الضوالّ والأموال المنبوذة ، وجب ذكر الجعالة بعقب اللّقطة والضوالّ.

والجعالة في اللّغة ما يجعل للإنسان على شي‌ءٍ يفعله ، وكذلك الجُعْل والجعيلة.

وأمّا في الشرع فصورة عقد الجعالة أن يقول : مَنْ ردّ عبدي الآبق ، أو : دابّتي الضالّة ، أو : مَنْ خاط لي ثوباً ، أو : مَنْ قضى لي الحاجة المعيّنة ، وبالجملة ، كلّ عملٍ محلَّلٍ مقصودٍ ، فله كذا.

وهي جائزة ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لقوله تعالى :( وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ) (١) .

وروى العامّة عن أبي عمرو الشيباني قال : قلت لعبد الله بن مسعود : إنّي أصبتُ عبيداً أُبّاقاً(٢) ، فقال : لك أجر وغنيمة ، فقلت : هذا الأجر فما الغنيمة؟ فقال : من كلّ رأسٍ أربعين درهماً(٣) ، وهذا لا يقوله إلّا توقيفاً.

ومن طريق الخاصّة : ما رواه وهب بن وهب عن الصادق عن‌

____________________

(١) سورة يوسف : ٧٢.

(٢) في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « عبداً آبقاً ». والمثبت كما في المصدر ويقتضيه السياق.

(٣) المغني ٦ : ٣٨٢.

٤٢٤

الباقرعليهما‌السلام ، قال : سألته عن جُعْل الآبق والضالّة ، فقال : « لا بأس »(١) .

وعن مسمع بن عبد الملك عن الصادقعليه‌السلام قال : « إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل في جُعْل الآبق ديناراً إذا أُخذ في مصره ، وإن أُخذ في غير مصره فأربعة دنانير »(٢) .

ولأنّ الحاجة تدعو إلى ذلك ، فإنّ العمل قد يكون مجهولاً ، كردّ الآبق والضالّة ونحو ذلك ، فلا يمكن عقد الإجارة فيه ، والحاجة داعية إلى ردّهم ، وقلّ أن يوجد متبرّع به ، فدعت الضرورة إلى إباحة بذل الجُعْل فيه مع جهالة العمل ؛ لأنّها غير لازمةٍ ، بخلاف الإجارة ، فإنّ الإجارة لـمّا كانت لازمةً افتقرت إلى تقدير مدّةٍ معيّنةٍ مضبوطةٍ لا يتطرّق إليها الزيادة والنقصان ، وأمّا العقود الجائزة - كالشركة والوكالة - فلا يجب لها ضرب المدّة ، ولأنّ كلّ عقدٍ جائزٍ يتمكّن كلٌّ من المتعاقدين فيه من فسخه وتركه.

____________________

(١) الفقيه ٣ : ١٨٩ / ٨٥١ ، التهذيب ٦ : ٣٩٦ / ١١٩٣.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٩٨ - ٣٩٩ / ١٢٠٣.

٤٢٥

الفصل الثاني : في الأركان‌

وهي أربعة :

الأوّل : الصيغة.

وهي كلّ لفظٍ دالٍّ على الإذن في العمل واستدعائه بعوضٍ يلتزمه ، كقوله : مَنْ ردّ عبدي أو ضالّتي ، أو : خاط لي ثوباً ، أو : بنى لي حائطاً ، أو ما أشبه ذلك من الأعمال المحلّلة المقصودة في نظر العقلاء ، سواء كان العمل مجهولاً أو معلوماً ؛ لأنّه عقد جائز كالمضاربة.

ولا بدّ من الإيجاب الصادر من الجاعل ، فلو عمل لغيره عملاً أو ضاع لغيره مالٌ غير الآبق والضالّة فردّه غيره تبرّعاً ، لم يكن له شي‌ء ، سواء كان معروفاً بردّ اللّقطة ، أو لم يكن ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّه عمل يستحقّ العوض مع المعاوضة ، فلا يستحقّ مع عدمها ، كالعمل في الإجارة.

مسألة ٤٨٤ : وأمّا الآبق والضالّة من الحيوانات فإن تبرّع الرادّ بالردّ أو حصل في يده قبل الجُعْل ، فلا شي‌ء له عند أكثر علمائنا(١) ، كما في غيرهما من الأموال - وبه قال الشافعي والنخعي وأحمد في إحدى الروايتين ، وابن المنذر(٢) - لأنّه عمل لغيره عملاً من غير أن يشترط له عوضاً ،

____________________

(١) منهم : ابن البرّاج في المهذّب ٢ : ٥٧٠ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ١٠٩ ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٣٢٦.

(٢) الأُم ٤ : ٧١ ، مختصر المزني : ١٣٦ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٦٩ ، الحاوي الكبير ٨ : ٢٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤١٨ ، الوسيط ٤ : ٢١٠ ، حلية العلماء ٥ : ٤٥٨ - ٤٥٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٦٤ ، البيان ٧ : ٣٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٩٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣٥ ، المغني ٦ : ٣٨١ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٣٥٦ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٠٣ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٧٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٣٥٢ / ٢٠٤٩ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥٩ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٨١ / ١٢١٦ ، الذخيرة ٦ : ٦ و ٧.

٤٢٦

فلم يستحق شيئاً ، كما لو ردّ لقطته من الأموال.

وقال الشيخرحمه‌الله : لم ينص أصحابنا على شي‌ءٍ من جُعْل اللّقط والضوالّ إلّا على إباق العبد ، فإنّهم رووا أنّه إن ردّه من خارج البلد استحقّ الأُجرة أربعين درهماً قيمتها أربعة دنانير ، وإن كان من البلد فعشرة دراهم قيمتها دينار ، وفيما عدا ذلك يستحقّ الأُجرة بحسب العادة.

ثمّ نقل عن الشافعي أنّه لا يستحقّ الأُجرة على شي‌ءٍ من ذلك إلّا أن يجعل له الجاعل(١) ، وعن مالك : إن كان معروفاً بردّ الضوالّ وممّن يستأجر لذلك فإنّه يستحقّ الجُعْل ، وإن لم يكن معروفاً به لم يستحق(٢) ، وعن أبي حنيفة : إن كان ضالّةً أو لقطةً فإنّه لا يستحقّ شيئاً ، وإن كان آبقاً فردّه من مسيرة ثلاثة أيّام فأكثر - وهو ثمانية وأربعون ميلاً وزيادة - استحقّ أربعين درهماً ، وإن نقص أحد الشرطين بأن جاء به من مسيرة أقلّ من ثلاثة أيّام فبحسابه ، وإن كان من مسيرة يومٍ فثلث الأربعين ، وإن كان من مسيرة يومين فثلثا الأربعين(٣) .

____________________

(١) راجع : الهامش السابق.

(٢) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٨١ / ١٢١٦ ، الذخيرة ٦ : ٦ و ٧ ، عيون المجالس ٤ : ١٨٤٤ / ١٣٠٤ ، المحلّى ٨ : ٢٠٦ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥٩ ، المغني ٦ : ٣٨٣ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٣٥٢ / ٢٠٤٩ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٧٠ ، الحاوي الكبير ٨ : ٢٩ ، حلية العلماء ٥ : ٤٦٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٦٤ ، البيان ٧ : ٣٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٩٦.

(٣) الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٥١ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٣٥٦ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٠٣ - =

٤٢٧

وإن كان قيمته أقلّ من أربعين ، قال أبو حنيفة ومحمّد : ينقص عن قيمته درهم ، ويستحقّ الباقي إن كان قيمته أربعين ، فيستحقّ تسعة وثلاثين ، وإن كان قيمته ثلاثين يستحقّ تسعة وعشرين(١) .

وقال أبو يوسف : يستحقّ أربعين وإن كان يسوى عشرة دراهم ، والقياس أنّه لا يستحقّ شيئاً ، لكن أعطيناه استحساناً(٢) ، هكذا حكاه الشيخرحمه‌الله عن الساجي(٣) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ قول الشيخ يحتمل استحقاق الرادّ للآبق وإن لم يشترط المالك له جُعْلاً ، ورواه العامّة عن عليٍّعليه‌السلام وابن مسعود وعمر وشريح وعمر بن عبد العزيز ومالك وأصحاب الرأي وأحمد في إحدى‌

____________________

= ٢٠٥ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ٢١ - ٢٢ ، المحيط البرهاني ٥ : ٤٤٦ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٣٥١ / ٢٠٤٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٧٨ ، المغني ٦ : ٣٨٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٥٩ ، المحلّى ٨ : ٢٠٦ ، عيون المجالس ٤ : ١٨٤٤ / ١٣٠٤ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٨٢ / ١٢١٧ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٧٠ ، الحاوي الكبير ٨ : ٢٩ ، حلية العلماء ٥ : ٤٥٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٦٤ ، البيان ٧ : ٣٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٩٦.

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ٣٥٦ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٠٥ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ٣٢ ، المحيط البرهاني ٥ : ٤٤٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٥١ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٧٩ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٣٥١ / ٢٠٤٩ ، المحلّى ٨ : ٢٠٦ ، المغني ٦ : ٣٨٣ ، حلية العلماء ٥ : ٤٦٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٦٤ ، البيان ٧ : ٣٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٩٦.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٣٥٦ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٠٥ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ٣٢ ، المحيط البرهاني ٥ : ٤٤٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٥١ ، الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٧٩ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٣٥٢ / ٢٠٤٩ ، المحلّى ٨ : ٢٠٦ ، المغني ٦ : ٣٨٣ ، حلية العلماء ٥ : ٤٦٠ ، البيان ٧ : ٣٥٩.

(٣) الخلاف ٣ : ٥٨٩ - ٥٩٠ ، المسألة ١٧.

٤٢٨

الروايتين(١) ؛ لما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه جعل في جُعْل الآبق إذا جاء به خارجاً من الحرم ديناراً(٢) .

ولأنّه قول مَنْ سمّيناه من الصحابة ، ولم نعرف لهم في زمنهم مخالفاً ، فكان إجماعاً ، ولأنّ في شرط الجُعْل في ردّهم حثّاً على ردّ الأُبّاق وصيانةً لهم عن الرجوع إلى دار الحرب وردّتهم عن دينهم(٣) وتقوية أهل الحرب بهم ، فيكون مشروعاً لهذه المصلحة ، بخلاف ردّ اللقط من الأموال فإنّه لا يفضي إلى ذلك.

والقول الأوّل أقوى ؛ لأنّ الأصل عدم الوجوب.

مسألة ٤٨٥ : لو استدعى الردّ فقال لغيره : رُدّ آبقي ، استحقّ الجُعْل ؛ لأنّه عمل يستحقّ في مثله الأُجرة ، فكان عليه الجُعْل ، كما لو استدعى ردّ اللّقطة ، كان عليه أُجرة المثل وإن لم ينص له على الأُجرة.

وكذا إذا أذن لرجلٍ في ردّ عبده الآبق ولم يشترط له عوضاً بردّه ، فالأقوى : استحقاق الجُعْل.

وللشافعيّة قولان :

منهم مَنْ قال : إن كان معروفاً بردّ الأُبّاق بالأُجرة ، استحقّ.

ومنهم مَنْ قال : لا يستحقّ ، وهو ظاهر كلام الشافعي ؛ لأنّه قال : إلّا أن يجعل له جُعْلاً(٤) .

____________________

(١) المغني ٦ : ٣٨١.

(٢) المغني ٦ : ٣٨١ - ٣٨٢.

(٣) في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « وردّهم دينهم » بدل « وردّتهم عن دينهم ». والظاهر ما أثبتناه.

(٤) الحاوي الكبير ٨ : ٣٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤١٨ ، حلية العلماء ٥ : ٤٥٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٦٥ ، البيان ٧ : ٣٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٩٦ - ١٩٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣٦ ، وراجع : الأُم ٤ : ٧١ ، ومختصر المزني : ١٣٦.

٤٢٩

وفيه الخلاف المذكور لهم فيما لو دفع ثوباً إلى غسّالٍ فغسله ، ولم يَجْر للأُجرة ذكر(١) .

ولو حصلت الضالّة في يد إنسانٍ قبل الجعل ، وجب دفعها إلى مالكها ، ولا شي‌ء عليه ، وكذا المتبرّع ، سواء عُرف بردّ الأُبّاق أو لا ، وسواء جعل المالك وقصد العامل التبرّع ، أو لم يجعل وإن لم يقصد التبرّع.

تذنيب : لا فرق في صيغة المالك بين أن يقول : مَنْ ردّ عبدي ، وبين أن يقول : إن ردّه إنسان ، أو : إن رددتَه ، أو : رُدّه ولك كذا.

ويصحّ التقييد بالزمان والمكان وأحدهما ، والإطلاق ، فيقول : مَنْ ردّ عبدي من بغداد في شهر كذا ، أو : خاط ثوبي في بغداد ، أو في يومٍ فله كذا.

الركن الثاني : العاقد.

ويشترط فيه أن يكون من أهل الاستئجار مطلق التصرّف ، فلا ينفذ جعل الصبي والمجنون والسفيه والمحجور عليه لفلسٍ والمكره وغير القاصد ، ولا نعلم فيه خلافاً.

ولا يشترط أن يكون الملتزم هو المالك ، ولا أن يقع العمل في ملكه ، فلو قال شخص : مَنْ ردّ عبد فلانٍ فله كذا ، استحقّه الرادّ عليه ؛ لأنّه التزمه ، فلزمه ، بخلاف ما إذا التزم الثمن في بيع غيره والثواب على هبة غيره ؛ لأنّه عوض تمليكٍ ، فلا يتصوّر وجوبه على غير مَنْ حصل له‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٩٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣٦.

٤٣٠

الملك ، والجُعْل ليس عوض تمليكٍ.

مسألة ٤٨٦ : لو قال فضوليٌّ : قال فلانٌ : مَنْ ردّ عبدي فله كذا ، لم يستحقّ الرادّ على الفضوليّ شيئا ؛ لأنّه لم يلتزم ، أقصى ما في الباب أنّه كذب ، وهو لا يوجب الضمان.

وأمّا المالك فإن كان الفضوليّ قد كذب عليه ، لم يكن [ عليه ] شي‌ء أيضاً ، وكان من حقّ الرادّ أن يتثبّت ويتفحّص ويسأل ، فالتفريط وقع منه.

وإن كان قد صدق ، فالأقوى : وجوب المال عليه ، خلافاً لبعض الشافعيّة حيث قال بذلك إن كان المُخبر ممّن يُعتمد على قوله ، وإلّا فهو كما لو ردّ غير عالمٍ بإذنه والتزامه(١) .

مسألة ٤٨٧ : لا يشترط تعيين العامل ، فيجوز أن يكون شخصاً معيّناً أو جماعةً معيّنين ، مثل أن يقول : إن ردّ زيدٌ عبدي فله كذا ، وإن ردّ زيد وعمرو وخالد فلهم كذا ، ويجوز أن يكون مجهولاً ، كقوله : مَنْ ردّ عبدي من هؤلاء العشرة فله كذا ، أو : مَنْ ردّ عبدي مطلقاً فله كذا ؛ لأنّ الغرض ردّ الآبق ، ولا تعلّق للمالك بخصوصيّة الرادّ ، فلم يكن شرطاً ، ولأنّ ردّ الآبق وما في معناه قد لا يتمكّن منه معيّن ، ومَنْ يتمكّن منه [ ربما ] لا يكون حاضراً ، وربما لا يعرفه المالك ، فإذا أطلق الاشتراط وشاع ذلك سارع مَنْ تمكّن منه إلى تحصيله فيحصل الغرض ، فاقتضت مصلحة العقد احتمال التجهيل فيه.

مسألة ٤٨٨ : لو عيّن واحداً فردّ غيره ، لم يستحق شيئا ، كما لو قال لزيدٍ : رُدّ عبدي ولك كذا ، أو قال : إن ردّه زيد فله كذا ، فردّه عمرو ؛ لأنّه‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٩٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣٦.

٤٣١

لم يشترط لغير ذلك المعيّن ، فكان متبرّعاً.

ولو ردّه عبد ذلك المعيّن ، استحقّ المولى الجُعْل ؛ لأنّ ردّ عبده كردّه ، ويده كيده.

ولو قال : مَنْ ردّه فله كذا ، استحقّ الرادّ ، سواء سمع نداءه أو لا ؛ لأنّه قد حصل المقصود ، وشمله اللفظ بعمومه ، ولم يقصد بقوله شخصاً معيّناً ولا جماعةً معيّنين ، بل أطلق ، فيُعمل بمقتضى إطلاقه ، كما لو قال : مَنْ صلّى فأعطه ديناراً ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.

والثاني - وهو الأظهر عندهم - : إنّه لا يستحقّ شيئاً ؛ لأنّه قصد التبرّع ، فإن قصد العوض ؛ لاعتقاده أنّ مثل هذا العمل لا يحبط ويستحقّ به الأُجرة ، فكذلك(١) .

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّا نمنع قصد التبرّع ، ولو قصد التبرّع لم يستحق شيئاً ، كما لو عيّنه وقال : إن رددتَ عبدي فلك كذا ، أو : إن ردّ زيد عبدي فله كذا ، فردّه زيد متبرّعاً بعد سماعه بالجعالة ، لم يستحق شيئاً ؛ لتبرّعه.

وكذا لو عيّنه وكان غائباً فقال : إن ردّه فلان فله كذا ، فردّه غير عالمٍ بإذنه والتزامه ، فإن نوى التبرّع لم يستحق شيئاً ، وإن لم يَنْوه استحقّ على ما تقدّم.

مسألة ٤٨٩ : لا يشترط القبول لفظا ، فلو قال : مَنْ ردّ عبدي فله كذا ، فاشتغل واحد بالردّ من غير أن يقول : قبلت ، أو : أنا أردّ ، صحّ العقد وتمّ ، سواء كان العامل معيّناً أو غير معيّنٍ.

وقالت الشافعيّة : إذا لم يكن العامل معيّناً فلا يتصوّر للعقد قبول ، وإن كان معيّناً فلا يشترط قبوله أيضاً على المشهور ، ويكفي الإتيان‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٩٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣٦.

٤٣٢

بالعمل(١) ، كما ذهبنا إليه.

وقال الجويني : لا يمتنع أن يكون كالوكيل في اشتراط القبول(٢) .

ونحن نمنع اشتراط القبول لفظاً في الوكيل.

نعم ، يشترط في العامل المعيّن أن يكون له أهليّة العمل ، فلو قال المسلم : مَنْ طالَب بدَيْني الذي على فلان المسلم فله كذا ، لم يدخل الذمّي تحته ؛ لما بيّنّا من أنّ الذمّي ليس أهلاً للتوكيل على المسلم.

مسألة ٤٩٠ : لو قال : مَنْ ردّ عبدي فله كذا ، وكان العبد مسلماً ، فهل للكافر ردّه؟ الأقرب ذلك ؛ لأنّه ليس بتوكيل عليه ، فلا يندرج تحت النهي ، مع احتمال اندراجه ؛ لاستلزامه إثبات السبيل للكافر على المسلم ، وهو منفيٌّ بالآية(٣) .

ويدخل تحته الرجل والمرأة والحُرّ والعبد والصبي والمسلم والكافر قطعاً في غير ردّ العبد المسلم ، وعلى إشكالٍ فيه(٤) .

ويدخل تحته الصبي والمجنون على إشكالٍ ينشأ : من عدم اشتراط التبرّع المشروط بالقصد المشروط بالعقل ، ومن اشتراط عدم التبرّع.

ويدخل تحته أيضاً الواحد والمتعدّد.

مسألة ٤٩١ : لو كان العوض شيئاً لا يصلح للكافر تملّكه ، كما لو قال : مَنْ ردّ عبدي ، أو : ضالّتي ، أو : فَعَل كذا فله عبدي فلان ، وكان عبده مسلماً ، أو : فله المصحف الفلاني ، ففي دخول الكافر إشكال ينشأ : من العموم الشامل للكافر ، ومن عدم صحّة تملّكه للجُعْل ، فيكون قرينة تصرف‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٩٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣٧.

(٣) سورة النساء : ١٤١.

(٤) أي : في ردّ العبد المسلم.

٤٣٣

اللفظ عن عمومه.

فإن قلنا بالدخول ، ففي ملكه إشكال أقربه : العدم ، فحينئذٍ هل يثبت له القيمة أو لا؟ إشكال.

الركن الثالث : العمل.

ويشترط فيه أن يكون محلّلاً ، فلا تصحّ الجعالة على المُحرَّم ، فلو قال : مَنْ زنى ، أو : قتل ، أو : سرق ، أو : ظلم ، أو : شرب خمراً ، أو : أكل محرَّماً ، أو : غصب ، أو غير ذلك من الأفعال الـمُحرَّمة فله كذا ، لم يصح ، ولو فَعَل المجعول له ذلك لم يستحق العوض ، سواء كان المجعول له معيّناً أو مجهولاً ، ولا نعلم فيه خلافاً.

ويشترط أيضاً أن يكون مقصوداً للعقلاء ، فلو قال : مَن استقى من دجلةٍ ورماه في الفرات ، أو : حفر نهراً وطمّه ، أو : بئراً وطمّها ، أو غير ذلك ممّا لا يعدّه العقلاء مقصوداً ، لم يصح.

ويشترط أن لا يكون واجباً ، فلو قال : مَنْ صلّى الفريضة ، أو : صام شهر رمضان فله كذا ، لم يصح ؛ لأنّ الواجب لا يصحّ أخذ العوض عليه.

مسألة ٤٩٢ : لا يشترط في العمل العلمُ إجماعا ؛ لأنّ الغرض الكلّي في الجعالة بذل العوض على ما لا يمكن التوصّل بعقد الإجارة إليه ؛ لجهالته ، فما لا تجوز الإجارة عليه من الأعمال لكونه مجهولاً يجوز عقد الجعالة عليه ؛ لأنّ مسافة ردّ الآبق قد لا تُعرف ، فتدعو الحاجة إلى احتمال الجهالة فيه ، كما تدعو إلى احتمالها في العامل ، فإذا احتُملت الجهالة في القراض لتحصيل زيادةٍ فلأن تُحتمل في الجعالة أولى.

وهل يشترط الجهل في العمل؟ الأصحّ : العدم ، فلو قال : مَنْ خاط‌

٤٣٤

ثوبي فله درهم ، أو قال : مَنْ حجَّ عنّي ، أو : مَنْ ردّ عبدي من بغداد فله مائة ، صحّ ، واستحقّ العامل الجُعْل ؛ لأنّه إذا جاز مع الجهل فمع العلم أولى ؛ لانتفاء الغرر فيه ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(١) .

ولهم وجهٌ آخَر : إنّه لا تجوز الجعالة على العمل المعلوم ، وإنّما تصحّ على المجهول ؛ لإمكان التوصّل في المعلوم بالإجارة(٢) .

وهو غير جيّدٍ ؛ لعدم المنافاة ، ولا استبعاد في التوصّل بأمرين أو أُمور.

ولو قيّد المعلوم بالمدّة المعلومة ، فقال : مَنْ ردّ عبدي الآبق من البصرة في الشهر فله كذا ، فالأقرب : الجواز.

ومَنَع منه بعض الشافعيّة ؛ لأنّه يكثر بذلك الغررُ(٣) .

مسألة ٤٩٣ : لو قال : مَنْ ردّ علَيَّ مالي فله كذا ، فردّه مَنْ كان المال في يده ، نُظر فإن كان في ردّه من يده كلفة ومئونة كالعبد الآبق ، استحقّ الجُعْل ، وإن لم يكن كالدراهم والدنانير ، فلا ؛ لأنّ ما لا كلفة فيه لا يُقابَل بالعوض.

ولو قال : مَنْ دلّني على مالي فله كذا ، فدلّه مَن المالُ في يده ، لم يستحق الجُعْل ؛ لأنّ ذلك واجب عليه بالشرع ، فلا يجوز أخذ العوض عليه ، أمّا لو كان في يد غيره فدلّه عليه ، استحقّ ؛ لأنّ الغالب أنّه يلحقه مشقّة في البحث عنه.

واعلم أنّ كلّ ما يجوز الاستئجار عليه تجوز الجعالة فيه ، ويعتبر فيما‌

____________________

(١ و ٢) الوسيط ٤ : ٢١١ ، الوجيز ١ : ٢٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٩٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٠٣ - ٢٠٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٤٢.

٤٣٥

تجوز الجعالة فيه ما يعتبر في جواز الإجارة ، سوى كونه معلوماً ، فلو قال : مَنْ ردّ عبدي ، أو : جاريتي فله دينار ، صحّ جعالةً ؛ لأنّ الجهالة غير ضائرةٍ في الجعالة ، ولا يجوز عقد الإجارة على ذلك ؛ لجهالة العمل ، المبطلة للإجارة.

الركن الرابع : في الجُعْل.

مسألة ٤٩٤ : يشترط في الجُعْل أن يكون مملوكاً مباحاً للعامل معلوما ، فلو شرط جُعْلاً لا يصحّ تملّكه - كالكلب والخنزير والخمر والعذرة وسائر ما لا يتملّك - لم يصح العقد ، ولم يستحقّ العامل شيئاً لا المسمّى ولا غيره.

نعم ، لو توهّم التملّك بذلك أو الاستحقاق ، فالأقرب : أُجرة المثل ؛ لأنّه غير متبرّعٍ بالعمل ، والمسمّى لا يصحّ أن يكون عوضاً وهو مغرور ، فاستحقّ أُجرة مثل عمله.

ولو كان المجعول محرَّماً ولم يُعلم ، مثل أن يقول : مَنْ ردّ عبدي فله ما في هذا الدَّن ، أو الزِّق ، أو ما في يدي ، وكان ذلك خمراً أو ما لا يتملّك ، وجب أُجرة المثل قطعاً.

ولو كان ممّا لا تقع المعاوضة عليه كحبّةٍ من حنطةٍ أو زبيبةٍ واحدة ، احتُمل استحقاق ذلك خاصّةً ، وعدم استحقاق شي‌ءٍ البتّة.

وشرطنا كونه مباحاً بالنسبة إلى العامل ؛ لأنّ الملك يقع له ، فإذا لم يصح له تملّكه لم يصح العقد ، وقد سبق ذكره.

مسألة ٤٩٥ : لا يجوز أن يكون العوض مجهولا ، بل يجب أن يكون معلوماً بالكيل أو الوزن أو العدد إن كانت العادة جاريةً بعدّه ، كالأُجرة ، فلو‌

٤٣٦

كان مجهولاً فسد العقد ، ووجب بالعمل أُجرة المثل ؛ لانتفاء الحاجة إلى احتمال الجهالة فيه.

والفرق بينه وبين العمل حيث جاز أن يكون هنا مجهولاً دعوى الحاجة إلى كون العمل هنا مجهولاً ، فإنّ الغالب أنّه لا يُعلم موضع الآبق والضالّ ، فلو شرطنا العلم لزم الحرج وعدم دعوى الحاجة إلى كون العوض مجهولاً.

وأيضاً العمل في الجعالة لا يصير لازماً ، فلهذا لم يجب كونه معلوماً ، وليس كذلك العوض ، فإنّه يصير بوجود العمل لازماً ، فوجب كونه معلوماً.

وأيضاً فإنّه لا يكاد يرغب أحد في العمل إذا لم يعلم الجُعْل ، فلا يحصل مقصود العقد ، فإن شرط جُعْلاً مجهولاً بأن قال : مَنْ ردّ عبدي الآبق فله ثوب ، أو : دابّة ، أو قال لغيره : إن رددتَ عبدي فعلَيَّ أن أُرضيك أو أُعطيك شيئاً ، فسد العقد ، ووجب بالعمل أُجرة المثل.

وكذا لو جعل العوض خمراً أو خنزيراً وكانا أو أحدهما مسلمين.

ولو جعل العوض شيئاً مغصوباً ، فسد العقد ، ووجب أُجرة المثل أيضاً.

وللشافعيّة هنا احتمالان :

أحدهما : تخريجه على القولين فيما إذا جعل المغصوب صداقاً حتى يرجع في قولٍ إلى قيمة ما يقابل الجُعْل وهو أُجرة المثل ، وفي قولٍ إلى قيمة المسمّى.

والثاني : القطع بأُجرة المثل ؛ لأنّ العوض ركن في هذه المعاملة ، بخلاف الصداق(١) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٩٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣٨.

٤٣٧

ولو قال : مَنْ ردّ عبدي فله ثيابه أو سَلَبه ، فإن كانت معلومةً ، أو وصفها بما يفيد العلم ، فللرادّ المشروط ، وإلّا فله أُجرة المثل.

ولو قال : مَنْ ردّ عبدي فله نصفه أو ربعه ، فالأقوى : الجواز ؛ للأصل ، وهو أحد وجهي الشافعية ، والثاني : المنع(١) .

وهو قريب من استئجار المرضعة بجزءٍ من المرتضع الرقيق بعد الفطام.

مسألة ٤٩٦ : لو قال : مَنْ ردّ عبدي من بغداد - مثلاً - فله دينار ، صحّ عندنا وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٢) .

فإن ردّه من نصف الطريق ، استحقّ نصف الجُعْل ، وإن ردّه من ثلثه فله الثلث ؛ لأنّه عمل نصف العمل أو ثلثه ، فكان له من الجُعْل مقابل عمله.

وإن ردّه من مكانٍ أبعد ، لم يستحق زيادةً ؛ لأنّ المالك لم يلتزم ذلك ، فيكون العامل فيه متبرّعاً بالزيادة ، فلا عوض له عنها.

ولو ردّه من غير ذلك البلد ، لم يستحق شيئاً ؛ لأنّه لم يجعل في ردّه منه شيئاً ، فأشبه ما لو جعل في ردّ عبدٍ شيئاً ، فردّ جاريةً.

ولو قال : مَنْ ردّ عبدَيَّ فله كذا ، فردّ أحدهما ، استحقّ نصف الجُعْل ، قاله بعض الشافعيّة(٣) .

وعندي فيه نظر.

أمّا لو كان الجُعْل على شي‌ءٍ تتساوى أجزاؤه ويقسّط عليها بالسويّة ؛ لتساوي العمل فيها ، كان الحكم ذلك.

ولو قال لاثنين : إن رددتما عبدي الآبق فلكما كذا ، فردّه أحدهما ،

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٩٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣٨.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤١٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣٨.

٤٣٨

استحقّ النصف ؛ لأنّه لم يلتزم له أكثر من ذلك ، لأنّه جعل الجُعْل لاثنين ، فقد جعل لكلّ واحدٍ منهما النصف على نصف العمل ، فيكون كلّ واحدٍ منهما في النصف الآخَر لو باشره متبرّعاً.

ولو قال لهما : إن رددتما عبدَيَّ الآبقين فلكما كذا ، فردّ أحدُهما أحدَهما ، لم يستحق إلّا الربع.

ويشكل بأنّ الالتزام متعلّق بالردّ من ذلك البلد وبردّ العبدين ، ولو توزّع الجُعْل في الجعالة على العمل لاستحقّ النصف إذا ردّ من ذلك البلد إلى نصف الطريق ، ولما وقع النظر إلى كون المأتيّ به نافعاً أو غير نافعٍ ، كما في الإجارة.

مسألة ٤٩٧ : لو قال : مَنْ ردّ عبدي فله كذا ، فإن ردّه واحد كان الجُعْل بأسره له ، وإن ردّه اثنان كان بينهما بالسويّة ، وإن ردّه جماعة اشترك الجُعْل بينهم كذلك ؛ لصدق لفظة « مَنْ » على كلّ واحدةٍ من هذه المراتب.

ولو قال لجماعةٍ : إن رددتم عبدي فلكم كذا ، فردّوه ، فالجُعْل بينهم بالسويّة على عدد الرءوس وإن تعاونوا في العمل ؛ لأنّ العمل في أصله مجهول ، فلا يُنظر إلى مقداره في التوزيع ، قاله بعض الشافعيّة(١) .

والمعتمد خلافه ، بل يُوزّع الجُعْل على قدر العمل كالإجارة ؛ لأنّا إنّما ندفع الجُعْل إليهم عند تمام العمل ، وحينئذٍ فقد انضبط العمل ، فيُوزّع على أُجور أمثالهم.

مسألة ٤٩٨ : يجوز أن يخصّص الجُعْل لواحدٍ بعينه ، كما يجوز تعميمه ، فلو قال لزيدٍ : إن رددتَ عبدي فلك دينار ، فردّه غيره ، لم يستحق الرادّ شيئاً ؛ لأنّه متبرّع به ، ولا زيد ؛ لأنّه لم يعمل.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٠٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣٨.

٤٣٩

نعم ، يجوز الاستعانة ، فإن استعان زيد المجعول له بغيره إمّا من عبدٍ أو غيره ، استحقّ زيد.

ولو قال لزيدٍ : إن رددته فلك دينار ، فردّه زيد وعمرو ، لم يكن لعمرو شي‌ء ؛ لتبرّعه ، ولم يلتزم المالك بشي‌ءٍ.

وإن قصد عمرو معاونة زيدٍ إمّا بعوضٍ أو مجّاناً ، فلزيدٍ تمام الجُعْل ؛ لأنّه قد يحتاج إلى الاستعانة بالغير ، ومقصود المالك ردّ العبد بأيّ وجهٍ أمكن ، فلا يُحمل لفظه على قصر العمل على المخاطب بالمباشرة.

ثمّ ذلك الغير إن تبرّع على زيدٍ بالإعانة ، لم يكن له شي‌ء.

وإن قصد العمل بالأُجرة فاستعمله زيد عليها ، فإن عيّن قدر الأُجرة استحقّ ما عيّنه له ، سواء زاد على مال الجعالة أو نقص ، وإن لم يعيّن له شيئاً كان له أُجرة المثل على زيدٍ وإن زادت على ما حصل له بالجعالة.

ولو قال عمرو : عملتُ للمالك ، لم يكن لزيدٍ تمام الجُعْل ، بل ما قابَل عمله.

ثمّ هل يُوزَّع مال الجعالة على الرءوس أو على قدر العمل؟ الأقرب : الثاني ، وهو قول بعض الشافعيّة. والمشهور عندهم : الأوّل(١) .

وكذا البحث لو عمل المالك مع زيدٍ فإنّه لا يستحقّ زيد كمالَ الجعالة ، إلّا أن يقصد المالك إعانته ، على إشكالٍ.

ولو قصد عمرو العمل للمالك ، لم يكن له شي‌ء ، سواء قصد التبرّع أو الشركة في الجُعْل ؛ لأنّ المالك لم يلتزم له شيئاً.

مسألة ٤٩٩ : لو قال لزيدٍ : إن رددتَ عبدي فلك كذا ، اختصّ بمال الجعالة مع كمال العمل ، فإن شاركه في العمل اثنان ، فإن قصدا معاً إعانةَ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٠٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣٩.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466