تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

تذكرة الفقهاء8%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 978-964-319-530-4
الصفحات: 466

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156139 / تحميل: 5491
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٩٦٤-٣١٩-٥٣٠-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

بخلاف الغرس(١) .

فإن قال صاحب الغرس : لا تقلعه وعلَيَّ أُجرة الأرض ، لم يُجبر صاحب الأرض عليه ؛ لأنّ أحداً لا يملك الانتفاع بملك غيره بأُجرته إلّا برضاه.

ولو انعكس الفرض ، فقال صاحب الأرض : أقرّه في الأرض وادفع إلَيَّ الأُجرة ، وقال الغارس : اقلعه وعليك ما نقص ، لم تجب إجابته ؛ لأنّ صاحب الغرس لا يُجبر على اكتراء الأرض له.

ولو قال صاحب الأرض : خُذْ قيمته ، وقال الغارس : بل أقلعه وعلَيَّ ما نقص ، فالقول قول الغارس ؛ لأنّا لا نجبره على بيع ماله.

ولو قال ربّ الأرض : اقلعه وعلَيَّ ما نقص ، وقال الغارس : ادفع إلَيَّ قيمته ، قدّم قول صاحب الأرض ؛ لأنّا لا نجبره على ابتياع مال غيره.

ولو قال ربّ الأرض : خُذ القيمة ، وقال الغارس : خُذ الأُجرة وأقرّه في الأرض ، أو قال الغارس : ادفع إلَيَّ قيمته ، وقال ربّ المال : ادفع إلَيَّ الأُجرة وأقرّه ، لم يُجبَر واحد منهما على ذلك.

مسألة ٢١٦ : إذا أذن المالك للعامل في التصرّف وأطلق ، اقتضى الإطلاق فعل ما يتولّاه المالك من عرض القماش على المشترين والراغبين ونشره وطيّه وإحرازه وبيعه وقبض ثمنه وإيداعه الصندوق واستئجار ما يعتاد للاستئجار له ، كالدلّال والوزّان والحمّال.

ولو استأجر لما يجب عليه مباشرته ، كانت الأُجرة عليه خاصّةً ، ولو‌ عمل بنفسه ما يستأجر له عادةً ، لم يستحق أُجرةً ؛ لأنّه متبرّع في ذلك ،

____________________

(١) راجع : التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٧٩ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٣ ، وروضة الطالبين ٣ : ١٩٩.

٤١

وفي الأوّل استأجر لما يجب عليه فعله ، فتكون الأُجرة عليه.

مسألة ٢١٧ : لو خصّص المالك الإذنَ ، تخصّص ، فلا يجوز للعامل التعدّي ، فإن خالف ضمن ، ولا يبطل القراض بالتخصيص ، فلو قال له : لا تشتر إلّا من رجلٍ بعينه ، أو سلعة بعينها ، أو لا تبع إلّا على زيد ، أو لا تشتر إلّا ثمرة بستانٍ معيّن ، أو نخلة بعينها ، أو لا تشتر إلّا ثوباً بعينه ، جاز ، ولزم هذا الشرط ، وصحّ القراض ، سواء كان وجود ما عيّنه عامّاً في الأصقاع والأزمان ، أو في أحدهما ، أو خاصّاً فيهما ، وسواء قلّ وجوده وعزّ تحصيله وكان نادراً ، أو كثر ، عند علمائنا - وبه قال أبو حنيفة وأحمد(١) - لأنّه لـمّا جاز أن تكون المضاربة خاصّةً في نوعٍ جاز أن تكون خاصّةً في رجلٍ بعينه أو سلعةٍ بعينها ، كالوكالة.

ولما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام : في الرجل يعطي الرجل مضاربةً فيخالف ما شرط عليه ، قال : « هو ضامن ، والربح بينهما »(٢) .

وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يعطي المال مضاربةً وينهى أن يخرج به ، فيخرج به ، قال : « يضمن المال ، والربح بينهما »(٣) .

وفي الصحيح عن رجلٍ(٤) عن الصادقعليه‌السلام : في رجلٍ دفع إلى رجلٍ‌

____________________

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢ ، بدائع الصنائع ٦ : ٩٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٣١ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٨٧ / ٣٤٥٤ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٠٤ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٣٨ ، الاستذكار ٢١ : ١٤١ / ٣٠٨١٥ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٥ / ١٢٤٩ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، المغني ٥ : ١٨٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٥.

(٢) التهذيب ٧ : ١٩٠ / ٨٣٨.

(٣) التهذيب ٧ : ١٨٩ / ٨٣٦.

(٤) كذا قوله : « رجل » في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة ، وبدله في المصدر : « جميل ».

٤٢

مالاً يشتري به ضرباً من المتاع مضاربةً ، فذهب فاشترى غير الذي أمره ، قال : « هو ضامن ، والربح بينهما على ما شرط »(١) .

وقال الشافعي ومالك : يشترط في صحّة القراض أن لا يضيّق المالك على العامل بالتعيين ، فلو عيّن المالك نوعاً بعينه ، فإن كان ممّا يندر وجوده كالياقوت الأحمر والخَزّ الأدكن والخيل البُلق والصيد حيث يوجد نادراً ، فسد القراض ؛ لأنّ هذا تضييق يُخلّ بمقصوده ، وهو التقليب وطلب الربح.

وإن لم يكن نادرَ الوجود فإن كان ممّا يدوم شتاءً وصيفاً - كالحبوب والحيوان والخَزّ والبَزّ - صحّ القراض ، وإن لم يدم كالثمار الرطبة ، فوجهان ، أحدهما : إنّه لا يجوز ، كما إذا قارضه مدّةً معيّنة ، ومَنَعه من التصرّف بعدها.

ولو قال : لا تشتر إلّا من رجلٍ بعينه ، أو سلعة بعينها ، لم يصح القراض - وبه قال مالك - لأنّ ذلك [ يمنع ](٢) مقصود القراض ، وهو التقليب وطلب الربح ، لأنّه إذا لم يشتر إلّا من رجلٍ بعينه فإنّه قد لا يبيعه ، وقد يطلب منه أكثر من ثمنه ، وكذا السلعة ، وإذا كان كذلك لم يصح ، كما لو قال : لا تبع ولا تشتر إلّا من فلان(٣) .

والجواب : نمنع كون هذا الشرط مانعاً من مقصود القراض.

نعم ، إنّه يكون مخصّصاً للإطلاق ، وذلك جائز بالإجماع ، فكذا هنا.

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٩٣ / ٨٥٣.

(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٤ - ٣١٦ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٦ - ١٩٧ ، الوسيط ٤ : ١٠٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، البيان ٧ : ١٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠١ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٨٧ / ٣٤٥٥ ، الاستذكار ٢١ : ١٤١ / ٣٠٨١٣ ، و ١٤٢ / ٣٠٨١٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٣٨ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٤ / ١٢٤٩ ، المغني ٥ : ١٨٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٥ - ١٢٦.

٤٣

فروع :

أ - لو شرط أن لا يشتري إلّا نوعاً بعينه ، وذلك النوع يوجد في بعض السنة وينقطع ، جاز عندنا وعند أكثر الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم : لا يجوز(٢) ؛ لأنّ الشافعي قال بعد هذه المسألة : وإن اشترط أن يشتري صيداً موجوداً كما إذا قارضه مدّةً وشرط أنّها إذا انقضت لا يبيع ولا يشتري ، فإنّه لا يصحّ القراض(٣) .

والصحيح عندهم : الأوّل(٤) ؛ لأنّ ذلك لا يمنع مقصود المضاربة ، بخلاف ما إذا قدّره بمدّةٍ ؛ لأنّه قد تنقضي المدّة وبيده أعيان لا فائدة فيها إلّا ببيعها ، فإذا منعه البيع تعذّر المقصود بالمضاربة ، وما ذكرناه لا يوجد فيه ذلك ، فافترقا ، على أنّا نمنع بطلان القراض مع الاقتران بالمدّة ، أقصى ما في الباب أنّ هذا التأقيت لا يفيد إلّا منع العامل من العمل بعدها ،

ب - لو قال : اشتر هذا الشي‌ء - وكان ممّا ينقطع - فإذا انقطع فتصرَّف في كذا ، جاز.

أمّا عندنا : فظاهر.

وأمّا عند الشافعي : فلدوام القراض(٥) .

ج - لا فرق عندنا بين أن يقول : لا تشتر إلّا هذه السلعة وإلّا هذا العبد ، وبين أن يقول : لا تشتر هذا العبد ولا هذه السلعة في الجواز.

____________________

(١ و ٢ و ٤) حلية العلماء ٥ : ٣٤٥.

(٣) لم نهتد إلى مظانّه فيما بين أيدينا من المصادر.

(٥) راجع : بحر المذهب ٩ : ١٩٧ ، والتهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ - ٣٨٥ ، والبيان ٧ : ١٧٣ ، والعزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، وروضة الطالبين ٤ : ٢٠١.

٤٤

ومَنَع الشافعي من الأوّل - كما تقدّم(١) - دون الثاني ؛ لأنّ للعامل السعي فيما سواهما ، وهو كثير لا ينحصر(٢) .

د - لا فرق عندنا بين أن يقول المالك : لا تبع إلّا من فلان ولا تشتر إلّا من فلان ، وبين أن يقول : لا تبع من فلان ، أو لا تشتر منه في جواز القراض ووجوب الامتثال.

وفرّق أكثر الشافعيّة فجوّزوا الثاني دون الأوّل(٣) على ما مرّ(٤) .

وقال بعضهم : إنّ الثاني لا يجوز أيضاً كالأوّل(٥) .

ه - لا فرق بين أن يعيّن شخصاً للمعاملة وسلعةً للشراء لا ينقطع عنده المتاع الذي يتّجر على نوعه غالبا ، وبين شخصٍ ينقطع عنده ذلك المتاع الذي يتّجر على نوعه غالباً في جواز القراض معهما.

وأكثر الشافعيّة على عدم الفرق في عدم الجواز معهما(٦) .

وقال بعض الشافعيّة : يجوز في الأوّل دون الثاني ، فقال : إذا كان الشخص - الذي نصّ المالك على تعيين المعاملة معه - بيّاعاً لا ينقطع عنده المتاع الذي يتّجر على نوعه غالباً ، جاز تعيينه(٧) .

مسألة ٢١٨ : يجوز للمالك أن يطلق المشيئة إلى العامل في شراء أيّ نوعٍ شاء وبيع أيّ نوعٍ أراد ، ولا يشترط في صحّة القراض تعيين نوعٍ يتصرّف فيه العامل ؛ لأنّ الغرض تحصيل الفائدة والاسترباح ، فربما رأى العامل المصلحة في نوعٍ يخفى عن المالك ، فكان له أن يفوّض الأمر إليه‌

____________________

(١) في ص ٤٢.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠١.

(٣ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠١.

(٤) في ص ٤٢.

(٦ و ٧) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠١.

٤٥

تحصيلاً للغاية الذاتيّة.

وللشافعيّة قولان في اشتراط تعيين نوعٍ يتصرّف فيه العامل ، كالخلاف في الوكالة.

والظاهر عندهم : إنّه لا يشترط ؛ لأنّ الوكالة نيابة محضة ، والحاجة تمسّ إليها في الأشغال الخاصّة ، والقراض معاملة يتعلّق بها غرض كلّ واحدٍ من المتعاقدين ، فمهما كان العامل أبسط يداً كان أفضى إلى مقصودها(١) .

ونحن نجوّز تعميم المشيئة للوكيل.

مسألة ٢١٩ : لا خلاف في أنّه إذا جرى تعيين صحيح ، لم يكن للعامل مجاوزته ، ولا له العدول عنه ، كما في سائر التصرّفات المستفادة من الإذن ، فإن تجاوز ضمن ، وإن ربح كان الربح بينهما على ما شرطاه ؛ لما تقدّم(٢) من الروايات.

ولما رواه أبو بصير عن الصادقعليه‌السلام في الرجل يعطي الرجل مالاً مضاربةً وينهاه عن أن يخرج به إلى أرض أُخرى ، فعصاه ، فقال : « هو له ضامن ، والربح بينهما إذا خالف شرطه وعصاه »(٣) .

إذا عرفت هذا ، فالإذن في البزّ يتناول كلّ ما يُلبس من المنسوج من الإبريسم أو القطن أو الكتّان أو الصوف ، ولا يتناول البُسُط والفُرُش.

وفي الأكسية احتمال ؛ لأنّها ملبوسة ، لكن بائعها لا يُسمّى بزّازاً.

والأقرب : اتّباع الاسم.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ - ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٢) في ص ٤١ - ٤٢.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٨ ، الهامش (٩)

٤٦

وللشافعيّة فيه وجهان(١) .

مسألة ٢٢٠ : قد بيّنّا أنّ المضاربة عقد جائز من الطرفين لكلٍّ منهما فسخها متى شاء ، وهي تتضمّن تصرّف العامل في رقبة مال ربّ المال بإذنه ، فكان جائزاً كالوكالة ، فلا معنى للتأقيت فيها ، ولا يعتبر فيها بيان المدّة ، بخلاف المساقاة ؛ لأنّ العامل في المساقاة لا يتصرّف في رقبة المال ، وإنّما يعمل في إصلاح المال ، ولهذا افتقرت المساقاة إلى مدّةٍ معلومة ، والمقصود من المساقاة الثمرة ، وهي تنضبط بالمدّة ، فإنّ للثمرة أمداً معيّناً ووقتاً مضبوطاً ، أمّا المقصود من القراض فليس له مدّة مضبوطة ، فلم يشترط فيه التأقيت.

إذا عرفت هذا ، فلو وقّت القراض فقال : قارضتك على هذا المال سنةً ، فلا يخلو إمّا أن يُطلق أو يُقيّد.

فإن أطلق واقتصر ، لم يلزم التأقيت ، ولكلٍّ من المالك والعامل فسخ القراض قبل السنة.

نعم ، إنّه يفيد منع العامل بعد ذلك من التصرّفات إلّا بإذنٍ مستأنف ؛ لأنّ الأصل عصمة مال الغير ، ومنع الغير من التصرّف فيه إلّا بإذن مالكه ، والإذن لم يقع عامّاً ، فيتبع ما عيّنه المالك.

وإن قيّد فقال : قارضتك سنةً فإذا انقضت لا تبع ولا تشتر ، فالأقوى(٢) عندي : الجواز ؛ عملاً بالشرط ، ولأنّه مقتضى الإطلاق.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٧ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٥ ، البيان ٧ : ١٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٢) في « ث ، ج ، ر » : « فالأقرب » بدل « فالأقوى ».

٤٧

وقال الشافعي : يبطل القراض ؛ لأنّه شرط شرطاً فاسداً فأفسده ؛ لأنّ عقد القراض يقع مطلقاً ، فإذا شرط قطعه لم يصح ، كالنكاح ، ولأنّ هذا الشرط ليس من مقتضى العقد ، ولا له فيه مصلحة ، فلم يصح ، كما لو قال : على أن لا تبع ، وإنّما لم يكن من مقتضاه ؛ لأنّ القراض يقتضي ردّ رأس المال تامّاً ، فإذا منعه من التصرّف لم يكن له ذلك ، ولأنّ هذا الشرط يؤدّي إلى الإضرار بالعامل وإبطال غرضه ؛ لأنّ الربح والحظّ قد يكون في تبقية المتاع وبيعه بعد سنةٍ ، فيمنع ذلك مقتضاه(١) .

ونحن نمنع فساد العقد ؛ فإنّه المتنازع. نعم ، إنّه لا يلزم وقوع العقد مطلقاً ، ولا ينافي قطعه بالشرط ، كسائر الشروط في العقود ، والمقيس عليه ممنوع على ما يأتي ، وإنّما يقتضي القراض ردّ رأس المال لو لم يمنعه المالك ، وبالشرط قد منعه ، وإضرار العامل ينتفي بدفع أُجرته إليه ، ومراعاة مصلحة العامل كمراعاة مصلحة المالك ، فقد يكون المالك محتاجاً إلى رأس ماله.

مسألة ٢٢١ : لو قال : قارضتك سنةً على أنّي لا أملك منعك فيها ، فسد القراض ؛ لأنّ القراض من العقود الجائزة لكلٍّ من المتعاقدين فسخه ، فلا يجوز أن يشترط فيه لزومه ، كالشركة والوكالة ؛ لأنّه شرط ما ينافي مقتضى العقد ، وكذا لو قال : قارضتك سنةً على أنّي(٢) لا أملك الفسخ قبل‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣١١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٥ ، الوجيز ١ : ٢٢٢ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٣ ، البيان ٧ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢ ، المغني ٥ : ١٨٥ - ١٨٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٨.

(٢) في « خ » والطبعة الحجريّة : « أن » بدل « أنّي ».

٤٨

انقضائها ، وبه قال الشافعي(١) أيضاً.

ولو قال : قارضتك سنةً فإذا انقضت السنة فلا تشتر بعدها وبِعْ ، صحّ القراض ، وبه قال الشافعي(٢) أيضاً ، وكذا لو قال : قارضتك سنةً على أن لا تشتر بعد السنة ولك البيع ؛ لأنّ لصاحب المال أن يرجع عن القراض أيّ وقتٍ شاء ، ويتمكّن من منع العامل من الشراء مهما شاء ، فإذا شرط منعه من الشراء ، كان قد شرط ما يقتضيه الإطلاق ، فلا يمنع ذلك صحّة العقد.

ولو قال : قارضتك سنةً فإذا مضت فلا تبع بعدها ، فالأقرب : الصحّة.

وقال الشافعي : إنّه يبطل ، وصار كما لو شرط منعه من التصرّف مطلقاً بعد السنة ؛ لأنّه يُخلّ بمقصود العقد ، ويخالف مقتضاه.

أمّا أنّه يُخلّ بالمقصود : فلأنّه قد لا يجد راغباً في المدّة ، فلا تحصل التجارة والربح.

وأمّا مخالفة مقتضاه : فلأنّه قد يكون عنده عروض عند انقضاء السنة ، وقضيّة عقد القراض أن ينضّ العامل ما في يده في آخر الآمر ليتميّز رأس المال عن الربح(٣) .

وقد بيّنّا أنّ للعامل مع فسخ العقد الأُجرة ، وهو يدفع المحاذير.

ولو قال : قارضتك سنةً ، وأطلق ، فقد بيّنّا الجواز عندنا ، وعدم‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣١١ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، البيان ٧ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، البيان ٧ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٣) الوسيط ٤ : ١٠٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

٤٩

اللزوم.

وللشافعيّة وجهان :

أصحّهما عندهم : المنع ؛ لأنّ قضيّة انتفاء القراض امتناع التصرّف بالكلّيّة ، ولأنّ ما يجوز فيه الإطلاق من العقود لا يجوز فيه التأقيت ، كالبيع والنكاح.

والثاني : يجوز ، ويُحمل على المنع من الشراء دون البيع ، استدامةً للعقد(١) .

على أنّ لهم وجهاً ضعيفاً فيما إذا قارضه سنةً وشرط أن لا يشتري بعدها ، قاضياً بالبطلان ؛ لأنّ ما وضعه على الإطلاق من العقود لا يجوز فيه التأقيت(٢) .

لكن المعتمد عندهم : الجواز(٣) .

تذنيب : لو قال : قارضتك الآن ولكن لا تتصرّف حتى يجي‌ء رأس الشهر ، جاز ؛ عملاً بمقتضى الشرط - وهو أحد وجهي الشافعيّة - كما جاز في الوكالة.

والثاني - وهو الأصحّ عندهم - : المنع ، كما لو قال : بعتك بشرط أن لا تملك إلّا بعد شهرٍ(٤) .

____________________

(١) الوسيط ٤ : ١١٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، البيان ٧ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٢ و ٣) الوسيط ٤ : ١١٠ ، البيان ٧ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

٥٠

والفرق ظاهر.

البحث الخامس : في الربح.

وشروطه أربعة :

الأوّل : اختصاصه بالمتعاقدين ، فلو شرط بعض الربح لغيرهما ، لم يصح ، سواء كان قريباً أو بعيداً ، كما لو قال : على أن يكون لك ثلث الربح ، ولي الثلث ، ولزوجتي أو لابني أو لأجنبيٍّ الثلثُ الآخَر ، ويبطل القراض ؛ لأنّه ليس بعاملٍ ولا مالكٍ للمال.

أمّا لو شرط عمل الثالث فإنّه يصحّ ، ويكون في الحقيقة هنا عاملان لا واحد.

ولو كان المشروط له عبدَ المالك أو عبدَ العامل ، فقد بيّنّا أنّه يجوز ؛ لأنّه يكون ما شرطه للعبد للمالك ، فقد ضمّ المالك أو العامل إلى حصّته حصّةً أُخرى.

ولو قال : نصف الربح لك ونصفه لي ومن نصيبي نصفه لزوجتي ، صحّ القراض ، وكان ما عيّنه للزوجة وعداً منه لها إن شاء أعطاها وإن شاء منعها.

ولو قال للعامل : لك الثلثان على أن تعطي امرأتَك نصفَه أو ابنك ، لم يلزم الشرط ، فإن أوجبه فالأقوى : البطلان.

وقال بعض الشافعيّة : إن أوجب ذلك عليه فسد القراض ، وإلّا‌

٥١

لم يفسد(١) .

الشرط الثاني : أن يكون الربح مشتركاً بينهما ، فلو شرط أن يكون جميع الربح للمالك بأن قال : قارضتك على أن يكون جميع الربح لي ، فسد القراض - وبه قال الشافعي(٢) - لمنافاة الشرط مقتضاه ؛ فإنّ مقتضاه الاشتراك في الربح ؛ لأنّ إسحاق بن عمّار سأل الكاظمَعليه‌السلام : عن مال المضاربة ، قال : « الربح بينهما ، والوضيعة على المال »(٣) .

وقال أبو حنيفة : إنّه يبطل القراض ، ويكون بضاعةً(٤) .

وقال مالك : يصحّ القراض ، ويكون الربح للمالك ؛ عملاً بشرطه ، لأنّهما دخلا في القراض ، فإذا شرط الربح لأحدهما جعل كأنّه وهب له الآخَر نصيبه ، فلا يمنع ذلك صحّة العقد(٥) .

وهو غلط ؛ لأنّ الهبة لا تصحّ قبل حصول الموهوب.

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ١٩٥ ، البيان ٧ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٣٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٢ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٩ ، الوسيط ٤ : ١١١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨١ ، البيان ٧ : ١٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ / ١١١٦ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٨١ / ٣٤١٩ ، المغني ٥ : ١٤٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٢.

(٣) التهذيب ٧ : ١٨٨ / ٨٢٩ ، الاستبصار ٣ : ١٢٦ / ٤٥٢.

(٤) الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٢٨ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٢٤ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٠٢ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٨١ / ٣٤١٨ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٢ - ٣٣٣ ، البيان ٧ : ١٦٨ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ - ٦٤٣ / ١١١٦ ، المغني ٥ : ١٤٤ - ١٤٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٢.

(٥) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ / ١١١٦ ، المعونة ٢ : ١١٢٣ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، المغني ٥ : ١٤٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٢.

٥٢

ولو قال : قارضتك على أن يكون جميع الربح لك ، فسد القراض أيضاً عندنا - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(١) - لما تقدّم(٢) .

وقال مالك : يصحّ ، ويكون الربح بأسره للعامل ؛ لأنّهما دخلا في القراض ، فإذا شرط الربح للعامل أو المالك ، كان لمن جعل له ، كأنّ المالك قد وهبه نصيبه من الربح ، فلا يمنع ذلك صحّة العقد(٣) .

وقد تقدّم(٤) بطلانه ، وأنّ هذا الشرط منافٍ للقراض ؛ لاقتضاء القراض كون الربح بينهما ؛ لأنّه عبارة عن أن يكون من أحدهما المال ومن الآخَر العمل ، وذلك يقتضي الاشتراك ، فإذا شرطا ما يخالف ذلك فسد ، كشركة العنان إذا شرطا أن يكون الربح لأحدهما.

إذا عرفت هذا ، فإذا قال : قارضتك على أن يكون الربح كلّه لك ، فالقراض فاسد.

وما حكمه؟ للشافعيّة وجهان :

أحدهما : إنّه قراض فاسد ؛ رعايةً للّفظ.

والثاني : إنّه قرض صحيح ؛ رعايةً للمعنى(٥) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٣٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٢ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٢ - ٣٣٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨١ ، البيان ٧ : ١٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٢٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٣٨ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ / ١١١٦ ، المعونة ٢ : ١١٢٣ ، المغني ٥ : ١٤٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٢.

(٢) في ص ٥١.

(٣) بداية المجتهد ٢ : ٢٣٨ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ / ١١١٦ ، المعونة ٢ : ١١٢٣ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، المغني ٥ : ١٤٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٢.

(٤) في ص ٥١.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨١ ، البيان ٧ : ١٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ - ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

٥٣

ولو قال : قارضتك على أنّ الربح كلّه لي ، فهو قراض فاسد أو إبضاع؟ فيه الوجهان للشافعيّة(١) .

أمّا لو قال : خُذْ هذه الدراهم وتصرَّفْ فيها والربح كلّه لك ، فهو قرض صحيح ، وبه قال ابن سريج(٢) ، بخلاف ما لو قال : قارضتك على أنّ الربح كلّه لك ؛ لتصريح اللّفظ بعقدٍ آخَر.

وقال بعض الشافعيّة : لا فرق بين الصورتين(٣) .

وليس جيّداً.

وعن بعضهم : إنّ الربح والخسران للمالك ، وللعامل أُجرة المثل ، ولا يكون قرضاً ؛ لأنّه لم يملكه(٤) .

ولو قال : تصرَّفْ في هذه الدراهم والربح كلّه لي ، فهو إبضاع.

مسألة ٢٢٢ : لو ضمّن المالكُ العاملَ ، انقلب القراض قرضاً ، وكان الربح بأسره للعامل ؛ لأنّ عقد القراض ينافي الضمان.

ولما رواه محمّد بن قيس عن الباقرعليه‌السلام قال : « مَنْ ضمّن مُضاربه فليس له إلّا رأس المال ، وليس له من الربح شي‌ء »(٥) .

وعن محمّد بن قيس عن الباقرعليه‌السلام قال : « مَنْ ضمّن تاجراً فليس له إلّا رأس ماله ، وليس له من الربح شي‌ء »(٦) .

إذا عرفت هذا ، فإن أراد المالك الاستيثاق ، أقرضه بعضَ المال ،

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٢٠ ، البيان ٧ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٢) البيان ٧ : ١٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٥) التهذيب ٧ : ١٨٨ / ٨٣٠ ، الاستبصار ٣ : ١٢٦ - ١٢٧ / ٤٥٣.

(٦) الكافي ٥ : ٢٤٠ / ٣ ، التهذيب ٧ : ١٩٢ - ١٩٣ / ٨٥٢.

٥٤

وضاربه على الباقي ، ويكون ذلك قرضاً صحيحاً وقراضاً جائزاً ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما سائغ ، ولم يحدث عند الاجتماع شي‌ء زائد.

ولما رواه عبد الملك بن عتبة قال : سألتُ بعضَ هؤلاء - يعني أبا يوسف وأبا حنيفة - فقلت: إنّي لا أزال أدفع المال مضاربةً إلى الرجل فيقول : قد ضاع ، أو قد ذهب ، قال : فادفع إليه أكثره قرضاً والباقي مضاربةً ، فسألت أبا عبد الله الصادقعليه‌السلام عن ذلك ، فقال : « يجوز »(١) .

وسأل عبدُ الملك بن عتبة الكاظمَعليه‌السلام : هل يستقيم لصاحب المال إذا أراد الاستيثاق لنفسه أن يجعل بعضه شركةً ليكون أوثق له في ماله؟ قال : « لا بأس به »(٢) .

الشرط الثالث : أن تكون الحصّة لكلٍّ منهما معلومة ، فلو قارضه على أن يكون له في الربح شركة أو نصيب أو حصّة أو شي‌ء أو سهم أو حظّ أو جزء ، ولم يبيّن ، بطل القراض ، ولا(٣) يحمل الشي‌ء ولا السهم ولا الجزء على الوصيّة ؛ اقتصاراً بالنقل على مورده ، ولا خلاف في بطلان القراض مع تجهيل الربح.

ولو قال : خُذْه مضاربةً ولك من الربح مثل ما شرطه فلان لعامله ، فإن علما معاً ما شرطه فلانٌ صحّ ؛ لأنّهما أشارا إلى معلومٍ عندهما ، ولو جهلاه معاً أو أحدهما بطل القراض ؛ لأنّه مجهول.

ولو قال : والربح بيننا ، ولم يقل : نصفين ، صحّ ، وحُكم بالنصف للعامل والنصف للمالك ، كما لو أقرّ بالمال ، ولو قال : إنّه بيني وبين فلان ،

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٨٨ - ١٨٩ / ٨٣٢ ، الاستبصار ٣ : ١٢٧ / ٤٥٥.

(٢) التهذيب ٧ : ١٨٩ / ٨٣٣ ، الاستبصار ٣ : ١٢٧ / ٤٥٦.

(٣) فيما عدا « ج » من النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « ولم » بدل « ولا ».

٥٥

فإنّه يكون إقراراً بالنصف ، فكذا هنا ، والأصل في ذلك أصالة عدم التفاوت ، وقد أضاف الربح إليهما إضافة واحدة ، لم يرجّح فيها أحدهما على الآخَر ، فاقتضى التسوية ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

والثاني : الفساد ؛ لأنّه لم يبيّن ما لكلّ واحدٍ منهما ، فأشبه ما إذا شرطا أن يكون الربح بينهما أثلاثاً ، ولم يبيّن صاحب الثلثين مَنْ هو ، ولا صاحب الثلث مَنْ هو ، ولأنّ التثنية تصدق مع التفاوت كصدقها مع التساوي ، والعامّ لا دلالة له على الخاصّ(١) .

ونحن نمنع صدقها بالتواطؤ ، بل دلالتها على التنصيف أقوى ، وعليه يُحمل إطلاقها ، ويفتقر التفاوت إلى قرينةٍ.

مسألة ٢٢٣ : لو قال : خُذْ هذا المال مضاربةً ، ولم يُسمّ للعامل شيئاً من الربح ، فسد القراض ، وكان الربح بأسره لربّ المال ، وعليه أُجرة المثل للعامل ، والوضيعة على المالك - وبه قال الثوري والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأحمد وأصحاب الرأي(٢) - لأنّ المضارب إنّما يستحقّ بالشرط ولم يوجد.

وقال الحسن وابن سيرين والأوزاعي : الربح بينهما نصفين ؛ لأنّه لو قال : والربح بيننا ، كان بينهما نصفين ، وكذا إذا لم يزد شيئاً(٣) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٢ ، الوسيط ٤ : ١١٣ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٠ ، البيان ٧ : ١٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٢) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٣٩ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٧ - ٢١٨ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٣ ، المغني ٥ : ١٤٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣١.

(٣) نفس المصادر ما عدا « الحاوي الكبير » و « بحر المذهب » و « حلية العلماء ».

٥٦

وهو ممنوع ؛ لأنّ قوله : « مضاربةً » يقتضي أنّ له جزءاً من الربح مجهولاً ، فلا يصحّ.

ولو قال : على أنّ ثلث الربح لك وما بقي فثلثه لي وثلثاه لك ، صحّ.

وحاصله اشتراط سبعة أتساع الربح للعامل ؛ لأنّ الحساب من عدد لثلثه ثلاث ، وأقلّه تسعة.

هذا إذا علما عند العقد أنّ المشروط للعامل بهذه اللفظة كم هو ، فإن جهلاه أو أحدهما ، فوجهان للشافعيّة ، أحدهما : الصحّة(١) .

وهو حسن ؛ لسهولة معرفة ما تضمّنه اللّفظ.

وكذا لو قال : على أنّ لك من الربح سُدس رُبْع عُشْر الثُّمْن ، وهُما لا يعرفان قدره عند العقد ، أو أحدهما.

ولو قال : لك الرُّبْع ورُبْع الباقي ، فله ثلاثة أثمان ونصف ثُمنٍ ، سواء عرفا الحساب أو جهلاه ؛ لأنّها أجزاء معلومة.

ولو قال : لك ثلث الربح ورُبْع ما بقي ، فله النصف.

الشرط الرابع : أن يكون العلم به من حيث الجزئيّة المشاعة ، كالنصف أو الثلث أو الربع أو غير ذلك من الأجزاء الشائعة ، لا بالتقدير ، فلو قال : قارضتك على أنّ لك من الربح مائة والباقي بيننا بالسويّة ، فسد القراض ؛ لأنّه ربما لا يربح إلّا ذلك القدر ، فيلزم أن يختصّ به أحدهما.

وكذا إذا قال : على أنّ لي من الربح مائة والباقي بيننا ، لم يصح القراض.

وكذا لو قال : لك نصف الربح سوى درهم ، أو : لك نصف الربح‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

٥٧

ودرهم.

مسألة ٢٢٤ : لو دفع إليه ألفين وقال : قارضتك على هاتين الألفين على أن يكون لك ربح ألفٍ منهما ولي ربح الألف الأُخرى ، فإمّا أن تكونا متميّزتين أو ممتزجتين.

فإن كانتا متميّزتين وشرط تميّزهما ، لم يصح القراض ؛ لأنّه لا شركة بينهما في الربح ؛ إذ كلّ واحدةٍ من الألفين متميّزة عن الأُخرى ، وربح إحداهما بعينها للمالك لا يشاركه العامل فيه ، وربح الأُخرى بعينها للعامل لا يشاركه المالك فيه ، مع أنّ كلّ واحدةٍ منهما مال قراضٍ ، فلا يوجد فيه مقتضى القراض فيبطل ، ولأنّه ربما يختصّ الربح بإحداهما دون الأُخرى ، فيحصل كلّ الربح لأحدهما ويمنع الآخَر منه ، وذلك منافٍ لمقتضى القراض.

وإن كانتا ممتزجتين غير متميّزتين ، فالأقرب : الصحّة ، ويُحمل على الإشاعة والتسوية في الربح ؛ إذ لا فرق بين ذلك وبين قوله : الربح بيننا نصفين ، ولا بينه وبين أن يقول : نصف ربح الألفين لك ونصفه لي ، وهو قول بعض الشافعيّة(١) .

وقال ابن سريج : لا يصحّ ؛ لأنّه خصّصه بربح بعض المال ، فأشبه ما إذا كان الألفان متميّزين ، وما إذا دفع إليه ألفاً على أن يكون له ربحها ليتصرّف له في ألف أُخرى(٢) .

والفرق ظاهر.

ولو قال : على أنّ لي ربح أحد الثوبين ولك ربح الآخَر ، أو : على أنّ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٧.

٥٨

لي ربح إحدى السفرتين ولك ربح الأُخرى ، أو : على أنّ لك ربح تجارة شهر كذا ولي ربح تجارة شهر كذا ، لم يصح.

إذا عرفت هذا ، فإذا دفع إليه مالاً قراضاً وشرط أن يكون له نصف ربحه ، جاز ، وكذا لو شرط له ربح نصفه.

ولو قال : على أنّ لك من الربح عشرةً ولي عشرة ، احتُمل البطلانُ ؛ لعدم العلم بحصولهما ، والصحّةُ إن قصد التناسب في مطلق الربح ، قلّ عن ذلك أو كثر أو ساواه.

مسألة ٢٢٥ : لو دفع إليه مالاً قراضاً وشرط عليه أن يولّيه سلعة كذا إذا اشتراها برأس المال ، احتُمل الصحّة ؛ عملاً بقولهعليه‌السلام : « المسلمون(١) عند شروطهم »(٢) ، والبطلانُ - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّه ربما لا يحصل الربح إلّا منها.

ولو شرط أن يلبس الثوب الذي يشتريه ويركب الدابّة التي يشتريها ، قال الشافعي : يبطل القراض أيضاً ؛ لأنّ القراض جُوّز على العمل المجهول بالعوض المجهول [ للحاجة ](٤) - ولا حاجة إلى ضمّ ما ليس من الربح إليه ، ولأنّه ربما ينتقص بالاستعمال ويتعذّر عليه التصرّف(٥) .

والأقوى عندي : الجواز.

تذنيب : لو دفع إليه ألفاً قراضاً على أنّ الربح بينهما ، وشرط المالك‌

____________________

(١) في النُّسَخ الخطّيّة : « المؤمنون ».

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٣٥ ، الهامش (٣) ، وفي التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، والاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، والجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣ : « المؤمنون ».

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٢ ، البيان ٧ : ١٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٤.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « للراحة ». والمثبت من المصدر.

(٥) نفس المصادر في الهامش (٣) ما عدا « التهذيب ».

٥٩

أن يدفع إليه ألفاً يعمل بها بضاعةً بحيث يكون الربح بأسره للمالك فيها ، فالوجه : صحّة القراض والشرط معاً.

وقيل : يصحّ القراض ، ويبطل الشرط(١) .

وقيل : يبطلان معاً(٢) .

مسألة ٢٢٦ : لو دفع إلى عاملٍ ألفَ درهمٍ ، فقال له : اعمل على هذه وربحها لي ، ودفع إليه ألفاً أُخرى وقال : اعمل على هذه ويكون ربحها لك ، فإن قصد القراض ، بطل ؛ لأنّه شرط أن يكون جميع الربح في إحداهما للمالك وفي الأُخرى للعامل ، وهو باطل ؛ لأنّه لا يجوز أن ينفرد أحدهما بالربح ؛ لأنّ الربح يحصل بالمال والعمل معاً ، فلا يصحّ في واحدةٍ من الألفين.

وإن لم يقصد القراض ، صحّ ، وكان ما شرطه المالك له بضاعةً ، وما شرطه العامل لنفسه قرضاً.

ولو دفع الألفين وقال : قارضتك على هذه على أن يكون ربح ألفٍ منها لي وألف لك ، فالأقوى : الصحّة - وبه قال أبو حنيفة وأبو ثور(٣) - لأنّه بمنزلة أن يقول : نصف الربح لي ونصفه لك ؛ لأنّه بمعناه.

قال ابن سريج : وهذا غلط ؛ لأنّ وضع القراض على أن يكون كلّ جزءٍ من المال ربحه بينهما ، فإذا شرط ربح ألفٍ فقد شرط لنفسه الانفراد بربح جزءٍ منه ، فكان فاسداً ، بخلاف ما إذا شرط نصف الربح ؛ لأنّ شرطه لم يتضمّن الانفراد بجزءٍ منه(٤) .

____________________

(١) كما في شرائع الإسلام ٢ : ١٤٥.

(٢) قال به الطوسي في المبسوط ٣ : ١٩٧ ، والقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٤٦٦.

(٣) بحر المذهب ٩ : ١٩٨ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٠.

(٤) راجع : العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٧.

٦٠

٦١

الفصل الثالث : في أحكام القراض‌

وفيه مباحث :

الأوّل : في اعتبار الغبطة في التصرّف.

مسألة ٢٢٧ : القراض إمّا صحيح وإمّا فاسد ، فالصحيح له أحكام تُذكر في مسائل ، وكذا الفاسد.

فمن أحكام الصحيح : إنّه يلزم الحصّة المشترطة للعامل ، ولا نعرف فيه مخالفاً ، إلّا مَنْ شذّ.

قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أنّ للعامل أن يشترط على ربّ المال ثلثي(١) الربح أو نصفه أو ما يجمعان عليه بعد أن يكون ذلك معلوماً جزءاً من أجزاء(٢) .

والأخبار من أهل البيتعليهم‌السلام متظافرة بذلك(٣) .

وقال شاذٌّ(٤) من الفقهاء : إنّ العامل لا يستحقّ الحصّة ، بل أُجرة المثل عن عمله ؛ لأنّ هذه المعاملة مجهولة ، وفيها غرر عظيم ، وقد نهى‌

____________________

(١) في المصدر : « ثلث » بدل « ثلثي ».

(٢) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٣٩ ، الإجماع - لابن المنذر - : ٥٨ / ٥٢٨ ، المغني ٥ : ١٤٠.

(٣) راجع : الكافي ٥ : ٢٤٠ / ٢ ، والتهذيب ٧ : ١٨٧ - ١٨٩ / ٨٢٧ - ٨٢٩ و ٨٣٦ ، والاستبصار ٣ : ١٢٦ / ٤٥١ و ٤٥٢.

(٤) لم نتحقّقه.

٦٢

النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الغرر(١) .

والجهالة لا تمنع الجواز ؛ لأنّ العلم ببعض الاعتبارات كافٍ ، فإذا شرط جزءاً معلوماً ، انتفت الجهالة الكلّيّة ، والعامّ مخصوص بالنقل المتواتر عن أهل البيتعليهم‌السلام ، وقد خُصّ من عموم النهي عن الغرر كثير من الأحكام ، كالمساقاة والمزارعة وغيرهما ، فليكن المتنازع منها.

مسألة ٢٢٨ : لـمّا كان الغرض الأقصى من القراض تحصيل الربح والفائدة ، وجب أن يكون تصرّف العامل مقصوراً على ما يُحصّل هذه الغاية الذاتيّة ، وأن يمنع من التصرّف في المؤدّي(٢) إلى ما يضادّها ، فيتقيّد تصرّفه بما فيه الغبطة والفائدة ، كتصرّف الوكيل للموكّل ؛ لأنّها في الحقيقة نوع وكالةٍ وإن كان له أن يتصرّف في نوعٍ ما ممّا ليس للوكيل التصرّف به ، تحصيلاً للفائدة ، فإنّ له أن يبيع بالعرض ، كما أنّ له أن يبيع بالنقد ، بخلاف الوكيل ؛ فإنّ تصرّفه في البيع إنّما هو بالنقد خاصّةً ؛ لأنّ المقصود من القراض الاسترباحُ ، والبيع بالعرض قد يكون وصلةً إليه وطريقاً فيه.

وأيضاً له أن يشتري المعيب إذا رأى فيه ربحاً ، بخلاف الوكيل.

ولا ينفذ تصرّفه مع الغبن الفاحش ، فليس له أن يبيع بدون ثمن المثل ، ولا أن يشتري بأكثر من ثمن المثل ؛ لأنّه منافٍ للاسترباح ، وبه قال الشافعي(٣) .

وقال أبو حنيفة : إنّه يملك العامل البيعَ بالغبن الفاحش ، وكذا الشراء ،

____________________

(١) أورده الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٣١٩ و ٣٣٠ ، المسألتان ١٣ و ٥.

(٢) الظاهر : « التصرّف المؤدّي ».

(٣) الوجيز ١ : ٢٢٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٧ ، المغني ٥ : ١٥٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٦.

٦٣

كالوكيل(١) .

والأصل ممنوع.

أمّا ما يتغابن الناس بمثله فإنّه غير ممنوعٍ منه ؛ لعدم التمكّن من الاحتراز عنه.

ولو اشترى بأكثر من ثمن المثل ممّا لا يتغابن الناس بمثله ، فإن كان بالعين بطل ، وإلّا وقع الشراء له إن لم يذكر النسبة إلى القراض.

مسألة ٢٢٩ : إذا دفع إلى العامل مال القراض ، فإن نصّ على التصرّف بأن قال : نقداً ، أو : نسيئةً ، أو قال : بنقد البلد ، أو غيره من النقود ، جاز ، ولم يكن للعامل مخالفته إجماعاً ؛ لأنّ ذلك لا يمنع مقصود المضاربة ، وقد يطلب بكلّ ذلك الفائدة في العادة.

فإن أطلق وقال : اتّجر به ، اقتضى ذلك أن يبيعه نقداً بنقد البلد بثمن مثله ، فإن خالف ضمن ، كالوكيل.

إذا عرفت هذا ، فلو اشترى بأكثر من ثمن المثل أو باع بدونه ، بطل إن لم يُجز المالك ؛ لأنّه تصرّفٌ غير مأذونٍ فيه ، فأشبه بيع الأجنبيّ ، وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٢) .

فإن تعذّر ردّ المبيع ، كان العامل ضامناً للمثل إن كان مثليّاً ، وإن لم يكن أو تعذّر المثل وجبت القيمة ، وللمالك الخيار في الرجوع على مَنْ شاء منهما ، فإن أخذ من المشتري القيمة رجع المشتري على العامل بالثمن الذي دفعه إليه ، وإن رجع على العامل رجع العامل على المشتري بالقيمة ، وردّ ما أخذه منه ثمناً ؛ لأنّ التلف حصل في يد المشتري ، فاستقرّ الضمان‌

____________________

(١) بدائع الصنائع ٦ : ٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٣.

(٢) المغني ٥ : ١٥٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٦.

٦٤

عليه.

وعن أحمد رواية أُخرى : إنّ البيع صحيح ، ويضمن العامل النقص ؛ لأنّ ضرر المالك ينجبر بضمان النقص(١) ، وهو قول بعض علمائنا(٢) .

والمعتمد : الأوّل.

مسألة ٢٣٠ : لو باع بغير نقد البلد مع إطلاق التصرّف ، لم يصح ؛ لأنّه منافٍ لما يقتضيه الإطلاق ، وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين ، وفي الثانية : يجوز إذا رأى العامل أنّ المصلحة فيه ، والربح حاصل به ، كما يجوز أن يبيع عرضاً بعرضٍ ويشتريه به(٣) .

وإن فَعَل وخالف وباع بغير نقد البلد ، كان حكمه حكم ما لو اشترى أو باع بغير ثمن المثل.

وليس بعيداً من الصواب اعتبار المصلحة.

ولو قال له : اعمل برأيك أو بما رأيت أو كيف شئت ، كان له ذلك ، وليس له المزارعة ؛ لأنّ المضاربة لا يُفهم من إطلاقها المزارعة.

وقال أحمد في روايةٍ أُخرى : إنّ له ذلك ، وتصحّ المضاربة ، والربح بينهما(٤) .

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّ المزارعة لا تدخل تحت قوله : اتّجر بما شئت.

فعلى ما قلناه لو تلف المال في المزارعة ضمن.

____________________

(١) المغني ٥ : ١٥٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٦.

(٢) لم نتحقّقه.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٣٢٢ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٢ ، البيان ٧ : ١٨١ ، المغني ٥ : ١٥٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٧.

(٤) المغني ٥ : ١٥٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٧.

٦٥

وعلى الرواية الأُخرى عن أحمد : لا يضمن(١) .

مسألة ٢٣١ : وليس له أن يبيع نسيئةً بدون إذن المالك ؛ لما فيه من التغرير بالمال ، فإن خالف ضمن عندنا - وبه قال مالك وابن أبي ليلى والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٢) - لأنّه نائب في البيع ، فلم يجز له البيع نسيئةً بغير إذنٍ صريح فيه ، كالوكيل ، والقرينة الحاليّة تفيد ما تفيده العبارات اللفظيّة ، فيصير كأنّه قال : بِعْه حالّاً.

وقال في الرواية الأُخرى : يجوز له البيع نسيئةً - وبه قال أبو حنيفة - لأنّ إذنه في التجارة والمضاربة ينصرف إلى التجارة المعتادة ، وهذا النوع من التصرّف عادة التجّار ، ولأنّه يقصد به الربح ، بل هو في النسيئة أكثر منه في النقد ، بخلاف الوكالة المطلقة ، فإنّها لا تختصّ بقصد الربح ، وإنّما المقصود تحصيل الثمن ، فإذا أمكن تحصيله من غير خطرٍ كان أولى ، ولأنّ الوكالة المطلقة في البيع تدلّ على [ أنّ ](٣) حاجة الموكّل إلى الثمن ناجزة ، فلا يجوز تأخيره ، بخلاف المضاربة(٤) .

____________________

(١) المغني ٥ : ١٥٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٧.

(٢) المدوّنة الكبرى ٥ : ١١٦ ، الاستذكار ٢١ : ١٧٤ / ٣٠٩٣٧ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٤ / ١١٢١ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٥ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٢٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٧ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٢ ، الوسيط ٤ : ١١٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٧ ، البيان ٧ : ١٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٧ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٣٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٤١ / ١٧٠٧ ، المغني ٥ : ١٥٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٤.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من المغني والشرح الكبير.

(٤) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢ ، بدائع الصنائع ٦ : ٨٧ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٣٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٢٩ ، الفقه النافع ٣ : ١٢٩٣ / ١٠٥٣ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٤١ / ١٧٠٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٠ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٥ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٢٢ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٢ ، التهذيب =

٦٦

ولو قال له : اعمل برأيك ، فله البيع نسيئةً.

وكذا لو قال له : تصرَّفْ كيف شئت.

وقال الشافعي : ليس له البيع نسيئةً ؛ لأنّ فيه غرراً ، فلم يجز ، كما لو لم يقل له ذلك(١) .

وهو ممنوع ؛ لأنّه داخل في عموم لفظه ، وقرينة حاله تدلّ على رضاه برأيه في صفات البيع وفي أنواع التجارة ، وهذا منها.

إذا عرفت هذا ، فإذا باع نسيئةً في موضعٍ لا يجوز له فقد خالف مطلق الأمر ، فيقف على إجازة المالك ؛ لأنّه كالفضولي في هذا التصرّف.

وقال جماعة من العامّة منهم : الشافعي : إنّ البيع يبطل ، فيجب عليه ردّه ، فإن تعذّر فالمثل ، فإن تعذّر فالقيمة(٢) .

وكلّ موضعٍ يصحّ له البيع في النسيئة لا يكون على العامل ضمان إذا لم يفرّط ، فمهما فات من الثمن لا يكون عليه ضمانه ما لم يفرّط ببيع مَنْ لا يوثق به أو مَنْ لا يعرفه ، فيلزمه ضمان الثمن الذي انكسر على المشتري.

مسألة ٢٣٢ : كلّ موضعٍ قلنا : يلزم العامل الضمان - إمّا لمخالفة الأمر في البيع بالنسيئة من غير إذنٍ ، أو بالتفريط بأن يبيع على غير الموثوق به أو‌

____________________

= - للبغوي - ٤ : ٣٨٧ ، الاستذكار ٢١ : ١٧٤ / ٣٠٩٣٨ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٤ / ١١٢١ ، الذخيرة ٦ : ٧٣ ، المغني ٥ : ١٥٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٤ - ١٤٥.

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٢٢ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٣ ، المغني ٥ : ١٥٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٥.

(٢) المغني ٥ : ١٥٠ - ١٥١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٥ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٢٢ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٣.

٦٧

على مَنْ لا يعرفه - فإنّ الضمان عليه من حيث إنّ ذهاب الثمن حصل بتفريطه.

فإن قلنا بفساد البيع ، وجب عليه قيمته إن لم يكن مثليّاً ، أو كان وتعذّر إذا لم يتمكّن من استرجاعه إمّا لتلف المبيع ، أو لامتناع المشتري من ردّه إليه.

وإن قلنا بصحّة البيع ، احتُمل(١) أن يضمنه بقيمته أيضاً ؛ لأنّه لم يفت بالبيع أكثر منها ، ولا ينحفظ بتركه سواها ، وزيادة الثمن حصلت بتفريطه ، فلا يضمنها.

والأقرب : إنّه يضمن الثمن ؛ لأنّه ثبت بالبيع الصحيح ، ومَلَكه صاحب السلعة وقد فات بتفريط البائع.

ولو نقص الثمن عن القيمة ، لم يلزمه أكثر منه ؛ لأنّ الوجوب انتقل إليه ؛ بدليل أنّه لو حصل الثمن لم يضمن شيئاً.

مسألة ٢٣٣ : وكما ليس للعامل البيع نسيئةً إلّا بإذن المالك ، كذا ليس له أن يشتري نسيئةً إلّا بإذنه ؛ لأنّه ربما يتلف رأس المال ، فتبقى عهدة الثمن متعلّقةً بالمالك ، وذلك يستلزم إثبات مالٍ على المالك ، وهكذا قد يتلف ما يدفعه المالك إليه ، فيحتاج إلى دفع عوضه ، وذلك من أعظم المحاذير.

وإذا أذن له في البيع نسيئةً فَفَعَل ، وجب عليه الإشهاد ، كالوكيل إذا دفع الدَّيْن عن موكّله ، فإن ترك الإشهاد ضمن.

وإذا أذن له في البيع نسيئةً ، فإن منعه من البيع حالّاً ، أو قال له : بِعْه‌

____________________

(١) في « ث ، خ ، ر » : « يحتمل » بدل « احتُمل ».

٦٨

نسيئةً ، لم يكن له أن يبيعه حالّاً ؛ لأنّه مخالف لمقتضى أمره ، وقد تحصل للبائع فائدة ، وهي(١) أنّه لو باعه حالّاً لم يكن له تسليمه إلى المشتري إلّا بعد قبض الثمن ، وقد تتعلّق رغبة البائع بالتسليم قبل استيفاء الثمن خوفاً من الظالم.

ولو لم يمنعه من البيع حالّاً ، كان له ذلك ؛ لأنّه أنفع.

وإذا باعه حالّاً في موضع جوازه ، لم يجز له تسليمه إلى المشتري إلّا بعد استيفاء الثمن ، فإن سلّمه قبل استيفاء الثمن ضمن ، كالوكيل.

ولو كان مأذوناً له في التسليم قبل قبض الثمن ، سلّمه.

والأقرب : وجوب الإشهاد.

وقال الشافعي : لا يلزمه الإشهاد ؛ لأنّ العادة ما جرت بالإشهاد في البيع الحالّ(٢) .

مسألة ٢٣٤ : يجوز للعامل أن يبيع بالعرض إذا ظنّ حصول الفائدة فيه ، بخلاف الوكيل ؛ لأنّ الغرض من القراض الاسترباح بالبيع وقد يحصل بالبيع بالعرض ، فكان مشروعاً ، تحصيلاً لفائدة القراض.

وكذا يجوز له أن يشتري المعيب إذا رأى فيه ربحاً وإن لم يكن ذلك للوكيل ؛ لأنّ الشراء ليس للوكيل ، بل للموكّل ، وقد يطلب به القنية ، بخلاف العامل الذي يقع الشراء له وللمالك في الحقيقة ، ويطلب به إخراجه.

إذا ثبت هذا ، فإن اشتراه بقدر قيمته أو بدونها صحّ.

وللشافعيّة فيما إذا اشتراه بالقيمة وجهان ، أحدهما : المنع ؛ لأنّ‌

____________________

(١) في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « هو ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٧.

٦٩

الرغبات تقلّ في المعيب(١) .

وليس بشي‌ءٍ.

ولو اشتراه بظنّ السلامة فبانَ العيب ، فله أن يفعل ما يرى من المصلحة وما فيه الربح ، فإن كان الحظّ في الردّ بالعيب ردّه ، وإن كان الحظّ له في الإمساك بالأرش أمسكه بالأرش.

فإن اختلف المالك والعامل فاختار أحدهما الردَّ والآخَر الأرشَ ، فَعَل ما فيه النظر والحظّ ؛ لأنّ المقصود تحصيل الحظّ والفائدة.

ولا يمنعه من الردّ رضا المالك بإمساكه ، بخلاف الوكيل ؛ لأنّ العامل صاحب حقٍّ في المال.

ولو كانت الغبطة في إمساكه ، أمسكه.

وللشافعيّة وجهان في تمكّنه من الردّ إذا كانت الغبطة في إمساكه ، أظهرهما : المنع ؛ لإخلاله بمقصود العقد(٢) .

وحيث يثبت الردّ للعامل يثبت للمالك بطريق الأولى.

مسألة ٢٣٥ : إذا ثبت الردّ على البائع ، فإن ردّ العامل ردّ على البائع ، ونقض البيع.

وإن ردّ المالك فإن كان الشراء بعين مال القراض ، كان له الردّ على البائع أيضاً.

وإن كان العامل قد اشترى في ذمّته للقراض ، فالأقوى : إنّه كذلك ؛ لأنّ العامل في الحقيقة وكيل المالك.

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٧.

٧٠

وللشافعيّة قولان ، أحدهما : إنّ للمالك أن يصرفه عن مال القراض ، فينصرف إلى العامل على أحد القولين ، ولا ينصرف على القول الثاني ، كالخلاف في انصراف العقد إلى الوكيل إذا لم يقع للموكّل(١) .

مسألة ٢٣٦ : لا يجوز للمالك معاملة العامل في مال القراض بأن يشتري من مال القراض شيئاً ؛ لأنّه ملكه ، فلا تصحّ المعاملة عليه ؛ إذ لا يفيد انتقالاً آخَر إليه ، كما أنّ السيّد لا يصحّ أن يشتري من عبده المأذون له في التجارة شيئاً ، بخلاف السيّد مع مكاتَبه ، فإنّه يجوز أن يشتري منه ؛ لأنّ ما في يد المكاتَب قد انقطع تصرّف المولى عنه ، وصار ملكاً للمكاتَب ، ولهذا لو انعتق لم يملك السيّد منه شيئاً.

وقد خالف بعض الشافعيّة في العبد المأذون ، فقال : إذا ركبته الديون جاز للسيّد أن يشتري شيئاً ممّا في يده ؛ لأنّه لا حقّ له فيه ، وإنّما هو حقّ الغرماء(٢) . وهو غلط.

نعم ، يأخذه السيّد بقيمته ، كما يدفع قيمة العبد الجاني ، ولا يكون بيعاً.

وكذا ليس للمالك أن يأخذ من العامل من مال القراض بالشفعة ؛ لأنّه في الحقيقة يكون آخذاً من نفسه ، بل يملكه بعقد البيع.

وكذا ليس له أن يشتري من عبده القِنّ.

وله أن يشتري من المكاتَب المطلق وإن لم ينعتق منه شي‌ء ، ومن المكاتَب المشروط ؛ لانقطاع تصرّفات المولى عن ماله.

مسألة ٢٣٧ : لا يجوز للعامل أن يشتري بمال القراض أكثر من مال

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٧.

(٢) راجع : المغني ٥ : ١٧٢ ، والشرح الكبير ٥ : ١٦١.

٧١

القراض ؛ لأنّ المالك إنّما رضي من العامل أن يشغل ذمّته بما دفعه إليه لا بغيره ، فإن فَعَل واشترى بأكثر من مال القراض ، لم يقع ما زاد عن جهة القراض.

فإذا دفع إليه مائة قراضاً فاشترى بها عبداً للقراض ثمّ اشترى عبداً آخَر بمائةٍ للقراض أيضاً ، لم يقع الثاني للقراض ؛ لأنّه غير مأذونٍ فيه.

ثمّ إن اشترى الأوّل بعين المائة تعيّنت للبائع الأوّل ، فإن اشترى الثاني بعينها أيضاً بطل الثاني ؛ لأنّه اشترى بعين مال غيره لغيره.

وإن اشترى في الذمّة ، فقد اشترى بعد أن صارت المائة مستحقّةَ الدفع إلى البائع الأوّل.

وكذا إن اشترى الأوّل في الذمّة ثمّ اشترى الثاني بعينها ، لم يصح ؛ لوجوب صَرفها إلى البائع الأوّل.

وإن اشترى الثاني في الذمّة ، لم يبطل ، لكن ينصرف الشراء إلى العامل ، كما ينصرف شراء الوكيل المخالف لموكّله إليه ، دون الموكّل.

هذا إذا لم يُسمّ في العقد مع البائع شراءه للقراض ، فأمّا إن سمّاه فسد الثاني.

وإذا انصرف العبد الثاني إلى العامل ، فلو دفع المائة في ثمنه فقد تعدّى في مال القراض ، ودخلت المائة في ضمانه ، وأمّا العبد فيبقى أمانةً في يده ؛ لأنّه لم يتعدّ فيه.

فإن تلفت المائة ، فإن كان الشراء الأوّل بعينها انفسخ العقد بتلف الثمن المعيّن قبل الإقباض ، وإن كان في الذمّة لم ينفسخ ، ويثبت للمالك على العامل مائة ، والعبد الأوّل للمالك ، وعليه لبائعه مائة ، فإن أدّاها العامل بإذن المالك وشرط الرجوع ثبت له مائة على المالك ، وتقاصّا ، وإن أدّى‌

٧٢

من غير إذنه برئت ذمّة المالك من حقّ بائع العبد ، ويبقى حقّه على العامل.

مسألة ٢٣٨ : لا يجوز للعامل أن يشتري بمال القراض مَنْ يعتق على ربّ المال ؛ لأنّ ذلك منافٍ للاكتساب ؛ لأنّه تخسير محض ، فكان ممنوعاً منه.

فإن اشترى العامل فإمّا أن يشتريه بإذن صاحب المال ، أو بدون إذنه.

فإن اشتراه بإذنه ، صحّ الشراء ؛ لأنّه يجوز أن يشتريه بنفسه مباشرةً ، فإذا أذن لغيره فيه جاز ، وانعتق.

ثمّ إن لم يكن في المال ربحٌ عُتق على المالك ، وارتفع القراض بالكلّيّة إن اشتراه بجميع مال القراض ؛ لأنّه قد تلف ، وإن اشتراه ببعضه صار الباقي رأس المال.

وإن كان في المال ربحٌ ، فإن قلنا : إنّ العامل إنّما يملك نصيبه من الربح بالقسمة ، عُتق أيضاً ، وغرم المالك نصيبه من الربح ، فكأنّه استردّ طائفةً من المال بعد ظهور الربح وأتلفه ، والأقوى : أُجرة المثل.

وإن قلنا : إنّه يملك بالظهور ، عُتق منه حصّة رأس المال ونصيب المالك من الربح ، ويسري إلى الباقي إن كان موسراً ويغرمه ، وإن كان معسراً بقي رقيقاً ، وبه قال أكثر الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم : إن كان في المال ربحٌ وقد اشتراه ببعض مال القراض ، يُنظر إن اشتراه بقدر رأس المال عُتِق ، وكأنّ المالك استردّ رأس المال ، والباقي ربح يقتسمانه بحسب الشرط ، وإن اشتراه بأقلّ من رأس المال فهو محسوب من رأس المال ، وإن اشتراه بأكثر حُسب قدر رأس المال من‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٨ - ٢٠٩.

٧٣

رأس المال ، والزيادة من حصّة المالك ما أمكن(١) .

والظاهر عندهم : الأوّل(٢) ، وهو وقوعه سائغاً على ما سنذكر فيما إذا استردّ شيئاً من المال بعد الربح.

والحكم فيما إذا أعتق المالك عبداً من مال القراض كالحكم في شراء العامل مَنْ ينعتق عليه بإذنه.

وإن اشتراه العامل بغير إذن المالك ، فإن اشتراه بعين المال بطل الشراء ؛ لأنّ العامل اشترى ما ليس له أن يشتريه ، فكان بمثابة ما لو اشترى شيئاً بأكثر من ثمنه ، ولأنّ الإذن في المضاربة إنّما ينصرف إلى ما يمكن بيعه وتقليبه في التجارة والاسترباح منه ، ولا يتناول غير ذلك ، فإنّ في شراء مَنْ ينعتق على المالك تفويتَ رأس المال مع الربح ، فكان أولى بالبطلان.

وإن اشتراه في الذمّة ، فإن لم يذكر في العقد الشراءَ للقراض ولا لمالك المال وقع الشراء له ، ولزمه الثمن من ماله ، وليس له دفع الثمن من مال المضاربة ، فإن فَعَل ضمن ، ولو اشترى للقراض أو للمالك بطل ، وبه قال الشافعي(٣) .

وظاهر مذهب أحمد : إنّه يصحّ الشراء بعين المال ؛ لأنّه مالٌ متقوّم قابل للعقود ، فصحّ شراؤه ، كما لو اشتراه بإذن ربّ المال ، ثمّ يعتق(٤) على ربّ المال ؛ لأنّه دخل في ملكه فعُتِق عليه ، وتنفسخ المضاربة ؛ لتلف المال ، ويلزم العامل الضمان ، سواء علم أو لم يعلم ؛ لأنّ تلف مال‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٩ ، المغني ٥ : ١٥٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٨.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « ينعتق ».

٧٤

المضاربة حصل بسببه ، ولا فرق في الإتلاف الموجب للضمان بين العلم والجهل(١) .

وهو غلط ؛ لأنّه فعل غير مأذونٍ فيه ، ويلحق المالك به ضرر من إتلاف مالٍ ، فكان باطلاً.

فعلى قول أحمد له وجهان فيما يضمنه العامل :

أحدهما : قيمة العبد ؛ لأنّ الملك ثبت فيه ثمّ تلف بسببه ، فأشبه ما لو أتلفه بفعله.

والثاني : إنّه يضمن الثمن الذي اشتراه به ؛ لأنّ التفريط منه حصل ، فاشترى وبذل الثمن فيما يتلف بالشراء ، فكان ضمانه عليه ضمان ما فرّط فيه ، ومتى ظهر للمال ربح فللعامل حصّته منه(٢) .

وقال بعض أصحابه : إن لم يكن العامل عالماً بأنّه يعتق على ربّ المال لم يضمن ؛ لأنّ التلف حصل لمعنىً في المبيع لم يعلم به المشتري ، فلم يضمن ، كما لو اشترى معيباً لم يعلم بعيبه فتلف به. ثمّ قال : ويتوجّه أن لا يضمن وإن علم به(٣) .

تذنيب : لو اشترى مَنْ نذر المالكُ عتقَه ، صحّ الشراء إن لم يعلم العامل بالنذر ، وعُتِق على المالك ، ولا ضمان على العامل مع جهله.

مسألة ٢٣٩ : ليس للعامل أن يشتري زوج صاحبة المال لو كان صاحب المال امرأة ؛ لما فيه من تضرّرها ؛ إذ لو صحّ البيع لبطل النكاح ؛ لأنّها تكون قد مَلَكت زوجها ، وينفسخ النكاح ، ويسقط حقّها من النفقة‌

____________________

(١) المغني ٥ : ١٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٨ - ١٤٩.

(٢ و ٣) المغني ٥ : ١٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٩.

٧٥

والكسوة ، فلا يصحّ ، كما لو اشترى مَنْ ينعتق عليها ، والإذن إنّما يتناول شراء ما لها فيه حظّ ، ولا حظّ لها في شراء زوجها.

إذا عرفت هذا ، فإن اشتراه بإذنها صحّ قطعاً ؛ لأنّ لها أن تشتريه بنفسها ، فجاز أن تشتريه بوكيلها ، والعامل في الحقيقة وكيل صاحب المال ، وحينئذٍ يصحّ الشراء ، ويكون القراض بحاله ؛ لأنّه لا ينعتق عليها ، وينفسخ نكاحها.

وإن اشتراه بغير إذنها ، فسد الشراء بمعنى أنّه يكون موقوفاً على إجازتها ، فإن أجازته كان حكمه حكم المأذون له ، وإن فسخته بطل.

وللشافعي قولان :

أحدهما : إنّه يفسد الشراء ؛ لما تقدّم من منافاته لغرض القراض الذي يقصد منه الاسترباح.

والثاني : يصحّ الشراء - وبه قال أبو حنيفة - لأنّه اشترى ما يمكنه طلب الربح فيه ولا يتلف رأس المال ، فجاز ، كما لو اشترى مَنْ ليس بزوجٍ لها(١) .

والفرق ظاهر ؛ للتضرّر بالأوّل ، دون الثاني.

مسألة ٢٤٠ : وليس للعامل أن يشتري زوجة المالك ؛ لاشتماله على فسخ عقدٍ عَقَده باختياره وقصده ، فلا يليق أن يفعل ما ينافيه ، وبه قال الشافعي(٢) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٢٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٧ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٨ - ٣٣٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩١ ، البيان ٧ : ١٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٩ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٩٠ / ٢٤٦٨ ، المغني ٥ : ١٥٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٩.

(٢) الوسيط ٤ : ١١٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٩.

٧٦

وله قولٌ آخَر : إنّه يصحّ الشراء ، وينفسخ النكاح ، وبه قال بعض الحنابلة(١) .

ثمّ إن كان الشراء قبل الدخول ، ففي لزوم نصف الصداق للزوج وجهان ، فإن قلنا : يلزم ، رجع به على العامل ؛ لأنّه سبب تقريره عليه ، فيرجع به عليه ، كما لو أفسدت امرأة نكاحها بالرضاع.

ولو اشترى زوجَ صاحبة المال ، فللشافعيّة وجهان(٢) .

فعلى الصحّة لا يضمن العامل ما يفوت من المهر ويسقط من النفقة ؛ لأنّ ذلك لا يعود إلى المضاربة ، وإنّما هو بسببٍ آخَر ، ولا فرق بين شرائه في الذمّة أو بعين المال.

مسألة ٢٤١ : لو وكّل وكيلاً يشتري له عبداً ، فاشترى مَنْ ينعتق على الموكّل ، فالأقرب : إنّه لا يقع عن الموكّل ؛ لأنّ الظاهر أنّه يطلب عبد تجارةٍ أو عبد قُنيةٍ ، وشراء مَنْ ينعتق عليه لا يُحصّل واحداً من الغرضين ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.

والثاني - وهو الأظهر عندهم - : إنّه يقع للموكّل ؛ لأنّ اللفظ شامل ، فربما يرضى بشراء عبدٍ إن بقي له انتفع به ، وإن عُتِق عليه حصل له ثواب العتق ، وهذا بخلاف عامل القراض ؛ لأنّ عقد القراض مبنيٌّ على تحصيل الفائدة والاسترباح بتقليب المتاجر وبيعها وشرائها(٣) .

ولكنّ الأوّل أقوى.

فإن اشترى بالعين ، بطل الشراء ؛ لما فيه من تضرّر الموكّل بإخراج‌

____________________

(١) نفس المصادر مضافاً إلى : المغني ٥ : ١٥٦ ، والشرح الكبير ٥ : ١٤٩.

(٢) راجع : الهامش (١) من ص ٧٥.

(٣) الوسيط ٤ : ١١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٤ - ٢٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٩.

٧٧

ماله عن ملكه.

وإن اشترى في الذمّة ، فإن سمّى الموكّل وقف على الإجازة ، وإن لم يُسمّه وقع للوكيل في الظاهر.

مسألة ٢٤٢ : لو اشترى العامل أو الوكيل عبداً لصاحب المال عليه مالٌ بغير إذنه ، احتُمل البطلان ؛ لما فيه من تضرّر المالك بإسقاط ماله عن غيره بواسطة الشراء ؛ إذ ما يشتريه العامل للقراض أو الوكيل في الحقيقة لصاحب المال ، ولا يثبت للمولى على عبده شي‌ء ، فيؤدّي هذا الشراء الى إسقاط حقّه عنه.

ويحتمل الصحّة ؛ لأنّه مملوك يقبل النقل ، وصاحب المال يصحّ الشراء له فصحّ العقد ، كغيره.

لكنّ الأوّل أقرب.

فإن قلنا بالصحّة ، ففي تضمين العامل إشكال ينشأ من إسقاط الدَّيْن بواسطة فعله ، فكان ضامناً ؛ لأنّه سبب الإتلاف.

مسألة ٢٤٣ : إذا دفع السيّد إلى عبده المأذون له في التجارة مالاً وقال له : اشتر عبداً ، فهو كالوكيل ، وإن قال : اتّجر به ، فهو كالعامل.

وتقرير ذلك : إنّ العبد المأذون له في التجارة إذا اشترى مَنْ يعتق على سيّده ، فإن كان بإذن السيّد صحّ الشراء ، فإن لم يكن عليه دَيْنٌ عتق ، وإن كان على العبد دَيْنٌ فكذلك عندنا.

فإذا كان على المأذون دَيْنٌ يستغرق قيمته وما في يده وقلنا : يتعلّق الدَّيْن برقبته ، فعليه دفع قيمته الى الغرماء ؛ لأنّه الذي أتلف [ عليهم ](١)

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « عليه ». والصحيح ما أثبتناه.

٧٨

بالعتق.

وللشافعي قولان في نفوذ العتق فيه ؛ لأنّ ما في يد العبد كالمرهون بالديون(١) .

وإن اشترى بغير إذن سيّده وكان المولى قد نهاه عن شرائه ، بطل الشراء ، سواء كان عليه دَيْنٌ أو لم يكن ؛ لأنّ العبد لا يملك البيع والشراء إلّا بإذن مولاه ، فإذا نهاه لم يملكهما.

وإن كان المالك قد أطلق الإذن ولم يأذن في شراء قريبه ولا نهاه عنه ، فالأقرب : البطلان أيضاً ؛ لأنّ إذنه يتضمّن ما فيه حظٌّ ويمكنه التجارة فيه ، فلا يتناول مَنْ ينعتق(٢) عليه ، كالعامل إذا اشترى مَنْ ينعتق(٣) على ربّ المال ، وهو أحد قولَي الشافعي.

والثاني : إنّه يصحّ الشراء ؛ لأنّ الشراء يقع للسيّد لا حقّ للعبد فيه ؛ إذ لا يتمكّن العبد من الشراء لنفسه ، وإنّما يشتريه لمولاه ، فإذا أطلق الإذن انصرف ما يشتريه إليه ، مقيّداً كان أو غير مقيّدٍ ، بخلاف العامل ، فإنّه يمكنه الشراء لنفسه ، كما يمكنه الشراء للمالك ، فما لا يقع مقصوداً بالإذن ظاهراً ينصرف إلى العامل(٤) .

والأوّل عندهم أصحّ - وبه قال المزني - كما قلنا في العامل ؛ لأنّ السيّد إنّما أذن في التجارة ، وهذا ليس منها(٥) .

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٠٦ ، البيان ٧ : ٢١٢ - ٢١٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٩.

(٢ و ٣) في « ج » : « يعتق ».

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٣٢٥ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٩.

(٥) بحر المذهب ٩ : ٢٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٥.

٧٩

وقطع الجويني بهذا القول فيما إذا كان الإذن في التجارة ، وردّ الخلاف إلى ما إذا قال : تصرَّفْ في هذا المال واشتر عبداً(١) ، فلهذا قيل : إن قال السيّد : اشتر عبداً ، فهو كالوكيل ، وإن قال : اتّجر ، فهو كالعامل(٢) .

إذا عرفت هذا ، فإذا اشترى العبد أبَ مولاه ، فإن قلنا : لا يصحّ ، فلا بحث.

وإن قلنا : يصحّ ، فإن لم يكن عليه دَيْنٌ عتق.

وإن كان على العبد دَيْنٌ ، فللشافعيّة ثلاثة أوجُهٍ :

أحدها : إنّه يبطل الشراء ؛ لأنّ الدَّيْن يمنع من عتقه ، فبطلان العقد أحسن.

والثاني : إنّه يصحّ ولا يعتق.

والثالث : يعتق عليه ، وتكون ديون الغرماء في ذمة السيّد(٣) .

وقال أبو حنيفة : إن لم يكن دفع إليه المال وإنّما أذن له في التجارة صحّ الشراء ، وعتق على مولاه ، وإن كان دفع إليه مالاً لم يصح الشراء ، كالمضارب ؛ لأنّ العبد إذا لم يدفع إليه المال فإنّما يشتري لنفسه ، ولهذا لا يصحّ نهيه عن نوعٍ أو سلعةٍ ، وإذا لم يكن يشتري له صحّ شراؤه له ، ولم يعتق عليه ، كالأجنبيّ(٤) .

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّه إذن مطلق في الشراء ، فلا يتناول مَنْ يعتق على

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٩.

(٢) الوجيز ١ : ٢٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٥.

(٣) بحر المذهب ٩ : ٢٠٦.

(٤) بحر المذهب ٩ : ٢٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٥ ، المغني ٥ : ١٥٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٠.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466