تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

تذكرة الفقهاء16%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 978-964-319-530-4
الصفحات: 466

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156600 / تحميل: 5497
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٩٦٤-٣١٩-٥٣٠-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

بخلاف الغرس(١) .

فإن قال صاحب الغرس : لا تقلعه وعلَيَّ أُجرة الأرض ، لم يُجبر صاحب الأرض عليه ؛ لأنّ أحداً لا يملك الانتفاع بملك غيره بأُجرته إلّا برضاه.

ولو انعكس الفرض ، فقال صاحب الأرض : أقرّه في الأرض وادفع إلَيَّ الأُجرة ، وقال الغارس : اقلعه وعليك ما نقص ، لم تجب إجابته ؛ لأنّ صاحب الغرس لا يُجبر على اكتراء الأرض له.

ولو قال صاحب الأرض : خُذْ قيمته ، وقال الغارس : بل أقلعه وعلَيَّ ما نقص ، فالقول قول الغارس ؛ لأنّا لا نجبره على بيع ماله.

ولو قال ربّ الأرض : اقلعه وعلَيَّ ما نقص ، وقال الغارس : ادفع إلَيَّ قيمته ، قدّم قول صاحب الأرض ؛ لأنّا لا نجبره على ابتياع مال غيره.

ولو قال ربّ الأرض : خُذ القيمة ، وقال الغارس : خُذ الأُجرة وأقرّه في الأرض ، أو قال الغارس : ادفع إلَيَّ قيمته ، وقال ربّ المال : ادفع إلَيَّ الأُجرة وأقرّه ، لم يُجبَر واحد منهما على ذلك.

مسألة ٢١٦ : إذا أذن المالك للعامل في التصرّف وأطلق ، اقتضى الإطلاق فعل ما يتولّاه المالك من عرض القماش على المشترين والراغبين ونشره وطيّه وإحرازه وبيعه وقبض ثمنه وإيداعه الصندوق واستئجار ما يعتاد للاستئجار له ، كالدلّال والوزّان والحمّال.

ولو استأجر لما يجب عليه مباشرته ، كانت الأُجرة عليه خاصّةً ، ولو‌ عمل بنفسه ما يستأجر له عادةً ، لم يستحق أُجرةً ؛ لأنّه متبرّع في ذلك ،

____________________

(١) راجع : التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٧٩ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٣ ، وروضة الطالبين ٣ : ١٩٩.

٤١

وفي الأوّل استأجر لما يجب عليه فعله ، فتكون الأُجرة عليه.

مسألة ٢١٧ : لو خصّص المالك الإذنَ ، تخصّص ، فلا يجوز للعامل التعدّي ، فإن خالف ضمن ، ولا يبطل القراض بالتخصيص ، فلو قال له : لا تشتر إلّا من رجلٍ بعينه ، أو سلعة بعينها ، أو لا تبع إلّا على زيد ، أو لا تشتر إلّا ثمرة بستانٍ معيّن ، أو نخلة بعينها ، أو لا تشتر إلّا ثوباً بعينه ، جاز ، ولزم هذا الشرط ، وصحّ القراض ، سواء كان وجود ما عيّنه عامّاً في الأصقاع والأزمان ، أو في أحدهما ، أو خاصّاً فيهما ، وسواء قلّ وجوده وعزّ تحصيله وكان نادراً ، أو كثر ، عند علمائنا - وبه قال أبو حنيفة وأحمد(١) - لأنّه لـمّا جاز أن تكون المضاربة خاصّةً في نوعٍ جاز أن تكون خاصّةً في رجلٍ بعينه أو سلعةٍ بعينها ، كالوكالة.

ولما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام : في الرجل يعطي الرجل مضاربةً فيخالف ما شرط عليه ، قال : « هو ضامن ، والربح بينهما »(٢) .

وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يعطي المال مضاربةً وينهى أن يخرج به ، فيخرج به ، قال : « يضمن المال ، والربح بينهما »(٣) .

وفي الصحيح عن رجلٍ(٤) عن الصادقعليه‌السلام : في رجلٍ دفع إلى رجلٍ‌

____________________

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢ ، بدائع الصنائع ٦ : ٩٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٣١ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٨٧ / ٣٤٥٤ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٠٤ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٣٨ ، الاستذكار ٢١ : ١٤١ / ٣٠٨١٥ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٥ / ١٢٤٩ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، المغني ٥ : ١٨٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٥.

(٢) التهذيب ٧ : ١٩٠ / ٨٣٨.

(٣) التهذيب ٧ : ١٨٩ / ٨٣٦.

(٤) كذا قوله : « رجل » في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة ، وبدله في المصدر : « جميل ».

٤٢

مالاً يشتري به ضرباً من المتاع مضاربةً ، فذهب فاشترى غير الذي أمره ، قال : « هو ضامن ، والربح بينهما على ما شرط »(١) .

وقال الشافعي ومالك : يشترط في صحّة القراض أن لا يضيّق المالك على العامل بالتعيين ، فلو عيّن المالك نوعاً بعينه ، فإن كان ممّا يندر وجوده كالياقوت الأحمر والخَزّ الأدكن والخيل البُلق والصيد حيث يوجد نادراً ، فسد القراض ؛ لأنّ هذا تضييق يُخلّ بمقصوده ، وهو التقليب وطلب الربح.

وإن لم يكن نادرَ الوجود فإن كان ممّا يدوم شتاءً وصيفاً - كالحبوب والحيوان والخَزّ والبَزّ - صحّ القراض ، وإن لم يدم كالثمار الرطبة ، فوجهان ، أحدهما : إنّه لا يجوز ، كما إذا قارضه مدّةً معيّنة ، ومَنَعه من التصرّف بعدها.

ولو قال : لا تشتر إلّا من رجلٍ بعينه ، أو سلعة بعينها ، لم يصح القراض - وبه قال مالك - لأنّ ذلك [ يمنع ](٢) مقصود القراض ، وهو التقليب وطلب الربح ، لأنّه إذا لم يشتر إلّا من رجلٍ بعينه فإنّه قد لا يبيعه ، وقد يطلب منه أكثر من ثمنه ، وكذا السلعة ، وإذا كان كذلك لم يصح ، كما لو قال : لا تبع ولا تشتر إلّا من فلان(٣) .

والجواب : نمنع كون هذا الشرط مانعاً من مقصود القراض.

نعم ، إنّه يكون مخصّصاً للإطلاق ، وذلك جائز بالإجماع ، فكذا هنا.

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٩٣ / ٨٥٣.

(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٤ - ٣١٦ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٦ - ١٩٧ ، الوسيط ٤ : ١٠٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، البيان ٧ : ١٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠١ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٨٧ / ٣٤٥٥ ، الاستذكار ٢١ : ١٤١ / ٣٠٨١٣ ، و ١٤٢ / ٣٠٨١٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٣٨ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٤ / ١٢٤٩ ، المغني ٥ : ١٨٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٥ - ١٢٦.

٤٣

فروع :

أ - لو شرط أن لا يشتري إلّا نوعاً بعينه ، وذلك النوع يوجد في بعض السنة وينقطع ، جاز عندنا وعند أكثر الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم : لا يجوز(٢) ؛ لأنّ الشافعي قال بعد هذه المسألة : وإن اشترط أن يشتري صيداً موجوداً كما إذا قارضه مدّةً وشرط أنّها إذا انقضت لا يبيع ولا يشتري ، فإنّه لا يصحّ القراض(٣) .

والصحيح عندهم : الأوّل(٤) ؛ لأنّ ذلك لا يمنع مقصود المضاربة ، بخلاف ما إذا قدّره بمدّةٍ ؛ لأنّه قد تنقضي المدّة وبيده أعيان لا فائدة فيها إلّا ببيعها ، فإذا منعه البيع تعذّر المقصود بالمضاربة ، وما ذكرناه لا يوجد فيه ذلك ، فافترقا ، على أنّا نمنع بطلان القراض مع الاقتران بالمدّة ، أقصى ما في الباب أنّ هذا التأقيت لا يفيد إلّا منع العامل من العمل بعدها ،

ب - لو قال : اشتر هذا الشي‌ء - وكان ممّا ينقطع - فإذا انقطع فتصرَّف في كذا ، جاز.

أمّا عندنا : فظاهر.

وأمّا عند الشافعي : فلدوام القراض(٥) .

ج - لا فرق عندنا بين أن يقول : لا تشتر إلّا هذه السلعة وإلّا هذا العبد ، وبين أن يقول : لا تشتر هذا العبد ولا هذه السلعة في الجواز.

____________________

(١ و ٢ و ٤) حلية العلماء ٥ : ٣٤٥.

(٣) لم نهتد إلى مظانّه فيما بين أيدينا من المصادر.

(٥) راجع : بحر المذهب ٩ : ١٩٧ ، والتهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ - ٣٨٥ ، والبيان ٧ : ١٧٣ ، والعزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، وروضة الطالبين ٤ : ٢٠١.

٤٤

ومَنَع الشافعي من الأوّل - كما تقدّم(١) - دون الثاني ؛ لأنّ للعامل السعي فيما سواهما ، وهو كثير لا ينحصر(٢) .

د - لا فرق عندنا بين أن يقول المالك : لا تبع إلّا من فلان ولا تشتر إلّا من فلان ، وبين أن يقول : لا تبع من فلان ، أو لا تشتر منه في جواز القراض ووجوب الامتثال.

وفرّق أكثر الشافعيّة فجوّزوا الثاني دون الأوّل(٣) على ما مرّ(٤) .

وقال بعضهم : إنّ الثاني لا يجوز أيضاً كالأوّل(٥) .

ه - لا فرق بين أن يعيّن شخصاً للمعاملة وسلعةً للشراء لا ينقطع عنده المتاع الذي يتّجر على نوعه غالبا ، وبين شخصٍ ينقطع عنده ذلك المتاع الذي يتّجر على نوعه غالباً في جواز القراض معهما.

وأكثر الشافعيّة على عدم الفرق في عدم الجواز معهما(٦) .

وقال بعض الشافعيّة : يجوز في الأوّل دون الثاني ، فقال : إذا كان الشخص - الذي نصّ المالك على تعيين المعاملة معه - بيّاعاً لا ينقطع عنده المتاع الذي يتّجر على نوعه غالباً ، جاز تعيينه(٧) .

مسألة ٢١٨ : يجوز للمالك أن يطلق المشيئة إلى العامل في شراء أيّ نوعٍ شاء وبيع أيّ نوعٍ أراد ، ولا يشترط في صحّة القراض تعيين نوعٍ يتصرّف فيه العامل ؛ لأنّ الغرض تحصيل الفائدة والاسترباح ، فربما رأى العامل المصلحة في نوعٍ يخفى عن المالك ، فكان له أن يفوّض الأمر إليه‌

____________________

(١) في ص ٤٢.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠١.

(٣ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠١.

(٤) في ص ٤٢.

(٦ و ٧) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠١.

٤٥

تحصيلاً للغاية الذاتيّة.

وللشافعيّة قولان في اشتراط تعيين نوعٍ يتصرّف فيه العامل ، كالخلاف في الوكالة.

والظاهر عندهم : إنّه لا يشترط ؛ لأنّ الوكالة نيابة محضة ، والحاجة تمسّ إليها في الأشغال الخاصّة ، والقراض معاملة يتعلّق بها غرض كلّ واحدٍ من المتعاقدين ، فمهما كان العامل أبسط يداً كان أفضى إلى مقصودها(١) .

ونحن نجوّز تعميم المشيئة للوكيل.

مسألة ٢١٩ : لا خلاف في أنّه إذا جرى تعيين صحيح ، لم يكن للعامل مجاوزته ، ولا له العدول عنه ، كما في سائر التصرّفات المستفادة من الإذن ، فإن تجاوز ضمن ، وإن ربح كان الربح بينهما على ما شرطاه ؛ لما تقدّم(٢) من الروايات.

ولما رواه أبو بصير عن الصادقعليه‌السلام في الرجل يعطي الرجل مالاً مضاربةً وينهاه عن أن يخرج به إلى أرض أُخرى ، فعصاه ، فقال : « هو له ضامن ، والربح بينهما إذا خالف شرطه وعصاه »(٣) .

إذا عرفت هذا ، فالإذن في البزّ يتناول كلّ ما يُلبس من المنسوج من الإبريسم أو القطن أو الكتّان أو الصوف ، ولا يتناول البُسُط والفُرُش.

وفي الأكسية احتمال ؛ لأنّها ملبوسة ، لكن بائعها لا يُسمّى بزّازاً.

والأقرب : اتّباع الاسم.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ - ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٢) في ص ٤١ - ٤٢.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٨ ، الهامش (٩)

٤٦

وللشافعيّة فيه وجهان(١) .

مسألة ٢٢٠ : قد بيّنّا أنّ المضاربة عقد جائز من الطرفين لكلٍّ منهما فسخها متى شاء ، وهي تتضمّن تصرّف العامل في رقبة مال ربّ المال بإذنه ، فكان جائزاً كالوكالة ، فلا معنى للتأقيت فيها ، ولا يعتبر فيها بيان المدّة ، بخلاف المساقاة ؛ لأنّ العامل في المساقاة لا يتصرّف في رقبة المال ، وإنّما يعمل في إصلاح المال ، ولهذا افتقرت المساقاة إلى مدّةٍ معلومة ، والمقصود من المساقاة الثمرة ، وهي تنضبط بالمدّة ، فإنّ للثمرة أمداً معيّناً ووقتاً مضبوطاً ، أمّا المقصود من القراض فليس له مدّة مضبوطة ، فلم يشترط فيه التأقيت.

إذا عرفت هذا ، فلو وقّت القراض فقال : قارضتك على هذا المال سنةً ، فلا يخلو إمّا أن يُطلق أو يُقيّد.

فإن أطلق واقتصر ، لم يلزم التأقيت ، ولكلٍّ من المالك والعامل فسخ القراض قبل السنة.

نعم ، إنّه يفيد منع العامل بعد ذلك من التصرّفات إلّا بإذنٍ مستأنف ؛ لأنّ الأصل عصمة مال الغير ، ومنع الغير من التصرّف فيه إلّا بإذن مالكه ، والإذن لم يقع عامّاً ، فيتبع ما عيّنه المالك.

وإن قيّد فقال : قارضتك سنةً فإذا انقضت لا تبع ولا تشتر ، فالأقوى(٢) عندي : الجواز ؛ عملاً بالشرط ، ولأنّه مقتضى الإطلاق.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٧ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٥ ، البيان ٧ : ١٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٢) في « ث ، ج ، ر » : « فالأقرب » بدل « فالأقوى ».

٤٧

وقال الشافعي : يبطل القراض ؛ لأنّه شرط شرطاً فاسداً فأفسده ؛ لأنّ عقد القراض يقع مطلقاً ، فإذا شرط قطعه لم يصح ، كالنكاح ، ولأنّ هذا الشرط ليس من مقتضى العقد ، ولا له فيه مصلحة ، فلم يصح ، كما لو قال : على أن لا تبع ، وإنّما لم يكن من مقتضاه ؛ لأنّ القراض يقتضي ردّ رأس المال تامّاً ، فإذا منعه من التصرّف لم يكن له ذلك ، ولأنّ هذا الشرط يؤدّي إلى الإضرار بالعامل وإبطال غرضه ؛ لأنّ الربح والحظّ قد يكون في تبقية المتاع وبيعه بعد سنةٍ ، فيمنع ذلك مقتضاه(١) .

ونحن نمنع فساد العقد ؛ فإنّه المتنازع. نعم ، إنّه لا يلزم وقوع العقد مطلقاً ، ولا ينافي قطعه بالشرط ، كسائر الشروط في العقود ، والمقيس عليه ممنوع على ما يأتي ، وإنّما يقتضي القراض ردّ رأس المال لو لم يمنعه المالك ، وبالشرط قد منعه ، وإضرار العامل ينتفي بدفع أُجرته إليه ، ومراعاة مصلحة العامل كمراعاة مصلحة المالك ، فقد يكون المالك محتاجاً إلى رأس ماله.

مسألة ٢٢١ : لو قال : قارضتك سنةً على أنّي لا أملك منعك فيها ، فسد القراض ؛ لأنّ القراض من العقود الجائزة لكلٍّ من المتعاقدين فسخه ، فلا يجوز أن يشترط فيه لزومه ، كالشركة والوكالة ؛ لأنّه شرط ما ينافي مقتضى العقد ، وكذا لو قال : قارضتك سنةً على أنّي(٢) لا أملك الفسخ قبل‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣١١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٥ ، الوجيز ١ : ٢٢٢ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٣ ، البيان ٧ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢ ، المغني ٥ : ١٨٥ - ١٨٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٨.

(٢) في « خ » والطبعة الحجريّة : « أن » بدل « أنّي ».

٤٨

انقضائها ، وبه قال الشافعي(١) أيضاً.

ولو قال : قارضتك سنةً فإذا انقضت السنة فلا تشتر بعدها وبِعْ ، صحّ القراض ، وبه قال الشافعي(٢) أيضاً ، وكذا لو قال : قارضتك سنةً على أن لا تشتر بعد السنة ولك البيع ؛ لأنّ لصاحب المال أن يرجع عن القراض أيّ وقتٍ شاء ، ويتمكّن من منع العامل من الشراء مهما شاء ، فإذا شرط منعه من الشراء ، كان قد شرط ما يقتضيه الإطلاق ، فلا يمنع ذلك صحّة العقد.

ولو قال : قارضتك سنةً فإذا مضت فلا تبع بعدها ، فالأقرب : الصحّة.

وقال الشافعي : إنّه يبطل ، وصار كما لو شرط منعه من التصرّف مطلقاً بعد السنة ؛ لأنّه يُخلّ بمقصود العقد ، ويخالف مقتضاه.

أمّا أنّه يُخلّ بالمقصود : فلأنّه قد لا يجد راغباً في المدّة ، فلا تحصل التجارة والربح.

وأمّا مخالفة مقتضاه : فلأنّه قد يكون عنده عروض عند انقضاء السنة ، وقضيّة عقد القراض أن ينضّ العامل ما في يده في آخر الآمر ليتميّز رأس المال عن الربح(٣) .

وقد بيّنّا أنّ للعامل مع فسخ العقد الأُجرة ، وهو يدفع المحاذير.

ولو قال : قارضتك سنةً ، وأطلق ، فقد بيّنّا الجواز عندنا ، وعدم‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣١١ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، البيان ٧ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، البيان ٧ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٣) الوسيط ٤ : ١٠٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

٤٩

اللزوم.

وللشافعيّة وجهان :

أصحّهما عندهم : المنع ؛ لأنّ قضيّة انتفاء القراض امتناع التصرّف بالكلّيّة ، ولأنّ ما يجوز فيه الإطلاق من العقود لا يجوز فيه التأقيت ، كالبيع والنكاح.

والثاني : يجوز ، ويُحمل على المنع من الشراء دون البيع ، استدامةً للعقد(١) .

على أنّ لهم وجهاً ضعيفاً فيما إذا قارضه سنةً وشرط أن لا يشتري بعدها ، قاضياً بالبطلان ؛ لأنّ ما وضعه على الإطلاق من العقود لا يجوز فيه التأقيت(٢) .

لكن المعتمد عندهم : الجواز(٣) .

تذنيب : لو قال : قارضتك الآن ولكن لا تتصرّف حتى يجي‌ء رأس الشهر ، جاز ؛ عملاً بمقتضى الشرط - وهو أحد وجهي الشافعيّة - كما جاز في الوكالة.

والثاني - وهو الأصحّ عندهم - : المنع ، كما لو قال : بعتك بشرط أن لا تملك إلّا بعد شهرٍ(٤) .

____________________

(١) الوسيط ٤ : ١١٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، البيان ٧ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٢ و ٣) الوسيط ٤ : ١١٠ ، البيان ٧ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

٥٠

والفرق ظاهر.

البحث الخامس : في الربح.

وشروطه أربعة :

الأوّل : اختصاصه بالمتعاقدين ، فلو شرط بعض الربح لغيرهما ، لم يصح ، سواء كان قريباً أو بعيداً ، كما لو قال : على أن يكون لك ثلث الربح ، ولي الثلث ، ولزوجتي أو لابني أو لأجنبيٍّ الثلثُ الآخَر ، ويبطل القراض ؛ لأنّه ليس بعاملٍ ولا مالكٍ للمال.

أمّا لو شرط عمل الثالث فإنّه يصحّ ، ويكون في الحقيقة هنا عاملان لا واحد.

ولو كان المشروط له عبدَ المالك أو عبدَ العامل ، فقد بيّنّا أنّه يجوز ؛ لأنّه يكون ما شرطه للعبد للمالك ، فقد ضمّ المالك أو العامل إلى حصّته حصّةً أُخرى.

ولو قال : نصف الربح لك ونصفه لي ومن نصيبي نصفه لزوجتي ، صحّ القراض ، وكان ما عيّنه للزوجة وعداً منه لها إن شاء أعطاها وإن شاء منعها.

ولو قال للعامل : لك الثلثان على أن تعطي امرأتَك نصفَه أو ابنك ، لم يلزم الشرط ، فإن أوجبه فالأقوى : البطلان.

وقال بعض الشافعيّة : إن أوجب ذلك عليه فسد القراض ، وإلّا‌

٥١

لم يفسد(١) .

الشرط الثاني : أن يكون الربح مشتركاً بينهما ، فلو شرط أن يكون جميع الربح للمالك بأن قال : قارضتك على أن يكون جميع الربح لي ، فسد القراض - وبه قال الشافعي(٢) - لمنافاة الشرط مقتضاه ؛ فإنّ مقتضاه الاشتراك في الربح ؛ لأنّ إسحاق بن عمّار سأل الكاظمَعليه‌السلام : عن مال المضاربة ، قال : « الربح بينهما ، والوضيعة على المال »(٣) .

وقال أبو حنيفة : إنّه يبطل القراض ، ويكون بضاعةً(٤) .

وقال مالك : يصحّ القراض ، ويكون الربح للمالك ؛ عملاً بشرطه ، لأنّهما دخلا في القراض ، فإذا شرط الربح لأحدهما جعل كأنّه وهب له الآخَر نصيبه ، فلا يمنع ذلك صحّة العقد(٥) .

وهو غلط ؛ لأنّ الهبة لا تصحّ قبل حصول الموهوب.

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ١٩٥ ، البيان ٧ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٣٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٢ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٩ ، الوسيط ٤ : ١١١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨١ ، البيان ٧ : ١٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ / ١١١٦ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٨١ / ٣٤١٩ ، المغني ٥ : ١٤٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٢.

(٣) التهذيب ٧ : ١٨٨ / ٨٢٩ ، الاستبصار ٣ : ١٢٦ / ٤٥٢.

(٤) الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٢٨ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٢٤ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٠٢ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٨١ / ٣٤١٨ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٢ - ٣٣٣ ، البيان ٧ : ١٦٨ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ - ٦٤٣ / ١١١٦ ، المغني ٥ : ١٤٤ - ١٤٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٢.

(٥) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ / ١١١٦ ، المعونة ٢ : ١١٢٣ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، المغني ٥ : ١٤٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٢.

٥٢

ولو قال : قارضتك على أن يكون جميع الربح لك ، فسد القراض أيضاً عندنا - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(١) - لما تقدّم(٢) .

وقال مالك : يصحّ ، ويكون الربح بأسره للعامل ؛ لأنّهما دخلا في القراض ، فإذا شرط الربح للعامل أو المالك ، كان لمن جعل له ، كأنّ المالك قد وهبه نصيبه من الربح ، فلا يمنع ذلك صحّة العقد(٣) .

وقد تقدّم(٤) بطلانه ، وأنّ هذا الشرط منافٍ للقراض ؛ لاقتضاء القراض كون الربح بينهما ؛ لأنّه عبارة عن أن يكون من أحدهما المال ومن الآخَر العمل ، وذلك يقتضي الاشتراك ، فإذا شرطا ما يخالف ذلك فسد ، كشركة العنان إذا شرطا أن يكون الربح لأحدهما.

إذا عرفت هذا ، فإذا قال : قارضتك على أن يكون الربح كلّه لك ، فالقراض فاسد.

وما حكمه؟ للشافعيّة وجهان :

أحدهما : إنّه قراض فاسد ؛ رعايةً للّفظ.

والثاني : إنّه قرض صحيح ؛ رعايةً للمعنى(٥) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٣٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٢ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٢ - ٣٣٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨١ ، البيان ٧ : ١٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٢٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٣٨ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ / ١١١٦ ، المعونة ٢ : ١١٢٣ ، المغني ٥ : ١٤٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٢.

(٢) في ص ٥١.

(٣) بداية المجتهد ٢ : ٢٣٨ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ / ١١١٦ ، المعونة ٢ : ١١٢٣ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، المغني ٥ : ١٤٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٢.

(٤) في ص ٥١.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨١ ، البيان ٧ : ١٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ - ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

٥٣

ولو قال : قارضتك على أنّ الربح كلّه لي ، فهو قراض فاسد أو إبضاع؟ فيه الوجهان للشافعيّة(١) .

أمّا لو قال : خُذْ هذه الدراهم وتصرَّفْ فيها والربح كلّه لك ، فهو قرض صحيح ، وبه قال ابن سريج(٢) ، بخلاف ما لو قال : قارضتك على أنّ الربح كلّه لك ؛ لتصريح اللّفظ بعقدٍ آخَر.

وقال بعض الشافعيّة : لا فرق بين الصورتين(٣) .

وليس جيّداً.

وعن بعضهم : إنّ الربح والخسران للمالك ، وللعامل أُجرة المثل ، ولا يكون قرضاً ؛ لأنّه لم يملكه(٤) .

ولو قال : تصرَّفْ في هذه الدراهم والربح كلّه لي ، فهو إبضاع.

مسألة ٢٢٢ : لو ضمّن المالكُ العاملَ ، انقلب القراض قرضاً ، وكان الربح بأسره للعامل ؛ لأنّ عقد القراض ينافي الضمان.

ولما رواه محمّد بن قيس عن الباقرعليه‌السلام قال : « مَنْ ضمّن مُضاربه فليس له إلّا رأس المال ، وليس له من الربح شي‌ء »(٥) .

وعن محمّد بن قيس عن الباقرعليه‌السلام قال : « مَنْ ضمّن تاجراً فليس له إلّا رأس ماله ، وليس له من الربح شي‌ء »(٦) .

إذا عرفت هذا ، فإن أراد المالك الاستيثاق ، أقرضه بعضَ المال ،

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٢٠ ، البيان ٧ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٢) البيان ٧ : ١٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٥) التهذيب ٧ : ١٨٨ / ٨٣٠ ، الاستبصار ٣ : ١٢٦ - ١٢٧ / ٤٥٣.

(٦) الكافي ٥ : ٢٤٠ / ٣ ، التهذيب ٧ : ١٩٢ - ١٩٣ / ٨٥٢.

٥٤

وضاربه على الباقي ، ويكون ذلك قرضاً صحيحاً وقراضاً جائزاً ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما سائغ ، ولم يحدث عند الاجتماع شي‌ء زائد.

ولما رواه عبد الملك بن عتبة قال : سألتُ بعضَ هؤلاء - يعني أبا يوسف وأبا حنيفة - فقلت: إنّي لا أزال أدفع المال مضاربةً إلى الرجل فيقول : قد ضاع ، أو قد ذهب ، قال : فادفع إليه أكثره قرضاً والباقي مضاربةً ، فسألت أبا عبد الله الصادقعليه‌السلام عن ذلك ، فقال : « يجوز »(١) .

وسأل عبدُ الملك بن عتبة الكاظمَعليه‌السلام : هل يستقيم لصاحب المال إذا أراد الاستيثاق لنفسه أن يجعل بعضه شركةً ليكون أوثق له في ماله؟ قال : « لا بأس به »(٢) .

الشرط الثالث : أن تكون الحصّة لكلٍّ منهما معلومة ، فلو قارضه على أن يكون له في الربح شركة أو نصيب أو حصّة أو شي‌ء أو سهم أو حظّ أو جزء ، ولم يبيّن ، بطل القراض ، ولا(٣) يحمل الشي‌ء ولا السهم ولا الجزء على الوصيّة ؛ اقتصاراً بالنقل على مورده ، ولا خلاف في بطلان القراض مع تجهيل الربح.

ولو قال : خُذْه مضاربةً ولك من الربح مثل ما شرطه فلان لعامله ، فإن علما معاً ما شرطه فلانٌ صحّ ؛ لأنّهما أشارا إلى معلومٍ عندهما ، ولو جهلاه معاً أو أحدهما بطل القراض ؛ لأنّه مجهول.

ولو قال : والربح بيننا ، ولم يقل : نصفين ، صحّ ، وحُكم بالنصف للعامل والنصف للمالك ، كما لو أقرّ بالمال ، ولو قال : إنّه بيني وبين فلان ،

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٨٨ - ١٨٩ / ٨٣٢ ، الاستبصار ٣ : ١٢٧ / ٤٥٥.

(٢) التهذيب ٧ : ١٨٩ / ٨٣٣ ، الاستبصار ٣ : ١٢٧ / ٤٥٦.

(٣) فيما عدا « ج » من النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « ولم » بدل « ولا ».

٥٥

فإنّه يكون إقراراً بالنصف ، فكذا هنا ، والأصل في ذلك أصالة عدم التفاوت ، وقد أضاف الربح إليهما إضافة واحدة ، لم يرجّح فيها أحدهما على الآخَر ، فاقتضى التسوية ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

والثاني : الفساد ؛ لأنّه لم يبيّن ما لكلّ واحدٍ منهما ، فأشبه ما إذا شرطا أن يكون الربح بينهما أثلاثاً ، ولم يبيّن صاحب الثلثين مَنْ هو ، ولا صاحب الثلث مَنْ هو ، ولأنّ التثنية تصدق مع التفاوت كصدقها مع التساوي ، والعامّ لا دلالة له على الخاصّ(١) .

ونحن نمنع صدقها بالتواطؤ ، بل دلالتها على التنصيف أقوى ، وعليه يُحمل إطلاقها ، ويفتقر التفاوت إلى قرينةٍ.

مسألة ٢٢٣ : لو قال : خُذْ هذا المال مضاربةً ، ولم يُسمّ للعامل شيئاً من الربح ، فسد القراض ، وكان الربح بأسره لربّ المال ، وعليه أُجرة المثل للعامل ، والوضيعة على المالك - وبه قال الثوري والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأحمد وأصحاب الرأي(٢) - لأنّ المضارب إنّما يستحقّ بالشرط ولم يوجد.

وقال الحسن وابن سيرين والأوزاعي : الربح بينهما نصفين ؛ لأنّه لو قال : والربح بيننا ، كان بينهما نصفين ، وكذا إذا لم يزد شيئاً(٣) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٢ ، الوسيط ٤ : ١١٣ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٠ ، البيان ٧ : ١٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٢) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٣٩ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٧ - ٢١٨ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٣ ، المغني ٥ : ١٤٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣١.

(٣) نفس المصادر ما عدا « الحاوي الكبير » و « بحر المذهب » و « حلية العلماء ».

٥٦

وهو ممنوع ؛ لأنّ قوله : « مضاربةً » يقتضي أنّ له جزءاً من الربح مجهولاً ، فلا يصحّ.

ولو قال : على أنّ ثلث الربح لك وما بقي فثلثه لي وثلثاه لك ، صحّ.

وحاصله اشتراط سبعة أتساع الربح للعامل ؛ لأنّ الحساب من عدد لثلثه ثلاث ، وأقلّه تسعة.

هذا إذا علما عند العقد أنّ المشروط للعامل بهذه اللفظة كم هو ، فإن جهلاه أو أحدهما ، فوجهان للشافعيّة ، أحدهما : الصحّة(١) .

وهو حسن ؛ لسهولة معرفة ما تضمّنه اللّفظ.

وكذا لو قال : على أنّ لك من الربح سُدس رُبْع عُشْر الثُّمْن ، وهُما لا يعرفان قدره عند العقد ، أو أحدهما.

ولو قال : لك الرُّبْع ورُبْع الباقي ، فله ثلاثة أثمان ونصف ثُمنٍ ، سواء عرفا الحساب أو جهلاه ؛ لأنّها أجزاء معلومة.

ولو قال : لك ثلث الربح ورُبْع ما بقي ، فله النصف.

الشرط الرابع : أن يكون العلم به من حيث الجزئيّة المشاعة ، كالنصف أو الثلث أو الربع أو غير ذلك من الأجزاء الشائعة ، لا بالتقدير ، فلو قال : قارضتك على أنّ لك من الربح مائة والباقي بيننا بالسويّة ، فسد القراض ؛ لأنّه ربما لا يربح إلّا ذلك القدر ، فيلزم أن يختصّ به أحدهما.

وكذا إذا قال : على أنّ لي من الربح مائة والباقي بيننا ، لم يصح القراض.

وكذا لو قال : لك نصف الربح سوى درهم ، أو : لك نصف الربح‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

٥٧

ودرهم.

مسألة ٢٢٤ : لو دفع إليه ألفين وقال : قارضتك على هاتين الألفين على أن يكون لك ربح ألفٍ منهما ولي ربح الألف الأُخرى ، فإمّا أن تكونا متميّزتين أو ممتزجتين.

فإن كانتا متميّزتين وشرط تميّزهما ، لم يصح القراض ؛ لأنّه لا شركة بينهما في الربح ؛ إذ كلّ واحدةٍ من الألفين متميّزة عن الأُخرى ، وربح إحداهما بعينها للمالك لا يشاركه العامل فيه ، وربح الأُخرى بعينها للعامل لا يشاركه المالك فيه ، مع أنّ كلّ واحدةٍ منهما مال قراضٍ ، فلا يوجد فيه مقتضى القراض فيبطل ، ولأنّه ربما يختصّ الربح بإحداهما دون الأُخرى ، فيحصل كلّ الربح لأحدهما ويمنع الآخَر منه ، وذلك منافٍ لمقتضى القراض.

وإن كانتا ممتزجتين غير متميّزتين ، فالأقرب : الصحّة ، ويُحمل على الإشاعة والتسوية في الربح ؛ إذ لا فرق بين ذلك وبين قوله : الربح بيننا نصفين ، ولا بينه وبين أن يقول : نصف ربح الألفين لك ونصفه لي ، وهو قول بعض الشافعيّة(١) .

وقال ابن سريج : لا يصحّ ؛ لأنّه خصّصه بربح بعض المال ، فأشبه ما إذا كان الألفان متميّزين ، وما إذا دفع إليه ألفاً على أن يكون له ربحها ليتصرّف له في ألف أُخرى(٢) .

والفرق ظاهر.

ولو قال : على أنّ لي ربح أحد الثوبين ولك ربح الآخَر ، أو : على أنّ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٧.

٥٨

لي ربح إحدى السفرتين ولك ربح الأُخرى ، أو : على أنّ لك ربح تجارة شهر كذا ولي ربح تجارة شهر كذا ، لم يصح.

إذا عرفت هذا ، فإذا دفع إليه مالاً قراضاً وشرط أن يكون له نصف ربحه ، جاز ، وكذا لو شرط له ربح نصفه.

ولو قال : على أنّ لك من الربح عشرةً ولي عشرة ، احتُمل البطلانُ ؛ لعدم العلم بحصولهما ، والصحّةُ إن قصد التناسب في مطلق الربح ، قلّ عن ذلك أو كثر أو ساواه.

مسألة ٢٢٥ : لو دفع إليه مالاً قراضاً وشرط عليه أن يولّيه سلعة كذا إذا اشتراها برأس المال ، احتُمل الصحّة ؛ عملاً بقولهعليه‌السلام : « المسلمون(١) عند شروطهم »(٢) ، والبطلانُ - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّه ربما لا يحصل الربح إلّا منها.

ولو شرط أن يلبس الثوب الذي يشتريه ويركب الدابّة التي يشتريها ، قال الشافعي : يبطل القراض أيضاً ؛ لأنّ القراض جُوّز على العمل المجهول بالعوض المجهول [ للحاجة ](٤) - ولا حاجة إلى ضمّ ما ليس من الربح إليه ، ولأنّه ربما ينتقص بالاستعمال ويتعذّر عليه التصرّف(٥) .

والأقوى عندي : الجواز.

تذنيب : لو دفع إليه ألفاً قراضاً على أنّ الربح بينهما ، وشرط المالك‌

____________________

(١) في النُّسَخ الخطّيّة : « المؤمنون ».

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٣٥ ، الهامش (٣) ، وفي التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، والاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، والجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣ : « المؤمنون ».

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٢ ، البيان ٧ : ١٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٤.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « للراحة ». والمثبت من المصدر.

(٥) نفس المصادر في الهامش (٣) ما عدا « التهذيب ».

٥٩

أن يدفع إليه ألفاً يعمل بها بضاعةً بحيث يكون الربح بأسره للمالك فيها ، فالوجه : صحّة القراض والشرط معاً.

وقيل : يصحّ القراض ، ويبطل الشرط(١) .

وقيل : يبطلان معاً(٢) .

مسألة ٢٢٦ : لو دفع إلى عاملٍ ألفَ درهمٍ ، فقال له : اعمل على هذه وربحها لي ، ودفع إليه ألفاً أُخرى وقال : اعمل على هذه ويكون ربحها لك ، فإن قصد القراض ، بطل ؛ لأنّه شرط أن يكون جميع الربح في إحداهما للمالك وفي الأُخرى للعامل ، وهو باطل ؛ لأنّه لا يجوز أن ينفرد أحدهما بالربح ؛ لأنّ الربح يحصل بالمال والعمل معاً ، فلا يصحّ في واحدةٍ من الألفين.

وإن لم يقصد القراض ، صحّ ، وكان ما شرطه المالك له بضاعةً ، وما شرطه العامل لنفسه قرضاً.

ولو دفع الألفين وقال : قارضتك على هذه على أن يكون ربح ألفٍ منها لي وألف لك ، فالأقوى : الصحّة - وبه قال أبو حنيفة وأبو ثور(٣) - لأنّه بمنزلة أن يقول : نصف الربح لي ونصفه لك ؛ لأنّه بمعناه.

قال ابن سريج : وهذا غلط ؛ لأنّ وضع القراض على أن يكون كلّ جزءٍ من المال ربحه بينهما ، فإذا شرط ربح ألفٍ فقد شرط لنفسه الانفراد بربح جزءٍ منه ، فكان فاسداً ، بخلاف ما إذا شرط نصف الربح ؛ لأنّ شرطه لم يتضمّن الانفراد بجزءٍ منه(٤) .

____________________

(١) كما في شرائع الإسلام ٢ : ١٤٥.

(٢) قال به الطوسي في المبسوط ٣ : ١٩٧ ، والقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٤٦٦.

(٣) بحر المذهب ٩ : ١٩٨ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٠.

(٤) راجع : العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٧.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

كما ستعلم ذلك من تصريح السمهودي والمناوي والزرقاني.

ترجمته:

١ - السّمعاني: « والمشهور بهذه النسبة: أبو محمد عبد الله بن عبد الله بن جعفر ابن حيان الاصبهاني المعروف بأبي الشيخ، حافظ كبير ثقة، صنّف التصانيف الكثيرة وأكثر عنه أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ، وآخر من روى عنه أبو طاهر محمد بن أحمد بن عبد الرحيم الكاتب بأصبهان »(١) .

٢ - الذهبي: « أبو الشيخ حافظ إصبهان ومسند زمانه، الامام أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأنصاري، صاحب التصانيف السائرة، ويعرف بأبي الشيخ وكان مع سعة علمه وغزارة حفظه صالحاً خيّراً قانتاً لله صدوقاً قال ابن مردويه: ثقة مأمون، صنّف التفسير والكتب الكثيرة - في الأحكام وغير ذلك. قال أبوبكر الخطيب: كان حافظاً ثبتاً صدوقاً قال أبو نعيم: كان أحد الأعلام وكان ثقة »(٢) .

٣ - السيوطي: « أبو الشيخ حافظ إصبهان ومسند زمانه، الامام كان مع سعة علمه وغزارة حفظه أحد الأعلام، صالحاً خيّراً صدوقاً مأموناً ثقة متقناً، صنف التفسير وغيره. مات في محرم سنة ٣٦٩ »(٣) .

هذا، وجاء في ( كفاية المتطلع ) وهو الكتاب الذي ألّفه تاج الدين الدّهان في الكتب التي يرويها الشيخ حسن العجيمي - ما نصه « كتاب أخلاق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للامام المحدّث أبي عبد الله محمد بن محمد بن جعفر بن حيان المعروف بأبي الشيخرحمه‌الله تعالى: أخبر به عن الشيخ محمد بن علاء الدين البابلي عن محمد حجازي الشعراني عن المعمر محمد أركماس عن الحافظ أحمد بن

____________________

(١). الانساب - الحياني.

(٢). تذكرة الحفاظ ٣ / ٩٤٥.

(٣). طبقات الحفاظ: ٣٨١.

١٠١

حجر العسقلاني عن أبي إسحاق إبراهيم بن صديق الرسام قال أنا أبو محمد إسحاق بن يحيى الآمدي قال أنا أبو سفيان خليل الحافظ قال أنا ناصر بن محمد الويري قال أنا جعفر بن عبد الواحد الثقفي قال أنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن عبد الرحيم قال أنا به مؤلفه أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان فذكره ».

والشيخ حسن العجيمي من المشايخ السبعة الذي يفتخر شاه ولي الله في ( الارشاد إلى مهمات الاسناد ) باتصال أسانيده إليهم. وعلى هذا يكون الشيخ أبو الشيخ الحياني من شيوخ مشايخ والد ( الدهلوي ).

أضف إلى ذلك: تمسك الكابلي في ( الصواقع ) وكذلك ( الدهلوي ) نفسه في ( التحفة ) برواية أبي الشيخ فمن العجيب تمسكه بروايته في مورد وإعراضه عنها في مورد آخر، وهل هذا إلّا تعصب؟!

(١٩)

رواية ابن السقاء الواسطي

قال ابن المغازلي: « قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم أخبرنا أبو الحسن أحمد بن المظفر أحمد العطار الفقيه الشافعيرحمه‌الله - بقراءتي عليه فأقرّ به، سنة أربع وثلاثين وأربعمائة - قلت له: أخبركم أبو محمد عبد الله بن محمد بن عثمان المزني الملقب بابن السقاء الحافظ الواسطيرحمه‌الله ، نا عمر بن الحسن الصيرفيرحمه‌الله ، نا أحمد بن عبد الله بن يزيد، نا عبد الرزاق قال أنا سفيان الثوري عن عبد الله ابن عثمان عن عبد الرحمن بن بهمان عن جابر بن عبد الله قال: أخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعضد علي فقال: هذا أمير البررة وقاتل الكفرة، منصور من نصره، مخذول من خذله، ثم مدّ بها صوته فقال: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب »(١) .

____________________

(١). المناقب لابن المغازلي: ٨٠.

١٠٢

ترجمته:

١ - ابن المغازلي في ( ذيل تاريخ واسط - مخطوط ).

٢ - السمعاني في ( الأنساب - السقاء ).

٣ - الذهبي في ( تذكرة الحفاظ ٣ / ٩٦٥ ) و ( العبر ٢ / ٣٦٥ ).

٤ - ابن ناصر الدين في ( الطبقات ).

٥ - السيوطي في ( طبقات الحفاظ ٣٨٥ ).

٦ - البدخشاتي في ( تراجم الحفاظ - مخطوط ).

ونكتفي هنا بعبارة الذهبي في ( العبر ) حيث قال « وأبو محمد ابن السقا الحافظ عبد الله بن محمد بن عثمان الواسطي، روى عن أبي خليفة وعبدان وطبقتهما، وما حدث إلّا من حفظه، توفي في جمادى الآخرة، وكان من كبراء أهل واسط وأولى الحشمة، رحل به أبوه »(١) .

(٢٠)

رواية أبي الليث

وروى أبو الليث نصر بن محمد السمرقندي حديث مدينة العلم حيث قال:

« عن قيس بن أبي حازمرضي‌الله‌عنه قال: جاء رجل إلى معاويةرضي‌الله‌عنه فسأله عن مسألة فقال: سل عنها علي بن أبي طالب فهو أعلم بها، فقال الرجل: قولك أحب إليّ من قول علي، فقال معاوية: بئسما قلت ولؤم ما جئت

____________________

(١). العبر في خبر من غبر ٣ / ٣٦٥.

١٠٣

به، لقد كرهت رجلاً كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يهزه للعلم هزاً(١) وقد قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي، ولقد كان عمر بن الخطاب يسأله ويأخذ عنه، ولقد شهدت عمر ابن الخطاب إذا أشكل عليه شيء فقال(٢) هاهنا علي بن أبي طالب. ثم قال للرجل - معاويةرضي‌الله‌عنه - قم لا أقام الله رجليك، ومحا اسمه من الديوان.

ويروي أن سائلاً سأل عائشة رضي الله عنها عن المسح على الخفين فقالت: سلوا عنها علي بن أبي طالب، فإنه أعلم بالسُنّة.

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها »(٣) .

ترجمته:

١ - الذهبي في ( تذكرة الحفاظ ).

٢ - عبد القادر في ( الجواهر المضية في طبقات الحنفية ٢ / ١٩٦ ).

٣ - الكفوي في ( كتائب أعلام الأخيار - مخطوط ).

٤ - القاري في ( الأثمار الجنية في طبقات الحنفية ).

٥ - الدهان في ( كفاية المتطلع - مخطوط ).

٦ - الكاتب الجلبي في ( كشف الظنون ٤٤١ ).

وقد ذكرنا ترجمته بالتفصيل في مجلد ( حديث الطير ).

____________________

(١). كذا.

(٢). كذا.

(٣). المجالس - مخطوط.

١٠٤

(٢١)

رواية محمد بن المظفر البغدادي

قال ابن المغازلي: « أخبرنا محمد بن أحمد بن عثمان، أنا أبو الحسين محمد ابن المظفر بن موسى بن عيسى الحافظ البغدادي، نا الباغندي محمد بن محمد بن سليمان، نا محمد بن مصفا، نا حفص بن عمر العدني، نا علي بن عمرو عن أبيه عن جرير عن عليعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها، ولا تؤتى البيوت إلّا من أبوابها »(١) .

ترجمته:

١ - الذهبي: في ( تذكرة الحفاظ ٣ / ٩٨٠ ) و ( العبر ٣ / ١٢ ) و ( دول الإسلام ١ / ٢٣١ ).

٢ - الصفدي في ( الوافي بالوفيات ٤ / ٣٤ ).

٣ - السيوطي في ( طبقات الحفاظ ٣٨٩ ).

وغيرهم وقد أوردنا ترجمته بالتفصيل في مجلد ( حديث الثقلين ).

(٢٢)

رواية ابن شاهين

قال ابن شهرآشوب: « وقال النبيعليه‌السلام بالاجماع: أنا مدينة العلم

____________________

(١). المناقب لابن المغازلي: ٨٠.

١٠٥

وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب. رواه أحمد من ثمانية طرق وابراهيم الثقفي من سبعة طرق، وابن بطة من ستة طرق، والقاضي الجعابي من ستة طرق، وابن شاهين من أربعة طرق »(١) .

ترجمته:

١ - السمعاني في ( الأنساب ).

٢ - ابن الأثير في ( الكامل حوادث: ٣٨٥ ).

٣ - الخوارزمي في ( أسماء رجال مسانيد أبي حنيفة ).

٤ - الذهبي في ( العبر ٣ / ٢٩ ).

٥ - اليافعي في ( مرآة الجنان ٢ / ٤٢٦ ).

٦ - الجزري في ( طبقات القراء ١ / ٥٨٨ ).

٧ - السيوطي في ( طبقات الحفاظ ٣٩٢ ).

٨ - الداودي في ( طبقات المفسرين ٢ / ٢ ).

٩ - الدياربكري في ( الخميس حوادث ٣٨٥ ).

١٠ - الزرقاني في ( شرح المواهب اللدنية ١ / ١٦٦ ).

ونكتفي هنا بخلاصة ترجمته في ( تذكرة الحفاظ ) للاختصار:

« ابن شاهين، الحافظ المفيد المكثر محدّث العراق، قال ابن ماكولا: ثقة مأمون، سمع بالشام وفارس والبصرة، جمع الأبواب والتراجم، وصنّف شيئاً كثيراً. قال الأزهري: وابن شاهين ثقة عنده عن البغوي سبعمائة جزء، وقال ابن أبي الفوارس: ثقة مأمون صنّف ما لم يصنّفه أحد »(٢) .

____________________

(١). مناقب آل أبي طالب ٢ / ٣٤.

(٢). تذكرة الحفاظ ٣ / ٩٧٧.

١٠٦

(٢٣)

إثبات الصّاحب بن عباد

لقد جاء في ( المناقب ) حيث استشهد بأبيات لبعض الشعراء في علم أمير المؤمنينعليه‌السلام - ما نصه: « الصاحب:

كان النبي مدينة هو بابها

لو أثبت النصاب ذات المرسل

وله:

باب المدينة لا تبغوا سواه لها

لتدخلوها فخلّوا جانب التيه »

وقال في ذكر بعض من نظم حديث رد الشمس وأشعارهم: « الصاحب:

كان النبي مدينة العلم التي

حوت الكمال وكنت أفضل باب

ردت عليك الشمس وهي فضيلة

ظهرت فلم تستر بلف نقاب »(١)

ترجمته:

١ - الثعالبي في ( يتيمة الدهر ٣ / ٣١ - ١١٨ ).

٢ - ابن خلكان في ( وفيات الأعيان ١ / ٧٥ ).

٣ - ابو الفداء الأيوبي في ( المختصر - حوادث: ٣٨٥ ).

٤ - ابن الأثير في ( الكامل - حوادث: ٣٨٥ ).

٥ - الذهبي في ( العبر - حوادث: ٣٨٥ ).

____________________

(١). مناقب آل أبي طالب ٢ / ٣٥.

١٠٧

٦ - ابن الوردي في ( تتمة المختصر - حوادث: ٣٨٥ ).

٧ - اليافعي في ( مرآة الجنان - حوادث: ٣٨٥ ).

٨ - السيوطي في ( بغية الوعاة ١٩٦ ).

وقد ذكرنا ترجمته في مجلد ( حديث الطير ) بالتفصيل.

(٢٤)

رواية ابن شاذان السكري الحربي

رواه في كتاب ( الامالي ) حيث قال: « ثنا إسحاق بن مروان، ثنا أبي، ثنا عامر بن كثير السراج عن أبي خالد عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة عن علي بن أبي طالب قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها، يا علي كذب من زعم أنه يدخلها من غير بابها».

ترجمته:

١ - السمعاني في ( الأنساب - السكري ).

٢ - ابن الأثير في ( الكامل - حوادث: ٣٨٦ ).

٣ - الذهبي في ( العبر - حوادث: ٣٨٦ ).

وقد أوردنا ترجمته في مجلد ( حديث الطير ).

(٢٥)

رواية ابن بطة

لقد علمت من كلام ابن شهر آشوب أنه قد رواه من ستة طرق.

١٠٨

ترجمته:

١ - السمعاني في ( الأنساب - العكبري ).

٢ - الذهبي في ( سير أعلام النبلاء ٦ / ٥٢٩ ).

٣ - ابن كثير في ( تاريخه ١١ / ٣٢١ ).

٤ - ابن العماد في ( شذرات الذهب ٣ / ١٢٢ ).

وغيرهم، وقد ذكرنا في مجلد ( حديث الطير ) تمسك ابن تيمية برواياته واعتماده عليها، كما ذكرنا في مجلد ( حديث التشبيه ) أن ابن بطة من شيوخ مشايخ شاه ولي الله والد ( الدهلوي )

(٢٦)

رواية الحاكم النيسابوري

لقد رواه من طرق عديدة حديث قال: « حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن عبد الرحيم الهروي بالرملة، ثنا أبو الصلت عبد السّلام بن صالح، ثنا أبو معاوية بن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة من العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب.

هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه، وأبو الصلت ثقة مأمون، فإني سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب في التاريخ يقول: سمعت العباس بن محمد الدوري يقول: سألت يحيى بن معين عن أبي الصلت الهروي فقال: ثقة، فقلت: أليس قد حدّث عن أبي معاوية عن الأعمش حديث أنا مدينة العلم؟ فقال: قد حدّث به محمد بن جعفر الفيدي وهو ثقة مأمون.

١٠٩

سمعت أبا نصر أحمد بن سهل الفقيه القباني أمام عصره ببخارا يقول: سمعت صالح بن محمد بن حبيب الحافظ يقول - وسئل عن أبي الصلت الهروي فقال - دخل يحيى بن معين ونحن معه على أبي الصلت فسلّم عليه فلمـّا خرج تبعته فقلت له: ما تقول رحمك الله في أبي الصلت؟ فقال: هو صدوق، فقلت له: إنه يروي حديث الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأتها من بابها؟ فقال: قد روى هذا ذاك الفيدي عن أبي معاوية عن الأعمش كما رواه أبو الصلت.

حدثنا بصحة ما ذكره الامام أبو زكريا يحيى بن معين: - أبو الحسين محمد ابن أحمد بن تميم القنطري، ثنا الحسين بن فهم، ثنا محمد بن يحيى بن الضريس، ثنا محمد بن جعفر الفيدي، ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب. قال الحسين بن فهم: حدثناه أبو الصلت الهروي عن أبي معاوية.

قال الحاكم: ليعلم المستفيد لهذا العلم أن الحسين بن فهم بن عبد الرحمن ثقة مأمون حافظ. ولهذا الحديث شاهد من حديث سفيان الثوري بإسناد صحيح:

حدثني أبوبكر محمد بن علي الفقيه الامام الشاشي القفال ببخارا - وأنا سألته - حدثني النعمان بن هارون البلدي - ببلد من أصل كتابه - ثنا أحمد بن عبد الله بن يزيد الحراني، ثنا عبد الرزاق ثنا سفيان الثوري عن عبد الله بن عثمان ابن خثيم عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب »(١) .

____________________

(١). المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٢٦ - ١٢٧.

١١٠

أقول:

لقد جهد الحاكم في تصحيح هذا الحديث الشريف وسعى في تنقيحه، وصحّح سنده مرة بعد أخرى، ليوهن كيد الجاحدين ويقلع ريب المرتابين والحمد لله رب العالمين.

ولقد أخرج الحاكم حديث مدينة العلم من حديث أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام أيضاً قال السيوطي: « وأخرج الترمذي والحاكم عن علي قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها »(١) .

كما يعلم ذلك من ( الصواعق ) و ( العقد النبوي ) و ( النبراس ) و ( شرح المواهب ) و ( نزل الأبرار ) و ( مفتاح النجا ) و ( تحفة المحبين ) و ( إسعاف الراغبين ) و ( وسيلة النجاة ) و ( مرآة المؤمنين ) و ( ينابيع المودة ).

وأخرجه من حديث ابن عمر أيضاً. قال ابن حجر: « الحديث التاسع: أخرج البزار والطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله، والطبراني والحاكم والعقيلي في الضعفاء وابن عدي عن ابن عمر، والترمذي والحاكم عن عليرضي‌الله‌عنه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها ..»(٢) .

ويعلم ذلك أيضاً من ( العقد النبوي ) و ( نزل الأبرار ) و ( مفتاح النجا ) و ( تحفة المحبين ) و ( إسعاف الراغبين ) و ( وسيلة النجاة ) و ( مرآة المؤمنين ) و ( ينابيع المودة ) كما ستقف عليه فيما بعد إنْ شاء الله تعالى.

ترجمته:

١ - أبو موسى المديني في ( المصنف المفرد - مخطوط ).

٢ - عبد الغافر الفارسي في ( تاريخ نيسابور ).

____________________

(١). تاريخ الخلفاء: ١٧٠.

(٢). الصواعق المحرقة: ٧٣.

١١١

٣ - الفخر الرازي في ( مناقب الشافعي ).

٤ - ابن الأثير في ( جامع الأصول - مخطوط ).

٥ - ابن الأثير في ( الكامل - حوادث: ٤٠٥ ).

٦ - النووي في ( تهذيب الأسماء واللغات ).

٧ - ابن خلكان في ( وفيات الأعيان ٣ / ٤٠٨ ).

٨ - أبو الفداء الأيوبي في ( المختصر ٢ / ١٤٤ ).

٩ - الذهبي في ( تتمة المختصر ١ / ٤٥٣ ).

١٠ - ابن الوردي في ( تتمة المختصر ١ / ٤٥٣ ).

١١ - الخطيب التبريزي في ( رجال المشكاة - المطبوع مع المشكاة ).

١٢ - اليافعي في ( مرآة الجنان - حوادث: ٤٠٥ ).

١٣ - السبكي في ( طبقات الشافعية ٤ / ١٥٥ ).

١٤ - السيوطي في ( طبقات الحفاظ ٤٠٩ ).

١٥ - القنوجي في ( التاج المكلل ١١٣ ).

وغيرهم، وقد ذكرنا طرفاً من تراجمه في بعض المجلدات السابقة، ولعلّنا نذكر بعضها الآخر في المجلّدات اللّاحقة.

هذا، بالاضافة إلى أن شاه ولي الله الدهلوي يعتبره في ( قرة العينين ) مجدد الدين على رأس القرن الرابع، ويتمسك برواياته فيه وفي ( إزالة الخفاء )، وكذلك ( الدهلوي ) نفسه في مباحث كتابه ( التحفة ).

(٢٧)

إثبات الفردوسي

لقد أرسل أبو القاسم حسن بن إسحاق الفردوسي حديث مدينة العلم

١١٢

إرسال المسلم حيث قال في ( الشاهنامه ):

چهارم على بود جفت بتول

كه او را بخوبى ستايد رسول

كه من شهر علمم عليّم درست

درست اين سخن قول پيغمبر است

گواهى دهم كين سخن را زاوست

تو گوئي دو گوشم بر آواز اوست

بدان باش كو گفت زان برمگرد

چو گفتار روايت نياور بدرد »

أقول: وهذا خير شاهد على اشتهار حديث مدينة العلم واستفاضته بين الأمة منذ العصور القديمة، بل يدل على صحته وثبوته لدى جميع المسلمين حتى المتعصبين من أهل السنة، وذلك لأن الفردوسي نظم ( الشاهنامه ) بأمر السلطان محمود ابن سبكتكين، وقد كان هذا السلطان من أشدّ الناس قياماً على الشيعة وأتباع أهل البيتعليهم‌السلام ، وكان مولعاً بعلم الحديث ومن فقهاء الشافعية، فلو كان في الحديث مجال للطعن لفعل، وهذه عبارات بعض علماء أهل السنة في الثناء عليه:

ترجمة السلطان محمود:

١ - قالابن تيمية في ( منهاج السنة ): « وأما ما ذكره من الصلاة التي لا يجيزها أبو حنيفة وفعلها عند بعض الملوك حتى رجع عن مذهبه، فليس بحجة على فساد مذهب أهل السنة، لأن أهل السنة يقولون أن الحق لا يخرج عنهم، لا يقولون أنه لا يخطئ أحد منهم، وهذه الصلاة ينكرها جمهور أهل السنة كمالك والشافعي وأحمد، والملك الذي ذكره هو محمود بن سبكتكين، وإنما رجع إلى ما ظهر عنده أنه من سنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وكان من خيار الملوك وأعدلهم، وكان من أشدّ الناس قياماً على أهل البدع لا سيّما الرافضة ».

٢ - قالابن خلكان: « وذكر إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك الجويني - المقدّم ذكره - في كتابه الذي سماه مغيث الخلق في اختيار الأحق: إن السلطان

١١٣

المحمود المذكور كان على مذهب أبي حنيفةرضي‌الله‌عنه ، وكان مولعاً بعلم الحديث، وكانوا يسمعون الحديث من الشيوخ بين يديه وهو يسمع، وكان يستفسر الأحاديث، فوجد أكثرها موافقاً لمذهب الشافعيرضي‌الله‌عنه ، فوقع في جلده حكة فجمع الفقهاء من الفريقين في مرو والتمس منهم الكلام في ترجيح أحد المذهبين على الآخر، فوقع الاتفاق على أن يصلّوا بين يديه ركعتين على مذهب الامام الشافعيرضي‌الله‌عنه وعلى مذهب أبي حنيفةرضي‌الله‌عنه ، لينظر فيه السلطان ويتفكر ويختار ما هو أحسنهما، فصلى القفّال المروزي - وقد تقدم ذكره - بطهارة مسبغة وشرائط معتبرة من الطهارة والسترة واستقبال القبلة، وأتى بالاركان والهيئات والسنن والآداب والفرائض على وجوه الكمال والتمام وقال: هذه صلاة لا يجوز الامام الشافعي دونها رضي الله تعالى عنه.

ثم صلّى ركعتين على ما يجوز أبو حنيفةرضي‌الله‌عنه ، فلبس جلد كلب مدبوغاً، ثم لطخ ربعه بالنجاسة، وتوضأ بنبيذ التمر، وكان في صميم الصيف في المفازة، واجتمع الذباب والبعوض، وكان وضوئه منكساً منعكساً، ثم استقبل القبلة وأحرم بالصلاة من غير نية في الوضوء وكبّر بالفارسية، ثم قرأ آية بالفارسية دو برك سبز، ثم نقر نقرتين كنقرات الديك من غير فصل ومن غير ركوع، وتشهد وضرط في آخره من غير نية السلام، وقال: أيها السلطان هذه صلاة أبي حنيفة.

فقال السلطان: لو لم تكن هذه الصلاة صلاة أبي حنيفة لقتلتك، لأن مثل هذه الصلاة لا يجوّزها ذو دين، فأنكرت الحنفية أن تكون هذه صلاة أبي حنيفة، فأمر القفال باحضار كتب أبي حنيفة، وأمر السلطان نصرانياً كاتباً يقرأ المذهبين جميعاً، فوجدت الصلاة على مذهب أبي حنيفة على ما حكاه القفال، فأعرض السلطان عن مذهب أبي حنيفة وتمسك بمذهب الشافعيرضي‌الله‌عنه . إنتهى كلام إمام الحرمين.

وكانت مناقب السلطان محمود كثيرة، وسيره من أحسن السير، ومولده ليلة عاشوراء سنة إحدى وستين وثلاثمائة، وتوفي في شهر ربيع الآخر وقيل حادي عشر

١١٤

صفر سنة إحدى وقيل اثنتين وعشرين وأربعمائة بغزنة،رحمه ‌الله تعالى »(١) .

٣ - الذهبي: « قال عبد الغافر الفارسي: كان صادق النية في إعلاء كلمة الله تعالى، مظفراً في غزواته، ما خلت سنة من سني ملكه عن غزوة أو سفرة، وكان ذكياً بعيد الغور موفق الرأي، وكان مجلسه مورد العلماء »(٢) .

٤ - اليافعي: بنحو ما تقدّم(٣) .

٥ - السبكي: « محمود بن سبكتكين السلطان الكبير، أبو القاسم، سيف الدولة ابن الأمير ناصر الدولة أبي منصور: أحد أئمة العدل، ومن دانت له البلاد والعباد وظهرت محاسن آثاره، وكان يلقّب قبل السلطنة سيف الدولة، وأما بعدها فلقّب يمين الدولة، وبهذا اللقب سمي الكتاب اليميني الذي صنفه أبو النصر محمد بن عبد الجبار العتبي في سيرة هذا السلطان، وأهل خوارزم وما والاها يعتنون بهذا الكتاب ويضبطون ألفاظه أشد من عناية أهل بلدنا بمقامات الحريري.

كان هذا السلطان إماماً عادلاً شجاعاً مفرطاً فقيهاً سمحاً جواداً سعيداً مؤيّداً، وقد اعتبرت فوجدت أربعة لا خامس لهم في العدل بعد عمر بن عبد العزيزرضي‌الله‌عنه - إلّا أن يكون بعض الناس لم تطل لهم مدة ولا ظهرت عنهم آثاره ممتدة وهم: السلطان محمود والوزير نظام الملك - وبينهما في الزمان مدة - وسلطان وملك في بلدنا هما السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب فاتح بيت المقدس، وقبله الملك نور الدين محمود بن زنكي الشهيد »(٤) .

هذا، وقد ترجم الفردوسي: دولت شاه السمرقندي في ( تذكرة الشعراء: ٥٧ ) وذكر بعض أحواله مع السلطان محمود بن سبكتكين بالتفصيل فليراجع.

____________________

(١). وفيات الأعيان ٢ / ٨٤.

(٢). العبر - حوادث: ٤٢١.

(٣). مرآة الجنان - حوادث: ٤٢١.

(٤). طبقات الشافعية للسبكي ٥ / ٣١٤ - ٣٢٧.

١١٥

(٢٨)

رواية أبي بكر ابن مردويه

رواه من حديث أمير المؤمنينعليه‌السلام قائلاً: « عن عليرضي‌الله‌عنه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب ».

ومن حديث ابن عباس حيث قال: « عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب ».

وتظهر روايته له من حديث ابن عباس من عبارة الشوكاني الآتية إن شاء الله تعالى.

ترجمته:

١ - ياقوت الحموي ( معجم البلدان ٢ / ٣٤٦ ).

٢ - الذهبي ( تذكرة الحفاظ ٤ / ١٢١٢ ) و ( العبر - حوادث: ٤٥٨ ).

٣ - ابن كثير ( التاريخ - حوادث: ٤٥٨ ).

٤ - السيوطي ( طبقات الحفاظ ٤٤٦ ).

٥ - الزرقاني ( شرح المواهب اللدنية ١ / ٦٨ ).

(٢٩)

رواية أبي نعيم الاصبهاني

لقد رواه أبو نعيم الاصبهاني في كتاب ( معرفة الصحابة ) فقد جاء في:

١١٦

( جمع الجوامع ) « أنا مدينة العلم وعلي بابها. أبو نعيم في المعرفة عن علي »(١) .

وقال السيوطي أيضاً: « الحديث السادس عشر: عنه - أي عن علي كرّم الله وجهه -: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها. أخرجه أبو نعيم في المعرفة »(٢) .

كما تعلم روايته الحديث في ( المعرفة ) من ( الاكتفاء ) و ( نزل الأبرار ) و ( مفتاح النجا ) و ( تحفة المحبين )، وقد أوردها نور الدين السليماني في ( الدر اليتيم ) كما ستعرف إن شاء الله تعالى.

كما ذكر أبو نعيم معنى حديث مدينة العلم في جملة ألقاب سيدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وذلك يدل على ثبوته بلا ريب، وهذا نص كلامه بترجمة الامامعليه‌السلام :

« سيّد القوم، محبّ المشهود ومحبوب المعبود، باب مدينة الحكم [ العلم ] والعلوم، ورأس المخاطبات ومستنبط الاشارات، راية المهتدين ونور المطيعين، وولي المتقين وإمام العادلين، أقدمهم إجابة وإيماناً، وأقومهم قضية وإيقاناً، وأعظمهم حلماً وأوفرهم علماً، علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ، قدوة المتقين، وزينة العارفين، المنبي عن حقائق التوحيد، المشير إلى لوامع علم التفريد، صاحب القلب العقول واللسان السئول، والاذن الواعي والعهد الوافي، فقأ عيون الفتن، ووقى من فنون المحن، فدفع الناكثين ووضع القاسطين ودمغ المارقين، الأخيشن في دين الله، المموس في ذات الله»(٣) .

ترجمته:

١ - الفخر الرازي في ( مناقب الشافعي ).

____________________

(١). جمع الجوامع ١ / ٣٨٨.

(٢). القول الجلي في مناقب علي: ٣٥.

(٣). حلية الأولياء ١ / ٦١.

١١٧

٢ - ابن الأثير في ( الكامل - حوادث: ٤٣٠ ).

٣ - الخوارزمي في ( أسماء رجال مسانيد أبي حنيفة ).

٤ - ابن خلكان في ( وفيات الأعيان ١ / ٢٦ ).

٥ - أبو الفداء الأيوبي في ( المختصر - حوادث ٤٣٠ ).

٦ - الذهبي في ( تذكرة الحفاظ ٣ / ١٠٩٢ ) و ( العبر ٣ / ١٧٠ ) و ( دول الإسلام حوادث ٤٣٠ ).

٧ - ابن الوردي في ( تتمة المختصر - حوادث: ٤٣٠ ).

٨ - الخطيب التبريزي في ( أسماء رجال المشكاة - المطبوع مع المشكاة ٣ / ٨٠٥ ).

٩ - الصفدي في ( الوافي بالوفيات ٧ / ٨١ ).

١٠ - اليافعي في ( مرآة الجنان - حوادث ٤٣٠ ).

١١ - السبكي في ( طبقات الشافعية ٤ / ١٨ ).

١٢ - الأسنوي في ( طبقات الشافعية ٢ / ٤٧٤ ).

١٣ - السيوطي في ( طبقات الحفاظ ٤٢٣ ).

١٤ - الشعراني في ( لواقح الأنوار في طبقات الأخيار ).

١٥ - الدياربكري في ( الخميس - حوادث: ٤٣٠ ).

١٦ - القنوجي في ( التاج المكلل: ٣١ ).

١٧ - ( الدهلوي ) في ( بستان المحدثين ).

وغيرهم كما سيأتي في بعض مجلّدات الكتاب.

قالابن خلكان: « الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق ابن موسى بن مهران الاصبهاني الحافظ المشهور، صاحب كتاب حلية الأولياء، كان من أعلام المحدثين وأكابر الحفاظ الثقات، أخذ عن الأفاضل وأخذوا عنه وانتفعوا به، وكتابه الحلية من أحسن الكتب، وله كتب تاريخ إصبهان نقلت

١١٨

منه »(١) .

وفي ( العبر ) « تفرَّد بالدنيا بعلوّ الإِسناد، مع الحفظ والاستبحار من الحيث وفنونه وصنّف التصانيف الكبار المشهورة في الأقطار »(٢) .

(٣٠)

رواية أحمد بن المظفر الفقيه الشافعي

رواه باسناده عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما تقدّم عن ( المناقب ) لابن المغازلي، وستقف عليه فيما بعد أيضاً إنْ شاء الله تعالى.

ترجمته:

ترجم لهالذهبي (٣) كما تظهر جلالته من رواية ابن المغازلي عنه ووصفه إيّاه بالفقيه الشافعي في مواضع عديدة من كتابه ( المناقب ).

(٣١)

رواية أبي الحسن الماوردي

وقد رواه أقضى القضاة أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري الشافعي المعروف بالماوردي على ما نقل عنه ابن شهر آشوب حيث قال: « وقال

____________________

(١). وفيات الأعيان ١ / ٢٦.

(٢). العبر في خبر من غبر ٣ / ١٧٠.

(٣). نفس المصدر.

١١٩

النبيعليه‌السلام بالاجماع: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب. رواه أحمد من ثمانية طرق، وإبراهيم الثقفي من سبعة طرق، وابن بطة من ستة طرق، والقاضي الجعابي من ستة طرق، وابن شاهين من أربعة طرق، والخطيب التاريخي من ثلاثة طرق، ويحيى بن معين من طريقين. وقد رواه السمعاني والقاضي الماوردي وأبو منصور السكري »(١) .

ترجمته:

١ - السمعاني: « أقضى القضاة أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري المعروف بالماوردي، من أهل البصرة سكن بغداد، وكان من وجوه الفقهاء الشافعيين، وله تصانيف عدة في أصول الفقه وفروعه وغير ذلك، قال الخطيب كتبت عنه وكان ثقة »(٢) .

٢ - ابن الأثير: « وكان إماماً وله تصانيف كثيرة، منها الحاوي وغيره في علوم كثيرة، وكان عمره ستاً وثمانين سنة »(٣) .

٣ - ابن خلكان: « كان من وجوه الفقهاء الشافعية وكبارهم وكان حافظاً للمذهب، وله فيه كتاب الحاوي الذي لم يطالعه أحد إلّا وشهد له بالتبحر والمعرفة التامة بالمذهب، وفوّض إليه القضاء ببلدان كثيرة »(٤) .

٤ - الذهبي: « وكان إماماً في الفقه والأصول والتفسير، بصيراً بالعربية »(٥) .

٥ - اليافعي: « الامام النحرير والبحر الكبير أقضى القضاة »(٦) .

____________________

(١). مناقب آل أبي طالب ٢ / ٣٤.

(٢). الأنساب - الماوردي. ملخّصاً.

(٣). الكامل في التاريخ - حوادث: ٤٥٠. ملخّصاً.

(٤). وفيات الأعيان ١ / ٣٢٦.

(٥). العبر في خبر من غبر - حوادث: ٤٥٠.

(٦). مرآة الجنان - حوادث: ٤٥٠.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466