تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

تذكرة الفقهاء8%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 978-964-319-530-4
الصفحات: 466

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 155384 / تحميل: 5486
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٩٦٤-٣١٩-٥٣٠-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

تَذْكِرَةُ الْفُقَهاء

الجزء السّابع عشر

تأليْفُ : العَلّامِةَ الحِليْ

٢

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

٤

٥

المقصد الرابع : في القراض‌

وفصوله خمسة :

الأوّل : الماهيّة‌

مسألة ١٩١ : القراض عقد شُرّع لتجارة الإنسان بمال غيره بحصّةٍ من الربح ، فإذا دفع الإنسان إلى غيره مالاً ليتّجر فيه ، فلا يخلو إمّا أن يشرطا قدر الربح بينهما أو لا ، فإن لم يشرطا شيئاً فالربح بأجمعه لصاحب المال ، وعليه أُجرة المثل للعامل.

وإن شرطا ، فإن جعلا جميعَ الربح للعامل كان المال قرضاً ودَيْناً عليه ، والربح له والخسارة عليه ، وإن جعلا الربحَ بأجمعه للمالك كان بضاعةً ، وإن جعلا الربحَ بينهما فهو القراض الذي عُقد الباب لأجله ، وسُمّي(١) المضاربة أيضاً.

والقراض لغة أهل الحجاز(٢) ، والمضاربة لغة أهل العراق(٣) .

____________________

(١) في « ج » : « ويُسمّى ».

(٢) كما في طلبة الطلبة : ٢٦٧ ، والزاهر : ٣٠٥ ، والحاوي الكبير ٧ : ٣٠٥ ، والمهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٩٢ ، وبحر المذهب ٩ : ١٨٦ ، والتهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٧٧ ، والبيان ٧ : ١٥٧ ، والاستذكار ٢١ : ١١٩ / ٣٠٧٠٧ ، والمغني ٥ : ١٣٥ ، والشرح الكبير ٥ : ١٣٠.

(٣) كما في الزاهر : ٣٠٥ ، والحاوي الكبير ٧ : ٣٠٥ ، والمهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٩٢ ، وبحر المذهب ٩ : ١٨٦ ، والتهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٧٨ ، والاستذكار ٢١ : ١١٩ / ٣٠٧٠٧.

٦

أمّا القراض فإنّه لفظ مأخوذ من القرض ، وهو القطع ، كما يقال : قرض الفأر الثوبَ ، أي قطعه ، ومنه المقراض ؛ لأنّه يُقطع به ، فكأنّ صاحب المال اقتطع من ماله قطعةً وسلّمها إلى العامل ، أو اقتطع له قطعةً من الربح.

وقيل : اشتقاقه من المقارضة ، وهي المساواة والموازنة ، يقال : تقارض الشاعران إذا وازن كلٌّ منهما الآخَر بشعره(١) .

وحكي عن أبي الدرداء أنّه قال : قارض الناس ما قارضوك ، فإن تركتهم لم يتركوك(٢) ، يريد ساوِهم فيما يقولون.

وهذا المعنى متحقّق هنا ؛ لأنّ المال من جهة ربّ المال ، ومن جهة العامل العمل ، فقد تساويا في قوام العقد بهما ، فمن هذا المالُ ، ومن هذا(٣) العملُ.

ويحتمل أن يكون ذلك لاشتراكهما في الربح.

وأمّا المضاربة فهي مأخوذة من الضرب ، قال الله تعالى :( وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ ) (٤) والعامل يضرب في الأرض للتجارة يبتغي الربح.

وقيل : إنّه مأخوذ من ضرب كلٍّ منهما في الربح بسهمه ، أو لما فيه‌

____________________

(١) كما في بحر المذهب ٩ : ١٨٦ ، والبيان ٧ : ١٥٧ ، والعزيز شرح الوجيز ٦ : ٣ ، والمغني ٥ : ١٣٥ ، والشرح الكبير ٥ : ١٣٠.

(٢) كما في البيان ٧ : ١٥٧ ، وحكاه عنه الأزهري في الزاهر : ٣٠٤ ، والروياني في بحر المذهب ٩ : ١٨٦ ، وابن منظور في لسان العرب ٧ : ٢١٧ « قرض ».

(٣) في الطبعة الحجريّة : « ومن الآخَر » بدل « ومن هذا ».

(٤) سورة المزّمّل : ٢٠.

٧

من الضرب بالمال والتقليب(١) .

ويقال للمالك من اللفظة الأُولى : مقارِض ، بكسر الراء ، وللعامل : مقارَض ، بفتحها ، ومن اللفظة الثانية يقال للعامل : مضارِب ، بكسر الراء ؛ لأنّه الذي يضرب في الأرض بالمال ويقلبه ، ولم يشتق أهل اللغة لربّ المال من المضاربة اسماً ، بخلاف القراض.

مسألة ١٩٢ : وهذه المعاملة جائزة بالنصّ والإجماع ؛ لما روى العامّة : إنّ الصحابة أجمعوا عليها(٢) .

قال الشافعي : روى أبو حنيفة عن حميد بن عبد الله بن عبيد الله(٣) عن جدّه أنّ عمر بن الخطّاب أعطاه مالَ يتيمٍ مضاربةً ، فكان يعمل عليه في العراق(٤) .

وروى الشافعي عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أنّ عبد الله وعبيد الله ابني عمر بن الخطّاب خرجا في جيشٍ إلى البصرة ، وفي منصرفهما من غزوة نهاوند لقيا أبا موسى الأشعري وتسلّفا من أبي موسى الأشعري مالاً وابتاعا به متاعاً وقدما به إلى المدينة فباعاه وربحا ، فأراد عمر أخذ رأس المال والربح كلّه ، فقالا : لو تلف كان ضمانه علينا فكيف لا يكون ربحه لنا؟ فقال رجل : يا عمر لو جعلتَه قراضاً؟ فقال : قد جعلتُه ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤.

(٢) بحر المذهب ٩ : ١٨٨ ، البيان ٧ : ١٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٧ ، المغني ٥ : ١٣٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣١.

(٣) كذا قوله : « عبيد الله » في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة ، وفي الأُم والعزيز شرح الوجيز : « عبيد الأنصاري ». وفي بحر المذهب : « عبيد ».

(٤) الأُم ٧ : ١٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤ ، بحر المذهب ٩ : ١٨٧ - ١٨٨.

٨

وأخذ منهما نصف الربح(١) .

وقال بعض الشافعيّة : إنّ ما جرى كان قرضاً صحيحاً ، وكان الربح ورأس المال لهما ، لكن عمر استنزلهما عن نصف(٢) الربح خيفة أن يكون قد قصد أبو موسى إرفاقهما ، لا رعاية مصلحة بيت المال ، ولذلك قال في بعض الروايات : أو أسلف كلّ الجيش كما أسلفكما(٣) (٤) .

وعن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه(٥) أنّ عثمان أعطاه مالاً مقارضةً(٦) .

وروى قتادة عن الحسن عن عليٍّعليه‌السلام أنّه قال : « إذا خالف المضارب فلا ضمان ، وهُما على ما شرطا »(٧) .

وعن ابن مسعود وحكيم بن حزام أنّهما قارضا(٨) ، ولا مخالف لهما ، فصار ذلك إجماعاً.

ومن طريق الخاصّة : ما رواه أبو بصير عن الصادقعليه‌السلام في الرجل يعطي الرجل مالاً مضاربةً وينهاه أن يخرج به إلى أرض أُخرى ، فعصاه ، فقال : « هو له ضامن ، والربح بينهما إذا خالف شرطه وعصاه »(٩) .

____________________

(١) الأُم ٤ : ٣٣ - ٣٤ ، سنن البيهقي ٦ : ١١٠ ، بحر المذهب ٩ : ١٨٧ ، الموطّأ ٢ : ٦٨٧ - ٦٨٨ / ١ ، البيان ٧ : ١٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤ - ٥.

(٢) في المصدر و « خ » : « بعض » بدل « نصف ».

(٣) راجع : الهامش (١)

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٥.

(٥) فيما عدا الأُم وموضع من سنن البيهقي زيادة : « عن جدّه ».

(٦) الأُم ٧ : ١٠٨ ، الموطّأ ٢ : ٦٨٨ / ٢ ، سنن البيهقي ٦ : ١١١ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٠٧ ، بحر المذهب ٩ : ١٨٨ ، المغني ٥ : ١٣٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٠ - ١٣١.

(٧ و ٨) بحر المذهب ٩ : ١٨٨ ، المغني ٥ : ١٣٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣١.

(٩) التهذيب ٧ : ١٨٧ / ٨٢٧.

٩

وفي الصحيح عن الحلبي عن الصادقعليه‌السلام قال : « المال [ الذي ] يعمل به مضاربة له من الربح ، وليس عليه من الوضيعة شي‌ء إلّا أن يخالف أمر صاحب المال »(١) .

وعن إسحاق بن عمّار عن الكاظمعليه‌السلام ، قال : سألته عن مال المضاربة ، قال : « الربح بينهما ، والوضيعة على ربّ(٢) المال »(٣) .

والأخبار في ذلك كثيرة.

ولأنّ الحاجة ماسّة وداعية إلى المضاربة ، فإنّ الدراهم والدنانير لا تنمى إلّا بالتقليب ، ولا تُؤجر ، وليس كلّ مَنْ يملكها يمكنه التجارة ، ولا كلّ مَنْ يتمكّن من التجارة ويعرفها يتمكّن من المال ، فاقتضت الحكمة مراعاة طرفي العامل والمالك بتسويغ المضاربة.

ولأنّ السنّة الظاهرة وردت في المساقاة ، وإنّما جُوّزت المساقاة ؛ للحاجة من حيث إنّ مالك النخيل قد لا يُحسن تعهّدها أو لا يتفرّغ له ، ومَنْ يُحسن العمل قد لا يملك ما يعمل فيه ، وهذا المعنى موجود في القراض ، فوجب مشروعيّته.

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٨٧ - ١٨٨ / ٨٢٨ ، الاستبصار ٣ : ١٢٦ / ٤٥١ ، وما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(٢) كلمة « ربّ » لم ترد في المصدر.

(٣) التهذيب ٧ : ١٨٨ / ٨٢٩ ، الاستبصار ٣ : ١٢٦ / ٤٥٢.

١٠

١١

الفصل الثاني : في أركانه‌

وهي خمسة تنظمها خمسة مباحث :

الأوّل : العقد.

مسألة ١٩٣ : لا بدّ في هذه المعاملة من لفظٍ دالٍّ على الرضا من المتعاقدين ؛ إذ الرضا من الأُمور الباطنة التي لا يطّلع عليها إلّا الله تعالى ، وهذه المعاملة وغيرها من المعاملات يعتبر فيها الرضا ؛ للآية(١) .

فاللفظ الدالّ على الإيجاب أن يقول ربّ المال : قارضتك ، أو : ضاربتك ، أو : عاملتك على أن يكون الربح بيننا نصفين أو أثلاثاً ، أو غير ذلك من الأجزاء ، بشرط تعيين الأكثر لمن هو منهما والأقلّ كذلك.

والقبول أن يقول العامل : قبلت ، أو : رضيت ، أو غيرهما من الألفاظ الدالّة على الرضا بالإيجاب.

وكذا الإيجاب لا يختصّ لفظاً ، فلو قال : خُذْه واتّجر به على أنّ ما سهّل الله تعالى في ذلك من ربحٍ وفائدةٍ يكون بيننا على السويّة أو متفاوتاً ، جاز.

مسألة ١٩٤ : ولا بدّ من القبول على التواصل المعتبر في سائر العقود.

وهل يعتبر اللّفظ؟ الأقرب : العدم ، فلو قال : خُذْ هذه الدراهم فاتّجر‌

____________________

(١) سورة النساء : ٢٩.

١٢

بها على أنّ الربح بيننا على كذا ، فأخذها واتّجر ، فالأقرب : الاكتفاء به في صحّة العقد ، كالوكالة ، ويكون قراضاً ، وهذا قول بعض الشافعيّة(١) .

قال الجويني : وقطع شيخي والطبقة العظمى من نَقَلة المذهب على أنّه لا بدّ من القبول ؛ بخلاف الجعالة والوكالة ، فإنّ القراض عقد معاوضةٍ يختصّ بمعيّنٍ ، فلا يشبه الوكالة التي هي إذن مجرّد ، والجعالة التي يبهم فيها العامل(٢) .

والوجه : الأوّل.

تذنيب : يجب التنجيز في العقد ، فلا يجوز تعليقه على شرطٍ أو صفةٍ ، مثل : إذا دخلت الدار ، أو : إذا جاء رأس الشهر فقد قارضتك بكذا [ كما ] لا يجوز تعليق البيع ونحوه ؛ لأنّ الأصل عصمة مال الغير.

مسألة ١٩٥ : وإنّما يصحّ العقد لو تعيّنت الحصّة في الربح لكلّ واحدٍ منهما ، فلو أبهما الحصّة لهما بأن يقول : على أنّ لي بعض الربح ولك البعض ، أو لأحدهما ، لم يصح قطعاً.

ولو عيّن حصّة العامل وسكت عن حصّته ، فقال : قارضتك بهذا المال على أنّ النصف لك ، صحّ ؛ لأنّ النماء والربح يتبع الأصل ، فهو بالأصالة للمالك ، وإنّما ينتقل إلى العامل بالشرط ، فإذا عيّن حصّة العامل بقي الباقي للمالك ؛ لأنّه تابع لماله.

وللشافعيّة وجهٌ ضعيف : إنّه لا يصحّ ، إلّا أن تجري الإضافة إلى المتعاملين في الجزءين من الجانبين ، فيقول : على أنّ الربح نصفه لك‌

____________________

(١) الوسيط ٤ : ١١٤ ، التهذيب ٤ : ٣٧٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٤.

١٣

ونصفه لي(١) .

والمعتمد ما تقدّم.

ولو عيّن حصّة المالك خاصّةً ، فقال : قارضتك بهذا على أنّ نصف الربح لي ، وسكت عن حصّة العامل ، بطل ؛ لأنّه لم يعيّن للعامل شيئاً ؛ إذ النماء المسكوت عنه يتبع المال ، فيكون للمالك ، إلّا إذا نُسب شي‌ء منه إلى العامل ، والتقدير أنّه لم يُنسب إليه شي‌ء.

وقال بعض الشافعيّة : يصحّ أيضاً ، ويكون النصف الآخَر للعامل ؛ لأنّه الذي يسبق إلى الفهم منه(٢) .

ولو قال : على أنّ لك النصف ولي السدس ، وسكت عن الباقي ، صحّ على ما اخترناه ، وكان الربح بينهما بالسويّة ، كما لو سكت عن جميع النصف الذي للمالك ؛ لأنّ الباقي مسكوت عنه ، فيتبع رأس المال.

البحث الثاني : المتعاقدان.

وشرط كلّ واحدٍ منهما البلوغُ والعقلُ وجوازُ التصرّف ، فلا يصحّ القراض بين الصبي وغيره ، وكذا المجنون والسفيه والمحجور عليه للفلس.

والأصل فيه : إنّ القراض توكيل وتوكّل في شي‌ءٍ خاصّ ، وهو التجارة ، فيعتبر في العامل والمالك ما يعتبر في الوكيل والموكّل.

____________________

(١) التنبيه : ١١٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٢ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٨ ، الوسيط ٤ : ١١٢ ، الوجيز ١ : ٢٢٢ ، البيان ٧ : ١٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٤.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٦ ، التنبيه : ١١٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٢ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٨ ، الوسيط ٤ : ١١١ ، الوجيز ١ : ٢٢٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٠ ، البيان ٧ : ١٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٤.

١٤

ولا نعلم فيه خلافاً.

مسألة ١٩٦ : لو قارض المريض في مرض موته ، صح ، وكان للعامل ما شُرط له ، سواء زاد عن أُجرة مثل عمله أو ساواه أو قصر عنه ، ولا يحسب من الثلث ؛ لأنّ المحسوب من الثلث إنّما هو ما يفوّته المريض من ماله ، والربح ليس بحاصلٍ حتى يفوّته ، وإنّما هو شي‌ء يتوقّع حصوله ، وإذا حصل حصل بتصرّفات العامل وكسبه.

ولو ساقى المريض في مرض الموت وزاد الحاصل عن أُجرة المثل ، فالأولى أنّ الزيادة عن أُجرة المثل تُحسب من الثلث ؛ لأنّ للنماء وقتاً معلوماً يُنتظر ، وهي حاصلة من عين النخل من غير عملٍ ، فكانت كالشي‌ء الحاصل ، بخلاف أرباح التجارات التي تحصل من عمل العامل ، وهذا أظهر وجهي الشافعيّة. والثاني : إنّه لا تُحتسب من الثلث أيضاً ؛ لأنّه وقت العقد لم تكن ثمرة ، وحصولها منسوب إلى عمل العامل وتعهّده(١) .

مسألة ١٩٧ : يجوز تعدّد كلٍّ من المالك والعامل ، فيضارب الواحد اثنين وبالعكس ، فإذا تعدّد العامل بأن قارض الواحد اثنين ، اشترط تعيين الحصّة لهما ، ولا يجب تفصيلهما ، بل يجوز أن يجعل النصف لهما ، فيحكم بالنصف لهما معاً بالسويّة ؛ لاقتضاء الإطلاق ذلك ، وأصالة عدم التفضيل.

ولو شرط التفاوت بينهما بأن جعل لأحدهما ثلث الربح وللآخَر ربعه وأبهم فلم يعيّن المستحقّ للثلث ، بطل.

وإن عيّن الثلث لواحدٍ بعينه والربع للآخَر ، جاز ؛ لأنّ عقد الواحد مع‌

____________________

(١) الوسيط ٤ : ١١٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٥.

١٥

اثنين كعقدين ، ويكون كأنّه قد قارض أحدهما في نصف المال بنصف الربح والآخَر في نصفه بثلث الربح ، وبه قال الشافعي(١) .

وقال مالك : لا يجوز ؛ لأنّهما شريكان في العمل بأبدانهما ، فلا يجوز تفاضلهما في الربح ، كالمفردين(٢) .

والمعتمد : الأوّل ؛ لأنّ ذلك بمنزلة العقدين ، ولا شكّ أنّه لو ضارب اثنين في عقدين جاز أن يفاضل بينهما ، فكذا إذا جمعهما عقدٌ واحد ؛ لأنّه بمنزلتهما.

ولأنّه مع تعدّد العامل ووحدة العقد إمّا أن يُنظر إلى تعدّد العامل فيجوز التفاضل قطعاً ، وإمّا أن يُنظر إلى وحدة العقد فكذلك ؛ لأنّه في الحقيقة قد شرط للعاملَيْن - اللّذين هُما بمنزلة عاملٍ واحد - نصفاً وثلثاً ، ولا شكّ في أنّه يجوز ذلك في العامل الواحد ، فكذا ما هو بمنزلته.

وقياس مالك باطل عندنا ؛ فإنّه لا تصحّ شركة الأبدان.

تذنيب : يجوز أن يقارض الاثنين وإن لم يثبت لكلٍّ منهما الاستقلال ، بل شرط على كلّ واحدٍ منهما مراجعة الآخَر ؛ عملاً بمقتضى الشرط ، وهو قول أكثر الشافعيّة(٣) .

وقال الجويني : إنّما يجوز أن يقارض اثنين إذا ثبت لكلّ واحدٍ منهما‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٥٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٥ ، المغني ٥ : ١٤٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٤ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٣ / ١١١٨ ، الذخيرة ٦ : ٤٠.

(٢) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٣ - ٦٤٤ / ١١١٨ ، الذخيرة ٦ : ٤٠ ، النوادر والزيادات ٧ : ٢٧٢ - ٢٧٣ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٩ ، المغني ٥ : ١٤٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٥.

١٦

الاستقلال ، فإن شرط على كلّ واحدٍ منهما مراجعة الآخَر ، لم يجز(١) .

ولا وجه له.

مسألة ١٩٨ : يجوز أن يقارض الاثنان واحدا ، ويجب أن يُبيّنا نصيب العامل من الربح ، ويكون الباقي بينهما على ما يشترطانه ، سواء كان على نسبة المالين أو لا ، فلو شرطا له النصف من نصيب أحدهما والثلث من نصيب الآخَر من الربح ، فإن أبهما لم يجز قطعاً ؛ للغرر بالجهالة ، وإن عيّنا فإن كان عالماً بقدر كلّ واحدٍ منهما جاز ، وإلّا بطل.

ولو شرط أحدهما للعامل النصفَ من حصّته من الربح وشرط الآخَر الثلثَ على أن يكون الباقي بينهما نصفين ، جاز عندنا - وبه قال أبو حنيفة وأبو ثور(٢) - عملاً بالشرط ، وقد بيّنّا أنّه يجوز اشتراط أحد الشريكين لنفسه أكثر ممّا يحصل له بالنسبة من ماله.

وقال الشافعي : لا يجوز ؛ لأنّ أحدهما يستحقّ ممّا بقي بعد شرطه النصفَ ، والآخَر الثلثين ، فلا يجوز أن يشترطا التساوي فيكون قد شرط أحدهما على الآخَر من ربح ماله بغير عملٍ عمله ولا مالٍ يملكه ، فلم يجز(٣) .

وهو غلط ؛ لأنّ الفاضل من حصّة العامل ، لا من حصّة شريكه.

مسألة ١٩٩ : يجوز لوليّ الطفل والمجنون أن يقارض على مالهما مع المصلحة ؛ لأنّه يجوز له أن يوكّل عنهما في أُمورهما ، فكذا يجوز أن يعامل على أموالهما قراضاً.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٥.

(٢) بحر المذهب ٩ : ٢٢٦ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٩ ، المغني ٥ : ١٤٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٤ - ١٣٥.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٣٥٥ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٦ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٥ ، المغني ٥ : ١٤٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٥.

١٧

ولا فرق بين الأب والجدّ له ووصيّهما والحاكم وأمينه.

ولو لم يكن الدافع وليّاً ، كان ضامناً ، والربح لليتيم ؛ لأنّه متعدٍّ بدفعه مالَ الغير.

وقد سأل بكرُ بن حبيب الباقرَعليه‌السلام عن رجلٍ دفع مال يتيمٍ مضاربةً ، فقال : « إن كان ربح فلليتيم ، وإن كانت وضيعة فالذي أعطاه(١) ضامن »(٢) .

إذا عرفت هذا ، فإن كان العامل جاهلاً كان الربح لليتيم ، وعلى الدافع إليه أُجرة المثل ، وإن كان عالماً فلا أُجرة له ، وعلى التقديرين فالعامل ضامن ، لكن في الصورة الأُولى يرجع على الدافع إليه ، وفي الصورة الثانية لا يرجع.

مسألة ٢٠٠ : يشترط أن يكون الدافع مالك المال أو مَنْ أذن له المالك فيه ؛ لأنّ غيرهما ممنوع منه ؛ لما فيه من التصرّف في مال الغير بغير إذنه ، وهذا العقد قابل للاستنابة ، فجاز أن يوقعه المالك بنفسه أو وكيله ؛ لأنّه نائبه في الحقيقة.

ويشترط في الوكيل الكماليّة المشترطة في باقي الوكلاء.

مسألة ٢٠١ : ليس للعامل في القراض أن يضارب غيره إلّا بإذن المالك ، فإن فَعَل كان فاسداً ؛ لأنّ المالك لم يأذن فيه ولا ائتمن على المال غيره ، ولا يجوز للعامل أن يتصرّف في مال ربّ المال بما لا يتناوله إذنه ، ولا يجوز له أن يسلّمه إلى مَنْ لم يأتمنه.

فإن قارض العامل غيرَه بغير إذن المالك ، كان ضامناً ؛ لأنّه متعدٍّ فيه.

____________________

(١) في المصدر : « أعطى ».

(٢) التهذيب ٧ : ١٩٠ / ٨٤٢.

١٨

وإن قارض بإذن المالك ، صحّ ، وكان المالك قد أذن له أن يقارض إن اختار أو عجز عن العمل ، فإذا قارض بإذنه كان العامل الأوّل وكيلاً لربّ المال في ذلك.

البحث الثالث : في رأس المال.

وله شروط ثلاثة :

الأوّل : أن يكون من النقدين : دراهم ودنانير مضروبة منقوشة ، عند علمائنا - وبه قال الشافعي ومالك وأبو حنيفة(١) - لأنّ القراض معاملة تشتمل على غررٍ عظيم ؛ إذ العمل مجهول غير منضبطٍ ، والربح غير متيقّن الحصول.

وإنّما سوّغنا هذه المعاملة مع الغرر الكثير ؛ للحاجة والضرورة ، فتختصّ بما تسهل التجارة عليه وتروج في كلّ حالٍ وكلّ وقتٍ ؛ لأنّ النقدين أثمان البياعات ، والناس يتداولون بالمعاملة عليها من عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(١) مختصر المزني : ١٢٢ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٣٨ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٠٧ ، التنبيه : ١١٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٢ ، بحر المذهب ٩ : ١٨٨ ، الوجيز ١ : ٢٢١ ، الوسيط ٤ : ١٠٦ ، حلية العلماء ٥ : ٣٢٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٧٨ ، البيان ٧ : ١٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٧ ، منهاج الطالبين : ١٥٤ ، الموطّأ ٢ : ٦٨٩ ، ذيل الرقم ٤ ، الاستذكار ٢١ : ١٣٦ / ٣٠٧٩١ و ٣٠٧٩٣ ، المدوّنة الكبرى ٥ : ٨٦ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٠ / ١١١١ ، التلقين : ٤٠٧ ، التفريع ٢ : ١٩٤ ، الذخيرة ٦ : ٣٠ ، المعونة ٢ : ١١٢٠ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٣٨٤ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٠ ، بدائع الصنائع ٦ : ٨٢ ، الفقه النافع ٣ : ١٢٨٧ / ١٠٤٠ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ١٦١ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٢١ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٣٧ / ١٧٠٢ ، النتف ١ : ٥٣٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٠٢ ، المغني ٥ : ١٢٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١١٢.

١٩

وقبله وبعده إلى زماننا هذا ، ويرجعون إليهما في قِيَم الـمُتلفات.

ولأنّ النقدين ثمنان لا يختلفان بالأزمنة والأصقاع إلّا قليلاً نادراً ، ولا يقوَّمان بغيرهما ، وأمّا غيرهما من العروض فإنّ قيمتها تختلف دائماً ، فلو جُعل شي‌ء منها رأس المال لزم إمّا أخذ المالك جميعَ الربح ، أو أخذ العامل بعضَ رأس المال ، والتالي بقسميه باطل ، فالمقدَّم مثله.

بيان الشرطيّة : إنّهما إذا جعلا رأس المال ثوباً مثلاً ، فإمّا أن يشترط(١) ردّ ثوبٍ بتلك الصفات ، أو ردّ قيمته.

فإن شرطا الأوّل ، فربما كان قيمة الثوب في حال المعاملة يساوي ديناراً ويبيعه به ويتصرّف فيه حتى يبلغ المال عشرة دنانير ثمّ ترتفع قيمة الثياب حتى لا يوجد مثل ذلك الثوب إلّا بعشرة ، فيحتاج العامل إلى أن يصرف جميع ما معه إلى تحصيل رأس المال ، فيذهب الربح في رأس المال ، فيتضرّر العامل.

وبالعكس قد تكون قيمة الثوب عشرةً وقت المعاملة ، فيبيعه ولا يربح شيئاً ثمّ تتنازل قيمة الثياب حتى يوجد مثله بنصف دينارٍ فيدفعه إليه ويبقى نصف دينارٍ(٢) ويأخذ العامل منه حصّته ، فيحصل بعض رأس المال.

وإن شرطا ردّ القيمة ، فإمّا أن يشترطا قيمته حال المفاصلة أو قيمته حال الدفع ، والقسمان باطلان.

أمّا الأوّل : فلأنّها مجهولة ، ولأنّ القيمة قد تزيد بحيث تستوعب الأصل والنماء ، فيلزم المحذور السابق.

والثاني باطل ؛ لأنّه قد تكون قيمته في الحال عشرةً وتعود عند‌

____________________

(١) الظاهر : « يشترطا ».

(٢) الظاهر : « تسعة ونصف دينار ».

٢٠

المفاصلة إلى واحدٍ ، فيلزم المحذور الثاني.

وأمّا بطلان التالي(١) : فلأنّه منافٍ للمضاربة ؛ لأنّ مقتضاها أن يرجع إلى ربّ المال رأس ماله ثمّ يشتركان في الربح.

واعتُرض(٢) بأنّ لزوم أحد الأمرين مبنيٌّ على أنّ رأس المال قيمة(٣) يوم العقد ، وبتقدير جواز القراض على العرض يجوز أن يكون رأس المال ذلك العرض بصفاته من غير نظرٍ إلى القيمة ، كما أنّه المستحقّ في السَّلَم ، وحينئذٍ فإن ارتفعت القيمة فهو كخسرانٍ حصل في أموال القراض ، وإن انخفضت فهو كزيادة قيمةٍ فيها.

وادّعى بعض الشافعيّة الإجماعَ على اختصاص القراض بالنقدين(٤) .

والشيخرحمه‌الله استدلّ على الاختصاص : بأنّ ذلك مُجمع على جوازه ، بخلاف المتنازع(٥) .

وقال الأوزاعي وابن أبي ليلى : يجوز القراض بكلّ مالٍ ، فإن كان له مِثْلٌ أُعيد مثله عند المفاصلة ، وإن لم يكن له مِثْلٌ أُعيد قيمته - وبه قال طاوُس وحمّاد بن أبي [ سليمان ](٦) مسلم ، وعن أحمد روايتان - لأنّ ذلك يجوز أن يكون ثمناً ، فجاز أن يكون رأس مال المضاربة كالنقود(٧) .

____________________

(١) في « ث ، خ ، ر » : « الثاني » بدل « التالي ».

(٢) المعترض هو الرافعي في العزيز شرح الوجيز ٦ : ٧.

(٣) في « ث ، ج ، ر » : « قيمته ».

(٤) البيان ٧ : ١٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٧.

(٥) الخلاف ٣ : ٤٥٩ ، المسألة ١ من كتاب القراض.

(٦) ما بين المعقوفين أثبتناه من الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٣٩ ، والمغني ٥ : ١٢٥ ، والشرح الكبير ٥ : ١١٣ ، وتهذيب التهذيب ٣ : ١٤ / ١٥.

(٧) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٣٩ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٠٧ ، بحر المذهب =

٢١

والفرق ظاهر بما قدّمناه.

إذا ثبت هذا ، فلو دفع إليه كُرّاً من طعامٍ مضاربةً ، فباعه واتّجر بثمنه ، فإنّ القراض فاسد ، وكان البيع والتجارة صحيحين بالإذن ، والربح بأجمعه لصاحب المال ، وعليه أُجرة المثل للعامل ؛ لأنّه عمل على أن يكون شريكاً في الربح ، ولم يثبت له ذلك ؛ لفساد العقد ، فيكون له أُجرة المثل.

مسألة ٢٠٢ : لا تجوز المضاربة بالنقرة ولا بالتبر ؛ لأنّهما متقوّمان ، كسائر الأعيان ، ولهذا يضمن بالقيمة في الإتلاف.

وكذا لا يجوز القراض بالحُليّ وسائر المصوغات من النقدين وكلّ ما ليس بمضروبٍ بسكّة المعاملة حال العقد أو قبله.

وأمّا الفلوس فلا يجوز القراض بها عند علمائنا - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأبو يوسف(١) - لأنّها ليست أثماناً غالباً ، فلا تصحّ المضاربة عليها ، كسائر الأعيان.

وقال محمّد بن الحسن : تجوز المعاملة على الفلوس ؛ استحساناً ؛ لأنّها ثمن في بعض البلاد(٢) .

____________________

= ٩ : ١٨٨ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٠ ، البيان ٧ : ١٥٩ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٠ / ١١١١ ، الاستذكار ٢١ : ١٣٦ / ٣٠٧٩٤ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٣٦ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٨١ / ٣٤٢٢ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٣٣ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٣٧ / ١٧٠٢.

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٣٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٢ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٠ ، الوسيط ٤ : ١٠٦ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٧٨ ، البيان ٧ : ١٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٧ - ١٩٨ ، بدائع الصنائع ٦ : ٨٢ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٢١ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٣٧ / ١٧٠٢ ، عيون المسائل : ١٨٥ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ١٦١ ، عيون المجالس ٤ : ٧٨٩ / ١٢٥٦.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٨٢ ، عيون المسائل : ١٨٥ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى =

٢٢

وهو ممنوع.

وأمّا الدراهم المغشوشة فلا تصحّ المعاملة عليها إذا لم تكن معلومةَ الصرف بين الناس ، سواء كان الغشّ أقلّ أو أكثر - وبه قال الشافعي(١) - لأنّها تتقوّم ، كالأعواض.

وقال أبو حنيفة : إن كان الغشّ أكثر من النصف لم يجز ، وإن كان أقلَّ جاز ؛ لأنّ الاعتبار بالغالب ، كما اعتُبر ذلك في كثيرٍ من الأُصول(٢) .

وهو ممنوع ؛ لأنّه يقول في الزكاة : إذا كانت الفضّة أقلَّ ، لم يسقط حكمها ، واعتبر بلوغها النصاب(٣) .

وحكى الجويني وجهاً عن الشافعيّة : إنّه يجوز القراض على المغشوش اعتباراً برواجه(٤) .

وحكى بعضهم أنّ بين الشافعيّة خلافاً في القراض بالفلوس(٥) .

تذنيب : ظهر من هذا أنّه لا يجوز أن يجعل المنافع - كسكنى الدار‌

____________________

= الهنديّة - ٣ : ١٦١ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٢١ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٣٧ / ١٧٠٢ ، النتف ١ : ٥٣٨ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٣٨ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣١ ، البيان ٧ : ١٦١ ، الاستذكار ٢١ : ١٣٧ / ٣٠٧٩٧.

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٠٨ ، التنبيه : ١١٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٢ ، بحر المذهب ٩ : ١٨٩ ، الوسيط ٤ : ١٠٦ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٧٨ ، البيان ٧ : ١٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٧ ، منهاج الطالبين : ١٥٤ ، الذخيرة ٦ : ٣٣.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٠٨ ، بحر المذهب ٩ : ١٨٩ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣١ ، البيان ٧ : ١٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٧ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٠ / ١١١٢ ، الذخيرة ٦ : ٣٣.

(٣) راجع : ج ٥ - من هذا الكتاب - ص ١٢٦ ، الهامش (٣)

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٧.

٢٣

وخدمة العبد - رأس مال القراض فإنّ العروض إذا لم يجز جَعْلها رأس المال له فالمنافع أولى بالمنع.

الشرط الثاني : أن يكون معلوماً ، فلا يصحّ القراض على الجزاف وإن كان مشاهداً ، مثل قبضةٍ من ذهبٍ أو فضّةٍ مجهولة المقدار ، أو كيس من الدراهم مجهول المقدار ، أو صُبرة مجهولة المقدار ، سواء شاهدها العامل والمالك ، أو لا - وبه قال الشافعي(١) - لعدم إمكان الرجوع إليه عند المفاصلة ، ولا بدّ من الرجوع إلى رأس المال عندها ، ولأنّ جهالة رأس المال تستلزم جهالة الربح.

وقال أبو حنيفة : يجوز أن يكون رأس المال مجهولاً ، ويكون القولُ قولَ العامل مع يمينه ، إلّا أن تكون لربّ المال بيّنةٌ ، فإن كانت لهما بيّنةٌ فبيّنة ربّ المال أولى ؛ لأنّ العامل أمينٌ لربّ المال ، وقوله مقبولٌ في ما في يده ، فقام ذلك مقام المعرفة(٢) .

وقد قال أبو حنيفة : يجب أن يكون رأس مال السَّلَم معلوماً(٣) ، وهو مذهبنا أيضاً ، وهو أحد قولَي الشافعي(٤) ؛ لأنّه قد يرجع إليه عند فساد السَّلَم ، فما لا بدّ من الرجوع أولى بأن يكون معلوماً.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٠٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٢ ، التنبيه : ١١٩ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٢ ، الوسيط ٤ : ١٠٦ ، حلية العلماء ٥ : ٣٢٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٧٨ ، البيان ٧ : ١٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٨ ، منهاج الطالبين : ١٥٤ ، المغني ٥ : ١٩١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤١.

(٢) فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ١٦١ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٢٧ ، المغني ٥ : ١٩١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤١ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٢ ، البيان ٧ : ١٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٨.

(٣) راجع : ج ١١ - من هذا الكتاب - ص ٣٣٣ ، الهامش (٣)

(٤) راجع : ج ١١ - من هذا الكتاب - ص ٣٣٣ ، الهامش (١)

٢٤

وأجاب الشافعيّة : بأنّ المسلَم إليه القولُ قوله أيضاً في قدر رأس المال ، ولا يقوم ذلك مقام معرفته ، وفرّقوا بين السَّلَم على القول بجواز الجهالة فيه : بأنّ السَّلَم لا يعقد ليفسخ(١) ، والقراض يعقد ليفسخ(٢) ، ويميّز بين رأس المال والربح(٣) .

الشرط الثالث : أن يكون معيّنا ، فلو أحضر المالك ألفين وقال للعامل : قارضتك على إحدى هاتين الألفين ، أو على أيّهما شئت ، لم يصح ؛ لعدم التعيين ، وصار كما لو قال : قارضتك على هذه الدراهم ، أو على هذه الدنانير ، أو قال : بعتك أحد هذين العبدين ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّه يصحّ ؛ لتساويهما(٤) .

وينتقض بما تقدّم.

نعم ، يصحّ القراض بالمال المشاع ، فلو كان له نصف ألفٍ مشاعاً ، فقارض غيره على ذلك ، صحّ ؛ لأنّه معيّن.

وكذا لو كانت غائبةً عنهما وقت العقد ، وأشار ربّ المال إليها بما يميّزها عن غيرها حالة العقد ، صحّ.

أمّا لو قارضه على ألفٍ وأطلق ، ثمّ أحضر إليه ألفاً في المجلس وعيّنها ، فإنّه لا يصحّ - وهو أحد قولَي الشافعيّة(٥) - لعدم التعيين.

____________________

(١ و ٢) فيما عدا « ج » من النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « لينفسخ ».

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٨.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٣٠٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٢ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٣ ، الوسيط ٤ : ١٠٦ ، حلية العلماء ٥ : ٣٢٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٧٨ - ٣٧٩ ، البيان ٧ : ١٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٩.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٨.

٢٥

والآخَر : إنّه يصحّ ، كما في الصرف ورأس مال السَّلَم(١) .

مسألة ٢٠٣ : ولا يجوز القراض على الديون ، ولا نعلم فيه خلافاً.

قال ابن المنذر : أجمع كلّ مَنْ نحفظ عنه من أهل العلم أنّه لا يجوز أن يجعل الرجل دَيْناً له مضاربةً ، و [ ممّن ](٢) حفظنا عنه ذلك : عطاء والحكم وحمّاد ومالك والثوري وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي ، وبه قال الشافعي(٣) .

فلو كان له في ذمّة غيره ألف فقارضه عليها أو قارض غيره وقال : قد قارضتك على الألف التي في ذمّة فلان فاقبضه واتّجر فيه ، لم يجز ؛ لأنّا منعنا من القراض على العروض لعسر التجارة والتصرّف فيها ، ومعلومٌ أنّ التصرّف في الدَّيْن أعسر ، فكان المنع منه فيه أولى ؛ لأنّ ما في الذمّة لا بدّ من تحصيله أوّلاً ، وسيأتي أنّه لا يجوز في القراض ضمّ عملٍ إلى التجارة ، لكن مثل هذا العمل يجوز أن يُعدّ من توابع التجارة ، فلا يمتنع ضمّه إلى عمل القراض ، كما أنّه لو كان له عند غيره وديعة دراهم أو دنانير فقال لثالثٍ : قارضتك عليها فخُذْها وتصرّف فيها ، فإنّه يجوز قطعاً ، فإذَنْ التعويل على ما تقدّم وعلى ما رواه السكوني - في الموثّق - عن الصادقعليه‌السلام قال : « قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في رجلٍ له على رجلٍ مال فتقاضاه فلا يكون عنده ، فيقول : هو عندك مضاربة ، قال : لا يصلح حتى يقبضه »(٤) .

مسألة ٢٠٤ : لو دفع إليه ثوباً فقال له : بِعْه فإذا نضّ ثمنه فقد قارضتك‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٨.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « من ». والظاهر ما أثبتناه كما في المصادر.

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٠ ، المغني ٥ : ١٩٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٠.

(٤) الكافي ٥ : ٢٤٠ / ٤ ، التهذيب ٧ : ١٩٢ / ٨٤٨.

٢٦

عليه ، لم يصح عند علمائنا - وبه قال الشافعي(١) - لأنّه عقد لا يصحّ على المجهول ، فلم يجز تعليقه بالشرط ، كالبيع ، ولأنّ شرط مال القراض التعيينُ والتشخيصُ ، ولا يتحقّق ذلك في الثمن الذي يحصل بعد عقد القراض.

وقال أبو حنيفة : يصحّ ، فإذا باعه وقبض الثمن كان قراضاً ؛ لأنّ ذلك أمرٌ له بالتصرّف ، فجاز تعليقه على شرطٍ ، كالإمارة(٢) .

والفرق : إنّ الإمارة يجوز أن تكون شورى بين جماعةٍ ، ولا يجوز مثل ذلك في القراض.

مسألة ٢٠٥ : لو دفع إليه غزلاً وقال : انسجه ثوباً على أن يكون الفضل بيننا ، لم يصح ، وإذا نسجه كان الثوب لصاحب الغزل ، وعليه أُجرة الحائك ، وكذا إذا دفع إليه حنطةً ليطحنها ويبيعه على أنّ الفاضل بينهما ، لم يصح ؛ لأنّ القراض إنّما يجوز على النقدين على ما تقدّم(٣) ، فيكون الدقيق لصاحب الحنطة ، وعليه أُجرته.

ولو دفع إليه شبكةً ليصطاد بها ويكون ما يحصل من الصيد بينهما ، أو دفع إليه راويةً ليستقي عليها ويكون الماء أو ثمنه بينهما ، لم يصح ،

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٠٩ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٧٩ ، البيان ٧ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٨ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٣ / ١٢٤٧ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٨٣ / ٣٤٣٤.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٨٢ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٨٣ / ٣٤٣٣ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٣٦ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٠٢ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٢ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٧٩ ، البيان ٧ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٨.

(٣) في ص ١٨.

٢٧

ويكون الصيد للصائد ، وعليه أُجرة الشبكة لصاحبها ، وكذا الماء الذي استقاه ، وثمنه له أيضاً ، وعليه أُجرة الراوية ، وقد تقدّم(١) .

مسألة ٢٠٦ : لو كان له عند رجلٍ وديعة ، فقارضه عليها ، صحّ القراض ؛ لأنّه متعيّن ، وهو في يد العامل أمانة ، فهو بمنزلة كونه في يد ربّ المال ، وكذا لو كان عنده عارية.

ويجوز أن يعامل غيرَ المستودع والمستعير بالوديعة والعارية.

ولو كان له مال عنده غصب ، فقارضه عليه وهو موجود معيّن ، صحّ عندنا أيضاً ؛ لاستجماع شرائط الصحّة ، مع أصالتها ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : لا يصحّ ؛ لأنّ مال القراض أمانة ، وهذا المال في يده مضمون عليه ، فلا يوجد فيه معنى القراض(٢) .

والمذهب عندهم : الوجه الأوّل(٣) ، وهو الحقّ عندنا.

واجتماع ما أصله الضمان وما أصله الأمانة غير منافٍ ؛ فإنّ العامل إذا تعدّى في مال المضاربة ضمن ، والقراض بحاله ، وكذا إذا ارتهن ما هو مغصوب عنده ، مع أنّ مقتضى الرهن الأمانة.

إذا ثبت هذا ، فإذا اشترى شيئاً للقراض وسلّم المال المغصوب إلى البائع ، صحّ ، وبرئ من الضمان حيث سلّمه بإذن صاحبه ، فإنّ المضاربة‌

____________________

(١) في ج ١٦ ، ص ٣٤٣ ، المسألة ١٦٢.

(٢ و ٣) الحاوي الكبير ٧ : ٣٠٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٢ ، بحر المذهب ٩ : ١٩١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٢٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٧٩ ، البيان ٧ : ١٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٩.

٢٨

تضمّنت تسليم المال إلى البائع في التجارة.

وهل يزول عن الغاصب ضمان الغصب بعقد المضاربة عليه ، أو بدفعه إلى بائع السلعة للقراض؟ أبو حنيفة ومالك على الأوّل ؛ لأنّه ماسك له بإذن صاحبه(١) ، والشافعي على الثاني ؛ لعدم التنافي بين القراض وضمان الغصب ، كما لو تعدّى فيه(٢) .

والوجه عندي : الأوّل ؛ لأنّ ضمان الغصب يتبع الغصب ، والغصب قد زال بعقد القراض ، فيزول تابعه.

مسألة ٢٠٧ : لو كان له في ذمّة غيره مال فقال : اعزل المال الذي لي في ذمّتك وقد قارضتك عليه بالنصف ، مثلاً ، فعزل المال ، بطل القراض ؛ لأنّه قبل العزل دَيْنٌ عليه ، وقد قارضه على الدَّيْن وقلنا : إنّه لا يجوز.

وقال الشافعي : لا يصحّ تعيينه بالدَّيْن ؛ لأنّه لا يجوز أن يكون قابضاً لغيره من نفسه ، ولا تبرأ ذمّته منه ، ويكون الدَّيْن باقياً في ذمّته(٣) .

فإن اشترى شيئاً للقراض ، فإن كان بعين المال كان ملكاً له ، ولم يكن قراضاً ؛ لأنّ المال ملكه ، ونيّة القراض لا تؤثّر في الشراء به.

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ١٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٩ ، المغني ٥ : ١٩٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٩ - ١٤٠.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٠٩ ، بحر المذهب ٩ : ١٩١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٢٩ ، البيان ٧ : ١٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٩ ، المغني ٥ : ١٩٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٠.

(٣) بحر المذهب ٩ : ١٩١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٧٩ ، البيان ٧ : ٢٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٨.

٢٩

وإن اشترى شيئاً للقراض [ بثمنٍ مطلقٍ ](١) ودفع المال(٢) ، اختلفت الشافعيّة فيه :

فمنهم مَنْ قال : يكون المشترى للقراض ، ويكون قراضاً فاسداً ؛ لأنّه جعل له شرطاً ، وهو عزل المال الذي في ذمّته ، كما لو قال له : بِعْ هذا العبد ويكون ثمنه قراضاً ، وقد برئ من الدَّيْن بدفع ثمن الذي اشتراه ؛ لأنّه دَفَعه بإذن صاحبه ، ويكون له أُجرة المثل ، والربح لربّ المال.

ومنهم مَنْ قال : لا يكون قراضاً لا صحيحاً ولا فاسداً ، ويكون ما اشتراه له ، ولا يصحّ أن يشتري بنيّة القراض إلّا إذا كان في يده مال القراض ، وهذا المال الذي في يده ملكه ، فإذا اشترى وقع الشراء له ، ويكون الدَّيْن باقياً في ذمّته(٣) .

ولو كان لرجلٍ في ذمّة غيره ألف ، فقال لثالثٍ : اقبضها منه وقد قارضتك عليها ، فقبضها منه ، لم يصح القراض ، وصحّ القبض ؛ لأنّه قبض بإذن صاحب الدَّيْن ، وإذا اشترى بها للقراض صحّ الشراء له ، إلّا أنّه يكون قراضاً فاسداً ؛ لأنّه علّقه بشرطٍ ، فيكون الربح والخسران لربّ المال ، وللعامل أُجرة المثل ، كما إذا قال : بِع الثوب وقد قارضتك بثمنه.

فأمّا إذا قال : قارضتك على ألف ، ثمّ قال له : خُذْها من فلان ، أو قال للّذي عليه الدَّيْن : احملها إليه ، ففَعَل ، صحّ إن وقع ذلك في الحال ؛ لأنّه لا فرق بين أن يدفعها بنفسه أو بغيره.

هذا إذا كانت معيّنةً - عندنا - شخصيّة ، ولو كانت دَيْناً عليه لم يجز.

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « بطل ». والمثبت من « بحر المذهب » يقتضيه السياق.

(٢) في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة إضافة « و». وهي زائدة.

(٣) بحر المذهب ٩ : ١٩١ - ١٩٢ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٧٩ ، البيان ٧ : ٢٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٨ - ١٩٩.

٣٠

مسألة ٢٠٨ : لو دفع إليه مائة دينار وألف درهم وقال : قارضتك على أحدهما بالنصف ، لم يصح ؛ لعدم التعيين ، والجهالة تمنع العقد ، كما لو قال : بعتك أحد هذين العبدين.

ولو دفع إليه ألف درهم وقال له : اعمل على هذه وربحها لي ، ودفع إليه ألفاً أُخرى وقال : اعمل على هذه ويكون ربحها لك ، كان القراض فاسداً ؛ لأنّه شرط أن يكون جميع الربح في إحداهما للمالك وجميع الربح في الأُخرى للعامل ، وذلك فاسد ؛ لأنّه لا يجوز أن ينفرد أحدهما بالربح ؛ لأنّ الربح يحصل بالمال والعمل ، فلا يصحّ عقد المضاربة.

أمّا لو دفع الألفين وقال : قارضتك على هذه على أن تكون الألف منهما ربحها لي والألف الأُخرى ربحها لك ، حكى ابن سريج عن أبي حنيفة وأبي ثور أنّهما قالا : يصحّ ، ويكون كأنّه قال : نصف الربح لي ونصفه لك ؛ لأنّ هذا معناه(١) .

قال ابن سريج : وهذا غلط ؛ لأنّ موضوع القراض على أن يكون كلّ جزءٍ من المال ربحه بينهما ، فإذا شرط ربح ألفٍ فقد شرط لنفسه الانفراد بربح جزءٍ منه ، فكان فاسداً ، ويفارق ما إذا شرط نصف الربح ؛ لأنّ شرطه لم يتضمّن الانفراد بجزءٍ منه(٢) .

قال الشيخرحمه‌الله : إذا أعطاه ألفين وقال : ما رزق الله تعالى من الربح كان لي ربح ألفٍ ولك ربح ألفٍ ، كان جائزاً ؛ لأنّه لا مانع منه ، والأصل جوازه.

وبه قال أبو حنيفة وأبو ثور(٣) .

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ١٩٨ ، وراجع : البيان ٧ : ١٦٧ ، وحلية العلماء ٥ : ٣٤٠.

(٢) الوسيط ٤ : ١١٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٧.

(٣) الخلاف ٣ : ٤٦٢ ، المسألة ٧ من كتاب القراض.

٣١

وهذا موافقة منهرحمه‌الله لهما.

والمعتمد أن نقول : إن قصد الإشاعة جاز ، وإن قصد المعيّن بطل.

ولو أنّ صاحب الدَّيْن قال : قارضتك عليه لتقبض وتتصرّف ، أو اقبضه فإذا قبضته فقد قارضتك عليه ، لم يصح أيضاً ، وإذا قبض وتصرّف فيه لم يستحق الربح المشروط ، بل الجميع لصاحب المال ، وعليه أُجرة المثل للعامل عن التصرّف وإن كان قد قال : إذا قبضتَ فقد قارضتُك ، وإن قال : قد قارضتك عليه لتقبض وتتصرّف ، استحقّ أُجرة مثل التقاضي والقبض أيضاً.

ولو قال : قارضتك على الدَّيْن الذي عليك ، لم يصح القراض أيضاً ؛ لأنّه إذا لم يصح والدَّيْن على الغير فلأن لا يصحّ والدَّيْن عليه كان أولى ؛ لأنّ المأمور لو استوفى ما على غيره ، مَلَكه الآمر ، وصحّ القبض ، وما على المأمور لا يصير للمالك بعزله من ماله وقبضه للآمر ، بل لو قال : اعزل قدر حقّي من مالك ، فعزله ، ثمّ قال : قارضتك عليه ، لم يصح ؛ لأنّه لم يملكه.

وإذا تصرّف المأمور في ما عزله ، فإن اشترى بعينه للقراض ، فهو كالفضولي يشتري لغيره بعين ماله.

وإن اشترى في الذمّة ونقد ما عزله ، فللشافعيّة وجهان :

أحدهما : إنّه للمالك ؛ لأنّه اشترى له بإذنه.

والثاني : إنّه للعامل ؛ لأنّه إنّما أذن في الشراء بمال القراض إمّا بعينه أو في الذمّة لينقده فيه ، فإذا لم يملكه فلا قراض(١) .

والأقوى : الأوّل ، فحيث كان المال المعزول للمالك فالربح ورأس‌

____________________

(١) راجع : الهامش (٣) من ص ٢٩.

٣٢

المال له ؛ لفساد القراض ، وعليه الأُجرة للعامل.

ولو قال : خُذ المال الذي على فلان واعمل به مضاربةً ، فأخذه ثمّ جدّد عقد المضاربة بعد أخذه ، صحّ.

وكذا لو قال : بِعْ هذا الثوب فإذا نضّ ثمنه فهو قراض ، ثمّ جدّد عقد القراض بعد الإنضاض.

ولو قال : خُذْ هذا المال قرضاً شهراً ثمّ هو قراض بعد ذلك ، لم يصر قراضاً بذلك ، بل لا بدّ من تجديد عقدٍ بعد الشهر وقبضه من يد المقترض ، أمّا لو قال : خُذْه قراضاً شهراً ثمّ هو قرض بعد ذلك ، صحّ.

مسألة ٢٠٩ : الأقرب عندي : إنّه لا يشترط في القراض أن يكون رأس المال مسلَّماً إلى العامل بحيث تستقلّ يده عليه وينفرد بالتصرّف فيه عن المالك وغيره ، فلو شرط المالك أن يكون الكيس في يده يوفي الثمن منه إذا اشترى العامل شيئاً ، أو شرط أن يراجعه العامل في التصرّف ، أو يراجع مُشْرفاً نصبه ، جاز ذلك ، ولم يجز للعامل التجاوز ، وكان القراض صحيحاً ؛ لأنّه شرط سائغ لا يخالف الكتاب والسنّة ؛ إذ للإنسان التوثّق على ماله بحفظه في يده أو يد مَنْ يثق به ، وقد يستعان بالخائن في المعاملات لحذقه فيها ، فلو لم يشرع هذا الشرط لزم تضرّر المالك إمّا بتسليم ماله إلى مَنْ لا يوثق به وإمّا بترك التجارة ، وكلاهما باطل.

وقالت الشافعيّة : يشترط في القراض أن يكون رأس المال مسلَّماً إلى العامل ، ويستقلّ باليد عليه والتصرّف فيه ، فلو شرط أن يكون الكيس في يده ويوفي الثمن منه إذا اشترى العامل شيئاً ، أو شرط أن يراجعه العامل في‌

٣٣

التصرّف ، أو يراجع مُشْرفاً نصبه ، فسد القراض ؛ لأنّه [ قد ](١) لا يجده عند الحاجة ، أو لا يساعده على رأيه ، فيفوت عليه التصرّف الرابح ، والقراض موضوع تمهيداً وتوسيعاً لطريق التجارة ، ولهذا الغرض احتُمل فيه ضروب من الجهالة ، فيُصان عمّا يخلّ به.

ولو شرط أن يعمل معه المالك بنفسه ، فسد أيضاً ؛ لأنّ انقسام التصرّف يفضي إلى انقسام اليد ، ويُبطل الاستقلال(٢) .

وهذا ضعيف ؛ لأنّه يجوز أن يشترط المالك عليه نوعاً من التجارة ، أو السفر إلى بلدٍ بعينه ، أو عدم السفر. وبالجملة ، له أن يخصّص تجارته بنوعٍ دون غيره ، وببلدٍ دون غيره ، وبزمانٍ دون غيره ، ولم يعتبر الشارع هذه التضييقات ، فما نحن فيه أولى بعدم الالتفات ؛ لما فيه من حفظ رأس المال على صاحبه والزيادة في الربح ، وقد وافقنا بعض الشافعيّة(٣) على ما قلناه.

مسألة ٢١٠ : يجوز أن يشترط المالك على العامل أو العامل على المالك أن يعمل معه عبد المالك - وهو ظاهر كلام الشافعي ، وبه قال أكثر الشافعيّة(٤) - لأنّ العبد مال يدخل تحت اليد ، ولمالكه إعارته وإجارته ، فإذا‌ دفعه إلى العامل فقد جعله معيناً وخادماً للعامل ، فوقع تصرّفه للعامل تبعاً

____________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٢) الوجيز ١ : ٢٢١ ، الوسيط ٤ : ١٠٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٩ ، المغني ٥ : ١٣٨ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤١ - ١٤٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٩.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٣١١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٩ ، الوسيط ٤ : ١٠٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٩ ، المغني ٥ : ١٣٨ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٢.

٣٤

لتصرّفه ، ولأنّ ذلك عقد على أصلٍ يشترك ربّ المال والعامل على فائدته ، فجاز أن يشترط فيه على ربّ المال عمل غلامه ، كالمساقاة.

والقول الثاني للشافعي : إنّه لا يجوز ، كما لو شرط أن يعمل بنفسه ؛ لأنّ يد عبده يده في الحقيقة(١) .

والفرق : إنّ تصرّف العبد للعامل يقع تابعاً لتصرّف العامل ، بخلاف ما إذا شرط المالك أن يعمل بنفسه ، فإنّه لا وجه لجَعْله تابعاً ؛ لأنّ عمل ربّ المال لا يجوز أن يكون تابعاً لعمل العامل ، ولا يصحّ ضمّه إليه ، وعمل غلامه يصحّ أن يقع تابعاً لعمل العامل ، ولأنّ عمل غلامه مالٌ له ، فصحّ ضمّه إليه ، كما يصحّ أن يضمّ إليه بهيمة يعمل عليها ، فافترقا.

وموضع الخلاف بين الشافعيّة : ما إذا لم يحجر على العامل ، فأمّا إن صرّح بالحجر عليه بأن قال : على أن يعمل معك غلامي ولا تتصرّف دونه ، أو يكون بعض المال في يده ، فإنّه يفسد عندهم لا محالة(٢) .

ونحن نقول بالصحّة ؛ عملاً بالشرط.

ولو كان الغلام حُرّاً ، فإن شرط عليه العمل مع العامل جاز ، وكانا جميعاً عاملين.

وإن لم يشترط عليه عملاً ، لم يصح القراض ؛ لأنّ الربح لا يستحقّ إلّا بالمال أو العمل ، فكان الشرط فاسداً.

ولو شرط أن يكون الربح أثلاثاً : ثلث للمالك ، وثلث لعبده ، وثلث للعامل ، ولم يشرط عمل الغلام مع العامل ، صحّ شرطه له ؛ لأنّ ما شرطه للعبد فإنّما يكون مشروطاً لسيّده ، فكأنّهما شرطا لربّ المال الثلثين ،

____________________

(١) نفس المصادر في الهامش (٤) من ص ٣٣ ، ما عدا المغني والشرح الكبير.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٠.

٣٥

وللعامل الثلث ، وبه قال الشافعي(١) أيضاً.

وكذا يجوز عندنا أن يشترط عمل الغلام وأن يكون له نصيب من الربح ؛ لأنّه في الحقيقة للسيّد ، خلافاً للشافعي في أحد القولين(٢) .

مسألة ٢١١ : لو شرط في المضاربة أن يعطيه بهيمةً يحمل عليها ، جاز ؛ لأنّه شرط سائغ لا ينافي الكتاب والسنّة ، فوجب الوفاء به ؛ عملاً بقولهعليه‌السلام : « المسلمون عند شروطهم »(٣) وهو أصحّ قولَي الشافعيّة.

والثاني : المنع ؛ حملاً على المنع لو شرط أن يعمل معه غلام المالك(٤) ، وقد سبق(٥) .

مسألة ٢١٢ : قد بيّنّا أنّه يجوز القراض بالمال المشاع ، فلو كان بينه وبين غيره دراهم مشتركة فقال لشريكه : قارضتك على نصيبي منها ، صحّ ؛ إذ ليس فيه إلّا الإشاعة ، وأنّها لا تمنع صحّة التصرّفات.

فلو مزج ألفين له بألفٍ لغيره ثمّ قال صاحب الألفين للآخَر : قارضتك على أحدهما وشاركتك في الآخَر ، فإن قصد بالتجزية الإشاعةَ صحّ ، وإلّا فلا.

وعند الشافعيّة : يصحّ ، وانفرد العامل بالتصرّف في ألف القراض ،

____________________

(١) مختصر المزني : ١٢٢ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣١٠ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٣ ، البيان ٧ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٠.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٠ ، البيان ٧ : ١٧١.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ١٢٠ ، سنن الدار قطني ٣ : ٢٧ / ٩٨ و ٩٩ ، سنن البيهقي ٧ : ٢٤٩ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٤٩ و ٥٠ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٦ : ٥٦٨ / ٢٠٦٤ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٤ : ٢٧٥ / ٤٤٠٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٠.

(٥) في المسألة السابقة.

٣٦

ويشتركان في التصرّف في [ باقي ](١) المال ، ولا يُخرّج على الخلاف في الصفقة الواحدة تجمع عقدين مختلفين ؛ لأنّهما جميعاً يرجعان إلى التوكيل بالتصرّف(٢) ، مع أنّ أصحّ القولين عندهم : إنّه لو دفع إليه كيسين في كلّ واحدٍ منهما ألف وقال : قارضتك على أحدهما : البطلان ؛ لعدم التعيين(٣) .

البحث الرابع : العمل.

العمل من العامل عوض ربح رأس المال المختصّ بالعامل ، وشرطه أن يكون تجارةً ، فلا يصحّ على الأعمال ، كالطبخ والخبز وغيرهما من الصنائع ؛ لأنّ هذه أعمال مضبوطة يمكن الاستئجار عليها ، فاستغني به عن القراض فيها ، وإنّما يسوغ القراض فيما لا يجوز الاستئجار عليه ، وهو التجارة التي لا يمكن ضبطها ولا معرفة قدر العمل فيها ولا قدر العوض ، والحاجة داعية إليها ، ولا يمكن الاستئجار عليها ، فللضرورة مع جهالة العوضين شُرّع عقد المضاربة.

وأمّا ما يتبع التجارة - كالنقل والكيل والوزن والنقد ونشر القماش وطيّه وغير ذلك - فإنّها لواحق التجارة وتابعة لها ، والتجارة إنّما هي الاسترباح بالبيع والشراء ، لا بالحِرَف والصنائع.

مسألة ٢١٣ : لو دفع إليه مالاً على أن يقارضه عليه وشرط أن يشتري - مثلاً - حنطةً يطحنها ، أو دقيقاً يخبزه ، أو طعاماً يطبخه ، أو غزلاً ينسجه ،

____________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٠.

(٣) بحر المذهب ٩ : ١٩٣ ، الوسيط ٤ : ١٠٦ - ١٠٧ ، البيان ٧ : ١٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٩٩.

٣٧

أو ثوباً يقصره أو يصبغه ثمّ يبيع ذلك ويقسّم الربح بينهما ، لم يصح ؛ لما تقدّم من أنّ الاسترباح بالقراض إنّما هو بالتجارة لا بالصنعة والحرفة.

أمّا لو اشترى العامل هذه الأعيان وفَعَل فيها هذه الصنائع من غير شرطٍ ، فإنّه يصحّ ، ولا يخرج الدقيق ولا الخبز ولا المطبوخ ولا الثوب المنسوج أو المقصور أو المصبوغ عن كونه رأس مال القراض - وهو أحد قولَي الشافعيّة(١) - ويكون القراض بحاله ، كما لو زاد عبد القراض بِكبَرٍ أو بسمنٍ أو تعلّم صنعةٍ ، فإنّه لا يخرج بذلك عن كونه مالَ القراض ، كذا هنا.

والقول الثاني للشافعيّة : إنّه تخرج هذه الأعيان عن كونها مالَ القراض ، فلو لم يكن في يده غير ذلك انفسخ القراض ؛ لأنّ الربح حينئذٍ لا يحال على البيع والشراء فقط ، بل على التغيير الحاصل في مال القراض بفعله ، وغير التجارة لا يُقابَل بالربح المجهول(٢) .

وما ذكرناه أصحّ ، وهذه الصفات لا تُخرج الأعيان عن كونها مالَ قراضٍ ، كسمن العبد وكِبَره.

وعلى قولهم هذا لو أمر المالك العاملَ بأن يطحن حنطة مال القراض ، كان فاسخاً للعقد(٣) .

والحقّ ما قلناه من عدم الفسخ ، لكنّ العامل إذا اشتغل بالطحن صار ضامناً ، وعليه غرم ما ينقص من قيمةٍ وعينٍ إن وُجد نقصٌ في الدقيق ، فإن باعه لم يكن الثمن مضموناً عليه ؛ لأنّه لم يتعدّ فيه ، ولا يستحقّ العامل بهذه الصناعات أُجرةً على المالك ، ولو استأجر عليه أجيراً فالأُجرة عليه ، والربح بينه وبين المالك كما شرطا.

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٠.

٣٨

مسألة ٢١٤ : لو دفع إليه دراهم قراضاً على أن يشتري بها نخيلاً أو دوابّ أو مزارع ويمسك رقابها لثمارها أو نتاجها أو غلّاتها ، وتكون الفوائد بينهما ، بطل القراض - وبه قال الشافعي(١) - لأنّه ليس استرباحاً بالتجارة ؛ لأنّ التجارة قد بيّنّا أنّها التصرّف بالبيع والشراء ، وهذه الفوائد تحصل من عين المال ، لا من تصرّف العامل ، ولأنّ عقد المضاربة يقتضي التصرّف في رقبة المال ؛ لأنّه مضاربة بالمال ، بخلاف المساقاة ؛ لأنّ عقدها [ لا ] يقتضي ذلك ، فحينئذٍ يصحّ الشراء بالإذن ، ويكون الحاصل بأجمعه للمالك ؛ لأنّه نماء عينه ، وعليه أُجرة المثل للعامل.

هذا في النخل والشجر والدوابّ ، أمّا المزارع فإن كان البذر من مال القراض أو من المالك فكذلك ، وإن كان من غيره فالنماء لذلك الغير ، وعلى ذلك الغير أُجرة الأرض.

ولو دفع إليه بهيمةً وقال : تكريها وتنقل عليها والحاصل بيننا ، لم يصح ، ولم يكن ذلك قراضاً ؛ لأنّ القراض يقتضي تصرّف العامل في رقبة المال ، فيكون ما حصل من المنفعة لصاحب البهيمة ، وعليه أُجرة المثل للعامل.

ولو دفع إلى صيّادٍ شبكةً وأمره بالاصطياد بها ، وما يحصل يكون بينهما ، لم تصح هذه المعاملة أيضاً - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّها ليست بشركةٍ ولا قراضٍ ولا إجارةٍ ، فإن اصطاد بها شيئاً مَلَكه الصائد ، دون صاحب الشبكة ، وعليه أُجرة الشبكة لصاحبها.

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ١٩٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٥ ، البيان ٧ : ١٧٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠١.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٠ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٠ ، البيان ٧ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠١.

٣٩

والفرق بين الشبكة والدابّة ظاهر ؛ لأنّ العمل في الدابّة حاصل من الدابّة ؛ لأنّ العمل والحمل منها ، فكانت الأُجرة لصاحبها ، وأمّا الاصطياد فالعمل فيه للصائد ، والشبكة تبع لعمله ؛ لأنّها آلة له ، فكان الحاصل له ، دون صاحب الشبكة.

مسألة ٢١٥ : لو دفع إلى رجلٍ أرضاً وقال له : اغرسها كذا وكذا على أن يكون الغرس بيننا نصفين والأرض بيننا نصفين ، لم تصح هذه المغارسة ؛ لأنّها ليست بشركةٍ ولا قراضٍ ، وليست بيعاً لنصف الأرض بنصف الغراس ؛ لأنّه إنّما شرط ذلك إذا ثبت غراساً وقراضاً ، وذلك مجهول ، ولأنّه يشتمل على تعليق البيع بشرطٍ ، وهو باطل.

أمّا لو باعه نصف الغرس قبل أن يغرسه أو بعد ما غرسه بنصف الأرض ، جاز ، وكانت الأرض والغراس بينهما.

إذا ثبت هذا ، فالغرس في الصورة الأُولى لصاحبه ، ويكون عليه أُجرة الأرض للمالك ؛ لأنّه بذل له نصف الأرض بعوضٍ ، فإذا لم يثبت له العوض وجب له أُجرة المثل.

ثمّ يُنظر فإن لم يكن في قلع الغراس ضرر بأن لا ينقص بالقلع ، كان لصاحب الأرض مطالبته بقلعه.

وإن كان ينقص بالقلع ، لم يكن له مطالبته بقلعه ، إلّا أن يضمن له أرش ما ينقص بالقلع ؛ لأنّه غرسه فيه بإذنه ، فلم يكن له مطالبته بإزالته مع الإضرار به ، بخلاف الزرع إذا كان في أرضه بإذنه حيث قال بعض الشافعيّة : ليس له مطالبته بقلعه ؛ لأنّ الزرع له أمد ينتهي إليه لا يطول بقاؤه فيها ، بخلاف الغرس ، ولأنّ الزرع إذا قُطع لم يمكن زرعه في موضعٍ آخَر ،

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466