تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

تذكرة الفقهاء12%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 978-964-319-530-4
الصفحات: 466

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156742 / تحميل: 5503
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٧

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٩٦٤-٣١٩-٥٣٠-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

الآذن ، كما لو دفع إليه مالاً ، والمضارب والمأذون يشتري للمولى ، ولهذا يعتق عليه.

مسألة ٢٤٤ : لو اشترى العامل مَنْ يعتق عليه ، صحّ الشراء.

ثمّ لا يخلو إمّا أن لا يكون في المال ربح أو يكون ، فإن لم يكن لم يعتق على العامل ؛ لأنّه لم يملكه ولا شيئاً منه ، كالوكيل لشراء قريب نفسه لموكّله.

ثمّ إذا ارتفعت الأسواق وظهر ربح ، فإن قلنا : العامل إنّما يملك بالقسمة ، لم يعتق منه شي‌ء أيضاً.

وإن قلنا : يملك بالظهور ، عتق عليه قدر حصّته من الربح ؛ لأنّه مَلَك بعض أبيه ، فيعتق(١) عليه ، كما لو اشتراه من ماله ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

والثاني لهم : إنّه لا يعتق عليه ؛ لأنّه مَلَكه ملكاً غير تامٍّ ؛ لأنّه وقاية لرأس المال ، فليكن هذا مُعدّاً لهذا الغرض إلى انفصال الأمر بينهما بالقسمة ؛ لأنّ بها يتمّ الملك ، فجرى مجرى ملك المكاتَب لأبيه يكون مُعدّاً إن عتق عتق ، وإلّا ملك(٢) .

فإذا قلنا : لا يعتق ، فلا كلام.

وإن قلنا : إنّه يعتق ، فإن كان الربح بقدره عتق جميعه.

وإن كان بقدر بعضه ، فإن كان له مالٌ آخَر قُوِّم عليه الباقي ، كما لو‌

____________________

(١) في « ج » : « فعتق ».

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٦ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٠ ، البيان ٧ : ١٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٠.

٨١

اشتراه وفيه ربح ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّه لا يُقوَّم عليه ؛ لأنّ العتق - والحال هذه - يحصل في الدوام بسببٍ قهريّ هو غير مختارٍ فيه ، ومثل ذلك لا يتعلّق به السراية ، كما لو ورث بعضَ قريبه ، عتق عليه ، ولم يَسْر(١) .

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّه في صورة الإرث غير مختارٍ البتّة ، وأمّا هنا فإنّ الشراء أوّلاً والإمساك له إلى حين ارتفاع الأسواق اختياريّان.

وإن لم يكن موسراً ، استقرّ الرقّ في الباقي.

وهل يستسعى العبد حينئذٍ؟ مذهبنا ذلك - وبه قال أبو حنيفة(٢) - لما رواه محمّد بن قيس - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت : رجل دفع إلى رجلٍ ألف درهم مضاربةً ، فاشترى أباه وهو لا يعلم ، قال : « يقوّم فإن زاد درهماً واحداً أُعتق واستُسعي في مال الرجل »(٣) .

وقال أحمد : لا يستسعى ، بل يبقى الباقي رقيقاً(٤) .

وإن كان في المال ربح قبل الشراء أو حصل بنفس الشراء بأن كان رأس المال مائةً فاشترى بها أباه وهو يساوي مائتين ، فإن قلنا : إنّ العامل يملك بالقسمة دون الظهور ، لم يعتق من العبد شي‌ء ، وصحّ الشراء.

وإن قلنا : يملك بالظهور ، صحّ الشراء أيضاً - وهو أظهر وجهي‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٠.

(٢) الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٣٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٠٥ ، المغني ٥ : ١٥٨ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٠.

(٣) التهذيب ٧ : ١٩٠ / ٨٤١.

(٤) المغني ٥ : ١٥٨ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٠.

٨٢

الشافعيّة(١) - لأنّه مطلق التصرّف في ملكه ، ولأنّهما شريكان في المال ، وأحد الشريكين إذا اشترى مَنْ يعتق عليه صحّ شراؤه.

والثاني لهم : المنع ؛ لأنّه لو صحّ فإمّا أن يُحكم بعتقه ، وهو مخالف لغرض الاسترباح الذي هو مقصود التجارة ، ولأنّ صحّة الشراء تؤدّي إلى تنجيز حقّ العامل قبل ربّ المال ، فكان تصرّفه يُضرّ بربّ المال ، فلم يصح ، أو لا يُحكم فيتخلّف العتق عن ملك القريب(٢) .

فإن قلنا بالمنع ، ففي الصحّة في نصيب المالك قولا تفريق الصفقة.

وإن قلنا بالصحّة - كما هو مذهبنا وأظهر وجهي الشافعيّة - ففي عتقه عليه الوجهان السابقان ، إن قلنا : يعتق ، فإن كان موسراً سرى العتق إلى الباقي ، ولزمه الغُرْم ؛ لأنّه مَلَكه باختياره ، وإلّا بقي رقيقاً ، أو استُسعي على ما تقدّم.

هذا كلّه إذا اشترى العامل قريبَ نفسه بعين مال القراض ، وأمّا إذا اشتراه في الذمّة للقراض ، فكلّ موضعٍ صحّحنا الشراء بعين مال القراض أوقعناه هنا عن القراض ، وكلّ موضعٍ أبطلناه هناك أوقعناه هنا عن العامل إن لم يذكر النسبة إلى القراض ، وإن ذكر فكالعين.

وقال بعض الشافعيّة : إنّه لو أطلق الشراء ولم ينسبه إلى القراض لفظاً ثمّ قال : كنتُ نويتُه ، وقلنا : إنّه إذا وقع عن القراض لم يعتق منه شي‌ء ، لا يُقبل قوله ؛ لأنّ الذي جرى عقد عتاقة ، فلا يمكن رفعها(٣) .

ولا بأس به.

____________________

(١ و ٢) بحر المذهب ٩ : ٢٠٧ ، البيان ٧ : ١٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٠.

٨٣

مسألة ٢٤٥ : ليس لعامل القراض أن يكاتب عبد القراض بغير إذن المالك ؛ لما فيه من تضرّر المالك بإخراج ملكه عنه بثمنٍ هو ملكه ؛ لأنّ الكتابة في الحقيقة بيع ماله بماله ، فإن أذن المولى جاز.

فإن كاتباه معاً صحّ ، وعتق بالأداء.

ثمّ إن لم يكن في المال ربح وقلنا بثبوت الولاء في الكتابة ، كان الولاء بأسره للمالك ، ولا ينفسخ القراض بالكتابة في أظهر وجهي الشافعيّة(١) ، بل ينسحب على النجوم.

وإن كان هناك ربح ، فالولاء بينهما على النسبة في الحصص فيه ، والزائد من النجوم على القيمة ربح.

البحث الثاني : في قراض العامل.

مسألة ٢٤٦ : قد بيّنّا فيما تقدّم(٢) أنّه ليس للعامل في القراض أن يقارض غيره - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(٣) - لأنّ المالك لم يأذن فيه ، وإنّما ائتمن على المال العاملَ دون غيره ، فليس له التغرير بمال صاحبه ، فإن أذن له المالك فيه صحّ ، وإلّا فلا.

وخرّج بعض الحنابلة وجهاً في الجواز ؛ بناءً على توكيل الوكيل من غير إذن الموكّل(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٠.

(٢) في ص ١٧ ، المسألة ٢٠١.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٣٣٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٣ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٢ ، الوجيز ١ : ٢٢٣ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٢ ، البيان ٧ : ١٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٠.

(٤) المغني ٥ : ١٥٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٢.

٨٤

وهو غلط.

أمّا أوّلاً : فللمنع من حكم الأصل.

وأمّا ثانياً : فللفرق ؛ لأنّ المالك إنّما دفع المال إلى العامل ليضارب به ، وإذا دفعه إلى غيره خرج عن كونه مضارباً به ، بخلاف الوكيل ، ولأنّ هذا يوجب في المال حقّاً لغيره ، ولا يجوز إيجاب حقٍّ في مال إنسانٍ بغير إذنه.

إذا عرفت هذا ، فلا يخلو إمّا أن يكون المالك قد أذن للعامل في أن يقارض غيره ، أو لا ، فإن أذن صحّ ؛ لأنّ العامل الأوّل وكيل ، وهذا العقد يقبل الوكالة.

واعلم أنّ العامل يتصوّر أن يقارض غيره بإذن المالك في موضعين :

أحدهما : أن يخرج نفسه من القراض ، ويجعل نفسه وكيلاً في القراض مع الثاني كأنّ المالك سلّم المال إليه وأذن له في أن يقارض غيره إن بدا له.

وهو قراض صحيح ، كما لو قارضه المالك بنفسه ؛ لأنّ العامل الأوّل في الحقيقة وكيل في عقد القراض مع الثاني ، سواء كان العامل الأوّل قد عمل أو لا.

والثاني : أن يأذن له في أن يعامل غيره ليكون ذلك الغير شريكاً له في العمل والربح المشروط له على ما يراه.

وهو جائز ، كما لو قارض المالك في الابتداء شخصين فكذا الانتهاء ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني - وهو الأظهر عندهم - : إنّه لا يصحّ ؛ لأنّه لو جاز ذلك لكان الثاني فرعاً للأوّل منصوباً من جهته ، والقراض معاملة يضيق مجال القياس‌

٨٥

فيها ، فلا يعدل بها عن موضعها ، وهو أن يكون أحد المتعاملين مالكاً لا عمل له ، والثاني عاملاً لا ملك له(١) .

وهو ضعيف ؛ لأنّ العاملين كالواحد.

مسألة ٢٤٧ : إذا أذن المالك للعامل في أن يقارض غيره ، جاز.

ثمّ لا يخلو إمّا أن يجعل الربح الذي جعله المالك بأسره للعامل الثاني ، أو يجعل له قسطاً منه وللثاني الباقي ، فإن جعل الربح بين العامل الثاني والمالك نصفين أو ما قدّره ولم يشرط لنفسه شيئاً من الربح ، صحّ ، وكان الربح بين المالك والعامل الثاني على ما شرط.

وإن جعل العامل الأوّل لنفسه شيئاً كأنّه قال : النصف لربّ المال والباقي بيني وبينك نصفين ، لم يصح القراض ؛ لأنّه شرط لنفسه نصيباً من الربح ، وليس من جهته مال ولا عمل ، فلم يصح ، ويكون الربح لربّ المال ، وللعامل الثاني أُجرة مثل عمله على المالك.

مسألة ٢٤٨ : لو دفع العامل الأوّل قراضاً إلى الثاني بغير إذن المالك ، فسد ؛ لأنّ المالك لم يأذن فيه ، ولا ائتمن على المال غيره ، ولأنّه لا يجوز أن يتصرّف العامل في مال ربّ المال بما لا يتناوله إذنه ، فإذا عمل العامل الثاني ، فإن حصل ربح فالأقرب : إنّه للمالك.

ثمّ لا يخلو إمّا أن يكون العامل الثاني عالماً بالحال ، أو لا.

فإن كان عالماً ، لم يكن له شي‌ء ؛ لأنّه تصرّف في مال الغير بغير إذنه مع علمه بأنّه ممنوع منه ، ولا يستعقب ذلك استحقاق شي‌ءٍ.

وإن لم يكن عالماً ، رجع على العامل الأوّل بأُجرة المثل.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٠ - ٢١١.

٨٦

ونقل المزني من الشافعيّة : [ إنّه ] إذا عمل العامل الثاني بغير إذن المالك وحصل في المال ربحٌ ، كان لربّ المال النصف الذي شرطه لنفسه ، وما بقي بين العامل الأوّل والثاني.

ثمّ قال المزني : هذا قولٌ للشافعي قديم ، وأصله الجديد المعروف : إنّ كلّ فاسدٍ لا يصحّ حتى يبتدأ بما يصحّ ، فإن اشترى بعين المال فالشراء فاسد ، وإن اشترى في الذمّة فالشراء صحيح ، والربح للعامل الأوّل ، وللعامل الثاني أُجرة مثله(١) .

وبنوا هذه المسألة على أصلٍ هي مسألة البضاعة ، وهي : إنّه إذا غصب رجل مالاً ثمّ اتّجر به وربح فيه ، ففيه قولان مبنيّان على أنّ تصرّفات الفضولي تنعقد موقوفةً على الإجازة ، أم لا؟ فإن قلنا : إنّ تصرّفه باطل ، فلو أنّ الثاني تصرّف في المال وربح ، لمَنْ يكون الربح؟ وهذا يبتني على أنّ الغاصب إذا اتّجر في المال المغصوب ما حكم تصرّفه؟ ولمن الربح الحاصل؟

أمّا إذا تصرّف في عين المغصوب فهو تصرّف الفضولي.

وأمّا إذا باع سَلَماً أو اشترى في الذمّة وسلّم المغصوب فيما التزمه وربح ، فعلى الجديد للشافعي : الربح للغاصب ؛ لأنّ التصرّف صحيح ، والتسليم فاسد ، فيضمن المال الذي سلّمه ، ويسلم له الربح ، وهذا قياس ظاهر.

وعلى القول القديم : هو للمالك ؛ لحديث عروة البارقي ؛ فإنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ رأس المال والربح(٢) ، ولأنّا لو جعلناه للغاصب لاتّخذه‌

____________________

(١) مختصر المزني : ١٢٢.

(٢) سنن الترمذي ٣ : ٥٥٩ / ١٢٥٨ ، سنن الدارقطني ٣ : ١٠ / ٢٩ و ٣٠ ، سنن البيهقي ٦ : ١١٢ ، مسند أحمد ٥ : ٥٠٧ / ١٨٨٧٣ ، و ٥٠٨ / ١٨٨٧٧.

٨٧

الناس ذريعةً إلى غصب الأموال ، والخيانة في الودائع والبضاعات ، ولأنّ تصرّفات الغاصب قد تكثر فيعسر تتبّع الأمتعة التي تداولتها الأيدي المختلفة ، أو يتعذّر(١) .

وفي هذا القول مباحث :

الأوّل : هل يجزم على هذا القول بأنّ الربح للمالك ، أو نوقفه على إجازته واختياره؟ قيل بالوقف على الإجازة(٢) .

وبناء هذا القول على قول الوقف في بيع الفضولي.

ولم يتعرّض الشافعي للفسخ والإجازة ؛ لأنّ الغالب أنّه يجيز إذا رأى الربح ، فعلى هذا إذا ردّه يرتدّ ، سواء اشترى في الذمّة أو بعين المغصوب.

وقال الأكثرون : إنّه مجزوم به ومبنيٌّ(٣) على المصلحة ، وكيف يستقيم توقيف شراء الغاصب لنفسه على إجازة غيره! وإنّما يجري قول الوقف إذا تصرّف في عين مال الغير أو له(٤) .

الثاني : إذا كان في المال ربح وكثرت التصرّفات وعسر تتبّعها ، فهو موضع القول القديم(٥) ، أمّا إذا قلّت وسهل التتبّع ولا ربح ، فلا مجال له.

وحكى الجويني وجهين فيما إذا سهل التتبّع وهناك ربح أو عسر ولا ربح(٦) .

الثالث : لو اشترى في ذمّته ولم يخطر له أن يؤدّي الثمن من الدراهم المغصوبة ثمّ عنّ له ذلك ، قال الجويني : ينبغي أن لا يجي‌ء فيه القول‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١١.

(٢ و ٤) كما في العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٨ ، وروضة الطالبين ٤ : ٢١١.

(٣) في « ث ، ر » والطبعة الحجريّة : « يبنى ».

(٥) كما في العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٨.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٩.

٨٨

القديم إن صدّقه صاحب الدراهم(١) .

وهذه المسألة تُلقّب بمسألة البضاعة.

إذا عرفت هذا ، فعلى الجديد - وهو وقوع عقد الفضولي لاغياً - إن اشترى بعين مال القراض ، فهو باطل.

وإن اشترى في الذمّة ، فأحد الوجهين : إنّ كلّ الربح للعامل الثاني ؛ لأنّه المتصرّف ، كالغاصب في صورة الغصب.

وأصحّهما عندهم : إنّ كلّه للأوّل ؛ لأنّ الثاني تصرّف للأوّل بإذنه ، فكان كالوكيل من [ جهته ](٢) ، وعليه للثاني أُجرة عمله ، وبه قال أبو حنيفة والمزني(٣) .

وإن قلنا بالقديم - وهو توقّف عقد الفضولي على الإجازة - ففيما يستحقّه المالك من الربح وجهان :

أحدهما : إنّ جميعه للمالك ، كما في الغصب ، طرداً لقياس(٤) هذا القول ، وعلى هذا فللعامل الثاني أُجرة مثله.

وعلى مَنْ تجب؟ وجهان :

أحدهما : إنّها على العامل الأوّل ؛ لأنّه استعمله وغرَّه.

والثاني : على المالك ؛ لأنّ نفع عمله عاد إليه.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٢.

(٢) ما بين المعقوفين أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز » وبدله في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « حصته ». وهي تصحيف.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٩.

(٤) في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « للقياس ». والمثبت هو الصحيح كما في العزيز شرح الوجيز.

٨٩

وأصحّهما - وبه قال المزني(١) - : إنّ له نصفَ الربح ؛ لأنّه رضي به ، بخلاف الغصب ، فإنّه لم يوجد منه رضا ، فصرفنا الجميع إلى المالك ؛ قطعاً لطمع مَنْ يغصب ويخون ، وعلى هذا ففي النصف الثاني وجوه :

أ : إنّ الجميع للعامل الأوّل ؛ لأنّ المالك إنّما شرط له ، وعقده مع الثاني فاسد ، فلا يتبع شرطه ؛ لأنّ المضاربة فاسدة ، والشرط لا يثبت في الفاسدة ، وعلى هذا فللثاني أُجرة مثل عمله على الأوّل ؛ لأنّه غرَّه.

ب : إنّ كلّه للثاني ؛ لأنّه العامل ، أمّا الأوّل فليس له عمل ولا ملك ، فلا يُصرف إليه شي‌ء من الربح.

وأصحّها(٢) عندهم : إنّه يكون بين العاملين بالسويّة ؛ لأنّ تتبّع التصرّفات عسير ، والمصلحة اتّباع الشرط إلّا أنّه قد تعذّر الوفاء به في النصف الذي أخذه المالك ، فكأنّه تلف وانحصر الربح في الباقي ، وعلى هذا ففي رجوع العامل الثاني بنصف أُجرة المثل وجهان :

أحدهما : نعم ؛ لأنّه كان طمعه في نصف الربح بتمامه ، ولم يسلم له إلّا نصف النصف.

وأشبههما : لا ؛ لأنّ الشرط محمول على ما يحصل لهما من الربح ، والذي حصل هو النصف.

والوجهان فيما إذا كان العامل الأوّل قد قال للعامل الثاني : على أنّ ربح هذا المال بيننا ، أو على أنّ لك نصفه ، أمّا إذا كانت الصيغة : على أنّ ما رزقنا الله تعالى من الربح بيننا ، قطع أكثر الشافعيّة بأنّه لا رجوع ؛ لأنّ النصف هو الذي حصل.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٩.

(٢) في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « أصحّهما ». والمثبت هو الصحيح.

٩٠

وعن بعضهم إجراء الوجهين ؛ لأنّ المفهوم تشطّر جميع الربح.

هذا كلّه إذا جرى القراضان على المناصفة ، وإن كانا أو أحدهما على نسبةٍ أُخرى فعلى ما تشارطا(١) .

مسألة ٢٤٩ : لو تلف المال في يد الثاني ، فإن كان عالماً بالحال فهو غاصب أيضا ؛ حيث تصرّف في مال الغير بغير إذنه مع علمه.

وإن كان جاهلاً وظنّ أنّ المالك هو العامل الأوّل فترتّب يده على يد الأوّل كترتّب يد المودع على يد الغاصب ؛ لأنّه يد أمانةٍ.

وفي طريقٍ للشافعيّة : إنّه كالمتّهب من الغاصب ؛ لعود النفع إليه(٢) .

والتحقيق أنّ العامل الثاني بمنزلة الغاصب في الإثم والضمان والتصرّف إن كان عالماً بأنّ هذا العامل الأوّل قارضه بغير إذن صاحب المال.

وإن كان غيرَ عالمٍ ، سقط عنه الإثم ، وبقي حكم التصرّف والضمان.

أمّا التصرّف : فقد تقدّم.

وأمّا الضمان : فإنّ المال مضمون على كلّ واحدٍ منهما.

أمّا على الأوّل : فبتعدّيه بتسليمه إلى الثاني.

وأمّا على الثاني : فلأنّه تسلّم مال غيره بغير إذنه.

فإن كان باقياً ، طالَب أيّهما شاء بردّه وأخذه.

وإن كان تالفاً ، كان له مطالبة أيّهما شاء ببدله ، فإن طالَب العامل الأوّل ، لم يرجع على الثاني ؛ لأنّه دفعه إليه على وجه الأمانة.

وإن طالَب الثاني ، فهل يرجع على الأوّل؟ للشافعيّة قولان :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٢٩ - ٣٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٢.

٩١

أحدهما : يرجع ؛ لأنّ الأوّل غرَّه ، فأشبه ما لو غرّه بحُرّيّة أمته.

والثاني : لا يرجع ؛ لأنّ التلف حصل في يده ، فاستقرّ الضمان عليه(١) .

إذا تقرّر هذا ، فلو شرط العامل الأوّل على العامل الثاني أنّ نصف الربح للمالك وأنّ النصف الآخَر بينهما نصفين ، قال بعض الحنابلة : يكون على ما اتّفقا عليه ؛ لأنّ ربّ المال رضي بالنصف ، فلا يدفع إليه أكثر منه ، والعاملان على ما اتّفقا عليه(٢) .

وليس بشي‌ءٍ ، مع أنّ أحمد قال : لا يطيب الربح للمضارب الأوّل ؛ لأنّه ليس له عمل ولا مال ، ولا للمضارب الثاني ؛ لأنّه عمل في مال غيره بغير إذنه ولا شرطه ، فلا يستحقّ ما شرط له غير المالك ، كما لو دفعه إليه الغاصب مضاربةً ، ولأنّه إذا لم يستحق ما شرطه له ربّ المال في المضاربة الفاسدة فما شرطه له غيره بغير إذنه أولى(٣) .

مسألة ٢٥٠ : لو أذن ربُّ المال للعامل في دفع المال مضاربةً ، جاز ذلك ، ولا نعلم فيه خلافاً ، ويكون العامل الأوّل وكيلاً لربّ المال في ذلك.

فإن كان بعد العمل ، جاز أيضاً ؛ لما بيّنّا من أنّ المضاربة من العقود الجائزة.

فإن كان قد ظهر ربح في عمل العامل وقلنا : يملك بالظهور ، استحقّ نصيبه من الربح.

وإن قلنا بالقسمة أو لم يظهر ربح ، فله أُجرة المثل.

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢١٤ ، البيان ٧ : ١٧٩.

(٢) المغني ٥ : ١٦١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٣.

(٣) المغني ٥ : ١٦١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٣ - ١٥٤.

٩٢

وإذا دفعه العامل الأوّل ، لم يجز له أن يشترط لنفسه جزءاً من الربح ، فإن شرط شيئاً من الربح لم يجز ؛ إذ ليس من جهته مال ولا عمل ، والربح إنّما يستحقّ بأحدهما.

ولو قال له المالك : اعمل في هذا المال برأيك ، أو بما أراك الله تعالى ، فالأقرب : إنّه يجوز له دفعه مضاربةً ؛ لأنّه قد يرى أنّه يدفعه إلى مَنْ هو أبصر منه في التجارة وأقوى منه جلداً ، وبه قال أحمد(١) .

ويحتمل أن لا يجوز ذلك ؛ لأنّ قوله : « اعمل برأيك » يعني في كيفيّة المضاربة والبيع والشراء وأنواع التجارة ، وهذا يخرج [ به ] عن المضاربة ، فلا يتناوله إذنه.

مسألة ٢٥١ : لا يجوز لعامل القراض أن يمزج مال المضاربة بماله بحيث لا يتميّز ، فإن فَعَل أثم وضمن ؛ لأنّه أمانة ، فهو كالوديعة.

ولو قال له : اعمل برأيك ، جاز ذلك - وبه قال الثوري ومالك وأصحاب الرأي(٢) - لأنّه قد جعل النظر في المصلحة وفعلها موكولاً إلى نظره ، وربما رأى الحظّ للمضاربة في المزج ، فإنّه أصلح له ، فيدخل تحت قوله : اعمل برأيك.

وقال الشافعي : ليس له ذلك ؛ لأنّ ذلك ليس من التجارة(٣) .

____________________

(١) المغني ٥ : ١٦٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٤.

(٢) المغني ٥ : ١٦٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٤ ، المدوّنة الكبرى ٥ : ١٠٢ - ١٠٣ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٤ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٣٠ ، بدائع الصنائع ٦ : ٩٥ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٤٢ / ١٧١١ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٣٩ - ٤٠ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٠.

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٤ ، البيان ٧ : ١٩٢ ، العزيز شرح الوجيز =

٩٣

وهو غير مسلَّمٍ ؛ لأنّه قد يكون من مصلحتها.

وكذا ليس له المشاركة مع مال القراض ، إلّا أن يقول : اعمل برأيك ، وتكون المشاركة مصلحةً.

مسألة ٢٥٢ : إذا أخذ العامل من غيره مضاربةً ، جاز له أن يأخذ من غيره مضاربةً أُخرى ، سواء أذن له الأوّل أو لا إذا لم يتضرّر الأوّل بمعاملة الثاني.

فإن تضرّر الأوّل بمعاملة الثاني بأن يكون المال الثاني كثيراً يحتاج أن يقطع زمانه في التجارة به ويشغله عن السعي في الأوّل ، أو يكون المال الأوّل كثيراً متى اشتغل عنه بغيره انقطع عن بعض تصرّفاته فيه ، وفات باشتغاله في الثاني بعض مصالحه ، فأكثر الفقهاء على جوازه أيضاً ؛ لأنّه عقد لا يملك به منافعه بأسرها ، فلم يمنع من المضاربة ، كما لو لم يكن فيه ضرر ، وكالأجير المشترك(١) .

وقالت الحنابلة : لا يجوز له ذلك ؛ لأنّ المضاربة مبنيّة على الحظّ والنماء ، فإذا فَعَل ما يمنعه لم يكن له ، كما لو أراد التصرّف بالغبن.

قالوا : فعلى هذا إذا فَعَل وربح ردّ الربح في شركة الأوّل ويقتسمانه ، فينظر ما ربح في المضاربة الثانية ، فيدفع إلى ربّ المال نصيبه ، ويأخذ المضارب نصيبه من الربح ، فيضمّه إلى ربح المضاربة الأُولى ، ويقاسمه ربّ(٢) المضاربة الأُولى ؛ لأنّه استحقّ حصّته من الربح بالمنفعة التي‌

____________________

= ٦ : ٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٤٣ / ١٧١١ ، المغني ٥ : ١٦٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٤.

(١) المغني ٥ : ١٦٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٦.

(٢) في المصدر : « لربّ » بدل « ربّ ».

٩٤

استُحقّت بالعقد ، فكان بينهما ، كربح المنفعة المستحقّة بالعقد الأوّل.

فأمّا حصّة ربّ المال الثاني من الربح فيدفع إليه ؛ لأنّ العدوان من المضارب لا يُسقط حقَّ ربّ المال الثاني ، ولأنّا لو رددنا ربح الثاني كلّه في الشركة الأُولى ، لاختصّ الضرر بربّ المال الثاني ، ولم يلحق المضارب شي‌ء من الضرر والعدوان منه ، بل ربما انتفع إذا كان قد شرط الأوّل النصفَ والثاني الثلثَ(١) .

وهذا ليس بشي‌ءٍ.

والحقّ أنّه لا شي‌ء لربّ المضاربة الأُولى من ربح الثانية ؛ لأنّه إنّما يستحقّ بمالٍ أو عملٍ ، وليس له في المضاربة الثانية مالٌ ولا عمل ، وتعدّي المضارب إنّما كان بترك العمل واشتغاله عن المال الأوّل ، وهذا لا يوجب عوضاً ، كما لو اشتغل بالعمل في مال نفسه ، أو آجر نفسه ، أو ترك التجارة للتعب أو لاشتغالٍ بعلمٍ ، أو غير ذلك ، ولأنّه لو أوجب عوضاً لأوجب شيئاً مقدّراً لا يختلف ولا ينحصر بقدر ربحه في الثانية.

البحث الثالث : في السفر.

مسألة ٢٥٣ : لـمّا كان مبنى القراض على التكسّب المستلزم لحفظ رأس المال وحراسته ، وكان في السفر تغريرٌ به وتعريض لإتلافه ، وجب في الحكمة مشروعيّة منع العامل من السفر.

ولا خلاف في أنّه لو نهاه المالك عن السفر بالمال فسافر به ، ضمن ، وكذا لو أمره بالسفر إلى جهةٍ معيّنة أو بلدٍ معيّن فسافر إلى غير ذلك البلد‌

____________________

(١) المغني ٥ : ١٦٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٥٥ - ١٥٦.

٩٥

وغير تلك الجهة ؛ لأنّ المال لصاحبه له التصرّف فيه كيف شاء ، والاختيار في ذلك إليه ، فلا يجوز العدول عنه.

ولما رواه أبو بصير عن الصادقعليه‌السلام في الرجل يعطي [ الرجل ] مالاً مضاربةً وينهاه أن يخرج به إلى أرضٍ أُخرى فعصاه ، فقال : « هو له ضامن ، والربح بينهما إذا خالف شرطه وعصاه »(١) .

وعن الحلبي عن الصادقعليه‌السلام : عن الرجل يعطي الرجل المال فيقول له : ائت أرض كذا وكذا ولا تجاوزها ، اشتر منها ، قال : « إن جاوزها فهلك المال فهو له ضامن ، وإن اشترى شيئاً فوضع فهو عليه ، وإن ربح فهو بينهما »(٢) .

وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يعطي المال مضاربةً وينهى أن يخرج به ، فيخرج ، قال : « يضمن المال ، والربح بينهما »(٣) .

مسألة ٢٥٤ : ولو لم ينهه عن السفر ولا أذن له فيه ، لم يجز له السفر ، عند علمائنا إلّا بإذن صاحب المال ، سواء كان الطريق مخوفاً أو آمناً ؛ لما تقدّم من التغرير المنافي للاكتساب ، وبه قال الشافعي ؛ لما فيه من الخطر والتغرير بالمال(٤) ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ المسافر وماله لعلى قَلَتٍ إلّا ما‌

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٨٧ / ٨٢٧ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٢) الكافي ٥ : ٢٤٠ / ١ ، التهذيب ٧ : ١٨٩ / ٨٣٥.

(٣) الكافي ٥ : ٢٤٠ / ٢ ، التهذيب ٧ : ١٨٩ / ٨٣٦.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٤ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٩ ، الوجيز ١ : ٢٢٤ ، الوسيط ٤ : ١٢٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٦ ، البيان ٧ : ١٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٢ ، المغني ٥ : ١٥١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٦.

٩٦

وقى الله »(١) أي لعلى هلاكٍ ، ولا يجوز له التغرير بالمال إلّا بإذن مالكه.

وقال مالك : يجوز له السفر مع الإطلاق أو التنصيص على السفر - وهو محكيٌّ عن أبي حنيفة ، وقياس مذهب أحمد يقتضيه - لأنّ الإذن المطلق ينصرف إلى ما جرت العادة به ، والعادة جارية بالتجارة سفراً وحضراً ، ولأنّها مشتقّة من الضرب في الأرض ، فمَلَك ذلك مطلقاً(٢) .

وهو ممنوع ؛ لأنّ العادة إنّما قضت بالسفر مع الإذن صريحاً أو قرينة حاليّة أو مقاليّة تدلّ عليه ، لا بدون ذلك.

وأبو حنيفة بناه على أصله من أنّه يجوز للمستودع أن يسافر بالوديعة إذا كان الطريق آمناً ؛ لأنّه بمنزلة المصر(٣) .

وهو ممنوع ؛ إذ لا تغرير في المصر كما في السفر.

____________________

(١) غريب الحديث - لابن قتيبة - ٢ : ٥٦٤.

(٢) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٤ / ١١٢٢ ، التلقين : ٤٠٨ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٣٨٦ ، المعونة ٢ : ١١٢٤ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٢٩ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢ ، بدائع الصنائع ٦ : ٨٨ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٩١ / ٣٤٧١ ، الفقه النافع ٣ : ١٢٨٧ / ١٠٤١ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٣٩ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٤١ / ١٧٠٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٠٣ ، المغني ٥ : ١٥١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٤٦ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣١٧ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٩ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٦ ، البيان ٧ : ١٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣١.

(٣) الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٣٩ ، تحفة الفقهاء ٣ : ١٧٢ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٠٩ ، روضة القُضاة ٢ : ٦١٧ / ٣٦٠٠ ، الفقه النافع ٣ : ٩٤١ / ٦٦٦ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ١٢٢ ، و ٢٢ : ٣٩ ، المحيط البرهاني ٥ : ٥٣١ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٠٣ و ٢١٧ ، الحاوي الكبير ٨ : ٣٥٧ ، الوسيط ٤ : ٥٠٢ ، حلية العلماء ٥ : ١٧١ ، البيان ٦ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٥ - ٢٩٦ ، المغني ٧ : ٢٨٤ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٠٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٢٠.

٩٧

وللشافعي قولٌ في البويطي(١) كقول أبي حنيفة أيضاً.

لكنّ المشهور الأوّل.

وهذا البحث مع الإطلاق ، فأمّا إن أذن في السفر أو نهى عنه أو وُجدت قرينة دالّة على أحد الأمرين ، تعيّن ذلك ، وثبت ما أمر به وحرم ما نهى عنه.

ولا خلاف في أنّه لا يجوز له السفر في موضعٍ مخوف على القولين معاً ، وكذا لو أذن له في السفر مطلقاً ، لم يكن له السفر في طريقٍ مخوف ، فإن فَعَل فهو ضامن لما يتلف ؛ لأنّه متعدٍّ بفعل ما ليس له فعله.

مسألة ٢٥٥ : لو سافر مع انتفاء الإذن أو مع النهي عن السفر أو أمره بالسفر في جهةٍ بعينها فسافر في غيرها ، أو إلى بلدٍ فسافر إلى غيره ، فقد ضمن المال ؛ لمخالفته.

ثمّ يُنظر فإن كان المتاع بالبلدة التي سافر إليها أكثر قيمةً من الحضر أو من البلدة التي أمره بالسفر إليها أو تساوت القيمتان ، صحّ البيع ، واستحقّ الربح بالشرط.

ولما(٢) رواه الكناني : قال : سألتُ الصادقَعليه‌السلام : عن المضاربة يعطى الرجل المال يخرج به إلى الأرض ونهي أن يخرج به إلى أرض غيرها فعصى فخرج به إلى أرض أُخرى فعطب المال ، فقال : « هو ضامن ، فإن سلم فربح فالربح بينهما »(٣) .

وإن كان المتاع أقلّ قيمةً ، لم يصح البيع بتلك القيمة ، إلّا أن يكون‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٢.

(٢) الظاهر : « لما » بدون الواو.

(٣) الفقيه ٣ : ١٤٣ - ١٤٤ / ٦٣١ ، التهذيب ٧ : ١٨٩ - ١٩٠ / ٨٣٧.

٩٨

النقصان بقدر ما يتغابن به.

وإذا قلنا بصحّة البيع فإنّ الثمن الذي يقبضه يكون مضموناً عليه أيضاً.

ولو اشترى به متاعاً ، ضمن المتاع ، بخلاف ما إذا تعدّى الوكيل بالبيع في المال ثمّ باعه وقبض الثمن ، لا يكون الثمن مضموناً عليه وإن كان ضامناً للأصل ؛ لأنّ العدوان هنا لم يوجد في الثمن ، وسبب العدوان في المضاربة موجود في الثمن والمتاع الذي يشتريه به ؛ لأنّ سبب العدوان هو السفر ، وهو شامل للمال والثمن ، ولا تعود الأمانة بالعود من السفر ، وبه قال الشافعي(١) .

مسألة ٢٥٦ : لو سافر بالإذن ، فلا عدوان ولا ضمان ، وله بيع المتاع في البلد المنقول إليه مثل ما كان يبيعه في المنقول عنه وبأكثر منه.

وأمّا بدونه فالأقرب : إنّ له ذلك ؛ لأنه غير متعدٍّ بالسفر ، ولا حكم له على زيادة الأسواق ونقصانها ، بل الواجب عليه الاستظهار في طلب الربح إن حصل.

وقال بعض الشافعيّة : إذا باع بدونه فإن ظهر فيه غرض بأن كانت مئونة الردّ أكثر من قدر النقصان أو أمكن صرف الثمن إلى متاعٍ يتوقّع فيه ربحاً ، فله البيع أيضاً ، وإلّا لم يجز ؛ لأنّه محض تخسيرٍ(٢) .

مسألة ٢٥٧ : العامل إن اتّجر في الحضر كان عليه أن يلي من التصرّف فيه ما يليه ربّ المال في العادة ، كنشر الثوب وتقليبه على مَنْ يشتريه وطيّه عند البيع وقبض الثمن وحفظه ، وذرع الثوب وإدراجه في السَّفَط‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣١ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٣.

٩٩

وإخراجه ، ووزن ما يخفّ ، كالذهب والفضّة والمسك والعود ، وحفظ المتاع على باب الحانوت ، وفي السفر بالنوم عليه ونحوه في العادة ، كالإشراف عليه وجمعه والاحتياط عليه.

وليس عليه رفع الأحمال ولا حطّها ، وليس عليه ما لا يليه ربّ المال ، فلا يجب عليه وزن الأمتعة الثقيلة وحملها ونقل المتاع من الخان إلى الحانوت والنداء عليه ، بل يستأجر العامل له مَنْ يعمله من مال المضاربة ، فإن تولّى العامل ذلك بنفسه ، لم يستحق له أُجرة ؛ لأنّه تبرّع به.

وأمّا ما يجب عليه فعله لو استأجر العامل من مال المضاربة مَنْ يعمل ما عليه أن يعمله بنفسه ، ضمن ما دفع إليه ؛ لأنّ ذلك العمل يجب عليه ، دون ربّ المال.

مسألة ٢٥٨ : ليس للعامل أن يُنفق من مال القراض في الحضر على نفسه ، عند علمائنا ، ولا أن يواسي منه بشي‌ءٍ - وبه قال الشافعي(١) - لأنّ الأصل حراسة مال الغير وحفظه ، وعدم تعلّق وجوب الإنفاق منه.

وقال مالك : له أن يُنفق منه على العادة ، كالغذاء ودفع الكسرة إلى السقّاء وأُجرة الكيّال والوزّان والحمّال في مال القراض(٢) .

وليس بمعتمدٍ.

وأمّا في السفر فالمشهور أنّه يُنفق فيه كمال النفقة من أصل مال القراض إذا شخص عن البلد من المأكول والمشروب والملبوس - وبه قال علماؤنا والحسن والنخعي والأوزاعي ومالك وإسحاق وأصحاب الرأي‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٨ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٦ ، البيان ٧ : ١٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٢.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

سنان، عن المفضل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، أنه قال: عليكم بمكارم الاخلاق فإن الله عزّوجلّ يحبها، وإياكم ومذام الافعال فإن الله عزّوجلّ يبغضها، وعليكم بتلاوة القرآن فإن درجات الجنة على عدد آيات القرآن، فإذا كان يوم القيامة يقال لقارئ القرآن: اقرأ وارق، فكلما قرأ آية رقي درجة، وعليكم بحسن الخلق فإنه يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم، وعليكم بحسن الجوار فإن الله أمر بذلك، وعليكم بالسواك فإنها مطهرة وسنة حسنة، وعليكم بفرائض الله فأدوها، وعليكم بمحارم الله فاجتنبوها(١) .

٥٨٧/١١ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، قال: حدّثنا أحمد ابن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن عليّ بن الحكم، عن داود بن النعمان، عن إسحاق بن عمار، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: إذا كان يوم القيامة وقف عبدان مؤمنان للحساب، كلاهما من أهل الجنة، فقير في الدنيا، وغني في الدنيا، فيقول الفقير: يا رب على ما أوقف؟ فو عزتك انك لتعلم أنك لم تولني ولاية فأعدل فيها أو أجور، ولم ترزقني مالا فأودي منه حقا أو أمنع، ولا كان رزقي يأتيني منها إلا كفاف على ما علمت وقدرت لي. فيقول الله جل جلاله: صدق عبدي، خلوا عنه يدخل الجنة.

ويبقى الآخر حتى يسيل منه العرق ما لو شربه أربعون بعيرا لكفاها ثم يدخل الجنة، فيقول له الفقير: ما حبسك؟ فيقول: طول الحساب، ما زال الشئ يجيئني بعد الشئ يغفر لي، ثم أسأل عن شئ آخر حتى تغمدني الله عزّوجلّ منه برحمته، وألحقني بالتأئبين، فمن أنت؟ فيقول: أنا الفقير الذي كنت معك آنفا. فيقول: لقد غيرك النعيم بعدي(٢) .

٥٨٨/١٢ - حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رضي الله عنه، قال: حدّثنا الحسين

______________

(١) بحار الانوار ٦٩: ٣٧٠/١١.

(٢) بحار الانوار ٧: ٢٥٩/٤.

٤٤١

ابن محمّد بن عامر، عن عمه عبدالله بن عامر، عن محمّد بن أبي عمير، عن سليمان ابن مهران، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا علي، أنت أخي وأنا أخوك، يا علي أنت مني وأنا منك، يا علي أنت وصيي وخليفتي وحجة الله على أمتي بعدي، لقد سعد من تولاك، وشقي من عاداك(١) .

٥٨٩/١٣ - حدّثنا الحسين بن إبراهيم بن ناتانه رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الريان بن الصلت، عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه عليه السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم شيعة علي هم الفائزون يوم القيامة(٢) .

٥٩٠/١٤ - حدّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدّثنا عبدالله بن الحسن المؤدب، عن أحمد بن عليّ الاصبهاني، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي، قال: حدّثنا أبورجاء قتيبة ابن سعيد، عن حماد بن زيد، عن عبد الرحمن السراج، عن نافع، عن عبدالله بن عمر، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعليّ بن أبي طالب عليه السلام: إذا كان يوم القيامة يؤتي بك - يا علي - على نجيب من نور، وعلى رأسك تاج، قد أضاء نوره، وكاد يخطف أبصار أهل الموقف، فيأتي النداء من عند الله جل جلاله: أين خليفة محمّد رسول الله؟ فتقول: ها أنا ذا. قال: فينادي المنادي: يا علي، أدخل من أحبك الجنة، ومن عاداك النار، فأنت قسيم الجنة، وأنت قسيم النار(٣) .

وصلّى الله على محمّد وآله

______________

(١) بحار الانوار ٣٨: ١٠٢/٢٥.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢: ٥٢/٢٠١، بحار الانوار ٦٨: ٩/٥.

(٣) بحار الانوار ٧: ٢٣٢/٣.

٤٤٢

[ ٥٨ ]

المجلس الثامن والخمسون

مجلس يوم الثلاثاء

النصف من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٥٩١/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن القاسم الاستر آبادي رحمه الله، قال: حدّثنا عبد الملك بن أحمد بن هارون، قال: حدّثنا عمار بن رجاء، قال: حدّثنا يزيد ابن هارون، قال: أخبرنا محمّد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم جاءه رجل، فقال: يا رسول الله، أما رأيت فلانا ركب البحر ببضاعة يسيرة وخرج إلى الصين، فأسرع الكرة، وأعظم الغنيمة حتى قد حسده أهل وده، وأوسع قراباته وجيرانه؟

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إن مال الدنيا كلما ازداد كثرة وعظما، ازداد صاحبه بلاء، فلا تغبطوا أصحاب الاموال إلا بمن جاد بماله في سبيل الله، ولكن ألا أخبركم بمن هو أقل من صاحبكم بضاعة، وأسرع منه كرة، وأعظم منه غنيمة، وما أعد له من الخيرات محفوظ له في خزائن عرش الرحمن؟ قالوا: بلى، يا رسول الله.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: انظروا إلى هذا المقبل إليكم. فنظرنا فإذا رجل من الانصار رث الهيئة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إن هذا لقد صعد له في هذا اليوم إلى العلو من الخيرات والطاعات ما لو قسم على جميع أهل السماوات والارض،

٤٤٣

لكان نصيب أقلهم منه غفران ذنوبه ووجوب الجنة له. قالوا: بماذا، يا رسول الله؟ فقال: سلوه يخبركم عما صنع في هذا اليوم.

فأقبل عليه أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقالوا له: هنيئا لك بما بشرك به رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فماذا صنعت في يومك هذا حتى كتب لك ما كتب؟ فقال الرجل: ما أعلم أني صنعت شيئا غير أني خرجت من بيتي، وأردت حاجة كنت أبطأت عنها، فخشيت أن تكون فاتتني، فقلت في نفسي لاعتاضن منها النظر إلى وجه عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: النظر إلى وجه علي عبادة.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إي والله عبادة، وأي عبادة! إنك - يا عبدالله - ذهبت تبتغي أن تكتسب دينارا لقوت عيالك ففاتك ذلك، فاعتضت منه النظر إلى وجه علي، وأنت له محب، ولفضله معتقد، وذلك خير لك من أن لو كانت الدنيا كلها لك ذهبة حمراء فأنفقتها في سبيل الله، ولتشفعن بعدد كل نفس تنفسته في مصيرك إليه في ألف رقبة يعتقهم الله من النار بشفاعتك(١) .

٥٩٢/٢ - حدّثنا محمّد بن بكران النقاش رضي الله عنه، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد الكوفي مولى بني هاشم، قال: حدثني المنذر بن محمّد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني محمّد بن الحسين بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن الحسين بن علي، عن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: بادروا إلى رياض الجنة. قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر(٢) .

٥٩٣/٣ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبوسعيد الحسن بن عليّ العدوي، قال: حدّثنا صهيب بن عباد بن صهيب، قال: حدّثنا أبي،

______________

(١) بحار الانوار ٣٨: ١٩٧/٥.

(٢) معاني الاخبار: ٣٢١/١، بحار الانوار ٩٣: ١٥٥/٢٠.

٤٤٤

قال: حدّثنا الصادق جعفر بن محمّد، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ عليهم السلام: أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قضى باليمين مع الشاهد الواحد، وأن عليا عليه السلام قضى به بالعراق(١) .

٥٩٤/٤ - وبهذا الاسناد، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهما السلام، عن جابر بن عبدالله، قال: جاء جبرئيل عليه السلام إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فأمره أن يأخذ باليمين مع الشاهد(٢) .

٥٩٥/٥ - حدّثنا الحسين بن عليّ الصوفي رضي الله عنه، قال: حدّثنا حمزة بن القاسم، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الوزان، عن يحيى بن سعيد الاهوازي، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن محمّد ابن حمران، قال: قال الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: إذا دخلت الحمام فقل في الوقت الذي تنزع ثيابك: اللهم انزع عني ربقة النفاق، وثبتني على الايمان. فإذا دخلت البيت الاول فقل: اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي، وأستعيذ بك من أذاه. وإذا دخلت البيت الثاني فقل: اللهم أذهب عني الرجس النجس، وطهر جسدي وقلبي. وخذ من الماء الحار وضعه على هامتك، وصب منه على رجليك، وإن أمكن أن تبلع منه جرعة فافعل، فإنه ينقي المثانة، والبث في البيت الثاني ساعة، فإذا دخلت البيت الثالث فقل: نعوذ بالله من النار، ونسأله الجنة. ترددها إلى وقت خروجك من البيت الحار، وإياك وشرب الماء البارد والفقاع في الحمام فإنه يفسد المعدة، ولا تصبن عليك الماء البارد فإنه يضعف البدن، وصب الماء البارد على قدميك إذا خرجت فإنه يسل الداء من جسدك، فإذا لبست ثيابك فقل: اللهم ألبسني التقوى، وجنبني الردى، فإذا فعلت ذلك أمنت من كل داء(٣) .

______________

(١) بحار الانوار ١٠٤: ٢٧٧/١.

(٢) بحار الانوار ١٠٤: ٢٧٧/٢.

(٣) بحار الانوار ٧٦: ٧٠/٣.

٤٤٥

٥٩٦/٦ - حدّثنا عليّ بن أحمد بن موسى رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي، عن جعفر بن محمّد الفزاري، قال: حدّثنا عباد بن يعقوب، قال: أخبرنا منصور بن أبي نويرة، عن أبي بكر بن عياش، عن قرن أبي سليمان الضبي(١) ، قال: أرسل عليّ بن أبي طالب أميرالمؤمنين عليه السلام إلى لبيد العطاردي(٢) بعض شرطه، فمروا به على مسجد سماك(٣) ، فقام إليه نعيم بن دجاجة الاسدي، فحال بينهم وبينه، فأرسل أميرالمؤمنين عليه السلام إلى نعيم فجئ به، قال: فرفع أميرالمؤمنين عليه السلام شيئا ليضربه، فقال نعيم: والله إن صحبتك لذل، وإن خلافك لكفر. فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: وتعلم ذلك؟ قال: نعم. قال: خلوه(٤) .

٥٩٧/٧ - حدّثنا أحمد بن محمّد بن الصقر الصائغ، قال: حدّثنا محمّد بن أيوب، قال: أخبرنا إبراهيم بن موسى، قال: أخبرنا هشام بن يوسف، عن عبدالله بن سليمان النوفلي، عن محمّد بن عليّ بن عبدالله بن عباس، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني لحب الله عزّوجلّ، وأحبوا أهل بيتي لحبي(٥) .

٥٩٨/٨ - حدّثنا أبوالعباس محمّد بن إبراهيم المكتب رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبوسعيد الحسن بن عليّ العدوي، قال: حدّثنا الهيثم بن عبدالله، قال: حدّثنا المأمون، عن أبيه الرشيد، عن المهدي، عن أبيه المنصور، عن أبيه، عن جده، عن ابن

______________

(١) في نسخة: ابن أبي سليمان الضبي، وفي الغارات: ٧٢: قدم الضبي.

(٢) في الغارات: لبيد بن عطارد التميمي، وقد ترجم له بهذا العنوان ابن حجر في الاصابة ٣: ٣٢٨، وابن عبد البر في الاستيعاب ٣: ٣٢٨ (في هامش الاصابة).

(٣) مسجد سماك: بالكوفة منسوب إلى سماك بن مخرمة بن حمين بن بلث الاسدي.« مجمع البلدان ٥: ١٢٥ ».

(٤) بحار الانوار ٤٢: ١٨٦/٢.

(٥) أمالي الطوسي: ٢٧٨/٥٣١، بحار الانوار ٢٧: ٧٦/٥، ٦.

٤٤٦

عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعلي عليه السلام: أنت وارثي(١) .

٥٩٩/٩ - حدّثنا الحسن بن محمّد بن سعيد الهاشمي الكوفي، قال: حدّثنا فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن الحسن اللؤلؤي، قال: حدّثنا عليّ بن نوح الجنائي، قال: حدثني أبي، عن محمّد بن مروان، عن أبي داود، عن معاذ بن سالم، عن بشر بن إبراهيم الانصاري، عن خليفة بن سليمان الجهني، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، قال: غزا النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم غزاة، فلما رجع إلى المدينة، وكان علي عليه السلام تخلف على أهله، فقسم المغنم، فدفع إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام سهمين فقال الناس: يا رسول الله، دفعت إلى عليّ بن أبي طالب سهمين وهو بالمدينة متخلف!

فقال: معاشر الناس، ناشدتكم بالله وبرسوله، ألم تروا إلى الفارس الذي حمل على المشركين من يمين العسكر فهزمهم، ثم رجع إلي فقال: يا محمّد، إن لي معك سهما، وقد جعلته لعليّ بن أبي طالب؟ وهو جبرئيل عليه السلام.

معاشر الناس، ناشدتكم بالله وبرسوله، هل رأيتم الفارس الذي حمل على المشركين من يسار العسكر فهزمهم، ثم رجع فكلمني، وقال لي: يا محمّد، إن لي معك سهما، وقد جعلته لعليّ بن أبي طالب عليه السلام؟ وهو ميكائيل، فوالله ما دفعت إلى علي إلا سهم جبرئيل وميكائيل عليهما السلام فكبر الناس بأجمعهم(٢) .

٦٠٠/١٠ - حدّثنا محمّد بن أحمد السناني، قال: حدّثنا محمّد بن جعفر الكوفي الاسدي، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي، عن عبدالله بن أحمد، عن أبي أحمد الازدي، عن عبدالله بن جندب، عن أبي عمر العجمي، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: قال الله جل جلاله: أنا الله لا إله إلا أنا، خلقت الملوك،

______________

(١) بحار الانوار ٤٠: ٦/١٣.

(٢) علل الشرائع: ١٧٢/١، ٢، بحار الانوار ٣٩: ٩٤/٤.

٤٤٧

وقلوبهم بيدي، فأيما قوم أطاعوني جعلت قلوب الملوك عليهم رحمة، وأيما قوم عصوني جعلت قلوب الملوك عليهم سخطة، ألا لا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك، توبوا إلي أعطف قلوبهم عليكم(١) .

٦٠١/١١ - حدّثنا جعفر بن عليّ الكوفي، قال: حدثني جدي الحسن بن علي، عن جده عبدالله بن المغيرة، عن إسماعيل بن أبي زياد الشعيري، عن الصادق جعفر ابن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي، وإذا فسدا فسدت أمتي: الامراء والقراء(٢) .

٦٠٢/١٢ - حدّثنا عليّ بن أحمد بن عبدالله بن أحمد بن أبي عبدالله البرقي رضي الله عنه، قال: حدثني أبي، عن جده أحمد بن أبي عبدالله، عن عليّ بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن بشار بن يسار، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: إذا أردت شيئا من الخير فلا تؤخره، فإن العبد ليصوم اليوم الحار يريد به ما عند الله عزّوجلّ، فيعتقه الله من النار، ويتصدق بصدقة يريد بها وجه الله، فيعتقه الله من النار(٣) .

٦٠٣/١٣ - حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن عبدالله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن عليّ بن أسباط، عن عمه يعقوب بن سالم، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: قال عيسى بن مريم عليه السلام لبعض أصحابه: ما لا تحب أن يفعل بك فلا تفعله بأحد، وإن لطم أحد خدك الايمن فأعط الايسر(٤) .

٦٠٤/١٤ - حدّثنا الحسن بن إبراهيم بن ناتانه رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن أبي زياد النهدي، عن عبدالله بن

______________

(١) بحار الانوار ٧٥: ٣٤٠/٢١.

(٢) نوادر الراوندي: ٢٧، بحار الانوار ٩٢: ١٧٨/٧.

(٣) بحار الانوار ٧١: ٢١٥/١٤.

(٤) بحار الانوار ١٤: ٢٨٧/١٠.

٤٤٨

بكير، قال: قال الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: حسب المؤمن من الله نصرة أن يرى عدوه يعمل بمعاصي الله عزّوجلّ(١) .

٦٠٥/١٥ - وبهذا الاسناد، قال: قال الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: ما من قدم سعت إلى الجمعة إلا حرم الله جسدها على النار(٢) .

٦٠٦/١٦ - وقال عليه السلام: من صلى معهم في الصف الاول، فكأنما صلى مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في الصف الاول.(٣) .

٦٠٧/١٧ - حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطار، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحسن بن عليّ بن فضال، عن أبي جميلة، عن عمرو بن خالد، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: إن صدقة النهار تميث(٤) الخطيئة كما يميث الماء الملح، وإن صدقة الليل تطفئ غضب الرب جل جلاله(٥) .

٦٠٨/١٨ - حدّثنا أحمد بن عليّ بن إبراهيم بن هاشم رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن إسماعيل بن مسلم السكوني، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، قال: قال علي عليه السلام: إن على كل حق حقيقة، وعلى كل صواب نورا، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدعوه(٦) .

٦٠٩/١٩ - حدّثنا أحمد بن هارون الفامي رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن عبدالله بن جعفر بن جامع الحميري، عن أبيه، عن أيوب بن نوح، عن محمّد بن أبي

______________

(١) تقدم في المجلس (١٠) الحديث (٦).

(٢) بحار الانوار ٨٩: ١٨٤/١٩.

(٣) بحار الانوار ٨٨: ٨٧/٤٨.

(٤) أي تذيب.

(٥) بحار الانوار ٩٦: ١٧٦/١.

(٦) بحار الانوار ٢: ٢٢٧/٤.

٤٤٩

عمير، عن أبان الاحمر، عن سعد الكناني، عن الاصبغ بن نباتة، عن عبدالله بن عباس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعلي عليه السلام: يا علي، أنت خليفتي على أمتي في حياتي وبعد موتي، وأنت مني كشيث من آدم، وكسام من نوح، وكاسماعيل من إبراهيم، وكيوشع من موسى، وكشمعون من عيسى.

يا علي، أنت وصيي ووارثي وغاسل جثتي، وأنت الذي تواريني في حفرتي، وتؤدي ديني، وتنجز عداتي. يا علي، أنت أميرالمؤمنين، وإمام المسلمين، وقائد الغر المجلين، ويعسوب المتقين. يا علي، أنت زوج سيدة النساء فاطمة ابنتي، وأبو سبطي الحسن والحسين. يا علي، إن الله تبارك وتعالى جعل ذرية كل نبي من صلبه، وجعل ذريتي من صلبك.

يا علي، من أحبك ووالاك أحببته وواليته، ومن أبغضك وعاداك أبغضته وعاديته، لانك مني وأنا منك. يا علي، إن الله طهرنا واصطفانا، لم يلتق لنا أبوان على سفاح قط من لدن آدم، فلا يحبنا إلا من طابت ولادته.

يا علي، أبشر بالشهادة فإنك مظلوم بعدي ومقتول. فقال علي عليه السلام: يا رسول الله، وذلك في سلامة من ديني؟ قال: في سلامة من دينك. يا علي، إنك لن تضل ولم تزل، ولولاك لم يعرف حزب الله بعدي(١) .

وصلّى الله على محمّد وآله، وحسبنا ونعم الوكيل

______________

(١) بحار الانوار ٣٨: ١٠٣/٢٦.

٤٥٠

[ ٥٩ ]

المجلس التاسع والخمسون

مجلس يوم الجمعة

الثامن عشر من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٦١٠/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا عليّ بن أحمد بن موسى رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن جعفر الكوفي الاسدي، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدّثنا عبدالله بن أحمد، قال: حدّثنا إسماعيل بن الفضل، عن ثابت بن دينار الثمالي، عن سيد العابدين عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: حق نفسك عليك أن تستعملها بطاعة الله عزّوجلّ. وحق اللسان إكرامه عن الخنا(١) ، وتعويده الخير، وترك الفضول التي لا فائدة لها، والبر بالناس وحسن القول فيهم. وحق السمع تنزيهه عن سماع الغيبة وسماع ما لا يحل سماعه. وحق البصر أن تغضه عما لا يحل لك، وتعتبر بالنظر به. وحق يدك أن لا تبسطها إلى ما لا يحل لك. وحق رجليك أن لا تمشي بهما إلى ما لا يحل لك، فبهما(٢) تقف على الصراط، فانظر أن لا تزل بك فتتردى في النار. وحق بطنك أن لا تجعله وعاء للحرام، ولا تزيد على الشبع. وحق

______________

(١) الخنا: الفحش في الكلام.

(٢) في نسخة: فيهما.

٤٥١

فرجك أن تحصنه عن الزنا، وتحفظه من أن ينظر إليه.

وحق الصلاة أن تعلم أنها وفادة إلى الله عزّوجلّ، أنك فيما قائم بين يدي الله عزّوجلّ، فإذا علمت ذلك قمت مقام الذليل الحقير الراغب الراهب الراجي الخائف المستكين المتضرع المعظم لمن كان بين يديه بالسكون والوقار، وتقبل عليها بقلبك، وتقيمها بحدودها وحقوقها. وحق الصوم أن تعلم أنه حجاب ضربه الله عزّوجلّ على لسانك وسمعك وبصرك وبطنك وفرجك ليسترك به من النار، فإن تركت الصوم خرقت ستر الله عليك.

وحق الصدقة أن تعلم أنها ذخرك عند ربك عزّوجلّ، ووديعتك التي لا تحتاج إلى الاشهاد عليها، وكنت بما تستودعه سرا أوثق منك بما تستودعه علانية، وتعلم أنها تدفع البايا والاسقام عنك في الدنيا، وتدفع عنك النار في الآخرة.

وحق الحج أن تعلم أنه وفادة إلى ربك، وفرار إليه من ذنوبك، وفيه قبول توبتك وقضاء الفرض الذي أوجبه الله عليك. وحق الهدي أن تريد به الله عزّوجلّ، ولا تريد به خلقه، وتريد به التعرض لرحمة الله ونجاة روحك يوم تلقاه.

وحق السلطان أن تعلم أنك جعلت له فتنة، وأنه مبتلى فيك بما جعل الله عزّوجلّ له عليك من السلطان، وأن عليك أن لا تتعرض لسخطه، فتلقي بيدك إلى التهلكة، وتكون شريكا له فيما يأتي إليك من سوء.

وحق سايسك بالعلم التعظيم له، والتوقير لمجلسه، وحسن الاستماع إليه والاقبال عليه، وأن لا ترفع عليه صوتك، ولا تجيب أحدا يسأله عن شئ حتى يكون هو الذي يجيب، ولا تحدث في مجلسه أحدا، ولا تغتاب عنده أحدا، وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء، وأن تستر عيوبه، وتظهر مناقبه، ولا تجالس له عدوا، ولا تعادي له وليا، فإذا فعلت ذلك شهدت لك ملائكة الله بأنك قصدته وتعلمت علمه لله - جل اسمه - لا للناس. وأما حق سايسك بالملك، فأن تطيعه ولا تعصيه إلا فيما يسخط الله، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

وأما حق رعيتك بالسلطان، فأن تعلم أنهم صاروا رعيتك لضعفهم وقوتك،

٤٥٢

فيجب أن تعدل فيهم، وتكون لهم كالوالد الرحيم، وتغفر لهم جهلهم، ولا تعاجلهم بالعقوبة، وتشكر الله على ما آتاك من القوة عليهم.

وأما حق رعيتك بالعلم، فأن تعلم أن الله عزّوجلّ إنما جعلك قيما لهم فيما آتاك من العلم، وفتح لك من خزانة الحكمة، فإن أحسنت في تعليم الناس، ولم تخرق بهم(١) ، ولم تضجر عليهم، زادك الله من فضله، وإن أنت منعت الناس علمك، أو خرقت بهم عند طلبهم العلم منك، كان حقا على الله عزّوجلّ أن يسلبك العلم وبهاءه، ويسقط من القلوب محلك.

وأما حق الزوجة، فأن تعلم أن الله عزّوجلّ جعلها لك سكونا وأنسا، فتعلم أن ذلك نعمة من الله عزّوجلّ عليك، فتكرمها وترفق بها، وإن كان حقك عليها أوجب، فإن لها عليك أن ترحمها لانها أسيرك، وتطعمها وتكسوها، وإذا جهلت عفوت عنها.

وأما حق مملوكك، فأن تعلم أنه خلق ربك، وابن أبيك وأمك، ولحمك ودمك لم تملكه لانك صنعته دون الله، ولا خلقت شيئا من جوارحه، ولا أخرجت له رزقا، ولكن الله عزّوجلّ كفاك ذلك، ثم سخره لك، وائتمنك عليه، واستودعك إياه، ليحفظ لك ما تأتيه من خير إليه فأحسن إليه كما أحسن الله إليك، وإن كرهته استبدلت به، ولم تعذب خلق الله، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق أمك، فأن تعلم أنها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحدا، وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد أحدا، ووقتك بجميع جوارحها، ولن تبال أن تجوع وتطعمك، وتعطش وتسقيك وتعرى وتكسوك، وتظلك وتضحى(٢) ، وتهجر النوم لاجلك، ووقتك الحر والبرد لتكون لها، وأنك لا تطيق شكرها إلا بعون الله وتوفيقه.

وأما حق أبيك، فأن تعلم أنه أصلك، وأنك لولاه لم تكن، فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه، فاحمد الله واشكره على

______________

(١) خرق بالشئ: جهله ولم يحسن عمله.

(٢) ضحى: برز للشمس فأصابه حرها.

٤٥٣

قدر ذلك، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق ولدك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره، وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الادب، والدلالة على ربه عزّوجلّ، والمعونة له على طاعته، فاعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الاحسان إليه، معاقب على الاساءة إليه.

وأما حق أخيك، فأن تعلم أنه يدك وعزك وقوتك، فلا تتخذه سلاحا على معصية الله، ولا عدة للظلم لخلق الله، ولا تدع نصرته على عدوه والنصيحة له، فان أطاع الله وإلا فليكن الله أكرم عليك منه، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق مولاك المنعم عليك، فأن تعلم أنه أنفق فيك ماله، وأخرجك من ذل الرق ووحشته إلى عز الحرية وأنسها، فأطلقك من أسر الملكية، وفك عنك قيد العبودية، وأخرجك من السجن، وملكك نفسك، وفرغك لعبادة ربك، وتعلم أنه أولى الخلق بك في حياتك وبعد موتك، وأن نصرته عليك واجبة بنفسك، وما احتاج إليه منك، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق مولاك الذي أنعمت عليه، فأن تعلم أن الله عزّوجلّ جعل عتقك له وسيلة إليه، وحجابا لك من النار، وأن ثوابك في العاجل ميراثه، إذا لم يكن له رحم، مكافأة بما أنفقت من مالك، وفي الآجل الجنة.

وأما حق ذي المعروف عليك، فأن تشكره وتذكر معروفه، وتكسبه القالة(١) الحسنة، وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين الله عزّوجلّ، فإذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرا وعلانية، ثم إن قدرت على مكافأته يوما كافأته.

وأما حق المؤذن، فأن تعلم أنه مذكر لك بربك عزّوجلّ، وداع لك إلى حظك، وعونك على قضاء فرض الله عليك، فتشكره على ذلك شكرك للمحسن إليك.

وأما حق إمامك في صلاتك، فأن تعلم أنه تقلد السفارة فيما بينك وبين

______________

(١) القالة: اسم للقول الفاشي في الناس، خيرا كان أو شرا.

٤٥٤

ربك عزّوجلّ، وتكلم عنك ولم تتكلم عنه، ودعا لك ولم تدع له، وكفاك هول المقام بين يدي الله عزّوجلّ، فإن كان (به)(١) نقص كان به دونك، وإن كان تماما كنت به شريكه، ولم يكن له عليك فضل، فوقى نفسك بنفسه، وصلاتك بصلاته، فتشكر له على قدر ذلك.

وأما حق جليسك، فأن تلين له جانبك، وتنصفه في مجاراة اللفظ، ولا تقوم من مجلسك إلا بإذنه، ومن يجلس إليك يجوز له القيام عنك بغير إذنك، وتنسى زلاته، وتحفظ خيراته، ولا تسمعه إلا خيرا.

وأما حق جارك، فحفظه غائبا، وإكرامه شاهدا، ونصرته إذا كان مظلوما، ولا تتبع له عورة، فإن علمت عليه سوءا سترته عليه، وإن علمت أنه يقبل نصيحتك نصحته فيما بينك وبينه، ولا تسلمه عند شديدة، وتقيل عثرته، وتغفر ذنبه، وتعاشره معاشرة كريمة، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق الصاحب، فأن تصحبه بالتفضل والانصاف، وتكرمه كما يكرمك، ولا تدعه يسبق إلى مكرمة، وإن سبق كافيته، وتوده كما يودك، وتزجره عما يهم به من معصية، وكن عليه رحمة ولا تكن عليه عذابا، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق الشريك، فإن غاب كفيته، وإن حضر رعيته، ولا تحكم دون حكمه، ولا تعمل برأيك دون مناظرته، تحفظ عليه ماله، ولا تخونه فيما عز أو هان من أمره، فإن يد الله عزّوجلّ على الشريكين ما لم يتخاونا، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق مالك، فأن لا تأخذه إلا منحله، ولا تنفقه إلا في وجهه، ولا تؤثر على نفسك من لا يحمدك، فاعمل فيه بطاعة ربك، ولا تبخل به فتبوء بالحسرة والندامة مع التبعة، ولا قوة إلا بالله.

وأما حق غريمك الذي يطالبك، فإن كنت موسرا أعطيته، وإن كنت معسرا أرضيته بحسن القول، ورددته عن نفسك ردا لطيفا.

______________

(١) من الخصال.

٤٥٥

وحق الخليط أن لا تغره، ولا تغشه، ولا تخدعه، وتتقي الله في أمره.

وحق الخصم المدعي عليك، فان كان ما يدعي عليك حقا كنت شاهده على نفسك، ولم تظلمه و أوفيته حقه، وإن كان ما يدعي باطلا رفقت به، ولم تأت في أمره غير الرفق، و لم تسخط ربك في أمره، ولا قوة إلا بالله.

وحق خصمك الذي تدعي عليه، إن كنت محقا في دعواك، أجملت مقاولته، ولم تجحد حقه، وإن كنت مبطلا في دعواك، اتقيت الله وتبت إليه، وتركت الدعوى.

وحق المستشير، إن علمت له رأيا حسنا أشرت عليه، وإن لم تعلم أرشدته إلى من يعلم، وحق المشير عليك أن لا تتهمه فيما لا يوافقك من رأيه، وإن وافقك حمدت الله عزّوجلّ.

وحق المستنصح أن تؤدي إليه النصيحة، وليكن مذهبك الرحمة له والرفق به. وحق الناصح أن تلين له جناحك، وتصغي إليه بسمعك، فإن أتى بالصواب حمدت الله عزّوجلّ، وإن لم يوفق رحمته ولم تتهمه، وعلمت أنه أخطأ، ولم تؤاخذه بذلك، إلا أن يكون مستحقا للتهمة، ولا تعبأ بشئ من أمره على حال، ولا قوة إلا بالله.

وحق الكبير توقيره لسنه، وإجلاله لتقدمه في الاسلام قبلك، وترك مقابلته عند الخصام، ولا تسبقه إلى طريق، ولا تتقدمه ولا تستجهله، وإن جهل عليك احتملته وأكرمته بحق الاسلام وحرمته، وحق الصغير رحمته وتعليمه، والعفو عنه، والستر عليه، والرفق به، والمعونة له.

وحق السائل إعطاؤه على قدر حاجته. وحق المسؤول إن أعطى فاقبل منه بالشكر والمعرفة بفضله، وإن منع فاقبل عذره. وحق من سرك الله به أن تحمد الله أولا ثم تشكره. وحق من ساءك أن تعفو عنه، وإن علمت أن العفو يضره انتصرت، قال الله عزّوجلّ:( وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَـٰئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ ) (١) .

وحق أهل ملتك إضمار السلامة لهم، والرحمة بهم، والرفق بمسيئهم،

______________

(١) الشورى ٤٢: ٤١.

٤٥٦

وتألفهم، واستصلاحهم، وشكر محسنهم، وكف الاذى عنهم، وتحب لهم ما تحب لنفسك، وتكره لهم ما تكره لنفسك، وأن يكون شيوخهم بمنزلة أبيك، وشبابهم بمنزلة إخوتك، وعجائزهم بمنزلة أمك، والصغار بمنزلة أولادك(١) ، وحق الذمة أن تقبل منهم ما قبل الله عزّوجلّ منهم، ولا تظلمهم ما وفوا لله عزّوجلّ بعهده، ولا قوة إلا بالله(٢) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله

______________

(١) في نسخة: إخوانك.

(٢) الخصال: ٥٦٤/١، بحار الانوار ٧٤: ٢/١.

٤٥٧

[ ٦٠ ]

المجلس الستون

مجلس يوم الثلاثاء

الثاني والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وستين وثلاثمائة

٦١١/١ - حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدثني أبي رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الريان بن شبيب، قال: سمعت المأمون يقول: ما زلت أحب أهل البيت عليهم السلام، وأظهر للرشيد بغضهم تقربا إليه، فلما حج الرشيد كنت أنا ومحمّد والقاسم معه، فلما كان بالمدينة استأذن عليه الناس، فكان آخر من أذن له موسى بن جعفر عليهما السلام، فدخل، فلما نظر إليه الرشيد تحرك ومد بصره وعنقه إليه حتى دخل البيت الذي كان فيه، فلما قرب منه جثا الرشيد على ركبتيه وعانقه، ثم أقبل عليه، فقال له: كيف أنت يا أبا الحسن، كيف عيالك، كيف عيال أبيك، كيف أنتم، ما حالكم؟ فما زال يسأله عن هذا وأبو الحسن عليه السلام يقول: خير خير، فلما قام أراد الرشيد أن ينهض، فأقسم عليه أبوالحسن عليه السلام فقعد، وعانقه وسلم عليه وودعه.

قال المأمون: وكنت أجرأ ولد أبي عليه، فلما خرج أبوالحسن موسى بن جعفر عليهما السلام قلت لابي: يا أميرالمؤمنين، لقد رأيتك عملت بهذا الرجل شيئا ما رأيتك فعلت بأحد من أبناء المهاجرين والانصار ولا ببني هاشم! فمن هذا الرجل؟ فقال: يا بني، هذا وارث علم النبيين، هذا موسى بن جعفر بن محمّد، إن أردت العلم

٤٥٨

الصحيح فعند هذا. قال المأمون: فحينئذ انغرس في قلبي حبهم(١) .

٦١٢/٢ - حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الحسن بن عليّ بن يقطين، عن أخيه الحسين، عن أبيه عليّ بن يقطين، قال: رفع(٢) الخبر إلى موسى بن جعفر عليهما السلام، وعنده جماعة من أهل بيته، بما عزم عليه موسى بن المهدي في أمره، فقال لاهل بيته: ما تشيرون؟ قالوا: نرى أن تتباعد عن هذا الرجل، وأن تغيب شخصك منه، فإنه لا يؤمن شره. فتبسم أبوالحسن عليه السلام، ثم قال:

زعمت سخينة أن ستغلب ربها

وليغلبن مغالب الغلاب(٣)

ثم رفع عليه السلام يده إلى السماء، فقال: إلهي، كم من عدو شحذ لي ظبة مديته(٤) ، وأرهف لي سنان حده، وداف لي قواتل سمومه، ولم تنم عني عين حراسته، فلما رأيت ضعفي عن احتمال الفوادح، وعجزي عن ملمات الجوائح(٥) ، صرفت ذلك عني بحولك وقوتك لا بحولي ولا بقوتي، فألقيته في الحفير الذي احتفره لي، خائبا مما أمله في دنياه، متباعدا مما رجاه في آخرته، فلك الحمد على ذلك قدر استحقاقك.

سيدي اللهم فخذه بعزتك، وافلل حده عني بقدرتك، واجعل له شغلا فيما يليه، وعجزا عمن يناويه، اللهم وأعدني عليه عدوى(٦) حاضرة، تكون من غيظي

______________

(١) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٩٣/١٢، بحار الانوار ٤٨: ١٣٤/٦.

(٢) في نسخة: وقع.

(٣) البيت لكعب بن مالك، وقيل: لحسان بن ثابت، وسخينة: لقب قريش، لانها كانت تعاب بأكل السخينة، وهي طعام يتخذ من الدقيق، وإنما يأكلونها في شدة الدهر وغلاء السعر.

(٤) الظبة: حد السيف ونحوه: والمدية: الشفرة الكبيرة.

(٥) الجائحة: المصيبة تحل بالرجل في ماله فتجتاحه كله.

(٦) أعداه: نصره وأعانه وقواه، والعدوى: طلبك إلى وال ليعديك على من ظلمك، أي ينتقم منه.

٤٥٩

شفاء، ومن حقي عليه وفاء(١) ، وصل اللهم دعائي بالاجابة، وانظم شكاتي بالتغيير، وعرفه عما قليل ما وعدت الظالمين، وعرفني ما وعدت في إجابة المضطرين، إنك ذو الفضل العظيم والمن الكريم.

قال: ثم تفرق القوم، فما اجتمعوا إلا لقراءة الكتاب الوارد بموت موسى بن المهدي(٢) .

٦١٣/٣ - حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، قال: سمعت رجلا من أصحابنا يقول: لما حبس هارون الرشيد موسى بن جعفر عليه السلام، جن عليه الليل، فخاف ناحية هارون أن يقتله، فجدد موسى عليه السلام طهوره، واستقبل بوجهه القبلة، وصلى لله عزّوجلّ أربع ركعات، ثم دعا بهذه الدعوات، فقال: يا سيدي نجني من حبس هارون، وخلصني من يديه، يا مخلص الشجر من بين رمل وطين وماء، ويا مخلص اللبن من بين فرث ودم، ويا مخلص الولد من بين مشيمة ورحم، ويا مخلص النار من بين الحديد والحجر، ويا مخلص الروح من بين الاحشاء والامعاء، خلصني من يدي هارون.

قال: فلما دعا موسى عليه السلام بهذه الدعوات، رأى هارون رجلا أسود في منامه، وبيده سيف قد سله، واقفا على رأس هارون، وهو يقول: يا هارون، أطلق عن موسى بن جعفر وإلا ضربت علاوتك بسيفي هذا. فخاف هارون من هيبته، ثم دعا لحاجبه، فجاء الحاجب، فقال له: اذهب إلى السجن، وأطلق عن موسى بن جعفر.

قال: فخرج الحاجب فقرع باب السجن، فأجابه صاحب السجن، فقال: من ذا؟ قال: إن الخليفة يدعو موسى بن جعفر، فأخرجه من سجنك، وأطلق عنه. فصاح السجان، يا موسى، إن الخليفة يدعوك. فقام موسى عليه السلام مذعورا فزعا، وهو

______________

(١) في نسخة: ومن حنقي عليه وقاء.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٧٩/٧، أمالي الطوسي: ٤٢١/٩٤٤، مهج الدعوات: ٢٨، بحار الانوار ٤٨:٢١٧/١٧ - ١٩ و ٩٤: ٣٣٧/٦.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466