التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف15%

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف مؤلف:
الناشر: دار القرآن الكريم
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 368

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف
  • البداية
  • السابق
  • 368 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 184775 / تحميل: 6439
الحجم الحجم الحجم
التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

مؤلف:
الناشر: دار القرآن الكريم
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

وكلّه وحي وليس بقرآن. ولو كان قرآناً لكان مقروناً به وموصولاً إليه غير مفصول عنه، كما كان أمير المؤمنين جمعه فلما جاء به قال: هذا كتاب ربكم كما انزل على نبيّكم لم يزد فيه حرف ولا ينقص منه حرف، فقالوا: لا حاجة لنا فيه، عندنا مثل الذي عندك، فانصرف وهو يقول:( فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون ) (١) »(٢) .

ومع هذا كلّه نرى الشيخ الصدوق يروي في بعض كتبه مثل (ثواب الأعمال) ما هو ظاهر في التحريف، بل يروي في كتابه (من لا يحضره الفقيه) الذي يعدّ أحد الكتب الحديثية الأربعة التي عليها مدار البحوث في الأوساط

العلمية واستنباط الأحكام الشرعية في جميع الأعصار، وقال في مقدّمته: «لم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رووه، بل قصدت إلى إيراد ما افتي به وأحكم بصحّته وأعتقد فيه أنه حجة فيما بيني وبين ربي» من ذلك ما لا يقبله ولا يفتي به أحد من الطائفة، وهو ما رواه عن سليمان بن خالد، قال: «قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : في القرآن رجم؟ قال: نعم، قلت: كيف؟ قال: الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فإنهما قضيا الشهوة»(٣) .

ورواه الشيخان الكليني والطوسي أيضاً عن عبدالله بن سنان بسند صحيح بحسب الإصطلاح، كما ستعرف.

والخبران يدلان على ثبوت الرجم على الشيخ والشيخة مع

__________________

(١) سورة آل عمران: ١٨٧.

(٢) الإعتقادات: ٩٣.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٤: ٢٦.

١٠١

عدم الإحصان أيضاً، ولا قائل بذلك منا كما في (مباني تكملة المنهاج) الذي أجاب عن الخبرين قائلاً: «ولا شك في أنهما وردا مورد التقية، فإن الأصل في هذا الكلام هو عمر بن الخطاب.

فإنّه ادّعى أن الرجم مذكور في القرآن وقد وردت آية بذلك، وقد تعرّضنا لذلك في كتابنا (البيان) في البحث حول التحريف وأن القرآن لم يقع فيه تحريف»(١) .

ولهذا ونظائره أعضل الأمر على العلماء حتى حكى في (المستمسك)(٢) عن بعض العلماء الكبار أنه قال بعدول الصدوق في أثناء الكتاب عما ذكره في أوله، وأشكل عليه بأنه لو كان كذلك لنوّه به من حيث عدل، وإلاّ لزم التدليس ولا

يليق بشأنه، وللتفصيل في هذا الموضوع مجال آخر.

وكيف كان، فإنّ كلام الشيخ الصدوق رحمة الله في (الإعتقادات) مع العلم بروايته لأخبار التحريف في كتبه وحتى في (من لا يحضره الفقيه) لخير مانع من التسرع في نسبة قولٍ أو عقيدةٍ إلى شخصٍ أن طائفةٍ مطلقاً، بل لابدّ من التثبّت والتحقيق حتى حصول الجزم واليقين.

كما أن موقفه الحازم من القول بالتحريف ونفيه القاطع له - مع العلم بما ذكر - لخير دليل على صحة ما ذهبنا إليه فيما مهّدناه وقدّمناه

__________________

(١) مباني تكملة المنهاج ١: ١٩٦، وسيأتي البحث حول هذه الآية المزعومة في الباب الثاني (السنّة والتحريف) بالتفضيل فانتظر.

(٢) مستمسك العروة الوثقى ١: ٣٠٣ حكاه عن المجلسي رحمة الله.

١٠٢

قبل الورود في البحث حول معرفة آراء الرواة لأخبار تحريف القرآن، وستظهر قيمة تلك الامور الممهدة وثمرتها - لا سيما بعد تشييدها بما ذكرناه حول رأي الشيخ الصدوق - في البحث حول رأي الطائفة الثالثة وعلى رأسهم الشيخ الكليني.

ترجمة الشيخ الطوسي

٢ - الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، المتوفّى سنة ٤٦٠.

قال عنه العلاّمة الحلّي في (الخلاصة): «شيخ الإمامية، ورئيس الطائفة، جليل القدر، عظيم المنزلة، ثقة، عين، صدوق، عارف بالأخبار والرجال والفقه والاصول والكلام والأدب، وجميع الفضائل تنسب إليه، صنّف في كلّ فنون الإسلام، وهو المهذّب للعقائد في الاصول والفروع، الجامع لكمالات النفس في العلم والعمل»(١) . وقال السيد بحر العلوم في (رجاله): «شيخ الطائفة الحقة، ورافع أعلام الشريعة الحقة، إمام الفرقة بعد الأئمة المعصومينعليهم‌السلام ، وعماد الشيعة الإمامية في كلّ ما يتعلق بالمذهب والدين، محقّق الاصول والفروع، ومهذّب فنون المعقول والمسموع، شيخ الطائفة على الإطلاق، ورئيسها الذي تلوى إليه الأعناق، صنّف في جميع علوم الإسلام، وكان القدوة في

__________________

(١) خلاصة الأقوال في معرفة أحوال الرجال: ١٤٨.

١٠٣

ذلك والإمام»(١) .

نفيه للتحريف مع روايته له:

فإنّه - رحمة الله - مؤلّف كتابين من «الكتب الأربعة» وهو من أكبر أساطين الإمامية النافين لتحريف القرآن الشريف حيث يقول: «أمّا الكلام في زيادته ونقصانه فمها لا يليق به، لأنّ الزيادة فيه مجمع على بطلانها، وأمّا النقصان منه فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا، وهو الذي نصره المرتضى، وهو الظاهر في الروايات، غير أنه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من آي القرآن ونقل شيء منه من موضع إلى موضع، طريقها الآحاد التي لا توجد علماً، فالأولى الإعراض عنها وترك التشاغل بها»(٢) .

فالكلام في نقصان القرآن مما لا يليق بالقرآن، فيجب تنزيهه عنه.

والقول بعدم النقصان هو الأليق بالصحيح من مذهبنا.

وما روي في نقصانه آحاد لا توجب علماً، فالأولى الإعراض عنها وترك التشاغل بها.

وهذه الكلمات تؤكد ما ذكرناه من أن الرواية شيء والأخذ بها شيء آخر،لأن الشيخ الطوسي الذي يقول بأن أخبار النقصان لا توجب علماً فالأولى الإعراض عنها وترك التشاغل بها، يروي بعضها

__________________

(١) الفوائد الرجالية ٣: ٢٢٧.

(٢) التبيان في تفسير القرآن للشيخ الطوسي ١: ٣.

١٠٤

في كتابه (إختيار معرفة الرجال)(١) بل يروي في (تهذيب الأحكام) - وهو أحد الكتب الأربعة - قضية رجم الشيخ والشيخة بسند صحيح(٢) .

أمّا في كتابه (الخلاف) فالظاهر أن استدلاله الرّجم من باب الإلزام، لأنّه - بعد أن حكم بوجوب الرجم على الثيب الزانية - حكى عن الخوارج أنّهم قالوا: لا رجم في شرعنا، لأنّه ليس في ظاهر القرآن ولا في السنّة المتواترة، فأجاب بقوله: «دليلنا إجماع الفرقة، وروي عن عمر أنه قال: لولا أنني أخشى أن يقال زاد عمر في القرآن لكتبت آية الرجم في حاشية المصحف»(٣) .

إذن، الطوسي ينفي التحريف، ورواية الحديث ونقله لا يعني الإعتماد عليه والقول بمضمونه والإلتزام بمدلوله.

ترجمة الفيض الكاشاني

٣ - الشيخ محمد محسن الفيض الكاشاني، المتوفّى سنة ١٠٩١.

قال عنه الشيخ الحر العاملي في (أمل الآمل): «كان فاضلاً عالماً ماهراً حكيماً متكلماً محدّثاً محققاً شاعراً أديباً حسن التصنيف»(٤) ووصفه الأردبيلي في (جامع الرواة) بـ «العلاّمة المحقق المدقق، جليل

__________________

(١) انظر: الفائدة الثامنة من الفوائد المذكورة في خاتمة الجزء الثالث من تنقيح المقال في علم الرجال، لمعرفة أن الكتاب المعروف برجال الكشي الموجود الآن هو للشيخ الطوسي.

(٢) التهذيب ١٠: ٣.

(٣) الخلاف ٢: ٤٣٨.

(٤) أمل الآمل ٢: ٣٠٥.

١٠٥

القدر عظيم الشأن، رفيع المنزلة، فاضل كامل أديب متبحّر في جميع العلوم»(١) وقال المحدّث البحراني في (لؤلؤة البحرين): «كان فاضلاً محدثاً أخبارياً صلباً»(٢) وترجم له الخونساري في (روضات الجنات) فقال: «وأمره في الفضل والفهم والنبالة في الفروع والاصول والإحاطة بمراتب المعقول والمنقول وكثرة التأليف والتصنيف مع جودة التعبير والترصيف أشهر من أن يخفى في هذه الطائفة على أحد إلى منتهى الأبد»(٣) .

نفيه للتحريف مع روايته له:

وقد روى الفيض الكاشاني أحاديث نقصان القرآن في كتابيه (الصافي في تفسير القرآن) و (الوافي) عن كتب المحدّثين المتقدّمين كالعياشي والقمي والكليني، فقال في (الصافي) بعد أن نقل وطرفاً منها: «المستفاد من جميع هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل البيتعليهم‌السلام أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما انزل على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله »(٤) .

لكن هذا المحدّث الأخباري الصّلب - كما عبّر الفقيه الأخباري الشيخ يوسف البحراني - لم يأخذ بظواهر تلك الأحاديث ولم يسكت عنها، بل جعل يؤوّلها في كتابيه - كما تقدّم نقل بعض كلماته - فقال في (الوافي) في نهاية البحث:«وقد استوفينا الكلام في هذا المعنى وفيما يتعلق

__________________

(١) جامع الرواة ٢: ٤٢.

(٢) لؤلؤة البحرين: ١٢١.

(٣) روضات الجنات: ٥٤٢.

(٤) الصافي في تفسير القرآن ١: ٤٤ ط لبنان.

١٠٦

بالقرآن في كتابنا الموسوم بـ (علم اليقين) فمن أراده فليرجع إليه»(١) .

وفي هذا الكتاب ذكر أن المستفاد من كثير من الروايات أنّ القرآن بين أظهرنا ليس بتمامه كما انزل، ثم ذكر كلام الشيخ علي بن إبراهيم، وروايتي الكليني عن ابن أبي نصر وسالم بن سلمة، ثم قال: «أقول: يرد على هذا كلّه إشكال وهو أنه على ذلك التقدير لم يبق لنا اعتماد على شيء من القرآن، إذ على هذا يحتمل كلّ آية منه أن تكون محرّفة ومغيّرة، ويكون على خلاف ما أنزله الله، فلم يبق في القرآن لنا حجّة أصلاً، فتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتّباعه والوصية به، وأيضاً قال الله عزّ وجلّ( وإنّه لكتاب عزيز ) وأيضاً قال الله عزّ وجلّ:( إنّا نحن نزّلنا الذكر ) وأيضاً، قد استفاض عن النبي والأئمة حديث عرض الخبر المروي عنهم على كتاب الله».

ثمّ قال: «ويخطر بالبال في دفع هذا الإشكال - والعلم عنه الله - أن مرادهم بالتحريف والتغيير والحذف إنما هو من حيث دون اللّفظ أي: حرّفوه وغيروه في تفسيره، وتأويله، أي: حملوه على خلاف ما هو عليه في نفس الأمر، فمعنى قولهم، كذا انزلت

أنّ المراد به ذلك لا ما يفهمه الناس من ظاهره، وليس مرادهم أنها نزلت كذلك في اللّفظ، فحذف ذلك إخفاءً للحق، وإطفاءً لنور الله.

ومما يدلّ على هذا ما رواه في الكافي بإسناده عن أبي جعفر أنه كتب في رسالته إلى سعد الخير: وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده».

ثمّ أجاب عن الروايتين وقال: «ويزيد ما قلناه تأكيداً ما رواه

__________________

(١) الوافي ٢: ٤٧٨.

١٠٧

علي بن إبراهيم في تفسيره بإسناده عن مولانا الصادق قال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعلي: القرآن خلف فراشي في الصحف والحرير والقراطيس، فخذوه واجمعوه ولا تضيّعوه كما ضيّعت اليهود التوراة».

ثمّ ذكر كلام الشيخ الصدوق في (الإعتقادات) بطوله ثم قال: «وأما تأويل أهل البيت أكثر الآيات القرآنية بفضائلهم ومثالب أعدائهم فلا إشكال فيه، إذ التأويل لا ينافي التفسير، وإرادة معنى لا تنافي إرادة معنى آخر، وسبب النزول لا يخصّص»(١) .

ثمّ استشهد لذلك بخبر في الكافي عن الصادقعليه‌السلام . ولعلّنا نورد محل الحاجة من عبارته كاملة فيما بعد.

ترجمة العاملي

٤ - الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي، المتوفى في سنة ١١٠٤.

قال الشيخ يوسف البحراني عنه: «كان عالماً فاضلاَ محدّثاً أخبارياً»(٢) . وقال الخونساري «شيخنا الحر العاملي الأخباري، هو صاحب كتاب وسائل الشيعة، وأحد المحمّدين الثلاثة المتأخرين الجامعين لأحاديث هذه الشريعة»(٣) . وقال المامقاني: «هو من أجلّة المحدّثين ومتّقي الأخباريّين»(٤) .

__________________

(١) علم اليقين ١: ٥٦٢ - ٥٦٩.

(٢) لؤلؤة البحرين: ٧٦.

(٣) روضات الجنات: ٤٦٦.

(٤) مقباس الهداية: ١٢٠.

١٠٨

روى بعض أخبار تحريف القرآن في كتابيه (إثبات الهداة بالنصوصوالمعجزات) و (وسائل الشيعة) عن الكتب الأربعة وغيرها.

لكنه - رحمه الله - من المحدّثين النافين للتحريف بصراحة كما تقدّم في الفصل الأول.

ترجمة المجلسي

٥ - الشيخ محمد باقر المجلسي، المثوفّى سنة ١١١١.

قال الحرّ العاملي عنه: «مولانا الجليل محمد باقر بن مولانا محمد تقي المجلسي، عالم، فاضل، ماهر، محقّق، مدقّق، علاّمة، فهّامة، فقيه، متكلّم، محدّث، ثقة ثقة، جامع للمحاسن والفضائل، جليل القدر، عظيم الشأن»(١) ، وقال البحراني: «العلاّمة الفهّامة، غوّاص بحار الأنوار، ومستخرج لآليء الأخبار وكنوز الآثار، الذي لم يوجد له في عصره ولا قبله ولا بعده قرين في ترويج الدين واحياء شريعة سيد المرسلين، بالتصنيف والتأليف والأمر والنهي وقمع المعتدين والمخالفين وكان إماماً في وقته في علم الحديث وسائر العلوم وشيخ الإسلام بدار السلطنة إصفهان»(٢) .

روى المجلسي في كتابه (بحار الأنوار) أحاديث نقصان القرآن الكريم عن الكافي للكليني وغيره، بل لعلّة استقصى كافة أحاديث التحريف بمختلف معانيه.

لكنّنا نعلم بأنّ كتابه (بحار الأنوار) على جلالته وعظمته موسوعة

__________________

(١) أمل الآمل ٢: ٢٤٨.

(٢) لؤلؤة البحرين: ٥٥.

١٠٩

قصد منها جمع الأخبار المرويّة عن أهل البيتعليهم‌السلام وحصرها في كتاب واحد، صوناً لها من التشتّت والضياع والتبعثر، ولذا نرى أنّه لم يصنع فيه ما صنع

في كتابه (مرآة العقول) في شرح كتاب الكافي للكليني، حيث نظر في الأسانيد والمتون نظرة علميّة تدلّ على طول باعه وسعة اطلاعه وعظمة شأنه في الفقه والحديث والرجال وغيرها من العلوم.

هذا، مضافاً إلى أنّه - رحمة الله - بعد رواية تلك الأخبار على ما تقدّم نقله، نقل كلام الشيخ المفيد وفيه النص على الإعتقاد بأنّ القرآن المنزل من عند الله هو مجموع ما بين الدفّتين من دون زيادة أو نقصان.

حول عبارة القمّي في مقدّمة تفسيره

١ - الشيخ على بن إبراهيم القمي، صاحب التفسير المعروف باسمه، الثقة في الحديث والثبت المعتمد في الرواية عند علماء الرجال(١) ومن أعلام القرن الرابع.

فقد جاء في مقدمة التفسير ما هذا لفظه: «وأما ما هو محرّف منه فهو قوله:( لكن الله يشهد بما انزل اليك - في علي -انزله بعلمه والملائكة يشهدون ) وقوله:( يا ايها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك - في علي -فإن لم تفعل فما بلّغت رسالته ) وقوله:( إنّ الذين كفروا - وظلموا آل محمد حقهم -لم يكن الله ليغفر لهم ) وقوله:( وسيعلم الذين ظلموا - آل محمد حقهم -أي منقلب ينقلبون ) وقوله:( ولو ترى - الذين ظلموا آل محمد

__________________

(١) انظر ترجمته في تنقيح المقال ٢: ٢٦٠.

١١٠

حقهم -في غمرات الموت ) ومثله كثير نذكره في مواضعه»(١) .

وذكر الشيخ الفيض الكاشاني عبارة القمي في (علم اليقين)، وعلى هذا الأساس نسب إليه الإعتقاد بالتحريف في كتاب (الصافي في تفسير القرآن).

لكنّ هذا يبتني على أن يكون مراد القمي من «ما هو محرّف منه» هو الحذف والإسقاط للفظ، وأمّا إذا كان مراده ما ذكره الفيض نفسه من «أنّ مرادهم بالتحريف والتغيير والحذف إنّما هو من حيث المعنى دون اللفظ، أي حرّفوه وغيّروه في تفسيره وتأويله، أي حملوه على خلاف ما هو عليه في نفس الامر» فلا وجه لنسبة القول بالتحريف - بمعنى النقصان - إلى القمي بعد عدم وجود تصريح منه بالإعتقاد بمضامين الأخبار الواردة في تفسيرة والقول بما دلّت عليه ظواهرها، بل يحتمل إرادته المعنى الذي ذكره الفيض كما يدّل عليه ما جاء في رسالة الإمام إلى سعد الخير فيما رواه الكليني.

مضافاً الى أنّ القمي نفسه روى في تفسيره بإسناده عن مولانا الصادقعليه‌السلام قال: «إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليعليه‌السلام : القرآن خلف فراشي في الصحف والحرير والقراطيس، فخذوه واجمعوه ولا تضيّعوه كما ضيّع اليهود التوراة»(٢) .

ويؤكّد هذا الإحتمال كلام الشيخ الصدوق، ودعوى الإجماع من بعض الأكابر على القول بعدم التحريف.

ثم إن الأخبار الواردة في تفسير القمي ليست كلّها للقمي

__________________

(١) تفسير القمّي ١: ١٠.

(٢) ١ / ٥٦٢ - ٥٦٩ وقد تقدّمت عبارته.

١١١

رحمة الله بل جلّها لغيره، فقد ذكر الشيخ آغا بزرك الطهراني أنّ القمي اعتمد في تفسيره على خصوص ما رواه عن الصادقعليه‌السلام ، وكان جلّه ممّا رواه عن والده إبراهيم بن هاشم عن مشايخه البالغين إلى الستين رجلاً

قال: «ولخلو تفسيره هذا عن روايات سائر الأئمةعليهم‌السلام ، عمد تلميذه الآتي ذكره والراوي لهذا التفسير عنه، على إدخال بعض روايات الإمام

الباقرعليه‌السلام التي أملاها على أبي الجارود في أثناء التفسير، وذلك التصرف وقع منه من أوائل سورة آل عمران إلى آخر القرآن»(١) .

وهذه جهة أخرى تستوجب النظر في أسانيد الأخبار الواردة فيه، لا سيمّا ما يتعلق منها بالمسائل الإعتقادية المهمّة كمسألتنا.

ترجمة السيد الجزائري ورأيه

٢ - السيد نعمة الله التستري الشهير المحدّث الجزائري، المترجم له في كتب التراجم والرجال مع الإطراء والثناء.

قال الحرّ العاملي: «فاضل عالم محقّق علاّمة، جليل القدر، مدرّس»(٢) ، وقال المحديث البحراني: «كان هذا السيد فاضلاً محدّثاً مدققاً، واسع الدائرة في الإطلاع على أخبار الإمامية وتتبع الآثار المعصومية»(٣) وكذا قال غيرهما.

__________________

(١) الذريعة ٤: ٣٠٣.

(٢) أمل الآمل ٢: ٣٣٦.

(٣) لؤلؤة البحرين: ١١١.

١١٢

وقد ذهب هذا المحدّث إلى القول بنقصان القرآن عملاً بالأخبار الظاهرة فيه، مدّعياً تواترها بين العلماء، وقد تقدّم نصّ كلامه والجواب عنه في فصل (الشبهات).

ولا يخفى أنّ الأساس في هذا الإعتقاد كون الرّجل من العلماء الأخباريين، ولذا استغرب منه المحّدث النوري اعتماده على تقسيم الأخبار وتنويعها في شرحه لتهذيب الأحكام، وإذا تمت المناقشة في الأساس إنهدم كلّ ما بني عليه.

ترجمة الشيخ النراقي ورأيه

٣ - الشيخ أحمد بن محمد مهدي النراقي، المتوفّى سنة ١٢٤٤، وهو من كبار الفقهاء الاصوليين، وله مصنّفات ومؤلفات كثيرة، من أشهرها: مناهج الأحكام - في الأصول -، ومستند الشيعة - في الفقه -، ومعراج السعادة - في الأخلاق -.

قال الشيخ النراقي بعد أن ذكر أدلّة المثبتين والنافين: «والتحقيق: إنّ النقص واقع في القرآن، بمعنى أنّه قد اسقط منه شيء وإن لم يعلم موضعه بخصوصه، لدلالة الأخبار الكثيرة، والقرائن المذكورة عليه من غير معارض، وأما النقص في خصوص المواضع وإن ورد في بعض الأخبار إلاّ أنذه لا يحصل منها سوى الظن، فهو مظنون، وأمّا غير المواضع المنصوصة فلا علم بالنقص فيها ولا ظن، وأمّا الإحتمال فلا دافع له ولا مانع، وإن كان مرجوحاً في بعض المواضع.

وأمّا الزيادة فلا علم بوقوعها بل ولا ظن، بل يمكن دعوى العلم على عدم زيادة مثل آية أو آيتين فصاعداً، وأمّا التغيير والتحريف في بعض الكلمات عمداً أو سهواً فلا يمكن نفيه وإن لم يمكن إثباته علماً

١١٣

كالإختلاف في الترتيب»(١) .

وكأنّ هذا الذي ذكره وجعله هو التحقيق، جمع بين مقتضى القواعد الاصولية وبين الأخبار والواردة في لمسألة، لكن ما ورد من الأخبار دالاً على وقوع النقص في القرآن من غير تعيين لموضعه بخصوصه قليل جدّاً. وما دلّ على وقوعه في خصوص المواضع بعد تماميته سنداً وجواز الأخذ بظاهره لا يحصل منه سوى الظن - كما قال - وهو لا يغني من الحق شيئاً في مثل مسألتنا، وحينئذٍ يبقى

إلاّ الإحتمال، وهو مندفع بالأدلّة المذكورة على نفي التحريف، ومع التنزّل عنها يدفعه أصالة العدم.

ترجمة السيد شبر ورأيه

٤ - السيد عبدالله ابن السيد محمد رضا الشبّر الحسيني الكاظمي، المتوفّى سنة ١٢٤٢، المترجم له في كتب الرجال بالثناء والاطراء، قال الشيخ القمي: «الفاضل النبيل والمحدّث الجليل، والفقيه المتبحّر الخبير، العالم الرباني والمشتهر في عصره بالمجلسي الثاني، صاحب شرح المفاتيح في مجلدات، وكتاب جامع المعارف والأحكام - في الأخبار شبه بحار الأنوار - وكتب كثيرة في التفسير والحديث والفقه واصول الدين وغيرها»(٢) .

وقد يذكر هذا السيد في الطائفة الثانية لكلام له جاء في كتاب (مصابيح الأنوار) ثم لا حظنا أنّه في (تفسيره) يفسّر الآيات المستدلّ بها على نفي التحريف بمعنى آخر، ولم يشر إلى عدم التحريف في بحثه حول

__________________

(١) مناهج الأحكام. مبحث حجيّة ظواهر الكتاب.

(٢) الكنى والألقاب ٢: ٣٢٣.

١١٤

القرآن ووجوه إعجازه في كتابه (حق اليقين في معرفة اصول الدين).

وأمّا عبارته في كتابه (مصابيح الأنوار) فهذا نصّها:

«الحديث ١٥٣: ما رويناه عن ثقة الإسلام في (الكافي) والعياشي في تفيسره بإسنادهما عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: نزل القرآن على أربعة أرباع: ربع فينا، وربع عدونا، وربع سنن وأمثال، وربع فرائض وأحكام. وزاد العياشي: ولنا كرائم القرآن.

بيان: هذا الحديث الشريف فيه مخالفة لما اشتهر بين الأصحاب وصرّحوا به: من أن الآيات التي يستنبط منها الأحكام الشرعية خمسمائة آية تقريباً.

ولما ذهب إليه أكثر القرّاء(١) من أنّ سور القرآن بأسرها مائة وأربعة عشر سورة، وإلى أنّ آياته ستة الآف وستمائة وستة وستون آية، وإلى أنّ كلماته سبع وسبعون ألف وأربعمائة وثلاثون كلمة، وإلى أنّ حروفه ثلاثمائة ألف واثنان وعشرون الف وستمائة وسبعون حرفاً، وإلى أنّ فتحاته ثلاث وتسعون ألف ومائتان وثلاث وأربعون فتحة، وإلى أن ضماته أربعون ألف وثمانمائة وأربع ضماّت، وإلى أنّ كسراته تسع وثلاثون ألفاً وخمسائة وستة وثمانون كسرة، وإلى أنّ تشديداته تسعة عشر ألف ومائتان وثلاث وخمسون تشديدة، وإلى أنّ مداته ألف وسعمائة وإحدى وسبعون مدة.

وأيضاً، يخالف ما روياه بإسنادهما عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول: نزل القرآن أثلاثاً: ثلث فينا وفي

____________

(١) وكذا جاء أيضاً في «الوافي» و «مرآة العقول» نقلاه عن «المحيط الأعظم في تفسير القرآن» للسيد حيدر الآملي، من علماء القرن الثامن، عن أكثر القراء.

١١٥

عدوّنا، وثلث سنن وأمثال، وثلث فرائض وأحكام.

وما رواه العياشي بإسناده عن خيثمة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: القرآن نزل أثلاثاً: ثلث فينا وفي أحبائنا، وثلث في أعدائنا وعدوّ من كان قبلنا، وثلث سنن ومثل، ولو أنّ الآية إذا نزلت في قوم ثم مات اولئك القوم ماتت الآية لما بقي من القرآن شيء، ولكن القرآن يجري أوّله على آخره ما دامت السماوات والأرض، ولكل قوم آية يتلونها من خيرٍ أو شرٍ».

ثم قال رحمه الله: «ويمكن رفع التنافي بالنسبة إلى الأول: بأنّ القرآن الذي

انزل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر مما في أيد أيدينا اليوم وقد اسقط منه شيء كثير، كما دلّت عليه الأخبار المتضافرة التي كادت أن تكون متواترة، وقد أوضحنا ذلك في كتابنا: منية المحصّلين في حقيّة طريقة المجتهدين.

وبالنسبة إلى الثاني: بأنّ بناء التقسيم ليس على التسوية الحقيقيّة ولا على التفريق من جميع الوجوه، فلا بأس باختلافه بالتثليث والتربيع، ولا بزيادة بعض الأقسام على الثلث والربع أو عنهما، ولا دخول بعضها في بعض، والله العالم»(١) .

ترجمة الشيخ المازندراني ورأيه

٥ - الشيخ محمد صالح بن أحمد المازندراني.

قال الحرّ العاملي: «فاضل عالم محقّق، له كتب منها شرح

__________________

(١) مصابيح الأنوار في حل مشكلات الأخبار ٢: ٢٩٤ - ٢٩٥.

١١٦

الكافي، كبير حسن ...»(١) وقال الخونساري: «كان من العلماء المحدّثين والعرفاء المقدّسين، ماهراً في العقول والمنقول، جامعاً للفروع والاصول»(٢) .

فإنّه يستفاد من كلام له في (شرح الكافي) أخذه بظواهر ما ورد فيه، وربما ذكر الوجوه والمعاني الاخرى التي ذكرها المحدّثون لتلك الأخبار على وجه الإحتمال، بل رأينا منه أحياناً تكلّفاً لإبقاء بعضها على ظاهره.

قال رحمه الله في شرح حديث الكليني عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي(٣) «وكأنّ هذا المصحف المدفوع إليه هو الذي جمعه أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأخرجه وقال: هذا هو القرآن الذي أنزله سبحانه، وردّه قومه ولم يقبلوه، وهو الموجود عند المعصوم من ذرّيّته كما دلّت عليه الأخبار».

ثم قال: «وفي هذا الخبر دلالة على وجود مصحف غير هذا المشهور بين الناس، وعلى وجود التحريف والتغيير والحذف فيما أنزله الله تعالى من القرآن على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ورفعه لا يضر، لاعتضاده بأخبار اخر من طرقنا، وهي كثيرة مذكورة في كتاب الروضة وغيره».

__________________

(١) أمل الآمل ٢: ٢٧٦.

(٢) روضات الجنات: ٣١٩.

(٣) الكافي ٢: ٤٦١، ونصّ الحديث:

عن البزنطي، قال: دفع إليّ أبو الحسنعليه‌السلام مصحفاً وقال: لا تنظر فيه، ففتحته وقرأت فيه: لم يكن الّذين كفروا فوجدت فيها اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم، قال: فبعث إليّ: إبعث إليّ بالمصحف.

١١٧

قال - وهو يقصد تقوية ذلك بأحاديث أهل السنّة -: «وقد دلّت الاخبار من طرقهم أيضاً على وقوع التغيير»(١) .

النظر في كلامه

وفي كلامه مواقع للنظر:

١ - قوله: «كأن هذا المصحف المدفوع إليه هو الذي جمعه أمير المؤمنين»

إستظهار منه ولا دليل عليه، وإن تم فقد تقدم الكلام على ذلك في فصل (الشبهات) على ضوء أقوال أكابر الطائفة.

٢ - قول: «وفي هذا الخبر دلالة» فيه: إنّ دلالته غير تامّة، كيف والمحدّثون أنفسهم يفسرونه بمعان اخر كما تقدّم؟!

٣ - قوله: «ورفعه لا يضر» إعتراف منه بأنّ حديث البزنطي هذا مرفوع كما تقدم، وعدم إضراره محل بحث وخلاف.

٤ - قوله: «لاعتضاده بأخبار اخر من طرقنا» فيه: أنّ تلك الأحاديث في الأغلب بين ضعيف ومرسل وشاذ نادر، وهل يعتضد الحديث المرفوع بالضعيف أو بالنادر؟!

٥ - قوله: «وهي كثيرة» فيه: أنّه لو سلّم فإنّ الكثرة من هذا القبيل لا تجدي نفعاً، ولا تفيد لإثبات معتقدٍ أو حكم.

٦ - قوله: «مذكورة في كتاب الروضة وغيره» فيه: أنّ مما ذكر في كتاب الروضة هو الحديث الذي يفيد عدم نقصان القرآن في ألفاظه بوضوح، وقد استشهد به المحدّث الكاشاني وغيره كما تقدّم.

٧ - قوله: «وقد دلّت الأخبار من طرقهم أيضاً» فيه: أنّ تلك

__________________

(١) شرح الكافي ١١: ٧١ - ٧٢.

١١٨

الأحاديث ليست حجة قاطعة علينا، على أن علماء الشيعة يردّون أو يؤوّلون أحاديثهم الدالّة على ذلك، فكيف بأحاديث أهل السنّة؟!

وبعد، فإنّا نستظهر من كلام الشيخ المازندراني أنّه من القائلين بنقصان القرآن أخذاً بظواهر الأخبار، ولكن حكى السيد شرف الدين والشيخ الاُوردبادي أنه قال في شرح الكافي: «يظهر القرآن بهاذ الترتيب عند ظهور الإمام الثاني عشر ويشهر به» فإن كان هذا القول له حقاً عدّ في الطائفة الاولى، والله العالم.

رأي الشيخ النوري

٨ - الشيخ ميرزا حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي، المتوفي سنة ١٣٢٠، من أعلام القرن الرابع عشر، ومن مشاهير محدّثي الشيعة الإمامية، توجد ترجمته في كتب الشيخ آغا بزرك الطهراني، والشيخ عباس القمي وغيرهما من أصحاب التراجم والرجال.

وهو المشتهر بهذا القول في المتأخرين، وله فيه كتاب (فصل الخطاب) الذي سبّب تنديد بعض الجهلة والأعداء بالشيعة والتهويس عليهم، ذاهلين عن أنّه رأي شخصي من هذا المحدّث الغظيم وليس رأي الطائفة، فإن أساطين هذه الطائفة في القرون المختلفة يذهبون إلى صيانة القرآن عن كلّ أشكال التلاعب، وقد أوردنا طرفاً من كلماتهم في الفصل الأول.

ويؤكّد ما ذكرناه - من أنّه رأي شخصي - أنّ علماء الشيعة المعاصرين له والمتأخرين عنه تناولوا كتابه بالرّد والنقد، كالسيّد محمد حسين الشهرستاني والشيخ محمود العراقي وغيرهما، وللشيخ البلاغي بعض الكلام في هذا الباب في مقدّمة تفسيره (آلاء الرحمن) بل إنّ

١١٩

الشيخ النوري نفسه يعترف بصراحة بتفرّده في هذا القول، كما لا يخفى على من راجع كتابه(١) .

محدّثون لا وجه لنسبة القول بالتحريف إليهم

وهم المحدّثون الذين أوردوا في مصنّفاتهم جميع ما رووه أو طرفاً منه، مع

عدم الإلتزام بالصحة سنداً ومتناً ودلالة، فهم يروون أحاديث نقصان القرآن كما يروون أحياناً أحاديث الغلو والجبر والتفويض والتجسيم، وما شاكل ذلك مما لا يعتقدون به لا يذهبون إليه، وقد ذكرنا أنّ الرواية أعمّ من الإعتقاد.

وعلى أساس الامور الأربعة التي ذكرناها من قبل - مع الإلتفات إلى كلام الصدوق ابن بابويه وغير ذلك - نقول بعدم صحة نسبة القول بالتحريف إلى هذه الطائفة من الرواة فضلاً عن نسبته إلى الطائفة إستناداً إلى رواية هؤلاء لتلك الإخبار، مضافاً إلى نقاط متعلقة بهم أو بأخبارهم سنشير إليها.

العيّاشي

ومن هذه الطائفة:

١ - الشيخ محمد بن مسعود العياشي، صاحب التفسير المعروف، ترجم له الشيخ النجاشي فقال: «ثقة صدوق، عين هذه الطائفة، وكان يروي عن الضعفاء كثيراً، وكان في أول عمره عامّي

__________________

 (١) فصل الخطاب: ٣٥.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

من الشهر ، ثم أخذها في النقصان يوماً فيوماً في النصف الأخير منه ، وزيادة أدمغة الحيوانات وألبانها بزيادة النور ، ونقصانها بنقصانه.

و كذلك زيادة البقول والثمار نمواً ونضجاً عند زيادة نوره ، حتى أنّ المزاولين لها يسمعون صوتاً من القثاء والقرع والبطيخ عند تمدده وقت زيادة النور ، وكإبلاء نور القمر الكتان ، وصبغه بعض الثمار ، إلى غيرذلك من الأمور التي تشهد بها التجربة(١) .

قالوا : وإنّما اختص القمر بزيادة ما نيط به من أمثال هذه الأمور بين سائر الكواكب لأنه أقرب [٣٤ / ب] إلى عالم العناصر منها ؛ ولأنه مع قربه أسرع حركة فيمتزج نوره بأنوار جميع الكواكب ، ونوره أقوى من نورها ، فيشاركها شركة غالب عليها فيما نيط بنورها من المصالح بإذن خالقها ومبدعها جلّ شأنه.

ا لثالث : ما يتعلق به من السعادة والنحوسة ، وما يرتبط به من الأمور التي هو علامة على حصولها في هذا العالم ، كما ذكره الديانيون من المنجمين ، ووردت به الشريعة المطهرة على الصادع بها أفضل التسليمات.

كما رواه الشيخ الجليل عماد الإِسلام ، محمد بن يعقوب الكليني قدس الله روحه ، في الكافي عن الصادقعليه‌السلام  ، قال : « من سافر أو تزوج والقمر في العقرب لم ير الحسنى »(٢) .

وكما رواه أيضا في الكتاب المذكور عن الكاظمعليه‌السلام  : « من تزوج في محاق الشهر فليسلّم لسقط الولد »(٣) .

وكما رواه شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي طاب ثراه في تهذيب الأخبار عن الباقرعليه‌السلام  : « أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بات ليلة

________________________

(١) لمعرفة المزيد من ذلك انظر : كتاب الدلاثل : ٨٢ وما بعدها ، وغيره من الكتب المختصّة بهذا العلم.

(٢) الكافي ٨ : ٢٧٥ ، الحديث ٤١٦ / وأنظر علل الشرائع : ٥١٤.

(٣) الكافي ٥ : ٤٩٩ ، الحديث ٢ / وانظر من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢٥٤ ، الحديث ١٢٠٦ / تهذيب الأحكام ٧ : ٤١١ ، الحديث ١٦٤٣ / علل الشرائع : ٥١٤.

١٤١

عند بعض نسائه فانكسف القمرفي تلك الليلة فلم يكن منه فيها شيء.

فقالت له زوجته : يا رسول الله بابي أنت وأمي كل(١) هذا البُغْض؟

فقال : لها : ( ويحك هذا الحادث في السماء فكرهت أن [٣٥ / أ]

وفي آخر الحديث ما يدل على أن المجامع في تلك الليلة إن رزق من جماعه ولداً وقد سمع بهذا الحديث لا يرى ما يحب(٢) .

هداية :

ما يدعيه المنجمون من ارتباط بعض الحوادث السفليّة بالأجرام العلوية إن زعموا أنّ تلك الأجرام هي العلة المؤثرة في تلك الحوادث بالاستقلال ، أو أنّها شريكة في التاثير ، فهذا لا يحل للمسلم اعتقاده.

و علم النجوم المبتني على هذا كفر والعياذ بالله ، وعلى هذا حمل ما ورد في الحديث من التحذير من علم النجوم والنهي عن اعتقاد صحته.

وإن قالوا : إنّ اتصالات تلك الأجرام وما يعرض لها من الأوضاع علامات على بعض حوادث هذا العالم مما يوجده الله سبحانه بقدرته وإرادته ؛ كما أنّ

________________________

(١) لفظة « كل » يمكن أن تقرأ بالنصب على المفعولية المطلقة ، أي : تبغضي كلّ هذا البعض ؛ ويمكن أن تكونة مرفوعة بالإبتداء بحذف الخبر ، أي : كلُّ هذا البغض حاصل منك لي ، منه قدس سره ، هامش المخطوط.

ثم أن هذا المقطع من الحديث ـ قول الزوجة ـ ورد بالفاظ مختلفة انظر مصادر ألحديث الآتية.

والفيض الكاشاني ـ قدس سره ـ في كتابه الوافي ١٢ : ١٠٥ ، أو المجلد ألثالث كتاب النكاح الباب ١٠٦ ، بعد أن أثبت أن بين الفقيه والتهذيب والكافي اختلاف في هذه العبارة قال : قولها : أكل هذا البغض ، تقديره اتبغضني بغضا يبلغ كل هذا ، فحذف واقيم مقام المحذوف ، وقد صحف بتصحيفات باردة ، وفسر تفسيرات كاسدة ، وليس إلّا كما ذكرناه فانه كلمة شائعة لها نظيرات.

(٢) التهذيب ٧ : ٤١١ قطعة من الحديث ١٦٤٢ وفيه « كل هذا للبغض ». وفيه ما لا يخفى حيث إنّ اللام فيه للعهد ، وهو بعيد / وفي الطبعة الحجرية منه ٢ : ٢٢٩ نحوه ، وفي هامشه : أكل هذا للبغض ، وفي ترتيب التهذيب ٣ : ١٢٧ هكذا : أكلّ هذا البغض / وفي الكافي ٥ : ٤٩٨ / حديث ١ / من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢٥٥ حديث ١٢٠٧ / المحاسن : ٣١١ حديث ٢٦ من كتاب العلل / وانظر روضة المتقين ٨ : ١٩٧. وفي الجميع كما تقدم قطعة من حديث.

١٤٢

حركات النبض واختلافات أوضاعه علامات يستدل بها الطبيب على ما يعرض للبدن من قرب الصحّة واشتداد المرض ونحوه وكما يستدلّ باختلاج بعض الأعضاء على بعض الأحوال المستقبلة ؛ فهذا لا مانع منه ولا حرج في اعتقاده.

وما روي من صحة علم النجوم ، وجواز تعلمه محمول على هذا المعنى ، كما رواه الشيخ الجليل عماد الاسلام محمد بن يعقوب الكليني ، في كتاب الروضة من الكافي ، عن عبد الرحمن بن سيابة(١) ، قال ، قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام  : جعلت فداك إنّ الناس يقولون : إن النجوم لا يحل [٣٥ / ب] النظر فيها ، وهي تعجبني ، فإن كانت تضر بديني فلا حاجة لي في شيء يضر بديني ، وإن كانت لا تضر بديني فوالله إني لأشتهيها ، وأشتهي النظر فيها.

فقالعليه‌السلام  : « ليس كما يقولون ، لا تضرّ بدينك ».

ثم قال : « إنكم تبصرون في شيء منها كثيره لا يدرك ، وقليله لا ينتفع به ، تحسبون على طالع القمر ».

ثم قال : « أتدري كم بين المشتري والزهرة من دقيقة »؟ فقلت : لا والله.

قال : « أتدري كم بين الزهرة والقمر من دقيقة »؟ قلت : لا والله.

قال : « أفتدري كم بين الشمس وبين السكينة(٢) من دقيقة »؟ قلت : لا والله ما سمعته من أحد من المنجمين قط.

فقال : « أفتدري كم بين السكينة واللوح المحفوظ من دقيقة »؟ قلت :

________________________

(١) عبد الرحمن بن سيابة الكوفي البجلي البزار ، من أصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام . وروى عنه. وعنه روى أبان بن عثمان الأحمر ، والحسن بن محبوب ، وأحمد بن محمد بن عيسى عن البرقي عنه ، ويونس بن عبد الرحمن وغيرهم. اعتمده الإمام الصادقعليه‌السلام  في توزيع المال على عيالات من قتل مع زيد بن علي بن الحسينعليهما‌السلام .

تنقيح المقال ٢ : ١٤٤ رقم ٦٣٧٨ / رجال الشيخ الطوسي : ٢٣٠ رقم ١٢٠ / جامع الرواة ١ : ٤٥١ / مجمع الرجال ٤ : ٧٩ / اختيار معرفة الرجال ، الأرقام : ٦٢٢ ، ٧٣٤ ، ١٤٧ ، وغيرها / معجم رجال الحديث ٩ : ٣٣٢ / ٦٣٨٥.

(٢) في المصدر عوضها « السنبلة » ، والمثبت أفضل للمجهولية.

١٤٣

لا ، ماسمعته من منجم قط.

قال : « ما بين كلّ منهما إلى صاحبه ستون دقيقة ».

ثم قال : « يا عبد الرحمن هذا حساب إذا حسبه الرجل ووقع عليه علم القصبة التي في وسط الأجمة ، وعدد ما عن يمينها ، وعدد ما عن يسارها ، وعددما خلفها ، وعدد ما أمامها ، حتى لا يخفى عليه من قصب الأجمة واحدة(١) ».

إكمال :

ا لأمور التي يحكم بها المنجمون ، من الحوادث الاستقبالية ، اُصول بعضها مأخوذ من أصحاب الوحي سلام الله عليهم ، وبعض الاصول يدعون فيها التجربة ؛ وبعضها مبتنٍ على اُمور متشعبة لا تفي القوة البشرية بضبطها والإحاطة بها ، كما يؤمي إليه قول الصادقعليه‌السلام  : « كثيره لا يدرك ، وقليله لاينتج »(٢) ، فلذلك وجد الاختلاف في كلامهم ، وتطرق الخطأ إلى بعض أحكامهم.

ومن اتفق له الجري على الأصول الصحيحة صح كلامه ، وصدّقت أحكامه لا محالة ، كما نطق به كلام الصادقعليه‌السلام  في الرواية المذكورة قبيل هذا الفصل(٣) ، ولكن هذا أمر عزيز المنال ، لا يظفر به إلّا القليل ، والله الهادي إلى سواء السبيل.

ولابن سينا كلام في هذا الباب ، قال في فصل المبدأ والمعاد ، من إلهيات الشفاء : لو أمكن انساناً من الناس أن يعرف الحوادث التي في الأرض والسماء جميعا ، وطبائعها لفهم كيفية [جميع] ما يحدث في المستقبل.

وهذا المنجّم القائل بالأحكام ـ مع أن أوضاعه الأولى ، ومقدماته ، ليست مستندة(٤)

__________________

(١) الكافي( الروضة ) ٨ : ١٩٥ رقم ٢٣٣.

(٢) الكافي( الروضة ) ٨ : ١٩٥ حديث ٢٣٣ وفيه : « وقليله لا ينتفع ».

(٣) انظر صفحة ٥٩ هامش ٣.

(٤) في المصدر : تستند.

١٤٤

إلى برهان ، بل عسى أن يدّعي فيها التجربة أو الوحي ، وربما حاول قياسات شعرية أوخطابية في إثباتها ـ فإنه إنما يعول على دلائل جنس واحد من أسباب الكائنات ، وهي التي في السماء ، على أنّه لا يضمن من عنده الإحاطة بجميع الأحوال التي في السماء ، ولو ضمن لنا ذلك ووفّى به لم يمكنه أن يجعلنا [ونفسه] بحيث تقف على وجود جميعها في كل وقت. وإن كان جميعها ـ من حيث فعله وطبعه ـ معلوماً عنده.

ثم قال في آخر كلامه : فليس لنا اذن إعتماد على أقوالهم ، وأن سلّمنا [متبرعين] أن جميع ما يعطونا من مقدماتهم الحكمية صادقة(١) .

خاتمة :

قد ألف السيد الجليل الطاهر ، ذو المناقب والمفاخر ، رضي الدين علي بن طاووس قدس الله روحه ، كتاباً ضخماً ، سماه « فرج الهموم في معرفة الحلال والحرام من علم النجوم »(٢) ، يتضمن الدلالة على كون النجوم علامات ودلالات على ما يحدث في هذا العالم ، وأنّ الأحاديث عن الأنبياء من لدن إدريس على نبينا وعليه السلام إلى عهد أئمتنا الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين ناطقة بذلك(٣) [٣٦ / ].

و ذكر أن إدريس أول من نظر في علم النجوم(٤) ، وأن نبوة موسىعليه‌السلام  عُلمت بالنجوم(٥) .

ونقل أن نبوة نبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضاً مما علمه بعض المنجمين ،

________________________

(١) الشفاء ، قسم الاهيات ، المقالة العاشرة ، الفصل الأول : ٤٤٠. وما بين المعقوفات من المصدر.

(٢) ضبط المؤلفقدس‌سره الاسم هكذا : ( فرج المهموم في معرفة نهج الحلال من علم النجوم ) ، أنظر صحيفة : ٩ منه.

(٣) أنظر : الباب الثالث فيما نذكره من أخبار من قوله حُجة : ٨٥.

(٤) أنظر ، صحيفة : ٢١ ، ٢٢ ، منه.

(٥) راجع ، صحيفة : ٢٧ ، منه.

١٤٥

وصدّق به بالدلائل النجومية(١) .

وأنّ بعض أحوال مولانا وإمامنا صاحب الأمرعليه‌السلام  مما أخبر به بعض المنجمين من اليهود بقم ، وذكر أنّ بعض أكابر قم واسمه أحمد بن إسحاق(٢) أحضر ذلك المنجم اليهودي وأراه زايجة طالع ولادة صاحب الأمرعليه‌السلام  ، فلمّا أمعن النظر فيها قال : لا يكون مثل هذا المولود إلّا نبياً ، أو وصيّ نبيّ ، وأنّ النظر يدل على أنه يملك الدنيا شرقاً وغرباً وبراً وبحراً حتى لا يبقى على وجه الأرض أحد إلأ دان بدينه وقال بولايته(٣) .

وروى عطر الله مرقده في الكتاب المذكورعن يونس بن عبد الرحمن(٤) ، قال ، قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام  : أخبرني عن علم النجوم ما

________________________

(١) راجع ، صحيفة : ٢٩ ـ ٣٥ ، منه.

(٢) لعله أحمد بن إسحاق بن عبد الله بن سعد بن مالك الأحوص الأشعري أبو علي القمي ، ثقة عين جليل القدر ، شيخ القميين ووافدهم على الأئمةعليه‌السلام  عدّ من أصحاب الإمام الجواد والهادي والعسكريعليه‌السلام  ومن الاثبات الثقات السفراء الذين ترد عليهم التوقيعات عن الناحية المقدسة. ولم اجد ما ذكره السيد ابن طاووس عنه في شيء من كتب التراجم المشار اليها. له كتب منها علل الصلاة وعلل الصوم ومسائل الرجال وغيرها.

له ترجمة في : تنقيح المقال ١ : ٥٠ ت ٢٩٤ / رجال النجاشي : ٩١ ت ٢٢٥ / رجال الشيخ الطوسي : ٣٩٨ ت ١٣ ، ٤٢٧ ت ١ / الفهرست للشيخ : ٢٦ ت ٧٨ / الخلاصة ١٥ ت ٨ من القسم الأول / مجمع الرجال ١ : ٩٥ ـ ٩٧ / رجال ابن داود : ٣٦ ت ٥٩.

(٣) فرج المهموم : ٣٦ ـ ٣٧.

(٤) يونس بن عبد الرحمن ، أبو محمد ، مولى علي بن يقطين ، من أصحاب الإمام الكاظم والإمام الرضاعليهما‌السلام ، وثقه كل من ترجم له ، وصفه النديم بقوله : « علآمة زمانه ، كثير التصنيف والتاليف » ولم لا؟‍‍‍‍‍‍‍‍! وهو أحد وجوه الطائفة ، عظيم المنزلة. وكان الإمام الرضاعليه‌السلام  يشير اليه في الفقه والفتيا ، منها قوله : ـ عندما سأله عبد العزيز القمي وكيلهعليه‌السلام  عمن ياخذ معالم دينه ـ خذ عن يونس بن عبد الرحمن. مات سنة ٢٠٨ هـ = ٨٢٣ م.

ترجم له في : تنقيح المقال ٣ : ٣٣٨ ت ١٣٣٥٧ / جامع الرواة ٦ : ٢٩٣ الرجال للنجاشي : ٤٤٦ ت ١٢٠٨ / رجال بن داود : ٣٨٠ ت ١٧٠٨ الفهرست للطوسي : ١٨١ ت ٧٨٩ / مجمعالرجال ٦ : ٢٩٣ / الفهرست للنديم : ٢٧٦ / اختيار معرفة الرجال الأرقام : ٣٥٧ ، ٤٠١ ، ٤٧٧ ، ٤٧٩ ، ٥٠٣ ، والفهرست من ٣١٨ ـ ٣٢٢ / الخلاصة : ١٨٤ ت ١ / معجم رجال الحديث ٢٠ : ١٩٨ ت ١٣٨٣٤ / رجال الشيخ الطوسي : ٣٦٤ ت ١١ و ٣٩٤ ت ٢.

١٤٦

هو؟

قال : « علم من علم الأنبياء ».

قال « قلت : كان علي بن أبي طالب [عليه‌السلام ] يعلمه؟.

فقال : « كان أعلم الناس به »(١) .

و أورد قدس الله روحه أحاديث متكثرة من هذا القبيل طوينا الكشح عن ذكرها خوفاً من التطويل(٢) .

و ذكر طاب ثراه ما أورده السيد الجليل ، جمال العترة ، الرضيرضي‌الله‌عنه ، في نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنينعليه‌السلام  ، للمنجم الذي نهاه عن المسير إلى النهروان(٣) (٤) ؛ ثم إنهرحمه‌الله  أطنب في تضعيف تلك الرواية وتزييفها ، بالطعن في سندها [٣٧ / ] تارة ، وفي متنها اُخرى.

أمّا السند ، فقال : إن في طريقها عمر بن سعد بن أبي وقاص(٥) ،

________________________

(١) فرج المهموم : ٢.

(٢) فرج المهموم : ٨٥.

(٣) نهج البلاغة ١ : ١٢٤ خطبة رقم ٧٦ اولها : « أتزعم أنك تهدي ألى الساعة ».

(٤) النهروان : ـ بفتح النون وكسرها أغلب ـ ثلاثة مدن عليا ووسطى وسفلى ، بلدة واسعة تقع بين بغداد وواسط ، كانت بها وقعت لأمير المؤمينعليه‌السلام  مع الخوارج مشهورة سنة ٣٧ ـ ٣٨ اثبت فيهاعليه‌السلام  عدة اُمور غيبية ، منها موضوع ذو الثدية ، ومنها عدد ألقتلى منالفريقين ، ومنها موضع الخوراج عندما أخبره المخبر عن ارتحالهم ، وغير ذلك مما كان سبباً لوضوح الحق لجمع من الشاكين.

أنظر : معجم البلدان ٥ : ٣٢٥ / مراصد الإطلاع ٣ : ١٤٠٧ / الكامل في التاريخ ٣ : ١٦٩ و ١٧٥ / البداية والنهاية ٥ : ٣١٢.

(٥) عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري ، أبو حفص ، قاتل الإمام الحسينعليه‌السلام  في وقعة كربلاء الشهيرة. قتله وأولاده المختار بن عبيدة الثقفيرحمه‌الله  ، في وقعة الجارز قرب الموصل سنة ٦٦ ، ٦٧ وقيل ٦٥= ٦٨٤ ـ ٦٨٦.

إنظر : سيرأعلام النبلاء ٤ : ٣٤٩ ت ١٢٣ / الجرح والتعديل ٦ : ١١١ ت ٥٩٢ / مراة الجنان١ : ١٤١ / ميزان الإعتدال ٣ : ١٩٨ ت ٦١١٦ وغيرها كثير.

١٤٧

مقاتل(١) الحسينعليه‌السلام  (٢) .

________________________

(١) كذا في الأصل المخطوط وبعض النسخ ألناقلة عن المصدر ، ولعله من باب انه لم يباشر القتل بيده وانما كان الآمر ، إذ الصحيح كما في المصدر « قاتل ».

(٢) الظاهر أن السيد ابن طاووس قدس الله سره يناقش سند الرواية ألتي روأها الشيخ ألصدوق فان سندهقدس‌سره في اماليه هكذا « حدثنا محمد بن علي ماجيلويه ، قال : حدثني عمي محمد بن أبي القاسم ، عن محمد بن علي القرشي ، عن نصر بن مزاحم ، عن عمر بن سعد ، عن يوسف بن يزيد ، عن عبدالله بن عوف بن أم الأحمر ، قال : « ».

١٤٨

فانه توهم أن عمر بن سعد هذا هو بن أبي وقاص وهذا منه عجيب لاُمور هي :

أولاً : أن عمر بن سعد بن أبي وقاص قتل سنة ٦٥ أو ٦٦ أو ٦٧ كما تقدم.

ثانياً : أن نصر بن مزاحم المنقري ألراوي عنه هو صاحب وقعة صفين.

ثالثاً : أن نصر هذا توفي سنة ٢١٢ هـ ويعد من أصحاب الإمام الباقر عليه السلام.

رابعاً : أن عمر بن سعد لم يكن معروفاً بروأيته للأخبار حتى أنه لم يرو عنه العامة في صحاحهم شيئاً إلا النسائي.

خامساً : عند مراجعة كتاب وقعة صفين نراه يشخصه هكذا « عمر بن سعد بن أبي ألصيد الأسدي » ويحيل عليه في باقي الموارد بقوله عن « عمر بن سعد » أو « عمرو » ولا بد أن يكون هو هذا لا ذاك.

سادساً : قال في تنقيح المقال في مقام الرد على النجاشي ما لفظه : « ولذا أعترض بعضهم على النجاشي في اطلاقه روايته عن الضعفاء بانه قد روى عن عمرو بن سعيد وزرارة الثقتين ».

اذن مما يمكن الجزم بان السيد ابن طاووس قد وهم في ذلك.

ثم إن كان في هذا السند خدشة فما بال الطرق الباقية والأسانيد الاُخرى فانه لدى التتبع وجدنا لها عدة طرق هي :

أ ـ رواية الشيخ الصدوق ، وهي التي وقعت مورد الكلام والبحث من قبل السيد ابن طاووس.

ب ـ رواية الإحتجاج ، رواها الشيخ الطوسي وفيها أن المنجم من أصحابه ، وهي نحو رواية الأمالى.

جـ ـ رواية الاحتجاج ، وهي مفصلة غير الاولى رواها بسنده إلى سعيد بن جبير.

د ـ رواية نهج البلاعة ، رواها ألسيد ألرضي قدس سره بسنده وفيها أن المنجم من أصحابه وهي نحو رواية الشيخ الصدوق وألاحتجاج الاولى.

هـ ـ رواية فرج المهموم ، روى السيد ابن طاووس هذه بسنده الى محمد بن جرير الطبري الى قيس بن سعد وهي رواية مفصلة وفيها اسئلة واجوبة

و ـ رواية فرج المهموم ، وهي الثانية رواها السيد بسنده الى الأصبغ بن نباته وهي قريبة من حيث اللفظ بالأولى.

١٤٩

و أما المتن ، فقال طاب ثراه : إني رأيت فيما وقفت عليه أنّ المنجم الذي قال لأمير المؤمنينعليه‌السلام  هذه المقالة هو عفيف بن قيس(١) ، أخو الأشعث ابن قيس(٢) ، ولو كانت هذه الرواية صحيحة على ظاهرها لكان مولانا علي عليه

ز ـ رواية إبن الأثير ، حكى الواقعة إبن ألأثير في كامله من دون الإشارة الى تفصيلها.

هذا ونحن في مقام تعريف هذا الراوي وقفنا حيارى إذ هو تارة يرد « عمر بن سعد » ، واُخرى « عمرو بن سعد » ، وثالثة هما ولكن أبني « سعيد » ، ورابعة هو « عمر بن سعد بن أبي الصيد الأسدي » ، ومعه لم نتمكن من ترجمته ترجمة وافية.

١٥٠

نعم اشار الأستاذ عبد السلام هارون ألى ان له ترجمة في الميزان وذلك في هامش كتاب وقعة صفين : ٣. ولم نعرف الدليل الذي استند اليه في تطبيق المترجم في ميزان الإعتدال على المذكورفي وقعة صفين ، اللهم إلا لقول الذهبي « شيعي بغيض ».

ولدى مراجعة هذه الروايات وما كتب حول الواقعة نرى أيضاً أن ألمنجم تارة لم يصرح به ، وثانية : أنه من أصحابه ، وثالثة : أنه عفيف بن قيس أخ الأشعث بن قيس ، ورابعة : أنه دهقان من دهاقنة المدائن الفرس ، وخامسة : أن الدهقان هو سر سفيل ، وسادسه : أنّه سر سقيل بن سوار ، وسابعة : أنه مسافر بن عفيف ألأزدي. وثامنة : أنه عفيف ولكن في وقعة النخيلة مع أصحاب المستورد من بني سعد بعد وقعة النهروان.

ولزيادة الإطلاع انظر : الاحتجاج : ٢٣٩ ، ٢٤٠ / أمالي ألشيخ الصدوق : ٣٣٨ ت ١٦ من المجلس ٦٤ / الكامل في التاريخ ٣ : ١٧٣ والكامل في الادب ٢ : ١٩٣ / فرج ألمهموم : ٥٦ ، وغيرها / وبحار الأنوار٥٥ : ٢٦٦ ـ ٢٦٨ / منهاج البراعة ٥ : ٢٧٠ ، مصادر نهج البلاغة واسانيده ٢ : ٨١ ـ ٨٥.

________________________

(١) أجمع ، المؤرخون أنه ابن عم ألأشعث ، واخيه لأُمه ، روى عن النبي ، وعنه أبناه اياس ويحيى وقد اختلف أرباب التراجم في أنّه بن معدى كرب والذي وفد على ألنبي ، أو هو غيره ، ينقل عنه تمنيه أن لو كان أسلم يوم وفد فكان ثاني أمير المؤمنينعليه‌السلام  وذلك في قصة مسطورة.له ترجمة في : تهذيب التهذيب ٧ : ٢١٠ رقم ٤٢٧ / الإصابة ٢ : ٤٨٧ / الجرح والتعديل ٧ : ٢٩ / الإستيعاب ٣ : ١٦٣ / اسد الغابة ٣ : ٤١٤.

(٢) الأشعث بن قيس بن معدي كرب بن معاوية الكندي ، أبو محمد ، قيل أسمه معدي كرب ، غلب عليه الأشعث لشعث رأسه ، له صحبة ، كان من قواد أمير المؤمنينعليه‌السلام  يوم صفين ، تزوج أم فروة أخت أبي بكر ، روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعنه روى أبو وائل ، والشعبي ، وقيس بن أبي حازم ، وعبد الرحمن بن مسعود ، والسبيعي ، غلب عليه سوء العاقبة حتى اعان على قتل أمير المؤمنين. ونهيهعليه‌السلام  من الصلاة في مسجده وقد عده الإمام الباقر من المساجد الملعونة مات سنة ٤٠ هـ = ٦٦٠ م.

له ترجمة في : سير اعلام النبلاء ٢ : ٣٧ رقم ٨ / تهذيب التهذيب ١ : ٣١٣ رقم ٦٥٣ / اإستيعاب ١ : ١٠٩ / أسد ألغابة ١ : ٩٧ / الإصابة ١ : ٥١ رقم ٢٥٥ / خلاصة تذهيب

١٥١

السلام قد حكم في صاحبه هذا ـ الذي قد شهد مصنف نهج البلاغة أنّه من أصحابه أيضاً ـ بأحكام الكفار إما بكونه مرتداً عن الفطرة فيقتله في الحال ، أوبردّة عن غير الفطرة فيتوّبه ، أو يمتنع من التوبة فيقتله ، لأنّ الرواية قد تضمنت أنّ « المنجم كالكافر »(١) ، أو كان يجري عليه أحكام الكهنة أو السحرة ، لأنّ الرواية تضمنت أن « المنجم كالكاهن أو الساحر ».

وما عرفنا إلى وقتنا هذا أنّهعليه‌السلام  حكم على هذا المنجم الذي هوصاحبه بأحكام الكفار ولا السحرة ، ولا الكهنة ، ولا أبعده ، ولا عزره ، بلقال : « سيروا على اسم الله » ، والمنجم من جملتهم لأنه صاحبه ، وهذا يدل على تباعد الرواية من صحة النقل ، أو يكون لها تأويل غيرظاهرها موافق للعقل.

ومما ينبه على بطلان ظاهر هذه الرواية قول الراوي فيها : إنّ من صدّقك فقد كذّب القرآن ، واستغنى عن الاستعانة بالله.

ونعلم أنّ الطلائع للحروب يدلّون على السلامة من هجوم الجيوش ، وكثيرمن النحوس ، ويبشرون بالسلامة ، وما لزم من ذلك أن نوليهم الحمد دون ربهم ، ومثال ذلك [٣٨ / أ] كثير فتكون لدلالات النجوم اُسوة بما ذكرناه من الدلالات على كل معلوم(٢) . هذا كلامه أعلى الله مقامه. فتأمل مبانيه بعين البصيرة ، وتناول معانيه بيد غير قصيرة ، والله الهادي.

* * *

________________________

الكمال : ٣٩ / تنقيح المقال ١ : ١٤٩ رقم ٩٧٤.

(١) نهج البلاغة ١ : ١٢٤ خطبة ٧٦. وكذا ما بعدها.

(٢) فرج المهموم : ٥٦ ـ ٥٩.

١٥٢

قال مولانا وإمامناعليه‌السلام  :

« اللهم ، اجعلنا من أرضى من طلع عليه ، وأزكى من نظر إليه ، وأسعد من تعبد لك فيه ، ووفقنا فيه للتوبة ، واعصمنا فيه من الحَوْبة ، واحفظنا من مباشرة معصيتك ، وأوزعنا فيه شكر نعمتك ، وألبسنا فيه جنن العافية ، وأتمم علينا باستكمال طاعتك فيه المنة ، إنك المنان الحميد ، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين ».

أ صل « اللّهمّ » عند الخليل(١) وسيبويه(٢) يا الله ، فحذف حرف المندا ،

________________________

(١) الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي ، الأزدي ، اليحمدي ، ألأديب ألنحوي ، العروضي ، نسبة ألى علم العروض الذي اخترعه ، سأل يوماً عن ما يقوله في أمير المؤمنينعليه‌السلام  ، فقال : ما أقول في حق أمرىء كتمت مناقبه أوليائه خوفاً ، واعدائه حسداً ، ثم ظهرمن بين الكمتين ما ملأ الخافقين. وسأل أيضاً ما ألدليل على أن علياً إمام الكل في الكل؟ فقال : أحتياج ألكل إليه ، واستغنائه عن كل ، كان من كبار أصحابنا المجتهدين ، وفضله وعلمه أشهرمن أن يذكر ، شيخ الناس في علوم الأدب ، والبلاغة ، زهده وقناعته مشهوران ، له العين في اللغة وكفى ، ومعاني الحروف ، وتفسير حروف اللغة ، وكتاب العروض ، وغيرها.

مات سنة ١٧٠ هـ =٧٨٦ م.

له ترجمة في : تنقيح المقال ١ : ٤٠٢ / م ٣٧٦٩ / الخلاصة : ٦٧ ت ١٠ رجال ابن داود : ١٤١ت ٥٦٤ / اعيان الشيعة ٦ : ٣٣٧ / تأسيس الشيعة : ١٥٠ ، ١٧٨ / سير أعلام النبلاء ٧ : ٤٢٩ت ١٦١ / الفهرست للنديم : ٤٨ / طبقات القراء ١ : ٢٧٥ ت ١٢٤٢ / خلاصة تذهيب الكمال : ١٠٦ / البداية والنهاية ١٠ : ١٦١ / الجرح والتعديل ٣ : ٣٨٠ ت ١٧٣٤ الأنساب : ٤٢١ ، ب / شذرات ألذهب ١ : ٢٧٥ / روضات الجنات ٣ : ٢٨٩ ت ٢٩٤.

(٢) سيبويه ، عمرو بن عثمان بن قنبر أبو بشر ، أصله من فارس ، نشأ في البصرة ، أخذ العربية عن جمع من فطاحلها الى أن عدّ من أبناء بجدتها ، بل أصبح علامة الدنيا فيها ، أمثال الخليل ،

١٥٣

وعوض عنه الميم المشددة(١) .

وقال ، الفرّاء(٢) وأتباعه : أصلها يا الله أُمّنا بالخير ، فخففت بالحذف لكثرة الدوران على الألسن ،(٣) .

واُورد عليه : أنّه لو كان كذلك لقيل في نحو اللّهمّ اغفر لنا ، اللهم واغفرلنا بالعطف ، كما يقال : اُمنا بالخير واغفر لنا ، ورفضهم ذلك رأساً بحيث لم

________________________

ويونس ، والأخفش ، وعيسى ، وغيرهم له : الكتاب وكفى به ، حتى أنه أصبح يهدى ( اهداه الجاحظ الى محمد بن عبد الملك ) ، وقال في حقه ـ الجاحظ ـ : إن جميع كتب الناس عيال عليه مات سنة ١٨٠ هـ = ٧٩٦ م وقيل غيرذلك.

له ترجمة في : تاريخ بغداد ١٢ : ١٩٥ ت ٦٦٥٨ / بغية الوعاة ٢ : ٢٢٩ ت ١٨٦٣ / وفيات الأعيان ٣ : ٤٦٣ ت ٥٠٤ / البداية والنهاية ١٠ : ١٧٦ شذرات الذهب ١ : ٢٥٢ / الفهرست للنديم : ٥٧ / معجم الأدباء ١٦ : ١١٤ ت ١٣ سير أعلام النبلاء ٨ : ٣٥١ ت ٩٧ / روضات الجنات ٥ : ٣١٩ / ٥٣١ / الكامل ٥ : ١٤٢ / انباه الرواة ٢ : ٤٣٦ رقم ٥١٥ / مرآة الجنان ١ : ٤٤٥.

(١) لرأي سيبويه أنظر : الكتاب ١ : ٣٦١ ، باب ما ينصب على المدح والتعظيم وفيه حكى قول الخليل / ولسان العرب ١٣ : ٤٧٠ / تاج العروس ٩ : ٣٧٤ / مادة « اله » فيهما.

(٢) الفراء يحيى بن زياد الأقطع الديلمي النحوي ، أبو زكريا. إمام أهل اللغة من الكوفيين وأعلمهم بالنحو والأدب. له في الفقه والكلام وكذا النجوم والطب يد تذكر ، قال ثعلب : لولا الفرّاء لماكانت عربية ولسقطت.

له مؤلفات كثيرة أملاها كلها حفظاً ، منها : معاني القرآن ، المذكر والمؤنث ، اللغات ، ألفاخر ، مشكل اللغة.

والأقطع عرف به أبوه زياد ؛ لقطع يده في معركة فخ حيث شهدها مع الحسين بن علي بن الحسن المثلّث ، وكان من الشيعة الإمامية ، وكان الفرّاء يظهر الاعتزال مستتراً به.

أخذ عن أبي بكر بن عياش ، والكسائي ، ومحمد بن حفص. وروى القراءة عن عاصم وإبنالجهم ، مات سنة ٢٠٧ هـ = ٨٢٣ م.

له ترجمة في : هدية الأحباب : ٢٣٠ / وفيات الأعيان ٦ : ١٧٦ ت ٨٩٨ / روضات الجنّات ٨ : ٢٠٩ ت ٧٥١ / البداية والنهاية ١٠ : ٢٦١ / رياض ألعلماء ٥ : ٣٤٧ / معجم الأدباء ٢٠ : ٩ ت ٢ / تذكرة الحفّاظ ١ : ٣٧٢ ت ٣٦٨ / غاية النهاية ٢ : ٣٧١ ت ٣٨٤٢ / تهذيب التهذيب١١ : ١٨٦ت ٣٥٤ / تاريخ بغداد ١٤ : ١٤٩ ت ٧٤٦٧ / شذرات الذهب ٢ : ١٩ / تأسيس الشيعة : ٦٩ ، ٣٢١ / سير أعلام النبلاء ١٠ : ١١٨ت ١٢.

(٣) اُنظر معاني القرآن ١ : ٢٠٣.

١٥٤

يسمع منهم أصلاً يدل على أنّ الأصل خلافه.

وقد يذبّ عنها بأنها لما خففت صارت كالكلمة الواحدة ، فلم يعامل ما يدل على الطلب ـ أعني لفظة « اُمّ » ـ معاملة الجملة ، بل جعلت بمنزلة دال زيد مثلاً ، فلم يعطف عليها شيء كما لا يعطف على جزء الكلمة الواحدة [٣٨ / ب].

« والطلوع » : يمكن أن يراد به الخروج من تحت الشعاع ، وأن يراد به ظهوره للحس كما هو الظاهر ، وكذلك يمكن أن يراد به الطلوع الخاص في هذه الليلة ، وأن يراد به الطلوع في الزمان الماضي مطلقاً.

و كذلك قولهعليه‌السلام  : « وأزكى من نظر إليه » وتزكية النفس تطهيرها عن الرذائل والأدناس ، وجعلها متصفة بما يُعدها لسعادة الدارين ، وفلاحالنشأتين.

« والعبادة » أقس الذل والخضوع ، ولذلك لا تليق إلا لله.

« والتوبة » لغة : الرجوع(١) ، وتضاف إلى العبد ، وإلى الرب تعالى ، ومعناها على الأول : الرجوع عن المعصية إلى الطاعة ، وعلى الثاني : الرجوع عن العقوبة إلى العفو والرحمة.

وفي الاصطلاح : الندم على الذنب ، لكونه ذنباً.

وقد تقدم الكلام فيما يتعلق بها من المباحث ، في الحديقة الحادية والثلاثين(٢) في شرح دعائهعليه‌السلام  في طلب التوبة.

وقد أوردنا فيها أيضاً كلاماً مبسوطاً في شرح الأربعين حديثاً(٣) الذي ألفناه

________________________

(١) الصحاح ١ : ٩١ / القاموس : ٧٩ ، مادة « توب » فيهما.

(٢) أنظر صحيفة ١٣١ هامش ١.

(٣) الأربعين : ٢٣٢ ، عند شرحه للحديث الثامن والثلاثون الذي رواه بسنده عن الإمام الصادقعليه‌السلام     عن رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

مَن تاب قبل موته بسنة قبل الله توبته.

ثم قال : إن السنة لكثير ،

١٥٥

بعون الله تعالى.

تتمة :

لعل المراد من العصمة في قولهعليه‌السلام  : « واعصمنا فيه من الحوبة » ، معناها اللّغوي ، أي الحفظ عن السوء ، فإن ارادة معناها الاصطلاحي المذكور في الكلام ـ أعني لطف يفعله الله بالمكلّف ، بحيث لا يكون له معه داع إلى فعل المعصية مع قدرته عليها ـ لا يساعد عليه قولهعليه‌السلام  « من الحوبة » ، لأنّ العصمة بهذا المعنى لم يعهد [٣٩ / ] تعديتها بلفظة من.

« والحوبة » ـ بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة ـ : الخطيئة.

و « الإيزاع » : الإلهام ، والمشهور في تعريفه أنه إلقاء الخبر في القلب مندون استفاضة فكرية ، وينتقض طرده بالقضايا البديهية ، وعكسه بالانشائيات بعامة التصورات ، ولو قيل : إنّه إلقاء المعنى النظري في القلب من دون استفاضة فكرية لكان أحسن ، مع أن فيه ما فيه.

و المراد بايقاع « الشكر » في القلب ليس الشكر الجناني فقط بل ما يعم الأنواع الثلاثة ، والغرض صرف القلب إلى أداء الشكر اللساني والجناني والأركاني بأجمعها.

و قد تقدم الكلام في الشكر مبسوطاً في الحديقة التحميدية ـ وهي شرح الدعاء الأول من هذا الكتاب الشريف ، الذي أرجو من الله سبحانه التوفيق لإكماله ـ وذكرنا هناك نبذة من مباحث الحمد والشكر ، وما قيل من الطرفين في

________________________

من تاب قبل موته بشهر قبل الله توبته.

ثم قال : إن الشهر لكثير ،

من تاب قبل موته بجمعة قل الله توبته.

ثم قال : إن الجمعة لكثير ،

من تاب قبل موته بيوم قبل الله توبته.

ثم قال : إن يوما لكثير ،

من تاب قبأ ، أن يعاين قبل الله توبته.

١٥٦

وجوب شكر المنعم عقلاً وسمعاً ، وما سنح لنا من الكلام في دفع شبه القائلين بانحصار وجوبه في السمع ، وبيان فساد معارضتهم خوف العقاب على ترك الشكر بخوف العقاب على فعله(١) .

و « الجنن » بضم الجيم وفتح النون : جمع جُنّة ـ بالضم ـ وهي الستر.

و « العافية » دفع الله سبحانه عن العبد ما هو شرّ له ، ويستعمل في الصحة البدنية والنفسية معاً ، وقد تقدم الكلام فيها في الحديقة الثالثة والعشرين وهي شرح دعائهعليه‌السلام  في طلب العافية(٢) .

تبصرة :

الضمائر الراجعة إليه سبحانه من أول هذا الدعاء إلى هنا بأجمعها ضمائرغيبة ، ثم إنّهعليه‌السلام  عدل عن ذلك الأسلوب وجعلها من هنا إلى آخر الدعاء ضمائر خطاب ، ففي كلامهعليه‌السلام  التفات من الغيبة إلى الخطاب.

ولا يخفي أن بعض اللطائف والنكت التي أوردها المفسرون فيما يختص بالالتفات في سورة الفاتحة يمكن جريانه هنا(٣) .

وأنا قد تفردت ـ بعون الله وحسن توفيقه ـ باستنباط نكت لطيفة في ذلك الالتفات ، مما لم يسبقني إليها سابق ، وقد أوردت جملة منها فيما علّقته من الحواشي على تفسير البيضاوي(٤) ، وشرذمة منها في تفسيري الموسوم بالعروة الوثقى(٥) ، وبعض تلك النكت يمكن اجراؤها فيما نحن فيه ، فعليك بمراجعتها ، وملاحظة ما يناسب المقام منها.

________________________

(١) و (٢) انظر صحيفة : ١٥٠ هامش : ٢.

(٣) على نحو المثال أنظر : انوار التنزيل ١ : ٣١ / الكشاف ١ : ١٣ / الفخر الرازي ١ : ٢٥٣. وما يتعلق من التفاسير في الآية ٥ من سورة الفاتحة.

(٤) المطبوع على الحجر في هامش التفسير أنظر صحيفة : ٢ منه.

(٥) المعروة الوثقى : ٣٣ ، ضمن الحبل المتين ، وعدّ فيه نحواً من ١٤ نكتة.

١٥٧

والضمائر المجرورة في قولهعليه‌السلام  : « وأسعد من تعبد لك فيه » إلى آخر الدعاء راجعة إلى الهلال بمعنى الشهر ، وليس كذلك المرفوع في طلع عليه ، والمجرور في نظر إليه ، ففي الكلام استخدام من قبيل قول البحتري(١) [٤٠ / ] :

فسقى الغضا والساكنيه وإن هم

شبّوه بين جوانحي وضلوعي(٢)

ولعلّه لا يقدح في تحقق الاستخدام كون إطلاق الهلال على الشهر مجازاً لتصريح بعض المحققين من أهل الفن بعدم الفرق بين كون المعنيين في الاستخدام حقيقيين أو مجازيين أو مختلفين ، وأن قصره بعضهم على الحقيقيين ، على أن كون الاطلاق المذكور مجازاً محل كلام.

وتعبيرهعليه‌السلام  عن اقتراف المعصية بالمباشرة استعارة مصرّحة ، فإن حقيقة المباشرة إلصاق البشرة بالبشرة.

والاضافة في « جنن العافية » من قبيل لجين الماء ، ويجوز جعله استعارة بالكناية مع الترشيح.

________________________

(١) أبو عبادة البحتري ، الوليد بن عتبة وقيل عبيد الطائي ، شاعر كبير ، أحد أشعر أبناء زمانه وهم : المتنبي ، وأبو تمام ، والبحتري ، ولد في منبج بالقرب من حلب رحل الى العراق زمن المتوكل العباسي له ديوان شعر مطبوع يوصف شعره لسلاسته وقوته بسلاسل الذهب والحماسة ـ. مات سنة ٢٤٨ هـ = ٨٩٨ م.

له ترجمة في : هدية الأحباب : ١١٧ / وفيات الاعيان ٦ : ٢١ رقم ٧٧٠ / تاريخ بغداد ١٣ : ٤٧٦ رقم ٧٣٢١ / دائرة المعارف الإسلامية ٣ : ٣٦٥ / الاعلام ٨ : ١٢١ / معجم الادباء ١٩ : ٢٤٨ / ٩٣ / مرآة الجنان ٢ : ٢٠٢ / الاغاني ٢١ : ٣٧ / شذرات الذهب ٢ : ١٨٦. وغيرهاكثير.

(٢) الديوان ١ : ١٧٠ من قصيدة يمدح فيها ابن نيبخت وفيه :

فسقى الغضا والنازليه وان هم

شبوه بين جوانح وقلوب

وانظر معاهد التنصيص ٢ : ٢٦٩ ت ١٢٣ وجامع الشواهد ٢ : ١٦٩

استشهد به كل من صاحب المطول والمختصر في بحث الاستخدام من علم البديع باعتبار كلمة ( الغضا وان لها معنيان )

١٥٨

خاتمة :

اسم التفضيل في قولهعليه‌السلام  : « اللّهم اجعلنا من أرضى من طلع عليه » ، كما يجوز أنْ يكون للفاعل على ما هو القياس ، يجوز أن يكون للمفعول أيضاً ، كما في نحو : أعذر ، وأشهر ، وأشغل ، أي اجعلنا من أعظم المرضيين عندك.

فإن قلت : مجيء اسم التفضيل بمعنى المفعول غير قياسيّ ، بل هومقصورعلى السماع.

قلت : لمّا وقع في كلامهعليه‌السلام  كفى ذلك في تجويز هذا الاحتمال ، ولا يحتاج فيه إلى السماع من غيره قطعاً ، فإنهعليه‌السلام  أفصح العرب في زمانه.

هذا ، وفي كلام بعض أصحاب القلوب ، أنّ علامة رضى الله سبحانه عن العبد رضا العبد بقضائه تعالى ، وهذا يشعر بنوع من اللزوم بين الأمرين.

ولو اُريد باسم التفضيل هنا ما يشملهما ، من قبيل استعمال المشترك في معنييه معاً لم يكن فيه كثير بعد ، ومثله في كلام البلغاء غير قليل [٤١ / أ].

وتعدية الرضاء بالقضاء ، على بقية المطالب التسعة ـ التي ختم بهاعليه‌السلام  هذا الدعاء ـ للاعتناء به ، والاهتمام بشأنه ، فإنّ الرضا بالقضاء من أجلّ المقامات ، وَمَنْ حازه فقد حاز أكمل السعادات ، وصحت منه دعوى المحبة ، التي بها يرتقي إلى أرفع الدرجات ، ولم يتشعب خاطره بورود الحادثات ، واعتوار المصيبات ، ولم يزل مطمئنّ البال ، منشرح الصدر ، متفرغ القلب للاشتغال بمايعنيه من الطاعات والعبادات ، ومن لم يرض القضاء دخل في وعيد « من لم يرض بقضائي »(١) الحديث.

________________________

(١) الظاهر انه اشارة للحديث الشريف الذي رواه الشيخ الصدوققدس‌سره بسنده الى الإمام علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام عن آبائه عن جده امير المؤمنين قال : « سمعت رسول الله

١٥٩

ومع ذلك لا يزال محزوناً مهموماً ، ملازماً للتلهف والتأسف ، على أنّه لمكان كذا؟ ولِمَ لا يكون كذا؟ ، فلا يستقر خاطره أصلاً ، ولا يتفرغ لما يَعنيه أبداً.

ونعم ما قال بعض العارفين : « إنّ حسرتك على الأمور الفانية ، وتدبيرك للأمور الاتية قد أذهبا بركة ساعتك التي أنت فيها ».

* * *

________________________

صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ( من لم يرض بقضائي ولم يؤمن بقدري فليلتمس إلهاً غيري ). وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ( في كل قضاء الله خيرة المؤمن ) ».

انظر : عيون اخبار الرضا ١ : ١٤١ ت ٤٢ / التوحيد : ٣٧١ ت ١١ / وعنهما في البحار ٦٨ : ١٣٨ ت ٢٥ / دعوات الراوندي : ١٦٩ رقم ٤٧١ / وعنه في البحار ٧٩ : ١٣٢ ت ١٦ / وهكذاكنز العمال ١ : ١٠٦ ت ٤٨٢ ، ٤٨٣ ، عن الطبراني في معجمه الكبير والبيهقي في شعب الايمان / والجامع الصغير ٢ : ٦٤٦ ت ٩٠٢٧ / فيض القدير ٦ : ٢٢٤ ت ٩٠٢٧.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368