التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف10%

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف مؤلف:
الناشر: دار القرآن الكريم
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 368

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف
  • البداية
  • السابق
  • 368 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 185008 / تحميل: 6468
الحجم الحجم الحجم
التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

مؤلف:
الناشر: دار القرآن الكريم
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

المذهب، وسمع حديث العامة فأكثر»(١) وقال الشيخ الطوسي: «أكثر أهل المشرق علماً وأدباً وفضلاً وفهماً ونبلاً في زمانه، صنّف أكثر من مائتي مصنّف، ذكرناها في الفهرست، وكان له مجلس للخاصّي ومجلس للعامي، رحمة الله»(٢) وقال شيخنا الجدّ المامقاني: «وربما حكي من بعض شرّاح التهذيب - والظاهر أنّه المحقق الشيخ محمد نجل الشهيد الثاني - أنه قدح في توثيقه بكونه في أول عمره عامياً، فلا يعلم أن الجرح والتعديل للرجال الذي ينسب إليه هل كان قبل التبصّر أو بعده»(٣) .

فهو - وإن كان ثقة في نفسه - يروي عن الضعفاء كثيراً، وأخبار تفسيره مراسيل كما هو معلوم، ويتلخص عدم صحة نسبة القول بالتحريف إليه، وعدم جواز الإعتماد على أخبار تفسيره في هذا المضهار.

الصفّار

٢ - الشيخ محمد بن الحسن بن فروخ الصفار القمي، الثقة الثبت المعتد عند جميع علماء الرجال، ولا حاجة إلى نقل نصوص كلماتهم.

روى هذا الشيخ بعض الأخبار المذكورة سابقاً في كتابه (بصائر الدرجات) ولكن لا وجه لنسبة القول بالتحريف إليه، وقد تكلّمنا هناك على تلك الأخبار سنداً ومتناً على ضوء كلمات علماء الحديث

__________________

(١) رجال النجاشي: ٢٤٧.

(٢) رجال الشيخ الطوسي: ٤٩٧.

(٣) تنقيح المقال ٣: ١٨٣.

١٢١

والرجال، ومن الضروري النظر في أسانيد أخبار كتابه (بصائر الدرجات) ومعانيها كسائر الكتب الحديثيّة.

الكشي

٣ - الشيخ أبو عمرو محمد بن عمر الكشي صاحب كتاب (الرجال).

قال النجاشي «كان ثقة عيناً، روى عن الضعفاء كثيراً، وصحب العياشي، وأخذ عنه وتخرّج عليه في داره التي كانت مرتعاً للشيعة وأهل العلم، له كتاب

الرجال كثير العلم وفيه أغلاط كثيرة»(١) وقال الشيخ أبو علي الرجالي: «ذكر جملة من مشايخنا أن كتاب رجاله المذكور كان جامعاً لرواة العامة والخاصة، خالطاً بعضهم ببعض، فعمد إليه شيخ الطائفة - طاب مضجعه - فلخّصه وأسقط منه الفضلات»(٢) .

وعلى ضوء ما تقدم ليس الشيخ الكشي من القائلين بالتحريف، ولا يجوز الإستناد إلى الأخبار الواردة في (رجاله) لأنه كا يروي عن الضعفاء كثيراً على ما نصّ عليه النجاشي، وكان من أصحاب العياشي، والمتخرجين عليه كما نصوا عليه، وقد تقدّم أن العياشي - وإن كان ثقة جليلاً - كان يروي عن الضعفاء كثيراً أيضاً، فلا اعتبار بكلّ أخبار هذا الكتاب حتى بعد تهذيب الشيخ إيّاه، لكون نظر إلى الرجال المذكورين فيه لا الأخبار المرويّة في غضونه.

__________________

(١) رجال النجاشي: ٢٦٣.

(٢) رجال أبي علي. وانظر مقباس الهداية: ١٢١.

١٢٢

النعماني

٤ - الشيخ محمد بن إبراهيم النعماني: الثقة الجليل عند علماء الرجال والجرح والتعديل(١) .

له في كتابه (الغيبة) رواية صريحة في مخالفة القرآن على عهد الإمام المهديعليه‌السلام للقرآن الموجود الآن، وقد بيّنا في محلّه وجه التعارض بين روايته تلك مع روايتين اخريين له، ثم نقلنا حديثاً عن (الإرشاد) و (روضة الواعظين) يوضح المراد من تلك الأحاديث الثلاثة.

وذكرنا هناك أن سند ذلك الحديث الصريح غير قوي، كما بيّنّا في الكلام على الشبهة الثالثة أنه لا يمكن الإعتماد على ما ظاهره مخالفة القرآن في عهد الإمام المنتظر عجّل الله فرجه لهذا القرآن.

والحق أنه لا سبيل إلى نسبة القول بالتحريف إليه، وكلامه في مقدمة كتابه لا يدل على التزامه بالصحّة وإن توهم ذلك، فليراجع.

أبو منصور الطبرسي

٥ - الشيخ أحمد بن علي الطبرسي، المتوفى سنة ٥٤٨ صاحب كتاب (الاحتجاج على أهل اللجاج) من مشايخ ابن شهر آشوب، ومن أجلاء أصحابنا المتقدمين، عالم فاضل محدّث ثقة(٢) .

__________________

(١) نقيح المقال ٣: ٥٥ حرف الميم.

(٢) نظر: معالم: ص ٢٥، أمل الآمل ٢: ١٧، روضات الجنات ١: ١٩، تنقيح المقال ١: ٦٩، الكنى والألقاب ٢: ٤٠٤.

١٢٣

روى في كتابه المذكور ما يفيد التحريف، ومن ذلك ما رواه في احتجاجات سيّدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام مع المهاجرين والأنصار، المتضمن مخالفة مصحفه الذي جمعه مع المصحف الذي اتخذوه، وقد أشرنا إلى ذلك في الكلام على الشبهة الثانية.

وكتاب (الاحتجاج) وإن كان من الكتب الجليلة إلاّ أن أكثر أخباره مراسيل كما صرّح بذلك الشيخ المجلسي في مقدمة (البحار)، والشيخ الطّهراني في (الذريعة إلى تصانيف الشيعة).

وعلى هذا، فلا يصلح ما رواه في هذا الباب للإعتماد، ولا دليل على أن ينسب إليه هذا الإعتقاد، وإن جاء في كلام بعض علمائنا الأمجاد.

السيد البحراني

٦ - السيّد هاشم البحراني، من مشاهير محدّثي الإمامية، وكان على جانب عظيم من الجلالة، يضرب به المثل في الورع والتقوى، وله تصانيف كثيرة، منها (البرهان في تفسير القرآن)، توفي سنة ١١٠٧(١) .

روى هذا المحدّث الجليل في كتابه المذكور طائفة من الأخبار الظاهرة في نقصان القرآن عن العياشي وأمثاله، لكن تفسيره المذكور يشتمل على أنواع الأخبار وأقسامها، وكأنّه - رحمه الله - قصد من تصنيفه جمع الروايات الواردة في تفسير الآيات ووضع كلّ حديثٍ في ذيل الآية التي يناسبها، بل كانت هذه طريقته في جميع كتبه، فقد قال المحدّث البحراني ما نصه: «وقد صنّف كتباً عديدة تشهد بشدة تتبعه وإطلاعه،

__________________

(١) انظر: لؤلؤة البحرين: ٦٣، أمل الآمل ٢: ٣٤١، الكنى والألقاب ٣: ٩٣.

١٢٤

إلاّ أنّي لم أقف له على كتاب فتاوى في الأحكام الشرعية بالكلية ولا في مسألة جزئية، وإنما كتبه مجرّد جمع وتأليف، ولم يتكلّم في شيء منها مما وقفت عليه على ترجيح في الأقوال أو بحث أو إختيار مذهب وقول في ذلك المجال، ولا أدري أن ذلك لقصور درجته عن رتبة النظر والإستدلال أم تورّعاً من ذلك ...»(١) .

تحقيق حول رأي الكليني

وإن أشهر رواة الأحاديث التي ذكرناها وغيرها وأعظمهم هو الشيخ محمد

ابن يعقوب الكليني المتوفى سنة ٣٢٩. روى تلك الأخبار في كتابه (الكافي) الذي هوأهم الكتب الأربعة المشهورة بين الشيعة الإمامية.

لقد كان - وما زال - التحقيق حول رأي الشيخ الكليني في المسألة موضع الإهتمام بين العلماء والكتّاب، لما له ولكتابه من مكانة مرموقة متّفق عليها بين المسلمين، فنسب إليه بعض المحدّثين من الشيعة القول بالتحريف إعتماداً على ظاهر كلامه في خطبة كتابه «الكافي»، ونفي ذلك آخرون، وحاول بعض الكتّاب القاصرين نسبة القول بذلك إلى الطائفة عامة والتشنيع عليها - بزعمه - بعد وصف «الكافي» بـ (الصحيح) لكنها محاولة يائسة كما سنرى.

لقد تقدّم في الفصل الثاني من هذا البحث ذكر أهم الأخبار التي رواها الكليني في «الكافي» وبيّنّا ما في كلّ منها من مواقع النظر أو وجوه الجواب، بحيث لا يبقى مجال للقول بأنها تدل على تحريف

__________________

(١) لؤلؤة البحرين: ٦٣.

١٢٥

القرآن.

والتحقيق حول رأي الكليني وما يتعلّق بذلك يتم بالبحث في عدة جهات:

ترجمته وشأن كتابه

لقد ترجم علماء الشيعة للكليني بكلّ ثناء وإطراء وتعظيم وتفخيم، فقد قال أبو العباس النجاشي: «شيخ أصحابنا في وقته بالري ووجههم، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم، صنّف الكتاب الكبير المعروف بالكليني، يسمى (الكافي) في عشرين سنة»(١) وقال الشيخ الطوسي: «ثقة عارف بالأخبار، له كتب، منها كتاب الكافي»(٢) وقال إبن شهر آشوب: «عالم بالأخبار، له كتاب(الكافي) يشتمل على ثلاثين كتاباً»(٣) وقال المامقاني: «أمر محمد بن يعقوب في العلم والفقه والحديث والثقة والورع وجلالة الشأن وعظيم القدر وعلوّ المنزلة وسموّ المرتبة أشهر من أن يحيط به قلم ويستوفيه رقم»(٤) .

وقال الشيخ بهاء الدين العاملي في (الوجيزة): «ولجلالة شأنه عدّه جماعة من علماء العامة كابن الأثير في كتاب جامع الاصول من المجددين لمذهب الإمامية على رأس المائة الثالثة، بعد ما ذكر أن سيدنا

__________________

(١) رجال النجاشي: ٢٦٦.

(٢) الفهرست للطوسي: ١٦١.

(٣) معالم العلماء: ١٥٤.

(٤) تنقيح المقال ٣: ٢٠١.

١٢٦

وإمامنا أبا الحسن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام هو المجدّد لهذا المذهب على رأس المائة الثانية».

أما كتابه «الكافي» فهو أهم كتب الشيعة الإثني عشرية وأجلّها وأعظمها في الاصول والفروع والمعارف الإسلامية، وإليه يرجع الفقيه في استنباطه للأحكام الشرعية، وعليه يعتمد المحدّث في نقله للأخبار والأحاديث الدينية، ومنه يأخذ الواعظ في ترهيبه وترغيبه.

إلاّ أنّه تقرر لدى علماء الطائفة - حتى جماعة من كبار الأخباريين - لزوم النظر في سند كلّ خبر يراد الأخذ به في الاصول والفروع، إذ ليست أخبار الكتب الأربعة - وأوّلها الكافي - مقطوعة الصدور عن المعصومين، بل في أسانيدها رجال ضعّفهم علماء الفن ولم يثقوا برواياتهم، ومن هنا قسّموا أخبار الكتب إلى الأقسام المعروفة، واتّفقوا على اعتبار «الصحيح» وذهب أكثرهم إلى حجّية «الموثّق» وتوقف بعضهم في العمل بـ «الحسن». وأجمعوا على وجود الأخبار «الضعيفة» في الكتب الأربعة المعروفة، وقد ذكرنا هذه الحقيقة في الامور الأربعة ببعض التفصيل.

ونزيد تأكيداً هنا بذكر مثالين أحدهما: أنّ الكليني روى في «الكافي» أن يوم ولادة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هو اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأوّل - ولذا نسب إليه القول بذلك - ولم يوافقه احد من علماء الشيعة عليه فيما نعلم، بل ذهبوا إلى أنّه اليوم السابع عشر منه. والثاني: أنّ الكليني روى في «الكافي» كتاب (الحسن بن العباس بن حريش) في فضل «إنّا أنزلناه في ليلة القدر» وقد ضعف الشيخ أبو العباس النجاشي والشيخ ابن الغضائري وغيرهما

١٢٧

الرجل وذمّوا كتابه المذكور(١) .

وسواء صح ما ذكروا أو لم يصح فإنّ الغرض من ذكر هذا المطلب هو التمثيل لما ذكرناه من رأي أكابر العلماء في روايات الكليني.

وعلى الجملة، فإنّه ليست أخبار «الكافي» كلها بصحيحةٍ عند الشيعة حتى يصح إطلاق عنوان «الصحيح» عليه، بل فيها الصحيح والضعيف وإن كان «الصحيح» قد لا يعمل به، و «الضعيف» قد يعتمد عليه، كما هو معلوم عند أهل العلم والتحقيق وهذه هي نتيجة البحث في هذه الجهة.

هل الكليني ملتزم بالصحّة؟

قد ينسب الى الكليني القول بتحريف القرآن بدعوى اعتقاده بصدور ما رواه عن المعصومينعليهم‌السلام ، لكن هذه الدعوى غير تامّه فالنسبة غير صحيحة، إذ أن الكليني لم ينصّ في كتابه على اعتقاده بذلك أصلاً، بل ظاهر كلامه يفيد عدم جزمه به، وإليك نصّ عبارته في المقدّمة حيث قال: فاعلم يا أخي - أرشدك الله - أنّه لا يسع أحداً تمييز شيء مما اختلف الرواية فيه عن العلماءعليهم‌السلام برأيه إلاّ على ما أطلقه العالمعليه‌السلام بقوله: أعرضوها على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردّوه. وقولهعليه‌السلام : دعوا ما وافق القوم، فإنّ الرشد في خلافهم، وقولهعليه‌السلام : خذوا بالمجمع عليه، فإن المجمع عليه لا ريب فيه.

ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلاّ أقلّه، ولا نجد شيئاً أحوط

__________________

(١) انظر تنقيح المقال ١: ٢٨٦.

١٢٨

ولا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه إلى العالمعليه‌السلام ، وقبول ما وسع من الأمر فيه بقولهعليه‌السلام : بأيما أخذتم من باب التسليم وسعكم.

وقد يسّر الله - وله الحمد - تأليف ما سألت، وأرجو أن يكون بحيث توخيت» وأشار بقوله هذا الأخير إلى قوله سابقاً:

«وقلت: إنك تحبّ أن يكون عندك كتاب كاف يجمع فيه من جميع فنون علم الدين».

هذا كلامه - يرحمه الله - وليس فيه ما يفيد ذلك، لأنه لو كان يعتقد بصدور جميع أحاديثه - لما أشار في كلامه إلى القاعدة التي قررها أئمة أهل البيتعليهم‌السلام لعلاج الأحاديث المتعارضة، وهي عرض الأحاديث على الكتاب والسنّة، كما أشرنا إلى ذلك من قبل.

واستشهاده - رحمه الله - بالرواية القائلة بلزوم الأخذ بالمشهور بين الأصحاب عند التعارض دليل واضح على ذلك، إذ هذا لا يجتمع مع الجزم بصدور الطرفين عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أو الامامعليه‌السلام .

وقوله - رحمه الله - بعد ذلك: «ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلاّ أقله، ولا نجد شيئاً أحوط ولا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه إلى العالمعليه‌السلام » ظاهر في عدم جزمه بصدور أحاديث كتابه عن المعصومعليه‌السلام .

نعم قد يقال: إنّ أحاديث «الكافي» إن لم تكن قطعية الصدور فلا أقل من صحتها إسناداً، ذلك لأنّ مؤلّفه قد شهد - نتيجة بذله غاية ما وسعه من الجهد في التحري والإحتياط - بصحّة جميع أحاديث كتابه حيث قال في المقدمة: «وقلت: إنك تحب أن يكون عندك كتاب كاف يجمع من جميع فنون علم الدين ما يكتفي به المتعلّم، ويرجع إليه

١٢٩

 المسترشد ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقينعليهم‌السلام ، والسنن القائمة التيعليها‌السلام العمل وبها يؤدّى فرض الله عزّ وجلّ وسنة نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

فإن ظاهر قوله «بالآثار الصحيحة عن الصادقينعليهم‌السلام » إعتقاده بصحّة ما أورده في كتابه.

ولكنّ هذا - بغض النظر عما قالوا فيه(١) - لا يستلزم وثوق الشيخ الكليني بدلالة كلّ حديث موجود في كتاب حتى ينسيب إليه - بالقطع واليقين - القول بمداليل جميع رواياته، ويؤكد هذا قوله: «ونحن لا نعرف من جميع ذلك» بل ويؤكّده أيضاً ملاحظة بعض أحاديثه.

توضيح ذلك: أنّه - رحمة الله - روى - مثلاً - أحاديث في كتاب الحج من فروعه تفيد أنّ الذبيح كان (إسحاق) لا (إسماعيل)، ومن تلك الأحاديث ما رواه عن أحدهماعليهما‌السلام : «وحج إبراهيمعليه‌السلام هو وأهله وولده، فمن زعم أن الذبيح هو إسحاق فمن هاهنا كان ذبحه».

قال الكليني: «وذكر عن أبي بصير أنّه سمع أبا جعفر وأبا

__________________

(١) مفاتيح الاصول، معجم رجال الحديث، وغيرهما، وقد جاء في المفاتيح: ٣٣٢ عن المحدث الجزائري وغيره التصريح بأنّه ليس في كلام الكليني ما يدلّ على حكمه بصحة أحاديث كتابه.

١٣٠

عبداللهعليهما‌السلام يزعمان أنّه إسحاق. فأمّا زرارة فزعم أنّه إسماعيل»(١) .

قال المحدّث المجلسي: «وغرضه - رحمة الله - من هذا الكلام رفع الإستبعاد عن كون إسحاق ذبيحاً، بأنّ إسحاق كان بالشام والذي كان بمكة إسماعيل، فكون إسحاق ذبيحاً مستبعد.

فدفع هذا الإستبعاد بأنّ الخبر يدلّ على أن ابراهيمعليه‌السلام قد حجّ مع أهله وولده، فيمكن أن يكون الأمر بذبح إسحاق في هذا الوقت»(٢) .

وروى - رحمه الله - في خبر طويل عن أبي جعفر وأبي عبداللهعليهما‌السلام :

«... قال: فلما قضت مناسكها فرقت أن يكون قد نزل في ابنها شيء، فكأني أنظر إليها مسرعة في الوادي واضعة يدها على رأسها وهي يقول: رب لا تؤاخذ بما عملت بامّ إسماعيل.

قال: فلما جاءت سارة فأخبرت الخبر قامت الى إبنها تنظر فإذا أثر السكين خدوشاً في حلقه، ففزعت واشتكت، وكان بدء مرضها الذي هلكت فيه»(٣) .

قال المحدّث الفيض الكاشاني هنا: «يستفاد من الخبر أن الذبيح إسحاق، لأن سارة كانت أمّ إسحاق دون إسماعيل، ولقولها: لا تؤاخذني ...»(٤) .

__________________

(١) الكافي ٤: ٢٠٥ - ٢٠٦.

(٢) مرآة العقول ٣: ٢٥٦، بحار الأنوار ١٢: ١٣٥.

(٣) الكافي ٤: ٢٠٨ - ٢٠٩.

(٤) الوافي ١: ٥٤٨.

١٣١

وروى - رحمة الله - في باب المشيئة والإرادة من كتاب التوحيد عن أبي الحسنعليه‌السلام في حديث قوله: «وامر إبراهيم أن يذبح إسحاق ولم يشأ أن يذبحه، ولو شاء لما غلبت مشيئة إبراهيم مشيئة الله تعالى»(١) .

قال السيد الطباطبائي في حاشية: «وهو خلاف ما تضافرت عليه أخبار الشيعة».

فهل هذا الأحاديث صحيحة في رأي الشيخ الكليني؟ وإذا كانت صحيحة - بمعنى الثقة بالصدور - فهل يثق ويعتقد بما دلّت عليه من كون الذبيح إسحاق؟ وإذا كان كذلك فماذا يفعل بالأحاديث التي رواها وهي دالة على كونه إسماعيل؟ وهب أنّه من المتوقّفين في المقام - كما قال المجلسي في نهاية الأمر - فهل يلتئم هذا مع الإلتزام بالصحّة في كلّ الأحاديث؟

ونتيجة البحث في هذه الجهة: عدم تمامية نسبة القول بالتحريف إلى الكليني إستناداً إلى عبارته في صدر «الكافي».

جواز نسبة القول بعدم التحريف إليه

وبعد، فإن من الجائز نسبة القول بعدم التحريف إلى الشيخ الكلينيرحمه‌الله لعدة وجوه:

١ - إنّه كما روى ما ظاهره التحريف فقد روى ما يفيد عدم التحريف بمعنى الإسقاط في الألفاظ، وهو ما كتبه الإمامعليه‌السلام إلى سعد الخير «وكان من نبذهم الكتاب أن اقاموا حروفه وحرّفوا حدوده،

__________________

(١) الكافي ١: ١٥١.

١٣٢

فهم يروونه ولا يرعونه، والجهال يعجبهم حفظهم للرواية، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية» الحديث. وقد استدلّ به الفيض الكاشاني على أنّ المراد من أخبار التحريف هو تحريف المعاني دون الألفاظ، فيكون هذا الخبر قرينة على المراد من تلك الأخبار. ولو فرضنا التعارض كان مقتضى عرض الخبرين المعارضين على الكتاب - عملاً بالقاعدة التي ذكرها الكليني، ولزوم الأخذ بالمشهور كما ذكر أيضاً - هو القول بعدم وقوع التحريف في القرآن.

٢ - إنّ عمدة روايات الكليني الظاهرة في التحريف تنقسم إلى قسمين:

الأول - ما يفيد اختلاف قراءة الأئمة مع القراءة المشهورة.

الثاني - ما ظاهره سقوط أسماء الأئمة ونحو ذلك.

أما القسم الأول فخارج عن بحثنا.

وأما القسم الثاني - فمع غض النظر عن الأسانيد - فكلّه تأويل من أهل البيتعليهم‌السلام ، والتأويل لا ينافي التفسير، وإرادة معنى لا تضاد إرادة معنى آخر، وقد روى الكليني ما هو صريح في هذا الباب عن الصادقعليه‌السلام في قول الله عزّ وجلّ:( الّذين يقطعون ما أمر الله به أن يوصل ) : «إنّها نزلت في رحم آل محمد. وقد يكون في قرابتك - ثم قال - ولا تكوننّ ممن يقول في الشيء أنّه في شيء واحد».

ومقتضى القواعد التي ذكرها الكليني أن لا يؤخذ بظواهر الأخبار من القسم الثاني.

٣ - إنّ كلمات الأعلام والأئمة العظام من الشيعة الإمامية - كالصدوق والمفيد والمرتضى والطبرسي - الصريحة في أن المذهب هو عدم التحريف، وان القائلين بالتحريف شذاذ من «الحشوية»،

١٣٣

تقتضي أن لا يكون الكليني قائلاً بالتحريف، لا سيمّا كلام الصدوق الصريح في «أن من نسب إلينا فهو كاذب». وإلاّ لم يقولوا كذلك، إذ لم ينسوا شأن الكليني وعظمته في الطائفة.

٤ - إنّ دعوى الإجماع من جاعة من أعلام الطائفة - كالشيخ جعفر كاشف الغطاء وغيره - ترجّع القول بأن الكليني من نفاة التحريف، وإلاّ لما ادّعوه مع الإلتفات إلى شخصية الكليني.

٥ - إنّ الكليني رحمة الله روى الأخبار المفيدة للتحريف في (باب النوادر)، ومن العلوم أنّ النوادر هي الأحاديث الشاذة التي تترك ولا يعمل بها كما نص على ذلك الشيخ المفيد(١) .

وعن الشيخ في التهذيب بعد حديث لحذيفة: «إنّه لا يصلح العمل بحديث حذيفة، لأن متنه لا يوجد في شيء من الأصول المصنّفة بل هو موجود في الشواذ من الأخبار».

ثم إن الشيخ المامقاني بعد أن أثبت الترادف بين «الشاذ» و «النادر» عرّف الشاذ بقوله: «وهو على الاظهر الأشهر بين أهل الدراية والحديث هو ما رواه الثقة مخالفاً لما رواه الجماعة ولم يكن له إلاّ إسناد واحد»(٢) .

فجعله تلك الأحاديث تحت العنوان المذكور يدل على تشكيكه بصحتها وطرحه لها. قال السيّد محمد تقي الحكيم: «ولعل روايتها في (النوادر) من كتابه دليل تشكيكه بصدورها ورفضه لها، وكأنّه أشار بذلك لما ورد في المرفوعة من قولهعليه‌السلام : دع الشاذ النادر»(٣) .

__________________

(١) معجم رجال الحديث ١: ٤٥، مقباس الهداية: ٤٥.

(٢) مقباس الهداية: ٤٥.

(٣) الاصول العامّة المقارن: ١١٠.

١٣٤

وقال السيّد حسين مكي العاملي: «ولأجل ما هي عليه من الضعف وندرتها وشذوذها وغرابتها مضموناً جعلها الإمام الكليني من الأخبار الشاذّة النادرة، فسطرها تحت عنوان (باب النوادر). وهذا دليل على أنّه خدش في هذه الأخبار وطعن فيها ولم يعتبرها، إذ لم يغب عن ذهنه - وهو من أكابر أئمة الحديث - ما هو معنى النادر الشاذ لغة وفي اصطلاح أهل الحديث.

فالحديث الشاذ النادر عندنا، معشر الإمامية الإثني عشرية، هو الحديث الذي لا يؤخذ به، إذا عارضه غيره من الروايات المشهورة بين أهل الحديث أو خالف مضموناً، كتاباً أو سنّة متواترة أو حديثاً مشهوراً بين أهل الحيدث ...».

قال: «وأما البحث في حكم النادر الشاذ من الأحاديث فهو: أنّه إذا خالف الكتاب والسنّة أو كان صحيحاً في نفسه، ولكنه معارض برواية أشهر بين الرواة لا يعمل به، كما قرره علماؤنا ...»(١) .

خاتمة الباب الأول

لقد استعرضنا في الباب الأول كلّ ما يتعلق بـ «الشيعة والتحريف»، حيث ذكرنا كلمات أعلام الشيعة في نفي التحريف، وأدلّتهم على ما ذهبوا إليه من الكتاب والسنّة والإجماع وغيرها، وأجوبتهم عن الروايات الواردة في كتبهم المفيدة بظاهرها لنقصان القرآن، وعن الشبهات التي قد تثار حوله على ضوء تلك الروايات.

__________________

(١) عقيدة الشيعة في الإمام الصادقعليه‌السلام : ١٦٥.

١٣٥

ولقد لا حظنا أنّ الروايات الموهمة للتحريف منقسمة إلى ما دلّ على اختلاف قراءة أهل البيت مع القرّاء في قراءة بعض الآيات، وما دلّ على تأويلات لهم لبعضٍ آخر، وما دلّ على سقوط كذا آية من السورة وكذا آية من تلك.

أمّا القسم الأوّل فلا ينكر أنّ الأئمةعليهم‌السلام يختلفون مع القرّاء في قراءة كثير من الآيات والكلمات، غير أنّهم أمروا شيعتهم بأن قرأوا كما يقرأ الناس، وهذا القسم خارج عن بحثنا.

وأما القسم الثاني فإنّه راجع إلى التأويل، ولا ريب في أن أهل البيتعليهم‌السلام أدرى بحقائق القرآن، معاني آياته من كلّ أحد، والأدلة على ذلك لا تحصى، وقد روي عن أبي الطفيل أنّه قال: «شهدت علياً يقول: سلوني، والله لا تسألوني إلاّ أخبرتكم، سلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلاّ وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار، أم في سهل أم في جبل»(١) .

وعن ابن سعد: «سمعت علياً يقول: والله ما نزلت آية إلاّ وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت وعلى من نزلت، إنّ ربي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً ناطقاً»(٢) .

ولذا رووا عن ابن مسعود أنّه قال: «ما من حرف إلاّ وله ظهر وبطن، وإنّ علياً عنده من الظاهر والباطن»(٣) .

وروى ابن المغازلي: أنّ الذي عنده علم الكتاب هو علي بن

__________________

 (١) طبقات ابن سعد ٢: ٢٣٨، الاصابة ٤: ٥٠٣، المستدرك ٢: ٤٦٦، الصواعق ١: ١٢٧، كنز العمال ٦: ٤٠٥، فيض القدير ٣: ٤٦، الرياض النضرة ٢: ١٨٨.

(٢) طبقات ابن سعد ٢: ٢٢٨، كنز العمال ٦: ٣٩٦، الصواعق: ١٢.

(٣) حلية الأولياء ١: ٦٥.

١٣٦

أبي طالبعليه‌السلام (١) .

ومتى وردت رواية معتبرة تحكي تأويلاً أو تفسيراً عنهم لآية وجب الآخذ بها، إمتثالاً لأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في الأحاديث المتواترة بين المسلمين بالرجوع إليهم والإنقياد لهم والأخذ عنهم والتعلّم منهم.

وأما القسم الثالث فإنّ ما تمّ منه سنداً نادر جداً، على أنّ أهل السنّة يشاركون الشيعة في نقل مثل هذه الروايات كما سنرى.

ومن هنا لا حظنا أنّ أكثر من ٩٠% من علماء الشيعة - الذين عليهم الإعتماد وإليهم الإستناد في اصولهم وفروعهم - ينفون النقصان عن القرآن نفياً قاطعاً ولم يقل بنقصانه إلاّ أقل من الـ ٥% منهم وهي آراء شخصيّة لا تمثل رأي الطائفة.

وتلخّص: أنّ مذهب الشيعة عدم تحريف القرآن بمعنى النقيصة في ألفاظه، وقد اعترف بذلك الشيخ عبدالعزيز الدهلوي(١) والشيخ رحمة الله الهندي(٢) وغيرهما من أعلام أهل السنّة، وهذا هو الذي ينسب إلى أئمتناعليهم‌السلام وعلى رأسهم أمير المؤمنين الذي قال: «إنا لم نحكّم الرجال وإنّما حكّمنا القرآن، وهذا القرآن إنما هو خط مسطور بين الدفتين، لا ينطق بلسان ولا بدّ له من ترجمان».

فلننظر ما هو رأي غيرهعليه‌السلام من الصحابة، وما رأي شيعتهم المنعكس في صحامهم ومسانيدهم وكتبهم المعتبرة، في الباب الثاني ..

__________________

(١) المناقب: ٣١٤.

(٢) التحفة الاثنا عشرية: ١٣٩.

(٣) إظهار الحق ٢: ٨٩.

١٣٧

الباب الثاني

اهل السنّة والتحريف

* أحاديث التحريف في كتب أهل السنّة

* الرواة لأحاديث التحريف في كتب أهل السنّة

* الاقوال والآراء في أهل السنّة حول التحريف وأحاديثه

* نقد وتمحيص

* مشهوران لا أصل لهما

وإنّ المعروف من مذهب أهل السنّة هو نفي التحريف عن القرآن الشريف، وبذلك صرّحوا في تفاسيرهم وكتبهم في علوم القرآن والعقائد، ولا حاجة إلى نقل خصوص كلماتهم.

لكنّ الواقع: إن أحاديث نقصان القرآن الكريم في كتبهم كثيرة في العدد، صحيحة في الإسناد، واضحة الدلالة.

أمّا الكثرة في العدد - والتي اعترف بها بعضهم أيضاً كالآلوسي - فلأنها بها ولا نأبه بها من حيث هي مطلقاً، وإنما المشكلة في صحة هذه الأحاديث ووضوحها في الدلالة، حتى لو كانت قليلة.

١٣٨

وذلك: لأنها مخرّجة في الكتب الستّة المعروفة بـ (الصحاح) عندهم، والتي ذهب جمهورهم إلى أنّ جميع ما اخرج فيها مقطوع بصدوره عن النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا سيمّا كتابي البخاري ومسلم بن الحجّاج النيسابوري، هذين الكتابين الملقّبين بـ «الصحيحين» والمبرّأين عندهم من كلّ شين، فهي في هذه الكتب، وفي كتبٍ أخرى تليها في الإعتبار والعظمة يطلقون عليها اسمها «الصحيح» واخرى يسمّونها بـ «المسانيد».

الفصل الأول

أحاديث التحريف في كتب السنّة

قد ذكرنا أنّ المعروف من مذهب أهل السنّة هو موافقة الشيعة الإثني عشرية في القول بصيانة القرآن الكريم من التحريف، فيكون هذا القول هو المتّفق عليه بين المسلمين.

بل نقل ابن حجر العسقلاني - وهو من كبار حفّاظ أهل السنّة ومن أشهر علمائهم المحقّقين في مختلف العلوم - أنّ الشريف المرتضى الموسوي - وهو أحد أعاظم علماء الشيعة وأئمّتهم في مختلف العلوم كذلك - كان يكفّر من يقول بنقصان القرآن.

وإذا كان المعروف من مذهب أهل السنّة ذلك، فمن اللازم أن يكونوا قد تأوّلوا أو أعرضوا عمّا جاء في كتبهم من الأحاديث الصريحة بوقوع التحريف وغيره من وجوه الإختلاف في القرآن الكريم، عن جماعة كبيرة من أعيان الصحابة وكبار التابعين ومشاهير العلماء والمحدّثين.

والواقع أنّ تلك الأحاديث موجودة في أهمّ أسفار القوم، وإن شقّ الإعتراف بذلك على بعض كتّابهم، وهي كثيرة - كما اعترف

١٣٩

الآلوسي(١) - وليست بقليلة كما وصفها الرافعي(٢) .

هذا مضافاً إلى ما دلّ على وقوع الخطأ واللحن في القرآن، والزيادة فيه، وتبديل لفظ منه لفظ آخر.

ولنذكر نماذج ممّا رووه عن الصحابة في الزيادة والتبديل، ثمّ ما رووه عنهم في النقيصة - وهو موضوع هذا الفصل - ثم طرفاً مما نقل عن الصحابة من كلماتهم وأقوالهم في وقوع الخطأ واللحن في القرآن.

الزيادة في القرآن

فمن الزيادة في القرآن - في السور - ما اشتهر عن عبدالله بن مسعود وأتباعه من زيادة المعوّذتين، فقد روى أحمد وغيره عن عبد الرحمن بن يزيد: «كان عبد الله يحكّ المعوّذتين من مصافحه، ويقول: إنّهما ليستا من كتاب الله تعالى»(٣) وفي الإتقان: قال ابن حجر في شرح البخاري: «قد صحّ عن ابن مسعود إنكار ذلك»(٤) .

ومن الزيادة - في ألفاظه -: ما رووه عن أبي الدرداء من زيادة «ما خلق» في قوله تعالى:( وما خلق الذكر والانثى ) (٥) ففي البخاري بسنده عن علقمة: «دخلت في نفر من أصحاب عبدالله الشام، فسمع بنا أبو الدرداء فأتانا فقال: أفيكم من يقرأ؟ فقلنا: نعم. قال:

__________________

(١) روح المعاني ١: ٢٥.

(٢) إعجاز القرآن: ٤٤.

(٣) مسند أحمد ٥: ١٢٩.

(٤) الإتقال في علوم القرآن ١: ٢٧١.

(٥) سورة الليل: ٣.

١٤٠

فأيّكم أقرأ؟ فأشاروا إليّ فقال: إقرأ، فقرأت: والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلّى والذكر والانثى. فقال: أنت سمعتها من فيّ صاحبك؟ قلت: نعم. قال: وأنا سمعتها من فيّ النبي وهؤلاء يأبون علينا»(1) .

وفي رواية مسلم والترمذي: «أنا والله هكذا سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرؤها، وهؤلاء يريدونني أن أقرأها: وما خلق، فلا أتابعهم»(2) .

التبديل في الألفاظ

ومن التغيير والتبديل في ألفاظ القرآن ما رووه عن ابن مسعود أنّه قد غيّر «إنّي أنا الرزّاق ذو القوّة المتين» إلى:( إنّ الله هو الرزّاق ... ) (3) ففي مسند أحمد وصحيح الترمذي، بسندهما عنه، قال «أقرأني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّي أنا الرزّاق ذوالقوة المتين» قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح»(4) .

وما رووه عن عمر أنّه كان يقرأ: «فامضوا إلى ذكر الله» بدل( فاسعوا ... ) ففي الدرّ المنثور عن عدّة من الحفّاظ والأئمة أنّهم رووا عن خرشة بن الحرّ، قال: «رأى معي عمر بن الخطّاب لوحاً مكتوباً فيه: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله(5) فقال: من أملى عليك هذا؟ قلت: اُبيّ بن كعب، قال: إنّ ابيّاً أقرؤنا

__________________

(1) صحيح البخاري 6: 210.

(2) صحيح الترمذي 5: 191، صحيح مسلم 1: 565.

(3) سورة الذاريات: 58.

(4) مسند أحمد 1: 394، صحيح الترمذي 5: 191.

(5) سورة الجمعة: 9.

١٤١

للمنسوخ، إقرأها: فامضوا إلى ذكر الله ...»(1) .

أحاديث نقصان القرآن

وأحاديث نقصان القرآن منها ما يتعلّق بالسور، ومنها ما يتعلّق بالآيات وأجزائها،فمن القسم الأول:

الأحاديث الواردة حول نقصان سورة الأحزاب، ومنها:

1 - ما رواه الحافظ السيوطي، بقوله: «أخرج عبد الرزاق في المصنّف، والطيالسي، وسعيد بن منصور، وعبدالله بن أحمد في زوائد المسند، وابن منيع والنسائي، والدار قطني في الأفراد، وابن المنذر، وابن الأنباري في المصاحف، والحاكم - وصحّحه - وابن مردويه، والضياء في المختارة: عن زرّ، قال: قال لي اُبيّ بن كعب: كيف تقرأ سورة الأحزاب - أو كم تعدّها -؟. قلت: ثلاثاً وسبعين آية. فقال اُبي: قد رأيتها وإنّها لتعادل سورة البقرة وأكثر من سورة البقرة، ولقد قرأنا فيها: «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتّة نكالاً من الله والله عزيز حكيم» فرفع منها ما رفع»(2) .

وروى المتقي عن زر بن حبيش أيضاً، قال: «قال اُبيّ بن كعب: يا زر: كأيّن تقرأ سورة الأحزاب؟ قلت: ثلاث وسبعين آية. قال: إن كانت لتضاهي سورة البقرة أو هي أطول من سورة

__________________

(1) الدرّ المنثور 6: 219.

(2) الدرّ المنثور 5: 179.

١٤٢

البقرة ...»(1) .

2 - ما رواه الحافظ السيوطي عن عائشة، أنّها قالت: «كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مائتي آية، فلمّا كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلاّ على ما هو الآن»(2) .

3 - ما رواه الحافظ السيوطي عن البخاري في تأريخه عن حذيفة قال: «قرأت سورة الأحزاب على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فنسيت منها سبعين آية ما وجدتها»(3) .

ويفيد الحديث الأول المنقول عن اُبيّ بن كعب أنّه كان يرى أنّ الآيات غير الموجودة من سورة الأحزاب - ومنها آية الرجم - كانت ممّا أنزله الله سبحانه على نبيّه، ومن القرآن حقيقة، وأنّها كانت تقرء كذلك على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى «رفع منها ما رفع»، فما معنى هذا الرفع؟ ومتى كان؟

وأمّا الحديث الثاني المنقول عن عائشة فيتضمّن الجواب عن هذا السؤال، فإنّه يفيد أنّ المراد من «الرفع» هو «الإسقاط» وأنّه كان عندما كتب عثمان المصاحف.

الأحاديث الواردة حول نقصان سورة التوبة، ومنها:

1 - ما رواه الحافظ السيوطي بقوله: «أخرج ابن أبي شيبة

__________________

(1) كنز العمّال 2: 567.

(2) الإتقان في علوم القرآن 3: 82، الدر المنثور 5: 180 عن أبي عبيدة في الفضائل وابن الأنباري وابن مردويه.

(3) الدر المنثور 5: 180.

١٤٣

والطبراني في الأوسط، وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه، عن حذيفة، قال: التي تسمّون سورة التوبة هي سورة العذاب، والله ما تركت أحداً إلاّ نالت منه، ولا تقرأون ممّا كنّا نقرأ إلاّ ربعها»(1) .

2 - ما رواه السيوطي أيضاً بقوله: «أخرج أبو الشيخ عن حذيفة، قال: ما تقرأون ثلثها»(2) .

3 - ما رواه السيوطي أيضاً بقوله: «أخرج أبو عبيد وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه، عن سعيد بن جبير، قال: قلت لابن عباس: سورة التوبة! قال: التوبة؟! بل هي الفاضحة، ما زالت تنزل فيهم حتى ظنّنا أن لن يبقى منا أحد إلاّ ذكر فيها»(3) .

4 - وروى مثله عن عمر بن الخطاب(4) .

فسورة التوبة كانت في رأي هؤلاء الأصحاب - وهو:

1 - عبدالله بن عباس.

2 - حذيقة بن اليمان.

3 - عمر بن الخطاب.

أضعاف هذا المقدار الموجود منها.

وقد روى رأي هؤلاء كبار أئمّة الحديث والحفاظ المشاهير من أهل السنّة، منهم:

1 - أبو بكر ابن أبي شيبة. صاحب المصنّف.

2 - الحاكم النيسابوري صاحب المستدرك الصحيحين.

__________________

(1) الدرّ المنثور 3: 208.

(2) الدّر المنثور 3: 208.

(3) الدرّ المنثور 3: 208.

(4) الدّر المنثور 3: 208.

١٤٤

3 - أبو القاسم الطبراني صاحب المعاجم الثلاثة: الكبير والأوسط والصغير.

4 - أبو بكر ابن مردويه الأصبهاني.

5 - أبو بكر ابن المنذر.

الأحاديث الواردة حول سورة كانوا يشبّهونها في الطول والشدّة بسورة براءة، ومنها:

ما رواه مسلم في صحيحة، والحاكم في مستدركه، والسيوطي في الدّر المنثور عن مسلم وابن مردويه وأبي نعيم والبيهقي، عن أبي موسى الأشعري، أنّه قال لقرّاء أهل البصرة: «وإنّا كنّا نقرأ سورة كنا نشبّهها في الطول والشدّة ببراءة فنسيتها غير أنّي حفظت منها: لو كان لابن آدم واديان من مال لا بتغى وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوفه إلاّ التراب»(1) .

الأحاديث الواردة حول سورة كانوا يشبّهونها بإحدى المسبّحات، ومنها:

ما رواه من ذكرنا في ذيل الحديث عن أبي موسى حول السورة السابقة، فقد رووا عنه أنّه قال: «وكنّا نقرأ سورة نشبّهها بإحدى المسبّحات أوّلها: سبّح لله ما في السماوات، فانسيتها غير أنّي حفظت منها: يا أيّها الّذين آمنوا لا تقولوا مالا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم

__________________

(1) صحيح مسلم 2: 726 ح 1050، المستدرك على الصحيحين 2: 224، الدر المنثور.

١٤٥

فتسألون عنها يوم القيامة».

حول سورتي الخلع والحفد:

ذكر الحافظ السيوطي في (الإتقان) سورتين سمّاها: (الحفد) و (الخلع) وروى أنّ السورتين كانتا ثابتتين في مصحف اُبيّ بن كعب ومصحف ابن عبّاس، وأنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام علّمهما عبدالله الغافقي، وأنّ عمر بن الخطّاب قنت بهما في صلاته، وأنّ أبا موسى كان يقرؤهما(1) .

ولا أثر لهاتين السورتين في المصحف الموجود.

ومن القسم الثاني: ماورد حول آية «الرجم».

الحديث حول آية الرجم وسقوطها من القرآن الكريم، أخرجه الشيعة والسنّة معاً في كتبهم الحديثيّة، وذكروه في كتب الفقه في أبواب الحدود. فهو موجود في: «الكافي» و «من لا يحضره الفقيه» و «التهذيب» و «وسائل الشيعة» من كتب الشيعة. وفي «صحيح البخاري» و «صحيح مسلم» و «مسند أحمد» و «موطّأ مالك» وغيرها من كتب السنّة.

لكنّ الأصل في القضية هو (عمر بن الخطاب) ومن قال بمقالته من الصحابة، ولذا حمل السيد الخوئي ما ورد من

__________________

(1) الإتقان في علوم القرآن 1: 226.

١٤٦

طرق الشيعة منه على التقية(1) .

ويشهد بذلك ما روي في كتب الفريقين عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه لمّا جلد شراحة الهمدانيّة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة قال: حددتها بكتاب الله ورجمتها بسنّة رسول الله عليه وآله»(2) . فلو كانعليه‌السلام يرى أن الرجم من القرآن كما رأى عمر لم يقل كذلك.

فالأمر من طرف الشيعة مفروغ منه، وأمّا مرويّات أهل السنّة:

1 - فقد أخرج البخاري عن عمر بن الخطّاب أنّه قال: «إنّ الله بعث محمداً بالحقّ، وأنزل عليه الكتاب، فكان ممّا أنزل الله آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، رجم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل:

والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلّوا بترك فريضة أنزلها الله.

ثم إنّا كنّا نقرأ - فيما نقرأ من كتاب الله -: أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم أن ترغبوا عن أبائكم، أو: إنّ كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم ...»(3) .

وأخرج أيضاً عنه قوله:

«إنّ الله بعث محمداً فالرجم في كتاب الله حق على من زنى

__________________

(1) مباني تكملة المنهاج 1: 196.

(2) عوالي اللآلي 2: 152، 3: 552 وهو في مسالك الأفهام، جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام 41: 30 وغيرها، ورواه أحمد والبخاري والنسائي والحاكم وغيرهم كما في مقدّمة آلاء الرحمن.

(3) صحيح البخاري 8: 208.

١٤٧

إذا احصن من الرجال والنساء إذا قامت عليه البيّنة»(1) .

وأخرجه مسلم بن الحجّاج أيضاً في صحيحة(2) ، وأحمد بن حنبل - إمام الحنابلة - في مسنده(3) .

وروى مالك بن أنس - إمام المالكية - عن سعيد بن المسيب - وهو من أكابر التابعين - عن عمر قوله: «إيّاكم أن تهلكوا عن آية الرجم أن يقول قائل: لا نجد حدّين في كتاب الله، فقد رجم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورجمنا. والّذي نفسي بيده: لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله لكتبتها (الشيخ والشيخة فارجموهما ألبتّة) فإنّا قد قرأناها»(4) .

ورواه أيضاً أحمد بن حنبل في مسنده(5) والحافظ جلال الدين السيوطي عن عبد الرزاق وأحمد وابن حبّان - وسيأتي نصّه -.

وقال الحافظ السيوطي أيضاً: «وقد أخرج ابن أشته في (المصاحف) عن الليث بن سعد، قال: أول من جمع القرآن أبو بكر وكتبه زيد وأنّ عمر أتى بأية الرجم فلم يكتبها لأنّه كان وحده»(6) .

هذا كلّه عن عمر، والمستفاد من الأحاديث أنّه كان يعلم بكون آية الرجم من القرآن، إلاّ أنّه لم يكتبها لكونه وحده، فلو شهد بها معه أحد

__________________

(1) صحيح البخاري 8: 208.

(2) صحيح مسلم 3: 1317.

(3) مسند أحمد 1: 40 و 55.

(4) الموطأ 2: 824 | 10.

(5) مسند أحمد 1: 36 و 43.

(6) الإتقان في علوم القرآن 1: 206.

١٤٨

من الصحابة لكتب، وبذلك صرّح الحدّثون، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: «فلم يلحقها بنصّ المصحف بشهادته وحده» ولو كانت منسوخة التلاوة لم يجز إلحاقها به حتى لو شهد معه كلّ الصحابة.

2 - وأخرج ابن حاجة عن عائشة، قالت: «نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشراً، ولقد كان في صحيفة تحت سريري، فلمّا مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها»(1) .

3 - وأورد الحافظ جلال الدين عن أبي عبيد بسنده عن أبي امامة بن سهل: «أنّ خالته قالت: قد أقرأنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله آية الرجم: الشيخ والشيخة فارجموهما البتّة بما قضيا من اللذّة»(2) .

4 - وروى الحافظ السيوطي أيضاً عن جماعة من المحدّثين الحفّاظ عن ابي ابن كعب: أنّه كان يعتقد بأنّ آية الرجم من القرآن حقيقة، وقد تقدّم نصّه في ما ذكر حول سورة الأحزاب.

نقتصر على هذه الأحاديث حول «آية الرجم» طلباً للإختصار، وقد لوحظ فيها أنّ جماعة من الصحابة كانوا يصرّحون بأنّهم قد قرأوا هذه الآية وعقلوها وحفظوها. وكان أشدّهم إصراراً على ذلك: عمر بن الخطّاب، هؤلاءهم:

1 - عمر بن الخطاب.

2 - اُبيّ بن كعب.

3 - عائشة بنت أبي بكر.

__________________

(1) السنن لابن ماجة 1: 625 | 1944.

(2) الإتقان في علوم القرآن 3: 82.

١٤٩

4 - خالة أبي أمامة بن سهل.

بل المفهوم من حديث عائشة: أنّ الآية كانت من القرآن حتى بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وسيأتي مزيد كلام في ذلك.

وقد نقلنا هذه الأحاديث عن:

1 - صحيح البخاري.

2 - صحيح مسلم.

3 - مسند أحمد.

4 - الموطّأ لمالك.

5 - السنن لابن ماجة.

6 - الإتقان في علوم القرآن للحافظ السيوطي.

حول آية «الرغبة»

وعن جماعة من الأصحاب أنّه كان من القرآن - وقد اسقط فيما اسقط - آية: «لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم» أو نحوه في اللّفظ، وقد سمّيناها بـ «آية الرغبة»:

1 - أخرج البخاري في (الصحيح) عن عمر بن الخطّاب في حديث تقدّم لفظه: «ثم إنّا كنّا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله: أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم أو: «إنّ كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم»(1) .

2 - وقال الحافظ السيوطي: أخرج ابن الضريس عن ابن

__________________

(1) صحيح البخاري 8: 208.

١٥٠

عباس، قال: كنا نقرأ «لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم» أو: «إنّ كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم»(1) .

3 - وقال الحافظ الجلال السيوطي أيضاً: «أخرج الطيالسي وأبو عبيد والطبراني، عن عمر بن الخطاب، قال: كنا نقرأ فيما نقرأ «لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم» ثم قال لزيد بن ثابت: أكذلك يا زيد؟ قال: نعم»(2) .

وقد علم من هذه الأحاديث أنّ جماعة من الصحابة وهم:

1 - عمر بن الخطاب.

2 - عبدالله بن عباس.

3 - زيد بن ثابت.

كانوا بعتقدون أنّ «أية الرغبة» من القرآن الكريم.

وقد نقلنا هذه الأحاديث عن:

1 - البخاري صاحب الصحيح.

2 - الحافظ السيوطي عن عدّة من الفّاظ وهم:

عبدالرزاق بن همام.

أحمد بن حنبل.

أبوالقاسم الطبراني.

أبو عبيد القاسم بن سلام.

أبو عبدالله بن الضريس.

أبو الوليد الطيالسي.

__________________

(1) الإتقان في علوم القرآن 2: 42.

(2) الإتقان في علوم القرآن 3: 83.

١٥١

إبن حبّان صاحب الصحيح.

حول آية «لو كان لابن آدم واديان»

1 - أخرج مسلم بن الحجّاج في (الصحيح) عن أبي الأسود، عن أبيه، قال:

«بعث أبو موسى الأشعري إلى قرّاء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن، فقال: أنتم خيار أهل البصرة وقرّاؤهم، فاتلوه ولا يطولنّ عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم، وإنّا كنّا نقرأ سورة كنا نشبّهها في الطول والشدة بـ «براءة» فانسيتها، غير أنّي حفظت منها: «لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب»(1) .

2 - وقال الحافظ جلال الدين السيوطي: «أخرج أبو عبيد وأحمد، والطبراني في «الأوسط»، والبيهقي في «شعب الإيمان»، عن أبي واقد الليثي، فقال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا اوحي إليه أتيناه فعلّمنا ممّا اوحي إليه، قال: فجئت ذات يوم، فقال: إنّ الله يقول: «إنّا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولو كان لابن آدم وادياً من ذهب لأحبّ أن يكون إليه الثاني، ولو كان الثاني لأحبّ أن يكون إليهما الثالث، ولا يملأ جوف إبن آدم إلاّ التراب، ويتوب الله على من تاب»(2) .

3 - وقال الحافظ السيوطي أيضأ: «أخرج أبو عبيد وأحمد

__________________

(1) صحيح مسلم 2: 726 | 1050.

(2) الدر المنثور، الإتقان 30: 83.

١٥٢

وأبو يعلى والطبراني، عن زيد بن أرقم، قال: كنّا نقرأ على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لو كان لابن آدم واديان من ذهب وفضّة لابتغى الثالث، ولا يملأ بطن ابن آدم إلاّ التراب، ويتوب الله على من تاب»(1) .

4 - وقال الحافظ السيوطي: «أخرج أبو عبيد، عن جابر بن عبدالله،

قال: كنا نقرأ «لو أنّ لابن آدم ملء واد مالاً لأحبّ إليه إليه مثله، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ويتوب الله على من تاب»(2) .

5 - وقال الحافظ المذكور أيضاً: «أخرج البزار وابن الضريس، عن بريدة، قال: سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقرأ: «لو أنّ لابن آدم ...»(3) .

6 - وقال أيضاً: «أخرج ابن الأنباري، عن أبي ذر، قال: في قراءة ابيّ بن كعب: «ابن آدم لو اعطي وادياً ...»(4) .

وقال أيضاً: «أخرج أحمد والترمذي والحاكم - وصحّحه - عن اُبيّ بن كعب: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: إنّ الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن، فقرأ:( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب ) فقرأ فيها: «ولو أنّ ابن آدم سأل وادياً من مال ...»(5) .

وروى هذا الحديث أيضاً إبن الأثير عن الترمذي(6) .

__________________

(1) الدر المنثور أورده باسناده عن ابن عباس 6: 378.

(2) المصدر نفسه.

(3) الدر المنثور 6: 378.

(4) المصدر نفسه.

(5) الدر المنثور 6: 378.

(6) جامع الاصول 2: 500 | 972.

١٥٣

7 - وقال الراغب الأصبهاني في (محاضرات الأبرار) واثبت ابن مسعود في مصحفه: «لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى معهما ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ويتوب الله على من تاب».

نكتفي بهذه الأحاديث حول هذه الآية، وصريح الحديث الأول المخرّج في (الصحيح): أنّ أبا موسى كان يحفظ سورة من القرآن الكريم بكاملها فنسيها ما

خلا الآية المذكورة.

وقد علمنا من هذا الأحاديث أنّ الصحابة التالية أسماؤهم يعتقدون بكون الآية من القرآن الكريم، حتى أنّ ابن مسعود أثبتها في مصحفه، وكان اُبيّ بن كعب يقرؤها، وقد ذكر أبو واقد أنّ النبي قد علّمه الآية هذه، وهؤلاء الصحابة هم:

1 - أبو موسى الأشعري.

2 - أبو واقد الليثي.

3 - زيد بن أرقم.

4 - جابر بن عبدالله.

5 - بريدة بن الحصيب.

6 - ابيّ بن كعب.

7 - عبدالله بن مسعود.

وقد نقلنا هذه الأحاديث عن:

1 - مسلم بن الحجّاج صاحب الصحيح.

2 - إبن الأثير صاحب جامع الاصول.

3 - الراغب الأصبهاني صاحب المحاضرات.

4 - الحافظ السيوطي عن جماعة من كبار الحفّاظ ومنهم: -

أ - الحاكم أبو عبدالله النيسابوري صاحب المستدرك.

١٥٤

ب - أبو يعلى أحمد بن علي الموصلي صاحب المسند.

ج - أحمد بن حنبل صاحب المسند وأحد الأئمة الأربعة.

د - أبو القاسم الطبراني صاحب المعاجم الثلاثة.

هـ - أبوبكر البيهقي صاحب السّنن الكبرى.

و - أبوبكر البزار صاحب المسند.

ز - أبو عيسى الترمذي صاحب السنن أحد الصحاح الستّة.

حول «آية الجهاد»

روى الحافظ جلال الدين السيوطي عن السور بن مخرمة ما نصّة:

«قال عمر لعبد الرحمن بن عوف: ألم تجد فيما أنزل علينا: «أن جاهدوا كما جاهدتم أول مرة» فأنا لا أجدها؟

قال: اسقطت فيما اسقط من القرآن»(1) .

في هذا الحديث: أنّ اثنين من كبار الصحابة وهما:

1 - عمر بن الخطاب.

2 - عبد الرحمن بن عوف.

كانا يعتقدان: أنّ الآية كانت ممّا انزل من قبل الله تعالى من القرآن الكريم.

ثم إنّ معنى قوله: «اسقطت ...» أنّهما كانا يعتقدان بكونها من القرآن بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً.

__________________

(1) الاتقان 3: 84.

١٥٥

حول آية «المتعة»

وهي قوله تعالى:( فما استمتعم به منهنّ فآتوهنّ اُجورهنّ ) (1) ، فقد ورد في أحاديث القوم عن بعض الصحابة أنّه كان يقرأ «فما استمتعتم به منهنّ (إلى أجل) ...» وأنّ بعضهم كتبها كذلك في مصحفه، وعن ابن عباس قوله: «والله لأنزلها كذلك» وقد صحّح الحاكم هذا الحديث عنه في «المستدرك» من طرقٍ عديدة(2) .

وفي التفسير الكبير: أنّ ابيّ بن كعب وابن عباس قرءا كذلك، والصحابة ما أنكروا عليها(3) .

وقال الزمخشري: «وعن ابن عباس: هي محكمة - يعني لم تنسخ - وكان يقرأ: فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى، ويروى: أنّه رجع عن ذلك عند موته، وقال: اللّهم إني أتوب إليك من قولي بالمتعة، وقولي في الصرف»(4) .

وقال الحافظ ابن حجر في تخريجه: «أمّا رجوعه عن المتعة فرواه الترمذي بسند ضعيف عنه، وأمّا قوله: اللّهمّ إني أتوب إليك من قولي بالمتعة فلم أجده».

وإذا ما لوحظ إلى ذلك ثبوت مشروعية المتعة وعمل المسلمين بها حتى زمن عمر بن الخطاب، حيث نهى عنها وأوعد بالعقاب عليها،

__________________

(1) سورة النساء 4: 2، انظر الدّر المنثور 2: 139 وما بعدها.

(2) المستدرك على الصحيحين 2: 35.

(3) التفسير الكبير 10: 51.

(4) الكشاف 1: 519.

١٥٦

حصل القطع بنزول الآية كذلك كما تفيد الأحاديث المذكورة، وأنّ كلمة «إلى أجل» وقع بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

حول آية «الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »

روى الحافظ جلال الدين السيوطي عن حميدة بنت أبي يونس، قالت: «قرأ عليّ أبي - وهو ابن ثمانين سنة - في مصحف عائشة «إنّ الله وملائكته يصلّون على النبي يا أيّها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً - وعلى الذين يصلّون الصفوف الأول -.

قالت: قبل أن يغيّر عثمان المصاحف»(1) .

يفيد الحديث: أنّ هذه الزيادة كانت مثبتة في مصحف عائشة، ولا شك أنّها قد سمعت الآية كذلك من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكتبتها في مصحفها كما سمعت، وبقي المصحف إلى زمن عثمان بن عفان يتلوه النّاس ويتداولونه، حتى قام عثمان فغيّر المصاحف وأسقط من الآية هذه الزيادة.

هذا ما يفيده الحديث، وهو يدّل على أنّ عائشة والّذين كانوا يقرأون مصحفها - ومنهم أبو يونس الذي قرأ الآية على ابنته وهو ابن ثمانين سنين كما حدّثتنا هي - كانوا يعتقدون أنّ الزيادة تلك من القرآن الكريم على حقيقته.

حول آية «الشهادة»

أخرج مسلم بن الحجاج في «الصحيح» عن أبي موسى

__________________

(1) الإتقان في علوم القرآن 3: 82.

١٥٧

الأشعري أنّه قال - في الحديث المتقدّم، فيما ذكرناه حول سورة كانوا يشبّهونها بإحدى المسبّحات -: «وكنّا نقرأ سورة كنا تشبّهها بإحدى المسبّحات فنسيتها غير أنّي حفظت منها:

يا أيّها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون - فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة -»(1) .

وهذا حديث صحيح لإخراج مسلم إيّاه في (صحيحه)، هو يفيد أنّ أبا موسى الأشعري كان يحفظ سورة طويلة، وكان يقرؤها، غير أنّه لم يحفظ منها غير الآية، وفيها زيادة: «فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة» وهي غير موجود في المصحف الموجود.

حول آية «ولاية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله »

1 - قال الحافظ جلال الدين السيوطي: «أخرج الفريابي والحاكم وابن مردويه، والبيهقي في سننه، عن ابن عباس، أنّه كان يقرأ هذه الآية: «النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم - وهو أب لهم - وأزواجه أمّهاتهم»(2) .

2 - وقال الحافظ السيوطي أيضاً: «أخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وإسحاق بن راهويه، وابن المنذر، والبيهقي، عن مجالد، قال: مرّ عمر ابن الخطاب بغلام وهو يقرأ في المصحف: «النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه امّهاتهم - وهو أب لهم -».

فقال: يا غلام حكّها.

__________________

(1) صحيح مسلم 2: 726.

(2) الدر المنثور 5: 183.

١٥٨

فقال: هذا مصحف ابيّ بن كعب.

فذهب إليه فسأله فقال: إنّه كان يلهيني القرآن، ويلهيك الصفق بالأسواق»(1) .

فزيادة «وهو أب لهم» - بحسب هذين الحديثين - كانت من القرآن الكريم في رأي صحابيّين كبيرين هما:

1 - عبد الله بن العباس.

2 - اُبيّ بن كعب.

حتى أنّ عمر لمّا اعترض على ابيّ أجابه بقوله «إنّه كان يلهيني القرآن ويلهيك الصفق بالأسواق».

ويفيد الحديث أنّ مصحف ابيّ بن كعب كان متلواً بين الناس معتقدين صحته ومعتمدين عليه، حتى أنّ عمر لما قال للغلام: «حكّها» قال له: «هذا مصحف ابيّ بن كعب».

وقد روى الحافظ السيوطي ذلك عن جماعة من أعيان الحفّاظ وهم:

1 - عبد الرزّاق بن همام الصنعاني.

2 - سعيد بن منصور. صاحب السنن.

3 - إسحاق بن راهويه. شيخ البخاري ومسلم وغيرهما.

4 - الحاكم النيسابوري، صاحب المستدرك.

5 - الفريابي شيخ أحمد والبخاري وغيرهما.

6 - أبو بكر ابن مردويه الأصبهاني.

7 - أبوبكر البيهقي صاحب السنن الكبرى.

__________________

(1) الدرّ المنثور 5: 183.

١٥٩

8 - أبوبكر ابن المنذر الإمام المجتهد.

حول آية «الحميّة»

روى الحافظ جلال الدين السيوطي عن النسائي الحاكم قال: وصحّحة - من طريق ابن أبي إدريس «عن ابيّ بن كعب أنّه كان يقرأ: «إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحميّة حميّة الجاهلية - ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام - فأنزل الله سكينته على رسوله» فبلغ ذلك عمر، فاشتدّ عليه، فدعا ناساً من أصحابه - فيهم زيد بن ثابت - فقال:

من يقرأ منكم سورة الفتح؟

فقرأ زيد على قراءتنا اليوم.

فغلّظ له عمر، فقال: إني أتكلّم؟

فقال: تكلّم.

قال: لقد علمت أني كنت أدخل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ويقرؤني وأنت بالباب، فإن أن اقرىء الناس على ما أقرأني أقرأت وإلاّ لم أقرأ حرفاً ما حييت.

قال: بل أقرئ الناس»(1) .

وفي هذا الحديث: أنّ عمر بن الخطاب عندما بلغته قراءة ابيّ اشتدّ عليه ثم أغلظ له أمام ناس من الصحابة، ولكن أبيّاً خصمه بما قال: ومعنى ذلك: أنّ تلك الزيادة قد تعلّمها من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو عندما كان يقرى الناس كان يعتقد بأنّه

__________________

(1) الدر المنثور 6: 79.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368