التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف15%

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف مؤلف:
الناشر: دار القرآن الكريم
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 368

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف
  • البداية
  • السابق
  • 368 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 184851 / تحميل: 6447
الحجم الحجم الحجم
التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

مؤلف:
الناشر: دار القرآن الكريم
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

تقضي بنفي بنوة الحسنينعليهما‌السلام للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فراجع كلامهعليه‌السلام في ذلك(1) .

هذا ولهمعليهم‌السلام احتجاجات أخرى بآية المباهلة على خلافة أمير المؤمنين ، وعلى أفضليتهعليه‌السلام ، وغير ذلك ، لا مجال لذكرها هنا(2) .

مفارقة :

وبعد أن اتضح : أن السياسة الأموية كانت تقضي أن يستبعد اسم عليعليه‌السلام من جملة من باهل بهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم نفي بنوة الحسنينعليهما‌السلام لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فإننا نجدهم يصرون على خؤولة معاوية للمؤمنين ، ويجعلون ذلك ذريعة للإنكار على من ذكر معاوية بسوء ، ولكنهم إذا ذكر محمد بن أبي بكر بسوء رضوا أو أمسكوا ومالوا مع ذاكره ، وخؤولته ظاهرة بائنة وقد نفرت قلوبهم من علي بن أبي طالب لأنه حارب معاوية وقاتله ، وسكنت قلوبهم عند قتل عمار ومحمد بن أبي بكر ، وله حرمة الخؤولة ، وهو أفضل من معاوية ، وأبوه خير من أبي معاوية ، وما ذلك إلا خديعة أو جهالة ، وإلا فلماذا لا يستنكرون قتل محمد بن أبي بكر ولا يذكرون خؤولته للمؤمنين؟(3) .

من مواقف الإمام الحسنعليه‌السلام :

نعم ولم يقتصر الائمة في تصديهم للمغرضين والحاقدين ، والوقوف في وجه سياساتهم تلك بحزم وصلابة ـ على مواقف الحجاج هذه ، بل تعدَّوا ذلك

__________________

1 ـ راجع ـ تفسير القمي ج 1 ص 209.

2 ـ لا بأس بمراجعة البحار ج 49 ص 188 وتفسير الميزان ج 2 ص 230 و 329 وتفسير البرهان ج 1 ص 286 و 287 وغير ذلك.

3 ـ مقتبس من كتاب : المعيار والموازنة ص 21.

٤١

إلى المناسبات الأخرى ، واستمروا يعلنون بهذا الأمر على الملأ ، ويؤكدون عليه في كثير من المناسبات والمواقف الحساسة ، وكشفوا زيف تلك الدعاوى بشكل لا يدع مجالاً لأي شك أو ريب

وقد صدع الإمام الحسنعليه‌السلام بهذا الأمر في أكثر من مناسبة ، وأكثر من موقف

ولم يكن يكتفي بإظهار وإثبات بنوَّته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وحسب وإنما كان يهتم في التأكيد على أن حق الإمامة والخلافة له وحده ، ولا تصل النوبة إلى معاوية وأضرابه ، لان معاوية ليس فقط يفقد المواصفات الضرورية لهذا الامر ، وإنما هو يتصف بالصفات التي تنافيها وتنقضها بصورة أساسية وكمثالٍ على كل ذلك نذكر :

1 ـ أنهعليه‌السلام يخطب فور وفاة أبيه أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فيقول : « أيها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني ، فأنا الحسن بن علي ، وأنا ابن النبي ، وأنا ابن الوصي »(1) .

لاحظ كلمة : « الوصي » في هذه العبارة الأخيرة.

وفي نصٍ آخر أنه قال : « فأنا الحسن بن محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(2) .

وقال حينئذٍ أيضاً : « أنا ابن البشير النذير ، أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه ، انا ابن السراج المنير ، انا ابن من اذهب الله عنهم الرجس ، وطهرهم تطهيراً ، انا من اهل بيت افترض الله طاعتهم في كتابه »

__________________

1 ـ مستدرك الحاكم ج3 ص 172 وذخائر العقبى ص 138 عن الدولابي ، وكشف الغمة للأربلي ج 2 ص 173 عن الجنابذي على ما يظهر.

2 ـ مقاتل الطالبيين ص 52 وتفسير فرات ص 72 و70 وفي مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 126 : انا ابن نبي الله الخ وحياة الصحابة ج 3 ص 526 ومجمع الزوائد ج 9 146 وقال ك ورواه احمد باختصار كثير ، وإسناد احمد وبعض طرق البزار والطبراني في الكبير حسان. وتيسير المطالب ص 179. وعن أمالي الطوسي ص 169 وعن إرشاد المفيد وعن طبقات ابن سعد ج 2 ص 25 ، وعن جمهرة الخطب ج 2 ص 7.

٤٢

الخ(1) ثم قام ابن عباس ، فقال : « هذا ابن بنت نبيكم ، ووثي إمامكم فبايعوه »(2) .

2 ـ وفي مناسبة اخرى في الشام ، طلب منه معاوية ـ بمشورة عمرو بن العاص ـ ان يصعد المنبر ، ويخطب ـ رجاء أن يحصر ـ فصعد المنبر ، فحمد الله ، واثنى عليه ، ثم اورد خطبة هامة ، تضمنت ما تقدم ، وسواه الشيء الكثير ، قال الراوي : « ولم يزل به حتى أظلمت الدنيا على معاوية ، وعرف الحسن من لم يكن عرفه من أهل الشام وغيرهم ، ثم نزل. فقال له معاوية : أما إنك يا حسن قد كنت ترجو ان تكون خليفة ، ولست هناك!

فقال الحسنعليه‌السلام : اما الخليفة فمن سار بسيرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعمل بطاعة الله عز وجل. وليس الخليفة من سار بالجور، وعطل السنن ، واتخذ الدنيا أماً وأباً ، وعباد الله خولاً ، وماله دولاً ، ولكن ذلك أمر ملك أصاب ملكاً ، فتمتع منه قليلاً ، كَأَنْ قد انقطع عنه » إلى آخر كلامه عليه

__________________

1 ـ راجع : الفصول المهمة للمالكي ص 146 وتفسير فرات ص 70 و 72 وكشف الغمة للأربلي ج 2 ص 159 وينابيع المودة ص 225 و 302 و 270 و 479 و 482 عن أبي سعد في شرف النبوة ، والطبراني في الكبير ، والبزار ، والزرندي المدني ، وغيرهم ، وارشاد المفيد ص 207 وفرائد السمطين ج 2 ص 120 ومستدرك الحكام ج 3 ص 172 ومجمع الزوائد ج 9 ص 46 وحياة الصحابة ج 3 ص 526 وذخائر العقبى ص 138 و 140 وعن الدولابي في الذرية الطاهرة ، ونزهة المجالس ج 2 ص 186 ، والمحاسن والمساوي ج ا ص 132 / 133 والمناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 11 و 12 والاحتجاج ج 1 ص 419 والبحار ج 44 وامالي الشيخ الطوسي ج 1 ص 12 واعلام الورى ص 208 وشرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 30.

2 ـ ستأتي المصادر لذلك إن شاء الله تعالى

3 ـ البحار ج 43 ص 363.

٤٣

السلام(1) .

ونفس هذه القضية تذكر له مع معاوية ، حينما جرى الصلح بينهما في الكوفة(2) .

وهذا يؤيد ما ذكره البعض : من أن معاوية قد دس السم الى الإمام الحسنعليه‌السلام ، لأنه كان يقدم عليه الى الشام(3) .

3 ـ وفي نص آخر : أن معاوية طلب من الإمام الحسنعليه‌السلام : ان يصعد على المنبر ، ويخطب فصعد المنبر وخطب ، وصار يقول : أنا ابن ، أنا ابن إلى أن قال : « لو طلبتم ابناً لنبيكم ما بين لابتيها لم تجدوا غيري وغير أخي »(4) . ومن أراد الرواية بطولها فليراجع المصادر.

4 ـ وفي نص آخر : أن معاوية طلب منه : ان يصعد المنبر وينتسب ، فصعد ، وصار يقول : بلدتي مكة ومنى ، وانا ابن المروة والصفا ، وانا ابن النبي المصطفى الى ان قال : فاذن المؤذن ، فقال : اشهد ان محمداً رسول الله ، فالتفت الى معاوية ، فقال : أمحمد أبي؟ أم أبوك؟! فإن قلت : ليس بأبي ، كفرت ، وإن قلت : نعم ، فقد أقررت ثم قال : أصبحت العجم تعرف حق العرب بأنَّ محمداً منها ، يطلبون حقنا ، ولا يردون إلينا حقنا »(5) .

__________________

1 ـ الاحتجاج ج 1 ص 419 والخرائج والجرائح ص 218 والكلام الاخير موجود أيضاً في مصادر أخرى فراجع الهامش التالي.

2 ـ ذخائر العقبى ص 140 عن أبي سعد ، وراجع : مقتل الحسين للخوارزمي ج 1ص 126 لكن فيه : أن ذلك كان بالمدينة ، والبحار ج 44 ص 122 والمحاسن والمساوي ج 1 ص 133 وليراجع شرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 49 ومقاتل الطالبيين ص 73 والإمام الحسن لآل يس ص 110 ـ 114 وتحف العقول ص 164.

3 ـ الغدير ج 11 ص 8 عن طبقات ابن سعد.

4 ـ المناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 12 عن العقد الفريد والمدائني. وليراجع : مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 126 والبحار ج 43 ص 355 / 356 وعيون الاخبار لابن قتيبة ج 2 ص 172.

5 ـ المناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 12 والبحار ج 43 ص 356 وليراجع ج 44 ص 121 و122 وعن تحف العقول ص 232 والخرايج والجرايح ص 217 / 218.

٤٤

5 ـ وفي مناسبة أخرى ، طلب منه معاوية أن يخطب ويعظهم ، فخطب وصار يقول : أنا ابن رسول الله ، أنا ابن صاحب الفضايل ، أنا ابن صاحب المعجزات والدلايل ، أنا ابن أمير المؤمنين ، أنا المدفوع عن حقي إلى أن قال : أنا إمام خلق الله ، وابن محمد رسول الله ، فخشي معاوية أن يتكلم بما يفتن به الناس ، فقال : إنزل ، فقد كفى ما جرى ، فنزل »(1) .

6 ـ بل لقد رأينا معاوية يعترف له بهذا الأمر ، فيقول له مرة في كلام له : « ولا سيما أنت يا أبا محمد ، فإنك ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسيد شباب أهل الجنة »(2) .

ويدخل في هذا المجال أيضاً قول الإمام الحسنعليه‌السلام لأبي بكر ، وقول الإمام الحسينعليه‌السلام لعمر : انزل عن منبر أبي ، حسبما سيأتي ، إن كان المقصود بأبي : هو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما يظهر من اعترافهما لهما. وإن كان المقصود به أباهما أمير المؤمنين ـ كما احتمله بعض المحققين ـ(3) فيدخل في مجال احتجاجاتهماعليهما‌السلام على أحقيتهم بالأمر ، دون كل أحد سواهم ويكونان قد انتزعا منهما اعترافاً صريحاً وهاماً في هذا المجال.

مواقف أخرى للأئمة وذريتهم الطاهرة :

وبعد ذلك ، فإنا نجد الإمام الحسينعليه‌السلام يخطب الناس ، ويقول : « أقررتم بالطاعة ، وآمنتم بالرسول محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم إنكم زحفتم إلى ذريته وعترته ، تريدون قتلهم إلى أن قال : ألست أنا ابن بنت

__________________

1 ـ أمالي الصدوق ص 158.

2 ـ المحاسن والمساوي ج 1 ص 122.

3 ـ هو المحقق البحاثة السيد مهدي الروحاني حفظه الله

٤٥

نبيكم ، وابن وصيه ، وابن عمه »(1) .

ويقول في موضع آخر ،حينما اشتد به الحال : « ونحن عترة نبيك ، وولد نبيك ، محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذي اصطفيته بالرسالة الخ »(2) .

ويقول في وصف جيش يزيد ، في يوم عاشوراء : « فإنما أنتم طواغيت إلى أن قال : وقتلة أولاد الأنبياء ، ومبيري عترة الأوصياء »(3)

وقد اعترفوا له بذلك حينما ناشدهم ، فقال : انشدكم الله ، هل تعرفوني؟. : نعم ، أنت ابن رسول الله وسبطه »(4) .

وللإمام السجاد موقف هام في الشام ، حينما ألقى خطبته الرائعة ، فقال : « أيها الناس ، انا ابن مكة ومنى ، انا ابن زمزم والصفا ، أنا ابن من حمل الركن بأطراف الردا إلى أن قال : أنا ابن من حُمِلَ على البراق ، وبلغ به جبرائيل سدرة المنتهى » إلى آخر الخطبة التي كان من نتيجتها : أن « ضجَّ الناس بالبكاء ، وخشي يزيد الفتنة ، فأمر المؤذن أن يؤذن للصلاة » ولكنهعليه‌السلام قد تابع خطبته ، واحتجاجاته الدامغة على يزيد ، وتفرق الناس ، ولم ينتظم لهم صلاة في ذلك اليوم(5) .

وبعد ذلك فإننا نجد العقيلة زينب تقف في وجه يزيد لتقول له : « أمن العدل يا ابن الطلقاء ، تخديرك حرائرك وإماءك ، وسوقك بنات رسول الله سبايا؟ »

وفيها : « واستأصلت الشأفة ، بإراقتك دماء ذرية رسول الله صلى الله عليه

__________________

1 ـ مقتل الحسين للمقرم ص 274 عن مقتل محمد بن أبي طالب الحايري.

2 ـ المصدر السابق عن الإقبال ، ومصباح المتهجد ، وعنهما في مزار البحار ص 107 باب زيارته يوم ولادته.

3 ـ مقتل الحسين للخوارزمي ج 2 ص 7 وراجع : مقتل الحسين للمقرم ص 282 للاطلاع على مصادر أخرى.

4 ـ أمالي الصدوق ص 140.

5 ـ راجع مقتل الحسين للخوارزمي ج 2 ص 69 / 70 ومقتل الحسين للمقرم ص 442 /443 عنه ، وعن نفس المهموم ص 242.

٤٦

وآله وسلم » ، إلى أن قالت : « ولتردنَّ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما تحملت من سفك دماء ذريته ، وانتهكت من حرمته ولحمته »(1) .

وفي خطبة لها لأهل الكوفة : « الحمد لله ، والصلاة على أبي محمد وآله الطيبين الأخيار ». وفي نص آخر : « والصلاة عن أبي رسول الله »(2) .

وتقول فاطمة بنت الحسين في خطبة لها في الكوفة أيضاً : « وأنَّ محمداً عبده ورسوله ، وأنَّ اولاده ذبحوا بشط الفرات »(3) .

على خطى النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله :

وبعد بإنَّ ذلك لم يكن منهمعليهم‌السلام إلا أسوة منهم بالنبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذيكان ينظر إلى الغيب من ستر رقيق ، وقد ورد عنه الثير مما يدل على إصراره صلى عليه وآله على تركيز فضية بنوة الحسنينعليهما‌السلام لهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ضمير الأمة ووجدانها ، بشكل لا يبقى معه أي مجال للشبهة ، أو الشك والترديد وكنموذج على ذلك نشير إلى :

1 ـ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : هذان ابناي من أحبهما فقد أحبني(4) . وفي نص آخر : هذان ابناي ، وابنا ابنتي ، اللهم إني أحبهما ، وأحب

__________________

1 ـ بلاغات النساء ط دار النهضة ص 35 و 36 ومقتل الحسين للخوارزمي ج 2 ص 64 و 65 ومتل الحسين للمقرم ص 450 / 451.

2 ـ راجع : الأمالي للشيخ الطوسي ج 1 ص 90 ومقتل الحسين للمقرم ص 385 عنه وعن أمالي ابنه ، وعن اللهوف ، وابن نما ، وابن شهر آشوب ، والاحتجاج للطبرسي.

3 ـ مقتل الحسين للمقرم ص 390.

4 ـ ذخائر العقبى ص 124 ، وصفة الصفوة ج 1 ص 763 ، وتاريخ ابن عساكر ج 4 ص 206 وكنز العمال ط 2 ج 6 ص 221 والغدير ج 7 ص 124 عن مستدرك الحكام ج 3 ص 166 ونقل عن الترمذي ، رقم 3772.

٤٧

من يحبهما(1) .

وفي رواية أخرى عن عائشة : أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأخذ حسناً ، فيضمه إليه ، ثم يقول : اللهم إن هذا ابني ، وأنا أحبه ، فأحببه ، وأحب من يحبه(2) .

2 ـ كما أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمجرد ولادة أحدهما يقول لأسماء : هلمي ابني ، كما تقدم.

3 ـ وقول : إن ابني هذا سيد(3) .

4 ـ كما أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجلس في المسجد ، ويقول : أدعوا لي ابني ، قال : فأتى الحسن يشتد إلى أن قال : وجعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفتح فمه في فمه ، ويقول : اللهم إني أحبه ، فأحبَّه ، وأحبَّ من يحبه ، ثلاث مرات(4) .

5 ـ وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنه قال : كل ابن آدم ينتسبون إلى عصبة أبيهم ، إلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم ، وأنا عصبتهم(5) .

__________________

1 ـ ينابيع المودة ص 165 عن الترمذي ، وتاريخ الخلفاء ص 189 والمعجم الصغير للطبراني ج 1 ص 200 وخصائص الإمام علي للنسائي ص 124 ومجمع الزوائد ج 9 ص 180 وراجع : مستدرك الحاكم ج 3 ص 166 و 171 وذخائر العقبى ص 124 وفي هامش الخصائص للنسائي عن كفاية الطالب ص 200 وكنز العمال ج 6 ص 220 وعن الترمذي ج 2 ص 240 وغيرهم.

2 ـ كنز العمال ج 16 ص 262 ط 2 ومجمع الزوائد ج 9 ص 176 ، وترجمة الإمام الحسن بن علي عليهما لابن عساكر ، بتحقيق المحمودي ص 56 ، وفي هامشه عن المعجم الكبير للطبراني ج 1 ص 20 ط 1.

3 ـ مصادر ذلك كثيرة ، لايكاد يخلو منها كتاب ، ولذا فلا حاجة لتعدادها

4 ـ ذخائر العقبى ص 122 عن الحافظ السلفي

5 ـ الصواعق المحرقة ص 154 ومستدرك الحاكم ج 3 ص 164 ، وتاريخ بغداد ج 11 ص 285 ، وينابيع المودة ص 261 وفرائد السمطين ج 2 ص 69 ، ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 68 وإحقاق الحق ج 9 ص 644 ـ 655 عن مصادر كثيرة حداً وذخائر العقبى ص 121 وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج 3 ص 149 ، وعن كنز

٤٨

وحسبنا ما ذكرناه في هذا المجال ، فإن استقصاء ذلك مع مصادرة متعسر ، بل متعذر في هذه العجالة ، لا سيما وأن علينا أن نوفر الفرصة لبحوث أخرى عن الحياة السياسية للإمام الحسن المجتبى عليه الصلاة والسلام. ومن أراد المزيد من النصوص الداله على بنوة الحسنينعليهما‌السلام فليراجع الغدير ج 7 ص 124 ـ 129(1) .

ج : شهادة الحسنين على كتابٍ لثقيف :

وبعد كل ما تقدم فإننا نجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يكتب كتاباً لثقيف ، ويثبت فيه شهادة علي والحسنين صلوات الله وسلامه عليهم.

قال أبو عبيد : « وفي هذا الحديث من الفقه إثباته شهادة الحسن والحسين. وقد كان يروى مثل هذا عن بعض التابعين أن شهادة الصبيان تكتب ويستنسبون : فيستحسن ذلك. فهو الأن في سنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(2) .

وقال الكتاني : « فيه من الفقه إثباتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شهادة الصبيان ، وكتابة أسماهم قبل البلوغ. وإنما تقبل شهادتهم إذا أدوها بعد البلوغ. وفيها أيضاً شهادة الإبن أيضاً مع شهادة أبيه في عقد واحد 1 هـ نقله في نور النبراس » انتهى(3) .

__________________

= العمال ج 6 ص 216 و 215 وعن مجمع الزوائد ج 9 / 172.

1 ـ وليراجع أيضاً ـ على ما ذكره المحقق العلامة الاحمدي ـ : ينابيع المودة ص 259 و138 و 146 و 214 و 183 و 182 و 255 و 136 و 221 و 258 و 222 و 331 و 250 وإسعاف الراغبين ص 132 و 133 وكفاية الطالب ص 235 و 237 والفصول المهمة لابن الصباغ ص 158 و 159 وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص 126 وابن عساكر ج 4 ص 152 و 203 و 204.

2 ـ الاموال ص 289 /280 وراجع : التراتيب الإدارية ج 1 ص 274 ومكاتيب الرسول ج 1 ص 273 وراجع : طبقات ابن سعد ج 1 ص 33.

3 ـ التراتيب الإدارية ج 1 ص 274.

٤٩

وقال محمد خليل هراس في تعليقه له على الأموال : « ولا يجوز القول بأن تلك خصوصية لهما رضي الله عنهما : إذ لا دليل عليها ومادام الطفل مميزاً يجب أن تعتبر شهادته فإنه قد يحتاج إليها »(1) .

ونقول : ألم يجد النبي أحداً من الصحابة يستشهده على ذلك الكتاب الخطير الذي يرتبط بمصير جماعة كثيرة سوى هذين الصبيين؟! وهل كان وحيداً فريداً حينما جاءه وفد ثقيف ، وكتب لهم ذلك الكتاب حتى احتاج إلى استشهاد ولدين صغيرين لم يبلغا الخمس سنوات؟!

إن أدنى مراجعة للنصوص التاريخية لتبعد كل البعد هذا الاحتمال الأخير ، حيث إنها صريحة في أن رسول الله صلى عليه وآله وسلم قد ضرب لهم قبة في المسجد ليسمعوا القرآن ، ويروا الناس إذا صلوا وكان خالد بن سعيد بن العاص حاضراً وكان خالد بن الوليد هو الكاتب ، ومع ذلك لم يشهدا على الكتاب

أخيراً فقد نص ابن رشد على أن العدالة تشترط في الشاهد بإجماع المسلمين. ثم قال : « وأما البلوغ فإنهم اتفقوا على أنه يشترط حيث تشترط العدالة. واختلفوا في شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الجراح وفي القتل : فردها جمهور فقهاء الأمصار لما قلناه من وقوع الإجماع على أن من شرط الشهادة العدالة ، ومن شرط العدالة البلوغ : ولذلك ليست في الحقيقة شهادة عند مالك ، وإنما هي قرينة حال »(2) .

وبعد كل ما تقدم فإننا نفهم أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أراد أن يظهر امتيازاً للحسنينعليهما‌السلام ، وأنهما كانا على درجة عالية من التمييز والتعقل التام في هذا الوقت المبكر جداً من سنهما ، وأنهما مؤهلان لأن يتحملا مسؤوليات جسام حتى في المعاهدات السياسية الخطيرة كهذه المعاهدة بالذات ، وبالأخص بالنسبة لقبيلة ثقيف المعروفة بعدائها القوي للإسلام وللمسلمين.

__________________

1 ـ الأموال هامش ص 280.

2 ـ بداية المجتهد ج 2 ص 457.

٥٠

د : بيعة الرضوان :

1 ـ قال الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه ، عن الحسنين عليهما الصلاة والسلام : « وكان من برهان كمالهماعليهما‌السلام ، وحجة اختصاص الله تعالى لهما ، بعد الذي ذكرناه من مباهلة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بهما ، بيعة رسول الله لهما ، ولم يبايع صبياً في ظاهر الحال غيرهما ، ونزول القرآن بإيجاب ثواب الجنة لهما على عملهما ، مع ظاهر الطفولية فيهما ، ولم ينزل بذلك في مثلهما ، قال الله تعالى :( وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلَى حْبِّهِ مِسكيناً ، وَيَتِيماً وَأَسيراً ) (1) .

2 ـ وقال الخليفة المأمون العباسي ، في ضمن احتجاجاته على أهل بيته فيما يتعلق بالإمام الجوادعليه‌السلام :

« ويحكم ، إن أهل هذا البيت خصوا من الخلق بما ترون من الفضل. وإن صغر السن لا يمنعهم من الكمال. أما علمتم : أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وهو ابن عشر سنين ، وقبل منه الإسلام ، وحكم له به ، ولم يدعُ أحداً في سنه غيره؟ وبايع الحسن والحسينعليهما‌السلام وهما دون الست سنين ، ولم يبايع صبياً غيرهما؟ أو لا تعلمون الآن ما اختص الله به هؤلاء القوم ، وأنهم ذرية بعضهما من بعض ، يجري لآخرهم ما يجري لأولهم الخ »(2) .

وروي عن الصادق أيضاً : أنه « لم يبايع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من لم يحتلم إلا الحسن والحسين ، وعبد الله بن جعفر ، وعبد الله بن عباس رضي

__________________

1 ـ الإرشاد ص 219 وفدك للقزويني هامش ص 16عنه.

2 ـ الاحتجاج ج 2 ص 245 والبحار ج 50 ص 78 عنه ، والإرشاد للمفيد ص 363 ، وتفسير القمي ج 1 ص 184 / 185 وراجع : الحياة السياسية للإمام الجوادعليه‌السلام ، حين الكلام حول قضية تزويج المأمون ابنته للإمام ، فقد ذكرنا عنه مصادر كثيرة.

٥١

الله عنهم » قال : ولم يبايع صغيراً إلا منا(1) .

وذلك بكذِّب دعوى البعض : بايع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبد الله بن الزبير ، وهو ابن سبع سنين(2) وقد كان انتحال الفضائل أمراً معروفاً عن الزبيريين وبني أمية.

ولكن ما تقدم عن المأمون ، وعن الشيخ المفيد يوضح : أن إضافة ابن عباس ، وابن جعفر إنما هي من تزيُّد الرواة ، حيث ينفي المأمون بشكل قاطع ـ وكذلك ينفي المفيد ـ أن يكونصلى‌الله‌عليه‌وآله قد بايع صبياً غيرهما ، وذِكر ذلك في مقام الاحتجاج ، يدل على التسالم على ذلك الأمر آنئذٍ. وأن ما ورد في هذا النص الأخير ، قد أضيف إليه بعد ذلك الزمان

وواضح : أنه إذا كانت البيعة تتضمن إعطاء التزام وتعهد للطرف الآخر ، بتحمل مسؤوليات معينة ، ترتبط بمستقبل الدعوة والمجتمع ، وحمايتهما من كثير من الأخطار التي ربما يتعرضان لها ، فإن معنى ذلك هو أن النبي صلى عليه وآله وسلم قد رأى في الحسنينعليهما‌السلام ـ على صغر سنهما ـ أهلية وقابلية لتحمل تلك المسؤوليات الجسام ، والوفاء بالالتزامات التي أخذا على عاتقهما الوفاء بها

وقد يتخيل البعض هنا : أن التكليف قد كان حينئذٍ منوطاً بالتمييز ، فأخذ البيعة منهما لا يعبر عن امتياز ذي شأن لهما ، سوى أنهما قد امتلكا صفة التمييز في وقت مبكر ، فتبعها تعلق التكليف بهما ...

والجواب عن ذلك :

__________________

1 ـ ينابيع المودة ص 375 عن فصل الخطاب لمحمد پارسا البخاري ، عن النووي على ما يبدو وترجمة الإمام الحسين لابن عساكر بتحقيق المحمودي ص 150 وفي هامشه عن المعجم الكبير للطبراني ، ترجمة الإمام الحسين الحديث رقم 77 وحياة الصحابة ج 1 ص 250 ومجمع الزوائد ج 6 ص 40 عن الطبراني وقال : هو مرسل ورجاله ثقات والعقد الفريد ج 4 ص 384 من دون ذكر ابن عباس.

2 ـ التراتيب الإدارية ج 1 ص 222 عن القرطبي.

٥٢

أولاً : إن ما يقال من إناطة التكليف بالتمييز قد انتهى امده قبل ذلك بزمان وبالذات في عام الخندق ـ في السنة الخامسة أو الرابعة للهجرة النبوية(1) ـ في قضية قبول ابن عمر في الغزو ، حيث انيط التكليف بالسن منذئذ حسبما ذكروه

وثانياً : أننا لو سلمنا ذلك فيرد سؤال ، وهو : لماذا اختص ذلك بالحسنين صلوات الله عليهما ، دون غيرهما من سائر الناس؟. أم يعقل : أنه لم يكن ثمة مميز غيرهما؟ حتى ولو كان له من العمر إثنا عشر أو ثلاثة عشر سنة ، أونحو ذلك؟ إن ذلك يكشف ولا شك عن امتياز خاص لهما ، لم يشركهما فيه أحد من الخلق ، كما قرره المأمون ، والشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه

وثالثاً : إن التمييز ومجرد التكليف لا يكفي في أحيان كثيرة ، وذلك لأن طبيعة المسؤوليات التي يراد الاضطلاع بها في بعض المواضع تقتضي وجود قدرات وملكات وإمكانات إيمانية وفكرية معينة ، لا بد من توفرها في ذلك الشخص الذي يعدُّ لذلك ومورد بيعة الرضوان من هذا القبيل.

ومما يوضح ذلك : أننا نجد كثيرين ممن أظهروا قدرتهم على تحمل تلك المسؤوليات ، وقبلت منهم البيعة ـ كما كان الحال بالنسبة لبيعتهم لأمير المؤمنين يوم الغدير ، وحينما أصبح خليفة ، وغير ذلك ـ لم يفوا ببيعتهم ، واتضح أنهم لم يكونوا حائزين على تلك القدرات التي ينبغي توفرها في من يعطي التزاماً ، ويتحمل مسؤوليات كبيرة ذات طبيعة رسالية رائدة

الحسن والحسين إمامان :

وبعد كل ماتقدم ، فإننا نعرف المغزى العميق لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

__________________

1 ـ راجع : حديث الإفك ( تاريخ ودراسة ) ص 96 ـ 99.

٥٣

« الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ». أو ما هو بمعنى ذلك ، حسبما تقدم في أوائل هذه الدراسة ، رغم أنهماعليهما‌السلام ربما لم يكن عمرهما حينئذٍ قد تجاوز عدد اصابع اليد الواحدة ونجد الإمام الحسنعليه‌السلام يستدل بهذا القول على من يعترض عليه في صلحه مع معاوية(1) .

وإذا كان البعض يريد أن يدعي : أن خلافة الإمام الحسنعليه‌السلام إنما كانت باختيار من المسلمين وبيعتهم ، ولم تكن بوصية حتى من أبيه(2)

فإن هذا القول ، وسائر ما تقدم ، يدفع كل ذلك ويدحضه

ولدينا من النصوص التي تؤكد على وصاية أمير المؤمنينعليه‌السلام بالخلافة له من بعده الشيء الكثير

ويمكن أن نذكر منها هنا :

1 ـ قول الإمام الحسنعليه‌السلام في كتابه لمعاوية : « وبعد فإن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لما نزل به الموت ولاّني هذا الأمر بعده »(3) .

2 ـ وقال ابن عباس ، بعد استشهاد أمير المؤمنينعليه‌السلام : هذا ابن بنت نبيكم ، ووصي إمامكم ، فبايعوه »(4) .

__________________

1 ـ راجع علل الشرايع ج 1 ص 211.

2 ـ جاء ذلك في مجلة المجتمع الكويتية ، في بعض أعدادها قبل سنوات ، وفي مروج الذهب ج 2 ص 414 : إن أمير المؤمنينعليه‌السلام لم يعهد..

3 ـ راجع : مقاتل الطالبيين ص 55 / 56 والفتوح لابن اعثم ج 4 ص 151 والمناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 31 وشرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 36 ـ 40 والبحار ج 44 ص 64 هم كشف الغمة ، وحياة الحسن بن عليعليه‌السلام للقرشي ج 2 ص 29 ، وراجع : همش أنساب الأشراف ( بتحقيق المحمودي) ج 3 ص 31 وفي بعض المصادر « ولاَّني المسلمون الأمر ».

3 ـ الفصول المهمة للمالكي ص 46 وأعلام الورى ص 209 والإرشاد للمفيد ص 207 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد ج 16 ص 30 وكشف الغمة للأربلي ج 2 ص 164 ومقاتل الطالبيين ص 34 و 52 ، وحياة الحسن للقرشي ج 2 ص 10 وعن إثبات الهداة ج 5 ص 139 و 134 و 136 والبحار عن أبي مخنف.

٥٤

3 ـ عن الهيثم بن عدي ، قال « حدثني غير واحد ممن أدركت من المشايخ : أن علي بن أبي طالبعليه‌السلام أصار الأمر إلى الحسن »(1) .

4 ـ وقال ابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي عن أمر الخلافة : « وعهد بها إلى الحسنعليه‌السلام عند موته »(2) .

5 ـ « وذكروا : أن جندب بن عبد الله دخل على عليعليه‌السلام : فقال : ياأمير المؤمنين ، إن فقدناك فلا نفقدك ، فنبايع الحسن؟ قال : نعم »(3) .

6 ـ وقال ابن كثير : « الخلفاء الأربعة : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي. خلافتهم محققة ، بنص حديث سفينة : الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، ثم بعدهم الحسن بن علي ، كما وقع ، لأن علياً أوصى إليه ، وبايعه أهل العراق الخ...»(4) .

7 ـ وعند أبي الفرج ، وغيره : أنه لما أتى أبا الأسود نعي أمير المؤمنين ، والبيعة للإمام الحسنعليه‌السلام ، قام أبو الأسود خطيباً ، فكان مما قال :

« وقد أوصى بالإمامة بعده إلى ابن رسول الله ، وابنه ، وسليله ، وشبيهه في خلقه وهديه الخ »(5) .

8 ـ وعند المسعودي : أن أمير المؤمنينعليه‌السلام « وإني أوصي إلى الحسن والحسين ؛ فاسمعوا لهما ، وأطيعوا أمرهما »(6) . هذا ، وقد ذكر وصية الإمام عليعليه‌السلام إلى ولده الإمام الحسنعليه‌السلام غير واحد من

____________

1 ـ العقد الفريد ج 4 ص 474 / 475.

2 ـ شرح النهج للمعتزلي ج 1 ص 57.

3 ـ المناقب للخوارزمي ص 278.

4 ـ البداية والنهاية ج 6 ص 249.

5 ـ راجع : تيسير المطالب ص 179 وقاموس الرجال ج 5 ص 172 والأغاني ج 6 ص 121 وفي الخرائج والجرائح ما يدل على ذلك.

6 ـ إثبات الوصية ص 152.

٥٥

المؤلفين في كتبهم(1) فلتراجع.

9 ـ هذا كله عدا عما تقدم من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنتما الإمامان ولأمكما الشفاعة.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ، وعدا عن الأحاديث الكثيرة ، التي تنص على الأئمة بأسمائهم(2) .

وعدا عن نصوص كثيرة من طرق أهل البيت وشيعتهم ، لا مجال لذكرها هنا

10 ـ ولما مات أمير المؤمنينعليه‌السلام ، جاء الناس إلى الحسنعليه‌السلام ، فقالوا : أنت خليفة أبيك ، وصيُّه(3) .

11 ـ وقال المسعودي : « وقد ذكرت طائفة من الناس : أن علياً رضي الله عنه أوصى إلى ابنه الحسن والحسين ، لأنهما شريكاه في آية التطهير. وهذا قول كثير ممن ذهب إلى القول بالنص »(4) .

12 ـ وعن عليعليه‌السلام : أنت يا حسن وصيي ، والقائم بالأمر بعدي(5) .

وفي نص آخر : يا بُنيَّ ، أنت وليُّ الأمر ، وولي الدم(6) .

__________________

1 ـ راجع : البحار ج 10 ص 89 ، وإثبات الهداة ج 5 ص 140 وراجع ص 121 حتى ص 143 ، وأنساب الأشراف ج 2 ص 502 ـ 504 بتحقيق المحمودي ، وصلح الحسنعليه‌السلام لآل يس والكافي ج 1 ص 297 ـ 300 ،

2 ـ راجع منتخب الأثر وكحديث أهل بيتي كسفينة نوح ، وحديث الثقلين وغير ذلك

3 ـ إثبات الهداة ج 5 ص 135 والبحار ج 10 ط قديم ، باب مصالحة الحسن ، عن الخرائج والجرائح.

4 ـ مروج الذهب ج 2 ص 413.

5 ـ إثبات الهداة ج 5 ص 140.

6 ـ إثبات الهداة ج 5 ص 126 وكشف الغمة ، وأصول الكافي ج 1 ص 299 وصلح الحسن ج 1 ص 52.

٥٦

13 ـ وفي نصٍّ آخر : الحسن والحسين في عترتي ، وأوصيائي ، وخلفائي(1) .

14 ـ إن الشيعة أطبقت : على أن علياً نص على ابنه الحسن(2) .

15 ـ ويفهم من رواية ذكرها ابن سعد : أن أمر الوصاية قد اشتهر عن آل علي ، في عهد التابعين فراجع وكانوا يتَّقون الناس في إظهارها(3) .

إلى غير ذلك مما لا محال لتتبعه واستقصائه

وقد تقدم في أوائل هذا الكتاب بعض ما يدل على ذلك أيضاً.

وحسبنا ما ذكرنا هنا ، فيما يتعلق بالحياة السياسية للإمام الحسنعليه‌السلام ، في حياة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإن استيفاء ذلك مما لا يمكن في هذه العجالة ولننتقل الآن إلى حياته السياسية في عهد الشيخين

فإلى الفصل التالي :

__________________

1 ـ إثبات الهداة ج 5 ص 139.

2 ـ إثبات الهداة ج 5 ص 133و 135 و 138 عن الشافي للسيد المرتضى ، وكشف الغمة وأعلام الورى

3 راجع : الطبقات الكبرى ج 5 ص 239 ط ليدن.

٥٧
٥٨

الفصل الثاني :

في عهد الشيخين

٥٩
٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

المذهب، وسمع حديث العامة فأكثر»(١) وقال الشيخ الطوسي: «أكثر أهل المشرق علماً وأدباً وفضلاً وفهماً ونبلاً في زمانه، صنّف أكثر من مائتي مصنّف، ذكرناها في الفهرست، وكان له مجلس للخاصّي ومجلس للعامي، رحمة الله»(٢) وقال شيخنا الجدّ المامقاني: «وربما حكي من بعض شرّاح التهذيب - والظاهر أنّه المحقق الشيخ محمد نجل الشهيد الثاني - أنه قدح في توثيقه بكونه في أول عمره عامياً، فلا يعلم أن الجرح والتعديل للرجال الذي ينسب إليه هل كان قبل التبصّر أو بعده»(٣) .

فهو - وإن كان ثقة في نفسه - يروي عن الضعفاء كثيراً، وأخبار تفسيره مراسيل كما هو معلوم، ويتلخص عدم صحة نسبة القول بالتحريف إليه، وعدم جواز الإعتماد على أخبار تفسيره في هذا المضهار.

الصفّار

٢ - الشيخ محمد بن الحسن بن فروخ الصفار القمي، الثقة الثبت المعتد عند جميع علماء الرجال، ولا حاجة إلى نقل نصوص كلماتهم.

روى هذا الشيخ بعض الأخبار المذكورة سابقاً في كتابه (بصائر الدرجات) ولكن لا وجه لنسبة القول بالتحريف إليه، وقد تكلّمنا هناك على تلك الأخبار سنداً ومتناً على ضوء كلمات علماء الحديث

__________________

(١) رجال النجاشي: ٢٤٧.

(٢) رجال الشيخ الطوسي: ٤٩٧.

(٣) تنقيح المقال ٣: ١٨٣.

١٢١

والرجال، ومن الضروري النظر في أسانيد أخبار كتابه (بصائر الدرجات) ومعانيها كسائر الكتب الحديثيّة.

الكشي

٣ - الشيخ أبو عمرو محمد بن عمر الكشي صاحب كتاب (الرجال).

قال النجاشي «كان ثقة عيناً، روى عن الضعفاء كثيراً، وصحب العياشي، وأخذ عنه وتخرّج عليه في داره التي كانت مرتعاً للشيعة وأهل العلم، له كتاب

الرجال كثير العلم وفيه أغلاط كثيرة»(١) وقال الشيخ أبو علي الرجالي: «ذكر جملة من مشايخنا أن كتاب رجاله المذكور كان جامعاً لرواة العامة والخاصة، خالطاً بعضهم ببعض، فعمد إليه شيخ الطائفة - طاب مضجعه - فلخّصه وأسقط منه الفضلات»(٢) .

وعلى ضوء ما تقدم ليس الشيخ الكشي من القائلين بالتحريف، ولا يجوز الإستناد إلى الأخبار الواردة في (رجاله) لأنه كا يروي عن الضعفاء كثيراً على ما نصّ عليه النجاشي، وكان من أصحاب العياشي، والمتخرجين عليه كما نصوا عليه، وقد تقدّم أن العياشي - وإن كان ثقة جليلاً - كان يروي عن الضعفاء كثيراً أيضاً، فلا اعتبار بكلّ أخبار هذا الكتاب حتى بعد تهذيب الشيخ إيّاه، لكون نظر إلى الرجال المذكورين فيه لا الأخبار المرويّة في غضونه.

__________________

(١) رجال النجاشي: ٢٦٣.

(٢) رجال أبي علي. وانظر مقباس الهداية: ١٢١.

١٢٢

النعماني

٤ - الشيخ محمد بن إبراهيم النعماني: الثقة الجليل عند علماء الرجال والجرح والتعديل(١) .

له في كتابه (الغيبة) رواية صريحة في مخالفة القرآن على عهد الإمام المهديعليه‌السلام للقرآن الموجود الآن، وقد بيّنا في محلّه وجه التعارض بين روايته تلك مع روايتين اخريين له، ثم نقلنا حديثاً عن (الإرشاد) و (روضة الواعظين) يوضح المراد من تلك الأحاديث الثلاثة.

وذكرنا هناك أن سند ذلك الحديث الصريح غير قوي، كما بيّنّا في الكلام على الشبهة الثالثة أنه لا يمكن الإعتماد على ما ظاهره مخالفة القرآن في عهد الإمام المنتظر عجّل الله فرجه لهذا القرآن.

والحق أنه لا سبيل إلى نسبة القول بالتحريف إليه، وكلامه في مقدمة كتابه لا يدل على التزامه بالصحّة وإن توهم ذلك، فليراجع.

أبو منصور الطبرسي

٥ - الشيخ أحمد بن علي الطبرسي، المتوفى سنة ٥٤٨ صاحب كتاب (الاحتجاج على أهل اللجاج) من مشايخ ابن شهر آشوب، ومن أجلاء أصحابنا المتقدمين، عالم فاضل محدّث ثقة(٢) .

__________________

(١) نقيح المقال ٣: ٥٥ حرف الميم.

(٢) نظر: معالم: ص ٢٥، أمل الآمل ٢: ١٧، روضات الجنات ١: ١٩، تنقيح المقال ١: ٦٩، الكنى والألقاب ٢: ٤٠٤.

١٢٣

روى في كتابه المذكور ما يفيد التحريف، ومن ذلك ما رواه في احتجاجات سيّدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام مع المهاجرين والأنصار، المتضمن مخالفة مصحفه الذي جمعه مع المصحف الذي اتخذوه، وقد أشرنا إلى ذلك في الكلام على الشبهة الثانية.

وكتاب (الاحتجاج) وإن كان من الكتب الجليلة إلاّ أن أكثر أخباره مراسيل كما صرّح بذلك الشيخ المجلسي في مقدمة (البحار)، والشيخ الطّهراني في (الذريعة إلى تصانيف الشيعة).

وعلى هذا، فلا يصلح ما رواه في هذا الباب للإعتماد، ولا دليل على أن ينسب إليه هذا الإعتقاد، وإن جاء في كلام بعض علمائنا الأمجاد.

السيد البحراني

٦ - السيّد هاشم البحراني، من مشاهير محدّثي الإمامية، وكان على جانب عظيم من الجلالة، يضرب به المثل في الورع والتقوى، وله تصانيف كثيرة، منها (البرهان في تفسير القرآن)، توفي سنة ١١٠٧(١) .

روى هذا المحدّث الجليل في كتابه المذكور طائفة من الأخبار الظاهرة في نقصان القرآن عن العياشي وأمثاله، لكن تفسيره المذكور يشتمل على أنواع الأخبار وأقسامها، وكأنّه - رحمه الله - قصد من تصنيفه جمع الروايات الواردة في تفسير الآيات ووضع كلّ حديثٍ في ذيل الآية التي يناسبها، بل كانت هذه طريقته في جميع كتبه، فقد قال المحدّث البحراني ما نصه: «وقد صنّف كتباً عديدة تشهد بشدة تتبعه وإطلاعه،

__________________

(١) انظر: لؤلؤة البحرين: ٦٣، أمل الآمل ٢: ٣٤١، الكنى والألقاب ٣: ٩٣.

١٢٤

إلاّ أنّي لم أقف له على كتاب فتاوى في الأحكام الشرعية بالكلية ولا في مسألة جزئية، وإنما كتبه مجرّد جمع وتأليف، ولم يتكلّم في شيء منها مما وقفت عليه على ترجيح في الأقوال أو بحث أو إختيار مذهب وقول في ذلك المجال، ولا أدري أن ذلك لقصور درجته عن رتبة النظر والإستدلال أم تورّعاً من ذلك ...»(١) .

تحقيق حول رأي الكليني

وإن أشهر رواة الأحاديث التي ذكرناها وغيرها وأعظمهم هو الشيخ محمد

ابن يعقوب الكليني المتوفى سنة ٣٢٩. روى تلك الأخبار في كتابه (الكافي) الذي هوأهم الكتب الأربعة المشهورة بين الشيعة الإمامية.

لقد كان - وما زال - التحقيق حول رأي الشيخ الكليني في المسألة موضع الإهتمام بين العلماء والكتّاب، لما له ولكتابه من مكانة مرموقة متّفق عليها بين المسلمين، فنسب إليه بعض المحدّثين من الشيعة القول بالتحريف إعتماداً على ظاهر كلامه في خطبة كتابه «الكافي»، ونفي ذلك آخرون، وحاول بعض الكتّاب القاصرين نسبة القول بذلك إلى الطائفة عامة والتشنيع عليها - بزعمه - بعد وصف «الكافي» بـ (الصحيح) لكنها محاولة يائسة كما سنرى.

لقد تقدّم في الفصل الثاني من هذا البحث ذكر أهم الأخبار التي رواها الكليني في «الكافي» وبيّنّا ما في كلّ منها من مواقع النظر أو وجوه الجواب، بحيث لا يبقى مجال للقول بأنها تدل على تحريف

__________________

(١) لؤلؤة البحرين: ٦٣.

١٢٥

القرآن.

والتحقيق حول رأي الكليني وما يتعلّق بذلك يتم بالبحث في عدة جهات:

ترجمته وشأن كتابه

لقد ترجم علماء الشيعة للكليني بكلّ ثناء وإطراء وتعظيم وتفخيم، فقد قال أبو العباس النجاشي: «شيخ أصحابنا في وقته بالري ووجههم، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم، صنّف الكتاب الكبير المعروف بالكليني، يسمى (الكافي) في عشرين سنة»(١) وقال الشيخ الطوسي: «ثقة عارف بالأخبار، له كتب، منها كتاب الكافي»(٢) وقال إبن شهر آشوب: «عالم بالأخبار، له كتاب(الكافي) يشتمل على ثلاثين كتاباً»(٣) وقال المامقاني: «أمر محمد بن يعقوب في العلم والفقه والحديث والثقة والورع وجلالة الشأن وعظيم القدر وعلوّ المنزلة وسموّ المرتبة أشهر من أن يحيط به قلم ويستوفيه رقم»(٤) .

وقال الشيخ بهاء الدين العاملي في (الوجيزة): «ولجلالة شأنه عدّه جماعة من علماء العامة كابن الأثير في كتاب جامع الاصول من المجددين لمذهب الإمامية على رأس المائة الثالثة، بعد ما ذكر أن سيدنا

__________________

(١) رجال النجاشي: ٢٦٦.

(٢) الفهرست للطوسي: ١٦١.

(٣) معالم العلماء: ١٥٤.

(٤) تنقيح المقال ٣: ٢٠١.

١٢٦

وإمامنا أبا الحسن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام هو المجدّد لهذا المذهب على رأس المائة الثانية».

أما كتابه «الكافي» فهو أهم كتب الشيعة الإثني عشرية وأجلّها وأعظمها في الاصول والفروع والمعارف الإسلامية، وإليه يرجع الفقيه في استنباطه للأحكام الشرعية، وعليه يعتمد المحدّث في نقله للأخبار والأحاديث الدينية، ومنه يأخذ الواعظ في ترهيبه وترغيبه.

إلاّ أنّه تقرر لدى علماء الطائفة - حتى جماعة من كبار الأخباريين - لزوم النظر في سند كلّ خبر يراد الأخذ به في الاصول والفروع، إذ ليست أخبار الكتب الأربعة - وأوّلها الكافي - مقطوعة الصدور عن المعصومين، بل في أسانيدها رجال ضعّفهم علماء الفن ولم يثقوا برواياتهم، ومن هنا قسّموا أخبار الكتب إلى الأقسام المعروفة، واتّفقوا على اعتبار «الصحيح» وذهب أكثرهم إلى حجّية «الموثّق» وتوقف بعضهم في العمل بـ «الحسن». وأجمعوا على وجود الأخبار «الضعيفة» في الكتب الأربعة المعروفة، وقد ذكرنا هذه الحقيقة في الامور الأربعة ببعض التفصيل.

ونزيد تأكيداً هنا بذكر مثالين أحدهما: أنّ الكليني روى في «الكافي» أن يوم ولادة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هو اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأوّل - ولذا نسب إليه القول بذلك - ولم يوافقه احد من علماء الشيعة عليه فيما نعلم، بل ذهبوا إلى أنّه اليوم السابع عشر منه. والثاني: أنّ الكليني روى في «الكافي» كتاب (الحسن بن العباس بن حريش) في فضل «إنّا أنزلناه في ليلة القدر» وقد ضعف الشيخ أبو العباس النجاشي والشيخ ابن الغضائري وغيرهما

١٢٧

الرجل وذمّوا كتابه المذكور(١) .

وسواء صح ما ذكروا أو لم يصح فإنّ الغرض من ذكر هذا المطلب هو التمثيل لما ذكرناه من رأي أكابر العلماء في روايات الكليني.

وعلى الجملة، فإنّه ليست أخبار «الكافي» كلها بصحيحةٍ عند الشيعة حتى يصح إطلاق عنوان «الصحيح» عليه، بل فيها الصحيح والضعيف وإن كان «الصحيح» قد لا يعمل به، و «الضعيف» قد يعتمد عليه، كما هو معلوم عند أهل العلم والتحقيق وهذه هي نتيجة البحث في هذه الجهة.

هل الكليني ملتزم بالصحّة؟

قد ينسب الى الكليني القول بتحريف القرآن بدعوى اعتقاده بصدور ما رواه عن المعصومينعليهم‌السلام ، لكن هذه الدعوى غير تامّه فالنسبة غير صحيحة، إذ أن الكليني لم ينصّ في كتابه على اعتقاده بذلك أصلاً، بل ظاهر كلامه يفيد عدم جزمه به، وإليك نصّ عبارته في المقدّمة حيث قال: فاعلم يا أخي - أرشدك الله - أنّه لا يسع أحداً تمييز شيء مما اختلف الرواية فيه عن العلماءعليهم‌السلام برأيه إلاّ على ما أطلقه العالمعليه‌السلام بقوله: أعرضوها على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردّوه. وقولهعليه‌السلام : دعوا ما وافق القوم، فإنّ الرشد في خلافهم، وقولهعليه‌السلام : خذوا بالمجمع عليه، فإن المجمع عليه لا ريب فيه.

ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلاّ أقلّه، ولا نجد شيئاً أحوط

__________________

(١) انظر تنقيح المقال ١: ٢٨٦.

١٢٨

ولا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه إلى العالمعليه‌السلام ، وقبول ما وسع من الأمر فيه بقولهعليه‌السلام : بأيما أخذتم من باب التسليم وسعكم.

وقد يسّر الله - وله الحمد - تأليف ما سألت، وأرجو أن يكون بحيث توخيت» وأشار بقوله هذا الأخير إلى قوله سابقاً:

«وقلت: إنك تحبّ أن يكون عندك كتاب كاف يجمع فيه من جميع فنون علم الدين».

هذا كلامه - يرحمه الله - وليس فيه ما يفيد ذلك، لأنه لو كان يعتقد بصدور جميع أحاديثه - لما أشار في كلامه إلى القاعدة التي قررها أئمة أهل البيتعليهم‌السلام لعلاج الأحاديث المتعارضة، وهي عرض الأحاديث على الكتاب والسنّة، كما أشرنا إلى ذلك من قبل.

واستشهاده - رحمه الله - بالرواية القائلة بلزوم الأخذ بالمشهور بين الأصحاب عند التعارض دليل واضح على ذلك، إذ هذا لا يجتمع مع الجزم بصدور الطرفين عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أو الامامعليه‌السلام .

وقوله - رحمه الله - بعد ذلك: «ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلاّ أقله، ولا نجد شيئاً أحوط ولا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه إلى العالمعليه‌السلام » ظاهر في عدم جزمه بصدور أحاديث كتابه عن المعصومعليه‌السلام .

نعم قد يقال: إنّ أحاديث «الكافي» إن لم تكن قطعية الصدور فلا أقل من صحتها إسناداً، ذلك لأنّ مؤلّفه قد شهد - نتيجة بذله غاية ما وسعه من الجهد في التحري والإحتياط - بصحّة جميع أحاديث كتابه حيث قال في المقدمة: «وقلت: إنك تحب أن يكون عندك كتاب كاف يجمع من جميع فنون علم الدين ما يكتفي به المتعلّم، ويرجع إليه

١٢٩

 المسترشد ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقينعليهم‌السلام ، والسنن القائمة التيعليها‌السلام العمل وبها يؤدّى فرض الله عزّ وجلّ وسنة نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

فإن ظاهر قوله «بالآثار الصحيحة عن الصادقينعليهم‌السلام » إعتقاده بصحّة ما أورده في كتابه.

ولكنّ هذا - بغض النظر عما قالوا فيه(١) - لا يستلزم وثوق الشيخ الكليني بدلالة كلّ حديث موجود في كتاب حتى ينسيب إليه - بالقطع واليقين - القول بمداليل جميع رواياته، ويؤكد هذا قوله: «ونحن لا نعرف من جميع ذلك» بل ويؤكّده أيضاً ملاحظة بعض أحاديثه.

توضيح ذلك: أنّه - رحمة الله - روى - مثلاً - أحاديث في كتاب الحج من فروعه تفيد أنّ الذبيح كان (إسحاق) لا (إسماعيل)، ومن تلك الأحاديث ما رواه عن أحدهماعليهما‌السلام : «وحج إبراهيمعليه‌السلام هو وأهله وولده، فمن زعم أن الذبيح هو إسحاق فمن هاهنا كان ذبحه».

قال الكليني: «وذكر عن أبي بصير أنّه سمع أبا جعفر وأبا

__________________

(١) مفاتيح الاصول، معجم رجال الحديث، وغيرهما، وقد جاء في المفاتيح: ٣٣٢ عن المحدث الجزائري وغيره التصريح بأنّه ليس في كلام الكليني ما يدلّ على حكمه بصحة أحاديث كتابه.

١٣٠

عبداللهعليهما‌السلام يزعمان أنّه إسحاق. فأمّا زرارة فزعم أنّه إسماعيل»(١) .

قال المحدّث المجلسي: «وغرضه - رحمة الله - من هذا الكلام رفع الإستبعاد عن كون إسحاق ذبيحاً، بأنّ إسحاق كان بالشام والذي كان بمكة إسماعيل، فكون إسحاق ذبيحاً مستبعد.

فدفع هذا الإستبعاد بأنّ الخبر يدلّ على أن ابراهيمعليه‌السلام قد حجّ مع أهله وولده، فيمكن أن يكون الأمر بذبح إسحاق في هذا الوقت»(٢) .

وروى - رحمه الله - في خبر طويل عن أبي جعفر وأبي عبداللهعليهما‌السلام :

«... قال: فلما قضت مناسكها فرقت أن يكون قد نزل في ابنها شيء، فكأني أنظر إليها مسرعة في الوادي واضعة يدها على رأسها وهي يقول: رب لا تؤاخذ بما عملت بامّ إسماعيل.

قال: فلما جاءت سارة فأخبرت الخبر قامت الى إبنها تنظر فإذا أثر السكين خدوشاً في حلقه، ففزعت واشتكت، وكان بدء مرضها الذي هلكت فيه»(٣) .

قال المحدّث الفيض الكاشاني هنا: «يستفاد من الخبر أن الذبيح إسحاق، لأن سارة كانت أمّ إسحاق دون إسماعيل، ولقولها: لا تؤاخذني ...»(٤) .

__________________

(١) الكافي ٤: ٢٠٥ - ٢٠٦.

(٢) مرآة العقول ٣: ٢٥٦، بحار الأنوار ١٢: ١٣٥.

(٣) الكافي ٤: ٢٠٨ - ٢٠٩.

(٤) الوافي ١: ٥٤٨.

١٣١

وروى - رحمة الله - في باب المشيئة والإرادة من كتاب التوحيد عن أبي الحسنعليه‌السلام في حديث قوله: «وامر إبراهيم أن يذبح إسحاق ولم يشأ أن يذبحه، ولو شاء لما غلبت مشيئة إبراهيم مشيئة الله تعالى»(١) .

قال السيد الطباطبائي في حاشية: «وهو خلاف ما تضافرت عليه أخبار الشيعة».

فهل هذا الأحاديث صحيحة في رأي الشيخ الكليني؟ وإذا كانت صحيحة - بمعنى الثقة بالصدور - فهل يثق ويعتقد بما دلّت عليه من كون الذبيح إسحاق؟ وإذا كان كذلك فماذا يفعل بالأحاديث التي رواها وهي دالة على كونه إسماعيل؟ وهب أنّه من المتوقّفين في المقام - كما قال المجلسي في نهاية الأمر - فهل يلتئم هذا مع الإلتزام بالصحّة في كلّ الأحاديث؟

ونتيجة البحث في هذه الجهة: عدم تمامية نسبة القول بالتحريف إلى الكليني إستناداً إلى عبارته في صدر «الكافي».

جواز نسبة القول بعدم التحريف إليه

وبعد، فإن من الجائز نسبة القول بعدم التحريف إلى الشيخ الكلينيرحمه‌الله لعدة وجوه:

١ - إنّه كما روى ما ظاهره التحريف فقد روى ما يفيد عدم التحريف بمعنى الإسقاط في الألفاظ، وهو ما كتبه الإمامعليه‌السلام إلى سعد الخير «وكان من نبذهم الكتاب أن اقاموا حروفه وحرّفوا حدوده،

__________________

(١) الكافي ١: ١٥١.

١٣٢

فهم يروونه ولا يرعونه، والجهال يعجبهم حفظهم للرواية، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية» الحديث. وقد استدلّ به الفيض الكاشاني على أنّ المراد من أخبار التحريف هو تحريف المعاني دون الألفاظ، فيكون هذا الخبر قرينة على المراد من تلك الأخبار. ولو فرضنا التعارض كان مقتضى عرض الخبرين المعارضين على الكتاب - عملاً بالقاعدة التي ذكرها الكليني، ولزوم الأخذ بالمشهور كما ذكر أيضاً - هو القول بعدم وقوع التحريف في القرآن.

٢ - إنّ عمدة روايات الكليني الظاهرة في التحريف تنقسم إلى قسمين:

الأول - ما يفيد اختلاف قراءة الأئمة مع القراءة المشهورة.

الثاني - ما ظاهره سقوط أسماء الأئمة ونحو ذلك.

أما القسم الأول فخارج عن بحثنا.

وأما القسم الثاني - فمع غض النظر عن الأسانيد - فكلّه تأويل من أهل البيتعليهم‌السلام ، والتأويل لا ينافي التفسير، وإرادة معنى لا تضاد إرادة معنى آخر، وقد روى الكليني ما هو صريح في هذا الباب عن الصادقعليه‌السلام في قول الله عزّ وجلّ:( الّذين يقطعون ما أمر الله به أن يوصل ) : «إنّها نزلت في رحم آل محمد. وقد يكون في قرابتك - ثم قال - ولا تكوننّ ممن يقول في الشيء أنّه في شيء واحد».

ومقتضى القواعد التي ذكرها الكليني أن لا يؤخذ بظواهر الأخبار من القسم الثاني.

٣ - إنّ كلمات الأعلام والأئمة العظام من الشيعة الإمامية - كالصدوق والمفيد والمرتضى والطبرسي - الصريحة في أن المذهب هو عدم التحريف، وان القائلين بالتحريف شذاذ من «الحشوية»،

١٣٣

تقتضي أن لا يكون الكليني قائلاً بالتحريف، لا سيمّا كلام الصدوق الصريح في «أن من نسب إلينا فهو كاذب». وإلاّ لم يقولوا كذلك، إذ لم ينسوا شأن الكليني وعظمته في الطائفة.

٤ - إنّ دعوى الإجماع من جاعة من أعلام الطائفة - كالشيخ جعفر كاشف الغطاء وغيره - ترجّع القول بأن الكليني من نفاة التحريف، وإلاّ لما ادّعوه مع الإلتفات إلى شخصية الكليني.

٥ - إنّ الكليني رحمة الله روى الأخبار المفيدة للتحريف في (باب النوادر)، ومن العلوم أنّ النوادر هي الأحاديث الشاذة التي تترك ولا يعمل بها كما نص على ذلك الشيخ المفيد(١) .

وعن الشيخ في التهذيب بعد حديث لحذيفة: «إنّه لا يصلح العمل بحديث حذيفة، لأن متنه لا يوجد في شيء من الأصول المصنّفة بل هو موجود في الشواذ من الأخبار».

ثم إن الشيخ المامقاني بعد أن أثبت الترادف بين «الشاذ» و «النادر» عرّف الشاذ بقوله: «وهو على الاظهر الأشهر بين أهل الدراية والحديث هو ما رواه الثقة مخالفاً لما رواه الجماعة ولم يكن له إلاّ إسناد واحد»(٢) .

فجعله تلك الأحاديث تحت العنوان المذكور يدل على تشكيكه بصحتها وطرحه لها. قال السيّد محمد تقي الحكيم: «ولعل روايتها في (النوادر) من كتابه دليل تشكيكه بصدورها ورفضه لها، وكأنّه أشار بذلك لما ورد في المرفوعة من قولهعليه‌السلام : دع الشاذ النادر»(٣) .

__________________

(١) معجم رجال الحديث ١: ٤٥، مقباس الهداية: ٤٥.

(٢) مقباس الهداية: ٤٥.

(٣) الاصول العامّة المقارن: ١١٠.

١٣٤

وقال السيّد حسين مكي العاملي: «ولأجل ما هي عليه من الضعف وندرتها وشذوذها وغرابتها مضموناً جعلها الإمام الكليني من الأخبار الشاذّة النادرة، فسطرها تحت عنوان (باب النوادر). وهذا دليل على أنّه خدش في هذه الأخبار وطعن فيها ولم يعتبرها، إذ لم يغب عن ذهنه - وهو من أكابر أئمة الحديث - ما هو معنى النادر الشاذ لغة وفي اصطلاح أهل الحديث.

فالحديث الشاذ النادر عندنا، معشر الإمامية الإثني عشرية، هو الحديث الذي لا يؤخذ به، إذا عارضه غيره من الروايات المشهورة بين أهل الحديث أو خالف مضموناً، كتاباً أو سنّة متواترة أو حديثاً مشهوراً بين أهل الحيدث ...».

قال: «وأما البحث في حكم النادر الشاذ من الأحاديث فهو: أنّه إذا خالف الكتاب والسنّة أو كان صحيحاً في نفسه، ولكنه معارض برواية أشهر بين الرواة لا يعمل به، كما قرره علماؤنا ...»(١) .

خاتمة الباب الأول

لقد استعرضنا في الباب الأول كلّ ما يتعلق بـ «الشيعة والتحريف»، حيث ذكرنا كلمات أعلام الشيعة في نفي التحريف، وأدلّتهم على ما ذهبوا إليه من الكتاب والسنّة والإجماع وغيرها، وأجوبتهم عن الروايات الواردة في كتبهم المفيدة بظاهرها لنقصان القرآن، وعن الشبهات التي قد تثار حوله على ضوء تلك الروايات.

__________________

(١) عقيدة الشيعة في الإمام الصادقعليه‌السلام : ١٦٥.

١٣٥

ولقد لا حظنا أنّ الروايات الموهمة للتحريف منقسمة إلى ما دلّ على اختلاف قراءة أهل البيت مع القرّاء في قراءة بعض الآيات، وما دلّ على تأويلات لهم لبعضٍ آخر، وما دلّ على سقوط كذا آية من السورة وكذا آية من تلك.

أمّا القسم الأوّل فلا ينكر أنّ الأئمةعليهم‌السلام يختلفون مع القرّاء في قراءة كثير من الآيات والكلمات، غير أنّهم أمروا شيعتهم بأن قرأوا كما يقرأ الناس، وهذا القسم خارج عن بحثنا.

وأما القسم الثاني فإنّه راجع إلى التأويل، ولا ريب في أن أهل البيتعليهم‌السلام أدرى بحقائق القرآن، معاني آياته من كلّ أحد، والأدلة على ذلك لا تحصى، وقد روي عن أبي الطفيل أنّه قال: «شهدت علياً يقول: سلوني، والله لا تسألوني إلاّ أخبرتكم، سلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلاّ وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار، أم في سهل أم في جبل»(١) .

وعن ابن سعد: «سمعت علياً يقول: والله ما نزلت آية إلاّ وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت وعلى من نزلت، إنّ ربي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً ناطقاً»(٢) .

ولذا رووا عن ابن مسعود أنّه قال: «ما من حرف إلاّ وله ظهر وبطن، وإنّ علياً عنده من الظاهر والباطن»(٣) .

وروى ابن المغازلي: أنّ الذي عنده علم الكتاب هو علي بن

__________________

 (١) طبقات ابن سعد ٢: ٢٣٨، الاصابة ٤: ٥٠٣، المستدرك ٢: ٤٦٦، الصواعق ١: ١٢٧، كنز العمال ٦: ٤٠٥، فيض القدير ٣: ٤٦، الرياض النضرة ٢: ١٨٨.

(٢) طبقات ابن سعد ٢: ٢٢٨، كنز العمال ٦: ٣٩٦، الصواعق: ١٢.

(٣) حلية الأولياء ١: ٦٥.

١٣٦

أبي طالبعليه‌السلام (١) .

ومتى وردت رواية معتبرة تحكي تأويلاً أو تفسيراً عنهم لآية وجب الآخذ بها، إمتثالاً لأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في الأحاديث المتواترة بين المسلمين بالرجوع إليهم والإنقياد لهم والأخذ عنهم والتعلّم منهم.

وأما القسم الثالث فإنّ ما تمّ منه سنداً نادر جداً، على أنّ أهل السنّة يشاركون الشيعة في نقل مثل هذه الروايات كما سنرى.

ومن هنا لا حظنا أنّ أكثر من ٩٠% من علماء الشيعة - الذين عليهم الإعتماد وإليهم الإستناد في اصولهم وفروعهم - ينفون النقصان عن القرآن نفياً قاطعاً ولم يقل بنقصانه إلاّ أقل من الـ ٥% منهم وهي آراء شخصيّة لا تمثل رأي الطائفة.

وتلخّص: أنّ مذهب الشيعة عدم تحريف القرآن بمعنى النقيصة في ألفاظه، وقد اعترف بذلك الشيخ عبدالعزيز الدهلوي(١) والشيخ رحمة الله الهندي(٢) وغيرهما من أعلام أهل السنّة، وهذا هو الذي ينسب إلى أئمتناعليهم‌السلام وعلى رأسهم أمير المؤمنين الذي قال: «إنا لم نحكّم الرجال وإنّما حكّمنا القرآن، وهذا القرآن إنما هو خط مسطور بين الدفتين، لا ينطق بلسان ولا بدّ له من ترجمان».

فلننظر ما هو رأي غيرهعليه‌السلام من الصحابة، وما رأي شيعتهم المنعكس في صحامهم ومسانيدهم وكتبهم المعتبرة، في الباب الثاني ..

__________________

(١) المناقب: ٣١٤.

(٢) التحفة الاثنا عشرية: ١٣٩.

(٣) إظهار الحق ٢: ٨٩.

١٣٧

الباب الثاني

اهل السنّة والتحريف

* أحاديث التحريف في كتب أهل السنّة

* الرواة لأحاديث التحريف في كتب أهل السنّة

* الاقوال والآراء في أهل السنّة حول التحريف وأحاديثه

* نقد وتمحيص

* مشهوران لا أصل لهما

وإنّ المعروف من مذهب أهل السنّة هو نفي التحريف عن القرآن الشريف، وبذلك صرّحوا في تفاسيرهم وكتبهم في علوم القرآن والعقائد، ولا حاجة إلى نقل خصوص كلماتهم.

لكنّ الواقع: إن أحاديث نقصان القرآن الكريم في كتبهم كثيرة في العدد، صحيحة في الإسناد، واضحة الدلالة.

أمّا الكثرة في العدد - والتي اعترف بها بعضهم أيضاً كالآلوسي - فلأنها بها ولا نأبه بها من حيث هي مطلقاً، وإنما المشكلة في صحة هذه الأحاديث ووضوحها في الدلالة، حتى لو كانت قليلة.

١٣٨

وذلك: لأنها مخرّجة في الكتب الستّة المعروفة بـ (الصحاح) عندهم، والتي ذهب جمهورهم إلى أنّ جميع ما اخرج فيها مقطوع بصدوره عن النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا سيمّا كتابي البخاري ومسلم بن الحجّاج النيسابوري، هذين الكتابين الملقّبين بـ «الصحيحين» والمبرّأين عندهم من كلّ شين، فهي في هذه الكتب، وفي كتبٍ أخرى تليها في الإعتبار والعظمة يطلقون عليها اسمها «الصحيح» واخرى يسمّونها بـ «المسانيد».

الفصل الأول

أحاديث التحريف في كتب السنّة

قد ذكرنا أنّ المعروف من مذهب أهل السنّة هو موافقة الشيعة الإثني عشرية في القول بصيانة القرآن الكريم من التحريف، فيكون هذا القول هو المتّفق عليه بين المسلمين.

بل نقل ابن حجر العسقلاني - وهو من كبار حفّاظ أهل السنّة ومن أشهر علمائهم المحقّقين في مختلف العلوم - أنّ الشريف المرتضى الموسوي - وهو أحد أعاظم علماء الشيعة وأئمّتهم في مختلف العلوم كذلك - كان يكفّر من يقول بنقصان القرآن.

وإذا كان المعروف من مذهب أهل السنّة ذلك، فمن اللازم أن يكونوا قد تأوّلوا أو أعرضوا عمّا جاء في كتبهم من الأحاديث الصريحة بوقوع التحريف وغيره من وجوه الإختلاف في القرآن الكريم، عن جماعة كبيرة من أعيان الصحابة وكبار التابعين ومشاهير العلماء والمحدّثين.

والواقع أنّ تلك الأحاديث موجودة في أهمّ أسفار القوم، وإن شقّ الإعتراف بذلك على بعض كتّابهم، وهي كثيرة - كما اعترف

١٣٩

الآلوسي(١) - وليست بقليلة كما وصفها الرافعي(٢) .

هذا مضافاً إلى ما دلّ على وقوع الخطأ واللحن في القرآن، والزيادة فيه، وتبديل لفظ منه لفظ آخر.

ولنذكر نماذج ممّا رووه عن الصحابة في الزيادة والتبديل، ثمّ ما رووه عنهم في النقيصة - وهو موضوع هذا الفصل - ثم طرفاً مما نقل عن الصحابة من كلماتهم وأقوالهم في وقوع الخطأ واللحن في القرآن.

الزيادة في القرآن

فمن الزيادة في القرآن - في السور - ما اشتهر عن عبدالله بن مسعود وأتباعه من زيادة المعوّذتين، فقد روى أحمد وغيره عن عبد الرحمن بن يزيد: «كان عبد الله يحكّ المعوّذتين من مصافحه، ويقول: إنّهما ليستا من كتاب الله تعالى»(٣) وفي الإتقان: قال ابن حجر في شرح البخاري: «قد صحّ عن ابن مسعود إنكار ذلك»(٤) .

ومن الزيادة - في ألفاظه -: ما رووه عن أبي الدرداء من زيادة «ما خلق» في قوله تعالى:( وما خلق الذكر والانثى ) (٥) ففي البخاري بسنده عن علقمة: «دخلت في نفر من أصحاب عبدالله الشام، فسمع بنا أبو الدرداء فأتانا فقال: أفيكم من يقرأ؟ فقلنا: نعم. قال:

__________________

(١) روح المعاني ١: ٢٥.

(٢) إعجاز القرآن: ٤٤.

(٣) مسند أحمد ٥: ١٢٩.

(٤) الإتقال في علوم القرآن ١: ٢٧١.

(٥) سورة الليل: ٣.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368