التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف15%

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف مؤلف:
الناشر: دار القرآن الكريم
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 368

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف
  • البداية
  • السابق
  • 368 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 184962 / تحميل: 6462
الحجم الحجم الحجم
التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

مؤلف:
الناشر: دار القرآن الكريم
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

إبراهيم العمري ، والحسين بن محمد العقيقي(1) وغيرهم.

ولم تنته هذه المحاولات حتى بعد شهادة الإمام العسكريعليه‌السلام مسموماً سنة 260 ه‍ ، إذ تحدثت المصادر عن إلقاء حلائله وأصحابه في السجن ، وأنه جرى عليهم كلّ عظيم من اعتقال وتهديد وتصغير واستخفاف وذلّ(2) .

أما موقفهعليه‌السلام مما يجري على أصحابه ، فيمكن تلخيصه في ثلاثة إتجاهات :

الاتجاه الأوّل : الدعاء على أعدائهم

وقد ذكرنا آنفاً أنهعليه‌السلام كان يرفدهم بالدعاء في أحرج الظروف وأحوجها ، ومن ذلك الدعاء الذي رواه عبد الله بن جعفر الحميري ، قال : كنت عند مولاي أبي محمد الحسن بن علي العسكري صلوات الله عليه ، إذ وردت إليه رقعة من الحبس من بعض مواليه ، يذكر فيها ثقل الحديد وسوء الحال وتحامل السلطان ، فكتب إليه :« يا عبد الله ، إنّ الله عليه‌السلام يمتحن عباده ليختبر صبرهم ، فيثيبهم على ذلك ثواب الصالحين ، فعليك بالصبر ، واكتب إلى الله عزوجل رقعة وانفذها إلى مشهد الحسين بن علي صلوات الله عليه ، وارفعها عنده إلى الله عزوجل ، وادفعها حيث لا يراك أحد ، واكتب في الرقعة » ثم أورد دعاءً طويلاً كان منه قولهعليه‌السلام :« اللهم إني قصدت بابك ، ونزلت بفنائك ، واعتصمت بحبلك ، واستغثت بك ، واستجرت بك ، يا غياث المستغيثين أغثني ، يا جارالمستجيرين أجرني ، يا إله العاملين خذ بيدي ، إنّه قد علا الجبابرة في

__________________

(1) راجع : الغيبة للشيخ الطوسي : 227 / 194 ، الفصول المهمة 2 : 1084 ، بحار الأنوار 50 : 306 / 2 و 312 / 10.

(2) راجع : الإرشاد 2 : 336.

٤١

أرضك ، وظهروا في بلادك ، واتخذوا أهل دينك خولاً ، واستأثروا بفيء المسلمين ، ومنعوا ذوي الحقوق حقوقهم التي جعلتها لهم ، وصرفوها في الملاهي والمعازف ، واستصغروا آلاءك ، وكذّبوا أولياءك ، وتسلطوا بجبريّتهم ليعزّوا من أذللت ، ويذلّوا من أعززت ، واحتجبوا عمّن يسألهم حاجة ، أو من ينتجع منهم فائدة » (1) .

وفي هذا الدعاء يشير الإمام العسكريعليه‌السلام إلى مظاهر الفوضى والفساد والظلم التي طبعت الحياة السياسية آنذاك ، فذكر استئثار رجالات السلطة بفيء المسلمين ، ومنعهم ذوي الحقوق حقوقهم التي جعلها الله لهم ، وتبديدها في أسباب اللهو على حساب فقر الفقراء والمصالح التي تفوت بذلك.

ومن دعاء طويل لهعليه‌السلام على موسى بن بغا الذي شكاه أهل قم لجوره وظلمه ، قالعليه‌السلام :« اللّهم وقد شملنا زيغ الفتن ، واستولت علينا غشوة الحيرة ، وقارعنا الذل والصغار ، وحكم علينا غير المأمونين في دينك ، وابتزّ اُمورنا معادن الاُبنَ (2) ممّن عطّل حكمك ، وسعى في اتلاف عبادك ، وإفساد بلادك.

اللّهم وقد عاد فيئنا دولة بعد القسمة ، وإمارتنا غلبة بعد المشورة ، وعدنا ميراثاً بعد الاختيار للاُمّة ، فاشتريت الملاهي والمعازف بسمهم اليتيم

__________________

(1) بحار الأنوار / المجلسي 102 : 238 / 5 عن الكتاب العتيق للغروي ـ المكتبة الاسلامية.

(2) الاُبَن : جمع ابنة ، الحقد والعداوة والعيب.

٤٢

والأرملة ، وحكم في أبشار المؤمنين أهل الذمة(1) ، وولي القيام باُمورهم فاسق كلّ قبيلة ، فلا ذائد يذودهم عن هلكة ، ولا راعٍ ينظر إليهم بعين الرحمة ، ولا ذو شفقة يشبع الكبد الحرّى من مسغبة ، فهم أولو ضرع بدار مضيعة ، واُسراء مسكنة وحلفاء كآبة وذلّة.

اللّهم وقد استحصد زرع الباطل ، وبلغ نهايته ، واستحكم عموده ، واستجمع طريده ، وخذرف وليده ، وبسق فرعه ، وضرب بجرانه ، اللّهم فأتح له من الحق يداً حاصدة تصرع قائمه ، وتهشم سوقه ، وتجبّ سنامه ، وتجدع مراغمه ، ليستخفي الباطل بقبح صورته ، ويظهر الحق بحسن حليته »(2) .

الاتجاه الثاني : احسانه عليه‌السلام إليهم

وقد كان يأمر قوامه ووكلاءه بالتخفيف من وطأة الفقر عن كواهلهم ، ويعطي المعوزين منهم ما يرفع عنهم أسباب العوز والحاجة ، وممن شملهم بره وإحسانه أبو هاشم الجعفري ، وعلي بن إبراهيم بن موسى بن جعفر ، وأبو يوسف

__________________

(1) قد يقال : إن الخلفاء في هذا العصر خصوصاً المتوكل قد فرضوا قيوداً صارمة على أهل الذمة ، لكن المتصفح لكتب التاريخ يري أنّهم يشكلون جزءاً مهماً من جيوش الخلافة ، وبعضهم كانوا ذوي مناصب عالية في الجيش ، منهم أبو العباس الوارثي النصراني ، الذي وجهه بغا إلى أرمينية. راجع : الكامل في التاريخ 6 : 116 ، ومنهم صاعد بن مخلد النصراني كاتب الموفق ووزير المعتمد. راجع : سير أعلام النبلاء 13 : 326 / 149.

(2) مهج الدعوات لابن طاوُس : 67 ـ طهران ـ 1323 ه‍ ، بحار الأنوار 85 : 229 / 1.

٤٣

الشاعر(1) ، وغيرهم.

الاتجاه الثالث : تحذيرهم من الفتن

حيث كانعليه‌السلام يمارس دوره كقائد لمواليه وأصحابه وراعٍ لمصالحهم ومدافع عن قضاياهم في حدود فسحة ضيقة محكومة بالرقابة والضغط ، وعلى هذا الصعيد كانعليه‌السلام يحذرهم الأخطار والفتن المحدقة بهم ، ومن الوقوع في أحابيل السلطة ، ويساعدهم في إخفاء نشاطهم بحسب الإمكان ، ويهيء الجماعة الصالحة لغيبة ولده الحجةعليه‌السلام الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً.

وفي هذا الاتجاه أوصى أصحابه ان يكونوا على اُهبة من فتنةٍ تظلهم عند موت المعتز(2) .

وحذرهم من الإذاعة وطلب الرئاسة مشدّداً على التقوى وأداء الأمانة ، فقد جاء في الرسالة لهعليه‌السلام إلى بعض بني أسباط :« إياك والاذاعة وطلب الرئاسة ، فإنّهما يدعوان إلى الهلكة واقرأ من تثق به من مواليّ السلام ، ومُرهم بتقوى الله العظيم وأداء الأمانة وأعلمهم أن المذيع علينا حرب لنا » (3) .

وأكد على الكتمان والحيطة حتى أنهعليه‌السلام قال لأحد أصحابه :« إذا سمعت

__________________

(1) راجع : أصول الكافي 1 : 506 / 3 و 507 / 10 ـ باب مولد أبي محمد الحسن بن عليعليه‌السلام ـ من كتاب الحجة ، بحار الأنوار 50 : 294 / 69.

(2) كشف الغمة 3 : 295 ، بحار الأنوار 50 : 298 / 72.

(3) كشف الغمة 3 : 293 ، بحار الأنوار 50 : 296 ـ 297.

٤٤

لنا شاتماً فامض لسبيلك التي اُمرت بها ، وإياك أن تجاوب من يشتمنا ، أو تعرّفه من أنت ، فاننا ببلد سوء ومصر سوء » (1) .

وقال لأحد أصحابه حينما أراد أن يصرّح بإمامتهعليه‌السلام :« إنّما هو الكتمان أو القتل ، فاتق الله على نفسك » ، وفي رواية :« فابقوا على أنفسكم » (2) .

وبلغت درجة الحيطة لديهعليه‌السلام أنه أوصى بعض أصحابه أن لا يسلّم عليه أو يدنو منه ، فقد ترصّده أصحابه يوماً عند ركوبه إلى دار الخلافة ليسلموا عليه ، فخرج التوقيع منهعليه‌السلام إليهم :« ألا لا يسلمنّ عليّ أحد ، ولا يشير إليّ بيده ، ولا يومئ ، فانكم لا تأمنون على أنفسكم » (3) .

ونادىعليه‌السلام يوماً حمزة بن محمد بن أحمد بن علي بن الحسين بن علي ، وقد أراد الاقتراب منه حينما خرج مع السلطان وأحسّ منه خلوة :« لا تدن مني ، فإنّ عليّ عيوناً ، وأنت أيضاً خائف » (4) .

مواقف العباسيين :

لغرض استجلاء موقف السلطة من الإمام لابدّ من استعراض موقف الحاكمين من بني العباس على انفراد حسب التسلسل التاريخي ، وقد ذكرنا أن الإمام العسكريعليه‌السلام عاصر في سني إمامته ( 254 ـ 260 ه‍ ) شطراً من خلافة المعتز والمهتدي وبعض سني خلافة المعتمد ، لكنا سوف نذكر بعضاً من مواقف

__________________

(1) المناقب لابن شهر آشوب 4 : 461.

(2) إثبات الوصية : 251 ، كشف الغمة 3 : 302 ، بحار الأنوار 50 : 290 / 63.

(3) الخرائج والجرائح 1 : 439 / 20 ، بحار الأنوار 50 : 269 / 24.

(4) الثاقب في المناقب / لأبي جعفر محمد بن علي الطوسي : 573 / 520 ـ دار الزهراء ـ 1411.

٤٥

المتقدمين الذين عاصروا الإمام العسكريعليه‌السلام منذ ولادته إلى أن تسنّم الإمامة ( 232 ـ 254 ه‍ ) ومع كون هذه المدة تقع ضمن فترة إمامة أبيهعليه‌السلام لكن الإمام العسكريعليه‌السلام واكب أحداثها وعانى من آثارها وعاش شتى الصعوبات والظروف القاسية التي واجهت أباه من قبل ؛ منذ استدعائه من المدينة إلى سامراء حتى وفاته مروراً بالحصار والاقامة والاعتقال محاولات الاغتيال.

على أنه لم ينقل لنا التاريخ تفاصيل العلاقة بين الإمامعليه‌السلام وبين كلّ واحد من خلفاء عصره ، عدا أخبار اعتقاله وتنبؤاته بموت بعضهم أو قتله ، وموقف الخلفاء من الشيعة بشكل عام والطالبيين بشكل خاص الذين طالهم السجن والتشريد والقتل صبراً على يد أجهزة السلطة.

اولاً ـ المتوكل ( 232 ـ 247 ه‍ )

وهو جعفر بن المعتصم بن الرشيد ، بويع بعده وفاة أخيه الواثق في ذي الحجة سنة 232 ه‍ ، وكان عمر الإمام العسكريعليه‌السلام نحو ثمانية أشهر ونصف ، إذ ولدعليه‌السلام في الثامن من ربيع الآخر سنة 232.

إن السمة الغالبة على المتوكل هي النصب والتجاهر بالعداء لآل البيتعليهم‌السلام والحقد السافر عليهم وعلى من يمتّ لهم بصلة نسب أو ولاء ، وقد أجمع على هذا الأمر غالبية المؤرخين حتى : أولئك اعتبروه ناصراً للسنّة وشبّهوه بالصديق وعمر بن عبد العزيز.

قال السيوطي : « كان المتوكل معروفاً بالتعصب »(1) .

__________________

(1) تاريخ الخلفاء : 268. والظاهر أن أصل عبارة السيوطي ( بالنصب ).

٤٦

وقال الذهبي : « كان المتوكل فيه نصب وانحراف »(1) .

وقال ابن الأثير : « كان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي طالب ولأهل بيته ، وكان يقصد من يبلغه عنه أنه يتولى علياً وأهله بأخذ المال والدم ، وكان من جملة ندمائه عبادة المخنّث ، وكان يشدّ على بطنه تحت ثيابه مخدّة ويكشف رأسه وهو أصلع ويرقص بين يدي المتوكل ، والمغنون يغنّون ؛ قد أقبل الأصلع البطين خليفة المسلمين ، يحكي بذلك علياًعليه‌السلام والمتوكل يشرب ويضحك ...

وإنّما كان ينادمه ويجالسه جماعة قد اشتهروا بالنصب والبغض لعلي ، منهم : علي بن الجهم الشاعر الشامي من بني شامة بن لؤي ، وعمرو بن الفرج الرخجي ، وأبو السمط من ولد مروان بن أبي حفصة من موالي بني أميه ، وعبدالله بن داود الهاشمي المعروف بابن اُترجه ، وكانوا يخوّفونه من العلويين ، ويشيرون عليه بإبعادهم والإعراض عنهم والإساءة إليهم ، ثم حسّنوا له الوقيعة في أسلافهم الذين يعتقد الناس علوّ منزلتهم في الدين ، ولم يبرحوا به حتى ظهر منه ما كان »(2) .

ولا يمكن أن يجرأ أحد من هؤلاء الذين ذكرهم ابن الأثير على النيل من أمير المؤمنينعليه‌السلام وعموم أهل البيت أمام أحد سلاطين بني العباس ، لولا علمهم المسبق بعداء ذلك ( الخليفة ) السافر لأهل البيتعليهم‌السلام وحقده المقيت عليهم ، وحرصه على تشجيع ثقافة النصب والبغض وافشائها في أوساط الناس عن طريق بعض المرتزقة من الشعراء وغيرهم.

__________________

(1) سير أعلام النبلاء 12 : 35.

(2) الكامل في التاريخ 6 : 108 ـ 109.

٤٧

روي أنّ أبا السمط مروان بن أبي الجنوب ، قال : « أنشدت المتوكل شعراً ذكرت فيه الرافضة ، فعقد لي على البحرين واليمامة ، وخلع عليّ أربع خلع ، وخلع عليّ المنتصر ، وأمر لي المتوكل بثلاثة آلاف دينار ، فنثرت عليّ ، وأمر ابنه المنتصر وسعد الايتاخي أن يلتقطاها لي ففعلا ، والشعر الذي قلته :

يرجوا التراث بنو البنا

ت وما لهم فيها قُلامه

والصهر ليس بـوارثٍ

والبنت لا ترث الامامه

ما للذين تنحلّوا

ميراثكـم إلا النـدامه

ليـس التراث لغيركـم

لا والالـه ولا كرامه

قال : ثمّ نثر عليّ بعد ذلك لشعرٍ قلته في هذا المعنى عشرة آلاف درهم »(1) .

ومن هنا كان زمان المتوكل إيذاناً ببدء عهد الظلم والتعسّف على أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم ؛ لأن المتوكل أمعن في التنكيل بهم وأسرف في القتل والحبس والحصار والتشريد وصنوف الأذي والعنت ، وفيما يلي نذكر بعض اجراءاته في هذا الإتجاه :

1 ـ استدعاء الإمام الهادي عليه‌السلام إلى سامراء وايذاؤه

كان المتوكل حريصاً على محاصرة الإمام الهاديعليه‌السلام ووضعه تحت الرقابة وعزله عن الجمهور المسلم الذي كان ينتفع به ويعظّمه وعن شيعته ومواليه في المدينة ، لهذا كتب باشخاصه مع أهل بيته ومواليه ، من مدينة جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يثرب إلى عاصمة الملك العباسي آنذاك سامراء.

__________________

(1) تاريخ الطبري 9 : 230 ، الكامل في التاريخ 6 : 140.

٤٨

أسباب الاستدعاء

إنّما ينطلق المتوكل في كلّ مواقفه مع الإمام الهاديعليه‌السلام وشيعته من البغض الذي يكنّه لأهل بيت النبوة ، وفضلاً عن ذلك فقد ذكر المؤرخون سببين مرتبطين دفعا المتوكل إلى إشخاص الإمامعليه‌السلام إلى سامراء وهما :

السبب الأول : هاجس الخوف الذي يراود المتوكل من انصراف الناس إلى الإمامعليه‌السلام لما علمه من إلتفاف الناس حوله في المدينة ، نقل سبط ابن الجوزي عن علماء السير قولهم : « إنّما أشخصه المتوكل إلى بغداد ، لأن المتوكل كان يبغض علياًعليه‌السلام وذريته ، فبلغه مقام عليعليه‌السلام بالمدينة ، وميل الناس إليه فخاف منه »(1) .

وعبّر عن هذا المعنى أيضاً يزداد النصراني تلميذ بختيشوع طبيب البلاط ، قال : « بلغني أن الخليفة استقدمه من الحجاز فَرَقاً منه ، لئلا تنصرف إليه وجوه الناس ، فيخرج هذا الأمر عنهم ، يعني بني العباس »(2) .

والإمامعليه‌السلام لم يكن في موقع الدعوة إلى الثورة ضد الخلافة العباسية ، لأن الظروف الموجودة آنذاك لم تكن تسمح بمثل هذا العمل ، وقد عرف الإمامعليه‌السلام بعد استدعائه هواجس نفس المتوكل ، فبين له أنه ليس همّه استلام السلطة ولا تنزع نفسه الكريمة إلى شيء من هذا الحطام ، وذلك حينما استعرض المتوكل جيشه بحضور الإمامعليه‌السلام وقد بلغ تسعين ألفاً من الترك ، فقالعليه‌السلام :« نحن

__________________

(1) تذكرة الخواص : 322.

(2) دلائل الإمامة / الطبري : 419 / 382 ـ مؤسسة البعثة ـ قم ـ 1413 ه‍ ، نوادر المعجزات / الطبري : 188 / 7 ـ مؤسسة الإمام المهديعليه‌السلام ـ قم 1410 ه‍.

٤٩

لا ننافسكم في الدنيا ، نحن مشتغلون بأمرالآخرة ، ولا عليك ممّا تظنّ » (1) .

السبب الثاني : الدور الذي مارسه بعض الحاقدين من عمال بني العباس في الوشاية بالإمام إلى المتوكل ، ومنهم عبد الله بن محمد بن داود الهاشمي ، المعروف بابن اترجة أو بريحة(2) ، وكان يتولى ادارة الحرب والصلاة في الحرمين.

قال المسعودي : كتب بريحة إلى المتوكل : إن كان لك في الحرمين حاجة فاخرج علي بن محمد منها ، فإنّه قد دعا الناس إلى نفسه واتبعه خلق كثير ؛ وتابع كتبه إلى المتوكل بهذا المعنى(3) .

وقال الشيخ المفيد : سعى بأبي الحسنعليه‌السلام إلى المتوكل ، وكان يقصده بالاذى(4) .

وقال اليعقوبي : كتب إلى المتوكل يذكر أن قوماً يقولون إنه الإمام(5) .

ومهما يكن فان أفعال الوشاة توقظ شكوك المتوكل وأحقاده وتثير توجّسه الكامن في نفسه تجاه الإمامعليه‌السلام .

كتاب الاستدعاء

ذكر الشيخ المفيد أنه لما بلغ أبا الحسنعليه‌السلام سعاية عبد الله بن محمد به ، كتب إلى المتوكل يذكر تحامل عبد الله بن محمد عليه ويكذبه في ما وشى به إليه ، فتقدم

__________________

(1) الخرائج والجرائح 1 : 414 / 19 ، الثاقب في المناقب : 557 ، كشف الغمة 3 : 185 ، بحار الأنوار 50 : 155 / 44.

(2) أو بريهة ، راجع : الكامل في التاريخ 6 : 245.

(3) إثبات الوصية : 233.

(4) الإرشاد 2 : 309.

(5) تاريخ اليعقوبي 2 : 484.

٥٠

المتوكل باجابة الإمامعليه‌السلام بكتاب دعاه فيه إلى حضور العسكر على جميل الفعل والقول(1) . ثم أورد نسخة الكتاب.

وكان جواب المتوكل الذي استدعى بموجبه الإمامعليه‌السلام إلى سامراء هادئاً ليناً ، تظاهر فيه بتعظيم الإمامعليه‌السلام وإكرامه ، ووعده فيه باللطف والبرّ ، وذكر فيه براءته مما نسب إليه واتهم به من التحرك ضد الدولة ، وانه أمر بعزل الوالي الذي سعى به ـ وهو عبد الله بن محمد ـ عن منصبه وولّى محلّه محمد بن الفضل ، وادّعى في آخر الكتاب أنّه مشتاق إلى الإمامعليه‌السلام ، ثم أفضى إلى بيت القصيد وهو أن يشخص الإمامعليه‌السلام إلى سامراء مع من اختار من أهل بيته ومواليه ، وأن يرافقه يحيى بن هرثمة الذي أرسله لأداء هذه المهمة على رأس الجند.

ولا يعدو كتاب المتوكل كونه مناورة حاول الالتفاف من خلالها على الإمامعليه‌السلام واحتواء نشاطه ، أو قل هو صيغة دبلوماسية من قبيل ذرّ الرماد في العيون ، إذ لم يكن المتوكل صادقاً فيما وعد ، فحينما دخل يحيى بن هرثمة المدينة فتّش دار الإمامعليه‌السلام حتى ضجّ أهل المدينة ، ولما وصل ركب الإمامعليه‌السلام إلى سامراء احتجب عنه المتوكل في اليوم الأول ، ونزل الإمامعليه‌السلام الإمام في خان الصعاليك ، وأمر بتفتيش داره في سامراء مرات عديدة ، ولم يمض مزيد من الوقت حتى عزل محمد بن الفضل وولى مكانه محمد بن الفرج الرخّجي المعروف بعدائه السافر لآل البيتعليهم‌السلام (2) .

__________________

(1) الإرشاد 2 : 309 ، وراجع نسخة كتاب المتوكل أيضاً في أصول الكافي 1 : 501 / 7 ، والفصول المهمة 2 : 1069.

(2) قال ابن كثير : كان المتوكل لا يولي أحداً إلا بعد مشورة الإمام أحمد ، البداية

٥١

ويبدوا أن المتوكل قد صاغ كتابه بصيغة الرجاء ، وكأنه ترك للإمامعليه‌السلام الخيار في الشخوص أو البقاء ، غير أنه الاكراه بعينه ، إذ أنه بعث الكتاب مع الجند وقادتهم الذي أرسلهم لأداء مهمة إشخاص الإمام ، ثمّ ( إن الإمام إن لم يذهب حيث أمره يكون قد أثبت تلك التهمة على نفسه ، وأعلن العصيان على الخلافة ، وكلاهما مما لا تقتضية سياسة الإمام )عليه‌السلام (1) .

ولعل أوضح دليل على إلزام الإمامعليه‌السلام بهذا الأمر هو تصريحهعليه‌السلام بذلك في حديث رواه المنصوري عن عم أبيه أبي موسى ، ثم قال : « قال لي يوماً الإمام علي بن محمدعليهما‌السلام :يا أبا موسى ، اُخرجت إلى سرّ من رأى كرها ً »(2) .

الامام العسكري يرافق أباه عليهما‌السلام

رافق الإمام العسكري أباه الإمام الهاديعليهما‌السلام في رحلته من المدينة إلى سامراء مع أهل بيته وبعض مواليه ، وقد اختلف في عمرهعليه‌السلام حينذاك نظراً للاختلاف في تاريخ رحلة الإمامعليه‌السلام .

__________________

والنهاية 10 : 316 ، فان كان ذلك حقاً ، فلا أدري كيف يوافق الإمام أحمد على تولية أمثال : محمد بن الفرج الرخجي ، والد يزج الذي هدم قبر الحسينعليه‌السلام ، وأبي السمط مروان بن أبي الجنوب الذي ولاه على اليمامة والبحرين ، وابن اُترجة الذي ولاه الحرب والصلاة في الحرمين وغيرهم من النواصب ؟! فإنّ أراد المبالغة في مدح المتوكل الناصبي فقد عرّض بالإمام أحمد وأساء إليه ، وإن كان قوله حقاً فعلى أمثال الإمام أحمد العفا.

(1) تاريخ الغيبة الصغرى للسيد محمد الصدر : 107 ـ دار التعارف ـ بيروت ـ 1412 ه‍.

(2) المناقب لابن شهر آشوب 4 : 449 ، بحار الأنوار 50 : 129 / 8.

٥٢

ذكر المسعودي أنه شخص الإمام الحسن العسكري بشخوص والدهعليهما‌السلام إلى العراق في سنة 236 ه‍ وله أربع سنين وشهور(1) .

وذكر الطبري أنه قدم يحيى بن هرثمة بعلي بن محمد بن علي الرضا بن موسى ابن جعفر سنة 233 ه‍(2) ، وعليه يكون عمر الإمام العسكريعليه‌السلام نحو سنة واحدة ، وعلى ضوئه ذكر ابن كثير أن مدة إقامة الإمام الهاديعليه‌السلام في سامراء أكثر من عشرين سنة. قال في أحداث سنة 254 ه‍ ، وهي السنة التي توفي فيها الإمام الهاديعليه‌السلام : نقله المتوكل إلى سامراء ، فأقام بها أزيد من عشرين سنة بأشهر ، ومات في هذه السنة(3) ، وكذلك ذكر ابن طولون أنهعليه‌السلام أقام في سامراء عشرين سنة وتسعة أشهر(4) .

أما الشيخ المفيد فقد ذكر نسخة كتاب الاستدعاء الذي كتبه المتوكل. وورد في ذيله أن كاتبه إبراهيم بن العباس كتبه في سنة 243 ه‍(5) . وأكّد هذا التاريخ باعتبار أن مقام الإمام الهاديعليه‌السلام في سامراء إلى أن قُبض عشر سنين وأشهراً(6) . وعليه يكون عمر الإمام العسكريعليه‌السلام عندما غادر المدينة أحد عشرسنة وبضعة شهور.

ويبدو أن الشيخ المفيد استفاد من رواية الكافي لنسخة كتاب المتوكل ،

__________________

(1) إثبات الوصية / المسعودي : 244.

(2) تاريخ الطبري 9 : 163 ـ حوادث سنة 233 ه‍.

(3) البداية والنهاية 11 : 15 ـ حوادث سنة 254 ه‍.

(4) الأئمة الاثنا عشرعليهم‌السلام / لابن طولون : 109 و 113 ـ بيروت ـ دار صادر.

(5) الإرشاد 2 : 310.

(6) الإرشاد 2 : 312.

٥٣

والتي ورد فيها اسم كاتب المتوكل ( إبراهيم بن العباس ) في ذيل الكتاب إلا أنه يخلو من التاريخ ، لكن جاء في أول رواية الكافي ما يلي : عن محمد بن يحيى ، عن بعض أصحابنا ، قال : أخذت نسخة كتاب المتوكل إلى أبي الحسن الثالث من يحيى بن هرثمة في سنة 243 ه‍(1) ، وواضح أن هذا هو تاريخ أخذ نسخة الكتاب لا تاريخ كتابته ، ويؤيده أن ابن هرثمة هو الذي أخذ الكتاب إلى المدينة لاستدعاء الإمامعليه‌السلام إلى سامراء ، فكيف تؤخذ نسخة الكتاب منه قبل إنهاء مهمته ؟!

ورجّح السيد محمد الصدر أن تاريخ الرحلة كان سنة 234 ه‍ ، وإذا صحّ ذلك فسيكون عمر الإمام العسكريعليه‌السلام حينما غادر المدينة نحو سنتين ، وترجيحه مبنياً على اعتبارين ؛ الأول : ما ذكره ابن شهر آشوب من أن مدة مقام الإمام الهاديعليه‌السلام في سامراء من حين دخوله إلى وفاته عشرون سنة(2) ، فإذا كانت وفاته 254 ه‍ ، تكون سفرته سنة 234 ه‍ ، الثاني : كون هذا التاريخ أنسب بالاعتبار السياسي ، لأنه بعد مجيء المتوكل إلى الخلافة بعامين ، فيكون المتوكل قد طبّق منهجه في الرقابة على الإمامعليه‌السلام في الأعوام الاولى من خلافته ، بخلاف رواية المفيد التي تبعد بالتاريخ عن استخلاف المتوكل أحد عشر عاماً(3) .

__________________

(1) أصول الكافي 1 : 501 / 7 ـ باب مولد أبي الحسن علي بن محمدعليهما‌السلام من كتاب الحجة.

(2) المناقب لابن شهر آشوب 4 : 433.

(3) تاريخ الغيبة الصغري 2 : 107 ـ 108.

٥٤

من المدينة إلى سامراء

ذكر المسعودي « أن يحيى بن هرثمة قدم المدينة ، فأوصل الكتاب إلى بريحة ، وركبا جميعاً إلى أبي الحسنعليه‌السلام فأوصلا إليه كتاب المتوكل ، فاستأجلهما ثلاثاً ، فلما كان بعد ثلاث عاد يحيى إلى داره فوجد الدواب مسرجة والأثقال مشدودة قد فرغ منها ، وخرج صلوات الله عليه متوجهاً نحو العراق ، وأتبعه بريحة مشيعاً ، فلما صار في بعض الطريق ، قال له بريحة : قد علمت وقوفك على أني كنت السبب في حملك ، وعليَّ حلف بأيمان مغلظة لئن شكوتني إلى أمير المؤمنين أو إلى أحد من خاصته وأبنائه ، لأجمرنّ نخلك ، ولأقتلنّ مواليك ولأعورنّ عيون ضيعتك ، ولأفعلن وأصنعن.

فالتفت إليه أبو الحسنعليه‌السلام فقال له :إن أقرب عَرضي إياك على الله البارحة ، وما كنت لأعرضنك عليه ثم لاشكونك إلى غيره من خلقه . فانكبّ عليه بريحة وضرع إليه واستعفاه. فقال له :قد عفوت عنك »(1) . وهكذا تجد بريحة يهتزّ من كلام الإمامعليه‌السلام فينكبّ عليه ويتضرع إليه ، رغم أنّه في موقع القوة ، وهذه هي هيبة أولياء الله في قلوب أعدائه ، وتلك هي أخلاقهم وسماحتهم لمن أساء إليهم.

ونقل سبط ابن الجوزي عن علماء السير : « أن المتوكل دعا يحيى بن هرثمة وقال : اذهب إلى المدينة ، وانظر حاله وأشخصه إلينا ، قال يحيى : فذهبت إلى المدينة ، فلما دخلتها ضجّ أهلها ضجيجاً عظيماً ما سمع الناس بمثله خوفاً على علي ، وقامت الدنيا على ساق ، لأنّه كان محسناً إليهم ملازماً للمسجد ، ولم يكن

__________________

(1) إثبات الوصية : 233.

٥٥

عنده ميل إلى الدنيا.

قال يحيى : فجعلت اُسكّنهم وأحلف لهم أنّي لم اُؤمر فيه بمكروه ، وأنه لا بأس عليه ، ثمّ فتّشت منزله ، فلم أجد فيه إلا مصاحف وأدعية وكتب العلم ، فعظم في عيني ، وتوليت خدمته بنفسي ، وأحسنت عشرته ، فلما قدمت به بغداد بدأت باسحاق بن إبراهيم الطاهري ، وكان والياً على بغداد فقال لي : يا يحيى ، إن هذا الرجل قد ولده رسول الله والمتوكل من تعلم ، فإنّ حرّضته عليه قتله ، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خصمك يوم القيامة ، فقلت له : والله ما وقعت منه إلا على كلّ أمر جميل ، ثم صرت به إلى سرّ من رأى ، فبدأت بوصيف التركي فأخبرته بوصوله ، فقال : والله لئن سقط منه شعره لا يطالب بها سواك ، قال : فعجبت كيف وافق قوله قول إسحاق »(1) .

هذا الخبر يدل على الموقع الذي يشغله الإمام الهاديعليه‌السلام في نفوس الناس وكسب ثقتهم ومحبتهم على اختلاف توجهاتهم ، وذلك من خلال إحسانه إليهم ورعاية اُمورهم وتأثّرهم بخصائص شخصيته الباهرة ، ممّا جعله في موقع محبة الناس كلهم ، فهرعوا في مظاهرة احتجاجية لم يسمع بمثلها خوفاً على حياة إمامهمعليه‌السلام من بطش المتوكل الذي يعرفون توجهاته وممارساته ، لهذا حاول ابن هرثمة تهدئتهم بقسمه لهم أنه لم يؤمر فيه بمكروه ، وتأثّر ابن هرثمة بعظمة الإمامعليه‌السلام أيضاً فتولّى خدمته بنفسه وأحسن عشرته ، وهكذا امتدت محبة الإمامعليه‌السلام وتعظيمه إلى حاشية المتوكل في بغداد وسامراء.

وتتجلّى مظاهر الحب والتعظيم أيضاً في تشوق الناس من أهالي بغداد إلى

__________________

(1) تذكرة الخواص : 322 ، مروج الذهب 4 : 422 نحوه.

٥٦

الإمام الهاديعليه‌السلام واجتماعهم لرؤيته ، مما اضطرهم إلى دخول البلد ومغادرته في الليل ، فقد جاء في تاريخ اليعقوبي « أنه لما كان في موضع يقال له الياسرية نزل هناك ، وركب إسحاق بن إبراهيم الطاهري لتلقيه ، فرأى تشوق الناس إليه واجتماعهم لرؤيته ، فأقام إلى الليل ، ودخل به في الليل ، فأقام ببغداد بعض تلك الليلة ثم نفذ إلى سرّ من رأى »(1) .

في سامراء :

حينما وصل ركب الإمام الهاديعليه‌السلام إلى سامراء تقدّم المتوكّل بأن يُحجَب عنه في يومه ، واُنزل في خان يُعَرف بخان الصعاليك(2) ، فأقام فيه يومه ، ثمّ تقدّم المتوكل بافراد دارٍ له ، فانتقل إليها ، فأقام أبو الحسن مدة مقامه بسرّ من رأى مكرماً معظماً مبجلاً في ظاهر حاله ، والمتوكل يبغي له الغوائل في باطن الأمر ، ويجتهد في ايقاع حيلة به ، ويعمل على الوضع من قدره في عيون الناس ، فلا يتمكن من ذلك ولم يقدره الله عليه(3) .

والظاهر أن المتوكل أمر أولاً بجحز الإمامعليه‌السلام وفرض الإقامة الجبرية عليه في مكان غير لائق ، ثمّ أنه لما سمع الاطراء من قادة الجند الموكلين به ، صار مضطراً إلى إكرامه ، نقل سبط ابن الجوزي عن علماء السير عن يحيى بن هرثمة أنه قال : « لمّا دخلت على المتوكل سألني عنه فأخبرته بحسن سيرته وسلامة

__________________

(1) تاريخ اليعقوبي 2 : 484.

(2) راجع : أصول الكافي 1 : 498 / 2 باب أبي الحسن علي بن محمدعليه‌السلام من ـ كتاب الحجة ، بصائر الدرجات / للصفار : 426 / 7 و 427 / 11 ـ مؤسسة الأعلمي ـ طهران ، الخرائج والجرائح / للقطب الراوندي 2 : 680 / 10.

(3) الإرشاد 2 : 311 ، الفصول المهمة 2 : 1070 ، إعلام الورى 2 : 126.

٥٧

طريقته وورعه وزهادته ، وأني فتّشت داره فلم أجد فيها غير المصاحف وكتب العلم ، وأن أهل المدينة خافوا عليه ، فأكرمه المتوكل وأحسن جائزته وأجزل برّه ، وأنزله معه سر من رأى »(1) ، لتمرير مخططه القاضي بعزل الإمامعليه‌السلام ومراقبته.

مداهمة دار الامام عليه‌السلام :

تقوم أجهزة السلطة بذرائع مختلفة بالتفتيش المفاجئ لدار الإمام الهاديعليه‌السلام في سامراء ، وعلى رأسها الوشايات التي ترتفع إلى المتوكل من النواصب المحيطين به ، فتثير في نفسه كوامن الخوف والشك والحقد التي اشتملت على كيانه وأحاطت جوانبه ، فيأمر بكبس داره ، وفي كلّ حوادث الدهم التي تعرّضت لها دار الإمام يرجع المأمورون وبالتالي الوشاة بالخيبة والفشل الذريعين ، لأنهم لم يجدوا شيئاً مريباً ولا أيّ نشاط غريب ، وليس ثمة إلا الإمامعليه‌السلام وهو يتلوا القرآن أو يقيم الصلاة.

عن إبراهيم بن محمد الطاهري ـ في حديث طويل ـ قال : « سعي البطحاني(2) بأبي الحسنعليه‌السلام إلى المتوكل ، وقال : عنده سلاح وأموال ، فتقدم المتوكل إلى سعيد الحاجب أن يهجم ليلاً عليه ، وياخذ ما يجده عنده من الأموال والسلاح ويحمله إليه. قال إبراهيم : فقال لي سعيد الحاجب : صرت إلى

__________________

(1) تذكرة الخواص : 322 ، ونحوه في مروج الذهب 4 : 422.

(2) في الكافي : البطحائي العلوي ، وهو يشير إلى أن الدولة تستعمل الضدّ النوعي للتجسس على الإمام ، الأمر الذي تمارسه حكومات الطغيان والاستبداد في هذا الزمان.

٥٨

دار أبي الحسن بالليل ، ومعي سُلّم ، فصعدت منه إلى السطح ، ونزلت من الدرجة إلى بعضها في الظلمة ، فلم أدر كيف أصل إلى الدار ، فناداني أبو الحسن من الدار :يا سعيد ، مكانك حتى يأتوك بشمعة ، فلم ألبث أن أتوني بشمعة ، فنزلت فوجدت عليه جبّه صوف وقلنسوة منها ، وسجادته على حصير بين يديه ، وهو مقبل على القبلة. فقال لي :دونك البيوت ، فدخلتها وفتشتها فلم اجد فيها شيئاً »(1) .

ومرة اُخرى وشي بالإمامعليه‌السلام إلى متوكل ، فأرسل الأتراك على حين غرّة إلى دار الإمام ، وقد أمرهم هذه المرة بحملهعليه‌السلام إليه حتى وإن لم يجدوا ما يثير الريبة والاستغراب ، ذلك لأنّه كان عازماً على الاستخفاف بالإمامعليه‌السلام بطرق اُخرى أمام ندمائه حينما لم يجد متسعاً لتنفيذ رغباته عن طريق سعاية الوشاة ، وما كان يتوقع أن الإمامعليه‌السلام سوف يصفعه بعظات نزلت كالصاعقة على أسماعه وأسماع ندمائه ، لأنها تصور ما سيؤول إليه أمره وأمر أمثاله من الطغاة عبيد الأهواء والشهوات.

روى المسعودي بالاسناد عن محمد بن يزيد المبرد ، قال : « قد كان سعي بأبي الحسن علي بن محمد إلى المتوكل ، وقيل له : إن في منزله سلاحاً وكتباً وغيرها من شيعته ، فوجّه إليه ليلاً من الأتراك وغيرهم من هجم عليه في منزله على غفلة ممن في داره ، فوجده في بيت وحده مغلق عليه ، وعليه مدرعة من شعر ، ولا بساط في البيت إلا الرمل والحصى ، وعلى رأسه ملحفة من الصوف

__________________

(1) أصول الكافي 1 : 499 / 4 باب مولد أبي الحسن علي بن محمدعليه‌السلام من كتاب الحجة ، الإرشاد 2 : 303 ، الخرائج والجرائح 1 : 676 / 8.

٥٩

متوجهاً إلى ربه ، يترنّم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد ، فأخذ على ما هو عليه ، وحمل إلى المتوكل في جوف الليل ، فمثل بين يديه والمتوكل يشرب وفي يده كأس ، فلمّا رآه أعظمه وأجلسه إلى جنبه ، ولم يكن في منزله شيء ممّا قيل فيه ولا حالة يتعلل عليه بها ، فناوله المتوكل الكأس الذي في يده ، فقال :يا أمير المؤمنين ، ما خامر لحمي ودمي قطّ فاعفني منه ، فعفاه وقال : انشدني شعراً أستحسنه ، فقال :إني قليل الرواية للأشعار . فقال : لابد أن تنشدني. فأنشده :

باتوا على قُلل الأجـبال تحرسهم

غلب الرجـال فمـا أغتنهم القللُ

واستنزلوا بعد عـزّ مـن معاقلهم

وأسكنوا حفراً يا بئس مـا نزلوا

ناداهم صارخ من بعد مـا قبروا

أين الأسرةُ والتيجانُ والحـللُ

أين الوجوه التي كانـت منـعّمة

من دونها تضرب الأستار والكللُ

فأفصح القبر عنهم حـين ساءلهم

تلك الوجوه عليها الـدود يـقتتلُ

قد طالما أكلوا دهراً ومـا شربوا

فأصبحوا بعد طول الإكل قد أكلوا

     
٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

فأيّكم أقرأ؟ فأشاروا إليّ فقال: إقرأ، فقرأت: والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلّى والذكر والانثى. فقال: أنت سمعتها من فيّ صاحبك؟ قلت: نعم. قال: وأنا سمعتها من فيّ النبي وهؤلاء يأبون علينا»(١) .

وفي رواية مسلم والترمذي: «أنا والله هكذا سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرؤها، وهؤلاء يريدونني أن أقرأها: وما خلق، فلا أتابعهم»(٢) .

التبديل في الألفاظ

ومن التغيير والتبديل في ألفاظ القرآن ما رووه عن ابن مسعود أنّه قد غيّر «إنّي أنا الرزّاق ذو القوّة المتين» إلى:( إنّ الله هو الرزّاق ... ) (٣) ففي مسند أحمد وصحيح الترمذي، بسندهما عنه، قال «أقرأني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّي أنا الرزّاق ذوالقوة المتين» قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح»(٤) .

وما رووه عن عمر أنّه كان يقرأ: «فامضوا إلى ذكر الله» بدل( فاسعوا ... ) ففي الدرّ المنثور عن عدّة من الحفّاظ والأئمة أنّهم رووا عن خرشة بن الحرّ، قال: «رأى معي عمر بن الخطّاب لوحاً مكتوباً فيه: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله(٥) فقال: من أملى عليك هذا؟ قلت: اُبيّ بن كعب، قال: إنّ ابيّاً أقرؤنا

__________________

(١) صحيح البخاري ٦: ٢١٠.

(٢) صحيح الترمذي ٥: ١٩١، صحيح مسلم ١: ٥٦٥.

(٣) سورة الذاريات: ٥٨.

(٤) مسند أحمد ١: ٣٩٤، صحيح الترمذي ٥: ١٩١.

(٥) سورة الجمعة: ٩.

١٤١

للمنسوخ، إقرأها: فامضوا إلى ذكر الله ...»(١) .

أحاديث نقصان القرآن

وأحاديث نقصان القرآن منها ما يتعلّق بالسور، ومنها ما يتعلّق بالآيات وأجزائها،فمن القسم الأول:

الأحاديث الواردة حول نقصان سورة الأحزاب، ومنها:

١ - ما رواه الحافظ السيوطي، بقوله: «أخرج عبد الرزاق في المصنّف، والطيالسي، وسعيد بن منصور، وعبدالله بن أحمد في زوائد المسند، وابن منيع والنسائي، والدار قطني في الأفراد، وابن المنذر، وابن الأنباري في المصاحف، والحاكم - وصحّحه - وابن مردويه، والضياء في المختارة: عن زرّ، قال: قال لي اُبيّ بن كعب: كيف تقرأ سورة الأحزاب - أو كم تعدّها -؟. قلت: ثلاثاً وسبعين آية. فقال اُبي: قد رأيتها وإنّها لتعادل سورة البقرة وأكثر من سورة البقرة، ولقد قرأنا فيها: «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتّة نكالاً من الله والله عزيز حكيم» فرفع منها ما رفع»(٢) .

وروى المتقي عن زر بن حبيش أيضاً، قال: «قال اُبيّ بن كعب: يا زر: كأيّن تقرأ سورة الأحزاب؟ قلت: ثلاث وسبعين آية. قال: إن كانت لتضاهي سورة البقرة أو هي أطول من سورة

__________________

(١) الدرّ المنثور ٦: ٢١٩.

(٢) الدرّ المنثور ٥: ١٧٩.

١٤٢

البقرة ...»(١) .

٢ - ما رواه الحافظ السيوطي عن عائشة، أنّها قالت: «كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مائتي آية، فلمّا كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلاّ على ما هو الآن»(٢) .

٣ - ما رواه الحافظ السيوطي عن البخاري في تأريخه عن حذيفة قال: «قرأت سورة الأحزاب على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فنسيت منها سبعين آية ما وجدتها»(٣) .

ويفيد الحديث الأول المنقول عن اُبيّ بن كعب أنّه كان يرى أنّ الآيات غير الموجودة من سورة الأحزاب - ومنها آية الرجم - كانت ممّا أنزله الله سبحانه على نبيّه، ومن القرآن حقيقة، وأنّها كانت تقرء كذلك على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى «رفع منها ما رفع»، فما معنى هذا الرفع؟ ومتى كان؟

وأمّا الحديث الثاني المنقول عن عائشة فيتضمّن الجواب عن هذا السؤال، فإنّه يفيد أنّ المراد من «الرفع» هو «الإسقاط» وأنّه كان عندما كتب عثمان المصاحف.

الأحاديث الواردة حول نقصان سورة التوبة، ومنها:

١ - ما رواه الحافظ السيوطي بقوله: «أخرج ابن أبي شيبة

__________________

(١) كنز العمّال ٢: ٥٦٧.

(٢) الإتقان في علوم القرآن ٣: ٨٢، الدر المنثور ٥: ١٨٠ عن أبي عبيدة في الفضائل وابن الأنباري وابن مردويه.

(٣) الدر المنثور ٥: ١٨٠.

١٤٣

والطبراني في الأوسط، وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه، عن حذيفة، قال: التي تسمّون سورة التوبة هي سورة العذاب، والله ما تركت أحداً إلاّ نالت منه، ولا تقرأون ممّا كنّا نقرأ إلاّ ربعها»(١) .

٢ - ما رواه السيوطي أيضاً بقوله: «أخرج أبو الشيخ عن حذيفة، قال: ما تقرأون ثلثها»(٢) .

٣ - ما رواه السيوطي أيضاً بقوله: «أخرج أبو عبيد وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه، عن سعيد بن جبير، قال: قلت لابن عباس: سورة التوبة! قال: التوبة؟! بل هي الفاضحة، ما زالت تنزل فيهم حتى ظنّنا أن لن يبقى منا أحد إلاّ ذكر فيها»(٣) .

٤ - وروى مثله عن عمر بن الخطاب(٤) .

فسورة التوبة كانت في رأي هؤلاء الأصحاب - وهو:

١ - عبدالله بن عباس.

٢ - حذيقة بن اليمان.

٣ - عمر بن الخطاب.

أضعاف هذا المقدار الموجود منها.

وقد روى رأي هؤلاء كبار أئمّة الحديث والحفاظ المشاهير من أهل السنّة، منهم:

١ - أبو بكر ابن أبي شيبة. صاحب المصنّف.

٢ - الحاكم النيسابوري صاحب المستدرك الصحيحين.

__________________

(١) الدرّ المنثور ٣: ٢٠٨.

(٢) الدّر المنثور ٣: ٢٠٨.

(٣) الدرّ المنثور ٣: ٢٠٨.

(٤) الدّر المنثور ٣: ٢٠٨.

١٤٤

٣ - أبو القاسم الطبراني صاحب المعاجم الثلاثة: الكبير والأوسط والصغير.

٤ - أبو بكر ابن مردويه الأصبهاني.

٥ - أبو بكر ابن المنذر.

الأحاديث الواردة حول سورة كانوا يشبّهونها في الطول والشدّة بسورة براءة، ومنها:

ما رواه مسلم في صحيحة، والحاكم في مستدركه، والسيوطي في الدّر المنثور عن مسلم وابن مردويه وأبي نعيم والبيهقي، عن أبي موسى الأشعري، أنّه قال لقرّاء أهل البصرة: «وإنّا كنّا نقرأ سورة كنا نشبّهها في الطول والشدّة ببراءة فنسيتها غير أنّي حفظت منها: لو كان لابن آدم واديان من مال لا بتغى وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوفه إلاّ التراب»(١) .

الأحاديث الواردة حول سورة كانوا يشبّهونها بإحدى المسبّحات، ومنها:

ما رواه من ذكرنا في ذيل الحديث عن أبي موسى حول السورة السابقة، فقد رووا عنه أنّه قال: «وكنّا نقرأ سورة نشبّهها بإحدى المسبّحات أوّلها: سبّح لله ما في السماوات، فانسيتها غير أنّي حفظت منها: يا أيّها الّذين آمنوا لا تقولوا مالا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم

__________________

(١) صحيح مسلم ٢: ٧٢٦ ح ١٠٥٠، المستدرك على الصحيحين ٢: ٢٢٤، الدر المنثور.

١٤٥

فتسألون عنها يوم القيامة».

حول سورتي الخلع والحفد:

ذكر الحافظ السيوطي في (الإتقان) سورتين سمّاها: (الحفد) و (الخلع) وروى أنّ السورتين كانتا ثابتتين في مصحف اُبيّ بن كعب ومصحف ابن عبّاس، وأنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام علّمهما عبدالله الغافقي، وأنّ عمر بن الخطّاب قنت بهما في صلاته، وأنّ أبا موسى كان يقرؤهما(١) .

ولا أثر لهاتين السورتين في المصحف الموجود.

ومن القسم الثاني: ماورد حول آية «الرجم».

الحديث حول آية الرجم وسقوطها من القرآن الكريم، أخرجه الشيعة والسنّة معاً في كتبهم الحديثيّة، وذكروه في كتب الفقه في أبواب الحدود. فهو موجود في: «الكافي» و «من لا يحضره الفقيه» و «التهذيب» و «وسائل الشيعة» من كتب الشيعة. وفي «صحيح البخاري» و «صحيح مسلم» و «مسند أحمد» و «موطّأ مالك» وغيرها من كتب السنّة.

لكنّ الأصل في القضية هو (عمر بن الخطاب) ومن قال بمقالته من الصحابة، ولذا حمل السيد الخوئي ما ورد من

__________________

(١) الإتقان في علوم القرآن ١: ٢٢٦.

١٤٦

طرق الشيعة منه على التقية(١) .

ويشهد بذلك ما روي في كتب الفريقين عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه لمّا جلد شراحة الهمدانيّة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة قال: حددتها بكتاب الله ورجمتها بسنّة رسول الله عليه وآله»(٢) . فلو كانعليه‌السلام يرى أن الرجم من القرآن كما رأى عمر لم يقل كذلك.

فالأمر من طرف الشيعة مفروغ منه، وأمّا مرويّات أهل السنّة:

١ - فقد أخرج البخاري عن عمر بن الخطّاب أنّه قال: «إنّ الله بعث محمداً بالحقّ، وأنزل عليه الكتاب، فكان ممّا أنزل الله آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، رجم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل:

والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلّوا بترك فريضة أنزلها الله.

ثم إنّا كنّا نقرأ - فيما نقرأ من كتاب الله -: أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم أن ترغبوا عن أبائكم، أو: إنّ كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم ...»(٣) .

وأخرج أيضاً عنه قوله:

«إنّ الله بعث محمداً فالرجم في كتاب الله حق على من زنى

__________________

(١) مباني تكملة المنهاج ١: ١٩٦.

(٢) عوالي اللآلي ٢: ١٥٢، ٣: ٥٥٢ وهو في مسالك الأفهام، جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام ٤١: ٣٠ وغيرها، ورواه أحمد والبخاري والنسائي والحاكم وغيرهم كما في مقدّمة آلاء الرحمن.

(٣) صحيح البخاري ٨: ٢٠٨.

١٤٧

إذا احصن من الرجال والنساء إذا قامت عليه البيّنة»(١) .

وأخرجه مسلم بن الحجّاج أيضاً في صحيحة(٢) ، وأحمد بن حنبل - إمام الحنابلة - في مسنده(٣) .

وروى مالك بن أنس - إمام المالكية - عن سعيد بن المسيب - وهو من أكابر التابعين - عن عمر قوله: «إيّاكم أن تهلكوا عن آية الرجم أن يقول قائل: لا نجد حدّين في كتاب الله، فقد رجم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورجمنا. والّذي نفسي بيده: لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله لكتبتها (الشيخ والشيخة فارجموهما ألبتّة) فإنّا قد قرأناها»(٤) .

ورواه أيضاً أحمد بن حنبل في مسنده(٥) والحافظ جلال الدين السيوطي عن عبد الرزاق وأحمد وابن حبّان - وسيأتي نصّه -.

وقال الحافظ السيوطي أيضاً: «وقد أخرج ابن أشته في (المصاحف) عن الليث بن سعد، قال: أول من جمع القرآن أبو بكر وكتبه زيد وأنّ عمر أتى بأية الرجم فلم يكتبها لأنّه كان وحده»(٦) .

هذا كلّه عن عمر، والمستفاد من الأحاديث أنّه كان يعلم بكون آية الرجم من القرآن، إلاّ أنّه لم يكتبها لكونه وحده، فلو شهد بها معه أحد

__________________

(١) صحيح البخاري ٨: ٢٠٨.

(٢) صحيح مسلم ٣: ١٣١٧.

(٣) مسند أحمد ١: ٤٠ و ٥٥.

(٤) الموطأ ٢: ٨٢٤ | ١٠.

(٥) مسند أحمد ١: ٣٦ و ٤٣.

(٦) الإتقان في علوم القرآن ١: ٢٠٦.

١٤٨

من الصحابة لكتب، وبذلك صرّح الحدّثون، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: «فلم يلحقها بنصّ المصحف بشهادته وحده» ولو كانت منسوخة التلاوة لم يجز إلحاقها به حتى لو شهد معه كلّ الصحابة.

٢ - وأخرج ابن حاجة عن عائشة، قالت: «نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشراً، ولقد كان في صحيفة تحت سريري، فلمّا مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها»(١) .

٣ - وأورد الحافظ جلال الدين عن أبي عبيد بسنده عن أبي امامة بن سهل: «أنّ خالته قالت: قد أقرأنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله آية الرجم: الشيخ والشيخة فارجموهما البتّة بما قضيا من اللذّة»(٢) .

٤ - وروى الحافظ السيوطي أيضاً عن جماعة من المحدّثين الحفّاظ عن ابي ابن كعب: أنّه كان يعتقد بأنّ آية الرجم من القرآن حقيقة، وقد تقدّم نصّه في ما ذكر حول سورة الأحزاب.

نقتصر على هذه الأحاديث حول «آية الرجم» طلباً للإختصار، وقد لوحظ فيها أنّ جماعة من الصحابة كانوا يصرّحون بأنّهم قد قرأوا هذه الآية وعقلوها وحفظوها. وكان أشدّهم إصراراً على ذلك: عمر بن الخطّاب، هؤلاءهم:

١ - عمر بن الخطاب.

٢ - اُبيّ بن كعب.

٣ - عائشة بنت أبي بكر.

__________________

(١) السنن لابن ماجة ١: ٦٢٥ | ١٩٤٤.

(٢) الإتقان في علوم القرآن ٣: ٨٢.

١٤٩

٤ - خالة أبي أمامة بن سهل.

بل المفهوم من حديث عائشة: أنّ الآية كانت من القرآن حتى بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وسيأتي مزيد كلام في ذلك.

وقد نقلنا هذه الأحاديث عن:

١ - صحيح البخاري.

٢ - صحيح مسلم.

٣ - مسند أحمد.

٤ - الموطّأ لمالك.

٥ - السنن لابن ماجة.

٦ - الإتقان في علوم القرآن للحافظ السيوطي.

حول آية «الرغبة»

وعن جماعة من الأصحاب أنّه كان من القرآن - وقد اسقط فيما اسقط - آية: «لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم» أو نحوه في اللّفظ، وقد سمّيناها بـ «آية الرغبة»:

١ - أخرج البخاري في (الصحيح) عن عمر بن الخطّاب في حديث تقدّم لفظه: «ثم إنّا كنّا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله: أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم أو: «إنّ كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم»(١) .

٢ - وقال الحافظ السيوطي: أخرج ابن الضريس عن ابن

__________________

(١) صحيح البخاري ٨: ٢٠٨.

١٥٠

عباس، قال: كنا نقرأ «لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم» أو: «إنّ كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم»(١) .

٣ - وقال الحافظ الجلال السيوطي أيضاً: «أخرج الطيالسي وأبو عبيد والطبراني، عن عمر بن الخطاب، قال: كنا نقرأ فيما نقرأ «لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم» ثم قال لزيد بن ثابت: أكذلك يا زيد؟ قال: نعم»(٢) .

وقد علم من هذه الأحاديث أنّ جماعة من الصحابة وهم:

١ - عمر بن الخطاب.

٢ - عبدالله بن عباس.

٣ - زيد بن ثابت.

كانوا بعتقدون أنّ «أية الرغبة» من القرآن الكريم.

وقد نقلنا هذه الأحاديث عن:

١ - البخاري صاحب الصحيح.

٢ - الحافظ السيوطي عن عدّة من الفّاظ وهم:

عبدالرزاق بن همام.

أحمد بن حنبل.

أبوالقاسم الطبراني.

أبو عبيد القاسم بن سلام.

أبو عبدالله بن الضريس.

أبو الوليد الطيالسي.

__________________

(١) الإتقان في علوم القرآن ٢: ٤٢.

(٢) الإتقان في علوم القرآن ٣: ٨٣.

١٥١

إبن حبّان صاحب الصحيح.

حول آية «لو كان لابن آدم واديان»

١ - أخرج مسلم بن الحجّاج في (الصحيح) عن أبي الأسود، عن أبيه، قال:

«بعث أبو موسى الأشعري إلى قرّاء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن، فقال: أنتم خيار أهل البصرة وقرّاؤهم، فاتلوه ولا يطولنّ عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم، وإنّا كنّا نقرأ سورة كنا نشبّهها في الطول والشدة بـ «براءة» فانسيتها، غير أنّي حفظت منها: «لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب»(١) .

٢ - وقال الحافظ جلال الدين السيوطي: «أخرج أبو عبيد وأحمد، والطبراني في «الأوسط»، والبيهقي في «شعب الإيمان»، عن أبي واقد الليثي، فقال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا اوحي إليه أتيناه فعلّمنا ممّا اوحي إليه، قال: فجئت ذات يوم، فقال: إنّ الله يقول: «إنّا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولو كان لابن آدم وادياً من ذهب لأحبّ أن يكون إليه الثاني، ولو كان الثاني لأحبّ أن يكون إليهما الثالث، ولا يملأ جوف إبن آدم إلاّ التراب، ويتوب الله على من تاب»(٢) .

٣ - وقال الحافظ السيوطي أيضأ: «أخرج أبو عبيد وأحمد

__________________

(١) صحيح مسلم ٢: ٧٢٦ | ١٠٥٠.

(٢) الدر المنثور، الإتقان ٣٠: ٨٣.

١٥٢

وأبو يعلى والطبراني، عن زيد بن أرقم، قال: كنّا نقرأ على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لو كان لابن آدم واديان من ذهب وفضّة لابتغى الثالث، ولا يملأ بطن ابن آدم إلاّ التراب، ويتوب الله على من تاب»(١) .

٤ - وقال الحافظ السيوطي: «أخرج أبو عبيد، عن جابر بن عبدالله،

قال: كنا نقرأ «لو أنّ لابن آدم ملء واد مالاً لأحبّ إليه إليه مثله، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ويتوب الله على من تاب»(٢) .

٥ - وقال الحافظ المذكور أيضاً: «أخرج البزار وابن الضريس، عن بريدة، قال: سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقرأ: «لو أنّ لابن آدم ...»(٣) .

٦ - وقال أيضاً: «أخرج ابن الأنباري، عن أبي ذر، قال: في قراءة ابيّ بن كعب: «ابن آدم لو اعطي وادياً ...»(٤) .

وقال أيضاً: «أخرج أحمد والترمذي والحاكم - وصحّحه - عن اُبيّ بن كعب: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: إنّ الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن، فقرأ:( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب ) فقرأ فيها: «ولو أنّ ابن آدم سأل وادياً من مال ...»(٥) .

وروى هذا الحديث أيضاً إبن الأثير عن الترمذي(٦) .

__________________

(١) الدر المنثور أورده باسناده عن ابن عباس ٦: ٣٧٨.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) الدر المنثور ٦: ٣٧٨.

(٤) المصدر نفسه.

(٥) الدر المنثور ٦: ٣٧٨.

(٦) جامع الاصول ٢: ٥٠٠ | ٩٧٢.

١٥٣

٧ - وقال الراغب الأصبهاني في (محاضرات الأبرار) واثبت ابن مسعود في مصحفه: «لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى معهما ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ويتوب الله على من تاب».

نكتفي بهذه الأحاديث حول هذه الآية، وصريح الحديث الأول المخرّج في (الصحيح): أنّ أبا موسى كان يحفظ سورة من القرآن الكريم بكاملها فنسيها ما

خلا الآية المذكورة.

وقد علمنا من هذا الأحاديث أنّ الصحابة التالية أسماؤهم يعتقدون بكون الآية من القرآن الكريم، حتى أنّ ابن مسعود أثبتها في مصحفه، وكان اُبيّ بن كعب يقرؤها، وقد ذكر أبو واقد أنّ النبي قد علّمه الآية هذه، وهؤلاء الصحابة هم:

١ - أبو موسى الأشعري.

٢ - أبو واقد الليثي.

٣ - زيد بن أرقم.

٤ - جابر بن عبدالله.

٥ - بريدة بن الحصيب.

٦ - ابيّ بن كعب.

٧ - عبدالله بن مسعود.

وقد نقلنا هذه الأحاديث عن:

١ - مسلم بن الحجّاج صاحب الصحيح.

٢ - إبن الأثير صاحب جامع الاصول.

٣ - الراغب الأصبهاني صاحب المحاضرات.

٤ - الحافظ السيوطي عن جماعة من كبار الحفّاظ ومنهم: -

أ - الحاكم أبو عبدالله النيسابوري صاحب المستدرك.

١٥٤

ب - أبو يعلى أحمد بن علي الموصلي صاحب المسند.

ج - أحمد بن حنبل صاحب المسند وأحد الأئمة الأربعة.

د - أبو القاسم الطبراني صاحب المعاجم الثلاثة.

هـ - أبوبكر البيهقي صاحب السّنن الكبرى.

و - أبوبكر البزار صاحب المسند.

ز - أبو عيسى الترمذي صاحب السنن أحد الصحاح الستّة.

حول «آية الجهاد»

روى الحافظ جلال الدين السيوطي عن السور بن مخرمة ما نصّة:

«قال عمر لعبد الرحمن بن عوف: ألم تجد فيما أنزل علينا: «أن جاهدوا كما جاهدتم أول مرة» فأنا لا أجدها؟

قال: اسقطت فيما اسقط من القرآن»(١) .

في هذا الحديث: أنّ اثنين من كبار الصحابة وهما:

١ - عمر بن الخطاب.

٢ - عبد الرحمن بن عوف.

كانا يعتقدان: أنّ الآية كانت ممّا انزل من قبل الله تعالى من القرآن الكريم.

ثم إنّ معنى قوله: «اسقطت ...» أنّهما كانا يعتقدان بكونها من القرآن بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً.

__________________

(١) الاتقان ٣: ٨٤.

١٥٥

حول آية «المتعة»

وهي قوله تعالى:( فما استمتعم به منهنّ فآتوهنّ اُجورهنّ ) (١) ، فقد ورد في أحاديث القوم عن بعض الصحابة أنّه كان يقرأ «فما استمتعتم به منهنّ (إلى أجل) ...» وأنّ بعضهم كتبها كذلك في مصحفه، وعن ابن عباس قوله: «والله لأنزلها كذلك» وقد صحّح الحاكم هذا الحديث عنه في «المستدرك» من طرقٍ عديدة(٢) .

وفي التفسير الكبير: أنّ ابيّ بن كعب وابن عباس قرءا كذلك، والصحابة ما أنكروا عليها(٣) .

وقال الزمخشري: «وعن ابن عباس: هي محكمة - يعني لم تنسخ - وكان يقرأ: فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى، ويروى: أنّه رجع عن ذلك عند موته، وقال: اللّهم إني أتوب إليك من قولي بالمتعة، وقولي في الصرف»(٤) .

وقال الحافظ ابن حجر في تخريجه: «أمّا رجوعه عن المتعة فرواه الترمذي بسند ضعيف عنه، وأمّا قوله: اللّهمّ إني أتوب إليك من قولي بالمتعة فلم أجده».

وإذا ما لوحظ إلى ذلك ثبوت مشروعية المتعة وعمل المسلمين بها حتى زمن عمر بن الخطاب، حيث نهى عنها وأوعد بالعقاب عليها،

__________________

(١) سورة النساء ٤: ٢، انظر الدّر المنثور ٢: ١٣٩ وما بعدها.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٢: ٣٥.

(٣) التفسير الكبير ١٠: ٥١.

(٤) الكشاف ١: ٥١٩.

١٥٦

حصل القطع بنزول الآية كذلك كما تفيد الأحاديث المذكورة، وأنّ كلمة «إلى أجل» وقع بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

حول آية «الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »

روى الحافظ جلال الدين السيوطي عن حميدة بنت أبي يونس، قالت: «قرأ عليّ أبي - وهو ابن ثمانين سنة - في مصحف عائشة «إنّ الله وملائكته يصلّون على النبي يا أيّها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً - وعلى الذين يصلّون الصفوف الأول -.

قالت: قبل أن يغيّر عثمان المصاحف»(١) .

يفيد الحديث: أنّ هذه الزيادة كانت مثبتة في مصحف عائشة، ولا شك أنّها قد سمعت الآية كذلك من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكتبتها في مصحفها كما سمعت، وبقي المصحف إلى زمن عثمان بن عفان يتلوه النّاس ويتداولونه، حتى قام عثمان فغيّر المصاحف وأسقط من الآية هذه الزيادة.

هذا ما يفيده الحديث، وهو يدّل على أنّ عائشة والّذين كانوا يقرأون مصحفها - ومنهم أبو يونس الذي قرأ الآية على ابنته وهو ابن ثمانين سنين كما حدّثتنا هي - كانوا يعتقدون أنّ الزيادة تلك من القرآن الكريم على حقيقته.

حول آية «الشهادة»

أخرج مسلم بن الحجاج في «الصحيح» عن أبي موسى

__________________

(١) الإتقان في علوم القرآن ٣: ٨٢.

١٥٧

الأشعري أنّه قال - في الحديث المتقدّم، فيما ذكرناه حول سورة كانوا يشبّهونها بإحدى المسبّحات -: «وكنّا نقرأ سورة كنا تشبّهها بإحدى المسبّحات فنسيتها غير أنّي حفظت منها:

يا أيّها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون - فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة -»(١) .

وهذا حديث صحيح لإخراج مسلم إيّاه في (صحيحه)، هو يفيد أنّ أبا موسى الأشعري كان يحفظ سورة طويلة، وكان يقرؤها، غير أنّه لم يحفظ منها غير الآية، وفيها زيادة: «فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة» وهي غير موجود في المصحف الموجود.

حول آية «ولاية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله »

١ - قال الحافظ جلال الدين السيوطي: «أخرج الفريابي والحاكم وابن مردويه، والبيهقي في سننه، عن ابن عباس، أنّه كان يقرأ هذه الآية: «النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم - وهو أب لهم - وأزواجه أمّهاتهم»(٢) .

٢ - وقال الحافظ السيوطي أيضاً: «أخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وإسحاق بن راهويه، وابن المنذر، والبيهقي، عن مجالد، قال: مرّ عمر ابن الخطاب بغلام وهو يقرأ في المصحف: «النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه امّهاتهم - وهو أب لهم -».

فقال: يا غلام حكّها.

__________________

(١) صحيح مسلم ٢: ٧٢٦.

(٢) الدر المنثور ٥: ١٨٣.

١٥٨

فقال: هذا مصحف ابيّ بن كعب.

فذهب إليه فسأله فقال: إنّه كان يلهيني القرآن، ويلهيك الصفق بالأسواق»(١) .

فزيادة «وهو أب لهم» - بحسب هذين الحديثين - كانت من القرآن الكريم في رأي صحابيّين كبيرين هما:

١ - عبد الله بن العباس.

٢ - اُبيّ بن كعب.

حتى أنّ عمر لمّا اعترض على ابيّ أجابه بقوله «إنّه كان يلهيني القرآن ويلهيك الصفق بالأسواق».

ويفيد الحديث أنّ مصحف ابيّ بن كعب كان متلواً بين الناس معتقدين صحته ومعتمدين عليه، حتى أنّ عمر لما قال للغلام: «حكّها» قال له: «هذا مصحف ابيّ بن كعب».

وقد روى الحافظ السيوطي ذلك عن جماعة من أعيان الحفّاظ وهم:

١ - عبد الرزّاق بن همام الصنعاني.

٢ - سعيد بن منصور. صاحب السنن.

٣ - إسحاق بن راهويه. شيخ البخاري ومسلم وغيرهما.

٤ - الحاكم النيسابوري، صاحب المستدرك.

٥ - الفريابي شيخ أحمد والبخاري وغيرهما.

٦ - أبو بكر ابن مردويه الأصبهاني.

٧ - أبوبكر البيهقي صاحب السنن الكبرى.

__________________

(١) الدرّ المنثور ٥: ١٨٣.

١٥٩

٨ - أبوبكر ابن المنذر الإمام المجتهد.

حول آية «الحميّة»

روى الحافظ جلال الدين السيوطي عن النسائي الحاكم قال: وصحّحة - من طريق ابن أبي إدريس «عن ابيّ بن كعب أنّه كان يقرأ: «إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحميّة حميّة الجاهلية - ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام - فأنزل الله سكينته على رسوله» فبلغ ذلك عمر، فاشتدّ عليه، فدعا ناساً من أصحابه - فيهم زيد بن ثابت - فقال:

من يقرأ منكم سورة الفتح؟

فقرأ زيد على قراءتنا اليوم.

فغلّظ له عمر، فقال: إني أتكلّم؟

فقال: تكلّم.

قال: لقد علمت أني كنت أدخل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ويقرؤني وأنت بالباب، فإن أن اقرىء الناس على ما أقرأني أقرأت وإلاّ لم أقرأ حرفاً ما حييت.

قال: بل أقرئ الناس»(١) .

وفي هذا الحديث: أنّ عمر بن الخطاب عندما بلغته قراءة ابيّ اشتدّ عليه ثم أغلظ له أمام ناس من الصحابة، ولكن أبيّاً خصمه بما قال: ومعنى ذلك: أنّ تلك الزيادة قد تعلّمها من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو عندما كان يقرى الناس كان يعتقد بأنّه

__________________

(١) الدر المنثور ٦: ٧٩.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368