التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف15%

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف مؤلف:
الناشر: دار القرآن الكريم
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 368

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف
  • البداية
  • السابق
  • 368 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 184871 / تحميل: 6448
الحجم الحجم الحجم
التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

مؤلف:
الناشر: دار القرآن الكريم
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

تخلقه ولو استغاث بي لأغثته).

غرق الدنيا أيام نوح:

روى عبد السلام بن صالح الهروي قال: قلت للرضاعليه‌السلام : يا بن رسول الله لأيّ علّة أغرق الله عزّ وجل الدنيا كلها في زمن نوح وفيهم الأطفال، وفيهم مَن لا ذنب له؟

قالعليه‌السلام : (ما كان فيهم الأطفال؛ لأنّ الله عزّ وجل أعقم أصلاب قوم نوح وأرحام نسائهم أربعين عاماً فانقطع نسلهم، فغرقوا ولا طفل فيهم، وما كان الله عزّ وجل ليهلك بعذابه مَن لا ذنب له، وأمّا الباقون من قوم نوح فأغرقوا بتكذيب المكذبين، ومَن غاب عن أمر فرضي به كان كمن شهده وأتاه).

معجزة موسى:

قال ابن السكيت للإمام الرضاعليه‌السلام : لماذا بعث الله عزّ وجل موسى بن عمران بالعصا ويده البيضاء آلة السحر، وبعث عيسى بالطب، وبعث محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله بالكلام والخطب؟

فقالعليه‌السلام : (إنّ الله تبارك وتعالى لـمّا بعث موسى كان الأغلب على أهل عصره السحر، فأتاهم من عند الله عزّ وجل بما لم يكن عند القوم وفي وسعهم مثله، وبما أبطل به سحرهم وأثبت به الحجّة عليهم، وإنّ الله تبارك وتعالى بعث عيسى في وقت ظهرت فيه الزمانات - وهي العلل والأمراض - احتاج الناس إلى الطب فأتاهم من عند الله عزّ وجل بما لم يكن عندهم مثله، وبما أحيا لهم الموتى وأبرأ لهم الأكمه والأبرص بإذن الله تعالى، وأثبت به الحجّة عليهم وإن الله تبارك وتعالى بعث محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله في وقت كان الأغلب على أهل عصره الخطب والكلام، فأتاهم من كتاب الله عزّ وجل ومواعظه وأحكامه، ما أبطل به قولهم وأثبت به الحجّة عليهم).

وبهر ابن السكيت وراح يقول: تالله ما رأيت مثلك اليوم قط فما الحجّة على الخلق اليوم؟

فقالعليه‌السلام : (العقل يعرف به الصادق على الله فيصدقه والكاذب على الله فيكذبه).

فقال ابن السكيت: هذا والله هو الجواب...

٦١

أولو العزم:

قالعليه‌السلام : (إنّما سُمّي أُولو العزم بأُولي العزم لأنّهم كانوا أصحاب الشرائع والعزايم؛ وذلك أنّ كل نبي بعد نوح وكل نبي كان في أيام إبراهيم وبعده كان على شريعته ومنهاجه وتابعاً لكتابه إلى زمن نبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهؤلاء الخمسة أولو العزم، فهم أفضل الأنبياء والرسل، وشريعة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله لا تنسخ إلى يوم القيامة، ولا نبي بعده إلى يوم القيامة، فمَن ادعى بعده نبوّة أو أتى بعد القرآن بكتاب فدمه مباح لكل مَن سمع ذلك منه...).

الحواريون:

روى علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه قال قلت لأبي الحسن الرضاعليه‌السلام : لم سمّي الحواريون الحواريين؟

قالعليه‌السلام : (أمّا عند الناس فإنّهم سُمّوا حواريين لأنّهم كانوا قصارين يخلصون الثياب من الوسخ بالغسل، وهو اسم مشتق من الخبز الحوار (1) . وأمّا عندنا فسُمّي الحواريون الحواريين لأنّهم كانوا مخلصين في أنفسهم ومخلصين لغيرهم من أوساخ الذنوب بالوعظ والتذكير.

قال: فقلت له: فلم سمّي النصارى؟ قال: لأنّهم من قرية اسمها (ناصرة) من (بلاد الشام) نزلتها مريم وعيسى بعد رجوعهما من مصر).

إبراهيم خليل الله:

روي الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال: سمعت أبي يحدث عن أبيهعليه‌السلام أنّه قال: إنّما اتخذ الله عزّ وجل إبراهيم خليله؛ لأنّه لم يرد أحداً، ولم يسأل أحداً قط غير الله عزّ وجل.

إسماعيل صادق الوعد:

روى سليمان الجعفري عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام أنّه قال: أتدري لم سمي إسماعيل صادق الوعد؟قلت:

____________________

(1) الخبز الحوار هو الذي نخل مرة بعد مرة. وفي القاموس: إنّه الدقيق الأبيض.

٦٢

لا أدري فقال: وعد رجلاً فجلس له حولاً ينتظره.

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن علل أحوال بعض الأنبياء والأمم السالفة التي أدلى بها الإمامعليه‌السلام .

علل بعض الشؤون الإسلامية:

وأثرت عن الإمامعليه‌السلام كوكبة من الأحاديث في تعليل بعض الشؤون الإسلامية وهي:

القرآن غض:

روى إبراهيم بن العباس عن الإمام الرضاعليه‌السلام أنّه روى عن أبيه: أنّ رجلاً سأل الإمام الصادقعليه‌السلام فقال له: ما بال القرآن لا يزداد عند النشر والدراسة إلاّ غضاضة؟

فقالعليه‌السلام : لأنّ الله لم ينزله لزمان دون زمان، ولا لناس دون ناس، فهو في كل زمان جديد، وعند كل قوم غض إلى يوم القيامة).

إنّ القرآن الكريم المعجزة الكبرى للإسلام؛ وذلك لما فيه من أحكام خلاّقة تساير الزمن وتساير التطوّر، وليس فيها ما يشذ عن سنن الكون ولا ما يخالف الفطرة، مضافاً لروعة فصاحته وعظيم بلاغته، فمهما تداولته الأيام فهو غض جديد.

علي قسيم الجنة والنار:

قال المأمون للرضاعليه‌السلام : يا أبا الحسن أخبرني عن جدّك أمير المؤمنين بأي وجه هو قسيم الجنة والنار؟ وبأي معنى، فقد كثر فكري في ذلك؟

قالعليه‌السلام : يا أمير المؤمنين ألم ترو عن أبيك عن آبائه عن عبد الله بن عباس أنّه قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: (حب علي إيمان وبغضه كفر) فقال: بلى.

فقال الرضاعليه‌السلام : (فقسمة الجنة والنار إذا كانت على حبّه وبغضه فهو قسيم الجنة والنار).

فقال المأمون: لا أبقاني الله بعدك يا أبا الحسن، أشهد أنّك وارث علم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال أبو الصلت الهروي: فلمّا انصرف الرضا إلى منزله أتيته فقلت له: يا بن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما أحسن ما أجبت به المأمون؟ فقال الرضا: (يا أبا الصلت إنّما كلّمته من حيث هو، ولقد سمعت أبي يحدث عن آبائه عن علي

٦٣

عليه‌السلام أنّه قال: قال رسول الله (ص): يا علي أنت قسيم الجنة يوم القيامة تقول للنار: هذا لي وهذا لك...).

الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام هو رمز لكل مكرمة في الإسلام، فهو قسيم الجنة والنار ليس في ذلك شك، وقد تواترت الأخبار بذلك عن النبي (ص)(1) ، وقد علّل الرضاعليه‌السلام بهذا التعليل الوثيق الذي أعجب به المأمون.

عدم إرجاع فدك:

روى علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه عن الرضاعليه‌السلام قال: سألته عن أمير المؤمنينعليه‌السلام لم لم يسترجع فدك لما ولي أمر الناس؟

قالعليه‌السلام : (لأنّا أهل بيت إذا ولينا الله عزّ وجل لا يأخذ لنا حقوقنا ممّن ظلمنا إلاّ هو، ونحن أولياء المؤمنين إنّما نحكم لهم ونأخذ حقوقهم ممن يظلمهم ولا نأخذ لأنفسنا.....).

استولى أبو بكر على فدك وأخذها من يد سيدة نساء العالمين والسبب في ذلك أن لا تقوى شوكة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وهي حرب اقتصادية

الغرض منها شل الحركة المعادية للحكم القائم، وقد ظلت فدك بأيدي الولاة والحاكمين، وقد استرجعت للسادة العلويين أيام عمر بن عبد العزيز وأيام المأمون، والحديث عنها ذو شجون، والحاكم هو الله تعالى يحكم بين عباده بالحق في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.

صحابة النبي (ص):

روى محمد بن موسى بن نصر الرازي قال: حدثني أبي قال سُئل الرضاعليه‌السلام عن قول النبي (ص): (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) وعن قوله: (دعوا لي أصحابي)، فقالعليه‌السلام : هذا صحيح يريد مَن لم يغير بعده ولم يبدل قيل وكيف يعلم أنهم قد غيروا أو بدلوا؟ قال: لما يرونه من أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال ليذادن(2) برجال من

____________________

(1) الصواعق المحرقة (ص 75) وفي كنز العمال 6 / 402 قال علي: أنا قسيم النار. وفي كنوز الحقائق للمناوي (ص 92) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : علي قسيم النار.

(2) ليذادن: أي ليطردن.

٦٤

أصحابي يوم القيامة عن حوضي كما تذاد غرايب الإبل عن الماء فأقول: يا رب أصحابي أصحابي فيقال لي: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: بعداً لهم وسحقاً(1) افترى هذا لمن لم يغير ولم يبدل).

وليست الصحبة عاصمة عن الخطأ ففي الصحابة سمرة بن جندب وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة، وغيرهم من رؤوس النفاق والضلال.

انحراف الناس عن علي (ع):

روى علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه قال: سألت الإمام الرضاعليه‌السلام عن أمير المؤمنينعليه‌السلام كيف مال الناس عنه إلى غيره وقد عرفوا فضله وسابقته ومكانه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

قالعليه‌السلام : (إنّما مالوا عنه إلى غيره وقد عرفوا فضله؛ لأنّه كان قتل من آبائهم وأجدادهم وإخوانهم وأعمامهم وأخوالهم وأقربائهم المحادين لله ولرسوله عدداً كثيراً، فكان حقدهم عليه لذلك في قلوبهم فلم يحبوا أن يتولى عليهم، ولم يكن في قلوبهم على غيره مثل ذلك؛ لأنّه لم يكن له في الجهاد بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مثل ما كان له فلذلك عدلوا عنه ومالوا إلى سواه).

لقد وتر الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام الأقربين والأبعدين في ذات الله تعالى، وحصد رؤوس المشركين بسيفه الذي أقام به الإسلام، وقد أترعت نفوس القوم بالكراهية والبغض له فمالوا عنه وحكّموا غيره.

سكوت الإمام عن أخذ حقه:

روى الهيثم بن عبد الله الرمّاني قال: سألت علي بن موسى الرضاعليه‌السلام فقلت له: يا بن رسول الله أخبرني عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام لِم لم يجاهد أعداءه خمساً وعشرين سنة بعد رسول الله (صلّى الله عليه

وآله)، ثم جاهد في أيام ولايته؟

____________________

(1) روى النجاري 6 / 119 ط الأميرية عن عبد الله بن مسعود عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: أنا فرطكم على الحوض وليرفعن معي رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول: يا رب أصحابي فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك. وبهذا المضمون روايات كثيرة.

٦٥

قالعليه‌السلام : (لأنّه اقتدى برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في تركه جهاد المشركين بمكة بعد النبوّة ثلاث عشرة سنة، وبالمدينة تسعة أشهر؛ وذلك لقلّة أعوانه عليهم، وكذلك عليعليه‌السلام ترك مجاهدة أعدائه لقلّة أعوانه عليهم فلمّا لم تبطل نبوّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع تركه الجهاد ثلاث عشر سنة وتسعة أشهر فكذلك لم تعطل إمامة علي مع تركه الجهاد خمساً وعشرين سنة؛ إذ كانت العلّة المانعة لهما واحدة).

إنّ الإمام أمير المؤمنين ترك حقّه ولم يجاهد أعداءه؛ وذلك لقلّة الناصر فقد قالعليه‌السلام : (وطفقت أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير فرأيت أنّ الصبر على هاتا أحجى فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى...).

إنّ الإمام لم تكن له فئة ينصرونه، ولم يكن يأوي إلى ركن شديد مع كثرة أعدائه ومناوئيه، فصبر سلام الله عليه وترك حقّه إيثاراً للمصلحة العامة، وحفظاً على كلمة المسلمين.

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن علل بعض الشؤون الإسلامية التي أدلى بها الإمامعليه‌السلام .

٦٦

٦٧

جوامع الكلم

وأثرت عن الإمام الرضاعليه‌السلام جمهرة من غرر الحكم والآداب والوصايا والنصائح وغيرها ممّا ينفع الناس، وقد دلّلت على أنّه كان المربّي الأكبر للعالم الإسلامي في عصره، وأنّه قد جهد على تهذيب المسلمين وتربيتهم بلباب الحكمة، ونلمح لبعض ما أثر عنه:

فضل العقل:

أمّا العقل فهو أفضل نعمة أنعمها الله به على الإنسان وميّزه به عن الحيوان السائم، وقد تحدث الإمام الرضاعليه‌السلام عنه في بعض أحاديثه وهي:

أ - قالعليه‌السلام : (صديق كل امرئ عقله، وعدوّه جهله)(1) .

ما أروع هذه الكلمة الحكيمة فإنّ العقل هو الصديق الأكبر للإنسان الذي يحميه ويصونه وينقذه من محن الدنيا وخطوبها، وعدو الإنسان الأكبر هو الجهل

الذي يلقي به في متاهات سحيقة من هذه الحياة.

____________________

(1) أصول الكافي 1 / 11، وسائل الشيعة 11 / 161.

٦٨

ب - روى أبو هاشم الجعفري قال: كنّا عند الرضاعليه‌السلام فتذاكرنا العقل والأدب فقالعليه‌السلام :

(يا أبا هاشم العقل حباء من الله والأدب كلفة، فمَن تكلّف الأدب قدر عليه، ومَن تكلّف العقل لم يزدد بذلك إلاّ جهلاً)(1) .

أمّا الأدب فهو أمر مكتسب يقدر على تحصيله الإنسان، وأمّا العقل فإنّه هبة ومنحة من الله تعالى لا يتمكّن الإنسان من كسبه.

ج - روى الحسن بن الجهم قال ذكر العقل عند أبي الحسن الرضاعليه‌السلام فقال:

(لا يعبأ بأهل الدين ممّن لا عقل له...) قلت له: جُعلت فداك إنّ ممّن يصف هذا الأمر قوما لا بأس بهم عندنا وليست لهم تلك العقول، فقال: (ليس هؤلاء ممّن خاطب الله، إنّ الله خلق العقل فقال له اقبل فأقبل وقال له: ادبر فأدبر فقال: وعزّتي وجلالي ما خلقت شيئاً أحسن منك أو أحب إليّ منك بك آخذ وبك أعطي...)(2) .

إنّه ليس هناك شيء خلقه الله أفضل من العقل، وعليه يرتكز التكليف، فالذي فقد عقله غير مكلّف وغير مأثوم بما يقترفه من أنواع المحرّمات، فالعقل هو أحد الشروط في صحّة التكليف ونفوذه على المكلف.

د - قالعليه‌السلام : (أفضل العقل معرفة الإنسان نفسه)(3) .

إن الإنسان إذا عرف نفسه كيف صُوّرت، وكيف تنتهي، فقد ظفر بالخير العميم، فإنّ ذلك يبعده عن النزعات الشريرة، ويبعثه نحو النزعات الخيّرة كما يدل ذلك على معرفة خالقه العظيم، وفي الحديث: (مَن عرف نفسه فقد عرف ربّه).

التفكر في أمر الله:

قالعليه‌السلام : (ليس العبادة كثرة الصلاة والصوم إنّما العبادة كثرة التفكّر في أمر الله عزّ وجل)(4).

____________________

(1) أصول الكافي 1 / 23.

(2) أصول الكافي 1 / 11.

(3) أعيان الشيعة 4 / ق 2 / 196.

(4) الميزان 8 / 369، وسائل الشيعة 11 / 153.

٦٩

إنّ التفكّر في مخلوقات الله، والتأمّل في بدائع خلقه، والنظر فيما يحتويه هذا الكون من الأسرار والعجائب يدلّل ذلك - بصورة واضحة - على الخالق العظيم، وإذا عرف الإنسان ربّه فقد نجا من اقتراف الشر وارتكاب الجريمة، وصار مصدر عطاء وخير لنفسه ومجتمعه.

محاسبة النفس:

قالعليه‌السلام : (مَن حاسب نفسه ربح، ومَن غفل عنها خسر)(1) .

إنّ محاسبة الإنسان لنفسه فيما يعمله من حسنات وسيئات، فيردعها عن اقتراف السيئات، وينمي فيها الخيرات دليل على سمو النفس والظفر بالربح والخير، ومَن غفل عن محاسبة نفسه فإنّها تهبط به إلى مستوى سحيق من الشر ماله من قرار.

الحلم:

قالعليه‌السلام : (لا يكون الرجل عابداً حتى يكون حليماً) الحديث(2) .

إنّ الحلم من أفضل النزعات الكريمة التي يتصف بها الإنسان، فالحلم عن المسيء، والصفح عن المعتدي عليه من سمو النفس وبلوغها أرقى درجات الكمال، وإنّ الإنسان بالحلم يسود غيره ويكون لمجتمعه رائد خير ودليل هدى.

الصمت:

قالعليه‌السلام : (من علامات الفقه - أي المعرفة - الحلم والعلم، والصمت: إنّ الصمت باب من أبواب الحكمة، إنّ الصمت يكسب المحبّة، إنّه دليل على كل خير)(3) .

إنّ الصمت وحفظ اللسان يقيان الإنسان من شر عظيم، ويجنباه المكاره التي هي وليدة الكلام والنطق.

التواضع:

قالعليه‌السلام : (التواضع أن تعطي الناس ما تحب أن تُعطاه).

____________________

(1) أصول الكافي 2 / 111.

(2) أصول الكافي 2 / 113.

(3) أصول الكافي 2 / 124.

٧٠

وقالعليه‌السلام فيما كتبه لمحمد بن سنان: (التواضع درجات، منها: أن يعرف المرء قدر نفسه فينزلها منزلتها بقلب سليم لا يحب أن يأتي لأحد إلاّ مثل ما يؤتي إليه إن أتي إليه بسيئة درأها(1) بالحسنة، كاظم الغيظ، عافٍ عن الناس، والله يحب المحسنين)(2) .

إنّ حقيقة التواضع أن يعطي الإنسان للناس من التكريم والإحسان والبر مثل ما يحب ويتمنى أن يعطى لنفسه.

إنّ التواضع دليل على شرف النفس وسموّها، ومَن تواضع للناس أحبوه وأكرموه، وأحبّه الله ورفعه.

الخصال الكريمة في المؤمن:

قالعليه‌السلام : (لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يكون فيه ثلاث خصال: سنّة من ربّه، وسنّة من نبيّه، وسنّة من وليّه، فأمّا السنّة من ربّه: فكتمان سرّه، قال الله عزّ وجل:( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ) ، وأمّا السنّة من نبيّه فمداراة الناس فإنّ الله عزّ وجل أمر نبيّه بمداراة الناس فقال:( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ) وأمّا السنّة من وليّه فالصبر في البأساء والضرّاء)(3) .

يا لها من خصال كريمة ترفع مستوى الإنسان إلى قمّة الشرف والكمال، وتجنّبه من الوقوع في المهالك.

أحسن الناس وأسوأ الناس:

قال علي بن شعيب(4) دخلت على أبي الحسن الرضاعليه‌السلام فقال لي:

- يا علي مَن أحسن الناس معاشاً؟

- يا سيدي أنت أعلم به منّي.

- يا علي مَن حسن معاش غيره في معاشه.

- يا علي مَن أسوأ الناس معاشاً؟

____________________

(1) درأها: أي دفعها.

(2) الدر العظيم ورقة 216.

(3) وسائل الشيعة 11 / 241.

(4) قال صاحب تنقيح المقال: لم اقف على علي بن شعيب بهذا العنوان في كتب الرجال وانما وقفت على

علي بن أبي شعيب المدائني وان له كتابا صغيرا والظاهر كونه اماميا.

٧١

- يا سيدي أنت أعلم به منّي.

- مَن لم يعش بخيره في معاشه.

وجعل الإمامعليه‌السلام يوصيه بفعل الخير والإحسان إلى الناس قائلاً:

(يا علي أحسنوا جوار النعم فإنّها وحشية ما نأت عن قوم فعادت إليهم. يا علي إنّ شر الناس مَن منع رفده وأكل وحده وجلد عبده(1) ).

وحوت هذه الكلمات الدعوة إلى فعل الخير والإحسان إلى الناس والبر بهم.

الإيمان والإسلام:

قالعليه‌السلام : (الإيمان فوق الإسلام بدرجة والتقوى فوق الإيمان بدرجة، وما قسم في الناس شيء أقل من التقوى)(2) .

إنّ اليقين بالله من أقوى درجات الإيمان، وهو من صفات المتقين العظام الذين عزّ وجل امتحن الله قلوبهم للإيمان.

العجب المفسد للعمل:

سأل أحمد بن نجم الإمام الرضاعليه‌السلام عن العجب المفسد للعمل؟

فقالعليه‌السلام :

(العجب درجات: منها أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسناً ويحسب أنّه يحسن صنعاً. ومنها أن يؤمن العبد فيمن على الله، والله المنة عليه فيه)(3) .

إنّ العجب بالمعنى الثاني ناشئ عن فقدان الإيمان وعدم نضوج الفكر وهو المفسد للعمل.

الذنوب:

قالعليه‌السلام : (كلمّا أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعلمون أحدث لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون)(4) .

لقد أحدث الناس ألواناً رهيبة من المعاصي والذنوب ما لم تكن معلومة

____________________

(1) البحار 78 / 341.

(2) مواهب الرحمان 1 / 64.

(3) البحار 78 / 335.

(4) وسائل الشيعة 11 / 240.

٧٢

ومعروفة من قبل فصب الله عليهم أنواعا من المحن والبلاء ولم يعرفونها من قبل.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

قالعليه‌السلام : (لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر أو ليستعملنّ عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم!)(1) .

إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منهج أصيل في الحياة الإسلامية، وإنّ إهماله له مضاعفاته السيئة التي منها: إشاعة المنكرات، وعدم استجابة دعاء الأخيار.

مَن أحبّ عاصياً:

قالعليه‌السلام : (مَن أحبّ عاصياً فهو عاصٍ، ومَن أحبّ مطيعاً فهو مطيع، ومَن أعان ظالماً فهو ظالم، ومَن خذل ظالماً فهو عادل، إنّه ليس بين الله وبين أحد قرابة، ولا تنال ولاية الله إلاّ بالطاعة)(2) .

إنّ مَن أحب عمل قوم حشر في زمرتهم كما في الحديث، فمَن أحبّ العاصي كان عاصياً ومَن أحبّ المطيع كان مطيعاً.

خيار الناس:

سُئل الإمامعليه‌السلام عن خيار العباد فقالعليه‌السلام : (الذين إذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساؤوا استغفروا، وإذا أعطوا شكروا، وإذا ابتلوا صبروا، وإذا غضبوا عفوا)(3) .

حقّاً إنّ مَن يتصف بهذه الصفات الكريمة فهو من أفضل الناس، ومن خيارهم، وإنّه قد بلغ قمّة الكمال والفضل.

شرف العمل:

قالعليه‌السلام : (إنّ الذي يطلب من فضل يكف به عياله أعظم أجراً من المجاهد في سبيل الله)(4) .

____________________

(1) وسائل الشيعة 11 / 394.

(2) وسائل الشيعة 11 / 446.

(3) تحف العقول: (ص 445).

(4) تحف العقول: (ص 445).

٧٣

إنّ العمل لإعاشة العيال جهاد في سبيل الله، وشرف يكتسبه العامل، ومجد يفخر به.

تمامية العقل:

قالعليه‌السلام : (لا يتم عقل امرئ مسلم حتى يكون فيه عشر خصال: الخير منه مأمول، والشر منه مأمون، يستكثر قليل الخير من غيره، ويستقل كثير الخير من نفسه، لا يسأم من طلب الحوائج إليه، ولا يمل من طلب العلم طول دهره، الفقر في الله أحب إليه من الغنى، والذل في الله أحب إليه من العزّ في عدوه، والخمول أشهى إليه من الشهرة).

ثم قالعليه‌السلام : العاشرة وما العاشرة؟ قيل له: ما هي؟

قالعليه‌السلام : (لا يرى أحداً إلاّ قال: هو خير منّي وأتقى، إنّما الناس رجلان: رجل خير منه وأتقى ورجل شر منه وأدنى، فإذا لقي الذي شر منه وأدنى قال: لعلّ خير هذا باطن وهو خير له، وخيري ظاهر وهو شر لي، وإذا رأى الذي هو خير منه وأتقى تواضع له ليلحق به، فإذا فعل ذلك فقد علا مجده وطاب خيره وحسن ذكره وساد أهل زمانه)(1) .

حقّاً إنّ مَن يتصف بهذه الصفات العشر فقد كمل إيمانه، وكمل عقله، وكان على اتصال وثيق بالله تعالى؛ فيعزّه ويعلي ذكره في الدنيا ويمنحه الدرجات العليا يوم القيامة.

حقيقة التوكّل على الله:

سأله رجل عن قول الله تعالى:( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) (2) فقالعليه‌السلام : (التوكّل درجات: منها أن تثق به في أمرك كلّه فيما فعل بك فما فعل بك كنت راضياً وتعلم أنّه لم يألك إلاّ خيراً ونظراً، وتعلم أنّ الحكم في ذلك له فتوكّل عليه بتفويض ذلك إليه، ومن ذلك الإيمان بغيوب الله التي لم يحط علمك بها فوكّلت علمها إليه والى أُمنائه عليها ووثقت به فيها وفي غيرها)(3) .

____________________

(1) تحف العقول: (ص 443)

(2) سورة الطلاق: آية 3.

(3) تحف العقول: (ص 443).

٧٤

وأعطى الإمامعليه‌السلام صورة واضحة عن حقيقة التوكّل على الله تعالى، وهو أن يفوّض الإنسان أموره كلها إليه تعالى، فإنّ ذلك هو محض الإيمان واليقين بالله.

أركان الإيمان:

قالعليه‌السلام : (الإيمان أربعة أركان: التوكّل على الله، والرضى بقضاء الله، والتسليم لأمر الله، والتفويض إلى الله قال العبد الصالح:(1) ( وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ) (2) .

إنّ الإيمان بالله يقوم على هذه الأركان الأربعة فإذا اتصف بها الشخص فقد بلغ ذروة الإيمان ومنتهاه.

خصال كريمة:

قالعليه‌السلام : (خمس مَن لم تكن فيه فلا ترجوه لشيء من الدنيا والآخرة: مَن لم تعرف الوثاقة في أرومته، والكرم في طباعه، والرضى في خلقه، والنبل في نفسه، والمخالفة لربّه)(3) .

إنّ مَن اتصف بهذه الصفات الكريمة قد حاز قصب السبق في الشرف والمروءة، وهو الذي يرجى رفده وكرمه.

شكر النعم:

قالعليه‌السلام : (مَن لم يشكر المنعم من المخلوقين لم يشكر الله عزّ وجل)(4) .

إنّ شكر المنعم واجب فمَن لم يشكره وتنكّر له فإنّه لا يشكر الله عزّ وجل على نعمه وألطافه التي أسداها إليه.

وصاياه ونصائحه:

وأدلى الإمامعليه‌السلام ببعض الوصايا والنصائح لخواص شيعته، كان منها ما يلي:

____________________

(1) العبد الصالح: هو مؤمن آل فرعون.

(2) تحف العقول: (ص 445).

(3) تحف العقول: (ص 446).

(4) وسائل الشيعة: 11 / 542.

٧٥

أ - وصيّته لأحمد:

وأوصى الإمامعليه‌السلام أحمد بن محمد بن أبي نصر بوصية جاء فيها: (لا تمل الدعاء فإنّه من الله بمكان، وعليك بالصبر وطلب الحلال وصلة الرحم، وإيّاك ومكاشفة الناس فإنّا أهل بيت نصل مَن قطعنا ونحسن إلى مَن أساء إلينا فنرى والله في ذلك العاقبة الحسنة)(1).

لقد أوصاه بمكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال التي يسمو بها الإنسان.

ب - وصيّته لإبراهيم:

وأوصى الإمامعليه‌السلام إبراهيم بن أبي محمود بوصية جاء فيها: (أخبرني أبي عن آبائه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: مَن أصغى إلى ناطقٍ فقد عبده، فإن كان الناطق عن الله فقد عبد الله وإن كان الناطق عن إبليس فقد عبد إبليس. إلى أن قال: يا بن أبي محمود إذا أخذ الناس يميناً وشمالاً فالزم طريقتنا فإنّه مَن لزمنا لزمناه ومَن فارقنا فارقناه، فإنّ أدنى ما يخرج به الرجل من الإيمان أن يقول للحصاة: هذه نواة ثم يدين بذلك ويبرأ ممّن خالفه يا بن أبي محمود احفظ ما حدثتك به فقد جمعت لك فيه خير الدنيا والآخرة)(2) .

وحفلت هذه الوصية بلزوم اتباع أهل البيتعليهم‌السلام والاقتداء بنهجهم والاهتداء بسيرتهم؛ فإنّ ذلك النجاة، والأمن من الهلاك، والفوز برضوان الله تعالى.

ج - نصيحته لأحمد والحسين:

قال أحمد بن عمر والحسين بن يزيد: دخلنا على الرضاعليه‌السلام فقلنا له: إنّا كنّا في سعة من الرزق ونضارة من العيش فتغيّرت الحال بعض التغيّر فادع الله أن يرد ذلك إلينا.

فأجابهما الإمام بلزوم القناعة والرضى بما قسم الله لهما قائلاً:

____________________

(1) وسائل الشيعة 4 / 1129.

(2) وسائل الشيعة 18 / 92.

٧٦

(أيّ شيء تريدون أن تكونوا ملوكاً؟ أيسرّكم أن تكونوا مثل طاهر(1) وهرثمة(2) وأنّكم على خلاف ما أنتم عليه؟).

فانبرى أحدهما قائلا:

لا والله ما سرّني أنّ لي الدنيا بما فيها ذهباً وفضة وإنّي على خلاف ما أنا عليه - يعني منحرفاً عن أهل البيت -.

فقالعليه‌السلام : (إنّ الله يقول:( اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) (3) .

أحسن الظن بالله، فإنّ مَن حسن ظنّه بالله كان الله عند ظنّه، ومَن رضي بالقليل من الرزق قبل منه اليسير من العمل، ومَن رضي باليسير من الحلال خفّت مؤونته ونعم أهله وبصّره الله داء الدنيا ودواءها وأخرجه منها سالماً إلى دار السلام)(4).

لقد أوصاهما الإمامعليه‌السلام بالقناعة التي هي كنز لا يفنى، وعرّفهما أنّهما يملكان ما هو أثمن وأغلى من الذهب والفضة، وهو الولاء لأهل البيتعليهم‌السلام الذي هو من أعظم نعم الله على عباده المخلصين.

د - المساواة بين الغني والفقير:

وأوصى الإمام أصحابه بالمساواة بين الغني والفقير بالسلام، فقد قال: (مَن لقي فقيراً مسلماً فسلّم عليه خلاف سلامه على الغني؛ لقي الله عزّ وجل وهو عليه غضبان)(5) .

ومثّلت هذه الوصية الأخلاق العظيمة عند أهل البيتعليهم‌السلام الذين خلقهم الله رحمة لعباده، فقد ألزموا شيعتهم بالمساواة بين أبناء المسلمين حتى بالسلام وكرهوا التمايز بينهم.

____________________

(1) طاهر هو أبو الطيب الملقب بذي اليمنين لأنه ضرب شخصا بيساره فقده نصفين وفيه يقول بعض الشعراء: (كلتا يديك يمين حين تضربه) كان والياً على خراسان من قبل المأمون وهو الذي أطاع بحكومة الأمين وقتله وأقام المأمون مكانه وكان شيعيا من أصحاب الإمام الرضاعليه‌السلام .

(2) هرثمة بن أعين كان من قادة المأمون ومن أصحاب الإمام الرضا وخواصه.

(3) سورة سبأ: آية 12.

(4) تحف العقول (ص 448).

(5) وسائل الشيعة 8 / 442.

٧٧

ه‍ـ - التبسّم في وجه المؤمن:

وأوصى الإمام أصحابه بالتبسّم في وجه المؤمن وعدم مقابلته بالغيظ قال

عليه‌السلام : (مَن تبسّم في وجه أخيه المؤمن كتب الله له حسنة ومَن كتب الله له حسنة لم يعذّبه)(1) .

هذه هي معالي الأخلاق التي كان الأئمةعليهم‌السلام يوصون بها أصحابهم ليكونوا قدوة حسنة إلى الناس.

و - وصيّة عامة:

وأوصى الإمامعليه‌السلام أصحابه وسائر الناس بهذه الوصية القيّمة: (اتقوا الله أيّها الناس في نعم الله عليكم فلا تنفروها عنكم بمعاصيه، واعلموا أنّكم لا تشكرون الله بشيء، بعد الإيمان بالله ورسوله وبعد الاعتراف بحقوق أولياء الله من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أحبّ من معاونتكم لإخوانكم المؤمنين على دنياهم التي هي معبر لكم إلى جنان ربّهم؛ فإنّ مَن فعل ذلك كان من خاصة الله)(2) .

لقد حفلت هذه الوصية بالحث على: تقوى الله تعالى، ومعونة الإخوان، وإسداء المعروف إليهم.

صلة الأرحام:

وأثرت عن الإمام الرضاعليه‌السلام كوكبة من الأحاديث في حث أصحابه وشيعته على صلة الأرحام كان منها ما يلي:

أ - قالعليه‌السلام : (يكون الرجل يصل رحمه فيكون قد بقي من عمره ثلاث ستين: فيصيّرها الله ثلاثين سنة ويفعل الله ما يشاء)(3) .

ب - قالعليه‌السلام : (ما نعلم شيئاً يزيد في العمر إلاّ صلة الرحم حتى أنّ الرجل يكون أجله ثلاث سنين فيكون وصولاً للرحم فيزيد الله في عمره ثلاثين سنة فيجعلها ثلاثاً وثلاثين سنة، ويكون أجله ثلاثاً وثلاثين سنة فيكون قاطعاً للرحم

____________________

(1) وسائل الشيعة 8 / 483.

(2) الدر النظيم ورقة 215.

(3) وسائل الشيعة 15 / 243.

٧٨

فينقصه الله ثلاثين سنة، ويجعل آجله إلى ثلاث سنين)(1) .

ج - قالعليه‌السلام : قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : (صل رحمك ولو بشربة ماء، وأفضل ما توصل به الرحم كفّ الأذى عنها، وصلة الرحم منسأة في الأجل، محبّة في الأهل)(2) .

إنّ خير وسيلة لترابط المجتمع وتضامنه هو البر بالأرحام والإحسان إليهم فإنّ ذلك يوحّد ما بين عواطفهم ومشاعرهم؛ وبذلك تتكوّن الخلايا الصالحة التي ينشأ منها المجتمع.

من حكم بعض الأنبياء:

روى الإمام الرضاعليه‌السلام بعض الحكم القيّمة التي أدلى بها بعض الأنبياءعليهم‌السلام ، وفيما يلي بعضها:

مناجاة موسى:

قالعليه‌السلام : (إنّ موسى بن عمران لـمّا ناجى ربّه قال: يا ربّ أبعيد أنت منّي فأناديك أم قريب فأناجيك؟ فأوحى الله إليه يا موسى أنا جليس مَن ذكرني، قال موسى: إنّي أكون في حالٍ أجل أن أذكرك فيها قال يا موسى اذكرني على كل حال)(3) .

في صحف إبراهيم:

قالعليه‌السلام : (في صحف إبراهيم: أيّها الملك المغرور إنّي لم أبعثك لتبني البناء، ولا لتجمع الدنيا، ولكن بعثتك لترد عنّي المظلوم فإنّي لا أردها ولو كانت من كافر)(4) .

عيسى مع الحواريين:

قالعليه‌السلام : (قال عيسى للحواريين: يا بني إسرائيل لا تأسوا على ما فاتكم من الدنيا، كما لا يأسى أهل الدنيا على ما فاتهم من دينهم إذا أصابوا

____________________

(1) وسائل الشيعة 15 / 245.

(2) أصول الكافي 2 / 151.

(3) الفصول المهمّة (ص 224)، وسائل الشيعة 1 /.

(4) تأريخ اليعقوبي.

٧٩

دنياهم)(1) .

وقد ألمحنا في البحوث السابقة إلى بعض ما أُثر عن الإمامعليه‌السلام من أحوال الأنبياء، وقد حفلت ببعض ما أدلوا به من الكلمات الحكمية.

وعظ وإرشاد:

ونقل الرواة والمؤرّخون طائفة من كلام الإمام وشعره في الوعظ، والإرشاد كان منها ما يلي:

1 - قال محمد بن عبيدة: دخلت على الرضاعليه‌السلام فبعث إلى صالح بن سعيد فوعظنا جميعاً، وكان من وعظه أنّه قال:

(قال أبو جعفر - يعني الإمام محمد الباقرعليه‌السلام - كن خيراً لا شرّ معه، كن ورقاً لا شوك معه، ولا تكن شوكاً لا ورق معه، وشرّاً لا خير معه).

ثم قال: (إنّ الله يبغض القيل والقال، وإيضاع المال وكثرة السؤال).

ثم قال: (إنّ بني إسرائيل شدّدوا فشدّد الله عليهم قال لهم موسى: اذبحوا بقرة، قالوا: ما لونها؟ فلم يزالوا يشدّدون حتى ذبحوا بقرة بملء جلدها ذهبا).

ثم قال: (إنّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال: إنّ الحكماء ضيّعوا الحكمة لما وضعوها عند غير أهلها)(2) .

2 - كتب المأمون إلى الإمام يطلب منه أن يعظه فكتب إليه هذه الأبيات:

إنّك في دنيا لها مدّة

يقبل فيها عمل العاملِ

أما ترى الموت محيطاً بها

يسلب فيها أمل الآملِ

تعجّل الذنب بما تشتهي

وتأمل التوبة من قابلِ

والموت يأتي أهله بغتةً

ما ذاك فعل الحازم العاقلِ(3)

____________________

(1) أصول الكافي 2 / 137.

(2) البحار 72 / 345.

(3) أعيان الشيعة: 4 / ق 2 / 199، نقلاً عن الاختصاص.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

في الآيات القرآنية والأحكام الشرعية.

١ - آفات أهل الحديث:

قال ابن الجوزي: «إنّ اشتغالهم بشواذّ الحديث شغلهم عن القرآن إن عبدالله بن عمر بن أبان مشكدانة قرأ عليهم في التفسير: (ويعوق وبشراً) فقيل له: (ونسراً) فقال: هي منقوطة من فوق فقيل له: النقط غلط. قال: فارجع إلى الأصل.

قال الدار قطني: سمعت أحمد بن عبيدالله المنادي يقول: كنّا في دهليز عثمان ابن أبي شبية فخرج إلينا فقال:( ن والقلم ) في أيّ سورة هو؟

قال: وأمّا بيان إعراضهم عن الفقه شغلاً بشواذّ الأحاديث، فقد رويت عنهم عجائب وقفت امرأة على مجلس في يحيى بن معين وأبو خيثمة وخلف ابن سالم في جماعة يتذاكرون الحديث، فسمعتهم يقولون: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورواه فلان، وما حدّث به غير فلان، فسألتهم المرأة عن الحائض تغسل الموتى - وكانت غاسلة -؟ فلم يجبها أحد منهم، وجعل بعضهم ينظر إلى بعض، فأقبل أبو ثور فقالوا لها: عليك بالمقبل، فالتفتت إليه فسألته فقال: نعم تغسل الميت بحديث عائشة: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لها: حيضك ليست في يدك، ولقولها: كنت أفرق رأس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالماء وأنا خائض، قال أبو ثور: فإذا فرقت رأس الحيّ فالميّت أولى به، فقالوا: نعم، رواه فلان وحدّثنا فلان؛ وخاضوا في الطرق، فقالت المرأة: فأين

٣٢١

كنتم إلى الآن؟!»(١) .

قال: «وقد كان فيهم مع كثرة سماه وجمعه للحديث من يرويه ولا يدري ما معناه، وفيهم من يصحّفه ويغيره أخبرنا الدرا قطني: أنّ أبا موسى محمد بن المثنّى العنزي قال لهم يوماً: نحن قوم لنا شرف، نحن من عنزة قد صلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلينا، لما روي أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله صلى الى عنزة، توهّم أنّه صلى إلى قبلتهم، وإنّما العنزة التي صلى إليها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هي حربة»(٢) .

قال: «وقد كان أكثر المحدّثين يعرفون صحيح الحديث من سقيمه وثقات النقلة من مجروحيهم ثم يعابون لقلّة الفقه، فكان الفقهاء يقولون للمحدّثين: نحن الأطبّاء وأنتم الصيادلة ...»(٣) .

قال: «والآن فالغالب على المحدّثين السماع فحسب، لا يعرفون صحابياً من تابعي، ولا حديثاً مقطوعاً من موصول، ولا صحّة إسناد من بطلانه، وفرض مثل هؤلاء القبول ممّن يعلم ما جهلوه ...»(٤) .

وبالجملة فإنّ هذا حال أهل الحديث إلاّ القليل منهم الّذين نظروا في الأحاديث وبحثوا عن أحوالها على أساس النظر في المفاد والمدلول، فجاء عنهم الطعن والقدح في أحاديث كثيرة حتى من الصحيحين لأنّ الحديث إذا عارض الكتاب أو خالف الضرورة من الدين أو العقل أو التاريخ يكذّب وإن صحّ سنده وقد أشرنا إلى هذه

__________________

(١) آفة أصحاب الحديث - بتحقيق وتقديم وتعليق علي الحسيني الميلاني -: ٤٤.

(٢) المصدر نفسه: ٤٦.

(٣) المصدر نفسه: ٤٩.

(٤) المصدر نفسه: ٤٩.

٣٢٢

القاعدة المقرّرة من قبل ..

٢ - إنّه قد اختلف القوم في أسباب الجرح والتعديل

إنّه قد اختلف القوم في أسباب الجرح والتعديل اختلافاً فاحشاً، فرُبّ راو هو موثوق به عند البخاري ومجروح عند مسلم كعكرمة مولى ابن عبّاس، أو موثوق عندهما ومجروح عند غيرهما كما ذكرنا

ويتلخّص أنّ في أحاديث الصحيحين ما هو مطعون من جهة السند، وما هو مطعون فيه من جهة دلالته على معنى تخالفه الضرورة من النقل أو العقل: وما هو مطعون فيه من الجهتين وإليك نماذج من هذه الأنواع:

من الأحاديث الموضوعة والباطلة في الصحيحين

١ - أخرج البخاري في كتاب الطبّ بسنده عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال في كسب المعلّمين: «إن أحق ما اخذ عليه الأجر كتاب الله»(١) .

وأورده ابن الجوزي في الموضوعات، حيث رواه بسنده عن ابن أبي مليكة عن عائشة، وطعن في سنده ثم قال: «والحديث منكر»(٢) .

٢ - أخرج البخاري في كتاب التفسير عن ابن عباس قال: «قرأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بمكّة: والنجم فلمّا بلغ:( أفرأيتم

__________________

(١) صحيح البخاري ٧: ١٧٠.

(٢) الموضوعات ١: ٢٢٩.

٣٢٣

اللات والعزّى ومناة الثالثة الاخرى ) ألقى الشيطان في امنيّته ...»(١) .

قال الرازي: «أمّا أهل التحقيق فقد قالوا: هذا الرواية باطلة موضوعة وبيّن بطلانها.

وحكي عن محمد بن إسحاق بن خزيمة أنّه سئل عن هذه القصّة فقال: إنّها من وضع الزنادقة.

وقال الإمام أبوبكر البيهقي: هذه القصّة غير ثابتة من جهة النقل»(٢) .

وقال القاضي عياض المالكي: «قد قامت الحجّة وأجمعت الامّة على عصمتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونزاهته عن مثل هذه الرذيلة النقيصة ...»(٣) .

٣ - قال ابن حزم في (المحلى): «ومن طريق البخاري، قال: هشام بن عمار، نا صدقة بن خالد، نا عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، نا عطيّة بن قيس الكابلي، نا عبدالرحمن بن غنم الأشعري، حدّثني أبو عامر وأبو مالك الأشعري - والله ما كذبني - أنّه سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: ليكوننّ من أمّتي قوم يستحلّون الخزّ والخنزير والخمر والمعازف.

وهذا منقطع لم يتّصل ما بين البخاري وصدقة بن خالد، ولا يصحّ في هذا الباب شيء أبداً، وكلّ ما في موضوع».

٤ - أخرج البخاري بسنده عن عروة: «إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خطب عائشة بنت أبي بكر، فقال له أبو بكر: إنّما أنا أخوك،

__________________

(١) لاحظ: إرشاد الساري ٧: ٢٤٢ - ٢٤٣، الدر المنثور ٤: ٣٦٦.

(٢) تفسير الرازي ٢٣: ٥٠.

(٣) الشفاء ٢: ١١٨.

٣٢٤

فقال: أنت أخي في دين الله وكتابه، وهي لي حلال»(١) .

قال ابن حجر: «قال مغطاي: في صحّة هذا الحديث نظر، لأنّ الخلّة لأبي بكر إنّما كانت بالمدينة، وخطبة عائشة كانت بمكّة، فكيف يلتئم قول: إنّما أنا أخوك؟! أيضاً فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ما باشر الخطبة بنفسه ...»(٢) .

٥ - أخرج البخاري في كتاب التفسير بسنده عن أبي هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: «يلقى إبراهيم أباه فيقول: يا ربّ إنّك وعدتني ألاّ تخزني يوم يبعثون: فيقول الله: إنّي حرّمت الجنّة على الكافرين»(٣) .

قال ابن حجر: «وقد استشكل الإسماعيلي هذا الحديث من أصله وطعن في صحّته، فقال بعد أن أخرجه: هذا خبر في صحّته نظر من جهة أنّ إبراهيم عالم أنّ الله لا يخلف الميعاد، فكيف يجعل ما صار لأبيه خزياً له مع علمه بذلك؟! وقال غيره: هذا الحديث مخالف لظاهر قوله تعالى:( وما كان استغفار .. ) »(٤) .

٦ - أخرج البخاري في كتاب الصلح بسنده عن أنس، قال: «قيل للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لو أتيت عبدالله بن اُبيّ، فانطلق إليه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وركب حماراً، فانطلق المسلمون يمشون وهي أرض سبخة، فلمّا أتاه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: إليك عنّي، والله لقد آذاني نتن حمارك، فقال رجل من الأنصار منهم: والله

__________________

(١) صحيح البخاري ٧: ٦.

(٢) فتح الباري ١١: ٢٦.

(٣) صحيح البخاري ٦: ١٣٩.

(٤) فتح الباري ٨: ٤٦.

٣٢٥

لحمار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أطيب ريحاً منك، فغضب لعبدالله رجل من قومه فشتمه فغضب لكل واحد منهما أصحابه، فكا بينهما ضرب بالجريد والأيدي والنعال، فبلغنا أنّها نزلت:( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ) قال أبو عبدالله: هذا ممّا انتخبت من مسدّد قبل أن يجلس ويحدّث»(١) .

قال الزركشي: «فبلغنا أنّها نزلت:( وإن طائفتان ) قال ابن بطّال: يستحيل نزولها في قصّة عبدالله بن أبيّ والصحابة، لأنّ أصحاب عبدالله ليسوا بمؤمنين وقد تعصّبوا بعد الإسلام في قصّة فدك، وقد رواه البخاري فدلّ على أنّ الآية لم تنزل فيه، وإنّما نزلت في قوم من الأوس والخزرج اختلفوا في حقّ فاقتتلوا بالعصي والنعال»(٢) .

٧ - أخرج البخاري في كتاب التفسير بسنده عن ابن عمر قال: «لمّا توفّي عبدالله بن اُبيّ، جاء ابنه عبدالله بن عبدالله إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فسأله أن يعطيه قميصه يكفّن فيه أباه فأعطاه، ثم سأله أن يصلّي عليه، فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليصلّي عليه، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله فقال: يا رسول الله، تصلّي عليه وقد نهاك ربّك أن تصلّي عليه؟! فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّما أخبرني الله فقال:( إستغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرّة ) وسأزيده على السبعين. قال: إنّه منافق! قال: فصلّى عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأنزل الله:( ولا تصلّ على أحد منهم مات

__________________

(١) صحيح البخاري ٣: ٢٣٩.

(٢) التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح، عنه في خلاصة عبقات الأنوار ٦ / ٢٠٨.

٣٢٦

أبداً ولا تقم على قبره ) »(١) .

طعن فيه:

أبو بكر الباقلاني.

أبو حامد الغزّالي.

الإمام الداودي.

قال ابن حجر: «استشكل فهم التخيير من الآية، حتى أقدم جماعة من الأكابر على الطعن في صحّة الحديث، مع كثرة طرقه واتّفاق الشيخين وسائر الّذين خرّجوا الصحيح على تصحيحه ...» ثم ذكر كلمات القوم ثم قال: «والسبب في إنكارهم صحّته ما تقرّر عندهم ممّا قدّمناه، وهو الذي فهمه عمر من حمل (أو) على التسوية لما يقتضيه سياق القصّة، وحمل السبعين على المبالغة ...»(٢) .

٨ - أخرج البخاري بسنده عن مسروق، قال: «أتيت ابن مسعود فقال: إنّ قريشاً أبطؤا عن الإسلام، فدعا عليهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيما وأكلوا الميتة والعظام، فجاءه أبو سفيان فقال: يا محمد جئت تأمر بصلة الرحمن إنّ قومك هلكوا

زاد أسباط عن منصور: دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فسقوا الغيث ...»(٣) .

وطعن فيه:

__________________

(١) صحيح البخاري ٦: ٨٥ و ٢: ١٢١.

(٢) فتح الباري ٨ / ٢٧١.

(٣) صحيح البخاري ٢ / ٣٧.

٣٢٧

إبن حجر العسقلاني.

العيني، صاحب (عمدة القاري).

الإمام الداودي.

أبو عبدالملك.

الحافظ الدمياطي.

الكرماني، صاحب (الكواكب الدراري).

قال العيني: «واعترض على البخاري زيادة أسباط هذا، فقال الداودي: أدخل قصّة المدينة في قصّة قريش وهو غلط. وقال أبو عبدالملك: الذي زاده أسباط وهم واختلاط وكذا قال الحافظ شرف الدين الدمياطي.

والعجب من البخاري كيف أورد هذا ومكان مخالفاً لما رواه الثقات!!

__________________

(١) فتح الباري ٨: ٢٧١.

(٢) صحيح البخاري ٢: ٣٧.

٣٢٨

وهذا من المواضع التي اعترف فيها ابن حجر بنكارة الحديث ولم يتمكّن من الدفاع عنه

٩ - أخرج البخاري عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: «تكثير لكم الأحاديث من بعدي فإذا روي لكم حديث فأعرضوه على كتاب الله تعالى ...».

قال يحيى بن معين: «إنّه حديث وضعته الزنادقة».

وقال التفتازاني: «طعن فيه المحدّثون».

قال: «وقد طعن فيه المحدّثون بأنّ في رواته يزيد بن ربيعة وهو مجهول، وترك في إسناده واسطة بين الأشعت وثوبان فيكون منقطعاً. وذكر يحيى بن معين أنّه حديث وضعته الزنادقة، وإيراد البخاري إيّاه في صحيحه لا ينافي الإنقطاع أو كون أحد رواته غير معروف بالرواية»(١) .

١٠ - أخرج البخاري بسنده عن ابن عمر: «كنّا في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا نعدل بأبي بكر أحداً ثم عمر ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا نفاضل بينهم»(٢) .

قال ابن عبدالبّر: «هو الذي أنكر ابن معين وتكلّم فيه بكلام غليظ، لأنّ القائل بذلك قد قال بخلاف ما أجمع عليه أهل السنّة من السلف والخلف من أهل الفقه والآثر: أنّ عليّاً أفضل الناس بعد عثمان، وهذا ممّا لم يختلفوا فيه، وإنّما اختلفوا في تفضيل علي وعثمان. واختلف السلف أيضاً في تفضيل علي وأبي بكر.

وفي إجماع الجميع الذي وصفنا دليل على أنّ حديث ابن عمر

__________________

(١) التلويح في اصول الفقه ٢: ٣٩٧.

(٢) صحيح البخاري ٥: ١٨.

٣٢٩

وهم وغلط وأنّه لا يصحّ معناه وإن كان إسناده صحيحاً ...»(١) .

١١ - أخرج الشيخان عن شريك بن عبدالله عن أنس بن مالك قصّة إسراء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: ليلة اسري برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من مسجد الكعبة أنّه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم ...»(٢) .

طعن فيه النووي فقال: «وذلك قبل أن يوحى إيه، وهو غلط لم يوافق عليه، فإن الإسراء أقلّ ما قيل فيه: أنّه كان بعد مبعثه بخمسة عشر شهراً ...»(٣) .

والكرماني فقال: «قال النووي: جاء في رواية شريك أوهام أنكرها العلماء، من جملتها أنّه قال: ذلك قبل أن يوحى إليه. وهو غلط لم يوافق عليه، وأيضاً: العلماء أجمعوا على أنّ فرض الصلاة كان ليلة الإسراء فكيف يكون قبل الوحي؟!

أقول: وقول جبرئيل جواب بوّاب السماء إذ قال: أبعث؟ نعم، صريح في أنّه كان بعده»(٤) .

وابن القيّم وعبارته: «قد غلّط الحفّاظ شريكاً في ألفاظ من حديث الإسراء، ومسلم أورد المسند منه ثم قال: فقدّم وأخّر وزاد ونقص، ولم يسرد الحديث وأجاد»(٥) .

١٢ - أخرج البخاري بسنده: «عن عمرو بن ميمون، قال: رأيت

__________________

(١) الاستيعاب ٢: ١١١٥.

(٢) صحيح البخاري ٩: ١٨٢، صحيح مسلم ١: ١٠٢.

(٣) المنهاج في شرح مسلم ٢: ٦٥.

(٤) الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري ٢٥: ٢٠٤.

(٥) زاد المعاد في هدي خير العباد ٢: ٤٩.

٣٣٠

في الجاهلية قردة اجتمع عليه قردة قد زنت فرجموها فرجمتها معهم»(١) .

طعن فيه:

الحافظ الحميدي.

وابن عبدالبّر.

قال ابن حجر: «استنكر ابن عبد البرّ قصّة عمرو بن ميمون هذه وقال: فيها إضافة الزنا إلى غير مكلّف، وإقامة الحدّ على البهائم، وهذا منكر عنه أهل العلم وأغرب الحميدي في الجمع بين الصحيحين فزعم أنّ هذا الحديث وقع في بعض نسخ البخاري، وأنّ أبا مسعود وحده ذكره في الأطراف، قال: وليس في نسخ البخاري أصلاً، فلعلّه من الأحاديث المقحمة في كتاب البخاري ...»(٢) .

١٣ و١٤ و١٥ - أخرج البخاري ثلاثة أحاديث عن عطاء عن ابن عبّاس، اثنان منها في كتاب الطلاق، والآخر في كتاب التفسير(٣) .

وقد طعن الأئمّة في هذه الأحاديث. وأذعن أبن حجر بخطأ البخاري في إخراجها، وهذا نصّ كلامه: «تعقّبه أبو مسعود الدمشقي فقال: ثبت هذا الحديث والذي قبله - يعني بهذا الإسناد سوى الحديث المتقدّم في التفسير - في تفسير ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عبّاس، وابن جريج لم يسمع التفسير من عطاء الخراساني، وإنّما أخذ الكتاب من ابنه عثمان ونظر فيه. قال أبو علي: وهذا تنبيه بليغ من أبي مسعود ...».

__________________

(١) صحيح البخاري ٥: ٥٦.

(٢) فتح الباري ٧: ١٢٧.

(٣) صحيح البخاري ٧: ٦٢ - ٦٣ و ٦: ١٩٩.

٣٣١

قال ابن حجر: «وهذا عندي من المواضع العقيمة عن الجواب السديد، ولابدّ للجواد من كبوة، والله المستعان. وما ذكره أبو مسعود من التعقّب قد سبقه إليه الإسماعيلي، ذكر ذلك الحميدي في الجمع عن البرقاني عنه، قال: وحكاه عن علي بن المديني، يشير إلى القصّة التي ساقها الغسّاني، والله الموفق»(١) .

١٦ - أخرج البخاري في كتاب المغازي بسنده عن مسروق بن الأجدع قال: «حدّثتني أمّ رومان - وهي امّ عائشة - ...»(٢) .

وقد غلّط كبار الأئمّة هذا الحديث من جهة أنّ مسروقاً لم يدرك أمّ رومان ومنهم:

الخطيب البغدادي(٣) .

ابن عبدالبرّ القرطبي(٤) .

القاضي عياض في مشارق الأنوار(٥) .

إبراهيم بن يوسف، صاحب مطالع الأنوار(٦) .

أبو القاسم السهيلي شارح السيرة(٧) .

ابن سيّد الناس صاحب السيرة(٨) .

____________

(١) هدى الساري - مقدمة فتح الباري ٢: ١٣٥.

(٢) صحيح البخاري ٥: ١٥٤.

(٣) انظر: فتح الباري ٧: ٣٥٣.

(٤) الاستيعاب ٤: ١٩٣٧.

(٥) انظر: فتح الباري ٧: ٣٥٣.

(٦) انظر: فتح الباري ٧: ٣٥٣.

(٧) الروض الآنف ٦: ٤٤٠.

(٨) عيون الأثر ٢: ١٠١.

٣٣٢

الحافظ المزّي(١) .

الحافظ شمس الدين الذهبي(٢) .

الحافظ صلاح الدين العلائي(٣) .

١٧ - أخرج البخاري في كتاب المغازي بسنده عن علي: «إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية»(٤) .

وأخرجه مسلم بأسانيد متعدّدة(٥) .

وقد غلّط هذا الحديث جماعة منهم:

الحافظ أبو بكر البيهقي.

الحافظ إبن عبدالبّر.

الحافظ أبو القاسم السهيلي.

الحافظ إبن قيّم الجوزية.

العلاّمة العيني.

شهاب الدين القسطلاني

قال السهيلي: «هذا شيء لا يعرفه أحد من أهل السير ورواة الأثر أنّ المتعة حرّمت يوم خيبر ...»(٦) .

وقال ابن القيّم: «لم تحّرم المتعة يوم خيبر وإنّما كان تحريمها عام

__________________

(١) تهذيب الكمال - مخطوط -.

(٢) اُنظر: فتح الباري ٧: ٣٥٣.

(٣) اُنظر: فتح الباري ٧: ٣٥٣.

(٤) صحيح البخاري ٥: ١٧٢، وانظر ١٢٣ و ٩: ٣١.

(٥) صحيح مسلم: ٤: ١٣٤ - ١٣٥.

(٦) الروض الانف ٦: ٥٥٧.

٣٣٣

الفتح، هذا هو الصواب. وقد ظنّ طائفة من أهل العلم أنّه حرّمها يوم خيبر، واحتجّوا بما في الصحيحين من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه ...»(١) .

وقال العيني: «قال ابن عبد البرّ: وذكر النهي عن المتععة يوم خيبر غلط. وقال السهيلي ...»(٢) .

وقال القسطلاني: «قال ابن عبدالبرّ: إنّ ذكر النهي يوم خيبر غلط، وقال البيهقي: لا يعرفه أحد من أهل السير»(٣) .

١٨ - أخرج البخاري:» عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله: لم يكذب إبراهيم إلاّ ثلاثاً

عن أبي هريرة: لم يكذب إبراهيم إلاّ ثلاث كذبات، ثنتين منهنّ في ذات الله عزّو جلّ: إنّي سقيم. وقوله: بل فعله كبيرهم هذا.

وقال: بينا هو ذات يوم وسارة إذ أتى على جبّار من الجبابرة فقيل له: إنّ هاهنا رجلاً معه امرأة م أحسن الناس، فأرسل إيه فسأله عنها، فقال: من هذه؟ قال: اختي ...»(٤) .

وأخرجه مسلم(٥) .

وهذا الحديث كذّبه الفخر الرازي في تفسيره وقال: بأنّ نسبة الكذب إلى الراوي أولى من نسبته إلى الخليلعليه‌السلام (٦) .

__________________

(١) زاد المعاد ٢: ١٤٢ و ١٨٣ و ٤: ٦.

(٢) عمدة القاري ١٧: ٢٤٦ - ٢٤٧.

(٣) إرشاد الساري ٦: ٥٣٦ و ٨: ٤١.

(٤) صحيح البخاري ٤: ١٧١.

(٥) صحيح مسلم ٧: ٩٨.

(٦) تفسير الرازي ٢٢: ١٨٥ و ٢٦: ١٤٨.

٣٣٤

١٩ - أخرج مسلم عن عكرمة بن عمّار، عن أبي زميل، عن ابن عبّاس، قال: «كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه، فقال: يا نبي الله ثلاث أعطنيهنّ، قال: نعم، قال: أحسن العرب وأجملهم أمّ حبيبة ازوّجكها، قال: نعم، قال: ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك، قال: نعم، قال: وتؤمّرني أن اقاتل الكفّار كما كنت اقاتل المسلمين، قال: نعم ...»(١) .

وقد طعن فيه جماعة سنداً ومتناً منهم:

الذهبي في ترجمة عكرمة بن عمّار(٢) .

الحافظ إبن حزم.

الحافظ النووي.

الحافظ إبن القيّم.

الحافظ إبن الجوزي.

قال إبن القيّم في (زاد المعاد): «إنّ حديث عكرمة في الثلاث التي طلبها أبو سفيان من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله غلط ظاهر لا خفاء به. قال أبو محمد ابن حزم: هو موضوع بلا شك، كذبه عكرمة بن عمّار. قال ابن الجوزي: هذا الحديث وهم من بعض الرواة لا شكّ فيه ولا تردّد.

وقد اتّهموا به عكرمة بن عمّار، لأنّ أهل التواريخ أجمعوا على أنّ أمّ حبيبة كانت تحت عبيدالله بن جحش، ولدت له وهاجر بها إلى أرض الحبشة، ثم تنصّر وثبتت أمّ حبيبة على إسلامها، فبعث رسول الله

__________________

(١) صحيح مسلم ٧: ١٧١.

(٢) ميزان الإعتدال ٣: ٩٠.

٣٣٥

صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى النجاشي يخطبها فزوّجه إيّاها وأصدقها عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى النجاشي يخطبها فزوّجه إيّاها وأصدقها عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صداقاً، وذلك في سنة سبع من الهجرة. وجاء أبو سفيان في زمن الهدنة ودخل عليها فثنت فراش رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى لا يجلس عليه. ولا خلاف في أنّ أبا سفيان ومعاوية أسلما في فتح مكّة سنة ثمان.

وأيضاً: في الحديث أنّه قال: وتؤمّرني حتى أقتل الكفّار كما كانت اقاتل المسلمين فقال: نعم، ولا يعرف أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمّر أبا سفيان ألبتّة».

وقال النووي: «إعلم أنّ هذا الحديث من الأحاديث المشهورة بالإشكال ...»(١) .

٢٠ - أخرج مسلم حديث أبي حميد الساعدي في صفة صلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد ضعّفه الطحاوي وغيره كما قد تقدّم في عبارة عبدالقادر القرشي.

خلاصة البحث

هذا بعض الكلام حول الصحيحين وأخبارهما على ضوء كلمات الأعلام وقد رأيت في الكتابين رجالاً كاذبين وأحاديث موضوعة وباطلة

وأحاديث نقصان القرآن من القبيل فلا يهولنّك الطعن فيها بعد ثبوت مخالفتها للإجماع والضرورة ومحكم التنزيل والله هو الهادي إلى سواء السبيل

__________________

(١) شرح صحيح مسلم - هامش إرشاد الساري ١١: ٣٦٠.

٣٣٦

الكلام حول الصحابة

إنّ المشهور بين أهل السنّة «عدالة الصحابة» أجمعين قال أبو إبراهيم المزني في معنى حديث أصحابي كالنجوم: «إن صحّ هذا الخبر فمعناه فيما نقلوا عنه وشهدوا به عليه، فكلّهم ثقة مؤتمن على ما جاء به، لا يجوز عندي غير هذا»(١) .

وقال ابن حزم: «الصحابة كلّهم من أهل الجنّة قطعاً»(٢) وقال الخطيب: «عدالة الصحابة ثابتة معلومة»(٣) وقال النووي في التقريب: «الصحابة كلّهم عدول من لابس الفتنة وغيرهم».

بل ادّعى بعضهم الإجماع على هذا المعنى صريحاً كابن حجر العسقلاني(٤) وابن عبد البرّ القرطبي(٥) .

١ - الصحابة عدالةً:

لكنّ دعوى الإجماع باطلة والمشهور لا أصل له

أمّا دعوى الإجماع فيكذّبها نسبة هذا القول إلى الأكقر في كلام جماعة من الأئمة قال ابن الحاجب: «الأكثر على عدالة الصحابة، وقيل: كغيرهم، وقيل: إلى حين الفتن فلا يقبل الداخلون، لأنّ الفاسق

__________________

(١) انظر: جامع بيان العلم ٢: ٨ - ٩٠.

(٢) انظر: الإصابة ١: ١٩.

(٣) انظر: الإصابة ١: ١٧ - ١٨.

(٤) الإصابة ١: ١٧ - ١٨.

(٥) الاستيعاب ١: ٨.

٣٣٧

غير معيّن، وقالت المعتزلة: عدول إلاّ من قاتل عليّاً ...»(١) .

وقال الغزّالي: «الذي عليه سلف الامّة وجماهير الخلف أنّ عدالتهم معلومة بتعديل الله عزّو جلّ أيّاهم وثنائه عليهم في كتابه، فهو معتقدنا فيه إلاّ أن يثبت بطريق قاطع ارتكاب واحد لفسق مع علمه به، وذلك ممّا لا يثبت، فلا حاجة لهم إلى التعديل وقد زعم قوم أنّ حالهم كحال غيرهم في لزوم البحث، وقال قوم: حالهم العدالة في بدائة الأمر إلى ظهور الحرب والخصومات، ثم تغيّر الحال وسفكت الدماء فلابدّ من البحث، وقال جماهير المعتزلة: عائشة وطلحة والزبير وجميع أهل العراق والشام فسّاق بقتال الإمام الحقّ ...»(٢) .

وكذا في (جمع الجوامع) وشرحه حيث قال: «والأكثر على عدالة الصحابة لا يبحث عنها في رواية ولا شهادة ...» ثم نقل الأقوال الاخرى(٣) .

وفي (مسلم الثبوت) وشرحه: «الأكثر قالوا: الأصل في الصحابة العدالة، وقيل ...»(٤) .

بل صرّح جماعة من أكابر القوم من المتقدّمين والمتأخرين كالسعد التفتازاني(٥) ، والمازري - شارح البرهان -(٦) ، وابن العماد

__________________

(١) المختصر في الأصول ٢: ٦٧.

(٢) المستصفى ١: ١٦٤.

(٣) انظر: النصائح الكافية: ١٦٠.

(٤) فواتح الرحموت بشرح مسلّم الثبوت ٢: ١٥٥.

(٥) إحقاق الحقّ - للتستري - ٢: ٣٩١ - ٣٩٢ عن شرح القاصد.

(٦) الإصابة ١: ١٩، النصائح الكافية: ١٦١.

٣٣٨

أحمد بن حنبل(١) .

أبو إبراهيم المزني(٢) .

أبو بكر البزّار(٣) .

ابن القطّان(٤) .

الحافظ الدار قطني(٥) .

الحافظ ابن حزم(٦) .

الحافظ البيهقي(٧) .

الحافظ إبن عبدالبرّ(٨) .

الحافظ إبن عساكر(٩) .

الحافظ إبن الجوزي(١٠) .

الحافظ إبن دحية(١١) .

__________________

(١) نقل ذلك عنه في: التقرير والتحبير - لابن أمير الحاج -، المنتخب - لابن قدامة - التيسير في شرح التحرير ٣: ٢٤٣، مسلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ١: ٧٩.

(٢) جامع بيان العلم - لابن عبدالبرّ - ٢: ٨٩ - ٩٠.

(٣) جامع بيان العلم ٢: ٩٠، أعلام المؤقّعين ٢: ٢٢٣، البحر المحيط ٥: ٥٢٨.

(٤) الكامل | ترجمة جعفر بن عبد الواحد الهاشمي القاضي وحمزة النصيبي.

(٥) غرائب مالك، تخريج أحاديث الكشّاف ٢: ٦٢٨.

(٦) البحر المحيط ٥: ٥٢٨، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ١: ٧٨.

(٧) المدخل، وعنه في الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشّاف - المطبوع على هامش الكشّاف - ٢: ٦٢٨.

(٨) جامع بيان العلم ٢: ٩٠ - ٩١.

(٩) التاريخ، وعنه في فيض القدير في شرح الجامع الصغير ٤: ٧٦.

(١٠) العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، وانظر: فيض القدير ٤: ٧٦.

(١١) تعليق تخريج أحاديث منهاج البيضاوي.

٣٣٩

الحافظ أبو حيّان الأندلسي(١) .

الحافظ الذهبي(٢) .

الحافظ إبن القيّم(٣) .

الحافظ إبن حجر العسقلاني(٤) .

الحافظ السخاوي(٥) .

الحافظ السيوطي(٦) .

الحافظ الشوكاني(٧) .

٢ - الصحابة علماً:

وأمّا جهل الأصحاب بالقرآن الكريم والأحكام الشرعية فالشواهد عليه كثيرة جدّاً، بل يمتنع أن تحصي له عدداً وتبلغ به حدّاً ونحن نكتفي هنا بكلام لإبن حزم وللتفصيل فيه مجال آخر.

قال الحافظ ابن حزم: «ووجدنا الصحاب من الصحابة - رضي الله عنهم - يبلغه الحديث فيتأوّل فيه تأويلاً يخرجه به عن

__________________

(١) البحر المحيط ٥: ٥٢٧ - ٥٢٨.

(٢) ميزان الاعتدال ١: ٤١٣ و ٢: ١٠٢.

(٣) أعلام الموقّعين ٢: ٢٢٣.

(٤) الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشّاف.

(٥) المقاصد الحسنة ٢٦: ٢٧.

(٦) الجامع الصغير - بشرح المناوي - ٤: ٧٦.

(٧) إرشاد الفحول: ٨٣.

وراجع أصحابي كالنجوم: ٢١ - ٦٠ للاطّلاع على كلمات العلماء الّذين سبق ذكرهم وعلى كلمات علماء آخرين غيرهم بهذا الخصوص.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368