التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف15%

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف مؤلف:
الناشر: دار القرآن الكريم
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 368

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف
  • البداية
  • السابق
  • 368 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 184782 / تحميل: 6439
الحجم الحجم الحجم
التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

مؤلف:
الناشر: دار القرآن الكريم
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

في الآيات القرآنية والأحكام الشرعية.

١ - آفات أهل الحديث:

قال ابن الجوزي: «إنّ اشتغالهم بشواذّ الحديث شغلهم عن القرآن إن عبدالله بن عمر بن أبان مشكدانة قرأ عليهم في التفسير: (ويعوق وبشراً) فقيل له: (ونسراً) فقال: هي منقوطة من فوق فقيل له: النقط غلط. قال: فارجع إلى الأصل.

قال الدار قطني: سمعت أحمد بن عبيدالله المنادي يقول: كنّا في دهليز عثمان ابن أبي شبية فخرج إلينا فقال:( ن والقلم ) في أيّ سورة هو؟

قال: وأمّا بيان إعراضهم عن الفقه شغلاً بشواذّ الأحاديث، فقد رويت عنهم عجائب وقفت امرأة على مجلس في يحيى بن معين وأبو خيثمة وخلف ابن سالم في جماعة يتذاكرون الحديث، فسمعتهم يقولون: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورواه فلان، وما حدّث به غير فلان، فسألتهم المرأة عن الحائض تغسل الموتى - وكانت غاسلة -؟ فلم يجبها أحد منهم، وجعل بعضهم ينظر إلى بعض، فأقبل أبو ثور فقالوا لها: عليك بالمقبل، فالتفتت إليه فسألته فقال: نعم تغسل الميت بحديث عائشة: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لها: حيضك ليست في يدك، ولقولها: كنت أفرق رأس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالماء وأنا خائض، قال أبو ثور: فإذا فرقت رأس الحيّ فالميّت أولى به، فقالوا: نعم، رواه فلان وحدّثنا فلان؛ وخاضوا في الطرق، فقالت المرأة: فأين

٣٢١

كنتم إلى الآن؟!»(١) .

قال: «وقد كان فيهم مع كثرة سماه وجمعه للحديث من يرويه ولا يدري ما معناه، وفيهم من يصحّفه ويغيره أخبرنا الدرا قطني: أنّ أبا موسى محمد بن المثنّى العنزي قال لهم يوماً: نحن قوم لنا شرف، نحن من عنزة قد صلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلينا، لما روي أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله صلى الى عنزة، توهّم أنّه صلى إلى قبلتهم، وإنّما العنزة التي صلى إليها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هي حربة»(٢) .

قال: «وقد كان أكثر المحدّثين يعرفون صحيح الحديث من سقيمه وثقات النقلة من مجروحيهم ثم يعابون لقلّة الفقه، فكان الفقهاء يقولون للمحدّثين: نحن الأطبّاء وأنتم الصيادلة ...»(٣) .

قال: «والآن فالغالب على المحدّثين السماع فحسب، لا يعرفون صحابياً من تابعي، ولا حديثاً مقطوعاً من موصول، ولا صحّة إسناد من بطلانه، وفرض مثل هؤلاء القبول ممّن يعلم ما جهلوه ...»(٤) .

وبالجملة فإنّ هذا حال أهل الحديث إلاّ القليل منهم الّذين نظروا في الأحاديث وبحثوا عن أحوالها على أساس النظر في المفاد والمدلول، فجاء عنهم الطعن والقدح في أحاديث كثيرة حتى من الصحيحين لأنّ الحديث إذا عارض الكتاب أو خالف الضرورة من الدين أو العقل أو التاريخ يكذّب وإن صحّ سنده وقد أشرنا إلى هذه

__________________

(١) آفة أصحاب الحديث - بتحقيق وتقديم وتعليق علي الحسيني الميلاني -: ٤٤.

(٢) المصدر نفسه: ٤٦.

(٣) المصدر نفسه: ٤٩.

(٤) المصدر نفسه: ٤٩.

٣٢٢

القاعدة المقرّرة من قبل ..

٢ - إنّه قد اختلف القوم في أسباب الجرح والتعديل

إنّه قد اختلف القوم في أسباب الجرح والتعديل اختلافاً فاحشاً، فرُبّ راو هو موثوق به عند البخاري ومجروح عند مسلم كعكرمة مولى ابن عبّاس، أو موثوق عندهما ومجروح عند غيرهما كما ذكرنا

ويتلخّص أنّ في أحاديث الصحيحين ما هو مطعون من جهة السند، وما هو مطعون فيه من جهة دلالته على معنى تخالفه الضرورة من النقل أو العقل: وما هو مطعون فيه من الجهتين وإليك نماذج من هذه الأنواع:

من الأحاديث الموضوعة والباطلة في الصحيحين

١ - أخرج البخاري في كتاب الطبّ بسنده عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال في كسب المعلّمين: «إن أحق ما اخذ عليه الأجر كتاب الله»(١) .

وأورده ابن الجوزي في الموضوعات، حيث رواه بسنده عن ابن أبي مليكة عن عائشة، وطعن في سنده ثم قال: «والحديث منكر»(٢) .

٢ - أخرج البخاري في كتاب التفسير عن ابن عباس قال: «قرأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بمكّة: والنجم فلمّا بلغ:( أفرأيتم

__________________

(١) صحيح البخاري ٧: ١٧٠.

(٢) الموضوعات ١: ٢٢٩.

٣٢٣

اللات والعزّى ومناة الثالثة الاخرى ) ألقى الشيطان في امنيّته ...»(١) .

قال الرازي: «أمّا أهل التحقيق فقد قالوا: هذا الرواية باطلة موضوعة وبيّن بطلانها.

وحكي عن محمد بن إسحاق بن خزيمة أنّه سئل عن هذه القصّة فقال: إنّها من وضع الزنادقة.

وقال الإمام أبوبكر البيهقي: هذه القصّة غير ثابتة من جهة النقل»(٢) .

وقال القاضي عياض المالكي: «قد قامت الحجّة وأجمعت الامّة على عصمتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونزاهته عن مثل هذه الرذيلة النقيصة ...»(٣) .

٣ - قال ابن حزم في (المحلى): «ومن طريق البخاري، قال: هشام بن عمار، نا صدقة بن خالد، نا عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، نا عطيّة بن قيس الكابلي، نا عبدالرحمن بن غنم الأشعري، حدّثني أبو عامر وأبو مالك الأشعري - والله ما كذبني - أنّه سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: ليكوننّ من أمّتي قوم يستحلّون الخزّ والخنزير والخمر والمعازف.

وهذا منقطع لم يتّصل ما بين البخاري وصدقة بن خالد، ولا يصحّ في هذا الباب شيء أبداً، وكلّ ما في موضوع».

٤ - أخرج البخاري بسنده عن عروة: «إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خطب عائشة بنت أبي بكر، فقال له أبو بكر: إنّما أنا أخوك،

__________________

(١) لاحظ: إرشاد الساري ٧: ٢٤٢ - ٢٤٣، الدر المنثور ٤: ٣٦٦.

(٢) تفسير الرازي ٢٣: ٥٠.

(٣) الشفاء ٢: ١١٨.

٣٢٤

فقال: أنت أخي في دين الله وكتابه، وهي لي حلال»(١) .

قال ابن حجر: «قال مغطاي: في صحّة هذا الحديث نظر، لأنّ الخلّة لأبي بكر إنّما كانت بالمدينة، وخطبة عائشة كانت بمكّة، فكيف يلتئم قول: إنّما أنا أخوك؟! أيضاً فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ما باشر الخطبة بنفسه ...»(٢) .

٥ - أخرج البخاري في كتاب التفسير بسنده عن أبي هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: «يلقى إبراهيم أباه فيقول: يا ربّ إنّك وعدتني ألاّ تخزني يوم يبعثون: فيقول الله: إنّي حرّمت الجنّة على الكافرين»(٣) .

قال ابن حجر: «وقد استشكل الإسماعيلي هذا الحديث من أصله وطعن في صحّته، فقال بعد أن أخرجه: هذا خبر في صحّته نظر من جهة أنّ إبراهيم عالم أنّ الله لا يخلف الميعاد، فكيف يجعل ما صار لأبيه خزياً له مع علمه بذلك؟! وقال غيره: هذا الحديث مخالف لظاهر قوله تعالى:( وما كان استغفار .. ) »(٤) .

٦ - أخرج البخاري في كتاب الصلح بسنده عن أنس، قال: «قيل للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لو أتيت عبدالله بن اُبيّ، فانطلق إليه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وركب حماراً، فانطلق المسلمون يمشون وهي أرض سبخة، فلمّا أتاه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: إليك عنّي، والله لقد آذاني نتن حمارك، فقال رجل من الأنصار منهم: والله

__________________

(١) صحيح البخاري ٧: ٦.

(٢) فتح الباري ١١: ٢٦.

(٣) صحيح البخاري ٦: ١٣٩.

(٤) فتح الباري ٨: ٤٦.

٣٢٥

لحمار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أطيب ريحاً منك، فغضب لعبدالله رجل من قومه فشتمه فغضب لكل واحد منهما أصحابه، فكا بينهما ضرب بالجريد والأيدي والنعال، فبلغنا أنّها نزلت:( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ) قال أبو عبدالله: هذا ممّا انتخبت من مسدّد قبل أن يجلس ويحدّث»(١) .

قال الزركشي: «فبلغنا أنّها نزلت:( وإن طائفتان ) قال ابن بطّال: يستحيل نزولها في قصّة عبدالله بن أبيّ والصحابة، لأنّ أصحاب عبدالله ليسوا بمؤمنين وقد تعصّبوا بعد الإسلام في قصّة فدك، وقد رواه البخاري فدلّ على أنّ الآية لم تنزل فيه، وإنّما نزلت في قوم من الأوس والخزرج اختلفوا في حقّ فاقتتلوا بالعصي والنعال»(٢) .

٧ - أخرج البخاري في كتاب التفسير بسنده عن ابن عمر قال: «لمّا توفّي عبدالله بن اُبيّ، جاء ابنه عبدالله بن عبدالله إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فسأله أن يعطيه قميصه يكفّن فيه أباه فأعطاه، ثم سأله أن يصلّي عليه، فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليصلّي عليه، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله فقال: يا رسول الله، تصلّي عليه وقد نهاك ربّك أن تصلّي عليه؟! فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّما أخبرني الله فقال:( إستغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرّة ) وسأزيده على السبعين. قال: إنّه منافق! قال: فصلّى عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأنزل الله:( ولا تصلّ على أحد منهم مات

__________________

(١) صحيح البخاري ٣: ٢٣٩.

(٢) التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح، عنه في خلاصة عبقات الأنوار ٦ / ٢٠٨.

٣٢٦

أبداً ولا تقم على قبره ) »(١) .

طعن فيه:

أبو بكر الباقلاني.

أبو حامد الغزّالي.

الإمام الداودي.

قال ابن حجر: «استشكل فهم التخيير من الآية، حتى أقدم جماعة من الأكابر على الطعن في صحّة الحديث، مع كثرة طرقه واتّفاق الشيخين وسائر الّذين خرّجوا الصحيح على تصحيحه ...» ثم ذكر كلمات القوم ثم قال: «والسبب في إنكارهم صحّته ما تقرّر عندهم ممّا قدّمناه، وهو الذي فهمه عمر من حمل (أو) على التسوية لما يقتضيه سياق القصّة، وحمل السبعين على المبالغة ...»(٢) .

٨ - أخرج البخاري بسنده عن مسروق، قال: «أتيت ابن مسعود فقال: إنّ قريشاً أبطؤا عن الإسلام، فدعا عليهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيما وأكلوا الميتة والعظام، فجاءه أبو سفيان فقال: يا محمد جئت تأمر بصلة الرحمن إنّ قومك هلكوا

زاد أسباط عن منصور: دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فسقوا الغيث ...»(٣) .

وطعن فيه:

__________________

(١) صحيح البخاري ٦: ٨٥ و ٢: ١٢١.

(٢) فتح الباري ٨ / ٢٧١.

(٣) صحيح البخاري ٢ / ٣٧.

٣٢٧

إبن حجر العسقلاني.

العيني، صاحب (عمدة القاري).

الإمام الداودي.

أبو عبدالملك.

الحافظ الدمياطي.

الكرماني، صاحب (الكواكب الدراري).

قال العيني: «واعترض على البخاري زيادة أسباط هذا، فقال الداودي: أدخل قصّة المدينة في قصّة قريش وهو غلط. وقال أبو عبدالملك: الذي زاده أسباط وهم واختلاط وكذا قال الحافظ شرف الدين الدمياطي.

والعجب من البخاري كيف أورد هذا ومكان مخالفاً لما رواه الثقات!!

__________________

(١) فتح الباري ٨: ٢٧١.

(٢) صحيح البخاري ٢: ٣٧.

٣٢٨

وهذا من المواضع التي اعترف فيها ابن حجر بنكارة الحديث ولم يتمكّن من الدفاع عنه

٩ - أخرج البخاري عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: «تكثير لكم الأحاديث من بعدي فإذا روي لكم حديث فأعرضوه على كتاب الله تعالى ...».

قال يحيى بن معين: «إنّه حديث وضعته الزنادقة».

وقال التفتازاني: «طعن فيه المحدّثون».

قال: «وقد طعن فيه المحدّثون بأنّ في رواته يزيد بن ربيعة وهو مجهول، وترك في إسناده واسطة بين الأشعت وثوبان فيكون منقطعاً. وذكر يحيى بن معين أنّه حديث وضعته الزنادقة، وإيراد البخاري إيّاه في صحيحه لا ينافي الإنقطاع أو كون أحد رواته غير معروف بالرواية»(١) .

١٠ - أخرج البخاري بسنده عن ابن عمر: «كنّا في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا نعدل بأبي بكر أحداً ثم عمر ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا نفاضل بينهم»(٢) .

قال ابن عبدالبّر: «هو الذي أنكر ابن معين وتكلّم فيه بكلام غليظ، لأنّ القائل بذلك قد قال بخلاف ما أجمع عليه أهل السنّة من السلف والخلف من أهل الفقه والآثر: أنّ عليّاً أفضل الناس بعد عثمان، وهذا ممّا لم يختلفوا فيه، وإنّما اختلفوا في تفضيل علي وعثمان. واختلف السلف أيضاً في تفضيل علي وأبي بكر.

وفي إجماع الجميع الذي وصفنا دليل على أنّ حديث ابن عمر

__________________

(١) التلويح في اصول الفقه ٢: ٣٩٧.

(٢) صحيح البخاري ٥: ١٨.

٣٢٩

وهم وغلط وأنّه لا يصحّ معناه وإن كان إسناده صحيحاً ...»(١) .

١١ - أخرج الشيخان عن شريك بن عبدالله عن أنس بن مالك قصّة إسراء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: ليلة اسري برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من مسجد الكعبة أنّه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم ...»(٢) .

طعن فيه النووي فقال: «وذلك قبل أن يوحى إيه، وهو غلط لم يوافق عليه، فإن الإسراء أقلّ ما قيل فيه: أنّه كان بعد مبعثه بخمسة عشر شهراً ...»(٣) .

والكرماني فقال: «قال النووي: جاء في رواية شريك أوهام أنكرها العلماء، من جملتها أنّه قال: ذلك قبل أن يوحى إليه. وهو غلط لم يوافق عليه، وأيضاً: العلماء أجمعوا على أنّ فرض الصلاة كان ليلة الإسراء فكيف يكون قبل الوحي؟!

أقول: وقول جبرئيل جواب بوّاب السماء إذ قال: أبعث؟ نعم، صريح في أنّه كان بعده»(٤) .

وابن القيّم وعبارته: «قد غلّط الحفّاظ شريكاً في ألفاظ من حديث الإسراء، ومسلم أورد المسند منه ثم قال: فقدّم وأخّر وزاد ونقص، ولم يسرد الحديث وأجاد»(٥) .

١٢ - أخرج البخاري بسنده: «عن عمرو بن ميمون، قال: رأيت

__________________

(١) الاستيعاب ٢: ١١١٥.

(٢) صحيح البخاري ٩: ١٨٢، صحيح مسلم ١: ١٠٢.

(٣) المنهاج في شرح مسلم ٢: ٦٥.

(٤) الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري ٢٥: ٢٠٤.

(٥) زاد المعاد في هدي خير العباد ٢: ٤٩.

٣٣٠

في الجاهلية قردة اجتمع عليه قردة قد زنت فرجموها فرجمتها معهم»(١) .

طعن فيه:

الحافظ الحميدي.

وابن عبدالبّر.

قال ابن حجر: «استنكر ابن عبد البرّ قصّة عمرو بن ميمون هذه وقال: فيها إضافة الزنا إلى غير مكلّف، وإقامة الحدّ على البهائم، وهذا منكر عنه أهل العلم وأغرب الحميدي في الجمع بين الصحيحين فزعم أنّ هذا الحديث وقع في بعض نسخ البخاري، وأنّ أبا مسعود وحده ذكره في الأطراف، قال: وليس في نسخ البخاري أصلاً، فلعلّه من الأحاديث المقحمة في كتاب البخاري ...»(٢) .

١٣ و١٤ و١٥ - أخرج البخاري ثلاثة أحاديث عن عطاء عن ابن عبّاس، اثنان منها في كتاب الطلاق، والآخر في كتاب التفسير(٣) .

وقد طعن الأئمّة في هذه الأحاديث. وأذعن أبن حجر بخطأ البخاري في إخراجها، وهذا نصّ كلامه: «تعقّبه أبو مسعود الدمشقي فقال: ثبت هذا الحديث والذي قبله - يعني بهذا الإسناد سوى الحديث المتقدّم في التفسير - في تفسير ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عبّاس، وابن جريج لم يسمع التفسير من عطاء الخراساني، وإنّما أخذ الكتاب من ابنه عثمان ونظر فيه. قال أبو علي: وهذا تنبيه بليغ من أبي مسعود ...».

__________________

(١) صحيح البخاري ٥: ٥٦.

(٢) فتح الباري ٧: ١٢٧.

(٣) صحيح البخاري ٧: ٦٢ - ٦٣ و ٦: ١٩٩.

٣٣١

قال ابن حجر: «وهذا عندي من المواضع العقيمة عن الجواب السديد، ولابدّ للجواد من كبوة، والله المستعان. وما ذكره أبو مسعود من التعقّب قد سبقه إليه الإسماعيلي، ذكر ذلك الحميدي في الجمع عن البرقاني عنه، قال: وحكاه عن علي بن المديني، يشير إلى القصّة التي ساقها الغسّاني، والله الموفق»(١) .

١٦ - أخرج البخاري في كتاب المغازي بسنده عن مسروق بن الأجدع قال: «حدّثتني أمّ رومان - وهي امّ عائشة - ...»(٢) .

وقد غلّط كبار الأئمّة هذا الحديث من جهة أنّ مسروقاً لم يدرك أمّ رومان ومنهم:

الخطيب البغدادي(٣) .

ابن عبدالبرّ القرطبي(٤) .

القاضي عياض في مشارق الأنوار(٥) .

إبراهيم بن يوسف، صاحب مطالع الأنوار(٦) .

أبو القاسم السهيلي شارح السيرة(٧) .

ابن سيّد الناس صاحب السيرة(٨) .

____________

(١) هدى الساري - مقدمة فتح الباري ٢: ١٣٥.

(٢) صحيح البخاري ٥: ١٥٤.

(٣) انظر: فتح الباري ٧: ٣٥٣.

(٤) الاستيعاب ٤: ١٩٣٧.

(٥) انظر: فتح الباري ٧: ٣٥٣.

(٦) انظر: فتح الباري ٧: ٣٥٣.

(٧) الروض الآنف ٦: ٤٤٠.

(٨) عيون الأثر ٢: ١٠١.

٣٣٢

الحافظ المزّي(١) .

الحافظ شمس الدين الذهبي(٢) .

الحافظ صلاح الدين العلائي(٣) .

١٧ - أخرج البخاري في كتاب المغازي بسنده عن علي: «إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية»(٤) .

وأخرجه مسلم بأسانيد متعدّدة(٥) .

وقد غلّط هذا الحديث جماعة منهم:

الحافظ أبو بكر البيهقي.

الحافظ إبن عبدالبّر.

الحافظ أبو القاسم السهيلي.

الحافظ إبن قيّم الجوزية.

العلاّمة العيني.

شهاب الدين القسطلاني

قال السهيلي: «هذا شيء لا يعرفه أحد من أهل السير ورواة الأثر أنّ المتعة حرّمت يوم خيبر ...»(٦) .

وقال ابن القيّم: «لم تحّرم المتعة يوم خيبر وإنّما كان تحريمها عام

__________________

(١) تهذيب الكمال - مخطوط -.

(٢) اُنظر: فتح الباري ٧: ٣٥٣.

(٣) اُنظر: فتح الباري ٧: ٣٥٣.

(٤) صحيح البخاري ٥: ١٧٢، وانظر ١٢٣ و ٩: ٣١.

(٥) صحيح مسلم: ٤: ١٣٤ - ١٣٥.

(٦) الروض الانف ٦: ٥٥٧.

٣٣٣

الفتح، هذا هو الصواب. وقد ظنّ طائفة من أهل العلم أنّه حرّمها يوم خيبر، واحتجّوا بما في الصحيحين من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه ...»(١) .

وقال العيني: «قال ابن عبد البرّ: وذكر النهي عن المتععة يوم خيبر غلط. وقال السهيلي ...»(٢) .

وقال القسطلاني: «قال ابن عبدالبرّ: إنّ ذكر النهي يوم خيبر غلط، وقال البيهقي: لا يعرفه أحد من أهل السير»(٣) .

١٨ - أخرج البخاري:» عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله: لم يكذب إبراهيم إلاّ ثلاثاً

عن أبي هريرة: لم يكذب إبراهيم إلاّ ثلاث كذبات، ثنتين منهنّ في ذات الله عزّو جلّ: إنّي سقيم. وقوله: بل فعله كبيرهم هذا.

وقال: بينا هو ذات يوم وسارة إذ أتى على جبّار من الجبابرة فقيل له: إنّ هاهنا رجلاً معه امرأة م أحسن الناس، فأرسل إيه فسأله عنها، فقال: من هذه؟ قال: اختي ...»(٤) .

وأخرجه مسلم(٥) .

وهذا الحديث كذّبه الفخر الرازي في تفسيره وقال: بأنّ نسبة الكذب إلى الراوي أولى من نسبته إلى الخليلعليه‌السلام (٦) .

__________________

(١) زاد المعاد ٢: ١٤٢ و ١٨٣ و ٤: ٦.

(٢) عمدة القاري ١٧: ٢٤٦ - ٢٤٧.

(٣) إرشاد الساري ٦: ٥٣٦ و ٨: ٤١.

(٤) صحيح البخاري ٤: ١٧١.

(٥) صحيح مسلم ٧: ٩٨.

(٦) تفسير الرازي ٢٢: ١٨٥ و ٢٦: ١٤٨.

٣٣٤

١٩ - أخرج مسلم عن عكرمة بن عمّار، عن أبي زميل، عن ابن عبّاس، قال: «كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه، فقال: يا نبي الله ثلاث أعطنيهنّ، قال: نعم، قال: أحسن العرب وأجملهم أمّ حبيبة ازوّجكها، قال: نعم، قال: ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك، قال: نعم، قال: وتؤمّرني أن اقاتل الكفّار كما كنت اقاتل المسلمين، قال: نعم ...»(١) .

وقد طعن فيه جماعة سنداً ومتناً منهم:

الذهبي في ترجمة عكرمة بن عمّار(٢) .

الحافظ إبن حزم.

الحافظ النووي.

الحافظ إبن القيّم.

الحافظ إبن الجوزي.

قال إبن القيّم في (زاد المعاد): «إنّ حديث عكرمة في الثلاث التي طلبها أبو سفيان من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله غلط ظاهر لا خفاء به. قال أبو محمد ابن حزم: هو موضوع بلا شك، كذبه عكرمة بن عمّار. قال ابن الجوزي: هذا الحديث وهم من بعض الرواة لا شكّ فيه ولا تردّد.

وقد اتّهموا به عكرمة بن عمّار، لأنّ أهل التواريخ أجمعوا على أنّ أمّ حبيبة كانت تحت عبيدالله بن جحش، ولدت له وهاجر بها إلى أرض الحبشة، ثم تنصّر وثبتت أمّ حبيبة على إسلامها، فبعث رسول الله

__________________

(١) صحيح مسلم ٧: ١٧١.

(٢) ميزان الإعتدال ٣: ٩٠.

٣٣٥

صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى النجاشي يخطبها فزوّجه إيّاها وأصدقها عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى النجاشي يخطبها فزوّجه إيّاها وأصدقها عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صداقاً، وذلك في سنة سبع من الهجرة. وجاء أبو سفيان في زمن الهدنة ودخل عليها فثنت فراش رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى لا يجلس عليه. ولا خلاف في أنّ أبا سفيان ومعاوية أسلما في فتح مكّة سنة ثمان.

وأيضاً: في الحديث أنّه قال: وتؤمّرني حتى أقتل الكفّار كما كانت اقاتل المسلمين فقال: نعم، ولا يعرف أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمّر أبا سفيان ألبتّة».

وقال النووي: «إعلم أنّ هذا الحديث من الأحاديث المشهورة بالإشكال ...»(١) .

٢٠ - أخرج مسلم حديث أبي حميد الساعدي في صفة صلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد ضعّفه الطحاوي وغيره كما قد تقدّم في عبارة عبدالقادر القرشي.

خلاصة البحث

هذا بعض الكلام حول الصحيحين وأخبارهما على ضوء كلمات الأعلام وقد رأيت في الكتابين رجالاً كاذبين وأحاديث موضوعة وباطلة

وأحاديث نقصان القرآن من القبيل فلا يهولنّك الطعن فيها بعد ثبوت مخالفتها للإجماع والضرورة ومحكم التنزيل والله هو الهادي إلى سواء السبيل

__________________

(١) شرح صحيح مسلم - هامش إرشاد الساري ١١: ٣٦٠.

٣٣٦

الكلام حول الصحابة

إنّ المشهور بين أهل السنّة «عدالة الصحابة» أجمعين قال أبو إبراهيم المزني في معنى حديث أصحابي كالنجوم: «إن صحّ هذا الخبر فمعناه فيما نقلوا عنه وشهدوا به عليه، فكلّهم ثقة مؤتمن على ما جاء به، لا يجوز عندي غير هذا»(١) .

وقال ابن حزم: «الصحابة كلّهم من أهل الجنّة قطعاً»(٢) وقال الخطيب: «عدالة الصحابة ثابتة معلومة»(٣) وقال النووي في التقريب: «الصحابة كلّهم عدول من لابس الفتنة وغيرهم».

بل ادّعى بعضهم الإجماع على هذا المعنى صريحاً كابن حجر العسقلاني(٤) وابن عبد البرّ القرطبي(٥) .

١ - الصحابة عدالةً:

لكنّ دعوى الإجماع باطلة والمشهور لا أصل له

أمّا دعوى الإجماع فيكذّبها نسبة هذا القول إلى الأكقر في كلام جماعة من الأئمة قال ابن الحاجب: «الأكثر على عدالة الصحابة، وقيل: كغيرهم، وقيل: إلى حين الفتن فلا يقبل الداخلون، لأنّ الفاسق

__________________

(١) انظر: جامع بيان العلم ٢: ٨ - ٩٠.

(٢) انظر: الإصابة ١: ١٩.

(٣) انظر: الإصابة ١: ١٧ - ١٨.

(٤) الإصابة ١: ١٧ - ١٨.

(٥) الاستيعاب ١: ٨.

٣٣٧

غير معيّن، وقالت المعتزلة: عدول إلاّ من قاتل عليّاً ...»(١) .

وقال الغزّالي: «الذي عليه سلف الامّة وجماهير الخلف أنّ عدالتهم معلومة بتعديل الله عزّو جلّ أيّاهم وثنائه عليهم في كتابه، فهو معتقدنا فيه إلاّ أن يثبت بطريق قاطع ارتكاب واحد لفسق مع علمه به، وذلك ممّا لا يثبت، فلا حاجة لهم إلى التعديل وقد زعم قوم أنّ حالهم كحال غيرهم في لزوم البحث، وقال قوم: حالهم العدالة في بدائة الأمر إلى ظهور الحرب والخصومات، ثم تغيّر الحال وسفكت الدماء فلابدّ من البحث، وقال جماهير المعتزلة: عائشة وطلحة والزبير وجميع أهل العراق والشام فسّاق بقتال الإمام الحقّ ...»(٢) .

وكذا في (جمع الجوامع) وشرحه حيث قال: «والأكثر على عدالة الصحابة لا يبحث عنها في رواية ولا شهادة ...» ثم نقل الأقوال الاخرى(٣) .

وفي (مسلم الثبوت) وشرحه: «الأكثر قالوا: الأصل في الصحابة العدالة، وقيل ...»(٤) .

بل صرّح جماعة من أكابر القوم من المتقدّمين والمتأخرين كالسعد التفتازاني(٥) ، والمازري - شارح البرهان -(٦) ، وابن العماد

__________________

(١) المختصر في الأصول ٢: ٦٧.

(٢) المستصفى ١: ١٦٤.

(٣) انظر: النصائح الكافية: ١٦٠.

(٤) فواتح الرحموت بشرح مسلّم الثبوت ٢: ١٥٥.

(٥) إحقاق الحقّ - للتستري - ٢: ٣٩١ - ٣٩٢ عن شرح القاصد.

(٦) الإصابة ١: ١٩، النصائح الكافية: ١٦١.

٣٣٨

أحمد بن حنبل(١) .

أبو إبراهيم المزني(٢) .

أبو بكر البزّار(٣) .

ابن القطّان(٤) .

الحافظ الدار قطني(٥) .

الحافظ ابن حزم(٦) .

الحافظ البيهقي(٧) .

الحافظ إبن عبدالبرّ(٨) .

الحافظ إبن عساكر(٩) .

الحافظ إبن الجوزي(١٠) .

الحافظ إبن دحية(١١) .

__________________

(١) نقل ذلك عنه في: التقرير والتحبير - لابن أمير الحاج -، المنتخب - لابن قدامة - التيسير في شرح التحرير ٣: ٢٤٣، مسلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ١: ٧٩.

(٢) جامع بيان العلم - لابن عبدالبرّ - ٢: ٨٩ - ٩٠.

(٣) جامع بيان العلم ٢: ٩٠، أعلام المؤقّعين ٢: ٢٢٣، البحر المحيط ٥: ٥٢٨.

(٤) الكامل | ترجمة جعفر بن عبد الواحد الهاشمي القاضي وحمزة النصيبي.

(٥) غرائب مالك، تخريج أحاديث الكشّاف ٢: ٦٢٨.

(٦) البحر المحيط ٥: ٥٢٨، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ١: ٧٨.

(٧) المدخل، وعنه في الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشّاف - المطبوع على هامش الكشّاف - ٢: ٦٢٨.

(٨) جامع بيان العلم ٢: ٩٠ - ٩١.

(٩) التاريخ، وعنه في فيض القدير في شرح الجامع الصغير ٤: ٧٦.

(١٠) العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، وانظر: فيض القدير ٤: ٧٦.

(١١) تعليق تخريج أحاديث منهاج البيضاوي.

٣٣٩

الحافظ أبو حيّان الأندلسي(١) .

الحافظ الذهبي(٢) .

الحافظ إبن القيّم(٣) .

الحافظ إبن حجر العسقلاني(٤) .

الحافظ السخاوي(٥) .

الحافظ السيوطي(٦) .

الحافظ الشوكاني(٧) .

٢ - الصحابة علماً:

وأمّا جهل الأصحاب بالقرآن الكريم والأحكام الشرعية فالشواهد عليه كثيرة جدّاً، بل يمتنع أن تحصي له عدداً وتبلغ به حدّاً ونحن نكتفي هنا بكلام لإبن حزم وللتفصيل فيه مجال آخر.

قال الحافظ ابن حزم: «ووجدنا الصحاب من الصحابة - رضي الله عنهم - يبلغه الحديث فيتأوّل فيه تأويلاً يخرجه به عن

__________________

(١) البحر المحيط ٥: ٥٢٧ - ٥٢٨.

(٢) ميزان الاعتدال ١: ٤١٣ و ٢: ١٠٢.

(٣) أعلام الموقّعين ٢: ٢٢٣.

(٤) الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشّاف.

(٥) المقاصد الحسنة ٢٦: ٢٧.

(٦) الجامع الصغير - بشرح المناوي - ٤: ٧٦.

(٧) إرشاد الفحول: ٨٣.

وراجع أصحابي كالنجوم: ٢١ - ٦٠ للاطّلاع على كلمات العلماء الّذين سبق ذكرهم وعلى كلمات علماء آخرين غيرهم بهذا الخصوص.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

ثلاثة أحاديث في سياق واحد ، في رواية ابن حجر في كتاب الفتاوى الفقهية ، وكلّ منها يدلّ على إمامة أمير المؤمنين بالاستقلال(1) .

ولقد كرر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الوصيّة بالكتاب والعترة في عدّة مواطن :

المورد الأوّل : عند انصرافه (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) من الطائف ، وهذا الحديث أخرجه ابن أبي شيبة ، وعنه ابن حجر المكي في الصواعق المحرقة(2) .

المورد الثاني : في حجّة الوداع ، وفي عرفة بالذات ، وقد أخرج هذا الحديث ابن أبي شيبة كما في كنز العمال ، والترمذي في صحيحه ، والطبراني في المعجم الكبير ، وابن الأثير في جامع الأصول ، وغيرهم(3) .

المورد الثالث : في يوم غدير خم ، وقد أخرج هذا الحديث أحمد في المسند ، والدارمي في السنن ، والبيهقي في السنن الكبرى ، وابن كثير في تاريخه ، وغيرهم(4) .

المورد الرابع : في مرضه (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) الذي توفي فيه ، قاله وقد امتلأت الغرفة أو الحجرة بالناس ، أخرجه ابن أبي شيبة ، والبزار ، وابن حجر المكي(5) ، وغيرهم.

__________________

1 ـ الفتاوى الفقهية 2 : 122.

2 ـ الصواعق المحرقة : 63.

3 ـ كنز العمال 1 : 48 ، سنن الترمذي 5 : 621 ، المعجم الكبير 3 : 63 ، رقم 2679 ، جامع الأصول 1 : 277.

4 ـ مسند أحمد 3 : 17 ، سنن الدارمي 2 : 310 ، سنن البيهقي 2 : 148 ، البداية والنهاية 5 : 209.

5 ـ الصواعق المحرقة : 89.

٣٦١

واعلم أنّ حديث الثقلين ( كتاب الله وعترتي ) لم يضعّفه أحد قبل أبي الفرج ابن الجوزي ، وتضعيفه مردود حتّى من قبل علمائهم.

مضافاً إلى أنّ هذا الحديث موجود في صحيح مسلم وفي سنن الترمذي ، وفي صحيح ابن خزيمة الملّقب عندهم بإمام الأئمة ، وفي صحيح أبي عوانة ، وفي الجمع بين الصحيحين ، وفي تجريد الصحاح ، وقد صححه الحاكم ، ومحمّد بن إسحاق ، والبغوي ، والنووي ، والمزي ، والذهبي ، وابن كثير ، والهيثمي ، والسيوطي ، والقسطلاني ، وابن حجر المكي ، والمنّاوي وغيرهم.

مضافاً إلى أنّ أبا الفرج ابن الجوزي معروف عندهم بالتسرّع في الحكم بالوضع أو الضعف ، ومعروف عندهم بالتعصّب ، وكلّهم قالوا : قد أخطأ ابن الجوزي ، وحذّروا من الاغترار بفعله ، حتّى أنّ بعضهم يقول : وإيّاك أنّ تغترّ بما صنع.

ومنهم من نسب إلى أحمد بن حنبل نسبة كاذبة ، وأنّه حكم بنكارة المتن ، لكن هذه نسبة مفضوحة ؛ لأنّ أحمد يروي هذا الحديث في مسنده ، وفي كتاب فضائل الصحابة بأسانيد كثيرة عن عدّة من الصحابة.

ومنهم من حرّف الحديث ، وهذا ما صنعه مسلم في صحيحه ، وفي تاريخ بغداد للخطيب البغدادي يقول : ( أخبرنا ) المطين ، حدّثنا نصر بن عبد الرحمن ، حدّثنا زيد بن الحسن ، عن معروف ، عن أبي الطفيل ، عن حذيفة بن أسيد : أنّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم ) قال : ( يا أيّها الناس إنّي فرط لكم ، وأنتم واردون عليّ الحوض ، وإنّي سائلكم حين تردون عليّ عن الثقلين ، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما : الثقل الأكبر كتاب سبب طرفه بيد الله ، وطرفه بأيديكم ،

٣٦٢

فاستمسكوا به ولا تضلّوا ولا تبدّلوا ) انتهى الحديث.

وهذا الحديث بنفس السند ، أي : عن طريق نصر بن عبد الرحمن ، عن زيد ابن الحسن ، عن معروف ، عن أبي الطفيل ، عن حذيفة ، وبنفس اللفظ موجود في المصادر ، مثلاً : في نوادر الأصول للترمذي : ( إنّي فرطكم على الحوض ، وإنّي سائلكم حين تردون عليّ عن الثقلين ، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما : الثقل الأكبر كتاب الله ، سبب طرفه بيد الله ، وطرفه بأيديكم ، فاستمسكوا به ، ولا تضلّوا ولا تبدّلوا ، وعترتي أهل بيتي ، فإنّي قد نبّأني اللطيف الخبير أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ).

فهذا كتاب نوادر الأصول ، وهذا كتاب تاريخ بغداد ، وكلاهما موجودان بين أيدي الناس ، وهل المتصّرف بالحديث هو الخطيب نفسه أو النسّاخ أو الناشرون؟ الله أعلم.

ومنهم من سعى أن يجعل لحديث الثقلين أحاديث معارضة ، من أهمّها : حديث الاقتداء بالشيخين ، يروونه عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) أنّه قال : ( اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ).

هذا الحديث موجود في بعض كتبهم ، فإذا كان حديث الثقلين ، أي : الوصيّة بالكتاب والعترة ، دالاً على وجوب الاقتداء بالقرآن والعترة ، فهذا الحديث يدلّ على وجوب الاقتداء بالشيخين ، إذن يقع التعارض بين الحديثين.

ومنها : حديث الثقلين والوصيّة بالكتاب والسنة ، قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) : ( إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وسنّتي ) ، فحديث الوصيّة بالكتاب والعترة يدلّ على وجوب الاقتداء بالكتاب والعترة والأخذ والتمسّك بهما ، وهذا الحديث يقول بوجوب الأخذ والتمسّك بالكتاب والسنة ، إذن يقع

٣٦٣

التعارض بين الحديثين.

والجواب :

وقد طعن في حديث الاقتداء كبار القوم ، منهم : ابو عيسى الترمذي حيث قال : هذا حديث غريب من هذا الوجه من حديث ابن مسعود ، لا نعرفه إلّا من حديث يحيى بن سلمة بن كهيل ، يحيى بن سلمة يضعّف في الحديث(1) .

ومنهم : الذهبي حيث قال : أحمد بن صليح ، عن ذي النون المصري ، عن مالك ، عن ابن عمر بحديث : اقتدوا باللذين من بعدي. وهذا غلط ، وأحمد لا يعتمد عليه(2) .

وغيرهم كثير. هذا من حيث السند.

وأمّا من حيث الدلالة :

4 ـ إنّ الشيخين قد اختلفا في كثير من الأمور ، فمثلاً : أنّ أبا بكر سبى أهل الردة ، وردّهم عمر أحراراً. وأشار عمر على أبي بكر بعزل خالد وقتله ؛ لأنّه زنا بالمحصنة وقتل مالك بن نويرة ، فأبى أبو بكر عليه. وحرّم عمر المتعة ، ولم يفعل ذلك أبو بكر. ووضع عمر ديوان العطية ، ولم يفعله أبو بكر ، واستخلّف أبو بكر ، ولم يفعل ذلك عمر.

ثمّ عثمان خالف الشيخين في كثير من الأمور. فبأيّهم نقتدي؟!

2 ـ قد ذكرنا في آية الذكر ، وحديث مدينة العلم ، وغيرهما مصادر أقوالهم عن جهلهم بكثير من المسائل الإسلامية ، فكيف يقتدى بمن هو جاهل؟! وهل

__________________

1 ـ صحيح الترمذي 5 : 672.

2 ـ ميزان الاعتدال في نقد الرجال 1 : 105.

٣٦٤

يأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالاقتداء المطلق لمن هذه حاله(1) ؟!

وأمّا حديث ( كتاب الله وسنّتي ) فقد ورد في عدّة كتب ، عمدتها الموطّأ والمستدرك ، والحديث المذكور في الموطّأ لا سند له ، قال السيوطي بشرحه : ( وصله ابن عبد البر من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ، عن أبيه ، عن جدّه ). وكثير بن عبد الله منكر الحديث ، كما ذكر ابن حجر العسقلاني.

وأمّا الخبر في المستدرك فالمدار في روايته عن ابن عباس على إسماعيل بن أبي أويس وهو مخلّط ويكذب كما ذكر ابن حجر العسقلاني(2) .

وإن صحّ حديث ( كتاب الله وسنتي ) فهو يعني الرجوع إلى أهل البيتعليهم‌السلام ليعلموننا السنّة ؛ لأنّهم أعلم بسنته من غيرهم ، وقد جعلهم باب مدينة العلم وسفينة النجاة و ، فكتاب الله وحده لا يكفي للهداية ، فكم من فرقة تحتج بكتاب الله وهي في ضلال مبين ، فكتاب الله فيه المحكم والمتشابه ، ولا بدّ لفهمه من الرجوع إلى الراسخين في العلم ، ولا مناص لمن يريد الإسلام الذي أمر الله تعالى به غير هذا الطريق ، وهو طريق أهل البيت المطهّرين بشهادة القرآن الكريم من الرجس ، فإلى متى هذا التنكّر والمراوغة والحق واضحة آياته ، ظاهرة بيّناته؟!

نعم ، علينا أن لا نهتم بقداسة الصحبة ونترك قرابة النبي ، وندخل في ضمن من تعجّب من فكرهم الإمامعليه‌السلام بقوله : ( واعجباه! أتكون الخلافة بالصحابة ولا تكون بالقرابة )(3) ؟!

__________________

1 ـ للتوسّع راجع : رسالة في حديث الاقتداء بالشيخين ، للسيّد علي الميلاني.

2 ـ للتوسّع راجع : رسالة في حديث الوصية بالثقلين الكتاب والسنّة ، للسيّد علي الميلاني.

3 ـ خصائص الأئمة : 111.

٣٦٥

والعجب ممن يضعّف حديث ( كتاب الله وعترتي ) ويأخذ بحديث ( كتاب الله وسنّتي ) يجعل عمر بن الخطاب خليفة ومقتدى له والحال أنّ عمر نفسه قال : حسبنا كتاب الله ، وخالف وصية النبي. فانظر ما ورد في صحيح البخاري : عن ابن عباس قال : لما حضر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ( هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده ) ، فقال عمر : إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله.

فاختلف أهل البيت ، فاختصموا ، منهم من يقول : قرّبوا يكتب لكم النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم كتاباً لن تضلوا بعده ، ومنهم من يقول : ما قال عمر. فلمّا أكثروا اللغو والاختلاف عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : قوموا.

قال عبيد الله : وكان ابن عباس يقول : ان الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم(1) .

وفي صحيح مسلم عن ابن عباس ، قال : لما حضر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ( هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلّون بعده ) ، فقال عمر : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله.

فاختلف أهل البيت ، فاختصموا ، فمنهم من يقول : قرّبوا يكتب لكم رسول

__________________

1 ـ صحيح البخاري 7 : 9.

٣٦٦

اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم كتاباً لن تضلّوا بعده ، ومنهم من يقول : ما قال عمر فلمّا أكثروا اللغو والاختلاف عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : قوموا.

قال عبيد الله : فكان ابن عباس يقول : إنّ الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم )(1) .

وفي مسند أحمد : ( حدّثني أبي ، حدّثني وهب بن جرير ، ثنا أبي قال : سمعت يونس يحدّث عن الزهري ، عن عبيدالله بن عبد الله ، عن ابن عباس قال : لما حضرت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم الوفاة ، قال : هلّم أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده ، وفى البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، فقال عمر : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قد غلبه الوجع ، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله ، قال : فاختلف أهل البيت ، فاختصموا ، فمنهم من يقول : يكتب لكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أو قال : قرّبوا يكتب لكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومنهم من يقول : ما قال عمر ، فلمّا أكثروا اللغط والاختلاف وغُمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : قوموا عنّي. فكان ابن عباس يقول : إنّ الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وبين أنّ يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم ).

وفيه أيضاً : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ائتوني بالكتف والدواة أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً ، فقالوا : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يهجر )(2) .

__________________

1 ـ صحيح مسلم 5 : 76.

2 ـ مسند أحمد 1 : 324 ، 336.

٣٦٧

إذن ، لا سبيل للنجاة إلا بالاقتداء والتمسّك بأهل البيتعليهم‌السلام ، وبالتعلّم منهم.

مسك الختام :

وفي الختام أرجو أن أكون قد وفّقت في هذا الكتاب للبحث عن أهمّ المسائل التي تشكلّ محوراً خلافياً بين المسلمين ، وفي رفع سوء الفهم والتباس الأمر الذي اكتنف هذه المسائل لفترات طويلة :

كما أرجو من العلي القدير أنّ أكون قد أسهمتُ ولو بشيء يسير في تحقيق الوحدة الإسلامية التي هي رمز القوّة والنصر والعزّة ، وفي المساهمة ولو بشيء بسيط في توعية جيل يبذلوا كافّة الجهود بما يمكنهم في العمل على تهيئة المناخ المناسب من أجل قيام وحدة إسلامية شاملة ينضوي تحت لوائها جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها حتّى تحقق الأمّة أهدافها المصيرية ، وتستعيد أمجادها التي تحطّمت على صخور الفرقة ، وذلك لن يحصل إلّا بالتمسّك بالثقلين ، فلابدّ أن يكون حديث الثقلين هو الأساس الذي يبنى عليه الوحدة الإسلامية.

وأسأل الله تعالى أنّ يوفّق كلّ من يريد معرفة الحق ، وأن يهديه إلى الصراط المستقيم ، ونسأله عزّ وجلّ أنّ يزيدنا علماً وبصيرة وفهماً ودقة وتأمّلاً في القضايا العلمية والتحقيقية وخاصّة العقائدية منها ، فإنّ الإنسان إن فارق هذه الدنيا وهو على شك من دينه ولم يكن على ثقة بما يعتقد به ، فإنّه سيحشر مع من لا اعتقاد له ، وقد تقرر أنّ لا تقليد في الأصول العقائدية لأنّ الأصول الاعتقادية لابدّ فيها من القطع واليقين ، وقد عرفنا أنّ القطع واليقين إنّما يتحققان ويحصلان عن طريق القرآن الكريم ، والسنة الصحيحة ، ونحن أثبتنا سابقاً بما لا

٣٦٨