التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف15%

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف مؤلف:
الناشر: دار القرآن الكريم
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 368

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف
  • البداية
  • السابق
  • 368 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 184872 / تحميل: 6448
الحجم الحجم الحجم
التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

مؤلف:
الناشر: دار القرآن الكريم
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

«... إن النقصان في الكتاب مما لا أصل له»(١) .

* وصرّح السيد محمد الشهشهاني - المتوفىّ سنة ١٢٨٩ - بعدم تحريف القرآن الكريم في بحث القرآن من كتابه (العروة الوثقى) ونسب ذلك إلى جمهور المجتهدين(٢) .

* وصرّح السيد حسين الكوه كمري - المتوفّى سنة ١٢٩٩ - بعدم تحريف القرآن، واستدلّ على ذلك بامور نلخّصها فيما يلي:

١ - الأصل، لكون التحريف حادثاً مشكوكاً فيه.

٢ - الإجماع.

٣ - مناقاة التحريف لكون القرآن معجزة.

٤ - قوله تعالى:( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ) .

٥ - أخبار الثقلين.

٦ - الاخبار الناطقة بالأمر بالأخذ بهذا القرآن(٣) .

* وإليه ذهب الشيخ موسى التبريزي - المتوفّى سنة ١٣٠٧ - في (شرح الرسائل في علم الاصول) واستدل له بوجوه، ثم ذكر وجوهاً لتأويل ما دلّ بظاهره على الخلاف.

* وأثبت عدم التحريف بالأدلّة الوافية السيد محمد حسين الشهرستاني الحائري - المتوفّى سنة ١٣١٥ - في رسالة اسمها (رسالة في حفظ الكتاب الشريف عن شبهة القول بالتحريف)(٤) .

* وقال الشيخ محمد حسن الآشتياني - المتوفّى سنة ١٣١٩ -:

__________________

(١) إشارات الأصول، مبحث حجية ظواهر الكتاب.

(٢) انظر: البيان في تفسير القرآن: ٢٠٠.

(٣) انظر: بشرى الوصول إلى أسرار علم الاصول، مبحث حجية ظواهر الكتاب.

(٤) المعارف الجلية للسيد عبدالرضا الشهرستاني ١: ٢١.

٢١

«المشهور بين المجتهدين والاصوليّين - بل أكثر المحدّثين - عدم وقوع التغيير مطلقاً، بل ادّعى غير واحد الإجماع على ذلك»(١) .

* وإليه ذهب الشيخ محمد حسن بن عبدالله المامقاني النجفي المتوفّى سنة ١٣٢٣ - في كتابه (بشرى الوصول إلى أسرار علم الاصول).

* وقال الشيخ عبدالله ابن الشيخ محمد حسن المامقاني - المتوفّى سنة ١٣٥١ - بترجمة (الربيع بن خثيم) بعد كلام له: «فتحصّل من ذلك كلّه أنّ ما صدر من المحدّث النوري رحمة الله من رمي الرجل بضعف الإيمان ونقص العقل جرأة عظيمة كجرأته على الإصرار على تحريف كتاب الله المجيد ...»(٢) .

* وقال الشيخ محمد جواد البلاغي - المتوفّى سنة ١٣٥٢ - ما نصّه: «ولئن سمعت من الروايات الشاذّة شيئاً في تحريف القرآن وضياع بعضه، فلا تقم لتلك الروايات وزناً، وقل ما يشاء العلم في اضطرابها ووهنها وضعف رواتها ومخالفتها للمسلمين، وفيما جاءت به في رواياتها الواهية من الوهية من الوهن وما ألصقته بكرامة القرآن مما ليس له شبه به ...»(٣) .

فهذه طائفة من كلمات أعلام الإمامية - في القرون المختلفة - الصريحة في نفي التحريف عن القرآن الشريف

وهو رأي آخرين منهم:

* كالشريف الرضي - المتوفّى سنة ٤٠٦.

* والشيخ ابن إدريس صاحب «السرائر في الفقه»، المتوفّى سنة ٥٩٨.

* والفاضل الجواد، من علماء القرن الحادي عشر، في «شرح

__________________

(١) بحر الفوائد في حاشية الفرائد في الاصول، مبحث حجية ظواهر الكتاب: ٩٩.

(٢) تنقيح المقال ١: ٤٢٦.

(٣) آلاء الرحمن في تفسير القرآن: ١٨.

٢٢

الزبدة في الاصول».

* والشيخ أبي الحسن الخنيزي، صاحب «الدعوة الإسلامية» المتوفّى سنة ١٣٦٣.

* والشيخ محمد النهاوندي، صاحب التفسير، المتوفّى ١٣٧١.

* والسيد محسن الأمين العاملي، المتوفى سنة ١٣٧١، في كتابه «الشيعة والمنار».

* والشيخ عبدالحسين الرشتي النجفي، المتوفّى سنة ١٣٧٣، في «كشف الإشتباه في مسائل جارالله».

* والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، المتوفى سنة ١٣٧٣، في «أصل الشيعة واصولها».

* والسيد محمّد الكوه كمري المعروف بالحجّة، التوفّى سنة ١٣٧٢ في فتوىً له.

* والسيد عبدالحسين شرف الدين العاملي، المتوفّى سنة ١٣٨١، في «أجوبة مسائل جار الله».

* والشيخ آغا بزرك الطهراني، المتوفّى سنة ١٣٨٩، في رسالته «تفنيد قول العوام بقدم الكلام».

* وسيدنا الجدّ السيد محمد هادي الميلاني، المتوفّى سنة ١٣٩٥، في فتوىً له.

* والسيد محمد حسين طباطبائي، المتوفّى سنة ١٤٠٢، في تفسيره الشهير «الميزان في تفسير القرآن».

* والسيّد روح الله الموسوي الخميني - قائد الثورة الإسلاميّة - في بحثه الاصولي «تهذيب الاصول» في مبحث حجّية ظواهر القرآن.

* والسيد أبوالقاسم الخوئي في كتابه «البيان في تفسير القرآن» حيث بحث عن هذا الموضوع من جيمع جانبه وشيّد أركانه.

* وسيدنا الاستاذ السيد محمد رضا الگلپايگاني في فتوىً

٢٣

له.

* والسيد شهاب الدين النجفي المرعشي في فتوىً له.

ولو أردنا أن ننقل كلمات هؤلاء الأعاظم من علماء الشيعة في هذا المضمار لطال بنا المقام، فمثلاً يقول الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء:

«وإنّ الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله إليه للإعجاز والتحدّي ولتعليم الأحكام وتمييز الحلال من الحرام، وإنّه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة، وعلى هذا إجماعهم.

ومن ذهب منهم أو من غيرهم من فرق المسلمين إلى موجود نقص فيه أو تحريف فهو مخطئ يردّه نصّ الكتاب العظيم( إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون ) .

والأخبار الواردة من طرقنا أو طرقهم الظاهرة في نقصه أو تحريفه ضعيفة شاذّة، وأخبار آحاد لا تفيد علماً ولا عملاً، فإمّا أن تؤوّل بنحو من الإعتبار أو يضرب بها الجدار»(١) .

ويقول السيد شرف الدين: «المسألة الرابعة: نسب إلى الشيعة القول بتحريف القرآن بإسقاط كلمات وآيات

فأقول: نعوذ بالله من هذا القول، ونبرأ إلى الله تعالى من هذا الجهل، وكلّ من نسب هذا الرأي إلينا جاهل بمذهبنا أو مفتر علينا، فإنّ القرآن العظيم والذكر الحكيم متواتر من طرقنا بجميع آياته وكلماته وسائر حروفه وحركاته وسكناته تواتراً قطعياً عن أئمّة الهدى من أهل البيتعليهم‌السلام لا يرتاب في ذلك إلاّ معتوه، وأئمّة أهل البيت كلّهم أجمعون رفعوه إلى جدّهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الله تعالى، وهذا أيضاً ممّا

__________________

(١) أصل الشيعة وأًصولها ١٠١ - ١٠٢، ط ١٥.

٢٤

لا ريب فيه.

وظواهر القرآن الحكيم فضلاً عن نصوصه أبلغ حجج الله تعالى، وأقوى أدلّة أهل الحق بحكم الضرورة الأوليّة من مذهب الإماميّة، وصحاحهم في ذلك متواترة من طريق العترة الطاهرة، ولذلك تراهم يضربون بظواهر الصحاح - المخالفة للقرآن - عرض الجدار ولا يأبهون بها، عملاً بأوامر أئمّتهمعليهم‌السلام .

وكان القرآن مجموعاً أيام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على ما هو عليه الآن من الترتيب والتنسيق في آياته وسوره وسائر كلماته وحروفه، بلا زيادة ولا نقصان، ولا تقديم ولا تأخير، ولا تبديل ولا تغيير.

وصلاة الإماميّة بمجرّدها دليل على ذلك، لأنّهم يوجبون بعد فاتحة الكتاب - في كلّ من الركعة الاولى والركعة الثانية من الفرائض الخمس - سورة واحدة تامّة غير الفاتحة من سائر السور، ولا يجوز عندهم التبعيض فيها ولا القران بين سورتين على الأحوط، وفقههم صريح بذلك، فلولا أنّ سور القرآن بأجمعها كانت زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على ما هي الآن عليه في الكيفية والكميّة ما تسنّى لهم هذا القول، ولا أمكن أن يقوم لهم عليه دليل.

أجل، إنّ القرآن عندنا كان مجموعاً على عهد الوحي والنبوّة، ومؤلّفاً على ما هو عليه الآن، وقد عرضه الصحابة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وتلوه عليه من أوّله إلى آخره، وكان جبرائيلعليه‌السلام يعارضهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقرآن في كل عام مرّة، وقد عارضه به عام وفاته مرّتين، وهذا كلّه من الامور الضرورية لدى المحقّقين من علماء الإمامية، ولا عبرة ببعض الجامدين منهم، كما لا عبرة بالحشويّة من أهل السنّة القائلين بتحريف القرآن والعياذ بالله فإنّهم لا يفقهون.

٢٥

نعم، لا تخلو كتب الشيعة وكتب السنّة من أحاديث ظاهرة بنقص القرآن غير أنّها ممّا لا وزن لها عند الأعلام من علمائنا أجمع، لضعف سندها، ومعارضتها بما هو أقوى منها سنداً، وأكثر عدداً، وأوضح دلالة، على أنّها من أخبار الآحاد، وخبر الواحد إنّما يكون حجّة إذا اقتضى عملاً، وهذه لا تقتضي ذلك، فلا يرجع بها عن المعلوم المقطوع به، فليضرب بظواهرها عرض الحائط»(١) .

وسئل السيد محمد هادي الميلاني عن رأيه في المسألة فأجاب بما معرّبه:

«بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وسلام على عباده الّذين اصطفى، إنّ الذي نقطع به هو عدم وقوع أيّ تحريف في القرآن الكريم، لا زيادةً ولا نقصاناً ولا تغييراً في ألفاظه، ولو جاء في بعض الأحاديث ما يفيد التحريف فإنّما المقصود من ذلك ما وقع من تغيير معاني القرآن حسب الآراء السقيمة والتأويلات الباطلة، لا تغيير ألفاظه وعباراته.

وأمّا الروايات الدالّة على سقوط آيات أو سور من هذه المعجزة الخالدة فمجهولة أو ضعيفة للغاية، بل إنّ تلك الآيات السور المزعومة - كالسورتين اللتين رواهما في (الإتقان) أو تلك السورة التي رويت في (دبستان المذاهب)، وكذا ما جاء في غيرهما من الكتاب - هي وحدها تكشف عن حقيقتها، إذ لا يشكّ الخبير بعد عرضها على اسلوب القرآن البلاغي في كونها مختلفة باطلة.

هذا، على أنّ أحداً لم يقل بالزيادة، والقول بنقصانه - كما توهّمه بعضهم - لا يمكن الركون إليه، لا سيمّا بعد الإلتفات إلى قوله تعالى( إنّ علينا

__________________

(١) أجوبة مسائل جار الله: ٢٨ - ٣٧، وانظر له: الفصول المهمة.

٢٦

جمعه وقرآنه ) وقوله تعالى( وإنّا له لحافظون ) وقول تعالى( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ) إلى غيرها من الآيات.

وبهذا الذي ذكرنا صرّح كبار علماء الإمامية منذ الطبقات الاولى كالشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطبرسي، وهم جميعاً يعتقدون بما صرّح به رئيس المحدّثين الشيخ الصدوق في كتاب (الإعتقادات) الذي ألّفه قبل أكثر من ألف سنة حيث قال: إعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيّه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله هو ما بين الدفّتين، وهو ما في أيدي الناس، ليس بأكثر من ذلك - إلى أن قال - ومن نسب إلينا أنّا نقول أنّه أكثر من ذلك فهو كاذب.

والحاصل: إنّ من تأمّل في الآدلّة وراجع تأريخ اهتمام المسلمين في حياة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعده بضبط القرآن وحفظه ودراسته يقطع بأنّ سقوط الكلمة الواحدة منه محال.

ولو أنّ أحداً وجد حديثاً يفيد بظاهره التحريف وظنّ صحّته فقد أخطأ، وإنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً».

والسيد أبو القاسم الخوئي بعد أن ذكر أسماء بعض النافين للتحريف من أعلام الإماميّة قال: «والحقّ بعد هذا كلّه، إنّ التحريف بالمعنى الذي وقع النزاع فيه غير واقع في القرآن أصلاً بالأدلّة التالية ...»(١) ثم بيّن أدلّة النفي من الكتاب والسنّة وغيرهما.

وللسيد محمد حسين الطباطبائي بحث في «أنّ القرآن مصون عن التحريف» في فصول، أورده في تفسيره القيّم، في ذيل تفسير قوله تعالى:( إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون ) (٢) .

__________________

(١) البيان في تفسير القرآن: ٢٠٧.

(٢) الميزان في تفسير القرآن ج ١٢: ١٠٦.

٢٧

الفصل الثاني

أدلة الشيعة على نفي التحريف

ذكرنا في الفصل الأول كلماتٍ لأعلام الإمامية في نفي التحريف عن القرآن الكريم، وقد جاء في بعض تلك الكلمات - التي ذكرناها على سبيل التمثيل لا الإستقراء والحصر - الاستدلال بوجوه عديدة على ما ذهبوا إليه.

والواقع أنّ الأدلّة الدالّة على عدم وجود النقص في القرآن الكريم هي من القوّة والمتانة، بحيث يسقط معها ما دلّ على التحريف بظاهره عن الإعتبار لو كان معتبراً، ومهما بلغ في الكثرة، ويبطل القول بذلك حتى لو ذهب إليه أكثر العلماء.

وقد عقدنا هذا الفصل لإيراد تلك الأدلة بإيجاز.

٢٨

(١)

آيات من القرآن الكريم

والقرآن الكريم فيه تبيان لكل شيء، وما كان كذلك كان تبياناً لنفسه أيضاً، فلنرجع إليه لنرى هل فيه دلالة على نقصانه أو بالعكس.

أجل، إنّ في القرآن الحكيم آيات تدل بوضوح على صيانته من كلّ تحريف، وحفظه من كلّ تلاعب، فهو ينفي كل أشكال التصّرف فيه، ويعلن أنّه لا يصيبه ما يشينه ويحط من كرامته حتى الأبد.

وتلك الآيات هي:

١ - قوله تعالى:( إنّ الذين يلحدون في اياتنا لا يخفون علينا * أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمناً يوم القيامة * إعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير * إنّ الذين كفروا بالذكر لمّا جاءهم وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) (١) .

وإذا كان القرآن العظيم لا يأتيه «الباطل» من بين يديه ولا من خلفه، فإن من أظهر مصاديق «الباطل» هو «وقوع النقصان فيه».

فهو إذاً مصون من قبل الله تعالى عن ذلك منذ نزوله إلى يوم القيامة.

٢ - قوله تعالى:( إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون ) (٢) .

والمراد من «الذكر» في هذه الآية الكريمة على الأصح هو

__________________

(١) سورة حم السجدة (فصلت) ٤١: ٤٠ - ٤١.

(٢) سورة الحجر ١٥: ٩.

٢٩

«القرآن العظيم» فالله سبحانه أنزله على نبيّه الكريم، وتعهّد بحفظه، منذ نزوله إلى الأبد، من كلّ ما يتنافى وكونه منهاجاً خالداً في الحياة ودستوراً عاماً للبشرية جمعاء.

ومن الواضح أنّ من أهمّ ما يتنافى وشأن القرآن العظيم وقدسيّته الفذة وقوع التحريف فيه وضياع شيء منه على الناس، ونقصانه عما أنزله عزّ وجلّ على نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٣ - قوله تعالى:( لا تحرّك به لسانك لتعجل به * إنّ علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرآناه فاتّبع قرآنه * ثم إنّ علينا بيانه ) (١) .

فعن ابن عباس وغيره في قوله تعالى:( إنّ علينا جمعه وقرآنه ) إنّ المعنى: إنّ علينا جمعه وقرآنه عليك حتى تحفظه ويمكنك تلاوته، فلا تخف فوت شيء منه(٢) .

* * *

(٢)

الأحاديث عن النبي والأئمةعليهم‌السلام

والمصدر الثاني من مصادر الأحكام والعقائد الإسلامية هو السنّة النبوية الشريفة الواصلة إلينا بالطرق والأسانيد الصحيحة.

ولذا كان على المسلمين أن يبحثوا في السنّة عما لم يكن في الكتاب، وأن يأخذوا منها تفسير ما أبهمه، وبيان ما أجمله، فيسيروا على منهاجها، ويعملوا على وفقها، عملاً بقوله سبحانه:( ما آتاكم الرسول

__________________

(١) سورة القيامة ٧٥: ١٦ - ١٩.

(١) مجمع البيان للطبرسي ٥: ٣٩٧.

٣٠

فخذوه * وما نهاكم عنه فانتهوا ) (١) . وقوله تعالى:( وما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى ) (٢) .

وعلى هذا، فإنّا لما راجعنا السنّة وجدنا الأحاديث المتكثرة الدالّة بأقسامها العديدة على أنّ القرآن الكريم الموجود بين أيدينا هو ما أنزل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من غير زيادة ونقصان، وأنه كان محفوظاً على عهده،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبقي كذلك حتى الآن، وأنّه سيبقى على ما هو عليه إلى الأبد.

وهذه الأحاديث على أقسام وهي:

القسم الأول

أحاديث العرض على الكتاب

لقد جاءت الأحاديث الصحيحة تنصّ على وجوب عرض الخبرين المتعارضين، بل مطلق الأحاديث على القرآن الكريم، فما وافق القرآن اخذ به وما خالفه اعرض عنه، فلولا أنّ سور القرآن وآياته مصونة من التحريف ومحفوظة من النقصان ما كانت هذه القاعدة التي قرّرها الآئمّة من أهل البيت الطاهرين، آخذين إياها من جدهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا أمكن الركون إليها والوثوق بها.

ومن تلك الأحاديث:

قول الإمام الصادقعليه‌السلام : «خطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بمنى فقال: أيها الناس ما جاءكم عنّي يوافق كتاب الله فأنا قلته،

__________________

(١) سورة الحشر ٥٩: ٧.

(٢) سورة النجم ٥٣: ٣.

٣١

وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله»(١) .

وقول الإمام الرضاعليه‌السلام : «... فما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب الله، فما كان في كتاب الله موجوداً حلالاً أو حرماً فاتّبعوا ما وافق الكتاب، وما لم يكن في الكتاب فأعرضوه على سنن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ...»(٢) .

وقول الإمام الصادق عن أبيه عن جده عليعليهم‌السلام : «إنّ على كلّ حق حقيقة، وعلى كلّ صواب نوراً، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه»(٣) .

وقول الإمام الهاديعليه‌السلام : «فإذا وردت حقائق الأخبار والتمست شواهدها من التنزيل، فوجد لها موافقاً وعليه دليلاً، كان الإقتداء بها فرضاً لا يتعداه إلاّ أهل العناد ...»(٤) .

وقول الإمام الصادقعليه‌السلام : «إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فأعرضوهما على كتاب الله، فما وافق كتال الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فردّوه ...»(٥) .

وقول الإمام الصادقعليه‌السلام : «... ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة، وخالف العامّة فيؤخذ به، ويترك ما خالف الكتاب والسنّة ووافق العامّة ...»(٦) .

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨: ٧٩ عن الكافي.

(٢) عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق ٢: ٢٠.

(٣) الأمالي للشيخ الصدوق: ٣٦٧.

(٤) تحف العقول: ٣٤٣.

(٥) وسائل الشيعة ١٨: ٨٤.

(٦) وسائل الشيعة ١٨: ٧٥.

٣٢

فهذه الأحاديث ونحوها تدلّ على أنّ القرآن الموجود الآن هو نفس ما أنزله الله عزّ وجلّ على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، من غير زيادة ولا نقصان، لانّه لو لم يكن كذلك لم يمكن أن يكون القرآن مرجعاً للمسلمين يعرضون عليه الأحاديث التي تصل إليهم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيعرف بذلك الصحيح ويؤخذ به، والسقيم فيعرض عنه ويترك.

القسم الثاني

خطبة الغدير

وإنّ من حقائق التاريخ واقعة غدير خم وخطبة النبّي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك اليوم العظيم غير أنّا لم نعثر على رواية كاملة لخطبتهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ في كتاب (الإحتجاج) وفي هذه الخطبة أمر بتدّبر القرآن والرجوع في تفسيره إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام حيث قال:

«معاشر الناس تدبّروا القرآن، وافهموا آياته وانظروا إلى محكماته، ولا تتّبعوا متشابهه. فوالله لن يبيّن لكم زواجره ولا يوضّح لكم تفسيره إلا الذي أنا آخذ بيده ومصعده إليّ وشائل بعضده ومعلمكم أنّ: من كنت مولاه فهذا علي مولاه. وهو علي بن أبي طالب أخي ووصيّي. وموالاته من الله عزّ وجلّ أنزلها عليّ»(١) .

إن أمر المسلمين بتدبّر القرآن وفهم آياته والأخذ بمحكماته دون متشابهاته يستلزم أن يكون القرآن مؤلّفاً مجموعاً موجوداً في متناول أيديهم،

__________________

 (١) الاحتجاج ١: ٦٠.

٣٣

بمحكماته ومتشابهاته. غير أنهم مأمورون - للوقوف على أحكامه التفصيلية وأسراره ودقائقه التي لا تبلغها العقول - بالرجوع إلى خليفته ووصيّة وتمليذه أمير المؤمنين والأئمة الطاهرين من ولدهعليهم‌السلام .

القسم الثالث

حديث الثقلين

ولم تمرّ على النبي الكريم والقائد العظيم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فرصة إلاّ وانتهزها للوصيّة بالكتاب والعترة الطاهرة، والأمر باتّباعهما والإنقياد لهما والتمسّك بهما.

لذا تواتر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله حديث الثقلين الذي رواه جمهور علماء المسلمين بأسانيد متكثرة متواترة، وألفاظ مختلفة متنوعة، عن أكثر من ثلاثين صحابي وصحابية، وأحد ألفاظه:

«إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسّكتم بهم لن تضلّوا بعدي أبداً ...»(١) .

__________________

(١) حديث الثقلين من جملة الأحاديث التي لا يشك مسلم في صدورها من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله . فقد رواه عنه أكثر من ثلاثين من الصحابة، وأورده من علماء أهل السنّة ما يقارب الـ ٥٠٠ شخصية من مختلف طبقاتهم منذ زمن التابعين حتى عصرنا الحاضر من مؤرخين ومفسرين ومحدّثين وغيرهم.

وهذا الحديث يدل بوضوح على عصمة الأئمة من العترة ووجوب إطاعتهم وامتثال أوامرهم والإهتداء بهديهم في الامور الدينية والدنيوية، والأخذ بأقوالهم في الأحكام الشرعية وغيرها.

 كما يدل على بقائهم وعدم خلو الأرض منهم إلى يوم القيامة كما هو الحال بالنسبة إلى القرآن.

٣٤

وهذا يقتضي أن يكون القرآن الكريم مدوّناً في عهدهصلى‌الله‌عليه‌وآله بجميع آياته وسوره حتى يصح إطلاق إسم الكتاب عليه، ولذلك تكرّر ذكر الكتاب في غير واحد من سورة الشريفة.

كما أنّه يقتضي بقاء القرآن كما كان عليه - على عهدهصلى‌الله‌عليه‌وآله - إلى يوم القيامة، لتتمّ به - الهداية الأبوية للامة الإسلامية والبشرية جمعاء، ما داموا متمسكين بهما، كما ينصّ عليه الحديث الشريف بالفاظه وطرقه، وإلاّ لزم القول بعدم علمهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما سيكون في امته، أو إخلاله بالنصح التام لأمته، وهذا لا يقول به أحد من المسلمين.

القسم الرابع

الأحاديث الواردة في ثواب

قراءة السور في الصلوات وغيرها

وقد وردت طائفة من الأحاديث في فضيلة قراءة سور القرآن الكريم في الصلوات وغيرها، وثواب ختم القرآن وتلاوته في شهر رمضان وغير ذلك، فلولا أنّ سور القرآن وآياته مجموعة مؤلّفة ومعلومة لدى المسلمين لما تمّ أمرهم بذلك.

ولو كان قد تطرق النقصان في ألفاظ القرآن لم يبق مجال للإعتماد على شيء من تلك الأحاديث والعمل بها من أجل الحصول على ما تفيده من الأجر والثواب، لاحتمال أن تكون كلّ سورة أو كلّ آية محرفة

__________________

وقد بحثنا عن هذا الحديث سنداً ودلالة في ثلاثة أجزاء من كتابنا الكبير (خلاصة عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الأطهار) الذي طبع منه حتى الآن عشرة جزء.

٣٥

عما كانت نازلة عليه.

ومن تلك الأحاديث:

قول الإمام الباقر عن أبيه عن جده عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

 «من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ خمسين آية كتب من الذاكرين، ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين، ومن قرأ مائتي آية كتب من الخاشعين، ومن قرأ ثلاثمائة آية كتب من الفائزين، ومن قرأ خمسمائة آية كتب من المجتهدين، ومن قرأ ألف آية كتب له قنطار ...»(١) .

وقول الإمام الباقرعليه‌السلام : «من أوتر بالمعّوذتين وقل هو الله أحد، قيل له: يا عبدالله أبشر فقد قبل الله وترك»(٢) .

وقول الإمام الصادقعليه‌السلام : «... وعليكم بتلاوة القرآن، فإن درجات الجنّة على عدد آيات القرآن، فإذا كان يوم القيامة يقال لقارئ القرآن إقرأ وارق، فكلّما قرأ آية رقى درجة ...»(٣) .

وقول الإمام الصادقعليه‌السلام : «الواجب على كل مؤمن إذا كان لنا شيعة أن يقرأ ليلة الجمعة بالجمعة وسبّح اسم ربك الأعلى فإذا فعل ذلك فإنما يعمل بعمل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان جزاؤه وثوابه على الله الجنة»(٤) .

__________________

(١) الامالي للشيخ الصدوق: ٥٩ - ٦٠، الكافي ٢: ٤٤٨.

(٢) الأمالي للشيخ الصدوق: ٦٠، ثواب الاعمال للشيخ الصدوق ١٥٧.

(٣) الأمالي ٣٥٩.

(٤) ثواب الأعمال: ١٤٦.

٣٦

وقول الإمام الباقرعليه‌السلام : «من ختم القرآن بمكة من جمعة إلى جمعة وأقل من ذلك وأكثر، وختمه يوم الجمعة، كتب الله له من الأجر والحسنات من أول جمعة كانت إلى آخر جمعة تكون فيها، وإن ختمه في سائر الأيام فكذلك»(١) .

إلى غير ذلك من الأحاديث وما أكثرها، وقد ذكر الفقهاء - رضي الله تعالى عنهم - تفصيل ما يستحب أن يقرأ في الصلوات الخمس من سور القرآن(٢) .

كما روى الشيخ الصدوق - رحمة الله تعالى - ثواب قراءة كلّ سورة من القرآن بحسب الآحاديث الواردة عن الآئمّةعليهم‌السلام (٣) .

وبهذا القسم من الأحاديث استدلّ بعض أكابر الإمامية كالشيخ الصدوق على ما ذهب إليه من عدم تحريف القرآن(٤) .

القسم الخامس

الأحاديث الآمرة بالرجوع إلى القرآن الكريم واستنطاقه

وهي كثيرة جدّاً، نكتفي هنا منها بما جاء في كتب وخطب أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام.

قالعليه‌السلام في خطبة له ينبّه فيها على فضل الرسول والقرآن:

«أرسله على حين فترة من الرّسل، وطول هجعة من الامم

__________________

 (١) ثواب الأعمال: ١٢٥.

 (٢) راجع جواهر الكلام ٩: ٤٠٠ - ٤١٦.

(٣) ثواب الاعمال: ١٣٠ - ١٥٨.

(٤) الإعتقادات للشيخ الصدوق: ٩٣.

٣٧

وانتقاض من المبرم، فجاءهم بتصديق الذي بين يديه، والنور المقتدى به، ذلك القرآن.

فاستنطقوه ولن ينطق، ولكن أخبركم عنه، ألا إنّ فيه علم ما يأتي ن والحديث عن الماضي، ودواء دائكم، ونظم ما بينكم»(١) .

وقالعليه‌السلام :

«واعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش، والهادي الذي لا يضلّ، والمحدّث الذي لا يكذب، وما جالس هذا القرآن أحد إلاّ قام عنه بزيادة أو نقصان: زيادة في هدى أو نقصان في عمى، واعلموا أنّه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة، ولا لأحد قبل القرآن من غنى، فاستشفوه من أدوائكم، واستعينوا به على لأوائكم، فإنّ فيه شفاء من أكبر الداء وهو الكفر والنفاق والغّي والضلال، فاسألوا الله به وتوجّهوا إليه بحبه، ولا تسألوا به خلقه، إنّه ما توجه العباد إلى الله بمثله.

واعلموا أنّه شافع مشفّع، وقائل مصدّق، وإنّه من شفع له القرآن يوم القيامة شفّع فيه، ومن محل له القرآن يوم القيامة صدّق عليه، فإنّه ينادي مناد يوم القيامة: ألا إنّ كل حارث مبتلى في حرثه وعاقبة عمله، غير حرثة القرآن، فكونوا من حرثته وأتباعه، واستدلّوه على ربكم، واستنصحوه على أنفسكم، واتهموا عليه آراءكم، واستغشوا فيه أهواءكم»(٢) .

وقالعليه‌السلام في كتاب له إلى الحارث الهمداني رضي الله عنه:

__________________

(١) نهج البلاغة: ٢٢٣ | ١٥٨.

(٢) نهج البلاغة ٢٠٢ | ١٧٦.

٣٨

«وتمسّك بحبل القرآن واستنصحه، وأحلّ حلاله، وحرّم حرامه ...»(١) .

«ثم أنزل عليه الكتاب نوراً لا تطفأ مصابيحه، وسراجاً لا يخبو توقّده، وبحراً لا يدرك قعره، ومنهاجاً لا يضل نهجه، وشعاعاً لا يظلم ضوؤه، وفرقاناً لا يخمد برهانه، وحقاً لا تخذل أعوانه، فهو معدن الإيمان وبحبوحته، وينابيع العلم وبحوره، ورياض العدل وغدرانه، وأثافي الإسلام وبنيانه، وأودية الحق وغيطانه، وبحر لا ينزفه المستنزفون، وعيون لا ينضبها الماتحون، ومناهل لا يغيضها الواردون، ومنازل لا يضل نهجها القاصدون، جعله الله رياً لعطش العلماء، وربيعاً لقلوب الفقهاء، ومحاجّ لطرق الصلحاء، ودواء ليس بعده داء، ونوراً ليس معه ظلمة، وحبلاً وثيقاً عروته، ومعقلاً منيعاً ذروته، وعزاً لمن تولاّه، وسلماً لمن دخله، وهدى لمن أئتمّ به، وعذراً لمن انتحله، وبرهاناً لمن تكلم به، وشاهداً لمن خاصم به، وفلجاً لمن حاجّ به، وحاملاً لمن حمله، ومطيّة لمن أعمله، وآية لمن توسّم، وجنّة لمن استلأم، وعلماً لمن وعى، وحديثاً لمن روى، وحكماً لمن قضى»(٢) .

وقالعليه‌السلام : «فالقرآن آمر زاجر، وصامت ناطق، حجّة الله على خلقه، أخذ عليهم ميثاقه، وارتهن عليه انفسهم، أتم نوره، وأكمل به دينه، وقبض نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد فرغ إلى الخلق من أحكام الهدى به، فعظّموا منه سبحانه ما عظّم من نفسه، فإنه لم يخف عنكم شيئاً من دينه، ولم يترك شيئاً رضيه أو كرهه إلاّ وجعل

__________________

(١) نفس المصدر ٤٥٩ / ٦٩.

(٢) نفس المصدر ٣١٥ / ١٩٨.

٣٩

له علماً بادياً، وآية محكمة، تزجر عنه أو تدعو إليه ...»(١) .

فهذه الكلمات البليغة وأمثالها تنصّ على أنّ الله تعالى جعل القرآن الكريم نوراً يستضاء به، ومنهاجاً يعمل على وفقه، وحكماً بين العباد، ومرجعاً في المشكلات، ودليلاً عند الحيرة، ومتبعاً عند الفتنة.

وكل ذلك يقتضي أن يكون ما بأيدينا من القرآن هو نفس القرآن الذي نزل على الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعرفه أمير المؤمنين وسائر الأئمّة والصحابة والمسلمون أجمعون.

القسم السادس

الأحاديث التي تتضمن تمسّك الأئمة

من أهل البيت بمختلف الآيات القرآنية المباركة

وروى المحدّثون من الإماميّة أحاديث متكاثرة جدّاً عن الأئمّة الطاهرين تتضمن تمسّكهم بمختلف الآيات عند المناظرين وفي كل بحث من البحوث، سواء في العقائد أو الأحكام أو المواعظ والحكم والأمثال، كما لا يخفى على من راجع كتبهم الحديثيّة وغيرها، وعلى رأسها كتاب (الكافي).

فهمعليهم‌السلام تمسّكوا بالآيات القرآنية «في كل باب على ما يوافق القرآن الموجود عندنا، حتى في الموارد التي فيها آحاد من الروايات التحريف، وهذا أحسن شاهد على أنّ المراد في كثير من روايات التحريف من قولهمعليهم‌السلام كذا نزل هو التفسير بحسب التنزيل في مقابل البطن والتأويل»(٢) .

__________________

(١) نفس المصدر ٢٦٥ | ١٨٣.

(٢) الميزان في تفسير القرآن ١٢: ١١١.

٤٠

قال عبدالرحمن بن صالح الأزدي: زار الرشيد قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: السلام عليك يا رسول الله يا ابن عم يفتخر بذلك، فتقدّم موسى بن جعفر فقال السلام عليك يا ابة، فتغير وجه الرشيد وقال: الفخر حقاً يا أبا حسن.

وقال النسابة يحيى بن جعفر العلوي المدني، وكان موجوداً بعد الثلاثمائة كان موسى يدعى العبد الصالح من عبادته واجتهاده، وكان سخياً يبلغه عن الرجل أنه يؤذيه فيبعث إليه بصرة فيها الألف دينار، وكان يصرر الصرر مائتي دينار وأكثر ويرسل بها، فمن جاءته صرة استغنى.

قلت: هذا يدلّ على كثرة اعطاء الخلفاء العباسيين له، ولعل الرشيد ما حبسه إلاّ لقولته تلك: السلام عليك يا ابة، فان الخلفاء لا يحتملون مثل هذا.

روى الفضل بن الربيع، عن أبيه: ان المهدي حبس موسى بن جعفر، فرأى في المنام علياً وهو يقول:( فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ) (١) قال: فأرسل إلي ليلا، فراعني ذلك، وقال: علي بموسى، فجئته به، فعانقه وقص عليه الرؤيا وقال تؤمنني أن تخرج علي وعلى ولدي؟ فقال: والله لا فعلت ذلك ولا هو من شأني، قال: صدقت، واعطاه ثلاثة آلاف دينار وجهزه إلى المدينة.

ــــــــــــــــــــ

(١) محمد ٤٧: ٢٢.

٤١

عبدالله بن أبي سعد الوراق، حدّثني محمد بن الحسين الكناني، حدّثني عيسى بن مغيب القرطي قال: زرعت بطيخاً وقثاء في موضع بالجوانيه على بئر، فلما استوى بيته الجراد فأتى عليه كله، وكنت عرضت عليه مائة وعشرين ديناراً، فبينما أنا جالس إذ طلع موسى بن جعفر فسلم ثم قال: ايش حالك؟ فقلت: اصبحت كالعديم بيتني الجراد، فقال: يا عرفة ـ علامه ـ زن له مائة وخمسين ديناراً ثم دعا لي فيها، فبعث منها بعشرة آلاف درهم.

مات موسىرضي‌الله‌عنه في شهر رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة، وقيل سنة ست، والأول أصح.

وعاش بعضاً وخمسين سنة كأبيه وجده وجد أبيه وجد جده، ما في الخمسة من بلغ الستين".

وقال أيضاً في كتابه العبر في خبر من غبر، طبع معهد المخطوطات في الكويت ١٩٦٠، ج١ ص٢٨٧:

"وفيها (أي سنة ثلاث وثمانين ومائة توفى) السيد أبو الحسن موسى الرضا، ولد سنة ثمان وعشرين ومائة، روى عن أبيه.

قال أبو حاتم: ثقة امام من أئمة المسلمين.

وقال غيره: اقدمه الرشيد معه من المدينة فحبسه ببغداد ومات في الحبس(رحمه الله).

وكان صالحاً عابداً جواداً حليماً كبير القدر".

قول عماد الدين القرشي الدمشقي

١٤ ـ قال الحافظ عماد الدين أبي الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، المتوفى سنة ٧٧٤، في كتاب البداية والنهاية في التاريخ، مطبعة السعادة مصر، ج١٠ ص١٨٣:

"موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو

الحسن الهاشمي، ويقال له الكاظم، ولد سنة ثمان أو تسع وعشرين ومائة.

وكان كثير العبادة والمروءة، إذا بلغه عن أحد انه يؤذيه ارسل إليه بالذهب والتحف، ولد له من الذكور والاناث أربعون نسمة.

٤٢

واهدى له مرة عبد عصيدة، فاشتراه واشترى المزرعة التي هو فيها بألف دينار واعتقه ووهب المزرعة له.

وقد استدعاه المهدي إلى بغداد فحبسه، فلما كان في بعض الليالي رأى المهدي علي بن أبي طالب وهو يقول له: يا محمد( فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ) (١) ، فاستيقظ مذعوراً وأمر به خارج من السجن ليلا، فاجلسه معه وعانقه وأقبل عليه وأخذ عليه العهد أن لا يخرج عليه ولا على أحد من أولاده، فقال: والله ما هذا من شأني ولا حدثت فيه نفسي، فقال: صدقت، وأمر له بثلاثة آلاف دينار، وأمر به فرد إلى المدينة فما أصبح الصباح إلاّ وهو على الطريق.

فلم يزل بالمدينة حتى كانت خلافة الرشيد فحج، فلما دخل ليسلم على قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه موسى بن جعفر الكاظم، فقال الرشيد: السلام عليك يا رسول الله يا ابن عم، فقال موسى: السلام عليك يا ابت، فقال الرشيد: هذا هو الفخر يا ابا الحسن.

ثم لم يزل ذلك في نفسه حتى استدعاه في سنة تسع وستين وسجنه فأطال سجنه، فكتب إليه موسى رسالة يقول فيها: أما بعد يا أمير المؤمنين انه لم يقتص عني يوم البلاء إلاّ انقضى عنك يوم من الرخاء، حتى يقضي بنا ذلك إلى يوم يخسر فيه المبطلون.

توفى لخمس بقين من رجب من هذه السنة ببغداد، وقبره هناك مشهور".

ــــــــــــــــــــ

(١) محمد ٤٧: ٢٢.

٤٣

قول محمد بن شاكر الكتبي

١٥ ـ قال محمد بن شاكر الكتبي المتوفى سنة ٧٦٤ في كتابه فوات الوفيات طبع دار صادر بيروت، ج١ ص٢٩٧ ـ ٢٩٨:

"جعيفران الموسوس بن علي بن اصفر بن السرى بن عبدالرحمن الانباري من ساكني سامراء، ومولده ببغداد، وكان أبوه من أبناء جند خراسان، وظهر لابيه انه يختلف إلى بعض سراريه، فطرده، وحج تلك السنة، وشكا ولده إلى موسى بن جعفر الكاظم، فقال له موسى: ان كنت صادقاً عليه فليس يموت حتى يفقد عقله، وان كنت قد تحققت ذلك عليه فلا تساكنه في منزلك ولا تطعمه شيئاً من مالك في حياتك وأخرجه عن ميراثك.

وسأل الفقهاء ممن حيله تخرجه عن ميراثه فدلوه على الطريق في ذلك، فاشهد عليه أبا يوسف القاضي.

فلما مات أبوه احضر القاضي الوصي وسأل جعيفران عن نسيه وتركه أبيه وأقام بينة عدولا، فاحضر الوصي بينة عدولا فشهد على أبيه بما كان احتال على منعه ميراثه، فلم ير أبو يوسف ذلك، وعزم على ان يورثه، فقال الوصي: أنا ادفع هذا عن الميراث بحجة واحدة، فأبى أبو يوسف أن يسمع منه، وجعيفران يقول قد ثبت عندك أمري فلا تدفعني، فاستمهل الوصي إلى غد، وكتب في رقعة خبره ما قاله موسى بن جعفر، ودفعها لمن دفعها إلى القاضي، فلما قراها دعا الوصي فاستحلفه على ذلك، فحلف باليمين الغموس، فقال: تعال غدا مع صاحبك فحضرا إليه، فحكم أبو يوسف للوصي، فلما امض الحكم وسوس جعيفران واختلط، وكان إذا تاب إليه عقله قال الشعر الجيد...".

٤٤

قول أبو محمد اليافعي اليمني المكي

١٦ ـ قال أبو محمد بن عبدالله بن أسعد بن علي بن سليمان اليافعي اليمني المكي، المتوفى سنة ٧٦٧هـ، في كتابه مراة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان، طبع منشورات الأعلمي للمطبوعات بيروت لبنان، الطبعة الثانية ١٣٩٠هـ، اوفست عن الطبعة الأولى بمطبعة دائرة المعارف النظامية الكائنة بمدينة حيدرآباد الركن سنة ١٣٣٧هـ، ج١ ص٣٩٤:

"وفيها (أي: سنة ١٨٣هـ) توفى السيد أبو الحسن موسى الكاظم ولد جعفر الصادق.

كان صالحاً عابداً جواداً حليماً كبير القدر، وهو أحد الائمة الاثني عشر المعصومين في اعتقاد الامامية.

وكان يدعى بالعبد الصالح من عبادته واجتهاده، وكان سخياً كريماً كان يبلغه عن الرجل انه يؤذيه فيبعث إليه بصرة فيما الف دينار، وكان يسكن المدينة، فاقدمه المهدي بغداد فحبسه، فرأى في النوم ـ اعني: المهدي ـ علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه وهو يقول: يا محمد( فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ) (١) .

قال الربيع: وارسل الى المهدي ليلا، فراعني ذلك فجئته فإذا هو يقرأ هذه الآية ـ وكان أحسن الناس صوتاً ـ وقال: علي بموسى بن جعفر فجئته به، فعانقه واجلسه إلى جانبه وقال: يا ابا الحسن أني رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه في النوم يقرأ علي كذا، فتومنني ان تخرج علي أو على أحد من أولادي، فقال: والله لا فعلت ذلك وما هو من شأني قال: صدقت، اعطوه ثلاثة آلاف دينار، وردوه إلى أهله إلى المدينة، قال الربيع فأحكمت أمره ليلا، فما أصبح إلاّ وهو في الطريق خوف العوائق.

ــــــــــــــــــــ

(١) محمد ٤٧: ٢٢.

٤٥

ثم ان هارون الرشيد حبسه في خلافته إلى أن توفى في حبسه.

وروى ان هارون كان زار النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: السلام عليك يا ابن العم مفتخراً بذلك، فقال موسى الكاظم: السلام عليك يا ابة، فتغير وجه هارون.

وروى ان هارون الرشيد قال: رأيت في المنام كان حسيناً(١) قد أتاني ومعه حربة وقال: ان خليت عن موسى بن جعفر الساعة وإلاّ نحرتك بهذه الحربة، فاذهب فخل عنه واعطه ثلاثين الف درهم، وقل له: ان احببت المقام قبلنا فلك ما تحب وان احببت المضي إلى المدينة فالاذن في ذلك لك، فلمّا اتاه واعطاه ما أمره به قال له موسى الكاظم: رأيت في منامي ان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أتاني فقال: يا موسى حبست مظلوماً فقل هذه الكلمات فانك لا تبيت هذه الليلة في الحبس فقلت: بأبي وأمي ما أقول؟ قال لي: قل يا سامع كل صوت، ويا سابق الفوت، وياكسي العظام لحماً، ويا منشرها بعد الموت أسألك باسمائك الحسنى وباسمك الأعظم الأكبر المخزون المكنون الذي لم يطلع عليه أحد من المخلوقين، يا حليماً ذا اناءة لا يقوى على اناءته، يا ذا المعروف الذي لا ينقطع ابداً ولا يحصى عدداً، فرج عني.

وله اخبار شهيرة ونوارد كثيرة".

قول شهاب الدين التويري

١٧ ـ قال شهاب الدين أحمد بن عبدالوهاب التويري، المتوفى سنة ٧٣٣، في كتابه نهاية الأرب في فنون الأدب، طبع المجلس الاعلى للثقافة القاهرة ١٤٠٤هـ، ج٢٢ ص١٣٣ ـ ١٣٤:

"وفيها (أي: سنة ثلاث وثمانين ومائة) توفى موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ببغداد في حبس الرشيد، وكان سبب حبسه: ان الرشيد اعتمر في شهر رمضان سنة تسع وسبعين ومائة، فلما عاد إلى المدينة دخل قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه الناس، فلما انتهى إلى القبر الشريف وقف فقال: السلام عليك يا رسول الله يا ابن عم ـ قال ذلك افتخاراً على من

ــــــــــــــــــــ

(١) في المصدر الناقلة لهذه القصة: حبشياً.

٤٦

حوله ـ فدنا موسى بن جعفر فقال: السلام عليك يا ابت، فتغير وجه الرشيد وقال: هذا الفخر يا ابا الحسن جداً، ثم أخذه معه إلى العراق فحبسه عند السندي بن شاهك حتى مات.

وكان رجلا صالحاً خيراً ديناً يقوم الليل كله، وهو الملقّب بالكاظم، لقب بذلك لاحسانه لمن أساء إليه".

قول شهاب الدين العسقلاني

١٨ ـ قال شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، في كتابه تهذيب التهذيب(١) ، الطبعة الأولى سنة ١٣٢٧ بمطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية الكائنة في الهند بمحروسة حيدرآباد الدكن ج١٠ ص٣٣٩ ـ ٣٤٠ قم ٥٩٧:
"موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي العلوي أبو الحسن المدني الكاظم، روى عن أبيه وعبدالله بن دينار وعبدالملك بن قدامة الجمحي، وعنه أخواه علي ومحمد، وأولاده: ابراهيم وحسين واسماعيل وعلي الرضي، وصالح بن يزيد، ومحمد بن صدقة العنبري.

قال أبو حاتم: ثقة صدوق إمام من أئمة المسلمين.

قال يحيى بن الحسن بن جعفر النسابة: كان موسى بن جعفر يدعى العبد الصالح من عبادته واجتهاده.

وقال الخطيب: يقال: انه ولد بالمدينة في سنة ١٢٨هـ واقدمه المهدي إلى بغداد ثم رده إلى المدينة، وأقام بها إلى أيام الرشيد، فقدم هارون منصرفاً من عمرة رمضان سنة ٧٩، فحمله معه إلى بغداد وحبسه بها إلى أن توفى في محبسه.

وقال محمد بن صدقة العنبري: توفى سنة ١٨٣، وقال غيره: في رجب

ــــــــــــــــــــ

(١) هذا الكتاب مختصر لكتاب تهذيب الكمال، وتهذيب الكمال مختصر لكتاب الكمال في أسماء الرجال.

٤٧

ومناقبه كثيرة.

قلت: ان ثبت ان مولده سنة ٨ فروايته عن عبدالله بن دينار منقطعة عبدالله بن دينار توفى سنة ٢٧".

وقال ايضاً في كتابه تقريب التهذيب(١) ، طبع المكتبة العلمية بالمدينة المنورة، ج٢ ص٢٨٠ رقم ١٤٤٤:

"موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي، أبو الحسن الهاشمي، المعروف بالكاظم، صدوق عابد، من السابعة، مات سنة ثلاث وثمانين"(٢) .

قول جمال الدين الأتابكي

١٩ ـ قال جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي الاتابكي المتوفى سنة ٨٧٤هـ، في كتابه النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، طبعة مصورة عن طبعة دار الكتب في مصر، ج٢ ص١١٢:

"وفيها (أي في سنة ١٨٣هـ) توفى الامام موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن السيد الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين.

كان موسى المذكور يدعى العبد الصالح لعبادته، وبالكاظم لعلمه ولد بالمدينة سنة ثمان أو تسع وعشرين ومائة، وكان سيداً عالماً فاضلا سنياً جواداً ممدوحاً مجاب الدعوة".

قول الداعي إدريس عماد الدين

٢٠ ـ قال الداعي ادريس عماد الدين المتوفى سنة ٨٧٢، في كتابه تاريخ الخلفاء الفاطميين بالمغرب (القسم الخاص من كتاب عيون الأخبار) طبعة دار المغرب الاسلامي بيروت ١٩٨٥م ص٤٦ ـ ٤٧:

ــــــــــــــــــــ

(١) هذا الكتاب هو مختصر لكتاب تهذيب التهذيب للمؤلف، فيه زيادات في رجاب مصنفات أصحاب الكتب الستة غير الاصول.

(٢) ومائة.

٤٨

"روى عن عبدالرحمن بن بكار انه قال: حججت فدخلت المدينة فأتيت مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فرأيت الناس مجتمعين على مالك بن أنس يسألونه ويفتيهم، فقصدت نحوه، فإذا أنا برجل وسيم حاضر في المسجد وحوله حفدته يدفعون الناس عنه، فقلت لبعض من حوله: من هذا؟ قالوا موسى بن جعفر فتركت مالكاً وتبعته، ولم ازل اتطلف حتى لصقت به، فقلت: يا ابن رسول الله، اني رجل من المغرب من شيعتكم وممن يدين الله بولايتكم قال لي: اليك عني يا رجل فانه قد وكل بنا حفظة اخافهم عليك.

قلت: يسلم الله وانما أردت أن أسألك، فقال: سل عما تريد، قلت: انا قد روينا عن(١) المهدي منكم، فمتى يكون قيامه؟

قال: ان مثل من سألت عنه كمثل عمود سقط من السماء رأسه في المغرب واصله في المشرق، فمن أين ترى العمود يقوم إذا أقيم؟ قلتد من قبل رأسه، قال: فحشبك من المغرب يقوم واصله من المشرق، وهناك يستوي قيامه ويتم أمره".

قول أبو الفلاح الحنبلي

٢١ ـ قال أبو الفلاح عبدالحي بن العماد الحنبلي، المتوفى سنة ١٠٨٩هـ في كتابه شذرات الذهب في أخبار من ذهب، منشورات دار الآفاق الجديدة بيروت لبنان، ج١ ص٣٠٤ ـ ٣٠٥:

"وفيها (أي: في سنة ١٨٣هـ) توفى السيد الجليل أبو الحسن موسى الكاظم بن جعفر الصادق ووالد علي بن موسى الرضا، ولد سنة ١٢٨هـ، روى عن أبيه.

قال أبو حامد: ثقة إمام من أئمة المسلمين.

وقال غيره: كان صالحاً عابداً جواداً حليماً كبير القدر، بلغه عن رجل

ــــــــــــــــــــ

(١) كذا، الظاهر: ان.

٤٩

الاذى له فبعث بألف دينار، وهو أحد الأئمة الاثني عشر المعصومين على اعتقاد الامامية.

سكن المدينة، فأقدمه المهدي بغداد وحبسه، فرأى المهدي في نومه علياً كرم الله وجهه وهو يقول له: يا محمد( فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ) (١) فاطلقه على ان لا يخرج عليه ولا على أحد من بنيه واعطاه ثلاث آلاف ورده إلى المدينة.

ثم حبسه هارون الرشيد في دولته، ومات في حبسه.

وقيل: ان هارون قال: رأيت حسيناً في النوم قد اتى بالحربة وقال: ان خليت عن موسى هذه الليلة وإلاّ نحرتك بها فخلاه واعطاه ثلاثين ألف درهم.

وقال موسى: رأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال لي: يا موسى حبست ظلماً، فقل هذه الكلمات لا تبت هذه الليلة في الحبس:

يا سامع كل صوت، يا سائق(٢) الفوت، ياكسي العظام لحماً ومنشرها بعد الموت، أسألك باسمائك الحسنى وباسمك الأعظم الأكبر المخزون المكنون الذي لم يطلع عليه أحد من المخلوقين، يا حليماً ذا أناة، يا ذا المعروف الذي لا ينقطع ابداً فرج عني.

واخباره كثيرة شهيرةرضي‌الله‌عنه ".

قول الشيخ سيد الشبلنجي

٢٢ ـ قال الشيخ سيد الشبلنجي المدعو بمومن، في كتابه نور الأبصار في مناقب آل البيت المختار، طبع مكتبة الجمهورية العربية مصر، ص١٤٨ ـ ١٥٢:

"فصل: في ذكر مناقب سيدنا موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله

ــــــــــــــــــــ

(١) محمد ٤٧: ٢٢.

(٢) كذا، وفي بعض المصادر: يا سابق.

٥٠

عنهم:

أمه أم ولد يقال لها حميدة البربرية.

ولد موسى الكاظم بالابواء سنة ثمان وعشرين ومائة من الهجرة.

وكنيته أبو الحسن.

والقابه كثيرة، اشهرها الكاظم، ثم الصابر، والصالح، والامين.

صفته: اسمر عقيق.

شاعره: السيد الحميري.

بوابه محمد بن الفضل.

نقش خاتمه: الملك لله وحده.

قال بعض أهل العلم: الكاظم هو الإمام الكبير القدر، الأوحد الحجة الساهر ليله قائماً، القاطع نهاره صائماً، المسمى لفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين كاظماً، وهو المعروف عند أهل العراق بباب الحوائج إلى الله، وذلك لنجح حوائج المتوسلين به، ومناقبهرضي‌الله‌عنه كثيرة شهيرة.

يحكى ان الرشيد سأله يوماً فقال: كيف قلتم نحن ذرية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وانتم بنو علي، وانما ينسب الرجل إلى جده لابيه دون جده لامه؟

فقال الكاظم: اعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم( ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك يجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى ) (١) ، وليس لعيسى اب، وانما الحق بذرية الأنبياء من قبل أمه وكذلك الحقنا بذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من قبل امنا فاطمة.

وزيادة اخرى يا امير المؤمنين: قال الله عزوجل( فمن حاجك فيه من

ــــــــــــــــــــ

(١) الانعام ٦: ٨٤ ـ ٨٥.

٥١

بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندعوا ابناءنا وابنائكم ونساءنا ونسائكم وانفسنا وانفسكم نبتهل... ) (١) ، ولم يدعصلى‌الله‌عليه‌وآله عند مباهلة النصارى غير علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، وهم الابناء.

روى موسى الكاظم ـ صاحب الترجمة ـ عن آبائه مرفوعاً قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : نظر الولد إلى والديه عبادة.

وعن اسحاق بن جعفر قال: سألت أخي موسى الكاظم بن جعفر قلت: أصلحك الله أيكون المؤمن بخيلا قال: نعم، فقلت: أيكون خائناً قال: ولا يكون كذّاباً، ثم قال: حدثني أبي جعفر الصادق عن آبائه رضي الله عنهم قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: كل خلة يطوى المؤمن عليها ليس الكذب والخيانة.

كراماته :

الاولى: قال حسان بن حاتم الاصم: قال لي شقيق البلخي: خرجت حاجاً سنة ست وأربعين ومائة، فنزلت بالقادسية فبينما أنا انظر في مخرجهم إلى الحج وزينتهم وكثرتهم، إذ نظرت إلى شاب حسن الوجه شديد السمرة نحيف فوق ثيابه ثوب صوف مشتمل بشملة وفي رجليه نعلان وقد جلس منفرداً.

فقلت في نفسي: هذا الفتى من الصوفية ويريد أن يخرج مع الناس فيكون كلا عليهم في طريقهم، والله لامضين إليه ولاوبخنه، فدنوت منه، فلما رآني مقبلا نحوه قال: يا شقيق( اجتنوبا كثيراً من الظن أن بعض الظن إثم ) (٢) ثم تركني وولى.

ــــــــــــــــــــ

(١) آل عمران ٣: ٦١.

(٢) الحجرات ٤٩: ١٢.

٥٢

فقلت في نفسي ان هذا الأمر عجيب، تكلم بما في خاطري ونطق باسمي، هذا عبد صالح لالحقنه وأسألنه الدعاء واتحلله بما ظننت فيه فغاب عني ولم أره فلما نزلنا وادي فضة، فإذا هو قائم يصلي، فقلت: هذا صاحبي أمضي اليه واستحله فصبرت حتى فرغ من صلاتاه، فالتفت الي وقال: يا شقيق اتل( واني لغفار لمن تاب وامن وعمل صالحاً ثم اهتدى ) (١) ، ثم قام وتركني.

فقلت: هذا فتى من الابدال قد تكلم على سري مرتين.

فلما نزلنا بالابواء إذا انا بالفتى على البئر وأنا انظر اليه وبيده ركوة فيها ماء، فسقطت من يده في البئر، فرمق إلى السماء بطرفه، وسمعته يقول:

وقوتي إذا أردت طعاما انت شرابي إذا ظمئت من الماء

ثم قال: الهي وسيدي مالي سواك فلا تعدمنيها.

فوالله لقد رأيت الماء قد ارتفع إلى رأس البئر والركوة طائفة عليه، فمد يده فأخذها، فتوضأ منها وصلى أربع ركعات، ثم مال إلى كثيب رمل فجعل يقبض بيديه ويجعل في الركوة ويحركها ويشرب، فأقبلت نحوه وسلمت عليه، فردّ علي السلام. فقلت: اطعمني من فضل ما انعم الله به عليك، فقال: يا شقيق لم تزل نعم الله علي ظاهرة وباطنة فاحسن ظنك بربك، ثم ناولني الركوة فشربت منها فإذا فيها سويق بسكر، فوالله ما شربت قط الذّ منه ولا أطيب، فشربت روويت حتى شبعت، فأقمت أياماً لا اشتهي طعاماً ولا شراباً.

ثم لم أره حتى نزلنا بمكة، فرأيته ليلة إلى جنب قبة الشراب نصف الليل وهو قائم يصلي بخشوع وانين وبكاء، فلم يزل كذلك حتى طلع الفجر، ثم قام إلى حاشية المطاف فركع ركعتي الفجر هناك، ثم صلّى الصبح مع الناس،

ــــــــــــــــــــ

(١) طه ٢٠: ٨٢.

٥٣

ثم دخل المطاف فطاف إلى بعد شروق الشمس، ثم صلى خلف المقام، ثم خرج يريد الذهاب فخرجت خلفه أريد السلام عليه، وإذا بجماعة أحاطوا به يميناً وشمالا ومن خلفه ومن أمامه وخدم وحشم وأتباع خرجوا معه، فقلت لأحدهم: من هذا الفتى يا سيدي؟ فقال: هذا موسى الكاظم بن جعفر بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وهذه الكرامة رواها جماعة من أهل التأليف، ورواها ابن الجوزي في كتابه مثير الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن، ورواها الجنابذي في معالم العترة النبوية، والرامهرمزي في كتابه كرامات الأولياء، وهي كرامة اشتملت على كرامات.

الثانية: من كتاب الدلائل للحميري:

روى أحمد بن محمد، عن أبي قتادة، عن أبي خالد الزبالي قال: قدم علينا أبو الحسن موسى الكاظم زبالة ومعه جماعة من أصحاب المهدي بعثهم لاحضاره لديه إلى العراق من المدينة، وذلك في مسكنه الأول، فأتيته فسلّمت عليه، فسرّ برؤيتي وأوصاني بشراء الحوائج وتبقيتها عندي له، فراني غير منبسط، فقال: مالي أراك منقبضاً؟ فقلت: كيف لا انقبض وأنت سائر إلى هذه الفرقة الطاغية ولا أمن عليك.

فقال: يا أبا خالد، ليس علي بأس، فإذا كان في شهر كذا في اليوم الفلاني منه فانتظرني آخر النهار مع دخول الليل، فإني أوافيك ان شاء الله تعالى.

قال أبو خالد: فما كان لي هم إلاّ احصاء تلك الشهور والأيام إلى ذلك اليوم الذي وعدني المجيء فيه، فخرجت غروب الشمس فلم أر أحداً، فلما كان دخول الليل إذا بسواد قد أقبل من ناحية العراق، فقصدته فإذا هو على بغلة أمام القطار، فسلمت عليه وسررت بمقدمه وتخلّصه.

فقال لي: اداخلك الشك يا ابا خالد؟ فقلت: الحمد لله الذي خلصك من هذه الطاغية.

فقال: يا ابا خالد ان لهم إلي دعوة لا اتخلص منها.

٥٤

الثالثة: عن عيسى المدائني قال: خرجت سنة إلى مكة فأقمت بها مجاوراً ثم قلت اذهب إلى المدينة فأقيم بها سنة مثل ما اقمت بمكة فهو اعظم لثوابي فقدمت المدينة فنزلت طرف المصلى إلى جنب دار ابي ذر وجعلت اختلف إلى سيدنا موسى الكاظم، فبينا انا عنده في ليلة ممطرة إذ قال: يا عيسى قم فقد انهدم البيت على متاعك، فقمت فإذا البيت قد انهدم على المتاع، فاكتريت قوماً كشفوا عن متاعي واستخرجت جميعه، ولم يذهب لي غير صطل للوضوء، فلما اتيته من الغد قال: هل فقدت شيئاً من متاعك فندعو الله لك بالخلف، فقلت: ما فقدت غير صطل كان لي أتوضأ منه.

فأطرق رأسه ملياً ثم رفعه فقال: قد ظننت انك نسيته قبل ذلك، فات جارية رب الدار فاسألها عنه وقل لها: انسيت الصطل في بيت الخلاء فرديه، قال فسألتها عنه فردته.

الرابعة: عن عبدالله بن ادريس عن ابن سنان قال: حمل الرشيد في بعض الأيام إلى علي بن يقطين ثياباً فاخرة أكرمه بها ومن جملتها دراعة منسوجة بالذهب سوداء من لباس الخلفاء فانفذها علي بن يقطين لموسى الكاظم، فردها وكتب إليه: تحتفظ عليها ولا تخرجها عن يدك فسيكون لك بها شأن تحتاج معه إليها.

فارتاب علي بن يقطين لردها عليه ولم يدر ما سبب كلامه ذلك، ثم انه احتفظ بالدراعة وجعلها في سفط وختم عليها.

فلما كان بعد مدة يسيرة تغير علي بن يقطين على بعض غلمانه ممن كان يختص بأموره ويطلع عليها، فصرفه عن خدمته وطرده لأمر أوجب ذلك منه، فسعى الغلام بعلي بن يقطين إلى الرشيد وقال له: ان علي بن يقطين يقول بامامة موسى الكاظم وانه يحمل إليه في كل سنة زكاة ماله والهدايا والتحف، وقد حمل إليه في هذه السنة ذلك وصحبته الدراعة السوداء التي اكرمته بها يا أمير المؤمنين في وقت كذا.

فاستشاط الرشد لذلك غيظاً وقال: لاكشفن عن ذلك، فان كان الأمر على ما ذكرت ازهقت روحه، وذلك من بعض جزائه، فانفذ في الوقت والحين من احضر علي بن يقطين، فلما مثل بين يديه قال: ما فعلت بالدراعة السوداء التي كسوتكها واختصصتك بها مدة من بين سائر خواصي.

قال: هي عندي يا أمير المؤمنين في سفط فيه طيب مختوم عليها.

٥٥

فقال احضرها الساعة.

قال نعم يا أمير المؤمنين، السمع والطاعة، واستدعى بعض خدمه، فقال: امض وخذ مفتاح البيت الفلاني من داري وافتح الصندوق الفلاني واتني السفط الذي فيه على حالته بختمه، فلم يلبث الخادم إلاّ قليلا حتى عاد وصحبته السفط مختوماً، فوضع بين يدي الرشيد فأمر بفك ختمه، ففك وفتح السفط، وإذا بالدراعة فيه م طوية على حالها لم تلبس ولن تدنس ولم يصبها شيء من الأشياء، فقال لعلي بن يقطين ردّها إلى مكانها وخذها وانصرف راشداً، فلن نصدق بعدك عليك ساعياً، وأمر أن يتبع بجائزة سنية وتقدّم بأن يضرب الساعي ألف سوط، فضرب فلما بلغوا به الخمسمائة سوط مات تحت الضرب قبل الالف.

الخامسة: روى اسحاق بن عمار قال: لما حبس هارون الرشيد موسى الكاظم دخل الحبس ليلا أبو يوسف ومحمد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة، فسلّما عليه وجلسا عنده وأرادا أن يختبراه بالسؤال لينظرا مكانه من العلم، فجاء بعض الموكلين به فقال له: ان نوبتي قد فرغت وأريد الانصراف من غد أن شاء الله تعالى فان كان لك حاجة تأمرني ان اتيك به غدا إذا جئت، فقال مالي حاجة به انصرف.

ثم قال لابي يوسف ومحمد بن الحسن: اني لاعجب من هذا الرجل يسألني ان اكلفه حاجة يأتيني بها معه غدا إذا جاء وهو ميت في هذه الليلة، فامسكا عن سؤاله وقاما ولم يسألاه عن شيء، وقالا: أردنا ان نسأله عن الفرض والسنة فأخذ يتكلم معنا بالغيب، والله لنرسلن خلف الرجل من يبيت على باب داره وينظر ماذا يكون من أمره، فأرسلا شخصاً من جهتهما جلس على باب ذلك الرجل، فلما كان اثناء الليل وإذا بالصراخ والناعية، فقيل لهم: ما الخبر؟ فقالوا مات صاحب البيت فجاة فعاد إليهما الرسول واخبرهما، فتعجبا من ذلك غاية العجب انتهى من الفصول المهمة.

كان موسى الكاظم رضي الله عنه اعبد أهل زمانه وأعلمهم واسخاهم كفاً وأكرمهم نفساً، وكان يتفقد فقراء المدينة فيحمل إليهم الدراهم والدنانير إلى بيوتهم ليك وكذلك النفقات ولا يعلمون من أي جهة وصلهم ذلك، ولم يعلموا بذلك إلاّ بعد موته.

وكان كثيراً ما يدعوا بـ: اللهم اني أسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب.

تتمة: في الكلام على وفاته وأولاده رضي الله عنه.

٥٦

روى أحمد بن عبدالله بن عمار، عن محمد بن علي النوفلي قال: كان السبب في أخذ الرشيد لموسى بن جعفر وحبسه اياه انه سعى به إليه جماعة وقالوا: ان الاموال تحمل اليه من جميع الجهات والزكاة والاخماس، وانه اشترى ضيعة وسماها السيديه بثلاث آلاف دينار، فخرج الرشيد في تلك السنة يريد الحج، وبدأ بدخوله المدينة، فلما أتاها استقبله موسى الكاظم في جماعة من الاشراف فلما دخلها واستقر ومضى كل واحد إلى سبيله ذهب موسى على جاري عادته إلى المسجد، وأقام الرشيد الليل وسار إلى قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يا رسول الله، اني اعتذر إليك من أمر أريد فعله، وهو: ان امسك موسى الكاظم فانه يريد التشغيب بين امتك وسفك دمائهم، واني أريد حقنها.

ثم خرج فأمر به فأخذ من المسجد، فدخل به إليه، فقيده في تلك الساعة واستدعى بقبتين... وسترهما بالفلاط، وجعله في احدى القبتين، وجعل مع كل واحدة منهما خيلا وأرسل بواحدة منهما على طريق البصرة وبواحدة على طريق الكوفة، وانما فعل ذلك الرشيد ليعمى على الناس أمره.

وكان موسى الكاظم بالقبة التي أرسلها بطريق البصرة، وأوصى القوم الذين كانوا معه أن يسلمون إلى عيسى بن جعفر المنصور، وكان على البصرة يومئذ ولياً فسلّموه وحبسه عنده سنة، فبعد السنة كتب إليه الرشيد في سفك دمه واراحته منه، فاستدعى عيسى بن جعفر بعض خواصه وثقاته الناصحين، فاستشارهم بعد ان اراهم ما كتبه له الرشيد، فقالوا نشير عليك بالاستغفار من ذلك وان لا تقع فيه، فكتب عيسى بن جعفر للرشيد يقول:

يا أمير المؤمنين كتبت إلي في هذا الرجل وقد اختبرته طول مقامه في حبسي فلم يكن منه سوء قط، ولم يذكر أمير المؤمنين إلاّ بخير، ولم يكن عنده تطلع للولاية ولا خروج ولا شيء من أمر الدنيا، ولا دعا قط على أمير المؤمنين ولا على أحد الناس، ولا يدعو إلاّ بالمغفرة والرحمة لجميع المسلمين، مع ملازمته للصيام والصلاة والعبادة، فان رأى أمير المؤمنين يعفيني من أمره ويأمر بتسلمه مني وإلاّ سرحت سبيله، فاني منه في غاية الحرج.

فلما بلغ الرشيد كتاب عيسى بن جعفر كتب إلى السندي بن شاهك ان يتسلّم موسى الكاظم بن جعفر من عيسى بن جعفر وأمره فيه، فكان الذي تولى به السندي قتله: ان جعل له سماً في طعام وقدمه له، وقيل في رطب، فأكل منه موسى الكاظم.

٥٧

ثم انه أقام موعوكاً ثلاثة أيام، ومات رحمه الله تعالى.

ولما مات ادخل السندي الفقهاء ووجوه أهل بغداد وفيهم الهيثم بن عدي وغيره ينظرون إليه ليس به أثر من جرح أو قتل أو خنق وانه مات حتف انفه.

روى انه لما حضرته الوفاة سأل ابن السندي أن يحضر مولى له مدنياً ينزل عند دار العباس بن محمد ليتولى غسله ودفنه وتكفينه.

فقال له السندي: أنا اقوم لك بذلك على احسن شيء واتمه.

فقال: أنا أهل بيت مهور نسائنا وحج مبرورنا وكفن موتانا وجهازنا من خالص أموالنا، وأريد أن يتولى ذلك مولاي، فأجابه إلى ذلك واحضره له فوصاه بجميع ما يفعل.

فلما مات تولى ذلك مولاه المذكور، كذا في الفصول المهمة.

ومن كتاب الصفوة لابن الجوزي قال: بعث موسى بن جعفر الكاظم إلى الرشيد من الحبس رسالة كتب فيها: بأنه لم ينقص عني يوم من البلاء إلاّ انقضى معه يوم عنك من الرخاء حتى نمضي جميعاً إلى يوم ليس له انقضاء، هنالك يخسر المبطلون.

وقد كان قوم من الشيعة زعموا ان موسى الكاظم هو القائم المنتظر، وجعلوا حبسه هو الغيبة المذ زورة للقائم، فأمر هارون الرشيد يحيى بن خالد أن يضعه على الجسر ببغداد، وان ينادي: هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة انه لا يموت، فانضروا إليه يمتاً، ففعل ونظر إليه.

ثم حمل ودفن موسى الكاظم في مقابر قريش بباب التين ببغداد، كذا في الانساب وغيره.

وكانت وفاته لخمس بقين من شهر رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة، وله من العمر خمس وخمسون سنة.

٥٨

وأما أولاده ففي الفصول المهمة: كان له سبعة وثلاثين ولداً ما بين ذكر وانثى، وهم:

علي، والرضا(١) ، وابراهيم، والعباس، والقاسم، واسماعيل، وجعفر، وهارون والحسن، وعبدالله، واسحاق، وعبدالله(٢) ، وزيد، والحسن، وأحمد، ومحمد والفضل، وسليمان، وفاطمة الكبرى، وفاطمة الصغرى، ورقية، وحليمة، وأم اسماء ورقيه الصغرى، وأم كلثوم، وميمونة، انتهى.

ولكنه لم يستوف العدد المذكور من أولاد الكاظم كما في بغية الطالب عون...".

قول الشيخ محمد الصبان

٢٣ ـ قال الشيخ محمد الصبان، في كتابه اسعاف الراغبين، مطبوع بهامش نور الأبصار المطبوع في مصر مكتبة الجمهورية العربية صفحة ٢٢٥ ـ ٢٢٧:

"ولنذكر طرفاً من مناقب اخيها (أي: السيدة عائشة) الامام موسى الكاظم وأبيها الإمام جعفر الصادق، وجدها الإمام محمد الباقر على سبيل الاستطراد:

فنقول: أما موسى الكاظم فكان معروفاً عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند الله، وكان من أعبد أهل زمانه، ومن أكابر العلماء الاسخياء.

سأله الرشيد كيف تعقولن: نحن ابناء المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله وانتم ابناء علي؟ فقرأ:

ــــــــــــــــــــ

(١) كذا، والظاهر: علي الرضا.

(٢) كذا، والظاهر عبيد الله.

٥٩

( ومن ذريته داود وسليمان ) إلى أن قال:( وعيسى ) (١) وليس له أب.

ولقب بالكاظم لكثرة تجاوزه وحلمه.

ومن بديع كراماته ما حكاه بن الجوزي والرامهرمزي عن شقيق البلخي انه خرج حاجاً فراء بالقادسية منفرداً عن الناس، فقال في نفسه: هذا فتى من الصوفية يريد أن يكون كلا على الناس، لاوبخنه.

فمضى إليه فقال: يا شقيق( اجتنبوا كثيراً من الظن أن بعض الظن إثم ) (٢) فأراد أن يعانقه فغاب عن عينه.

ثم رآه بعد على بئر سقطت ركوته فيها، فدعا فطف الماء حتى أخذها فتوضأ وصلى، ثم مال إلى كثيب من الرمل فطرح منه ايها وشرب، قال: فقلت له: اطعمني مما رزقك الله، فقال: يا شقيق لم تزل نعم الله علينا ظاهرة وباطنة فأحسن ظنك بربك، فناولنيها فشربت فإذا هو سويق وسكر، فأقمت اياماً لا اشتهي شراباً.

ولا طعاماً، ثم لم أره إلاّ بمكة.

ولما بلغ حج الرشيد سعى به اليه وقيل: ان الأموال تحمل إليه من كل جانب حتى اشترى له ضيعة بثلاثين الف دينار.

فقال الرشيد حين رآه جالساً عند الكعبة: أنت الذي يبايعك الناس سراً؟

قال: أنا إمام القلوب وأنت إمام الجسوم.

ولما اجتمعا أمام الوجه الشريف قال الرشيد: سلام عليك يا ابن عم، وقال موسى: السلام عليك يا ابه. فلم يحتملها الرشيد، فحمله إلى بغداد مقيّداً وحبسه فلم يخرج من حبسه إلاّ مقيّداً ميتاً مسموماً".

ــــــــــــــــــــ

(١) الأنعام ٦: ٨٤ ـ ٨٥.

(٢) الحجرات ٤٩: ١٢.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368