التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف15%

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف مؤلف:
الناشر: دار القرآن الكريم
تصنيف: علوم القرآن
الصفحات: 368

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف
  • البداية
  • السابق
  • 368 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 184923 / تحميل: 6456
الحجم الحجم الحجم
التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

مؤلف:
الناشر: دار القرآن الكريم
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

المهديعليه‌السلام (١) .

وبعد، فليس لأصحاب الشبهة إلاّ أن يزعموا أنّ القرآن على عهدهعليه‌السلام هو نفس ما جمعه الإمام أمير المؤمنين - كما هو ظاهر بعض الأحاديث - إذ القول بأنّه غيره قطعاً، فالشبهة هذه إذاً مبتنية على الشبهة السابقة، وهي مندفعة باندفاعها.

فالصحيح أنّ القرآن في عهده لا يختلف عن هذا القرآن الموجود من حيث الألفاظ، وعلى ذلك علماؤنا - رضي الله عنهم - بل قد صرّح شارح «الكافي» بأنّه: «يظهر القرآن بهذا الترتيب عند ظهور الإمام الثاني عشر ويشهر به»(٢) .

الشبهة الرابعة: كائن في هذه الامّة ما كان في الامم السالفة

إنّ التحريف قد وقع في التوراة والإنجيل، وقد ورد في الأحاديث عن النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه: «كائن في امته ما كان في الامم السالفة» بل قال المحدّث العاملي - بعد أن روى طرفاً من تلك الأحاديث عن أكابر المحدّثين كالصدوق والكليني - «والأحاديث في ذلك كثيرة متواترة بين الشيعة والسنّة»(٣) .

وقال السيد الطباطبائي: «هي متضافرة أو متواترة»(٤) .

ومقتضى المماثلة المذكورة ينبئ عن وقوع التحريف في

__________________

(١) نصّ على ذلك فقهاؤنا - رضي الله تعالى عنهم - في موسوعاتهم الفقيهة في مبحث القراءة من كتاب الصلاة، ولهم هناك بحوث طويلة.

(٢) الفصول المهمّة للسيد شرف الدين: ١٦٦.

(٣) الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة: ١١١.

(٤) الميزان ١٢: ١٢٠.

٨١

 القرآن الكريم كما وقع في العهدين، وهذا يوجب الشك في هذا القرآن الموجود بين المسلمين.

وقد أجاب السيد الخوئي(١) عن هذه الشبهة بوجوه نلخصها ونتكلم عليها فيما يلي:

الأول: «إنّ هذه الأحاديث أخبار آحاد لا تفيد علماً ولا عملاً، ودعوى التواتر فيها جزافية لا دليل عليها، ولم يذكر من هذه الروايات شيء في الكتب الأربعة».

أقول: ولكنّ إنكار تواتر هذه الأحاديث لا يفيد في الشبهة.

وقوله: «لم يذكر ...»:

فيه: إنّ منها ما أخرجه الصدوق في (من لا يحضره الفقيه)، فقد جاء فيه في باب فرض الصلاة: «وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يكون في هذه الامة كل ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة»(٢) .

الثاني: لو سلّم تواتر هذه الأحاديث في السّند وصحّتها في الدلالة لما ثبت بها أنّ التحريف قد وقع فيما مضى من الزمن، فلعلّه يقع في المستقبل زيادة ونقيصة.

أقول: ولكن تجويز وقوع ذلك سواء في الماضي أو المستقبل، ينافي ما تقدّم من الأدلّة القويمة والشواهد الرصينة على امتناعه، لا سيّما وإن الله سبحانه قد وعد وضمن حفظ القرآن إلى يوم القيامة.

الثالث: إنّ المراد بالمماثلة والمشابهة ليس من جميع الوجوه،

__________________

(١) البيان: ٢٢٠ - ٢٢١.

(٢) من لا يحضره الفقيه ١: ٢٠٣.

٨٢

 وإنّما المراد بها المماثلة من بعض الوجوه.

أقول: وبهذا الجواب اكتفى السيد الطباطبائي(١) وهو الصحيح، فإنّ كثيراً من القضايا التي وقعت في الامم السالفة لم تقع في هذه الامة، وبعضها لن يقع أصلاً، ومنها ما سيقع في المستقبل قطعاً.

__________________

 (١) الميزان ١٢: ١٢٠.

٨٣

الفصل الخامس

الرواة لأحاديث التحريف من الشيعة

مقدّمات

لقد كان بحثنا حتى الآن يدور حول الأحاديث التي وردت في كتب الشيعة الإمامية، وهي تفيد - بظاهرها - تحريف القرآن، بمعنى نقصانه وضياع شيء ممّا نزل على النبي.

والآن يجدر بنا أن ننظر في الكتب التي أخرجت تلك الأحاديث فيها، والعلماء الذين رووها، لنرى مدى صحّة التمسّك بهذه الأحاديث من هذه الجهة.

وقبل الخوض في البحث يجب أن ننبّه على امور:

١ - الرواية أعم من الإعتقاد

الأول: إنّ رواية الخبر مطلقاً أعمّ من قبوله والإعتقاد بمضمونه، فقد عني محدّثو الشيعة منذ القرون الاولى بجمع الروايات الواصلة إليهم عن الأئمة، وتبويبها وتنظيمها، صوناً لها من الضياع والنسيان وما شابه

٨٤

ذلك، من غير نظر في متونها وأسانيدها، ولذا تجد في روايات الواحد منهم ما يعارض ما رواه الآخر، بل تجد ذلك في أخبار الكتابين بل الكتاب الواحد للمؤلّف الواحد، وترى المحدّث يروي في كتابه الحديثي خبراً ينصّ على عدم قبول مضمونه في كتابه الفقهي أو الإعتقادي، لذلك فالرواية أعمّ من القبول والتصديق بالمضمون.

فلا يجوز نسبة مطلب إلى راوٍ أو محدّث بمجرد روايته أو نقله لخبر يدلّ على ذاك المطلب، إلاّ إذا نصّ على الإعتقاد به أو أورده في كتاب التزم بصحّة أخباره،

أو ذكره في كتاب صنّفه في بيان اعتقاداته أو فتاواه.

وهل يوجد عند الشيعة كتاب التزم فيه مؤلّفه بالصحّة من أوّله إلى آخره؟ الجواب: لا، وهذا هو الأمر:

٢ - لا كتاب عند الشيعة صحيح كلّه

الثاني: إنّه لا يوجد كتاب واحد من بين كتب الشيعة وصفت أحاديثه جميعها بالصحّة، وقوبلت بالتسليم والقبول لدى الفقهاء والمحدّثين، ولذا نجد أنّ أحاديث الشيعة - وحتى الواردة في الكتب الأربعة(١) التي عليها المدار في استنباط الأحكام الشرعية - قد تعرّضت لنقد علماء الرجال وأئمّة الجرح والتعديل، فكل خبر أجتمعت فيه شرائط الصحّة، وتوفّرت فيه مقتضيات القبول اخذ به، وكلّ خبر لم يكن بتلك المثابة، ردّ، أياً كان مخرجه وراويه والكتاب الذي أخرج فيه(٢) .

__________________

(١) هي: الكافي للكليني، من لا يحضره الفقيه للصدوق، التهذيب والاستبصار للطوسي.

(٢) مقباس الهداية في علم الرواية للمامقاني ط مع تنقيح المقال.

٨٥

ولنأخذ مثالاً على ذلك كتاب (الكافي)(١) ، الذي هو أهمّ الكتب الأربعة وأوثقها لدى هذه الطائفة، وهو الذي أثنى عليه العلماء والمحدّثون والفقهاء وتلقّوه بيد الإحترام والتعظيم، فإنّ العلماء وزّعوا أحاديثه وهي (١٦١٩٩) حديثاً على أساس تصنيف الأحاديث إلى الأقسام الخمسة(٢) . على النحو التالي:

الصحيح منها: ٥٠٧٢ حديثاً.

والحسن: ١٤٤ حديثاً.

والموثّق: ١١١٨ حديثاً.

والقوي: ٣٠٢ حديثاً.

والضعيف: ٩٤٨٥ حديثاً(٣) .

فقد لوحظ أنّ أكثرها عدداً الأحاديث الضعيفة، ويمكن الإطّلاع على ذلك بمراجعة كتاب (مرآة العقول في شرح الكافي)(٤) للشيخ

__________________

(١) يقع في ثمانية أجزاء: إثنان منها في الاصول، وخمسة منها في الفروع والثامن الروضة.

(٢) وهي على أقسام، ويراجع للوقوف على تعريف كل قسم واقسامه كتب الدراية لدى الشيعة ككتاب الدراية للشيخ الشهيد الثاني، والوجيزة للشيخ البهائي وشروح الوجيزة، ومقباس الهداية لشيخنا الجدّ المامقاني وغيرها.

(٣) دراسات في الكافي والصحيح للحسني، عن المستدرك للمحدّث النوري ٣: ٥٤١.

(٤) وكذا فعل المحدّث الجزائري في شرح التهذيب، قال المحدّث النوري: «والعجب من العلامة المجلسي وتلميذه المحدث الجزائري مع عدم اعتمادهما بهذا النمط الجديد خصوصاً الثاني، وشدّة إنكاره على من أخذه بنيا في شرحيهما على التهذيب والأول في شرحه على الكافي أيضاً على ذلك فصنعا بهما ما أشار إليه في الرواشح، ولم أجد محملاً صحيحاً لما فعلا» المستدرك ٣: ٧٧١.

٨٦

المجلسي، فإنّه شرح الكتاب المذكور على أساس النظر في أسانيده، فعيّن الصحيح منها والضعيف والموثّق والمرسل، على ضوء القواعد المقرّرة لتمييز الأحاديث الصحيحة من غيرها.

وهذا كلّه دليل على أنّ أحاديث «الكتب الأربعة» غير قطعيّة الصدور عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمةعليهم‌السلام عند الإمامية، إلاّ أنّه يبدو أنّ هناك جماعة قليلة ذهبوا إلى القول بذلك، ولكنه قول مردود:

قال المحقّق الأكبر الشيخ الأنصاري: «ذهب شرذمة من متأخري الأخباريين - فيما نسب إليها - إلى كونها قطعيّة الصدور».

قال: «وهذا قول لا فائدة في بيانه والجواب عنه إلاّ التحرّز عن حصول هذا الوهم لغيرهم كما حصل لهم، وإلاّ فمدّعي القطع لا يلزم بذكر ضعف مبنى قطعه، وقد كتبنا في سالف الزمان في ردّ هذا القول رسالة تعرّضنا فيها لجميع ما ذكروه وبيان ضعفها بحسب ما أدّى إليه فهمي القاصر»(١) .

وقال شيخنا الجدّ المامقاني: «وما زعمه بعضهم من كون أخبارها - أي

الكتب الأربعة - كلّها مقطوعة الصدور، إستناداً إلى شهادات(٢) سطّرها في مقدمة الحدائق، لا وجه له كما اوضحناه في محلّه»(٣) .

وتبعهما السيد الخوئي حيث قال: «ذهب جماعة من المحدّثين

__________________

(١) الرسائل: ٦٧.

(٢) أجاب عنها السيد حسن الصدر في شرح الوجيزة في علم الدراية.

(٣) مقباس الهداية المطبوع في آخر تنقيح المقال في علم الرجال.

٨٧

إلى أنّ روايات الكتب الأربعة قطعيّة الصدور، وهذا القول باطل من أصله، إذ كيف يمكن دعوى القطع لصدور رواية رواها واحد عن واحد، لا سيمّا وأنّ في رواة الكتب الأربعة من هو معروف بالكذب والوضع على ما ستقف عليه قريباً وفي موارده إن شاء الله تعالى»(١) .

ومن قبلهم قال السيد المجاهد الطباطبائي بعد كلام طويل: «وبالجملة: دعوى قطعيّة ما في الأربعة ممّا لا ريب في فسادها»(٢) .

فهذه الكلمات وغيرها صريحة في عدم قطعيّة صدور أحاديث الكتب الأربعة.

وأمّا بالنسبة إلى تاريخ تصنيف الأحاديث، فقد حكى المحدّث البحراني عن جماعة: إنّ أوّل من نوّع الأخبار هو (العلاّمة) أو شيخه (ابن طاووس) - رحمهما الله - وأمّا المتقدّمون فكانوا يأخذون بجميع الأخبار المدوّنة في (الكتب الأربعة) وغيرها من (الاصول) معتقدين بصحتها أجمع. وهذا ممّا دعا إلى الخلاف بين الأخباريين والمجتهدين(٣) .

وتقدم عن المحدّث النوري تعبيره عن هذا التنويع بـ «النّمط الجديد».

فهذان المحدّثان وغيرهما يزعمان أنّ التنويع يختص بالمتأخرين المجتهدين، وأنّ قدماء الأصحاب كانوا يعتقدون بصحّة

__________________

(١) معجم رجال الحديث ١: ٣٦.

(٢) مفاتيح الاصول للسيد محمد الطباطبائي الحائري: ٩.

(٣) الحدائق الناضرة ١: ١٤.

٨٨

أحاديث «الاصول الأربعمائة» التي منها الّفت «الكتب الأربعة».

ولكنّ الظاهر أنّ هذه الدعوى لا أساس لها من الصحّة، فقد أجاب عنها شيخنا الجدّ - رحمة الله تعالى - بقوله: «وقد زعم القاصرين من الأخباريين اختصاص هذا الإصطلاح بالمتأخرين الذين أوّلهم (العلاّمة) رحمة الله على ما حكاه جمع منهم الشيخ البهائي رحمة الله في (مشرق الشمسين) أو (ابن طاووس) كما حكاه بعضهم، فأطالوا التشنيع عليهم بأنّه اجتهاد منهم وبدعة.

ولكنّ الخبير المتدبّر يرى أنّ ذلك جهل منهم وعناد، لوجود أصل الإصلاح عند القدماء، ألا ترى إلى قولهم: لفلان كتاب صحيح، وقولهم: أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن فلان، وقول الصدوق رحمة الله: كلّ ما صحّحه شيخي فهو عندي صحيح، وقولهم: فلان ضعيف الحديث، ونحو ذلك.

فالصادر من المتأخرين تغيير الإصطلاح إلى ما هو أضبط وأنفع، تسهيلاً للضبط وتمييزاً لما المعتبر منها عن غيره»(١) .

وأمّا قول المحدّث البحراني: «فأمّا المتقدّمون ...» ففيه: أنّ الأمر ليس كذلك، بل ربّما طعن الشيخ المفيد والشيخ الصدوق في بعض أحاديث الشيخ الكيني، وطعن الشيخ الطوسي في بعض أحاديث الصدوق والكليني(٢) .

__________________

(١) مقباس الهداية في علم الدراية: ٣٢.

(٢) راجع: مفاتيح الاصول، وأوثق الوسائل، وقد بحث صاحب هذا الكتاب الموضوع من جميع جوانبه من ص ١٢٢ فراجعه فإنّه جدير بالملاحظة.

هذا، وذهب السيد الخوئي في (رجاله) إلى أنّ أخبار الكتب الأربعة ليست قطعية الصدور، بل ليس صحيحاً، وأثبت أنّ المتقدّمين من المحدّثين أيضاً كانوا

٨٩

فإذا كان الأمر كذلك فيما بينهم - وهم أصحاب الكتب الأربعة - فكيف بالمتأخرين منهم المجدّدين لفكرة تنويع الأحاديث، والنظر في الأسانيد الواردة في كافة الكتب.

وهذا بحث واسع متشعّب الأطراف نكتفي بهذا المقدار بمناسبة المقام، فمن أراد التوسّع فيه فليراجع مظانّه من كتب الدراية والرجال.

والخلاصة: إنّ المحقّقين من الإمامية يبنون على أنّ وجود أيّ حديث في أيّ كتاب من كتب الشيعة لا يبرر بمجرّده الأخذ به والإعتقاد بصحّة مدلوله، إذ ليس عندهم كتاب التزم فيه مؤلّفه بالصحّة أبداً، بحيث يستغني بذلك الباحث عن النظر في أسانيد أحاديثه والفحص عن رجاله وما قيل فيهم من الجرح والتعديل.

وهذا بخلاف أهل السنّة، فإنّ لهم كتباً سمّوها بـ «الصحاح» وأهمها عند أكثرهم (صحيح البخاري) اعتقد جمهورهم بصحّة ما اخرج فيها، وقالوا في كتبهم الرجالية: من خرّج في الصحيح فقد جاز القنطرة، كما التزم أصحابها وبعض أصحاب «المسانيد» في كتبهم بالصحّة.

٣ - لا تجوز نسبة معتقد صاحب الكتاب إلى الطائفة

الثالث: إنّه على فرض وجود هكذا كتاب لدى الشيعة، فإنّه

__________________

يعتقدون نفس هذا الإعتقاد بالنسبة إلى (الاصول) و (الكتب الأربعة)، واستنتج من جميع ذلك: أنّ أخبار هذه الكتب لابدّ من النظر في سند كل منها، فإن توفّرت فيه شروط الحجّية اخذ به وإلاّ فلا، كما الشيخ المجلسي المحدّث الجزائري بالنسبة إلى (الكافي) و (التهذيب).

٩٠

لا يجوز أن ينسب معتقد مؤلّفة إلى الطائفة كلّها، لأنّه قد يكون قوله بصحّة تلك الأخبار أو ذهابه إلى أحقّية ذاك المعتقد مبنيّاً على اسس غير صحيحة لدى غيره، كالقول بقطعيّة صدور أخبار الكتب الأربعة المذكورة سابقاً والمنسوب إلى مجموعة من متأخري الأخباريين، وهو باطل كما عرفت وستعرف، فإنّه يستلزم القول بالتحريف - لوجود ما يدلّ عليه فيها، بعد عدم قبول حملها على بعض الوجوه - إذن، لا يجوز إضافة معتقد لأحد العلماء وإن كان في غاية الشهرة والجلالة إلى الطائفة إلاّ في حال موافقة جمهور علماء الطائفة معه فيه، أو قولهم بصحّة كل ما ورد في ذلك الكتاب، كما هو الحال عند أهل السنّة بالنسبة إلى الصحاح الستّة والصحيحين بصورة خاصّة.

٤ - وجود الأخبار الباطلة في الكتب المعروفة

الرابع: إنّ ممّا لا ريب فيه وجود أحاديث مزوّرة باطلة تسرّبت إلى الآثار الإسلامية بصورة عامّة، فقد تهاون الصحابة - إلاّ القليل منهم - في صدر الإسلام في تدوين الأحاديث النبوية، بل قد امتنع بعضهم من ذلك وكرهه ومنع الآخرين بالأساليب المختلفة، لأغراض مذكورة ليس هذا موضع إيرادها.

ثمّ لما أخذوا بالتدوين خبطوا خبط عشواء، وخلطوا الغثّ بالسمين، والصحيح بالسقيم، وأخذوا من أفواه اناس مشبوهين، وكتبوا عن أفراد كذّابين، حتى كثرت الأحاديث المدسوسة والموضوعة على لسان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الأمر الذي علماء الحديث من أهل السنّة إلى وضع كتب تمكنّوا فيها من جمع مقدار كبير من تلك الموضوعات، ومن ناحية اخرى ألّفوا كتباً أوردوا فيها الأحاديث الصحيحة

٩١

فحسب، وذلك بحسب اجتهاداتهم وآرائهم في الرجال وغير ذلك.

ولكنّ الواقع أنّ اولئك وهؤلاء لم يكونوا موفّقين كلّ التوفيق في عملهم ذاك، ولم يكونوا معصومين من الخطأ، بل لم يكن بعضهم مخلصاً في قيامة بتلك المهمّة، إذ لم تخل الكتب التي وضعوها لجمع «الموضوعات» من الأحاديث الصحيحة، كما لم تسلم الكتب التي سمّوها بـ «الصحاح» من الأحاديث الموضوعة. هذا حال الأحاديث لدى أهل السنّة باختصار.

وكذا الحال في أحاديث الإماميّة، فما أكثر الأحاديث المدسوسة في كتبهم من قبل المخالفين وأصحاب المذاهب والآراء الفاسدة، ولقد كان قد زمن كل إمام من الأئمة عليهم الصلاة والسلام من يضع الأحاديث عن لسانه وينسبها إليه، وينشرها بي الشيعة، ويضعها في متناول أيدي رواتهم، حتى تسرّبت إلى مجاميعهم الحديثيّة.

فقد روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنه قال: «إنّ لكلّ رجل منّا رجل يكذب عليه»(١) .

وقال: «إنا أهل البيت صادقون، لا تحلو من كذّابٍ يكذب علينا»(٢) .

وقال: «لا تقبلوا علينا حديثاً إلا ما وافق القرآن ولسنة أو تجدون معه شاهداً من أحاديثنا المتقدّمة، فإن المغيرة بن سعيد دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث ...»(٣) .

__________________

(١) المعتبر في شرح المختصر للمحقّق الحلّي: ٢.

(٢) رجال الكشي: ٥٩٣ / ٢.

(٣) رجال الكشي: ترجمة المغيرة بن سعيد.

٩٢

ولذا، فإنّهمعليه‌السلام جعلوا الكتاب والسنة ميزاناً لأحدايثهم بعرض عليهما ما روي عنهم فما وافقهما اخذ به، وما خالفهما ردّ على صاحبه.

فالذي نريد أن نقوله هنا هو: إنّ إحتمال الدسّ والتزوير يدفع حجّيه كلّ خبر، ويمنع من الإعتماد عليه، ويفسد إعتباره «حتى ما كان منها صحيح الإسناد، فإنّ صحّة السند وعدالة رجال الطريق انّما يدفع تعمّدهم الكذب دون دسّ غيرهم في أصولهم وجوامعهم ما لم يرووه»(١) .

وإذ انتهينا ممّا مهّدناه تقول: إنّ الذي أنتجه بحثنا الطويل وفحصنا الدقيق في كتب الشيعة الإمامية هو: أنّ المعروف والمشهور بينهم هو القول بعدم تحريف الكتاب، فإنّه رأي أعلام هذه الطائفة، منذ أكثر من ألف سنة حتى يومنا الحاضر، بين مصرّخ بذلك ومؤلّف فيه ومؤوّل لما ينافيه بظاهره، بل هو رأي من كتب في الإمامة ولم يتعرّض للتحريف.

نكات في كلام الشيخ الصّدوق

وإنّ من أهمّ الكلمات في هذا الباب قولاً وقائلاً كلمة الشيخ محمد بن علي ابن بايوية الملقّب بالصدوق المتوفّى سنة (٣٨١) المتقدّمة في (الفصل الأول) وذلك:

أولاً: لقرب عهده بزمن الأئمةعليهم‌السلام وأصحابهم، فلو كان الأئمة وتلامذتهم قائلين بالتحريف لما قال ذلك.

__________________

(١) الميزان في تفسير القرآن ١٢: ١١٥.

٩٣

وثانياً: لكونه من علماء الحديث بل رئيس المحدّثين، فلو كانت الأحاديث الظاهرة في التحريف مقبولة لدى الطائفة لما قال ذلك.

وثالثاً: لأنّها كلمة صريحة وقاطعة جاءت في رسالة اعتقادية كتبها على ضوء الأدلّة المتينة من الكتاب والسنّة، في حال أنّه بنفسه يروي بعض أخبار

التحريف في كتبه الحديثيّة مثل (ثواب الأعمال) و (عقاب الأعمال).

ورابعاً: لموافقة الأعلام المتأخرين عنه إيّاه في هذا الإعتقاد، لا سيمّا الشيخ المفيد الذي كتب شرحاً على عقائد الصدوق وخالفة في كثير من المسائل.

ذكر من وافقه من الأعلام

وكيف ينسب إلى الشيعة قول يتّفق على خلافة:

أبو جعفر الصدوق (٣٨١).

والشريف الرضي (٤٠٦).

والمفيد البغدادي (٤١٣).

والشريف المرتضى (٤٣٦).

وأبو جعفر الطوسي (٤٦٠).

وأبو علي الطبرسي (٥٤٨).

وابن شهر آشوب (٥٨٨).

وابن إدريس الحلّي (٥٩٨).

والعلاّمة الحلّي (٧٢٦).

والزين البياضي (٨٧٧).

والمحقّق الكركي (٩٤٠).

٩٤

والشيخ فتح الله الكاشاني (٩٨٨).

والشيخ بهاء الدين العاملي (١٠٣٠).

والعلاّمة التوني (١٠٧١).

والفاضل الجواد. (من أعلام القرن الحادي عشر).

والسيد نور الله التستري (١٠١٩).

والفيض الكاشاني (١٠٩٤).

والشيخ الحر العاملي (١١٠٤).

والشيخ محمد باقر المجلسي (١١١٠).

والسيد علي خان المدني (١١١٨).

والسيد الموسوي الخونساري (١١٥٧).

والسيد بحر العلوم (١٢١٢).

والشيخ كاشف الغطاء (١٢٢٨).

والسيد الأعرجي الكاظمي، شارح الوافية (١٢٢٨).

والسيد محمد الطباطبائي (١٢٤٢).

والكرباسي، صاحب الإشارات (١٢٦٢).

والسيد حسين التبريزي (١٢٩٩).

والسيد مهدي صاحب منهاج الشريعة في الرد على ابن تيميّة (١٣٠٠)؟

وإليه ذهب المتأخرين أمثال:

المحقّق التبريزي صاحب «أوثق الوسائل في شرح الرسائل».

والسيد محمد حسين الشهرستاني صاحب «رسالة في حفظ الكتاب الشريف عن شبهة القول بالتحريف».

والشيخ محمد النهاوندي الخراساني صاحب التفسير.

٩٥

والشيخ محمد حسن الآشتياني صاحب حاشية الرسائل.

والشيخ محمود بن أبي القاسم صاحب «كشف الإرتياب في عدم تحريف الكتاب».

والسيد محمد الشهشهاني صاحب «العروة الوثقى».

والشيخ محمد حسن المامقاني صاحب «بشرى الوصول».

والشيخ عبدالله المالقاني صاحب «تنتيح المقال».

والشيخ أبي الحسن الخنيزي صاحب «الدعوة الإسلامية إلى وحدة أهل السنة والإمامية».

والشيخ محمد جواد البلاغي صاحب «آلاء الرحمن في تفسير القرآن».

والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء صاحب «أصل الشيعة واصولها».

والشيخ عبد الحسين الرشتي النجفي صاحب «كشف الإشتباه في الرد على موسى جارالله».

والسيد محسن الأمين العاملي صاحب «نقض الوشيعة في الرد على موسى جار الله».

والسيد عبد الحسين شرف الدين صاحب «أجوبة مسائل جار الله».

والشيخ عبد الحسين الأميني صاحب «الغدير».

والشيخ آقا بزرك الطهراني صاحب «تفنيد قول العوام».

والسيد هبة الدين الشهرستاني صاحب «تنزيه التنزيل».

والسيد محمد هادي الميلاني جدّنا الراحل في فتوى له.

والشيخ محمد علي الاوردبادي الغروي صاحب «بحوث في علوم

٩٦

القرآن».

والشيخ أبي الحسن الشعراني صاحب «الحاشية على الوافي».

والشيخ محمد رضا المظفر صاحب «عقائد الإمامية».

والسيد محمد حسين الطباطبائي صاحب «الميزان في تفسير القرآن».

والسيد روح الله الخميني كما في «تهذيب الاصول».

والسيد أبي القاسم الخوئي صاحب «البيان في تفسير القرآن».

المحدّثون وأخبار التحريف

نعم، هناك في بعض الكلمات نسبته إلى «المحدّثين» من علماء الشيعة، وقد بذلنا الجهد في التحقيق حول مدى صحة هذه النسبة، وراجعنا ما توفّر لدينا من الكتب والكلمات بإمعان وإنصاف، فلم نجد دليلاً على ذلك ولا وجهاً مبرّراً له، بل هو حدس وتخمين أو ذهول عن الواقع إن لم يكن تعصّب.

والتحقيق: إنّ «المحدّثين» من الشيعة الإمامية الرواة لأخبار التحريف على ثلاث طوائف:

فطائفة يروون من الأخبار الظاهرة في التحريف في كتبهم الحديثية ولا يعتقدون بمضامينها، بل يؤولونها أو يجمعون بينها وبين ما يدلّ على النفي ببعض الوجوه، ومنهم من ينصّ على اعتقاده، بخلافها أو بما يستلزم هذا الاعتقاد، وعلى رأسهم الشيخ الصدوق.

وطائفة يروونها ولا وجه لنسبة القول بالتحريف إليهم إلاّ أنّهم يروونها، وعلى رأسهم الشيخ الكليني، إن لم نقل بأنّه من الطائفة الاولى.

وطائفة يروونها وينصّون على اعتقادهم بمداليلها وإيمانهم

٩٧

بمضامينها، وعلى رأسهم الشيخ علي بن إبراهيم القمي، إن تمت النسبة إليه.

وبهذا يتبيّن أنّه لا يجوز نسبة القول بالتحريف إلاّ إلى هذه الطائفة الثالثة من «المحدّثين» من الإمامية، وقد وافقهم من شذّ من «الاصوليين» على تفصيل، وهو الشيخ النواقي.

فهذا مجمل ما توصّلنا إليه واعتقدنا به، وإليك تفصيله وإقامة البرهان عليه:

١ - الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي المتوفّي سنة ٣٨١.

ترجمة الشيخ الصّدوق

وقد أجمعت الطائفة على تقدّمه وجلالته، ووصفه الشيخ أبو العباس النجاشي بـ «شيخنا وفقيهنا، وجه الطائفة بخراسان، وكان ورد بغداد وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حدث السن»(١) وعنونه الشيخ الطوسي قائلاً: «كان جليلاً حافظاً للأحاديث، بصيراً بالرجال، ناقداً للأخبار، لم يرفي القمّيين مثله في حفظه وكثرة علمه»(٢) وذكره شيخنا الجدّ الماقاني بقوله: «شيخ من مشايخ الشيعة وركن من أركان الشريعة، رئيس المحدّثين، والصدوق فيما يرويه عن الأئمةعليهم‌السلام »(٣) .

__________________

(١) رجال النجاشي: ٢٧٦.

(٢) فهرست الطوسي: ١٨٤.

(٣) تنقيح المقال ٣: ١٥٤.

٩٨

ولد بدعاء الإمام المهدي المنتظر عجّل الله فرجه، كما نصّ عليه أعلام الطائفة «وصدر في حقه من الناحية المقدّسة بأنه فقيه خير مبارك، فعمّت بركته ببركة الإمامعليه‌السلام وانتفع به الخاصّ والعام، وبقيت آثاره ومصنفاته مدى الأيام، وعمّ الإنتفاع بفقهه وحديثه الفقهاء الأعلام»(١) .

رحل في طلب العلم ونشره إلى البلاد القريبة والبعيدة كبلاد خراسان وما وراء النهر والعراق والحجاز، وألّف نحواً من ثلاثمائة كتاب.

عبارته في اعتقاداته

وأحد هذه المصنّفات (كتاب الإعتقادات)، الذي قال فيه بكلّ وضوح وصراحة: «إعتقادنا في القرآن أنه كلام الله ووحيه وتنزيله وقوله وكتابه، وأنّه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم عليم، وأنّه القصص الحقّ، وأنّه لقول فصل وما هو بالهزل، وأنّ الله تبارك وتعالى محدثه ومنزله وربّه وحافظه والمتكلّم به.

إعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيّه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله هو ما بين الدفّتين، وهو ما في أيدي الناس، ليس بأكثر من ذلك، ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربع عشرة سورة، وعندنا أنّ (الضحى) و (ألم نشرح) سورة واحدة، و (لايلاف) و (ألم تركيف) سورة واحدة»(٢) .

__________________

(١) تنقيح المقال ٣: ١٥٤.

(٢) الإعتقادات - مطبوع مع النافع يوم الحشر، للمقداد السيوري -: ٩٢.

٩٩

يعني رحمة الله: إن القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيّه، أي: أن كل ما أوحي إليه بعنوان «القرآن» هو «ما بين الدفّتين» لا أنّ هذا الموجود «ما بين الدفّتين» بعضه، وهو ما في أيدي الناس، فما ضاع عنهم شيء منه، فالقرآن عند الشيعة وسائر «الناس» واحد، غير أنّ القرآن الموجود عند المهديعليه‌السلام - وهو ما كتبه عليعليه‌السلام - يشتمل على علم كثير.

ثم يقول: «ومن نسب إلينا أنّا نقول أنه أكثر من ذلك فهو كاذب»(١) .

ومنه يظهر أنّ هذه النسبة «إلينا» أي: إلى الطائفة الشيعية قديمة جدّاً، وأنّ ما تلهج به أفواه بعض المعاصرين من الكتّاب المأجورين أو القاصرين ليس بجديد، فهو «كاذب» وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

إذن، يحرم نسبة هذا القول إلى «الطائفة» سواء كان الناسب منها أو من غيرها.

ثم قال رحمة الله: «وما روي من ثواب قراءة كل سورة من القرآن، وثواب من ختم القرآن كلّه، وجواز قراءة سورتين في ركعة نافلة، والنهي عن القران بين السورتين في ركعة فريضة، تصديق لما قلناه في أمر القرآن، وأن مبلغه ما في أيدي الناس، وكذلك ما ورد من النهي عن قراءة كلّه في ليلة واحدة وأن لا يجوز أن يختم في أقل من ثلاثة أيام، تصديق لما قلناه أيضاً، بل نقوى أنّه قد نزل الوحي الذي ليس بقرآن، ما لو جمع إلى القرآن لكان مبلغه مقدار سبع عشرة ألف آية، ومثل هذا كثير،

__________________

(١) الإعتقادات: ٩٣.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

ينقص عن يوم وليلة ، وأن لا ينقص الضعيف عن خمسة عشر يوماً على الاتصال ليمكن جعله استحاضة ، والقوي الذي يليه حيض آخر ، فلو رأت يوماً وليلة دماً قوياً وأربعة عشر ضعيفا ، ثم عاد القوي فقد فُقد الشرط الثالث(1) .

وبم نعتبر القوة والضعف؟ وجهان : اللون ، فالأسود قوي بالنسبة إلى الأحمر ، والأحمر قوي بالنسبة إلى الاشقر ، والرائحة والثخانة ، فذو الرائحة الكريهة قوي والثخين قوي ، ولو حصل في دم خصلة وفي آخر اثنتان فهو أقوى ، ولو كان في واحد خصلة وفي آخر أخرى فالمتقدم أقوى(2) .

وشرط في قول له رابعاً ، وهو أن لا يزيد القوي والضعيف على ثلاثين يوماً ، فإن زاد سقط حكم التمييز ، لأنّ الثلاثين لا تخلو عن حيض وطهر في الغالب(3) .

يب ـ لو رأت بعد الأسود حمرة ، ثم صفرة ، فإن انقطع على العشرة فالجميع حيض ، وإن تجاوز فالصفرة استحاضة ، ثم الاولان إن زادا على العشرة فالحمرة استحاضة ، وهو أحد وجهي الشافعي ، والثاني : إلحاقها بالسواد ، فتكون فاقدة التمييز(4) ، وإن لم يتجاوزا ففي إلحاق الحمرة بالسواد أو الصفرة احتمال ، أقربه الثاني احتياطاًً للعبادة وللقوة والاولوية ، وأقوى الوجهين للشافعي الأول(5) لأنّهما قويان بالنسبة إلى ما بعدهما.

يج ـ قد بيّنا أن الاعتبار عندنا باللون لا بالتقدم ، فلو رأت خمسة حمرة وخمسة سواداً ثم استمرت الحمرة ، فالأسود حيض والطرفان استحاضة ، وهو

__________________

1 ـ المجموع 2 : 404 ، فتح العزيز 2 : 451 ، مغني المحتاج 1 : 113 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 391.

2 ـ المجموع 2 : 403 ـ 404.

3 ـ المجموع 2 : 404.

4 ـ المجموع 2 : 406 ـ 407.

5 ـ المجموع 2 : 407.

٣٠١

أظهر وجوه الشافعي ، والثاني : الجمع بين الحمرة والسواد ، فالعشرة حيض للقوة بالأولوية ، والثالث : سقوط التمييز(1) .

البحث الثاني : في المعتادة

و هي قسمان :

الأول : الذاكرة لعادتها عدداً ووقتاً. فإذا تجاوزت العادة ، فإن لم يتجاوز الأكثر فالجميع حيض ، سواء تقدمت العادة أو توسطت أو تأخرت إجماعاً ، وإن تجاوز العشرة ولاتمييز لها رجعت إلى عادتها عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي وأبوحنيفة وأحمد(2) ـ لقولهعليه‌السلام :(دعي الصلاة قدر الايام التي كنت تحيضهن ثم اغتسلي وصلي)(3) .

وقول الصادقعليه‌السلام : « المستحاضة تنظر أيامها أولا ، فلا تصلّي فيها »(4) وقال الباقرعليه‌السلام : « المستحاضة تقعد أيام قرئها ثم تحتاط بيوم أو يومين »(5) .

وقال مالك : تستظهر بعد أيامها بثلاثة إن لم يتجاوز خمسة عشر ، ثم هي بعد ذلك مستحاضة(6) ، وهو يناسب ما ذكرناه إلّا في زيادة يوم الاستظهار وفي عدد الاكثر.

__________________

1 ـ المجموع 2 : 407.

2 ـ المجموع 2 : 415 ـ 416 ، المغني 1 : 362 ، فتح العزيز 2 : 471 ، المبسوط للسرخسي 3 : 178.

3 ـ صحيح مسلم 1 : 264 / 334 ، سنن ابن ماجة 1 : 204 / 623 ، سنن النسائي 1 : 182 ، سنن أبي داود 1 : 72 / 279 ، سنن البيهقي 1 : 330 و 331 ، سنن الدارقطني 1 : 212 / 35 و 38.

4 ـ الكافي 3 : 88 / 2 ، التهذيب 1 : 106 / 277.

5 ـ التهذيب 1 : 171 / 488 ، الاستبصار 1 : 149 / 512.

6 ـ المدونة الكبرى 1 : 50 ، بداية المجتهد 1 : 51 ، المنتقى للباجي 1 : 124 ، بُلغة السالك 1 : 80.

٣٠٢

وإن كانت مميزة ، فإن اتفق زمانا التمييز والعادة فلا بحث ، وإن اختلف ، إمّا بالزمان ، كما لو كانت عادتها ( الخمسة الاُولى ، فرأت في شهر الاستحاضة صفة الحيض في )(1) الخمسة الثانية ، أو بالعدد ، كما لو رأت الستة الاُولى بصفة دم الحيض أو أربعة ، فللشيخ قولان : الرجوع إلى العادة(2) ـ وهو الاشهر ـ وبه قال أبو حنيفة ، والثوري ، وأحمد ، وبعض الشافعية(3) ، لما تقدم في الأحاديث.

وقال مالك : الاعتبار وبالتمييز(4) ، وهو القول الثاني للشيخ(5) ، وظاهر مذهب الشافعي(6) ، لقولهعليه‌السلام لفاطمة بنت أبي حبيش : ( ان دم الحيض أسود يعرف ، فإذا أقبلت فاتركي الصلاة )(7) وهو محمول على المبتدأة ، ولأن العادة أقوى فإنها لا تبطل دلالتها ، والتمييز لو زاد على أكثر الحيض بطلت دلالته.

__________________

1 ـ بين القوسين ساقط من نسخة ( م ).

2 ـ المبسوط للطوسي 1 : 48.

3 ـ المبسوط للسرخسي 1 : 178 ، المجموع 2 : 431 ، فتح العزيز 2 : 476 ، المغني 1 : 366 ، الشرح الكبير 1 : 367 ، بداية المجتهد 1 : 55 ، مغني المحتاج 1 : 115 ، السراج الوهاج : 32.

4 ـ بداية المجتهد 1 : 54 ، فتح العزيز 2 : 478.

5 ـ المبسوط للطوسي 1 : 49.

6 ـ المجموع 2 : 431 ، فتح العزيز 2 : 476 ، مغني المحتاج 1 : 115 ، المغني 1 : 366 ، الشرح الكبير 1 : 367 ، بداية المجتهد 1 : 55.

7 ـ سنن النسائي 1 : 123 و 185 ، سنن أبي داود 1 : 82 / 304 ، سنن البيهقي 1 : 325 ، سنن الدارقطني 1 : 207 / 3 ـ 6 ، المستدرك للحاكم 1 : 174.

٣٠٣

فروع :

أ ـ لو رأت العادة وقبلها وبعدها أو أحدهما ، فإن لم يتجاوز فالجميع حيض ، وإلّا العادة.

ب ـ العادة قد تتقدم وقد تتأخر ، فالضابط العدد مع النقاء.

ج‍ ـ العادة قد تتفق بأن يتساوى عددها في كلّ شهر ، وقد تختلف إمّا على نهج واحد كثلاثة في الأول ، وأربعة في الثاني ، وخمسة في الثالث ، وثلاثة في الرابع ، وأربعة في الخامس ، وخمسة في السادس ، وهكذا.

فاذا استحيضت في شهر ، فإن عرفت نوبته عملت عليه ، ثم على الذي بعده على العادة ، وان نسيت نوبته ، فإن جهلت بالكلية تحيضت بالاقل ، ثم تعمل إلى الاقصى ما تعمله المستحاضة وتغتسل في كلّ وقت يحتمل انقطاع دم الحيض فيه ، ثم تعمل باقي الشهر ما تعمله المستحاضة ، وإن عرفت أنّه أكثر حيضناها بأقل المحتمل كالاربعة ، ثم تعمل ما تقدم أولا على نهج واحد ، كأن تحيض من شهر ثلاثة ، ومن الثاني خمسة ، ومن الثالث أربعة ، وأشباه ذلك ، فإن أمكن ضبطه ويعتاد على وجه لا يختلف فكالأول ، وإن كان غير مضبوط جلست الأقل من كلّ شهر.

د ـ قد بيّنا أن العادة قد تحصل بالتمييز ، فلو رأت المبتدأة خمسة أسود في أول الشهر والباقي أحمر أو أصفر ، ثم في أول الثاني كذلك ، ثم استحيضت في الثالث ردت إلى الخمسة ، سواء رأت الخمسة بصفة دم الحيض أو لا ، وللشافعي وجه آخر : عدم النظر إلى التمييز السابق بعد بطلانه(1) .

__________________

1 ـ اُنظر المجموع 2 : 431.

٣٠٤

هـ ـ لو قصرت العادة عن العشرة فرأت العشرة صفرة أو كدرة ثم انقطع فالجميع حيض عندنا ـ وهو أظهر وجوه الشافعية ، وبه قال مالك ، وربيعة ، وسفيان ، والأوزاعي ، وأبو حنيفة ، ومحمد ، وأحمد ، وإسحاق(1) ـ لقوله تعالى :( ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى ) (2) والصفرة والكدرة أذى ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض وفي أيام الطُهر طهر »(3) .

وله آخر ـ وبه قال أحمد في رواية ـ أنّه ليس لهما حكم الحيض لأنّهما ليسا على لون الدماء ، وإنّما الصفرة شيء كالصديد يعلوه صفرة ، والكدرة شيء كدر(4) ، ولمّا روي عن اُم عطية ـ وكانت قد بايعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ قالت : كنا لا نعد الصفرة والكدرة حيضاً(5) والأول أصح نقلاً.

وله ثالث : إنّ سبق دم قوي من سواد أو حمرة فهما بعده حيض ، وإلّا فلا ، لأنّ الدم يظهر قويا ثم يرق ويضعف(6) .

وله رابع : إنّ تقدمه وتأخره دم قوي فالوسط حيض وإلّا فلا(7) .

وله قولان في المتقدم والمتأخر ، أحدهما : قدر يوم وليلة ، والثاني :

__________________

1 ـ المجموع 2 : 392 و 395 ، فتح العزيز 2 : 486 ، الوجيز 1 : 27 ، بُلغة السالك 1 : 78 ، بداية المجتهد 1 : 53 ، المغني 1 : 383 ، الشرح الكبير 1 : 383 ، المبسوط للسرخسي 3 : 150 ، شرح العناية 1 : 144 ، الهداية للمرغيناني 1 : 30 ، المحلى 2 : 168 ـ 169.

2 ـ البقرة : 222.

3 ـ أورده نصاً في المبسوط 1 : 44 ، وفي الكافي 3 : 78 / 1 و 3 ، والتهذيب 1 : 396 / 1230 بمعناه.

4 ـ المجموع 2 : 389 و 392 ، فتح العزيز 2 : 487 ، الوجيز 1 : 27.

5 ـ صحيح البخاري 1 : 89 ، سنن أبي داود 1 : 83 / 307 ، المستدرك للحاكم 1 : 174 ، سنن الدارمي 1 : 214.

6 ـ المجموع 2 : 392 ، الوجيز 1 : 27 ، فتح العزيز 2 : 488.

7 ـ المجموع 2 : 393 ، فتح العزيز 2 : 488.

٣٠٥

لحظة واحدة(1) .

و قال أبو يوسف : الصفرة حيض ، والكدرة ليست حيضاً إلّا أن يتقدمها دم(2) ، وقال أبو ثور : إنّ تقدمها دم أسود فهما حيض ، واختاره ابن المنذر(3) ، وقال داود : ذلك ليس بحيض(4) .

أما المبتدأة فلو رأت صفرة أو كدرة في أيام ردها إلى عادة أهلها فالوجه أنّه حيض ، وهو أحد قولي الشافعي ، والآخر : إنّ فيه الاقوال الاربعة(5) .

ا لقسم الثاني : الناسية وأقسامها ثلاثة :

الأول : نسيت العدد والوقت معاً ، وتسمى المتحيرة ، فللشيخ قولان :

أحدهما : أنها تترك الصلاة والصوم في كلّ شهر سبعة أيام ، وتفعل في الباقي ما تفعله المستحاضة وتغتسل ، ولا قضاء عليها في صلاة ولا صوم ، واستدل بإجماع الفرقة(6) .

والثاني : قال في المبسوط : تفعل ما تفعله المستحاضة ثلاثة أيام من أول الشهر ، وتغتسل فيما بعد لكلّ صلاة يحتمل الانقطاع عندها إلى آخر الشهر ، وتصوم الشهر كله ، ولا تُطلَّق هذه(7) .

____________

1 ـ المجموع 2 : 393 ، فتح العزيز 2 : 489.

2 ـ المبسوط للسرخسي 2 : 18 ، الهداية للمرغيناني 1 : 30 ، شرح العناية 1 : 144 ، المجموع 2 : 395 ـ 396 ، عمدة القارئ 3 : 298 ، بداية المجتهد 1 : 53 ، المحلى 2 : 169 ، حلية العلماء 1 : 220.

3 ـ المجموع 2 : 396 ، المغني 1 : 383 ، المحلى 2 : 169 ، حلية العلماء 1 : 220.

4 ـ حلية العلماء 1 : 221.

5 ـ المجموع 2 : 393 ـ 394.

6 ـ الخلاف 1 : 242 مسألة 211.

7 ـ المبسوط للطوسي 1 : 51.

٣٠٦

وقال بعض علمائنا : تجلس عشرة أيام ـ وهو أكثر الحيض ـ لأنّه زمان يمكن أن يكون حيضاً(1) .

وللشافعي قولان ، أصحهما : أنّه لا حيض لها في زمان بعينه ، اذ جميع زمانها مشكوك فيه ، فتغتسل لكلّ صلاة وتصوم ، ولا يأتيها زوجها ما دامت مستحاضة(2) ـ وهو القول الثاني للشيخ ـ لأنّه ما من زمان إلّا ويحتمل الحيض والطهر ، وليس هنا أصل يرد إليه ، ولا يمكن إثبات أحكام الحيض بالشك ، فأمرناها بالاحتياط.

الثاني : أنها تُردّ إلى يوم وليلة كالمبتدأة التي لا عادة لها ، وهو رواية عن أحمد(3) .

وله قول ثالث : أنها تُردّ إلى ستة أو سبعة ، وبه قال أحمد كالمبتدأة(4) ، وهو الاشهر عندنا لقولهعليه‌السلام لحمنة : ( تحيضي في علم الله ستة أو سبعة أيام ثم اغتسلي )(5) الحديث.

فروع :

أ ـ إذا قلنا بالقول الأول للشيخ ، فالوجه أنها تتخير في الستة أو السبعة أيهما شاء‌ت بالاجتهاد جعلتها الحيض لعدم التنصيص ، فلولا

__________________

1 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 55.

2 ـ المجموع 2 : 433 ، الوجيز 1 : 28 ، فتح العزيز 2 : 491 ـ 492 و 494 ـ 495 ، مغني المحتاج 1 : 116.

3 ـ المجموع 2 : 434 ، الوجيز 1 : 27 ، فتح العزيز 2 : 491 ، المغني 1 : 370 ، مغني المحتاج 1 : 116.

4 ـ المجموع 2 : 434 ، فتح العزيز 2 : 393 ، مغني المحتاج 1 : 116 ، المغني 1 : 370 ، الشرح الكبير 1 : 375.

5 ـ سنن ابي داود 1 : 76 / 287 ، سنن ابن ماجة 1 : 205 / 627 ، سنن الترمذي 1 : 222 ـ 223 / 128 ، مسند أحمد 6 : 381 ـ 382 ، المستدرك للحاكم 1 : 172 ـ 173 ، سنن الدارقطني 1 : 214 / 48.

٣٠٧

التخيير لوجب البيان.

ويحتمل أن يكون أول الشهر حيضاً ، لأنّ الحيض جبلة والاستحاضة عارضة.

ب ـ كما أنها تجتهد في الزمان فكذا تجتهد في العدد بين ستة وسبعة لقوله : ( ستاً أو سبعاً )(1) ويحتمل التخيير ، وعلى قول بعض علمائنا تتعين السبعة(2) ، ولها أن تتحيض في الشهر الأول بثلاثة ، وفي الثانية بعشرة كالمبتدأة.

ج‍ ـ الناسية إنّ كانت جاهلة بشهرها ، رددناها إلى الشهر الهلالي ، فحيضناها في كلّ شهر حيضة ، لحديث حمنة(3) ، ولأنّه الغالب.

وإن كانت عالمة بشهرها حيضناها في كلّ شهر من شهورها حيضة ، لأنّها عادتها فترد إليها كما ترد المعتادة إلى عادتها في عدد الايام وزمانها.

د ـ لو جلست أياماً ثم ذكرت أن عادتها غيرها رجعت إلى عادتها وقضت ما تركت أيام جلوسها ، فلو كانت عادتها ثلاثة من آخر الشهر فجلست السبعة السابقة ، ثم ذكرت قضت ما تركت من الصلاة والصيام في السبعة ، وقضت ما صامت من الفرض في الثلاثة.

هـ ـ الناسية إنّ كانت ذات تمييز عملت عليه ، لتعذر العمل بالعادة ، وهو أظهر قولي الشافعي ، وفي الآخر : لا حكم للتمييز ، لأنّ العادة مقدمة(4) .

__________________

1 ـ سنن أبي داود 1 : 76 / 287 ، سنن ابن ماجة 1 : 205 / 627 ، سنن الترمذي 1 : 223 / 128 ، مسند أحمد 6 : 382 ، المستدرك للحاكم 1 : 173 ، سنن الدارقطني 1 : 214 / 48.

2 ـ هو المحقق في المعتبر : 55.

3 ـ سنن أبي داود 1 : 76 / 287 ، سنن ابن ماجة 1 : 205 / 627 ، سنن الترمذي 1 : 222 / 128 ، مسند أحمد 6 : 381 ، المستدرك للحاكم 1 : 172 ، سنن الدارقطني 1 : 214 / 48.

4 ـ المجموع 2 : 433 و 434 ، فتح العزيز 2 : 490.

٣٠٨

و ـ قال القفال : إذا كانت مجنونة فأفاقت فابتداء حيضها من وقت الافاقة لتوجه التكليف حينئذ(1) .

مسألة 97 : المتحيرة إن قلنا بالقول الثاني للشيخ(2) ، فطريق معرفة حكمها أن تنظر في أوقاتها ، فإن كانت تذكر شيئاً من أمر حيضها وطُهرها فكل زمان لا يحتمل أن يكون حيضاً فهو طُهر بيقين ، وكل زمان لا يحتمل أن يكون طُهراً فهو حيض بيقين ، وكل زمان يحتملهما ولم يحتمل الانقطاع تعمل ما تعمله المستحاضة ، وكل زمان يحتملهما ويحتمل الانقطاع أضافت إلى فعل المستحاضة الغُسل عند كلّ صلاة لاحتماله.

ينبغي اعتماد الاحتياط في اُمور ثمانية :

أ ـ الاستمتاع ، فيحرم على الزوج وطؤها قُبلا طول الشهر ، وفي وجه للشافعي : جواز الوطء خوفاً من الوقوع في الفساد(3) .

ب ـ الطلاق ، قال الشيخ : لا يصح طلاق هذه(4) ، ولو قيل : إنّ الطلاق يحصل بإيقاعه في أول يوم ، وأول الحادي عشر أمكن ، وعدتها تنقضي بثلاثة أشهر.

ج‍ ـ تُؤدي كلّ صلاة بغسل ووضوء ، ولا تقضي الصلاة المؤداة في أوقاتها ـ وهو أحد وجهي الشافعي(5) ـ لأنّها إنّ كانت طاهراً صحّ الاداء ، وإلّا سقط القضاء ، ولأن فيه حرجاً عظيماً. ويحتمل الوجوب لاحتمال انقطاع الحيض في خلال الصلاة ، أو في آخر الوقت ، وربما ينقطع قبل غروب

__________________

1 ـ المجموع 2 : 436 ، فتح العزيز 2 : 493.

2 ـ المبسوط للطوسي 1 : 51.

3 ـ المجموع 2 : 437 ، الوجيز 1 : 28 ، فتح العزيز 2 : 494 ، مغني المحتاج 1 : 116.

4 ـ المبسوط للطوسي 1 : 51. المجموع 2 : 442 ، فتح العزيز 2 : 495 ، الوجيز 1 : 28.

٣٠٩

الشمس فيلزمها الظهر والعصر ، وقبل نصف الليل فيلزمها المغرب والعشاء فتغتسل في أول وقت الصبح وتصليها ، ثم تغتسل بعد طلوع الشمس وتعيدها ، لاحتمال أنّه انقطع بعدما صلّت المرة الاُولى ، ولزمها الصبح فتخرج عن العهدة بالثانية ، لأنّها إنّ كانت طاهرة في الاُولى وإلّا فإن انقطع في الوقت صحت الثانية وأجزأت ، فإن لم ينقطع فلا شيء عليها.

ولا يُشترط المبادرة إلى المرة الثانية بل متى اغتسلت وصلّت الصبح قبل انقضاء أكثر الحيض من أول وقت الصبح خرجت عن العهدة ، لأنّ الدم لو انقطع في الوقت لم يعد إلّا بعد انقضاء الأكثر ، وتُصلّي العصر والعشاء مرتين كذلك.

ولا تكتفي بأن تُعيد الظهر المرة الثانية في أول وقت العصر ، ولا أن تُعيد المغرب في أول وقت العشاء ، بل تُعيد الظهر في الوقت الذي يجوز إعادة العصر فيه وهو ما بعد الغروب ، والمغرب في الوقت الذي يجوز إعادة العشاء فيه وهو ما بعد نصف الليل لجواز انقطاعه في آخر وقت العصر بقدر ما يلزم به الظهر ، وكذا المغرب ، ثم إنّ أعادت الظهر والعصر بعد الغروب قبل أن تُؤدي المغرب كفاها للظهر والعصر غسل واحد ، ثم تغتسل للمغرب والعشاء ، لأنّه إنّ انقطع الدم قبل الغروب فقد اغتسلت ، والانقطاع لا يتكرر ، وإن لم ينقطع قبل الغروب فليس عليها ظهر ولا عصر ، وإنّما اغتسلت للمغرب لاحتمال الانقطاع في خلال الظهر ، أو العصر ، أو عقيبهما ، وإن أخرتهما عن المغرب كفاها غسل المغرب لهما ، لعدم تكرر الانقطاع ، وتتوضأ لما لا تغتسل لها من هذه الصلوات ، كالمستحاضة ، وهو الثاني للشافعي(1) .

__________________

1 ـ المجموع 2 : 443 ، فتح العزيز 2 : 496 ، مغني المحتاج 1 : 117.

٣١٠

د ـ إذا وجب عليها قضاء فائتة قضتها ثلاث مرات ، كلّ مرّة بغسل ووضوء ، وأقل زمان يتصور فيه سقوط الفرض بيقين عشرة أيام ولحظتان ، فيقدر كأنها تغتسل وتُصلّي في زمان يبقى بينه وبين طلوع الشمس غسل وصلاة ، ثم يحتسب من وقت طلوع الشمس عشرة أيام ، فتغتسل وتقضي الصلاة في العشرة أي وقت شاء‌ت.

ثم إذا كملت العشرة اغتسلت وقضت الثالثة ، لأنّها إنّ كانت طاهراً في جميع المدة فالأول صحيح وما بعده زيادة ، وإن قدر ابتداء حيضها كان في صلاتها الاُولى فقد تمت لها عشرة أيام قبل الفعل الأخير ، فصح غسلها وصلاتها في الانتهاء ، وإن قدر أنها كانت في ابتداء الاُولى في آخر حيض فانقطع في أثنائها وفي الثالثة عاودها الحيض صحت الثانية.

هـ ـ إذا كان عليها طواف كان طريق أدائه كطريق قضاء الفائتة ، وتُصلّي بعد كلّ طواف ركعتين ، وليس عليها لاجل الركعتين غسل ، لأنّه مع الطواف كالعصر مع الظهر ، ويجب الوضوء ـ خلافاً للشافعي(1) ـ لتعدد الوضوء بتعدد الصلاة ، وكذا عنده إلّا هنا ، لأنّ الركعتين من توابع الطواف ، فجعلهما تبعا في الطهارة.

و ـ إذا كان عليها قضاء صوم يوم صامت يوماً متى شاء‌ت وتفطر الثاني ، ثم تصوم آخر قبل العاشر ، ثم الثاني عشر ، لأنّها إمّا طاهر في الأول فصح القضاء فيه أو غير طاهر ، فإما أن تكون فيه حائضاً في جميعه فينقطع حيضها قبل الثاني عشر ، فيُجزئها الثاني عشر ، أو ما قبل العاشر ، أو في بعضه ، فإن كان في أوّله وانقطع في أثنائه كانت طاهراً في العشرة فصح الثاني ، وإن كانت حائضاً في آخره وابتدأ به فغايته إلى الحادي عشر ، وتكون طاهراً في الثاني عشر.

__________________

1 ـ المجموع 2 : 476.

٣١١

ولو كان عليها قضاء يومين فصاعداً ضعفت ما عليها وتزيد عليه يومين وتصوم نصف المجموع متى شاء‌ت ، والنصف الآخر من أول الحادي عشر ، فلو كان عليها يومان تضعّف وتزيد يومين يكون المجموع ستة ، تصوم منها ثلاثة متى شاء‌ت ، وثلاثة من الحادي عشر من صومها الاول.

فإن كانت الثلاثة الاُولى في الطُهر فذاك ، وإن كانت في الحيض فغايته الانتهاء إلى الحادي عشر بتقدير أن يكون الابتداء في اليوم الأول ، فيقع اليومان الآخران في الطُهر ، وإن كان بعضها في الحيض دون بعض فإن وقع الأول في الطُهر صحّ مع الثالث عشر ، وإن وقع اليومان الاولان في الطُهر أجزأ ، وإن وقع اليوم الأخير في الطُهر أجزأ مع الحادي عشر.

ولو صامت ما عليها ولاء بلا زيادة ، وأعادته من الثاني عشر ، وصامت بينهما يومين متواليين أو غير متواليين ، متصلين بأحد النصفين أو غير متصلين أجزأ.

ز ـ يجب عليها صوم جميع شهر رمضان لاحتمال دوام الطُهر ، ثم تقضي عشرين يوماً عندنا لاحتمال أن تكون العشرة الاُولى حيضاً ، والثانية طُهراً ، والثالثة حيضا.

ولو علمت اتحاد الحيض ، قال علماؤنا : تقضي صوم عشرة احتياطاً ، والوجه قضاء أحد عشر لاحتمال ابتداء الحيض من نصف يوم وانقطاعه في نصف الحادي عشر.

ومن جعل أكثر الحيض خمسة عشر يوماً ـ كالشافعي(1) ـ أوجب قضاء ستة عشر يوماً فتصوم شهراً آخر بالايام ، فيحصل لها أربعة عشر يوماً ويبقى

__________________

1 ـ الاُم 1 : 67 ، المجموع 2 : 481 ، فتح العزيز 2 : 499 ، الوجيز 1 : 28 ، مغني المحتاج 1 : 117.

٣١٢

عليها يومان ، فتصوم ستة أيام في مدة ثمانية عشر ، فيحصل لها صوم رمضان بأن تصوم ستة وستين يوماً في مدة ثمانية وسبعين يوماً.

قالت الشافعية : لو وجب عليها صوم شهرين متتابعين صامت مائة وأربعين يوماً ، لأنّها تصوم أربعة أشهر بالايام تحصل لها من كلّ شهر أربعة عشر يوماً وتبقى عليها أربعة أيام ، فتصوم عشرين يوماً ، فيحصل لها أربعة أيام فقد خرجت عن الفرض بيقين(1) .

ح ـ منعها عن المساجد وقراء‌ة العزائم ، والغُسل عند كلّ صلاة.

القسم الثاني : ناسية الوقت دون العدد

فإن كان العدد نصف الزمان الذي وقع الشك فيه أو قصر عنه لم يكن لها حيض بيقين ، مثل أن تعلم أن حيضها خمسة أيام من كلّ شهر ولا تعرف عينها ، قال الشيخ : تعمل في جميع الوقت ما تعمله المستحاضة ، وتغتسل بعد انتهاء العدد في كلّ وقت يحتمل انقطاع دم الحيض فيه ، فتغتسل هذه آخر الخامس ، ثم عند كلّ صلاة إلى آخر الشهر ، إلّا أن تعلم أن الانقطاع في وقت بعينه فتكرر غسل الانقطاع عنده(2) ـ وبه قال الشافعي(3) ـ أخذاً بالاحتياط وتقضي صوم العدد ، ويحتمل أن تتخير في تخصيص الحيض ، كالمتحيرة ، فتجعله حيضاً ، والباقي طهراً.

وللحنابلة وجهان ، أحدهما : التحري بالاجتهاد ، والثاني : جعله في أول الشهر(4) .

____________

1 ـ المجموع 2 : 468.

2 ـ المبسوط للطوسي 1 : 51.

3 ـ المجموع 2 : 481 و 483.

4 ـ المغني 1 : 374 ، الشرح الكبير 1 : 373.

٣١٣

وإن زاد العدد على نصف الزمان ، مثل أن تعلم أن حيضها ستة أيام من العشر الأول ، فالزائد وضعفه حيض بيقين ، وهو الخامس والسادس لدخولهما فيه على كلّ تقدير ، ثم إمّا أن تتخير في الاربعة الاُولى أو الثانية أو تجتهد وتجعل المتقدمة حيضاً ، أو تحتاط فتعمل ما تعمله المستحاضة فيهما.

ولو كان الحيض سبعة منها فالرابع والسابع وما بينهما حيض بيقين ، ولو كان خمسة وعلمت طهر الأول ، فالزيادة بنصف يوم ، فالسادس حيض بيقين ، ولو علمت طُهر العاشر ، فالخامس حيض بيقين.

وقد فرع الشيخ هنا فروعاً كثيرة(1) تدخل تحت هذا الضابط :

أ ـ لو قالت : كنت أحيض إحدى العشرات وجهلت التعيين ، فليس لها حيض بيقين ، لنقص العدد عن نصف الزمان ، فتعمل ما تعمله المستحاضة جميع الشهر ، وتغتسل آخر كلّ عشرة لاحتمال الانقطاع.

فإن قالت : كنت أحيض عشرة في كلّ شهر وجهلت التعيين فكالأول ، إلّا أنها بعد العشرة الاُولى تغتسل عند كلّ صلاة إلى آخر الشهر لاحتمال الانقطاع ، وفي الاُولى تغتسل في آخر كلّ عشر.

ب ـ لو قالت : حيضي عشرة ، وكنت العشر الأوسط طاهراً بيقين وقع الشك في الأول والآخر ، ولا حيض بيقين لمساواة نصف الزمان العدد ، فتعمل فيهما ما تعمله المستحاضة وتغتسل في آخر كلّ منهما لاحتمال الانقطاع. أما لو قالت : كنت العشر الأول طاهراً ، فإن الشك يقع في الأوسط والاخير ، فتعمل فيهما ما تعمله المستحاضة ، ثم تغتسل آخر العشر الأول ، وعند كلّ صلاة إلى آخر الشهر لاحتمال الانقطاع ، وكذا لو علمت الطُهر في العشر الأخير.

____________

1 ـ المبسوط للطوسي 1 : 51 ـ 57.

٣١٤

ج ـ لو قالت : كان حيضي خمسة أيام وكنت يوم الثاني طاهراً فلها يومان ، الأول والثاني طُهر بيقين ، والسادس والسابع حيض بيقين.

وإن قالت : كنت في الثالث طاهراً فالثلاثة الاُولى طُهر بيقين ، والسادس والسابع والثامن حيض بيقين. ولو قالت : كنت يوم الخامس طاهراً فالحيض الخمسة الثانية.

د ـ لو قالت : كان حيضي عشرة من كلّ شهر وكنت يوم السادس طاهراً فالستة الاُولى طُهر بيقين ، ومن السابع إلى آخر السادس عشر طهرُ مشكوك فيه لا يمكن الانقطاع فيه ، تتوضأ فيه لكلّ صلاة ، وبعد السادس عشر إلى آخر الشهر طهرُ مشكوك فيه تغتسل لكلّ صلاة لاحتمال الانقطاع.

فإن قالت : كنت يوم الحادي عشر طاهراً فهو الطُهر بيقين ، والعشر الاُولى مشكوك فيها تغتسل في آخرها لاحتمال الانقطاع ، ومن الثاني عشر إلى آخر الحادي والعشرين مشكوك فيه تتوضأ لكلّ صلاة ، ثم تغتسل عند انقضائه إلى آخر الشهر لاحتمال الانقطاع.

هـ ـ لو قالت : كان لي في كلّ شهر حيضتان بينهما طهرُ صحيح ولا أعلم موضعهما ولا عددهما ، فليس لها حيض ولا طُهر بيقين عندنا.

أما [ عند ](1) الشافعي(2) ومن وافقه في أقل الحيض وأكثره وأقل الطُهر ، فإن أقل ما يحتمل أن يكون حيضها يوماً من أوّله ويوما من آخره ، وما بينهما طهر.

وأكثر ما يحتمل أن يكون حيضها يوماً من أوّله ، وأربعة عشر من آخره بينهما خمسة عشر يوماً ، أو بالعكس ، ويُحتمل ما بين ذلك ، فتتوضأ لليوم الأول لأنّه طهرُ مشكوك فيه ، وتغتسل في آخره ، وتغتسل لكلّ صلاة إلى انقضاء الرابع عشر ، وأما الخامس عشر والسادس عشر فطُهر بيقين ، ثم

__________________

1 ـ زيادة يقتضيها السياق.

2 ـ المجموع 2 : 488.

٣١٥

تغتسل في انقضاء السابع عشر إلى آخر الشهر ، لإمكان انقطاع الدم في كلّ وقت.

و ـ لو قالت : حيضي خمسة في كلّ شهر وكنت في الخمسة الأخيرة طاهراً ولي طهرُ صحيح غيرها ، احتمل أن يكون حيضها الخمسة الاُولى ، والباقي يكون طُهراً ، وكذا الخمسة الثانية والثالثة عندنا.

وقال الشافعي : لا يحتمل الثالثة لأنّه لا يمكن قبلها طهر كامل ولا بعدها سوى الخمسة الأخيرة ، ويحتمل الرابعة أو الخامسة(1) .

فالخمسة الاُولى طهرُ مشكوك فيه ، تتوضأ لكلّ صلاة ، وتغتسل عند انقضائها إلى آخر العاشر لأنّه طهرُ مشكوك فيه.

وكذا من الحادي عشر إلى الخامس عشر ـ وعنده أنّه طُهر بيقين(2) ـ ومن السادس عشر إلى آخر العشرين طهرُ مشكوك فيه ، تتوضأ لكلّ صلاة ، وتغتسل عند انقضائه إلى آخر الخامس والعشرين.

ز ـ لو قالت : حيضي عشرة أيام وكنت اليوم العاشر حائضاً فقد تجاوز العدد نصف الزمان بنصف يوم ، لوقوع الشك في تسعة عشر ، فتعمل من أول الشهر ما تعمله المستحاضة ، ثم تغتسل آخر العاشر لاحتمال أنّه آخره وتفعل ما تفعله المستحاضة إلى آخر التاسع عشر ، وتغتسل عند كلّ صلاة لاحتمال الانقطاع عندها والباقي طهر بيقين.

فإن قالت : الحيض يوم الثاني عشر ، فالاولان طُهر بيقين ، وكذا من الثاني والعشرين إلى آخره ، والباقي مشكوك فيه ، لكن لا تغتسل للأنّقطاع إلّا في آخر الثاني عشر ، وعند كلّ صلاة منه إلى آخر الحادي والعشرين ،

__________________

1 ـ المجموع 2 : 486.

2 ـ المجموع 2 : 486.

٣١٦

فلها يومان من أول الشهر طُهر بيقين ، وكذا تسعة من آخره ، والشك وقع من أول الثالث إلى آخر الحادي والعشرين ، فقد قصر نصف الزمان عن العدد بنصف يوم فالثاني عشر حيض بيقين.

وغلط قلم الشيخ هنا فجعل لها مع اليومين ثمانية أيام من آخره طُهراً(1) ، والحق أنّه تسعة.

ح ـ ولو قالت : حيضي خمسة من الشهر لا أعرفها إلّا أني إن كنتُ يوم السادس طاهراً كنت السادس والعشرين حائضاً ، وإن كنت في السادس حائضاً كنت في السادس والعشرين طاهراً.

وتحقيقه أنها تحيض أحد هذين ، فالأول طُهر بيقين ، وكذا من الحادي عشر إلى آخر الحادي والعشرين ، والباقي مشكوك فيه ، وتغتسل لاحتمال الانقطاع آخر السادس إلى آخر العاشر ، وكذا آخر السادس والعشرين إلى آخر الشهر ، وتفعل في جميع الايام ما تفعله المستحاضة.

فروع ، في الامتزاج :

أ ـ إذا قالت : حيضي عشرة في كلّ شهر ، وكنت أمزج إحدى العشرات بالاُخرى بيوم ، فالأول والثلاثون طُهر بيقين ، والشك وقع بينهما ، فلا حيض لها بيقين ، تعمل ما تعمله المستحاضة جميع الشهر ، وتغتسل آخر الحادي عشر ، وآخر التاسع عشر ، والحادي والعشرين ، والتاسع والعشرين لاحتمال الانقطاع.

قال الشيخ : ويسقط قضاء صوم الأول والثلاثين ، لأنّهما طُهر بيقين ، وتقضي ما عداهما لأنّها صامت مع الشك في الطهارة ، فوجب القضاء.

ثم قال : ولو قلنا : إنّه لا يجب إلّا قضاء عشرة أيام كان صحيحاً ، لأنّه

__________________

1 ـ المبسوط للطوسي 1 : 56.

٣١٧

من المعلوم أن الحيض لا يزيد عليها ، وصوم المستحاضة صحيح ، ولا حاجة إلى تجديد النيّة عند كلّ ليلة ، وهذا هو المعول عليه دون الأول ، والأول مذهب الشافعي(1) .

والحكم صحيح ، لكن لا مدخل للتحديد هنا ، والشافعي وافقنا على قضاء أكثر الحيض وهو خمسة عشر في أحد القولين ، وفي الآخر : ستة عشر(2) .

ب ـ لو قالت : كان حيضي عشرة وأمزج العشرة بالاُخرى بيومين ، فيومان من أول الشهر ويومان من آخره طُهر بيقين ، والشك في الباقي تعمل في الجميع ما تعمله المستحاضة ، ولا حيض بيقين لقصور العدد عن نصف الزمان ، وتغتسل آخر الثاني عشر ، والثامن عشر ، والثاني والعشرين ، والثامن والعشرين لاحتمال الانقطاع.

ولو كان المزج بخمسة فلا حيض بيقين ، لمساواة العدد نصف الزمان ، فخمسة من أول الشهر وخمسة من آخره طُهر بيقين ، لكن غسل الانقطاع في آخر الخامس عشر والخامس والعشرين خاصة.

وفرع الشيخ المزج بستة إلى المزج بالتسعة عقيب تفريعه المزج بيوم إلى المزج بستة(3) وهما واحد.

ج ـ لو قالت : حيضي عشرة وأمزج النصف بالنصف بيوم فيومان حيض بيقين واثنا عشر طُهر بيقين ، لزيادة العدد على نصف الزمان بيوم ، هما الخامس عشر والسادس عشر ، ومن السابع إلى الرابع عشر مشكوك فيه ، وكذا من السادس عشر إلى آخر الرابع والعشرين تعمل ما تعمله المستحاضة ، وتغتسل لاحتمال الانقطاع آخر السادس عشر والرابع والعشرين.

__________________

1 ـ المبسوط للطوسي 1 : 60.

2 ـ فتح العزيز 2 : 496.

3 ـ المبسوط للطوسي 1 : 59 ـ 63.

٣١٨

د ـ لو قالت : حيضي تسعة ونصف ، وكنت أمزج أحد النصفين بالآخر بيوم ، والكسر من أوّله ، واليوم الكامل في النصف الثاني ، فستة ونصف من أول الشهر طُهر بيقين ، وتمام السابع إلى آخر السادس عشر حيض بيقين ، ولو كان الكسر من الثاني فبالعكس ، من أول الشهر إلى آخر الرابع عشر طُهر بيقين ، ومن الخامس عشر إلى النصف الأول من الرابع والعشرين حيض بيقين.

ولو قالت : أمزج العشر بالعشر بيوم والكسر من الأول ، فالأول ونصف الثاني طُهر بيقين ، ثم إلى آخر الحادي عشر مشكوك فيه ، فتغتسل في آخره لاحتمال الانقطاع ، ونصف الثاني عشر طُهر بيقين ، ومن النصف الثاني إلى آخر الحادي والعشرين مشكوك فيه ، تغتسل في آخره لاحتمال الانقطاع.

ولو كان الكسر في العشر الثاني فإلى آخر التاسع طُهر بيقين ، ثم يحتمل ابتداء الحيض من أول العاشر ، فآخره النصف الأول من التاسع عشر ، ومن أول التاسع عشر ، فآخره النصف الأول من التاسع والعشرين ، ولا يحتمل أن يكون المزج بين العشرين بيوم والكسر فيهما ، لأنّ العشرين لا تختلط بيوم.

ا لقسم الثالث : ناسية العدد دون الوقت.

فإن ذكرت أول الحيض أكملته ثلاثة بيقين ثم تغتسل في آخر الثالث لاحتمال الانقطاع وتعمل إلى العاشر ما تعمله المستحاضة ، وتغتسل في كلّ وقت يحتمل الانقطاع.

وإن ذكرت آخره جعلته نهاية الثلاثة ، واغتسلت عنده لاحتمال الانقطاع ، وتعمل فيما بعده عمل المستحاضة لأنّها طاهرة فيه قطعاً وما قبله ثلاثة أيام حيض بيقين ، وما زاد إلى تمام العشرة طهرُ مشكوك فيه ، تعمل ما تعمله المستحاضة ، وتقضي صوم عشرة أيام احتياطاً.

٣١٩

وإن لم تذكر الأول والآخر فذلك الوقت الذي عرفت حيضها فيه إن لم يزد على أقل الحيض فحيضها معلوم ، كما لو قالت : أعلم أني كنت ثاني الشهر حائضاً ورابعه طاهراً.

وإن زاد من غير تداخل كما لو قالت : كنت حائضاً يوم الخامس وطاهرا يوم العاشر ، فالزمان مشكوك فيه تعمل ما تعمله المستحاضة.

وإن تداخل كما لو قالت : كنت حائضاً يوم الثالث وطاهراً يوم السادس فالمتداخل حيض بيقين ، وهو الثالث ، وما عداه مشكوك فيه ، فيحتمل جعل الثالث آخر الحيض تغليبا للسبق ، وأوله إنّ أدى اجتهادها إليه ، وعملنا بالاجتهاد والتخيير ، وأوسطه ، فيكون العشرة حيضاً.

و لو قالت : إنّ حيضي كان في النصف الأول من الشهر ولا أعرف قدره ولا وقته ، فالنصف الثاني طُهر بيقين ، ومن أول الشهر ثلاثة أيام يحتمل الحيض والطهر ولا يحتمل الانقطاع ، فتعمل ما تعمله المستحاضة ، وبعد ذلك إلى تمام النصف يحتمل الحيض والطهر والانقطاع ، فتعمل عمل المستحاضة ، وتغتسل لكلّ صلاة.

مسألة 98 : قد بيّنا أن أقل الحيض ثلاثة أيام ، واختلف علماؤنا في اشتراط التوالي ، فالأكثر عليه(1) ، وقال آخرون : بعدمه(2) ، فإذا رأت ثلاثة أيام متوالية فهو حيض قطعاً ، فإذا انقطع وعاد قبل العاشر وانقطع فالدمان وما بينهما حيض ، ذهب إليه علماؤنا ـ وبه قال أبو حنيفة(3) ـ لأنّ أقل الطُهر عشرة

____________

1 ـ منهم : السيد المرتضى كما في المعتبر : 53 ، وابنا بابويه في الفقيه 1 : 50 ، والهداية : 21 ، والشيخ الطوسي في الجمل : 163 ، والمبسوط 1 : 42 ، وابن حمزة في الوسيلة : 56 ، وابن إدريس في السرائر : 28.

2 ـ قال به الشيخ الطوسي في النهاية : 26 ، وابن البراج في المهذب 1 : 34.

3 ـ شرح فتح القدير 1 : 153 و 154 ، شرح العناية 1 : 153 ، اللباب 1 : 44 ، أحكام القرآن للجصاص 1 : 345.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368