ابن تيميه الجزء ١

ابن تيميه13%

ابن تيميه مؤلف:
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 432

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 432 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 127040 / تحميل: 7142
الحجم الحجم الحجم
ابن تيميه

ابن تيميه الجزء ١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

شهوة ، وبه قال الأوزاعي(1) .

وقال مالك : لا غسل عليه ، سواء خرج بعد البول أو قبله ، لأنّه قد اغتسل منه فلا يجب عليه أن يغتسل منه مرّة اُخرى(2) ـ وعنه في الوضوء روايتان(3) ـ وهو مذهب أبي يوسف ومحمد وإسحاق(4) . وهو غلط لما بيّنا من عدم اعتبار الشهوة ، ولو تقطّر من بوله قطرة أعاد الوضوء.

وأما إن لم يعلم أنّه مني ، فإن خرج بعد البول لم يجب الغُسل ، ووجب الوضوء ، لأنّ الظاهر أنّه من بقايا البول ، وإن كان قد استبرأ بالبول بعده ، أو اجتهد قبل البول ، واستبرأ فلا شيء ولا وضوء ولا غسل.

ب ـ لو شك في أنّه أنزل أم لا فلا غسل عليه ، ولو شك في أن الخارج مني اعتبره بالصفات ، واللذة ، وفتور الجسد ، لأنّها من الصفات اللازمة في الغالب ، فمع الاشتباه يستند إليها لقول الكاظمعليه‌السلام : « وإن لم يجد شهوة ولا فترة به فلا بأس »(5) .

ج ـ لا يشترط في المريض الدفق ، وتكفي الشهوة وفتور الجسد ،

__________________

الدارمي 1 : 194 ، سنن الترمذي 1 : 186 ، ذيل الحديث 112 ، سنن ابن ماجة 1 : 199/ 607 ، سنن أبي داود 1 : 56 / 217.

1 ـ اللباب 1 : 16 ، المبسوط للسرخسي 1 : 67 ، شرح فتح القدير 1 : 54 ، المجموع 2 : 139 ، فتح العزيز 2 : 126 ، المغني 1 : 233 ، الشرح الكبير 1 : 234.

2 ـ المغني 1 : 233 ، الشرح الكبير 1 : 234 ، الشرح الصغير 1 : 61 ، الجموع 2 : 139 ، فتح العزيز 2 : 125 ، المحلى 2 : 7.

3 ـ حلية العلماء 1 : 172.

4 ـ المغني 1 : 233 ، الشرح الكبير 1 : 234 ، المجموع 2 : 139 ، حلية العلماء 1 : 171.

5 ـ التهذيب 1 : 120 / 317 ، الاستبصار 1 : 104 / 342.

٢٢١

لقصور قوته لقول الصادقعليه‌السلام : « لأنّ الرجل إذا كان صحيحاً جاء الماء بدفقة قوية ، وإن كان مريضاً لم يجئ إلّا بعد »(1) .

د ـ لو شك هل أنزل أم لا لم يجب عليه الغسل.

هـ ـ إذا انتقل الماء إلى الذكر ولم يظهر ، لم يجب الغُسل حتى يظهر ـ وبه قال الشافعي(2) ـ لقولهعليه‌السلام لعليعليه‌السلام : ( إذا فضخت الماء فاغتسل )(3) ، والفضخ : الظهور(4) ، ولأن ما يتعلق به الطهارة يعتبر ظهوره كسائر الأحداث.

وقال أحمد : يجب قبل الظهور لأنّ المعتبر الشهوة وقد حصلت بانتقاله(5) ، والمقدمتان ممنوعتان ، فإن كمالها بظهوره.

و ـ إذا أنزلت المرأة وجب عليها الغُسل ، لأنّ ام سليم امرأة أبي طلحة قالت : يا رسول الله إنّ الله لا يستحي من الحق ، هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال : ( نعم إذا رأت الماء )(6) .

ز ـ لو خرج المني من ثقبة في الذكر أو الانثيين أو الصلب وجب الغسل.

ح ـ لو استدخلت المرأة منيّ الرجل ثم خرج لم يجب عليها الغُسل ، لقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن المرأة تغتسل من الجنابة ثم ترى نطفة

__________________

1 ـ التهذيب : 369 / 1124 ، الاستبصار 1 : 110 / 365 ، الكافي 3 : 48 / 4.

2 ـ المجموع 2 : 140 ، مغني المحتاج 1 : 70 ، كفاية الأخيار 1 : 24.

3 ـ مسند أحمد 1 : 109 ، سنن النسائي 1 : 111 ، سن ابي داود 1 : 53 / 206.

4 ـ اُنظر الفائق 3 : 124 ، النهاية لابن الاثير 3 : 453 ، مادة « فضخ ».

5 ـ المغني 1 : 231 ، الشرح الكبير 1 : 233 ، المجموع 2 : 140.

6 ـ صحيح مسلم 1 : 251 / 313 ، صحيح البخاري 1 : 44 ، سنن النسائي 1 : 114 ، سنن الترمذي 1 : 209 / 122 ، الموطأ 1 : 51 / 85.

٢٢٢

الرجل بعد ذلك هل عليها غسل؟ قال : « لا »(1) .

ولا يجب أيضاً الوضوء عند علمائنا ، خلافاً للشافعي(2) .

وكذا لو وطأها فيما دون الفرج فدب ماؤه إلى فرجها ثم خرج بعد أن اغتسلت ، أو وطأها في الفرج ثم خرج بعد غسلها ، وبه قال قتادة والأوزاعي وإسحاق والشافعي وأحمد(3) .

وقال الحسن : تغتسل ، لأنّه مني خارج فأشبه ماء‌ها(4) .

مسألة 65 : لو احتلم أنّه جامع وأمنى ، ثم استيقظ ولم ير شئيا لم يجب الغُسل إجماعاً ، لأنّ الصادقعليه‌السلام سئل عنه فقال : « ليس عليه الغُسل »(5) .

ولو رأى المني على جسده أو ثوبه وجب الغُسل إجماعاً لأنّه منه ، وإن لم يذكر الاحتلام ، لأنّ الصادقعليه‌السلام سئل عن الرجل يرى في ثوبه المني بعدما يصبح ، ولم يكن رأى في منامه أنّه قد احتلم ، قال : « فليغتسل وليغسل ثوبه ويعيد صلاته »(6) .

فروع :

أ ـ لو استيقظ فرأى بللاً لا يعلم أنّه مني ، فلا غسل ، وإن احتلم بالجماع على إشكال ، لأنّ الطهارة متيقنة والحدث مشكوك.

__________________

1 ـ الكافي 3 : 49 / 3 ، التهذيب 1 : 146 / 413.

2 ـ المجموع 2 : 151.

3 ـ المحلى 2 : 7 ، المجموع 2 : 151 ، المغني 1 : 235 ، الشرح الكبير 1 : 232.

4 ـ المحلى 2 : 7 ، المجموع 2 : 151 ، المغني 1 : 235 ، الشرح الكبير 1 : 232.

5 ـ الكافي 3 : 48 / 1 ، التهذيب 1 : 120 / 316 ، الاستبصار 1 : 109 / 362.

6 ـ التهذيب 1 : 368 / 1118 ، الاستبصار 1 : 111 / 367.

٢٢٣

ب ـ لو رأى في ثوبه المختص منياً وجب عليه الغُسل ، وإن كان قد نزعه ، ما لم يشك في أنّه منيّ آدمي ، ويعيد من آخر نومة فيه إلّا مع ظن السبق ، وقال الشيخ : من آخر غسل رفع به الحدث(1) ، والوجه استحبابه من الوقت الذي يتيقن أنّه لم يكن منه.

ج ـ لو كان مشتركا لم يجب على أحدهما الغُسل ، بل يستحب ، ولا يحرم على أحدهما ما يحرم على الجنب ، ولاحدهما أن يأتم بصاحبه لأنّها جنابة سقط اعتبارها في نظر الشرع ، وقيل : تبطل صلاة المؤتم ، لأنّ الجنابة لا تعدوهما(2) .

السبب الثاني : الجماع ، ويجب به الغُسل بالإجماع ، بشرط التقاءالختانين إن كان في القبل ، بمعنى المحاذاة ، إلّا ما روي عن داود أنّه قال : لا يجب(3) ، لأنّ أبا سعيد الخدري روى عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من جامع ولم يمن فلا غسل عليه )(4) ، وفي بعض الالفاظ : ( من أقحط فلم يكمل فلا غسل عليه )(5) . وأقحط معناه : لم ينزل الماء : مأخوذ من القحط ، وهو انقطاع القطر(6) ، وهو محكي عن أبي ، وزيد ، ومعاذ بن جبل ، وأبي سعيد الخدري ، ثم رجعوا(7) .

والحديث منسوخ ، فإن أبي بن كعب قال : إنّ ذلك رخصة رخص فيها

____________

1 ـ المبسوط للطوسي 1 : 28.

2 ـ القائل هو المحقق في المعتبر : 47.

3 ـ المجموع 2 : 136 ، المغني 1 : 236 ، الشرح الكبير 1 : 235 ، شرح الأزهار 1 : 106.

4 ـ صحيح مسلم 1 : 269 / 343 ، مسند أبي يعلى 2 : 432 / 262 ، ورد مؤداه فيهما.

5 ـ صحيح مسلم 1 : 270 / 345 ، سنن ابن ماجة 1 : 199 / 606 ، مسند أحمد 3 : 21 ، 26 ، 94 ، سنن البيهقي 1 : 165 ، مصنف ابن أبي شيء بة 1 : 89 ، ورد مؤداه في المصادر المذكورة.

6 ـ النهاية لابن الاثير 4 : 17 « قحط ».

7 ـ الكفاية 1 : 56 ، المجموع 2 : 136 ، المبسوط للسرخسي 1 : 68 ، عمدة القارئ 3 : 247 ، المحلى 2 : 4.

٢٢٤

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أول الإسلام ثم أمر بالاغتسال بعد(1) ، وقالعليه‌السلام : ( إذا قعد بين شعبها الأربع وألصق الختان بالختان فقد وجب الغُسل )(2) ، أراد شعبتي رجليها وشعبتي شفريها ، والإلصاق : المقاربة.

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام قال : « قال عليعليه‌السلام : أتوجبون الجلد والرجم ، ولا توجبون صاعا من ماء؟! إذا التقى الختانان وجب الغُسل »(3) .

مسألة 66 : ودبر المرأة كالقبل ، وقاله السيد المرتضى(4) وجماعة من علمائنا(5) ، والجمهور(6) ، لقوله تعالى :( أو لمستُم النساء ) (7) ، ووجوب البدل يستلزم وجوب المبدل ، ولأنّه فرج ومحل الشهوة ، ولقول عليعليه‌السلام : « أتوجبون الجلد والرجم ولا توجبون صاعاً من ماءً »(8) ووجود العلة يستلزم المعلول.

وعن أحدهماعليهما‌السلام : « إذا أدخله فقد وجب الغُسل والمهر والرجم »(9) وادعى المرتضى الاجماع(10) .

__________________

1 ـ سنن أبي داود 1 : 55 / 214 ، 215 ، سنن ابن ماجة 1 : 200 / 609.

2 ـ سنن أبي داود 1 : 56 / 216 ، صحيح البخاري 1 : 80 ، سنن النسائي 1 : 110 ، سنن ابن ماجة 1 : 200 / 610.

3 ـ التهذيب 1 : 119 / 314.

4 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 48.

5 ـ منهم ابن ادريس في السرائر : 19 ، وابن حمزة في الوسيلة : 55 ، والمحقق في المعتبر : 48.

6 ـ المجموع 2 : 132 ، المغني 1 : 237 ، الشرح الكبير 1 : 235 ، الهداية للمرغيناني 1 : 17 ، الكفاية 1 : 56 ، شرح العناية 1 : 56 ، شرح فتح القدير 1 : 56 ، الهداية للأنصاري : 38.

7 ـ المائدة : 6.

8 ـ التهذيب 1 : 119 / 314.

9 ـ التهذيب 1 : 118 / 310 ، الاستبصار 1 : 108 / 358.

10 ـ حكاه عنه المصنف ايضاً في المختلف 1 : 31.

٢٢٥

وقال الشيخ : لا يجب ، ما لم ينزل(1) عملاً بالأصل ، ولأن المقتضي التقاء الختانين ، أو الإنزال ، وهما منفيّان.

والأصل يترك للمعارض ، وحصر السبب ممنوع.

مسألة 67 : وفي دبر الغلام قولان ، أحدهما : الوجوب ـ وهو قول الشافعي وأحمد(2) ـ قاله المرتضى(3) ، لقول عليعليه‌السلام : « أتوجبون عليه الجلد والرجم ولا توجبون عليه صاعا من ماء؟! »(4) والمعلول تابع ، ولأن الدليل قائم في دبر المرأة ، فكذا الغلام لعدم الفارق.

والثاني : العدم إلّا مع الإنزال ، والمعتمد الاول.

أما فرج البهيمة فقال الشيخ : لا نصّ فيه فلا غسل لعدم الدليل(5) ، وبه قال أبو حنيفة(6) ، لأنّه غير مقصود فأشبه إيلاج الاصبع.

وقال الشافعي وأحمد : يجب الغُسل(7) ، لقولهعليه‌السلام : ( إذا قعد بين شعبها الأربع )(8) ولأنّه مكلف أولج الحشفة منه في الفرج ، فوجب

____________

1 ـ الاستبصار 1 : 112 ذيل الحديث 373.

2 ـ المجموع 2 : 132 ، مغني المحتاج 1 : 69 ، كفاية الأخيار 1 : 23 ، السراج الوهاج : 20 ، المغني 1 : 235 ، الشرح الكبير 1 : 235.

3 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 48.

4 ـ التهذيب 1 : 119 / 314.

5 ـ المبسوط للطوسي 1 : 28 ، الخلاف 1 : 117 مسألة 59.

6 ـ الهداية للمرغيناني 1 : 17 ، شرح العناية 1 : 56 ، عمدة القارئ 3 : 252 ـ 253 ، شرح الأزهار 1 : 106 ، المجموع 2 : 136 ، فتح العزيز 2 : 117 ، الوجيز 1 : 17 ، المغني 1 : 237 ، الشرح الكبير 1 : 235.

7 ـ المجموع 2 : 136 ، فتح العزيز 2 : 117 ، مغني المحتاج 1 : 69 ، كفاية الأخيار 1 : 23 ، الوجيز 1 : 17 ، المغني 1 : 237 ، الشرح الكبير 1 : 235 ، الاُم 1 : 37.

8 ـ سنن أبي داود 1 : 56 / 216 ، سنن النسائي 1 : 110 ـ 111 ، سنن ابن ماجة 1 : 200 / 610 ، مسند أحمد 2 : 520 ، صحيح البخاري 1 : 80 ، صحيح مسلم 1 : 271 / 348.

٢٢٦

الغسل كقُبل المرأة.

فروع :

أ ـ لا يعتبر في الإيلاج الشهوة ولا الإنزال بالإجماع ، فلو أولج في فرج العجوز الشوهاء وجب الغسل.

ب ـ لا فرق بين الفاعل والمفعول في وجوب الغُسل ، سواء كان الموطوء ذكراً أو أنثى.

ج ـ لو أولج في فرج الميت وجب الغُسل ، وبه قال الشافعي وأحمد(1) للعموم.

وقال أبو حنيفة : لا يجب لأنّه غير مقصود(2) ، وينتقض بالعجوزة الشوهاء.

د ـ لو أولج بعض الحشفة لم يجب شيء حتى يولج جميعها.

هـ ـ كيف حصل الإيلاج وجب الغُسل ، فلو أدخلت فرجه في فرجها وهو نائم لا يعلم وجب عليهما الغُسل ، وبالعكس.

و ـ لو أولج فيما دون القُبل والدبر لم يجب الغُسل إلّا مع الإنزال ، كالسرة وشبهها إجماعا.

ز ـ لو أولج رجل في فرج خنثى مشكل ، فإن أولج في دبره وجب الغُسل ، وإن أولج في قبله ، قال بعض علمائنا : لم يجب(3) ـ وبه قال

__________________

1 ـ المجموع 2 : 132 ، فتح العزيز 2 : 117 ، الوجيز 1 : 17 ، كفاية الأخيار 1 : 23 ، الاُم 1 : 37 ، مغني المحتاج 1 : 69 ، المغني 1 : 237 ، الشرح الكبير 1 : 235.

2 ـ شرح فتح القدير 1 : 56 ، عمدة القارئ 3 : 253 ، 254 ، الوجيز 1 : 17 ، المجموع 2 : 136 ، فتح العزيز 2 : 117 ، المغني 1 : 237 ، الشرح الكبير 1 : 235.

3 ـ منهم المحقق الحلّي في المعتبر : 48.

٢٢٧

الشافعي(1) ـ لجواز أن يكون رجلاً ويكون ذلك عضواً زائداً من البدن ، ولو قيل بالوجوب كان وجهاً لقولهعليه‌السلام : ( إذا التقى الختانان فقد وجب الغُسل )(2) ، ولوجوب الحد به.

فلو أولجت هذه الخنثى في فرج امرأة ، قال بعض علمائنا والشافعي : وجب الغُسل على الخنثى خاصة(3) ، لأنّه إن كان رجلاً فقد أولج في فرج امرأة ، وإن كان امرأة فقد أولج الرجل في فرجها.

ولو أولج الخنثى في فرج امرأة فلا شيء على الخنثى لاحتمال أن يكون زائدا ، ويحتمل الوجوب للعموم(4) .

وقال الشافعي : يجب على المرأة الوضوء لخروج خارج من فرجها(5) ، ويحتمل عندي الغسل.

ولو أولج الخنثى في دبر الغلام فالأقرب عندي الغُسل عليهما ، وقيل : لاشئ على الخنثى لاحتمال أن يكون امرأة(6) ، وقال الشافعي : يجب على الغلام الوضوء بخروج شيء من دبره(7) .

ولو أولج خنثى في فرج خنثى فعلى ما قيل لا شيء عليهما ، لاحتمال ان يكونا رجلين.

ح ـ ولو أولج الصبي في الصبية تعلق بهما حكم الجنابة على إشكال

__________________

1 ـ المجموع 2 : 51 ، فتح العزيز 2 : 121 ، المهذب للشيرازي 1 : 36.

2 ـ مسند أحمد 6 : 239 ، سنن البيهقي 1 : 163.

3 ـ المجموع 2 : 51 ، فتح العزيز 2 : 121.

4 ـ اشار بذلك إلى حديث : إذا التقى الختانان فقد وجب الغُسل ، راجع مسند أحمد 6 : 239 ، وسنن البيهقي 1 : 163.

5 ـ فتح العزيز 2 : 121.

6 ـ القائل هو المحقق في المعتبر : 48.

7 ـ المجموع 2 : 51 ، فتح العزيز 2 : 121 ، مغني المحتاج 1 : 69.

٢٢٨

فيمنعان من المساجد ، وقراء‌ة العزائم ، ومس كتابة القرآن ، ويجب عليهما الغُسل بعد البلوغ ، وفي الاكتفاء بالغسل الأول عنه إشكال ، أقربه ذلك.

ولو أولج الصبي في البالغة ، أو البالغ في الصبية تعلق الحكم بالبالغ قطعاً ، وبالصبي على إشكال.

ط ـ لو أولج مقطوع الحشفة فأقوى الاحتمالات الوجوب لو غيب قدرها أو جميع الباقي ، وبهما قال الشافعي(1) ، والسقوط.

ي ـ لو لفّ خرقة على ذكره وأولج وجب الغُسل للعموم(2) ، وهو أحد وجوه الشافعية ، والعدم ، والفرق بين اللينة والخشنة(3) .

يا ـ لو استدخلت ذكراً مقطوعاً فوجهان كالشافعية(4) ، وكذا ذكر الميت والبهم.

ولو استدخلت ماءً الرجل فلا غسل ولا وضوء وإن خرج ، وعند الشافعية يجب الوضوء لو خرج(5) .

المطلب الثاني : في الغسل

و فيه بحثان :

الأول : في واجباته : وهي أربعة :

الأول : النيّة ، وقد تقدمت وهي شرط ، ويستحب إيقاعها عند غسل

__________________

1 ـ المجموع 2 : 133 ـ 134 ، فتح العزيز 2 : 116 ـ 117.

2 ـ أشار إلى عموم حديث : إذا التقى الختانان فقد وجب الغُسل ، راجع مسند أحمد 6 : 239 ، سنن البيهقي 1 : 163.

3 ـ المجموع 2 : 134 ، فتح العزيز 2 : 118 ـ 119 ، مغني المحتاج 1 : 69.

4 ـ المجموع 2 : 133 ، مغني المحتاج 1 : 71.

5 ـ المجموع 2 : 151.

٢٢٩

الكفين لأنّه أول أفعال الطهارة ، وتتضيق عند غسل الرأس ، فلو شرع فيه قبل فعلها وجب الاستئناف بعده ، ويجب استدامتها حكماً دفعا لمشقة الاستحضار دائما.

و لا بدّ من نيّة غسل الجنابة ، أو رفع الحدث وإن أطلق ، لأنّ الحدث هو المانع من الصلاة ، وهو أظهر وجهي الشافعي(1) ، فإن نوى رفع الاصغر متعمّداً لم يصح غسله ، وهو أظهر وجهي الشافعي(2) ، وكذا إنّ سهى ، وللشافعي في رفع الحدث عن أعضاء الوضوء وجهان(3) .

و لو نوت الحائض استباحة الوطء صحّ الغُسل ، وللشافعي وجهان(4) .

الثاني : غسل البشرة بما يسمى غسلاً بالإجماع والنص(5) ، فالدهن إنّ تحقق معه الجريان أجزأ وإلّا فلا ، لأنّ علياًعليه‌السلام كان يقول : « الغُسل من الجنابة والوضوء يجزي منه ما أجزأ مثل الدهن الذي يبل الجسد »(6) فشرط الجريان.

الثالث : إجراء الماء على جميع ظاهر البدن والرأس واصول الشعر كلّه ، خف أو كثف ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( تحت كلّ شعرة جنابة ، فبلّوا الشعر وأنقوا البشرة )(7) ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه

____________

1 ـ المجموع 1 : 322 ، كفاية الأخيار 1 : 24 ، مغني المحتاج 1 : 72 ، فتح العزيز 2 : 163.

2 ـ كفاية الأخيار 1 : 24 ، المجموع 1 : 332 ، فتح العزيز 2 : 163 ، مغني المحتاج 1 : 72.

3 ـ المجموع 1 : 322 ، فتح العزيز 2 : 163 ، كفاية الأخيار 1 : 24.

4 ـ المجموع 1 : 323 ، فتح العزيز 2 : 163 ـ 164.

5 ـ اُنظر على سبيل المثال : التهذيب 1 : 131 / 362 وما بعدها ، والاستبصار 1 : 118 / 398 و 123 / 419.

6 ـ التهذيب 1 : 138 / 385 ، الاستبصار 1 : 122 / 414.

7 ـ سنن أبي داود 1 : 65 / 248 ، سنن الترمذي 1 : 178 / 106 ، سنن ابن ماجة 1 : 196 / 597.

٢٣٠

السلام : من ترك شعرة من الجنابة متعمّداً فهو في النار(1) .

و لو لم يصل إلّا بالتخليل وجب ، ومن عليه خاتم ضيّق ، أو دملج ، أو سير وجب إيصال الماء إلى ما تحته ، إمّا بالتحريك أو النزع ، ولو كان يصل الماء استحب تحريكه والتخليل ، ويغسل ظاهر اذنيه وباطنهما ، ولا يدخل الماء فيما بطن من صماخه ، ولا يجب غسل باطن الفم والانف ، ولا غيرهما.

الرابع : الترتيب ، يبدأ برأسه ، ثم جانبه الأيمن ، ثم الأيسر ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، إلّا المرتمس وشبهه لأنّ عائشة قالت : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخلّل شعره ، فإذا ظن أنّه أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات ، ثم غسل سائر جسده(2) ، وعن ميمونة ، وساقت الحديث حتى أفاضعليه‌السلام على رأسه ثم غسل جسده(3) . فيجب اتّباعه.

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام وقد سأله زرارة كيف يغتسل الجنب؟ إلى أن قال : « ثم صب على رأسه ثلاث أكف ، ثم صب على منكبه الأيمن مرتين ، وعلى منكبه الأيسر مرتين »(4) وتقديم الرأس يوجب تقديم الأيمن لعدم الفارق ، ولأن المأتي به بياناً إن كان غير مرتب وجب ، وليس كذلك بالإجماع فتعين الترتيب ، وقال الجمهور : لا يجب(5) بالأصل.

____________

1 ـ التهذيب 1 : 135 / 373.

2 ـ صحيح البخاري 1 : 76 ، سنن النسائي 1 : 205 ، سنن البيهقي 1 : 175.

3 ـ صحيح البخاري 1 : 77 ، سنن الترمذي 1 : 174 / 103 ، سنن البيهقي 1 : 177 ، سنن النسائي 1 : 137.

4 ـ الكافي 3 : 43 / 3.

5 ـ المجموع 2 : 197 ، المغني 1 : 252 ـ 253 ، الشرح الكبير 1 : 249 ، الشرح الصغير 1 : 65 ، بدائع الصنائع 1 : 17 ـ 18 و 34.

٢٣١

فروع :

الأول : يسقط الترتيب عن المرتمس دفعة واحدة ، لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك عن غسله »(1) .

وقال بعض علمائنا : يرتّب حكماً(2) .

الثاني : قال المفيد : لا ينبغي أن يرتمس في الراكد ، فإنه إن كان قليلاً أفسده(3) . وليس بجيد لما بيّنا من بقاء الطهورية بعد الاستعمال.

الثالث : لو وقف تحت الغيث حتى بل جسده طهر مع الجريان وإن لم يرتّب ـ خلافاً لبعض علمائنا(4) ـ لقول الكاظمعليه‌السلام وقد سئل أيجزي الجنب أن يقوم في القطر حتى يغسل رأسه وجسده ، وهو يقدر على ما سوى ذلك؟ : « إن كان يغسله اغتساله بالماء أجزأه ذلك »(5) وكذا البحث في الميزاب وشبهه.

البحث الثاني : في مسنوناته

وهي :

الأول : الاستبراء بالبول للمنزل الذكر ، فإن تعذر مسح من المقعدة إلى أصل القضيب ثلاثاً ، ومنه إلى رأسه ثلاثاً ، وينتره ثلاثاً ، وعصر رأس

__________________

1 ـ الكافي 3 : 43 / 5 ، التهذيب 1 ، 149 / 423 ، الاستبصار 1 : 125 / 424.

2 ـ وهو سلار كما في المراسم : 42 ، وهذا اختيار الشيخ في الاستبصار 1 : 125 ذيل الحديث 424 ، والمصنف في المختلف : 32.

3 ـ المقنعة : 6.

4 ـ منهم المحقق الحلّي في المعتبر : 49.

5 ـ التهذيب 1 : 149 / 424 ، الاستبصار 1 : 125 / 425 ، الفقيه 1 : 14 / 27 ، قرب الاسناد : 85.

٢٣٢

الحشفة ، وليس واجباً عند أكثر علمائنا(1) ، للأصل ، ولقوله تعالى :( فاطّهّروا ) (2) عقَّبَ به القيام ، وأذن في الدخول بعد الاغتسال ، وقال الشيخ بالوجوب(3) .

فروع :

أ ـ لا استبراء بالجماع من غير إنزال ، ولا على المرأة لاختلاف المخرجين.

ب ـ لو أخل بالاستبراء ، فإن لم يجد بللاً صحّ غسله ولا شيء ، وإن وجد بللاً فإن علمه منيا ، أو اشتبه وجب إعادة الغُسل دون الصلاة السابقة على الوجدان ، وإن علمه غير مني فلا شيء.

ج‍ ـ لو استبرأ بالبول ولم يستبرئ منه ثم وجد البلل ، فإن علمه منيا أعاد الغُسل خاصة ، وإن اشتبه فالوضوء ، وكذا إنّ اشتبه بالبول.

ولو استبرأ منهما ثم وجد المشتبه ، فلا غسل ، ولا وضوء لقول الصادقعليه‌السلام : « إنّه من الحبائل »(4) .

الثاني : غسل اليدين ثلاثاً قبل إدخالهما الإناء.

الثالث : المضمضة والاستنشاق ثلاثاً ثلاثا ، وقد تقدم.

الرابع : إمرار اليد على الجسد ، وليس واجباً ، ذهب إليه علماؤنا

__________________

1 ـ منهم السيد المرتضى في الناصريات : 224 المسألة 39 ، والمحقق الحلّي في المعتبر : 49 وابن إدريس في السرائر : 21.

2 ـ المائدة : 6.

3 ـ المبسوط للطوسي 1 : 29.

4 ـ الفقيه 1 : 47 / 10.

٢٣٣

أجمع ، والشافعي وأكثر العلماء(1) ، للأصل ، ولقولهعليه‌السلام لام سلمة وقد سألته عن غسل الجنابة : ( إنّما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات من ماءً ثم تفيضي الماء على سائر جسدك ، فإذا أنت قد طهرت )(2) .

وقال مالك والمزني : إمرار اليد إلى حيث تنال واجب(3) ، لقوله تعالى :( حتى تغتسلوا ) (4) ولا يقال : اغتسل إلّا من دلك جسده ، ولأن ّالتيمم يجب فيه إمرار اليد ، فكذا الغسل.

ويبطل بقولهم : غسل الإناء وإن لم يمرّ اليد ، وكذا غسل يده ، والتراب يتعذر إمراره إلّا باليد ، ولأنّ المسح يتوقف عليه ، نعم لو لم يصل الماء إلا بالامرار وجب.

وكذا تخليل الاُذنين إن لم يصبهما الماء.

الخامس : الغُسل بصاع ، وليس واجباً للامتثال لو حصل بدونه ، ولقول الباقرعليه‌السلام : « الجنب ما جرى عليه الماء من جسده »(5) وقال أبو حنيفة : يجب(6) وقد تقدم.

السادس : لا يجب غسل المسترسل من الشعر ، ويستحب عملاً بالأصل ، ويجب غسل اصوله في جميع الرأس والبدن.

__________________

1 ـ المغني 1 : 251 ، الشرح الكبير 1 : 247 ، المجموع 2 : 185 ، فتح العزيز 2 : 185 ، كفايةالاخيار 1 : 26 ، مغني المحتاج 1 : 74 ، عمدة القارئ 3 : 192 ، المحلى 2 : 30.

2 ـ سنن أبي داود 1 : 65 / 251 ، سنن إبن ماجة 1 : 198 / 603 ، سنن الترمذي 1 : 176 / 105.

3 ـ بداية المجتهد 1 : 44 ، المدونة الكبرى 1 : 27 ، المبسوط للسرخسي 1 : 45 ، عمدة القارئ 3 : 192 ، المجموع 2 : 185 ، فتح العزيز 2 : 185 ، بُلغة السالك 1 : 43 ، والشرح الصغير 1 : 43.

4 ـ النساء : 43.

5 ـ الكافي 3 : 21 / 4 ، التهذيب 1 : 137 / 380 ، الاستبصار 1 : 123 / 416.

6 ـ المبسوط للطوسي 1 : 45 ، بدائع الصنائع 1 : 35 ، فتح العزيز 2 : 191 ، المغني 1 : 256 ، الشرح الكبير 1 : 256.

٢٣٤

وقال الشافعي : يجب غسل المسترسل(1) .

السابع : ينبغي أن يبدأ أولاً بغسل النجاسة عن بدنه ، فلو غسل رأسه قبله صحّ ، وهل يكفي غسلها عن غسل محلّها؟ إشكال ، وللشافعي فيه وجهان(2) .

المطلب الثالث : في الاحكام

مسألة 68 : يحرم على الجنب قراء‌ة الغزائم ، وهي أربع سور : سجدة لقمان ، وحم السجدة ، والنجم ، واقرأ باسم ربك ، دون ما عداها ، ويكره ما زاد على سبع آيات من غيرها ، ويتأكد ما زاد على سبعين.

أما تحريم العزائم فإجماع أهل البيتعليهم‌السلام عليه ، ولقول الباقرعليه‌السلام : « الجنب والحائض يفتحان المصحف من وراء الثياب ويقرآن من القرآن ما شاء‌آ إلّا السجدة »(3) .

و أما تسويغ غيرها فلقوله تعالى :( فاقرؤا ما تيسر منه ) (4) ، وللأصل ، ولقول الصادقعليه‌السلام ، وقد سئل أتقرأ النفساء والجنب والحائض شيئا من القرآن؟ : « يقرؤون ما شاؤا »(5) .

والجمهور لم يفرقوا بين العزائم وغيرها ، ثم اختلفوا ، فقال الشافعي :

__________________

1 ـ المجموع 2 : 184 ، كفاية الأخيار 1 : 25 ، مغني المحتاج 1 : 73 ، الاُم 1 : 40 ، السراج الوهاج : 21.

2 ـ المجموع 2 : 199 ، مغني المحتاج 1 : 75 ، كفاية الأخيار 1 : 25 ، السراج الوهاج 1 : 22 ، فتح العزيز 2 : 171.

3 ـ التهذيب 1 : 371 / 1132.

4 ـ المزمل : 20.

5 ـ التهذيب 1 : 128 / 348.

٢٣٥

الجنب والحائض لا يجوز لهما قراء‌ة شيء من القرآن(1) ، لأنّ علياًعليه‌السلام قال : « إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن يحجبه عن قراء‌ة القرآن شيء إلّا الجنابة »(2) وحكى ابن المنذر عن أبي ثور أنّه حكى عن الشافعي جواز أن تقرأ الحائض(3) .

وروي كراهة القراء‌ة عن عليعليه‌السلام ، وعمر ، والحسن البصري ، والنخعي ، والزهري ، وقتادة(4) ، لأنّ عبد الله بن رواحة رأته امرأته مع جاريته فذهبت لتأخذ سكيناً ، فقال : ما رأيتني أليس نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقرأ أحدنا وهو جنب؟ فقالت : إقرأ ، فقال :

شهدت بأنّ وعد الله حق

وأنّ النار مثوى الكافرينا

وأنّ العرش فوق الماء طاف

وفوق العرش ربّ العالمينا

تحمله ملائكة شداد

ملائكة الاله مسومينا

فقالت : صدق الله وكذب بصري ، فجاء إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبر فضحك حتى بدت نواجذه(5) ، وهذا يدل على اشتهار النهي بين الرجال والنساء.

وقال عبد الله بن عباس : يقرأ ورده وهو جنب(6) . وقيل لسعيد بن المسيب : أيقرأ الجنب؟ فقال : نعم ، أليس هو في جوفه ، وبه قال داود ،

__________________

1 ـ المجموع 2 : 156 و 158 ، فتح العزيز 2 : 133 ـ 134 ، مغني المحتاج 1 : 72.

2 ـ سنن ابن ماجة 1 : 195 / 594 ، سنن النسائي 1 : 144 ، سنن أبي داود 1 : 59 / 229 ، مسند أحمد 1 : 124.

3 ـ المجموع 2 : 356 ، فتح العزيز 2 : 143.

4 ـ المغني 1 : 165.

5 ـ المجموع 2 : 159.

6 ـ المغني 1 : 165 ، المجموع 2 : 158 ، شرح الأزهار 1 : 107 ، الشرح الكبير 1 : 240.

٢٣٦

وابن المنذر(1) ، لأنّ عائشة قالت : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن يترك ذكر الله على كلّ أحيانه(2) ، ولا دلالة فيه.

وقال أبو حنيفة ، وأحمد : يقرأ دون الآية ، لعدم إجزائها في الصلاة فصارت كالاذكار(3) .

وقال مالك : الحائض تقرأ القرآن ، والجنب يقرأ آيات يسيرة ، لأنّ الحائض يطول أيامها ويكثر ، فلو منعناها من القرآن نسيت(4) .

وقال الأوزاعي : لا يقرأ الجنب إلّا آية الركوب والنزول والصعود(5) ( سبحان الذي سخر لنا هذا ) (6) ( رب أنزلني منزلاً مباركاً ) (7) .

فروع :

الأول : لو تيمم لضرورة ففي جواز قراء‌ة العزائم إشكال.

الثاني : أبعاض العزائم كهي في التحريم ، حتى البسملة إذا نواها منها.

الثالث : إذا لم يجد ماء‌اً ولا تراباً صلّى مع حدثه ، وقرأ ما لا بدّ له من

__________________

1 ـ المغني 1 : 165 ، المجموع 2 : 158 ، شرح الأزهار 1 : 107 ، الشرح الكبير 1 : 240 ، المحلى 1 : 79 و 80.

2 ـ صحيح مسلم 1 : 282 / 373 ، سنن أبي داود 1 : 5 / 18 ، سنن ابن ماجة 1 : 110 / 302.

3 ـ المغني 1 : 165 ـ 166 ، الشرح الكبير 1 : 240 ـ 241 ، شرح الأزهار 1 : 107 ، المحلى 1 : 78 ، شرح فتح القدير 1 : 148 ، نيل الأوطار 1 : 284 ، المجموع 2 : 158 ، الوجيز 1 : 18 ، فتح العزيز 2 : 134.

4 ـ المحلى 1 : 78 ، شرح الأزهار 1 : 107 ، المغني 1 : 165 ، الشرح الكبير 1 : 240 ، بداية المجتهد 1 : 49 ، المجموع 2 : 158 ، الوجيز 1 : 18 ، فتح العزيز 2 : 134 ، بُلغة السالك 1 : 67 ، الشرح الصغير 1 : 67 و 81.

5 ـ المغني 1 : 165 ، الشرح الكبير 1 : 240.

6 ـ الزخرف : 13.

7 ـ المؤمنون : 29.

٢٣٧

قراء‌ته عند الشافعي(1) للضرورة.

الرابع : لا يمنع من شيء من الأذكار حتى اسمه تعالى.

مسألة 69 : ويحرم عليه مسّ كتابة القرآن ، وعليه إجماع العلماء(2) ـ إلّا داود(3) ـ لقوله تعالى :( لا يمسه الا المطهرون ) (4) وقد تقدم ، ويحرم عليه أيضاً مسّ اسمه تعالى في أي شيء كان ، لما فيه من التعظيم لشعائر الله ، وقول الصادقعليه‌السلام : « لا يمس الجنب درهماً ولا ديناراً عليه اسم الله تعالى »(5) .

قال الشيخان : ويحرم أيضاً مسّ أسماء أنبياء الله ، والائمةعليهم‌السلام تعظيماً لهم(6) .

مسألة 70 : الاشهر بين علمائنا تحريم الاستيطان في المساجد ، وبه قال الشافعي ، وسعيد بن المسيب ، والحسن البصري ، وعطاء ، ومالك ، وأبو حنيفة(7) ، لقوله تعالى :( ولا جنباً إلّا عابري سبيل ) (8) ، وقوله عليه

__________________

1 ـ المجموع 2 : 163 ، فتح العزيز 2 : 142 ، مغني المحتاج 1 : 72.

2 ـ المغني 1 : 168 ، الشرح الكبير 1 : 228 ، المجموع 2 : 72 ، فتح العزيز 2 : 97 ، تفسير القرطبي 17 : 226 ، عمدة القارئ 3 : 63 ، شرح فتح القدير 1 : 149 ، بدائع الصنائع 1 : 33 ، بداية المجتهد 1 : 49 ، بُلغة السالك 1 : 57 ، الشرح الصغير 1 : 57 ، شرح الأزهار 1 : 107.

3 ـ المغني 1 : 168 ، الشرح الكبير 1 : 228 ، المجموع 2 : 72.

4 ـ الواقعة : 79.

5 ـ التهذيب 1 : 126 / 340 ، الاستبصار 1 : 113 / 374.

6 ـ المبسوط للطوسي 1 : 29 ، وحكى قول الشيخ المفيد المحقق في المعتبر : 50.

7 ـ المجموع 2 : 160 ، فتح العزيز 2 : 144 و 146 ، بداية المجتهد 1 : 48 ، مغني المحتاج 1 : 71 ، كفاية الأخيار 1 : 49 ، بُلغة السالك 1 : 67 ، الشرح الصغير 1 : 67 ، الهداية للمرغيناني 1 : 31 ، شرح العناية 1 : 146.

8 ـ النساء : 43.

٢٣٨

السلام : ( لا اُحل المسجد لحائض ولا جنب )(1) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام عن الجنب يجلس في المسجد ، قال : « لا ، ولكن يمرّ فيها كلها إلّا المسجد الحرام ، ومسجدالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(2) .

وقال أحمد وإسحاق : إذا توضأ جاز له اللبث فيه ، لأنّ الصحابة إذا كان أحدهم جنباً توضأ ودخل المسجد ، وتحدّث(3) ، ويحمل على العبور أو الغسل.

وقال المزني ، وداود ، وابن المنذر : يجوز اللبث وإن لم يتوضأ ، لأنّ الكافر يجوز له الدخول ولا يخلو من الجنابة ، فالمسلم أولى(4) . ونمنع الاصل.

فروع :

الأول : لا بأس بالاجتياز من غير لبث ـ وبه قال ابن عباس ، وابن مسعود ، وابن جبير ، وسعيد بن المسيب ، والحسن ، وعطاء ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وداود ، والمزني ، وابن المنذر(5) ـ لقوله تعالى :( إلا عابري سبيل ) (6) .

__________________

1 ـ سنن أبي داود 1 : 60 / 232.

2 ـ الكافي 3 : 50 / 4 ، التهذيب 1 : 125 / 338.

3 ـ المغني 1 : 168 ، الشرح الكبير 1 : 242 ، المجموع 2 : 160 ، فتح العزيز 2 : 148 ، تفسير القرطبي 5 : 206 ، نيل الأوطار 1 : 288.

4 ـ المجموع 2 : 160 ، فتح العزيز 2 : 148 ، تفسير القرطبي 5 : 206 ، نيل الأوطار 1 : 288.

5 ـ المجموع 2 : 160 ، المغني 1 : 166 ، الشرح الكبير 1 : 241 ، السراج الوهاج : 21 ، تفسير القرطبي 5 : 206 : التفسير الكبير 10 : 108 ، نيل الأوطار 1 : 287 ، كفاية الأخيار 1 : 50 ، واُنظر سنن البيهقي 2 : 443 ، مصنف ابن ابي شيء بة 1 : 146.

6 ـ النساء : 43.

٢٣٩

وقال جابر : كان أحدنا يمّر في المسجد وهو جنب مجتاز(1) ، والظاهرأنهم لم يفعلوا ذلك في زمانهعليه‌السلام إلّا بإذنه.

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « لكن يمرّ فيها »(2) .

وقال مالك : لا يجوز له العبور بحال ـ وهو قول أصحاب الرأي(3) ـ لقولهعليه‌السلام : ( لا اُحل المسجد لجنب ولا حائض )(4) ولأن من لا يجوز له اللبث لا يجوز له العبور ، كالغاصب ، ونحن نقول بالحديث إذ المراد مسجدهعليه‌السلام ، ونمنع القياس ، لأنّ التصرف في الأصل ممنوع مطلقاً.

الثاني : لا يحل للجنب ولا للحائض الاجتياز في مسجد مكة ، ومسجد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة ، ذهب إليه علماؤنا ـ ولم يفرق الجمهور(5) ـ لقولهعليه‌السلام : ( لا اُحل المسجد لجنب ولا حائض )(6) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « إلّا المسجد الحرام ، ومسجد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »(7) .

الثالث : لو أجنب في أحد المسجدين تيمم واجباً وخرج للاغتسال ،

__________________

1 ـ المجموع 2 : 160 ، المغني 1 : 166 ، أحكام القرآن لابن العربي 1 : 436 ، نيل الاوطار 1 : 287 ، واُنظر سنن البيهقي 2 : 443 ، مصنف ابن أبي شيء بة 1 : 146.

2 ـ الكافي 3 : 50 / 4 ، التهذيب 1 : 125 / 338.

3 ـ بداية المجتهد 1 : 48 ، بُلغة السالك 1 : 67 ، الشرح الصغير 1 : 67 ، فتح العزيز 2 : 148 ، نيل الأوطار 1 : 287 ، اللباب 1 : 43 ، المجموع 2 : 160 ، المغني 1 : 166 ، الشرح الكبير 1 : 241 ، شرح فتح القدير 1 : 146 ، الهداية للمرغيناني 1 : 631 الكفاية 1 : 146 ، شرح العناية 1 : 146.

4 ـ سنن أبي داود 1 : 60 / 232 وورد نحوه في سنن ابن ماجة 1 : 212 / 645.

5 ـ المجموع 2 : 160 و 172 ، فتح العزيز 2 : 148 ، المغني 1 : 166 ، الشرح الكبير 1 : 241 ، بداية المجتهد 1 : 48 ، شرح فتح القدير 1 : 146 ، اللباب 1 : 43 ، بُلغة السالك 1 : 67 ، نيل الأوطار 1 : 287.

6 ـ سنن ابي داود 1 : 60 / 232 ، وورد نحوه في سنن ابن ماجة 1 : 212 / 645.

7 ـ الكافي 3 : 50 / 4 ، التهذيب 1 : 125 / 338.

٢٤٠

تُخرج بعد ذلك سالمةً ...

أمّا الذي حدث للقرآن العظيم، فأمرٌ مهول تكاد السماوات ينفرطن - بالنون - وليس بالتاء، إذ هذه لها قراءة بالتاء عند بعضهم! - للذي كان من عثمان بحرق العراق، ويأتي بلفظ تمزيقه ...! وفي كلٍّ سوء أدب، وجاهليّة، ومروق على أمر الله تعالى وطاعته.

«وبسندٍ عالٍ عن زيد بن ثابت، أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قدم من غزوة غزاها بفرج أرمينية فحضرها أهلُ العراق وأهلُ الشام، فإذا أهلُ العراق يقرؤون بقراءة عبد الله بن مسعود ويأتون بما لم يسمع أهلُ الشام؛ ويقرأ أهلُ الشام بقراءة أُبَيِّ بن كَعْب، ويأتون بما لم يسمع أهل العراق. قال: فأمرني عثمان أن أكتب له مصحفاً فكتبتُه. فلمّا فرغتُ منه عَرَضَه(١) .

هذا حالُ المسلمين في صدر الإسلام وهم قريبوا عهد بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يُكفّر أحدهم الآخر بسبب القراءة لما أشاعته السياسة المانعة من الحديث بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى بالأخذ بقراءة ابن مسعود، وأشاع آخرون أن أُبَيّاً هو سيّد القرّاء - ستعرف -؛ ولذا تمسّك أهل العراق بقراءة ابن مسعود وكلّما سمعوا شيئاً غيره فهو جديد عليهم وظنّوه كفراً وخروجاً على القرآن؛ وكذا حال أهل الشام.

ولكن لِمَ هذا التعميم؟! وأين الطبقة السابقة إلى الإسلام وأسبقها عليّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ، من غير خلاف والذي كان يهتف ويمدّ بها صوته: أنا الصدِّيق الأكبر وفاروق هذه الأمّة صلّيت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سبع سنوات ولم يصلِّ معنا

____________________

(١) تاريخ المدينة المنوّرة ٣: ٩٩٣، فتح الباري ٩: ١٤ - ١٥، الجامع للأصول ٤: ٣٣.

٢٤١

أحد». هلاّ رجع عثمان إليه فاستشاره ماذا يفعل بالصحف، مثلما كان يستشيره أبوبكر، وعمر في أُمورهم المهمّة مثل الحروب؟! ويقتدي بفعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ ائتمن أمير المؤمنين عليّاًعليه‌السلام على ودائع قريش التي كانت عنده حينما هاجر وأمر عليّاًعليه‌السلام بالمبيت على فراشه؟! أو جعلها عنده أمانة إلى حين ...؟!

عثمان يُشقّق المصاحف

عن سوار بن شبيب قال: دخلتُ على ابن الزبير في نفر فسألته عن عثمان ابن عفّان، لِمَ شقّق المصاحف، ولِمَ حمى الحِمَى؟ فقال: قوموا حَرُوريّة(١) ، قلنا: لا والله ما نحن حروريّة. قال: قام إلى أمير المؤمنين عمر رجلٌ فيه كذِبٌ وَوَلع، فقال: يا أمير المؤمنين إنّ الناس قد اختلفوا في القراءة، فكان عمر قد همَّ أن يجمع المصاحف فيجعلها على قراءة واحدة، فطُعِن طعْنَته التي مات منها. فلمّا كان في خلافة عثمان قام ذلك الرجلُ فذكر له، فجمع عثمان المصاحف، ثمّ بعثني إلى عائشة فجئتُ بالصُّحُف التي كتب فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله القرآن فعرضناها حتّى قَوَّمْنَاها، ثمّ أمر بسائرها فشُقِّقَت(٢) .

إن تشقيق المصحف وحرقه سواء، فهما عدوان على القرآن الكريم وهتك حرمته وفعله هذا من الكبائر!

____________________

(١) الحرورية: طائفة من الخوارج تُنسب إلى حروراء بقرب الكوفة فقد كان اجتماعهم بها لأوّل مرّة للتحكيم حين خالفوا أمير المؤمنين عليّاًعليه‌السلام وتشدّدوا في أمرهم (الوسيط للمجمع اللغوي).

(٢) تاريخ المدينة المنوّرة ٣: ٩٩١.

٢٤٢

اختلاف وزيادة ونقصان!

حدّثنا عبد الأعلى بن الحكم الكلابيّ، قال: أتيتُ دار أبي موسى الأشعريّ فإذا حذيفة بن اليمان، وعبد الله بن مسعود، وأبو موسى الأشعريّ فوق إجّار(١) فقلتُ: هؤلاء والله الذين أُريد، فأخذت أرتقي لهم حتّى جلستُ إليهم فإذا عندهم مصحف أرسل به عثمان فأمرهم أن يقيموا مصاحفهم عليه.

فقال أبو موسى: ما وجدتم في مصحفي هذا من زيادة فلا تنقصوها، وما وجدتم من نُقصان فاكتبوه فيه! فقال حذيفة: فكيف بما صنعنا والله ما أحدٌ من أهل هذا البلد يرغبُ عن قراءة هذا الشيخ. يعني ابن مسعود، ولا أحدُ من أهل اليَمَن يرغب عن قراءة هذا الآخر، يعني أبا موسى. وكان حذيفة هو الذي أشار على عثمان أن يجمع المصاحف على مُصحفٍ واحد(٢) .

يعتمدهم عثمان في كتابة المصحف، فإذا أحدهم يُصرّ على مصحفه زيادةً ونقيصةً!! وحذيفة الذي أشار على عثمان بفكرة جمع المصاحف على مصحفٍ واحد، غدا في حيرةٍ من أمره، فالنّاس في كلّ بلد متمسّكون بقراءة شيخهم وهو يختلف عن الآخر؟!

عن أبي محمّد القرشيّ: أنّ عثمان بن عفّان كتب إلى الأمصار: أما بعد، فإنّ نفراً من أهل الأمصار اجتمعوا عندي فتدارسوا القرآن، فاختلفوا اختلافاً شديداً؛ فقال بعضهم قرأتُ على أبي الدرداء، وقال بعضُهم قرأتُ على حرف عبد الله بن

____________________

(١) الإجار: والأجار، السطح الذي لا سترة عليه. (اللسان)

(٢) نفسه ٩٩٩.

٢٤٣

مسعود، وقال بعضهم قرأت على حرف عبد الله بن قيس - أي أبو موسى الأشعريّ -، فلمّا سمعتُ اختلافهم في القرآن - والعهدُ برسولِ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حديث - ورأيتُ أمراً منكراً، فأشفقتُ على هذه الأمّة من اختلافهم في القرآن، وخشيتُ أن يختلفوا في دينهم بعد ذَهَاب مَن بقي من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذين قرأوا القرآن في عهدِه وسَمِعوه من فِيهِ، كما اختلفتِ النّصارى في الإنجيل بعد ذهاب عيسى ابن مريم، وأحببتُ أن ندارك من ذلك؛ فأرسلتُ إلى عائشة أن ترسل إلي بالأدم الذي فيه القرآن الذي كتب عن فَمِ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين أوْحاهُ اللهُ إلى جبريل، وأوحاه جبريلُ إلى محمّد، وأنزله عليه، وإذِ القرآنُ غضٌّ، فأمرت زيد ابن ثبت أن يقوم على ذلك ...، وكان زيد بن ثابت أحفظَنا للقرآن، ثمّ دعوتُ نفراً من كتّاب أهل المدينة وذوي عقولهم، منهم نافِع بن طَرِيف، وعبد الله بن الوليد الخزاعيّ، وعبد الرحمان بن أبي لُبَابَة، فأمرتُهم أن ينسخوا من ذلك الأدم أربعة مصاحف وأن يَتَحفَّظُوا(١) .

هنا خرج عثمان على التعريف بأحفظ الصحابة عن قول عمر الذي كان يدعو إلى عبد الله بن مسعود، والذي بدوره لم يكن يرى في الصحابة مَن هو أعلمـُ بالقرآن مطلقاً، فكان مصحفه محتوياً على قراءات مغايرة لقراءة الوحي، وآياتٍ بدّل في كلماتها، وناقصاً سوراً كاملةً ...

وأمّا زيد الذي عرّفه عثمان بأنّه أحفظ الصحابة وأوكل إليه كتابة المصحف، فصحّف كتابة «التابوت» وكتبها «التابوه» حتّى اشتدّ عليه عثمان فكتبها «التابوت».

____________________

(١) تاريخ المدينة المنوّرة ٣: ٩٩٧ - ٩٩٨.

٢٤٤

وفقد آيات راح يجول بين المهاجرين والأنصار حتّى أصابها أخيراً مع رجل من الأنصار. فلا ندري كيف نوفّق بين ما روي عن عمر بن الخطّاب عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَن أراد أن يأخذ القرآن غضّاً كما أُنزل فليأخذه من فِي ابن مسعود»، وبين نسخ زيد في رجال ليس فيهم ابن مسعود للمصحف الذي أوحاه الله تعالى إلى جبريل فأوحاه جبريل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وإذِ القرآنُ غضٌّ «لم تدخله قراءة هُذَيل ولا زيادة أبي موسى أو تبديل وزيادة ابن مسعود ولا حذفه لسور ولا قراءة التابوه».

ترتيب عثمان لسور القرآن

عن ابن عبّاس قال: قلتُ لعثمان: ما حَمَلكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني، وإلى براءة وهي من السبع - في المستدرك من المئين - فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر «بسم الله الرحمن الرحيم» فقال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان يأتي عليه الزمان تنزل عليه السور ذات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء قال: ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يُذكَر فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أوائل ما أُنزل بالمدينة، وكانت براءة من آخر القرآن، وكانت قِصّتُها شبيهةً بقِصّتِها، وقُبِض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يُبَيِّن لنا، وظننتُ أنّها منها؛ فمن أجل ذلك قَرَنْتُ بينهما، ولم أكتب سطر «بسم الله الرحمان الرحيم» ووضعتها في السبع

٢٤٥

الطّوال(١) .

هل هذا من قبيل القياس المذموم في الرواية في الحديث؟! سورة مكّيّة من أوائل القرآن، تُقرن بسورة مدنيّة من آخر القرآن وليس من دليل يهتدون به لهذا النظم إلاّ زعمهم أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قُبِض ولم يُبيّن، أي يوضّح لهم أين تكون هذه السورة أو تلك ...؟! أي ذريعة هذه؟ هلاّ رجع عثمان إلى كبار الصّحابة وعظيمهم أميرالمؤمنين هارون الأمّة عليّعليه‌السلام ؟ ومتى كان جمع المصحف خاضعاً لمزاج الرجال فيضمّون السورة إلى ما يشبهها - كذا - بحذف البسملة من أوّل السورة الثانية؛ فمَن أعطاه هذه الصلاحيّة في التصرّف؟! كلّ هذا لو أحسنّا الظنّ بالرجل وصدّقنا دعواه! وإلاّ كيف يترك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كتاب الله العزيز وقد ائتمنه عليه فكان إذا نزلت الآية قال ضعوها في السورة كذا وهكذا ولم يُقبض إلاّ والقرآن مودع عند طبقة واسعة مؤمنة مجاهدة من أجله صالحة لا تفرّط به.

وسنجد في سيرة بني أُميّة تشدّداً على الحديث وغلظة على مَن ذكر شيئاً من فضائل وسيرة أهل البيتعليهم‌السلام ، وإساءة إلى القرآن الكريم تأسّياً بشيخهم عثمان.

عن شعبة، عن يعلى بن عطاء قال: سمعته يقول: سمعت القاسم بن ربيعة يقول: سمعت سعداً - بن أبي وقّاص - يقرأ (ما ننسخُ من آيةٍ أو ننساها) [ البقرة: ١٠٦ ] قال فقلت: انّ سعيداً يقرأها أو نُنْسِهَا. قال: فقال: إنّ القرآن لم ينزل على

____________________

(١) تاريخ المدينة المنوّرة ٣: ١٠١٥ - ١٠١٦، المستدرك على الصحيحين ٢: ٢٤١/ ٢٨٧٥، التلخيص وقال: على شرط البخاري ومسلم.

٢٤٦

المسيّب ولا على ابنه وحفظي أنّه قرأ( سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى ) [ الأعلى: ٦ ]( وَاذْكُر رّبّكَ إِذَا نَسِيتَ ) [ الكهف: ٢٤ ].

ذكره الحاكم(١) .

العجب من سعد وهو صحابيّ يقرأها بما يوجب الكفر! ذلك أنّ قراءته توجب النسيان للهِ جلّ وعلا. فإذا ذُكّر بالقراءة الصحيحة والتي تعني أنّ الله تعالى سنسخ أو يُنسي ...، فهو فاعل سبحانه، غضب سعد وفحش على سعيد بن المسيّب وعلى أبي سعيد!!

وخلاصة القول: إنّ القرآن الصحيح هو القرآن الذي تركه رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مكتوباً مقيّداً بلسان الوحي ويشهد له قومٌ شهد القرآن بعصمتهم في آية التطهير؛ وفي آية المباهلة، فكان القرآن الكريم مُعْجزاً ببلاغته للثَّقلين وحتّى تقوم الساعة، وكانت تلك الوجوه الكريمة: عليّ، وفاطمة، والحسن، والحسينعليهم‌السلام معجزة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يومَ المباهلة، بهم غلب نصارى نَجْران وأثبته القرآن الكريم. فلهذا وغيره من الخصوصيّات، فهم أعرف بالوحي إذ هم أهله، وقد صرّحوا بذلك كابراً عن كابر. ولقد كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول: «سلوني قبل أن تفقدوني ...» وما قالها غيره إلاّ افتُضِح! وكان يصرّح بأنّه يعرف كلّ آية في القرآن، وسبب نزولها وفيمَن نزلت، أفِي ليلٍ نزلت أم في نهار ...، وبعد هذا البيت الطّاهر تأتي طبقة واسعة ممّن لم تُحرّف ولم تُبدّل ومضت على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فتابعت أهل بيته ووفت ببيعته، فاستحقّت بذلك اسم الصحبة إذ الصحابيّ هو مَن عاش ومات

____________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٢: ٢٦٤/ ٩٥٢. قال في التلخيص: على شرط البخاري ومسلم.

٢٤٧

ولم يُبدّل. هؤلاء حفظوا القرآن كما أُنزل وقرأوه كما قرأه رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يزعموا انّ القرآن الكريم قد فُقد منه كثير كما زعم أولئك! والله تعالى قال:( إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا الذّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (١) ، والقولُ قولُ الله تعالى لا قول أولئك. كما أنّ أهل البيتعليهم‌السلام ومَن تبعهم لم يبدّلوا كلام الله كما فعل أولئك. وأخيراً لم ينسبوا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قراءاتٍ شاذّة ومغلوطة كما فعل أولئك!

كذب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في القراءة

لم يقف القوم عند حدود ما ذكرنا، وإنّما بلغت بهم الجرأة أن نسبوا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قراءات مكذوبة!

عن ابن عمر: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قرأ: (فطلّقوهنّ في قبل عدّتهنّ). والصحيح:( فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ ) (٢) ،(٣) الآية.

يونس بن بُكير، حدّثنا محمّد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن أبي سعيد قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «تفتح يأجوج ومأجوج كما قال الله عزّ وجلّ:( مِن كُلّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ ) (٤) . قال ابن إسحاق: في قراءة عبد الله: «من كلّ جدث ينسلون» بالجيم والثاء مثل قوله( مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى

____________________

(١) الحِجر: ٩.

(٢) الطلاق: ١.

(٣) المستدرك على الصحيحين ٢: ٢٧٥/ ٢٩٩٠، التلخيص.

(٤) الأنبياء: ٩٦.

٢٤٨

‏رَبّهِمْ يَنسِلُونَ ) (١) ، وهي القبور(٢) .

ولكنّها في قراءة الوحي في الآية الأولى «حدّب» بالدال، وفي قراءته في الثانية بالثاء، فنتّبع الوحي لا الرجال لئلاّ نضلّ! أثمّة قياس إذ لها نظير في آية أُخرى فنُعرض عن الوحي فنبدّل ونقيس ...؟! والحمدُ لله أنّ ابن مسعود لم ينسب القراءة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان موضع ذكر هذه فيما مضى فسهونا عنها «حتّى حين!».

عن شهر، عن أسماء بنت يزيد قالت: سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقرأ:( يَا عِبَادِيَ الّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى‏ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَحْمَةِ اللّهِ إِنّ اللّهَ يَغْفِرُ الذّنُوبَ جَمِيعاً ) (٣) ولا يُبالي.

إنّ كلمتي «ولا يُبالي»، ليستا من الآية؟! وقد علّق عليه الحاكم قائلاً: هذا حديث غريب عال ولم أذكر في كتابي هذا عن شهر غير هذا الحديث الواحد(٤) .

عبد الرحمان بن غنم الأشعريّ، قال: سألتُ معاذَ بن جبل عن قول الحواريّين:( هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبّكَ ) (٥) ، أو: هل تستطيع ربّك؟ فقال: أقرأني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله «هل تستطيع ربّك» بالتاء(٦) .

وعن هارون - قال عنه الذهبي «واهٍ» وفي مكان آخر «هالك» عن ابن

____________________

(١) يس: ٥١.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٢: ٢٦٨/ ٢٩٦٦، التلخيص.

(٣) الزمر: ٥٣.

(٤) المستدرك على الصحيحين ٢: ٢٧٢/ ٢٩٨٢.

(٥) المائدة: ١١٢.

(٦) المستدرك على الصحيحين ٢: ٢٦٠/ ٢٩٣٥، التلخيص.

٢٤٩

عبّاس! أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقرأ: (وكان أمامهم ملكٌ يأخذُ كلَّ سفينةٍ صالحة غصباً)(١) .

قال الحالكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرّجاه.

والآية فيها تغيير وزيادة، فحاشا ابن عبّاس أن يفتري على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

والآية:( وَكَانَ وَرَاءَهُم مّلِكٌ يَأْخُذُ كُلّ سَفِينَةٍ غَصْباً ) (٢) . فكما ترى قد غيّروا كلمة «وراءهم» إلى «أمامهم» وأضافوا إلى الآية كلمة «صالحة» ونسبوا ذلك إلى ابن عبّاس.

وعن حُصَين، عن عِكرمة، عن ابن عبّاس قال: لا أدري، كيف قرأ رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله «عتيّاً» أو «جثيّاً» فإنّهما جميعاً بالضمّ؟!(٣)

أن يكون الخبر صادر من أولئك الجماعة فيهون الخطب! أمّا من مثل ابن عبّاس فبعيد! وإن كان على شرط الشيخين! فالبون شاسع بين اللفظتين في مخارج حروفهما أوّلاً، وثانياً: في المعاني التي تؤدّي إليهما كلتا الكلمتين، فإنّ من معاني جثا: قال شيئاً يُغضب غيره، وأيضاً جلس بين يدي ...؛ وغير ذلك. وأما عتى: فطغى وتمرّد وخرج على الطاعة ...، وليس مثل ابن عبّاس اللبيب النسّابة الحاذق مَن ينسى كيف قرأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

____________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٢: ٢٦٦/ ٩٥٩.

(٢) الكهف: ٧٩.

(٣) المستدرك على الصحيحين ٢: ٢٦٧/ ٢٩٦٢. وقال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. وفي التلخيص: على شرط البخاري.

٢٥٠

وعن ابن سيرين، عن أنس: أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قرأ: (أنْ تَكُونَ لَهُ أسْرَى) - بالتاء -. والصحيح:( أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى ) (١) - بالياء -. وحاشا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يشتبه في القراءة!

مروان يُشقّق القرآن

استنّ مروانُ بن الحَكَم بسنّةِ عثمان في عدوانه على القرآن. عن ابن شهاب، قال: حدّثني أنس قال: لمّا كان مروان أمير المدينة أرسلَ إلى حَفْصَة يسألها عن المصاحف ليمزّقها وخشي أن يُخالِف الكتابُ بعضُه بعضاً، فمنعَتْها إيّاه(٢) .

قال الزهري: فحدثني سالم قال: لما تُوُفِّيَت حفصة أرسل مروان إلى ابن عمر بعزيمةٍ ليُرسِلَنّ بها، فساعةَ رجعوا من جنازة حفصة أرسل بها ابنُ عمر، فشَقّقها ومزَّقها مخافةَ أن يكون في شيء من ذلك خلافٌ لما نَسَخ عثمانُ(٣) !

إشكالُنا ليس على شخص مروان! فهو غَنيٌّ عن الوصف. ولكن: كما قلنا في المـُمهّد «عثمان بن عفّان» الأُمويّ في فعله الشنيع في هتك حرمة القرآن لكريم تمزيقاً وحَرْقاً، والذريعة: مخافة أن يختلف الناس في القراءة. فما حجّة مروان وقد جمع سَلَفُه وشيخُه الناس على مصحفٍ واحد، وسبقه إلى فضيلة!

____________________

(١) الأنفال: ٦٧.

(٢) تاريخ المدينة المنوّرة ٣: ١٠٠٣، المصاحف، للسجستاني ٢٥.

(٣) تاريخ المدينة المنوّرة ٣: ١٠٠٣ - ١٠٠٤.

٢٥١

حرق وتمزيق المصاحف.

وكان معاوية واحداً ممّن انتهت إليه «الأريكة» ليحكم بالهوى ويعطّل السنّة ويتجاوز أحكام القرآن الكريم، ومع ذلك فهو يلوذ باسم القرآن في تعطيل السنّة الشريفة.

معاوية يمنع الحديث

قال رجاء بن حَيْوَة(١) : كان معاوية ينهى عن الحديث، يقول: لا تُحدِّثوا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

وروى ابن عديّ، عن إسماعيل بن عبيد الله: أنّ معاوية نهى أن يُحدّث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بحديثٍ إلاّ حديث ذُكر على عهد عمر، فأقرّه عمر. إنّ عمر كان قد أخاف الناس في الحديث عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) . ورواه ابن عُليّة، عن رجاء بن أبي

____________________

(١) رجاء بن حَيْوَة الكنديّ الشاميّ. روى عن جابر بن عبد الله، وخالد بن يزيد بن معاوية، وعبد الله ابن عمرو بن العاص، وعبد الملك بن مروان، وعمر بن عبد العزيز، وأبي الدرداء ...

روى عنه: حُمَيْد الطَّويل، وأبو إسحاق السَّبيعيّ، ومحمّد بن عَجْلان، وقَتادة بن دِعامة قال ابن سعد: كان ثقةً فاضلاً كثيرَ العلم (طبقات ابن سعد ٧: ٤٥٤). وقال العجليّ: ثقة. (تاريخ أسماء الثقات ١٦٠/ ٤٣٩). وذكره ابن معين فقال: ثقة (تاريخ ابن معين ٢: ١٦٤).

توفّي رجاء بن حَيْوَة سنة اثنتي عشرة ومائة (تاريخ خليفة ٣٤٣، وطبقاته ٣١٠ وطبقات ابن سعد).

(٢) الفقيه والمتفقّه ١: ٧.

(٣) الكامل، لابن عدي ١: ٣٣ و ١: ١٨.

٢٥٢

سلمة أنّه قال: بلغني أنّ معاوية كان يقول(١) .

وروى ابن عساكر: كان معاوية يقول على منبر دمشق: إيّاكم والأحاديث عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلاّ حديثاً ذُكر على عهد عمر(٢) .

وعن عبد الله بن عامر اليَحْصبي، قال: سمعت معاوية يقول: إيّاكم وأحاديثَ، إلاّ حديثاً كان في عهد عمر، فإنّ عمر كان يُخيف الناس في الله عزّ وجلّ(٣) .

وكتب يزيد بن معاوية إلى أبيه: أنّ جُبَيْر بن نُفَير(٤) قد نشر في مِصْري حديثاً، فقد تركوا القرآن.

فبعث معاوية إلى جبير، فجاءه، فقرأ عليه كتاب يزيد، فعرف بعضه وأنكر بعضه. فقال معاوية: لأضربنّك ضرباً أدعُك لمن بعدك نكالاً(٥) !

تركنا التعليق على الروايات الواردة عن معاوية في منعه الحديث عن

____________________

(١) حجيّة السنّة ٤٦٧.

(٢) تاريخ دمشق ٣: ١٦٠.

(٣) صحيح مسلم ٤: ١٢٧.

(٤) قيل أسلم في حياة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يره وقدم المدينة فأدرك أبابكر (أسد الغابة ١: ٣٢٤/ ٧٠٠، طبقات ابن سعد ٧: ٣٠٦/ ٣٨٠٧، تاريخ الثقات، للعجلي ٩٥ رقم ٢٠١، المعرفة والتاريخ ١: ٣٢٨ و ٣٣٦ ومواضع أخرى، حلية الأولياء ٥: ١٣٣ - ١٣٨ رقم ٣١٥، سير أعلام النبلاء ٤: ٧٦/ ٢٣، شذرات الذهب ١: ٨٨، الوافي بالوفيات ١١: ٥٩، تاريخ الإسلام ٥: ٣٨٢، الجرح والتعديل ٢: ٥١٢ رقم ٢١١٦، تاريخ خليفة ٢٨٠؛ وقد أجمعوا على توثيقه.

(٥) سير أعلام النبلاء ٤: ٧٧، تاريخ الإسلام ٥: ٣٨٢.

٢٥٣

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلفظها وعلّتها واحدة ومشتركة مع أسلافه! إلاّ أنّا لا نطيق قبل الرجوع لتحليل سبب الإصرار على المنع، دون أن نتكلّم عمّا جرى بين يزيد وجبير وأخيراً ذلك الوعيد الصارم والتهديد الواعد من معاوية لجُبير:

إنّ معاوية طليق ابن طليق ملعون هو وأبوه وأخوه يزيد بن أبي سفيان على لسان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما في حديث الراكب والسائق والقائد. ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دعا إلى قتل معاوية إذا رأوه على منبره، وقد ذكرنا كلّ ذلك فيما مضى.

وأمّا الناقص «يزيد»، فلا يزيد على شرب الخمور والضرب بالطنبور وملاعبة الفهود والجمع بين الأختين وألوان الزندقة والفسق، وهو «يتهوّك» على «أريكته» معارضاً شطرَ الإسلام المـَمثّل بسنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ ومتعلّلاً أنّ النّاس قد «تركوا القرآن» وهي نفس مقولة القائل «يشتغلوا عن القرآن بغيره» أي بسنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ولمّا كان معاوية وابنه ليسا من أهل الإسلام، فلم يوجّه ابنه التوجيه الصحيح كأن يقول له: ادعو الناس وحثّهم على تعلّم القرآن وعلومه، وتعلّم سنن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وحفظ أحاديثه لأنّها مفسّرة للقرآن وفيها كثير ممّا ليس في كتاب الله المجيد.

إنّ «الملك!» المكترش، لم يعمل بهذا، وذهب بعيداً في طغيانه وقد غرّته «أريكته»، فتوعّد جُبَير بن نُفَير بالضرب الموجع الذي يجعله عبرةً لغيره فلا يقدم على فعله، ويحمله على الندم فلا يعيد ما فعل!!

ولا عجب هذا الكلام من مثل العاوية! فلقد دخل الإسلام بيتهم عام الفتح

٢٥٤

وهم كارهون، وما حسن إسلامهم، فأبو سفيان الذي قاد قريش في حروبها ضدّ الإسلام، وقاد الأحزاب يهود أو مشركين ففشل ثمّ أدخل النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله الإسلامَ بيته كُرهاً؛ فإنّ أبا سفيان يومَ اليرموك إذا كانت الصَوْلة للمسلمين شجَعهم، وإذا كانت الصّوْلة للرّوم قال: وِيهاً بني الأَصفر، يشجّعهم!

وتعاقبت الأحداث، فخرج القاسط معاوية بخارجة الشام على سيّد الوصيّين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وقتل خيرة الصحابة والتابعين وسنّ سنّته المقيتة في لعن عليٍّعليه‌السلام عقب كل صلاة مقابل سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّ الصلاة لا تتمّ إلاّ بالصلاة عليه وعلى أهل بيته!!

قد يُقال: إنّ معاوية قد استنّ بأسلافه في منع الحديث ونحن نوافقه على ذلك، إلاّ أنّا ملزمين بالفحص عن السبب الذي لأجله شنّ أولئك الغارة على الحديث، وإن كنّا تحدّثنا ملخّصاً عن هذا الأمر الخطير وبحسب ما اقتضته الحاجة. وهذا يقتضي الكلام عن الأحاديث التي تمسّك بها المانعون، وأيضاً عن الجبهة الرافضة للمنع والتي واصلت مسيرتها في كتابة السنّة:

وقبل ذكر ذلك، نذكّر بما مضى من تعلّلهم بالخوفِ من اختلاط القرآن بغيره! وبذريعةٍ أُخرى هي الاكتفاء بالقرآن وعدم الاشتغال بغيره. وقد أبطلنا الذريعتين، فالقرآن معصوم قد تكفّل الله تعالى بحفظه، وهو معجزٌ في لفظه لا يرقى إليه كلام بشر. هذا بشأن الاختلاط، وأمّا بشأن الاستغناء بالقرآن عن السنّة فتكلّمنا عن ذلك بما فيه الكفاية، فالسنّة شارحة للقرآن ومفسّرة لها ومفصّلة لما فيه من أحكام، بل في السنّة ما ليس في القرآن الكريم، واِنّ إلغاء

٢٥٥

السنّة بأيّ صورة إلغاءٌ للنبوّة! ووجدنا فيما سبق أنّ الحديث قد دُوّن زمن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمر هو بتدوينه وتقييده.

ثمّة مسألة: إنّ استمرار الخلاف في أمر التدوين، وعدم خضوع المـُبيحين لإجراءات المنع، دليلٌ على أمرين:

١ - أنّ أحاديث النيه عن التدوين، ليست صحيحةً؛ وإلاّ لم يكن أكثر الصحابة والتابعين على خلاف المنع، بل فيهم مَن قام بتدوين الحديث وجمعه في الصحف.

٢ - أنّ المنع، لم يكن شرعيّاً، بل كان رأياً ارتئاه المانعون، لأُمورٍ خاصّة ظهرت لهم، ولم يوافقهم عليها سائر الصحابة.

وإذا كان المنع على أساس ما يراه الصحابيّ مصلحةً، فإنّ للصحابة الآخرين حقّ الاعتراض عليه، فلا يكون ما يراه الصحابيّ حجّة على الصحابيّ الآخر، إلاّ إذا أقام له الدليل الشرعيّ المقنع، كما هو حال المجتهدين.

وبعد التأمّل العميق في ما يناسب أن يكون مصلحة للمنع من قبل المانعين، علمنا أنّ المصلحة إنّما كانت تدبيراً سياسيّاً من قِبل الخلفاء وخاصّةً في الصدر الأول بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . ويتّضح هذا ممّا أورده الخطيب البغداديّ، بسنده عن عبد الرحمان بن الأسود، عن أبيه، قال: جاء علقمة بكتاب من مكّة - أو اليمن - صحيفة فيها أحاديث، في أهل البيت - بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله -

فاستأذنّا على عبد الله، فدخلنا عليه، قال: فدفعنا إليه الصحيفة.

قال: فدعا الجاريةَ، ثمّ دعا بطست فيها ماء.

٢٥٦

فقلنا له: يا أبا عبد الرحمان، انظر فيها، فإنّ فيها أحاديث حساناً فجعل يُميثها فيها، ويقول:( نَحْنُ نَقُصّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ ) (١) .

القلوبُ أوعيةٌ، فأشغِلُوها بالقرآن، ولا تُشغلوها بما سواه(٢) .

وقبل الكلام في أصل الموضوع الذي لأجله أباد ابنُ مسعود الصحيفة، نذكّر بما قلناه: من أنّ ابن مسعود واحد من الذين خضعوا لدستور عمر في المنع من الحديث، قد محى من قبل صحيفةً أُحضرت إليه فيها «سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلاّ الله، والله أكبر»، وهي كلماتٌ أتى بها القرآن الكريم، فلم يحترمها، فكيف إذا صار الأمر إلى خلاف سياسيّ؟!

إنّ الصحيفة المعرّضة للإبادة في هذه الرواية، واضحة المحتوى، فإنّ فيها أحاديث حساناً كما يقولُ علقمة.

كما أنّ موضوعها يرتبطُ بأهل البيتعليهم‌السلام ، وكأنّ الراوي اعتنى بهذه المسألة، فاستعمل عطف البيان للتأكيد على المراد بأهل البيت، وليُلفت نظر عبد الله بن مسعود إلى أنّهم أهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله . لكنّ عبد الله لم يُعِرْ اهتماماً، وأباد الصحيفة.

وقبل الانتقال إلى إدانات أُخرى لابن مسعود! نبقى عندَ كلامه واحتجاجه بالقرآن الكريم على أولئك الذين أحضروا إليه الصحيفة وفيها أحاديث في أهل البيتعليهم‌السلام فمحاها، فنقول له: ماذا تقول في آية التطهير الظاهرة في العصمة، ولو لا السنّة لما علمنا أنّهم محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأخوه عليّ، وبضعته فاطمة، وولداه

____________________

(١) يوسف: ٣.

(٢) تقييد العلم ٥٤.

٢٥٧

الحسن والحسينعليهم‌السلام .

وما قولُك في آية المباهلة، وفيمن نزلت؟ مَن كان نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يومئذ، هل كان غير عليّعليه‌السلام ؟! ومَن كانت نساءَه غير فاطمةعليها‌السلام ؟ أو ليس الحسن والحسين أبناءه يومئذٍ؟ فكانوا معجزته التي قهر بهم وفد نصارى نجران وأعجزهم. من أين علمنا هذا يا ابن مسعود؟! أو ليس هذا أحسن القصص الذي احتججت به؟!

لكنّ عبد الله لم يُعِرْ اهتماماً، وأبادَ الصحيفةَ. والتبريرات التي ذكرت لمنع التدوين، لا يجري شيء منها هنا. فلا اختلاطَ لما في الصحيفة، بالقرآن. وليس فيها ما يعارضُ القرآن وينافيه. ولا فيها من خُرافات «مشناة» أهل الكتاب شيء.

كما أنّ الاشتغال بها لا يؤدّي إلى ترك القرآن، لأنّ مجرّد أحاديث في صحيفة، لا تُلهي عن القرآن.

ومع كلّ ذلك أباد عبدُ الله الصحيفة، محاولاً أن يُوهمَ أنّ القرآن يُغْني عمّا فيها! مع أنّه كان مخطئاً في فَرْضه أنّ الاشتغال بالحديث هو اشتغالٌ بما سوى القرآن، لأنّ الحديث لا ينفصل عن القرآن، بل هو يعضُدُه. ولو أمعنّا النظر في هذا الحديث، وجدنا أنّ محتواه هو الذي كان يضُرّ السلطة الحاكمة وينافي سياستها القائمة، لأنّ الأحاديث الواردة في أهل البيتعليهم‌السلام ، إنّما تدلّ على فضلهم وتؤكّد على خلافتهم عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتجعلهم قرناء للقرآن، ليكونوا هم وهو خليفتين له، من بعده. وهذا ما يعرفه ابن مسعود جيّداً، لما سنبيّن من علّته. وأمّا سائر أحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، سواء في الأحكام والفرائض، أو الآداب والسنن، فهي

٢٥٨

لا تَمَسُّ كيانَ السلطة بشيء.

ولذا لم يشملها المنعُ بنحوٍ شديد:

قال عمر: أقلّوا الرواية عن رسول الله، إلاّ فيما يُعمل به(١) .

قال الدارميّ، في شرح منع عمر عن الحديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : معناهُ عندي الحديث عن أيّام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليس السنن والفرائض(٢) .

وإن كانت أوامر المنع وإجراءاته عامّة، فلأنّ التدبير السياسيّ يقتضي منع الحديث بالعموم، حتّى يشمل الأحاديث المضرّة بالسياسة.

وإنّما لم يخصّ المنعُ بما دون غيره، فلأنّ تخصيصها بالمنع يؤدّي إلى وضوح الهدف من المنع، وانكشاف المصلحة الموضوعة له.

والإعلانُ عن تلك المصلحة غيرُ ممكن، لأنّه يوجّه الأنظار إليها بشكل أكثر تركيزاً، فيوجبُ نقضَ الغرضِ المترقّب من المنع، ويعكس المصلحة إلى مفسدة لا تُتدارك.

وإنّما خُصّ أهل البيتعليهم‌السلام بذلك:

لأنّهم كانوا يُعتبرون زعماء المعارضة السياسيّة الذين بقوا في الساحة، وكان المسلمون يتطلّعون فيهم الخلافةَ ويعتقدون لهم الإمامة.

وحجّتهم في ذلك الأعدادُ المتضافرة من الأحاديث النبويّة التي تبلغ اليوم،

____________________

(١) البداية والنهاية ٨: ١٠٧.

(٢) سنن الدارمي ١: ٧٣ ح ٢٨٦، جامع بيان العلم ٢: ١٢١.

٢٥٩

رغْمَ بُعدِ الزمن، ورغم كلّ عمليّات المنع والإبادة والتحريف، تبلغ الآلاف(١) .

فكيف بها تلك الأيّام، وهي تَمْثُلُ لرواتها من الصحابة، بمنازلها وأحداثها ومناسباتها وأسبابها؟ والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يزال حيًّا في الخواطر، يُحدّثهم بما لأهلِ بيته من فضلِ، وما لهم من منزلة؟!

ولا شكّ في أنّ كثيراً من تلك الأحاديث كانت تُشِيد بعليّعليه‌السلام - زعيم أهل البيت - وتنصّ عليه بالولاية والإمامة ...

فلو كان مسموحاً للأُمّة أن يتداولوها، ويحدّثوا بها، ويكتبوها ويضبطوها، لارتسمت في الأذهان، وتعلّقت بالأفكار، وانعقدت عليها القلوب وبُنيت بها قواعد العقائد؛ فيكون لذلك تأثير سياسيّ عميق على نظام الحكم، بلا ريب. فكان المنعُ الرسميّ للحديث أفضلَ تدبيرٍ سياسيّ، للوقوف في وجه ذلك.

وإلاّ، فبربِّك! ماذا يعني أن يأتي عمرُ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأحاديث وقصص من أخٍ يهوديّ له من بني قُريظة، قد أعجبته! فيغضب رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتحيط به الأنصار ثمّ يقول: «أمُتَهوّكونَ أنتم ...» أي في حال شكٍّ من نبوّتي؟! وقد ذكرناه.

ومضت سنون ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يُحدّث ويأمر بنقل حديثه تحديثاً وتقييداً كما ذكرنا وسنذكر، فأين كان المانعون عن مجلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليسمعوا ما سمعه غيرُهم؟!

هل شغلهم الصَّفْقُ بالأسواق كما قال عمر - مرّ بنا -، والانشغال بالمرآة والمكحلة، كما قال أبو هريرة لعائشة محتجّاً عليها لما أنكرت بعض الأحاديث

____________________

(١) شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديث ٤: ٧٣.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432