ابن تيميه الجزء ٢

ابن تيميه12%

ابن تيميه مؤلف:
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 492

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 492 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 169295 / تحميل: 5906
الحجم الحجم الحجم
ابن تيميه

ابن تيميه الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

يقف على حقيقته، أو أنه عرف نفس الأمر فنسيها عند الكتابة، أو أغضى عنها لأمرٍ دبّر بليل، أو أنّه ما يبالي بما يقول.

أوليس المسعودي المتوفى ٣٤٦هـ يقول في التنبيه والأشراف ص٢٢١: وولد علي رضي الله عنه وشيعته يعظّمون هذا اليوم؟!

أوليس الكليني الراوي لحديث عيد الغدير في الكافي توفي سنة ٣٢٩هـ؟ وقبله فرات بن ابراهيم الكوفي المفسّر الراوي لحديثه الآخر...

فالكتب هذه الفت قبل ما ذكراه - النويري والمقريزي - من التأريخ (٣٥٢).

أوليس الفيّاض بن محمد بن عمر الطوسي قد أخبر به سنة ٢٥٩هـ وذكر أنه شاهد الامام الرضا سلام الله عليه - المتوفى سنة ٢٠٣ - يتعيد في هذا اليوم ويذكر فضله وقدمه؟! ويروي ذلك عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام.

والامام الصادق المتوفى سنة ١٤٨هـ قد علّم أصحابه بذلك كلّه وأخبرهم بما جرت عليه سنن الأنبياء من اتخاذ يوم نصبوا فيه خلفاءهم عيداً...

هذه عقيدة عيد الغدير، لكن الرجلين أرادا طعنا بالشيعة، فأنكرا ذلك السلف الصالح وصوّراه بدعة مغزوّة إلى معزّ الدولة، وهما يحسبان أنه لا يقف على كلامهما من يعرف التاريخ فيناقشهما الحساب.

الغدير: ١/٢٨٧ - ٢٨٩، نهاية الأرب: ١/١٧٧، الخطط: ٢/٢٢٢.

ولزيادة الإطلاع عن هذه المسألة راجع: كشف المهم في خبر غدير خم للسيّد هاشم البحراني، عبقات الانوار للعلامة مير حامد حسين، الغدير للعلامة الأميني، منهج في الانتماء المذهبي: ٩٠ - ١٥٦، الغدير في التراث لاسلامي للعلامة السيد عبدالعزيز الطباطبائي، حديث الغدير رواته كثيرون للغاية قليلون للغاية للسيد عبدالعزيز الطباطبائي، الغدير في حديث العترة الطاهرة للسيّد محمد جواد الشبيري، ومصادر أخرى كثيرة.

٤١

ذكر الاحداث حسب تسلسل السنين: ٣٣٦هـ - ٤١٣هـ

٤٢

سنة ٣٣٦هـ:

فيها: في الحادي عشر من ذي القعدة ولد محمّد بن محمّد بن النعمان بن عبدالسلام بن جابر بن النعمان بن سعيد بن جبير بن وهيب بن هلال بن أوس بن سعيد ابن سنان بن عبدالدار بن الريّان بن قطر بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب بن عكة بن خلد بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.

وقيل: مولده سنة ٣٣٨هـ.

قال الخطيب البغدادي: شيخ الرافضة، والمتعلم على مذاهبهم، صنّف كتباً كثيرة في ضلالاتهم والذبّ عن اعتقاداتهم ومقالاتهم والطعن على السلف الماضين من الصحابة والتابعين وعامّ الفقهاء والمجتهدين، وكان أحد أئمة الضلال، هلك به خلق من الناس إلى أن أراح الله المسلمين منه.

وما ذكره الخطيب ليس هو إلاّ فرداً من افراد التعصّب الّذي جرى لكثير من المؤرّخين قبال علماء الشيعة، فعلماء الشيعة مهما ارتقت درجتهم العلميّة وازدادوا تقىً كثر تعصّب علماء السنّة تجاههم، وشرعوا بإلقاء التهم عليهم، واستعملوا أسوء الألفاظ في حقّهم، وهذا هو التعصّب بعينه وخروج عن انصافٍ وسوء أدبٍ.

ومعلوم أن سلاح العلماء الأتقياء الّذين هدفهم إصابة الحق لا غير هو البرهان والمجادلة بالّتي هي أحسن واستعمال اللين ومقابلة الآخرين بأحسن الأخلاق وألطف تعبير.

وأمّا الّذين يقابلون الدليل بالسياط والتبعيد والقتل والسب واستعمال الألفاظ الرديئة، فهذا سلاح العاجزين عن الدليل، وهو أقوى حجّة لمعرفة الحقّ في أيّ

٤٣

طرف من كفّتي الميزان.

وهذا ما جرى على شيخنا المفيد، فإنه رضوان الله عليه بأسلوبه البديع واخلاقه العظيمة ودليله القاطع بيّن معتقده خدمةً للحق، فوقف أمامه العامّة، وأبدوا تعصّباً ملحوظاً تجاهه، وبدل ردّهم عليه بالمثل والدليل استعملوا أسوء الألفاظ في حقّه وأغلظوا معه في القول، حتّى بعّد عن وطنه عدّة مرّات.

قال معاصره الأكبر منه سنّاً ابن النديم: ابن المعلم أبو عبدالله، في عصرنا انتهت إليه رئاسة متكلّمي الشيعة، مقدّم في صناعة الكلام، دقيق الفطنة، ماضي الخاطر، شاهدته فرأيته بارعاً.

قال ابن أبي طيّ: هو شيخ مشايخ الطائفة، ولسان الإمامية، ورئيس الكلام والفقه والجدل، وكان يناظر أهل كلّ عقيدة مع الجلالة العظيمة في الدولة البويهيّة، وكان كثير الصدقات، عظيم الخشوع، كثير الصلاة والصوم، خشن اللباس.

قال الشيخ ابو العباس النجاشي: شيخنا، وأستاذنا رضي الله عنه، فضله أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية والثقة والعلم.

قال ابن الجوزي: شيخ الإمامية وعالمها، صنّف على مذهبهم، ومن أصحابه المرتضى، وكان لابن المعلّم مجلس نظر بداره - بدرب رياح - يحضره كافّة العلماء، وكانت له منزلة عند أمراء الأطراف يميلهم إلى مذهبه.

فهرست ابن النديم: ١٧٨، رجال النجاشي: ٣٩٩ - ٤٠٣ ترجمة رقم ١٠٦٧، تاريخ بغداد: ٣/٢٣١، المنتظم: ٨/١١ - ١٢، العبر: ٣/١١٤ - ١٥٥، مرآة الجنان: ٣/٢٨.

سنة ٣٣٨هـ:

فيها: في آخر ربيع الأول وقعت فتنة بين الشيعة والسنّة، ونهبت الكرخ.

٤٤

المنتظم: ٦/٣٦٣ - ٣٦٤، البداية والنهاية: ١١/٢٢١، شذرات الذهب: ٢/٣٤٥.

الكرخ يسكنها الشيعة الإمامية، بين شرقها والقبلة محلّة باب البصرة وأهلها سنة، وفي جنوبها المحلّة المعروفة بنهر القلاّئين وأهلها سنة، وعن يسار قبلتها محلّة تعرف بباب المحوّل وأهلها سنة، وتقع الكرخ غربي مدينة بغداد.

معجم البلدان: ٤/٤٤٨، المنجد: ٨٥٦.

وعند ملاحظة الكرخ من الناحية الجغرافيّة نشاهد بوضوح أنها محصارة بين عدّة مدن يقطنها العامة المتعصّبون ضدّ الشيعة، فالكرخ دائمة هي الضحيّة عند وقوع أيّ اختلاف، فكأنّ السّنة على أهبة الاستعداد يتوقّعون الفرص للهجوم على الشيعة في الكرخ وإيقاع المجازر فيها والنهب والحرق!!

سنة ٣٤٠هـ:

فيها: في شهر رمضان وقعت فتنه عظيمة بسبب المذهب.

البداية والنهاية: ١١/٢٢٤.

سنة ٣٤٥هـ:

فيها: وقعت فتنة عظيمة بأصبهان بين أهل اصبهان وأهل قم بسبب المذاهب، وكان سببها أنّه قيل: عن رجلٍ قمي أنه سبّ بعض الصحابة، وكان من أصحاب شحنه أصفهان، فثار أهلها واستغاثوا بأهل السواد، فاجتمعوا في خلق لا يحصون كثرة، وحضروا دار الشحنة، وقتلوا من الشيعة خلقاً كثيراً، ونهب أهل أصفهان أموال التجار من أهل قم، فبلغ الخبر ركن الدولة، فغضب لذلك، فصادر أهل

٤٥

أصفهان بأموال كثيرة كما نقل ابن كثير، ونقل بن الاثير أنّ ركن الدولة غضب لذلك وأرسل اليها فطرح على أهلها مالاً كيراً.

الكامل في التاريخ: ٨/٥١٧، البداية والنهاية: ١١/٢٣٠.

وركن الدولة هو: الحسن بن بويه أخو معزّ الدولة، ملك اصفهان سنة ٣٢٨هـ، وملك طبرستان سنة ٣٣٦هـ، وسار منها إلى جرجان فملكها، كان حليماً كريماً، كان يقصد المساجد الجامعة في أشهر الصيام للصلاة وينصب لردّ المظالم ويتعهد العلويّين بالأموال، توفي بالري ليلة السبت لاثني عشر ليلة بقيت من المحرم سنة ٣٣٦، وقد زاد على سبعين سنة، وكانت مدّة امارته أربعاً وأربعين سنة.

نهاية الأرب: ٢٦/١٧٥ - ١٧٩.

ولا أعلم على أيّ قانون كانوا يسيرون وعلى أيّ أسسٍ اعتمدوا، فهل سبّ واحدٍ من الشيعة لبعض الصحابة يوجب كلّ هذا؟!! قتل! ونهب! وما ذنب الآخرين؟!

وهذا مبنيّ على أنّ الصحابة كلّهم عدول، وأيّ دليل ينهض على هذا؟ وهل الصحبة لوحدها كافية ليكون المرء عادلاً؟ والقرآن صريح بخلاف هذا، راجع ما ذكرناه في المقدّمة مفصّلاً حول الصحابة.

سنة ٣٤٦هـ:

فيها: في آخر المحرّم كانت فتنة للعامة بالكرخ، كذا قال ابن الجوزي، وقال ابن كثير: في سنة ٣٤٦هـ وقعت فتنة بين أهل الكرخ وأهل السنة بسبب السب، فقتل من الفريقين خلق كثير، ولم يعيّن أيّ شهرٍ وقعت الفتنة، فيحتمل أن تكون فتنة واحدة حدثت في هذه السنة، ويحتمل تكرر الفتنة.

المنتظم ٦/٣٨٤، البداية والنهاية: ١١/٢٣٢.

٤٦

سنة ٣٤٨ هـ:

فيها: في جمادى الأولى اتصلت الفتن بين الشيعة والسنة قتل بينهم خلق ووقع حريق كثير في باب الطاق، ولم يذكر لنا التاريخ السبب.

المنتظم: ٦/٣٩٠، الكامل في التاريخ: ٨/٥٢٧، البداية والنهاية: ١١/٢٣٤، شذرات الذهب: ٢/٣٧٦.

وباب الطاق: محلّه كبيرة ببغداد بالجانب الشرقي تعرف بطاق اسماء.

معجم البلدان: ٥/٣٠٨.

سنة ٣٤٩هـ:

فيها: في يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان على حدّ تعبير ابن الجوزي، وخامس شعبان على قول ابن الأثير، وقعت فتنة عظيمة بين السنّة والشيعة في القنطرة الجديدة، قتل فيها خلق كثير، وتعطّلت الجمعة من الغد في جميع المساجد من الجانبين سوى مسجد براثا فإنّ الصلاة تمّت فيه، ولم ينقل لنا المؤرّخون سبب الفتنة، بل ذكروا: وكان جماعة من بني هاشم قد أثاروا الفتنة فاعتقلهم معزّ الدولة ابن بويه فسكنت الفتنة، ونقل بعضهم: ثمّ قبض معزّ الدولة على جماعة من أهل السيف للمصلحة فسكتوا، ونقل آخر: ثمّ رأى معز الدولة المصلحة في القبض على جماعة من الهاشميّين فسكنت الفتنة.

المنتظم: ٦/٣٩٤ - ٣٩٥، الكامل في التاريخ: ٨/٥٣٣، دول الاسلام: ١٩٣، البداية والنهاية: ١١/٢٣٦، النجوم الزاهرة: ٣/٣٢٣، العبر: ٢/٢٨٠، مرآة الجنان: ٢/٣٤٢ - ٣٤٣، تاريخ الاسلام: ٢٣١ حوادث ووفيات ٣٤١هـ - ٣٥٠هـ، شذرات الذهب

٤٧

٢/٣٧٩.

والقنطرة الجديدة أول من بناها المنصور، وكانت تلي دور الصحابة وطاق الحرّاني، جدّدت عدة مرات.

معجم البلدان: ٤/٤٠٦.

ومسجد براثا واقع في محلّة براثا طرف بغداد في قبلة الكرخ وجنوبي باب محوّل، وكانت براثا قبل بناء بغداد قرية، مرّ بها علي بن ابي طالب عليه السلام لقتال الحروريّة الخوارج بالنهروان وصلّى في موضع من الجانب المذكور، وتعرّض هذا المسجد عدّة مرّات للهدم، لاجتماع قوم من الشيعة فيه، هدمه الراضي بالله حتّى سوّى به الارض، ثمّ أمر بجكم الماكاني أمير الأمراء ببغداد بإعادة بنائه.

معجم البلدان: ١/٣٦٢ - ٣٦٣.

ومعزّ الدولة هو: أحمد بن بويه، مرّشيء من أخباره في المقدّمة في أحوال بني بويه، استولى على بغداد سنة ٣٣٤هـ في خلافة المستكفي بالله، كان بواسط وقد جهّز الجيوش لمحاربة عمران بن شاهين الخارج عليه، فازداد عليه المرض، فرجع إلى بغداد، وعهد إلى ابنه بختيار، وتوفي لأربع ساعات مضين من ليلة الثلاثاء سابع عشر ربيع الآخر سنة ٣٥٦هـ، وكانت امارته إحدى وعشرين سنة واحد عشر شهراً، وعمره ثلاث وخمسون سنة، ودفن بداره، ثمّ نقل إلى مشهد بني له في مقابر قريش.

المنتظم: ٧/٣٨ - ٣٩، نهاية الأرب: ٢٦/١٨٢ - ١٩٢.

وأمّا سبب الفتنة فغير معلوم، والنقل مضطرب كما ذكرنا، وحبس معزّ الدولة بعض الهاشميّين كان لإقناع السنة الّذين يشكّلون الأكثرية في بغداد، وهذا لا يدّل على حقّانيّتهم، ومعزّ الدولة كان شيعيّاً ومع ذلك يريد الحفاظ على مملكته، فإذا

٤٨

اقتضت المصلحة حبس بعض الشيعة للحفاظ على ملكه فعل، راجع ما كتبناه في المقدّمة في أحوال بني بويه وعقيدتهم.

سنة ٢٥٣هـ:

فيها: في جمادى الأولى كانت فتنة عظيمة في البصرة وبهمذان بين العامة بسبب المذاهب على حدّ تعبير ابن الاثير، وبسبب السب على حدّ تعبير ابن كثير، قتل فيها خلق كثير وجمّ غفير.

الكامل في التاريخ: ٨/٥٤٤، البداية والنهاية: ١١/٢٤١.

وسبب الفتنة أيضاً غير واضح، والسبّ لوحده غير مبرّر لهجوم السنّة على الشيعة وإيقاع القتل العام والنهب وإشعال الفتنة.

سنة ٣٥٢هـ:

فيها: في اليوم العاشر من المحرّم غلقت الأسواق ببغداد، وعطّل البيع، ولم يذبح القصّابون، ولا طبخ الهرّاسون، ولا ترك الناس أن يستقوا الماء، ونصبت القباب في الأسواق، وعلّقت عليها المسوح، وخرج النساء يلطمن وجوههنّ على الحسين، وأقيمت النائحة على الحسين سلام الله عليه.

وذكر بعض المؤرّخين أنّ هذا كان بأمر معزّ الدولة، وبعضهم نقله من دون أن يذكر أنه بأمر أحدٍ.

وذكر ابن الأثير وابن كثير: ولم يكن للسنة قدرة على المنع منه، لكثرة الشيعة، ولأنّ السلطان معهم.

ولا أعلم لماذا يحاول أهل السنة منع هذا الشعار ومحاربته، وقد عقد مأتم

٤٩

الحسين قبل استشهاده من قبل خاتم الرسل، وإقامة هذا المأتم في السماء من قبل الملائكة، حتّى الجنّ أقامت المأتم وناحت على الحسين سلام الله عليه، راجع المقدّمة عن هذا الموضوع.

وقال الحافظ الذهبي بعد نقله لما حدث في يوم العاشر: وهذا اول ما نيح عليه، اللهمّ ثبّت علينا عقولنا.

وما هو مقصوده من: اللهمّ ثبّت علينا عقولنا؟ وهل ما علمته الشيعة من إقامة العزاء على سيّد الشهداء مخالف للعقول السليمة، وقد بكى عليه خير الخلق رسول الله وأقام المأتم عليه وأقامت الملائكة في السماء العزاء عليه وناحت عليه الجنّ؟!! راجع المقدمة حول هذا الموضوع.

وقال الأتابكي: قلت: وهذا أول يوم وقع فيه هذه العادة القبيحة الشيعية ببغداد، وكان ذلك في صحيفة معزّ الدولة بن بويه، ثمّ اقتدى به من جاء بعده من بني بويه وكلّ منهم رافضي!! خبيث!!

أقول: الم يخبر جبرئيل النبي صلى الله عليه وآله بما يجري على الحسين عليه السلام بعد ولادة الحسين، وبكاء النبي ومن في البيت على هذا المصاب، وهو اول عزاء يعقد على الحسين الشهيد، كما ذكرناه في المقدّمة، فمتى صار احياء ذكرى الحسين عليه السلام عادة قبيحة؟!! وتشاهد بوضوح عزيزي القارىء محاولة بعض المؤرّخين بجعل اقامة المأتم على الحسين انما كان ابتداؤه زمن معزّ الدولة!! وهذا جهل وتعصّب منهم، راجع المقدّمة الرابعة حول قضيذة الحسين كي يتبّين لك الأمر.

المنتظم: ٧/١٥، الكامل في التاريخ: ٨/٥٤٩، مرآة الجنان: ٢/٣٤٧، تاريخ الاسلام: ١١ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ، العبر: ٢/٢٩٤، دول الاسلام: ١٩٥،

٥٠

البداية والنهاية: ١١/٢٤٣، تكملة تاريخ الطبري: ٣٩٧، شذرات الذهب: ٣/٩، النجوم الزاهرة: ٣/٣٣٤.

وفيها: في ليلة الخميس الثامن عشر من ذي الحجّة - وهويوم عيد غدير خم - أشعلت النيران، وضربت الدبادب والبوقات، وبكر الناس الى مقابر قريش، وأظهرت الزينة في البلد، وفتحت الأسواق بالليل كما يفعل في ليالي الأعياد، وكان يوماً مشهوداً.

وقال الحافظ الذهبي بعد ذكر الحادث: فنعوذ بالله من الضلال!!

وقال ابن كثير: فكان وقتاً عجيباً وبدعة شنيعة ظاهرة منكرة!!

ولا أعلم أين البدعة الشنيعة؟! والظاهرة المنكرة؟! كي يتعوّذ بالله منها، ألم ينصب رسول الله عليّاً في هذا اليوم خليفة، وقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهمّ وال من ولاه وعادي من عاداه؟! ألم ينزل جبرئيل باكمال الدين بعد هذا؟! ألم يبايع المسلمون عليّاً يوم الغدير واحداً بعد الآخر... وقال له عمر: هنيئاً لك يا ابن ابي طالب، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة؟! ألا يحقّ للمسلمين أن يتخذوه عيدا ويفرحوا به... وقد وردت روايات كثيرة من طرق الخاصّة عن الأئمة عليهم السلام باتخاذ هذا اليوم عيداً، والتفصيل راجع المقدمة الخامسة حول هذا الموضوع.

المنتظم: ٧/١٦، الكامل في التاريخ: ٨/٥٤٩ - ٥٥٠، مرآة الجنان: ٢/٣٤٧، شذرات الذهب: ٣/٩، البداية والنهاية: ١١/٢٤٣، تكملة تاريخ الطبري: ٤٠٠، تاريخ الاسلام: ١٢ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ، دول الاسلام: ١٩٥ - ١٩٦.

٥١

سنة ٣٥٣هـ:

فيها: في العاشر من المحرّم عملت الشيعة المأتم على سيّد الشهداء الحسين عليه السلام، وعطّلت الأسواق وأقامت النوح، فلمّا أضحى النهار يومئذٍ وقعت فتنة عظيمة في قطيعة أم جعفر وطريق مقابر قريش بين السنّة والشيعة، واقتتلا قتالا شديداً، ونهبت الأموال، ووقعت بينهم جراحات.

المنتظم: ٧/١٩، الكامل في التاريخ: ٨/٥٥٨، تاريخ الاسلام: ١٣ حوادث ووفيات ٣٥١ - ٣٨٠، البداية والنهاية: ١١/٢٥٣، النجوم الزاهرة: ٣/٣٣٦.

وقطيعة أم جعفر: محلّة ببغداد عند باب التين، وهو الموضع الّذي فيه مشهد موسى بن جعفر قرب الحريم بين دار الرقيق وباب خراسان، وقيل: قطيعة ام جعفر بنهر القلاّئين، ولعلّها اثنتان، وام جعفر هي: زبيدة بنت جعفر بن المنصور أم محمد الامين.

معجم البلدان: ٤/٣٧٦.

وهذه هي التعصّبات الجاهليّة ضدّ الشيعة لا غير، ففرقة لها مبانيها ورسومها تسير عليها، وتقيم مأتماً على امامها وتنصب له العزاء في كلّ سنة، فأيّ دخلٍ لفرقةٍ أخرى حتّى تمنعها، وأيّ قانونٍ يجيز لها قتل ونهب الفرقة الأخرى، وهل اقامة العزاء على ابن بنت رسول الله حكمة القتل والنهب والإباحة؟! أيّ انسانٍ حرّ الضمير يقبل هذا؟!

سنة ٣٥٤هـ:

فيها: في العاشر من المحرّم أقامت الشيعة العزاء على الحسين سيّد الشهداء والنوح واللطم وعطّلت الاسواق.

٥٢

وقال الأتابكي: ولم يتحرّك لهم السنّية خوفاً من معزّ الدولة ابن بويه.

وكأنّ المؤرّخين يتعجبّون كيف تنقضي المراسم من دون تعرّض السنة لهم، فصار المنع جارياً والقتل والنهب عادة، حتّى أن المراسم لمّا تمّت بسلام، تذكره ابناء العامة بإعجاب، وكيف لم يحملوا على الشيعة ويقتلوهم؟! لتفرح قلوبهم بسماع سفك دماء الشيعة!!!

وقال ابن كثير: ثمّ تسلّطت أهل السنّة على الروافض، فكبسوا مسجدهم مسجد براثا الذي هو عشّ الروافض!! وقتلوا بعض من كان فيه من القومة!!

والظاهر من عبارة ابن كثير بل صريحها ان هذه السنة ايضاً لم تنقض المراسم بدون قتلٍ ونهبٍ.

المنتظم: ٧/٢٣، تاريخ الاسلام: ١٧ حوادث ووفيات ٣٥١ - ٣٨٠، النجوم الزاهرة: ٣/٣٣٩، البداية والنهاية: ١١/٢٥٥.

وقال ابن كثير بعد نقل ما تعمله الشيعة يوم العاشر: وهذا تكلّف لا حاجة إليه في الاسلام، ولو كان هذا أمراً محموداً لفعله خير القرون وصدر هذه الأمّة وخيرتها، وهم أولى به، لو كان خيراً ما سبقونا اليه، وأهل السنة يقتدون ولا يبتدعون.

البداية والنهاية: ١١/٢٥٥.

ونحن نقول لابن كثير: لو سلّمنا لك أنّ هذا تكلّف لا حاجة إليه في الإسلام، فهل فعله يوجب القتل والنهب والإباحة؟!.

وأمّا قوله: لو كان هذا أمراً محدوداً لفعله خير القرون، فهو مردود، بأن خير القرون فعلوه، لكن بشكل آخر، فرسول الله صلّى الله عليه وآله اقام المأتم على الحسين قبل استشهاده وكذلك علي بن ابي طالب عليه السلام، وذلك بعد إخبار جبرئيل، ولكن بنحو آخر، وكذا أقام العزاء على الحسين أئمّة اهل البيت في اليوم

٥٣

العاشر، وجلسوا للعزاء والبكاء، راجع ما كتبناه حول هذا الموضوع في المقدّمة.

وأمّا قوله: وأهل السنّة يقتدون ولا يبتدعون!! فهل هذا مبّرر لقتلهم الشيعة ونهبهم أمولاهم وحرق بيوتهم؟!

وهل كانت صلاة التراويح في زمن النبيّ، أو صلاّها؟!

ومن اسقط القول بحيّ على خير العمل من الآذان، ألم يكن في زمن رسول اله وأسقط بعده؟!

ألم يعترفوا بانّ السنّة التختم باليمين، لكن بما أن الشيعة تتختّم باليمين جعلوا السنّة التختم باليسار.

ومن نهى عن متعة الحج وكانت في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟!

ومن منع من متعة النساء وكانت في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!

ومن زاد في الآذان الصلاة خير من النوم ولم تكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!

ومن منع المغالات في صداق النساء؟!

ومن أتمّ الصلاة بمنى أربعاً؟!.

واسأل من ابن كثير: من جعل في مقابل عيد الغدير يوماً باسم يوم الغار وفي مقابل يوم عاشوراء يوم مقتل مصعب وعملوا فيهما من الفرح والحزن كما تعمله الشيعة؟! ومن...؟! ومن...؟! وأهل السنة يقتدون ولا يبتدعون!

وفيها: في الثامن عشر من ذي الحجّة أقامت الشيعة مراسم عيدالغدير، ولم يتحدّث التاريخ لنا بشيء حدث فيه.

وقال ابن كثير: وفي ثاني عشر ذي الحجة منها علمت الروافض عيد غدير خم...

وهو غلط واضح لعلّه من النسّاخ، اذ أن يوم عيد الغدير هو اليوم الثامن عشر.

٥٤

المنتظم: ٧/٢٤، البداية والنهاية: ١١/٢٥٥.

سنة ٣٥٥هـ:

فيها: في العاشر من محرّم أقامت الشيعة عزاءها على الحسين الشهيد عليه السلام والنوح والبكاء، ولم يحدث شيء والحمد لله.

وقال ابن كثير: في عاشر المحرّم عملت الروافض بدعتهم الشنعاء!! وضلالتهم الصلعاء!! على عادتهم ببغداد.

وهنا ابن كثير يتألّم كيف انتهت المراسم بسلامةٍ، ولم يقتل السنة الشيعة ولم يهجموا عليهم، فأبدى حقده هذا بهذه العبارات السقيمة وسوء الأدب، يريد جرح عواطف الشيعة الّذين يحترمون هذا اليوم ويعظموه، فإنّا لله وإنّا اليه راجعون.

المنتظم: ٧/٣٣، البداية والنهاية: ١١/٢٦٠، النجوم الزاهرة: ٤/١١.

سنة ٣٥٦هـ:

فيها: عملت الشيعة المراسم في اليوم العاشر من المحرّم، ولم ينقل لنا التاريخ وقوع حرب أو فتنة، وله الحمد.

المنتظم: ٧/٤٨، مرآة الجنان: ٢/٣٥٨، العبر: ٢/٢٠٣، تاريخ الاسلام: ٣٧ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ، شذرات الذهب: ٣/١٨، البداية والنهاية: ١١/٢٦٢، النجوم الزاهرة: ٤/١٤.

سنة ٣٥٧هـ:

فيها: في اليوم العاشر من المحرّم تمّت مراسم العزاء بسلامٍ، والحمد لله.

٥٥

المنتظم: ٧/٤٣، البداية والنهاية: ١١/٢٦٥، النجوم الزاهرة: ٤/١٨، الكامل في التاريخ: ٨/٥٨٩، تاريخ الاسلام: ٣٩ حوادث ووفيات ٣٥١هـ ٣٨٠هـ.

وفيها: في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة عملت الشيعة مراسم الفرح والسرور لعيد الغدير، ولم ينقل حدوث فتنةٍ، والحمد للّه.

المنتظم: ٧/٤٣، الكامل في التاريخ: ٨/٥٨٩، تاريخ الاسلام: ٣٩ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ، البداية والنهاية: ١١/٢٦٥.

سنة ٣٥٨هـ:

فيها: في اليوم العاشر من المحرّم أقامت الشيعة في بغداد العزاء على الحسين بن علي وإغلاق الأسواق وتعطيل المعاش وإظهار النوح، ولم يحدث في المراسم قتال ولافتنة، والحمد لله.

وقال الذهبي: وأقامت الرافضة الشعار الجاهلي يوم عاشوراء...

الشعار الجاهلي!! وهل بلغت الوقاحة إلىهذه الدرجة كي يعبّر عن إقامة المراسم على الحسين سيد الشهداء بالشعار الجاهلي؟ ألم يك على الحسين كلّ موجود من السماء والأرض والحيوانات والملائكة والجن واقاموا المأتم على الحسين، كلّ هذا ورسول الله وعلي هما أقاما مأتماً على الحسين، فيا عجباً من أمّة تقتل ابن بنت رسولها وتسمّي من يجلس له مأتماً ويبكي عليه: شعاراً جاهلياً!

المنتظم: ٧/٤٧، الكامل في التاريخ: ٨/٦٠٠، تاريخ الاسلام: ٤٣ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ، البداية والنهاية: ١١/٢٦٦، النجوم الزاهرة: ٤/٢٥.

وفيها: في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة، أقام الشيعة مراسمهم من إظهار الفرح بيوم عيدالغدير الأغرّ، ولم يتعرّض لهم أحد ولا منعهم، وله الحمد.

٥٦

المنتظم: ٧/٤٧، البداية والنهاية: ١١/٢٦٦، النجوم الزاهرة: ٤/٢٥، تاريخ الاسلام: ٤٣ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ.

سنة ٣٥٩هـ:

فيها: في العاشر من المحرّم تمّت مراسم العزاء من دون منعٍ وتعرّضٍ، والحمد لله.

وقال ابن كثير: في عاشر المحرّم عملت الرافضة بدعتهم الشنعاء....

وقال الأتابكي: اقامت الرافضة المأتم... على عادتهم وفعلهم القبيح....

وهنا أيضاً لم يسلم المأتم من الهجوم والتعرّض، نعم سلم في وقت إقامته، ولم يسلم من المؤرّخين!

المنتظم: ٧/٥١، تاريخ الاسلام: ٤٥ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ، البداية والنهاية: ١١/٢٦٧، النجوم الزاهرة: ٤/٥٦.

سنة ٣٦٠هـ:

فيها: في يوم العاشر من المحرّم أقام الشيعة المأتم على الحسين الشهيد، ولم ينقل التاريخ حدوث فتنة أو تعرّضٍ، والحمد لله.

قال ابن كثير: في عاشر محرّمها عملت الرافضة بدعتهم المحرّمة....

ولا جواب على قوله: بعدتهم المحرّمة غير قوله تعالى: (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً).

المنتظم: ٧/٥٣، النجوم الزاهرة: ٤/٥٧، تاريخ الاسلام: ٤٧ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ.

٥٧

وفيها: في ثامن عشر ذي الحجّة، أقامت الشيعة مراسم العيد والسرور بمناسبة عيدالغدير الأغرّ، ولم يحدث شيء من القتل والنهب، والحمد لله.

تاريخ الاسلام: ٤٧ حوادث ووفيات ٣٥١هـ ٣٨٠هـ، النجوم الزاهرة: ٤/٥٧.

سنة ٣٦١هـ:

فيها: في يوم العاشر من المحرّم أقامت الشيعة مراسم العزاء على الحسين سيد الشهداء، ولم يحدث شيء، وله الحمد والمنّة.

قال ابن كثير: في عاشر المحرم عملت الروافض بدعتهم....

وقال الحافظ الذهبي: أقامت الشيعة بدعة عاشوراء.

ومرّة أخرى سلمت المآتم من القتل والنهب، ولم تسلم من أقلام المؤرّخين الجارحة!.

المنتظم: ٧/٧٥، النجوم الزاهرة: ٤/٦٢، تاريخ الاسلام: ٢٤٥ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ، البداية والنهاية: ١١/٢٧١.

وفيها: وقعت فتنة عظيمة ببغداد وظهرت العصبية الزائدة، وظهر العيّارون وأظهروا الفساد وأخذوا أموال الناس، وكان سبب ذلك أنّ العامة لمّا تجهّزت للغزاة وقعت بينهم فتنة شديدة بين الشيعة والسنة، وأحرق اهل السنّة دور الشيعة في الكرخ وكانت معدن التجار الشيعة ونهبت الأموال وقتل جميع غفيرٍ، وجرى بسبب ذلك فتنة بين النقيب أبي أحمد الموسوي والوزير أبي الفضل الشيرازي وعداوة.

الكامل في التاريخ: ٨/٦١٩، البداية والنهاية: ١١/٢٧١.

والنقيب ابو أحمد الموسوي هو الحسين بن موسى بن محمد بن ابراهيم بن موسى بن جعفر، ولد سنة ٣٠٤هـ، وكان يلقب بالطاهر وبذي المناقب والأوحد،

٥٨

ولاّه بهاء الدولة قضاء القضاة فلم يمكّنه القادر بالله، ولي النقابة عدّة مرّات، توفي سنة ٤٠٠هـ عن سبع وتسعين سنة، وصلّى عليه ابنه المرتضى، ودفن في داره ثمّ نقل إلى مشهد الحسين عليه السلام.

المنتظم ٧/٢٤٧، الكامل في التاريخ: ٩/١٨٢.

والوزير ابو الفضل الشيرازي هو عباس بن الحسين، وكان وزيراً لعزّ الدولة، وكان ظالما، فقبض عليه وقتل في ربيع الآخر من سنة ٣٦٣هـ وعمره تسع وخمسون سنة.

وهنا تلاحظ بوضوح أنّ السنّة تحرّكت ضدّ الشيعة لمّا تجهّزت للغزاة، فلمّا احسّت السنّة بالقوّة وكثرة الجمع والتجهّز بالسلاح، جملوا على الشيعة، وأحرقوا دورهم بالكرخ، فهم على استعدادٍ كاملٍ للهجوم على الشيعة وإبادتهم، فمتى حصلوا على فرصة مناسبة جعلوا كلّ ما لديهم من قوّة ضدّ الشيعة، وكأنهم يهود أو نصارى، كلاّ حتّى معاملتهم مع اليهود والنصارى والزنادقة كانت أفضل بكثير من معاملتهم مع الشيعة!.

سنة ٣٦٢هـ:

فيها: في العاشر من المحرّم، اختلف النقل عن وقوع مراسم المأتم أم لا:

فقال ابن كثير: في عاشر محرمها عملت الروافض من النياحة وتعليق المسوح وغلق الأسواق كما تقدّم قبلها.

وقال الأتابكي: فيها لم تعمل الرافضة المأتم ببغداد بسبب ما جرى على المسلمين من الروم، وكان عزّ الدولة بختيار بن بويه بواسط، والحاجب سبكتكين ببغداد، وكان سبكتكين المذكور يميل إلى السنّة، فمنهم من ذلك.

٥٩

البداية والنهاية: ١١/٢٧٣، النجوم الزاهرة: ٤/٦٥.

وماذنب الشيعة فيما جرى على المسلمين من الروم؟! أوليست الحرب كرّ وفرّ؟! ولكن التعصّب ضدّ الشيعة والأحقاد الدفينة في القلوب، جعلت أهل السنّة يتربصون بالشيعة لقتلهم ونهبهم فالشيعة على ممرّ العصور مظلومون من قبل الحكام والناس، وإذا ما جاءت حكومة أعطت للشيعة فرصة قليلة، فالسنّة تتضاعف أحقادهم ويشرعون بقتل الشيعة وإباحتهم، وعزّ الدولة كان قد اعطى للشيعة نوعاً من الحريّة، ففي غيابه أبدت السنّة أحقادها ومنعت الشيعة من إقامة العزاء! وعلّلوه بما جرى على المسلمين من الروم!!!.

وعزّ الدولة هو ابو منصور بختيار بن معزّ الدولة بن بويه، عقد له الأمر والده من بعده يوم الجمعة لثمان خلون من المحرّم سنة ٣٤٤هـ، وبايع له الأجناد، جلس في السلطنة بعد وفاة أبيه يوم الثلاثاء عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة ٣٥٦هـ، قتل في الثامن عشر من شوّال سنة ٣٦٧هـ بعد أن اسرّه عضد الدولة ابن محمد وأمر بقتله.

نهاية الأرب ٢٦/١٩٤ - ٢١٠.

وسبكتكين هو حاجب معزّ الدولة، كان الطائع لله قد خلع عليه خلعة الملوك وطوّقه ولقّبه نصر الدولة، فلم تطل أيامه، توفي في المحرم.

شذرات الذهب: ٣/٤٨.

وفيها: ضرب صاحب المعونة رجلاً من العامة فمات، فثارت عليه العامة وجماعة من الأتراك، فهرب منهم، فدخل داراً فأخرجوه مسجوناً وقتلوه وحرقوه، فركب الوزير ابو الفضل الشيرازي - وكان شديد التعصّب للسنّة - وبعث حاجبه إلى أهل الكرخ، فألقى في دورهم النار، فاحترقت طائفة كثيرة من الدور والأموال، من

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

جملة عارضة:

لقد بدأ ابن تيميه كلامه بنفي الثابت، وإثبات المنفي، ومحاولة النيل من شخص أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ، وتفضيل الخوارج وبني أميّة على شيعة عليّ وأهل بيت النبوّة الطاهر؛ إلاّ أنّه، ولدفع دَخَلٍ، قد ذكر في تفريعه الثاني «أنّ إخبارهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّ عليّاً يحبّ الله ورسوله، ويحبُّه اللهُ ورسوله حقّ»، وعقّب بعدها بشتم الشيعة والتشكيك بإيمان أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام !

نقول: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا بعث من بعث، لم يقل بشأن أحدٍ منهم، ما قاله بحقّ عليّعليه‌السلام ، فماذا يعني ذلك؟ ولقد قرنصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك الحبّ الخاصّ بتحقيق النّصر والفتح على يَدي عليّعليه‌السلام ؛ ولذا لسنا - بعد هذا - بحاجة إلى شهادة ابن تيميه وأضرابه!

الخوارج

أفصح ابن تيميه عمّا في نفسه فألقاه على لسان الخوارج ليقول بردّة أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ، وموته على الكفر!

وقبل الحديث حول الخوارج وما جاء فيهم من أحاديث توجب قتلهم، وأنّ لقاتلهم من الأجر الجزيل، نذكر طرفاً من أخبارهم تُظهر جهالتهم وأنّهم رجال سوء؛ ومع ذلك لم نجدهم قد كفّروا أميرالمؤمنينعليه‌السلام . فمِن خبرِهم: بعد أن فرغ أميرالمؤمنينعليه‌السلام من قتال (الناكثين) أهل الجَمَل، بدأت فتنة (القاسطين) في الشام، فقد أعلن معاوية تمرّده وخروجه على أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ؛ فكانت

١٠١

وقعة صفّين، وكانت أشدّ أيذامها هي الواقعة الخميسيّة، نسبةً إلى اليوم الذي حصلت فيه وهو: يوم الخميس؛ وتسمّى أيضاً «ليلة الهرير»؛ سمّيت بذلك لشدّتها، حيث جعل بعضهم يهرّ على بعض، ويعتنق بعضهم بعضاً، وجعل عليّعليه‌السلام يقف ساعةً بعد ساعةٍ ويرفع رأسه إلى السماء وهو يقول: «اللّهمّ إليك نُقِلَت الأقدام، وأفضت القلوب، ورُفعت الأيدي، وامتدّت الأعناق، وشخصت الأبصار، وطُلبت الحوائج...»« رَبّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ) (١) .

ثمّ إنّه حمل في سواد اللّيل وحملت مع الناس، فكلّما قتل بيده رجلاً من أهل الشام كبّر تكبيرة، حتّى أحصي له ما يزيد على خمسمائة تكبيرة، في كلّ تكبيرة له قتيل(٢) .

رفعُ المصاحف

صبيحة تلك اللّيلة، كاد أمير المؤمنينعليه‌السلام أن يحسم المعركة بالنصر المؤزّر ويُنهيَ الفتنة، وقد أشرف مالك الأشتر على دخول عسكر معاوية. وهنا وقعت الفتنة، إذ قال معاوية لعمرو بن العاص: ويحك أبا عبدالله! أين حيَلُك التي كنتُ أعرفها منك؟ فقال عمرو: تريد ماذا؟ قال: أُريد أن تسكّن هذه الحروب؛ فقد أُبيد أهل الشام. فقال عمرو: إن أحببتَ فأمر بالمصاحف أن تُرفع على رؤوس الرماح، ثمّ ادعهم إليها. فأمر معاوية بالمصاحف فرفعت على رؤوس

____________________

(١) الأعراف: ٨٩.

(٢) وقعة صفين لنصر بن مزاحم (ت ٢١٢ هـ) ٤٧٧، وفي الفتوح لابن أعثم (ت ٣١٤ هـ) قال: خمسمائة تكبيرة وثلاثٌ وعشرون تكبيرة (الفتوح ٢: ١٧٨).

١٠٢

الرماح، وصاح أهل الشام: يا عليّ اتّق الله أنت وأصحابك في هذه البقيّة، هذا كتاب الله بيننا وبينكم(١) .

الفتنة

في هذه المرحلة الحاسمة، وقع اللّجاج في صفوف جيش أميرالمؤمنينعليه‌السلام في شأن المصاحف المرفوعة؛ فالذين ملّوا الحرب وفي نفوسهم مرض تداعوا مطالبين أميرالمؤمنينعليه‌السلام بوقف الحرب والإجابة إلى حُكم القرآن! فقال لهم: «ويحكم! أنا أوّلُ من دعا إلى كتاب الله وأوّل من أجاب إليه، وليس يحلّ لي ولا يسعُني في ديني أن أُدعى إلى كتاب الله فلا أقبله، إني إنّما قاتلتهم ليدينوا بحُكم القرآن، فإنّهم قد عصَوُا الله فيما أمرهم فيه، ونقضوا عهده ونبذوا كتابه، ولكنّي قد أعلمتكم أنّهم قد كادوكم، وأنّهم ليس العمل بالقرآن يريدون»(٢) .

إلاّ أنّ الفرقة المارقة أصرّت على موقفها وحملته على أن يبعث إلى الأشتر وبذلك انقلب الموقف ونجا معاوية الذي كان يمنّي نفسه الفرار، فلقد كان بعد ذلك يقول: «واللهِ رجع عنّي الأشتر يوم رفع المصاحف، وأنا أُريد أن أسأله أن يأخذ لي الأمان من عليّ، وقد هممتُ بالهرب»(٣) .

____________________

(١) الفتوح ٢: ١٧٩، وفي وقعة صفّين بتوسّع واختلاف في بعض الألفاظ.

(٢) وقعة صفّين ٤٨٩ - ٤٩٠، الفتوح ٢: ١٨٣، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢: ٢١٧.

(٣) الفتوح ٢: ١٨٥.

١٠٣

الهُدنة

بعد الذي كان من المارقين، توقّف الناس عن القتال وجرت مكاتبات طويلة انتهت بالاتّفاق على عقد هدنة مدّتها سنة، وكتبوا بذلك كتاباً وموثقاً وتقرّر أن يعيّن كلُّ فريق حكماً يرضون حكمه. فاختار أهل الشام: عمرو بن العاص، واختار الأشعث والذين صاروا خوارج بعد ذلك أبا موسى الأشعريّ، رغم رفض أمير المؤمنينعليه‌السلام له!

رفض التحكيم

بعد كتابة الكتاب وشهادة الشهود؛ خرج الأشعث بنسخةٍ منه يقرؤها على الناس، فتعالت أصوات المخالفين لأمير المؤمنينعليه‌السلام : لا حُكم إلا لله، الحُكم لله يا عليّ لا لك! لا نرضى أن يُحكِّم الرّجال في دين الله، وقد كنّا زللنا وأخطأنا حين رضينا بالحكمين، وقد بان لنا خطأنا وزللُنا فرجعنا إلى الله وتبنا! فارجع أنت يا عليّ كما رجعنا، وتُبت إلى الله كما تُبنا، وإلاّ برئنا منك!

فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ويحكم! أبعدَ الرّضى والميثاق والعهد نرجع؟!

أليس الله تعالى قد قال:« أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) ، وقال:« وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتّمْ وَلاَ تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً » (٢) . فأبى عليّعليه‌السلام أن يرجع، وأبت الخوارج إلاّ تضليل التحكيم والطعن فيه، فبرِئتْ من

____________________

(١) وقعة صفّين ٤٠٨ - ٥٥٢، الفتوح ٣: ٣١٨ - ٣٢٥ و ٤: ٨٩ - ٩٠، وشرح نهج البلاغة ٢: ٢٩.

١٠٤

عليّعليه‌السلام ، برئ عليّ منهم.

فلمّا رجع أهل العراق لعراقهم، وأهل الشام لشامهم، انحاز مخالفوا أمير المؤمنينعليه‌السلام وساروا حتّى نزلوا بحروراء، وأمّروا عليهم عبد الله بن الكوّاء(١) .

وقفة تأمّل

إن الخوارج الذين أقامهم ابن تيميه بيّنةً على تضليل الشيعة وتكفير أميرالمؤمنينعليه‌السلام ؛ قد وجدناهم غارقين في وحل جهل مظلم وأعرابيّة غليظة أوردتهم المهالك! فهم الذين حملوا أميرالمؤمنينعليه‌السلام على قبول التحكيم عملاً منهم بخديعة ابن العاص، ورفضوا عبد الله بن عبّاس الذي اختاره عليٌّ حكماً له، وأصرّوا على أبي موسى الأشعريّ ولم يكن موضع رضى أميرالمؤمنين لأسبابٍ بيّنها لهم، فإذا صار التحكيم والاتّفاق على عقد هدنة أمدها سنة؛ رفضوا التحكيم! وحجّتهم أنّه لا يجوز تحكيم الرجال في دين الله! إلاّ أنّهم كانوا أصدق من ابن تيميه إذ ردّوا الخطأ إلى أنفسهم، ولكنّهم انتقلوا إلى مفارقة أُخرى.

فقد طلبوا من أمير المؤمنينعليه‌السلام أن يتوب من ذنب ارتكبوه هُم! فينقض العهد والميثاق بعد توكيده، فأبىعليه‌السلام مستدلاًّ عليهم بكتاب الله؛ فلمّا انتهوا إلى الحدّ هذا؛ فارقوا أميرالمؤمنينعليه‌السلام وعاثوا فساداً؛ والمرء مع من أحبّ!

١٠٥

مناظرة ابن عبّاس للخوارج

بعد انحياز الخوارج إلى حروراء، قرية قرب الكوفة، بعث أمير المؤمنين إليهم ابن عبّاس ليناظرهم، فأقبل عليهم ابن عبّاس وطلب أن يخرج إليه رجل منهم ليكلّمه، فخرج إليه: عتاب بن الأعور الثعلبيّ، فحاججه ابنُ عبّاس حتّى ألزمه الحجّة، وحمله على أن يقول: إنّا للهِ وإنّا إليه راجعون، ويحك يا ابن عباس! احتلتَ واللهِ حتّى أوقعتني في أمر، وألزمتني الحجّة حتّى جعلتني ممّن أُخرّب دار الله. لكن ويحك يا ابن عبّاس! فكيف التخليص ممّا أنا فيه؟ قال ابن عبّاس: الحيلة في ذلك أن تسعى في عمارة ما أخْربته الأمّة من دار الإسلام. قال: فدُلّنيعلى السّعي في ذلك. قال ابن عبّاس: إنّ اوّل ما يجب عليك في ذلك أن تعلم من سعى في خراب هذه الدار فتعاديَه، وتعلم من يريد عمارتها فتُواليَه. قال: صدقت يا ابن عبّاس، واللهِ ما أعرفُ أحداً في هذا الوقت يحبّ عمارة دار الإسلام غير ابن عمّك عليّ بن أبي طالب، لو لا أنّه حكّم عبد الله بن قيس(١) في حقٍّ هو لَهُ!...؛ فصاحت الخوارج: هيهات يا ابن عبّاس! نحن لا نتولّى عليّاً بعد هذا اليوم أبداً، فارجع إليه وقل له فليخرج إلينا بنفسه حتّى نحتجّ عليه ويسمع من كلامنا.

فخرج عبد الله بن عبّاس إلى عليّعليه‌السلام ، فخبّره بذلك، فركب إلى القوم في مائة رجل من أصحابه حتّى وافاهم بحروراء، فلمّا بلغ ذلك الخوارج ركب عبد

____________________

(١) هو أبو موسى الأشعريّ.

١٠٦

الله بن الكوّاء في مائة رجل من أصحابه حتّى واقفه، فقال له أمير المؤمنين: يا ابن الكوّاء، إنّ الكلام كثير، ابرزْ إليّ من أصحابك حتّى أُكلّمك؛ قال ابن الكوّاء: وأنا آمنٌ من سيفك؟ قالعليه‌السلام نعم، وأنت آمنٌ من سيفي. فخرج ابن الكوّاء في عشرةٍ من أصحابه، ودنوا من عليّعليه‌السلام فذكر عليّعليه‌السلام الحرب الذي كان بينه وبين معاوية، وذكر اليوم الذي رُفعت فيه المصاحف وكيف اتّفقوا على الحكمين...، ومخالفة الخوارج له، فانحاز ابن الكوّاء مع العشرة الذين معه إلى صفّ أمير المؤمنين، وقد رجعوا عن رأي الخوارج، ومضى الباقون وهم يقولون: لا حُكمَ إلاّ لله ولا طاعة لمن عصى الله(١) .

وقفة تأمّل أخرى

لقد وجدنا فيما ذكرنا أنّ عتاب بن الأعور الثعلبيّ الخارجيّ قد أقرّ لابن عبّاس أنّه قد ألزمه الحجّة، وأنّ سعي الخوارج فسادٌ في الأرض، وأنّ الحقّ مع أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ، فأين هذا ممّا ادّعاه ابن تيميه؟!

وقد وجدنا ابن الكوّاء، وهو رأس الخوارج، بعد مناظرة أمير المؤمنينعليه‌السلام له، قد رجع هو والعشرةُ الذين كانوا معه عن رأي الخوارج وصاروا إلى صفّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وأمّا بقيّة الخوارج فإنّهم قد استزلّهم الشيطان وركبتهم الحميّة الجاهليّة، ومضوا ينادون:لا حُكمَ إلاّ لله ولا طاعة لمن عصى الله؛ أي أنّهم لم يكفّروا عليّاًعليه‌السلام كما زعم ابن تيميه.

____________________

(١) الفتوح ٤: ٩٠ -٩٧.

١٠٧

مقتل عبد الله بن خَبّاب بن الأَرَتّ

إنّ الخوارج الذين تشدّق ابن تيميه بهم وجعلهم حجّةً على الإمام عليّعليه‌السلام وشيعته، عاثوا في الأرض فساداً؛ فبعد انحياز رئيسهم ابن الكوّاء وعشرةٍ منهم إلى صفّ أميرالمؤمنينعليه‌السلام ؛ تدارسوا أمرهم فأمّروا عليهم عبد الله بن وهب التّميميّ الراسبيّ، وحرقوص بن زهير البَجَليّ. وعقدوا العزم على أن يعسكروا بالنَّهروان والتحق بهم أصحابٌ لهم من البصرة مع مِسعَر بن فدكيّ التميميّ، فاستعرض هؤلاء الناس في طريقهم، فإذا هم برجلٍ يسوق بامرأتِه على حمارٍ له، فدعوه وانتهروه ورعّبوه، وقالوا له: من أنت؟ فقال: رجلٌ مؤمن. قالوا: فما اسمُك؟ قال: أنا عبد الله بن خبّات بن الأرتّ، صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فكفّوا عنه، قالوا له: ما تقول في عليّ؟ قال: أقول: إنّه أمير المؤمنين وإمام المسلمين وحدّثني أبي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: «ستكون فتنة يموت فيها قلب الرجل، فيُصبح مؤمناً ويُمسي كافراً؛ ويُمسي مؤمناً ويُصبح كافراً». فقالوا: والله لنقتلنّك قتلةً ما قُتِلَها أحد! وأخذوه فكتّفوه، ثم أقبلوا به وبامرأته وهي حُبلى مُتمّ حتّى نزلوا تحت نخل فسقطت رطبة منها، فقذفها بعضهم في فيه، فقال له رجل منهم: أبغير حِلّها ولا ثمن لها؟! فألقاها من فيه واخترط سيفه فمرّ به خنزير لذمّيّ فقتله، فقال له بعض أصحابه: إنّ هذا لمن الفاسد في الأرض! فطلب صاحب الخنزير حتّى أرضاه، فقال ابن خبّاب: لئن كنتم صادقين فيما أرى وأسمع؛ إنّي لآمنٌ من شرّكم. فجاءوا به وألقوا به على الخنزير فذبحوه، وبقروا بطن امرأته وهي تقول: أما تتّقون الله؟! وقتلوا ثلاث نسوةٍ كُنّ معها.

١٠٨

وقد قال الخوارج لعبد الله بن خبّاب ساعة ذبحه: إنّ هذا الذي في عنقك يأمرنا بقتلك! وكان في عنقه مصحف. وساوموا رجلاً نصرانيّاً بنخلةٍ له، فقال: هي لكم، فقالوا: ما كنّا لنأخذها إلاّ بثمن، فقال: واعجباه! أتقتلون مثل عبد الله بن خبّاب ولا تقبلون جَنا خلة إلاّ بثمن؟!

وبلغ أميرَ المؤمنينعليه‌السلام ما اجترأه الخوارج من ترويع الناس بالاستعراض، وقتلهم عبد الله بن خبّاب وتلكُم النّسوة، فبعث إليهم الحارث بن مرّة العبديّ ليأتيهم فينظر فيما بلغه عنهم، فخرجوا إليه فقتلوه(١) .

سؤال

قومٌ يقتلون صحابيّاً ولم يكن رافضيّاً! لأنّه صدقهم القول في معتقده في عليّعليه‌السلام ، ويبقرون بطن امرأته الحامل فيقتلونها مع ثلاث نسوة! والإسلام يأبى قتل النساء والذّريّة، وهذا هو مبدأ الإمام عليّعليه‌السلام في حروبه كلّها، وهم إذ يقتلون المؤمنين من غير ذنب، فإنّهم يرون للخنزير حرمةً لا يجوز هتكها، وحمل سلوكهم رجلاً نصرانيّاً أن قال لهم: «واعجباه! أتقتلون مثل عبد الله بن خبّاب ولا تقبلون جنا نخلةٍ إلاّ بثمن؟!»؛ وإنّ من مبادئ الإسلام حرمة قتل الرّسل، فما بالُهم عَدَوا على رسول الإمام عليّعليه‌السلام فقتلوه؟!

كلّ هذه المفاسد العظيمة، وما سبقها من إقرارٍ على أنفسهم وانحياز أميرهم

____________________

(١) الإمامة والسياسة لابن قتيبة ١: ١٢٢، وأنساب الأشراف للبلاذريّ ٣: ١٤١، وتاريخ الطبري ٤: ٦١، والفتوح ٤: ١٩٨.

١٠٩

وعشرة آخرين منهم إلى صفّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ؛ وما سنذكره من رجوع ألوف منهم، ومع كلّ ذاك يبقى الخوارج حجّة عند ابن تيميه فيما ذكر!!

مناظرة أمير المؤمنينعليه‌السلام للخوارج

بعد الذي كان من الخوارج، سار إليهم أمير المؤمنينعليه‌السلام بأصحابه، حتّى إذا صار قريباً من النهروان جاء رجلٌ يعدو، فسأله أمير المؤمنين: ما وراءك؟ فقال: إنّ القوم لمّا علموا أنّك تقاربت منهم عبروا النهروان هاربين، فقالعليه‌السلام : أنت رأيتهم حين عبروا؟ قال نعم؛ فقال له: كلاّ والذي بعث محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله بالحقّ نبيّاً، لا يعبرون حتّى يَقتُلَ اللهُ مقاتلتهم على يدي، فلا يبقى منهم إلاّ أقل من عشرة، ولا يقتل من أصحابي إلاّ أقلّ من عشرة، ذلك عهدٌ معهود وقضاءٌ مقضيّ(١) .

ولمّا صار قبالة القوم مدّوا الرماح في وجهه وهم يقولون: لا حكم إلاّ للهِ، فقال أميرالمؤمنين: لا أنتظر فيكم إلا حُكم الله(٢) .

ثمّ إنّهعليه‌السلام دخل معهم في مناظرة طويلة، فكانوا كلّما أشكلوا عليه أمراً أجابهم بدليلٍ من القرآن أو السنّة، حتّى قطع جميع حججهم، وجعل بعضُهم يقول لبعض: صدق فيما قال، ولقد دحَضَ جميع ما احتججنا عليه؛ ثمّ صاح القوم من كلّ ناحية وقالوا: التوبةَ التوبة يا أمير المؤمنين!

فاستأمن إليه منهم ثمانية آلاف، وبقي على حربه أربعة آلاف، وأقبلعليه‌السلام

____________________

(١) الفتوح ٤: ١٢٠، والكامل للمبرد ٥٤٣.

(٢) الفتوح ٤: ٢٦٨.

١١٠

إلى هؤلاء المستأمنين إليه فقال: اعتزلوا عنّي في وقتكم هذا وذروني والقوم.

ثمّ اشتبك العسكران في معركة عدم نظيرها؛ فلم يُقتَل من أصحاب أميرالمؤمنينعليه‌السلام إلاّ ثمانية، وقيل: تسعة رجال، ولم يفلت من الأربعة آلاف خارجيّ إلاّ تسعة رجال، انتهى أحدُهم إلى قرب حرّان؛ ونسله فيها(١) ، وهي المدينة التي ولد فيها ابن تيميه وترعرع بها.

تعقيب

إنّ الخوارج، لمّا فنّد أميرالمؤمنينعليه‌السلام آراءهم وأبطل حججهم فأعلنوا توبتهم، نادوا عليّاًعليه‌السلام بأمرة المؤمنين، ممّا يعني أنّهم كانوا يعتقدون ذلك ولكن استحوذ عليهم الشيطان ثمّ ثابوا إلى رُشْدهم، ولم يبق إلاّ مَن حقّ عليه العذاب فما الدنيا أصابوا وهم في الآخرة من الخاسرين.

وقبل ذكر ما ورد فيهم من الأحاديث نقول لابن تيميه: هلاّ كنت مع الثمانية آلاف، وأحد عشر ممّن سبقهم إلى التوبة - ابن الكوّاء وجماعته - فكنت معهم في صفّ عليّ وشيعته، لا مع أهل اللّجاجة ممّن أخبر الإمام عليّعليه‌السلام أنّه لن ينجو منهم إلاّ دون العشرة؛ فكان كما قال؟!

الأخبار والآثار الواردة في الخوارج

ذو الخُوَيصرة التّميميّ: وهو الخارجيّ الأوّل، ومن قصّته: حينما كان رسول

____________________

(١) الفتوح ٤: ٢٦٩ - ٢٧٥.

١١١

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يعطي الناس من أموال حنين، جاء ذو الخويصرة التّميميّ فقال: يا محمّد، قد رأيتُ ما صنعتَ في هذا اليوم، فقال رسول الله أجل، فكيف رأيت؟ قال: لم أرك عدلتَ؛ فغضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ قال: ويحك! إذا لم يكن العدلُ عندي فعند من يكون؟! فقال عمر بن الخطّاب: يا رسول الله، ألا أقتله؟ فقال: «لا، دَعهُ، فإنّه سيكون له شيعة يتعمّقون في الدّين حتّى يخرجوا منه كما يخرج السّهم من الرّميّة، يُنظَر في النَّصل فلا يوجد شيء، ثمّ في القِدْح فلا يوجد شيء، ثمّ في الفوق فلا يوجد شيء، سبق الفرث والدمّ»(١) .

رواية جابر: مسلم صاحب الصحيح: حدّثنا محمّد بن رمح بن المهاجر، أخبرنا اللّيث عن يحيى بن سعيد، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله قال: أتى رجلٌ رسولَ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالجعرانة منصرفه من حنين، وفي ثوب بلال فضّة، ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقبض منها يعطي الناس، فقال: يا محمّد! أعدل! قال: ويلك ومن يعدل إذا لم أكن أعدل؟! لقد خِبتَ وخسرت إن لم أكن أعدل فقال عمر: دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق، فقال: معاذ الله أن يتحدّث الناس أنّي أقتل أصحابي إنّ هذا وأصحابه يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون منه كما يمرق السهم

____________________

(١) السيرة النبويّة، لابن هشام ٤: ١٣٩.

«يتعمّقون في الدّين» أي يتتبّعون أقصاه، «والنّصل»: حديد السهم. و «القدح»: السّهم.

والفوق: طرف السهم الذي يباشر الوتر. و«الفرث»: ما يوجد في الكرش. والمعنى: أنّهم ليس لهم من الدّين شيء، كالسهم يخترق البدن ويخرج من غير أن يعلق به أثر من دم وغيره.

١١٢

من الرَّمِيّة.(١)

كلمة مع ابن تيميه: ذو الخويصرة هو الخارجيّ الأوّل، له أصحاب؛ فخرج هو على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وخرج أصحابه على عليّعليه‌السلام الذي هو نفس رسول الله كما في آية المباهلة، وأخوه يوم المؤاخاة، وقد أنكرته يا ابن تيميه وأثبتناه، وبحديث المنزلة إذ هارون أخو موسىعليهما‌السلام ...؛ وأنت تتولّى الخوارج من غير

____________________

(١) صحيح مسلم، بشرح النوويّ ٧: ١٥٩.

ذكر النوويّ هامش المصدر: قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: إنّ من سبّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كُفِّر وقتل، وهذا الرجل قال: اعدل يا محمّد واتّق الله يا محمّد، وخاطبه خطاب المواجهة بحضرة الملأ حتّى استأذن وخالد في قتله؛ فقال: معاذ الله أن يتحدّث الناس أن محمّداً يقتل أصحابه! فهذه هي العلّة. وسلك معه مسلكه مع المنافقين الذين آذوه وسمع منهم في غير موطن ما كرهه، لكنّه صبر استبقاءً لانقيادهم وتأليفاً لغيرهم، لئلاّ يتحدّث الناس أنّه يقتل أصحابه فينفروا. وقد رأى الناس هذا الصنف في جماعتهم، وعدوّه من جملتهم. قوله ٩: «ومن يعدل إذا لم أكن أعدل؟ لقد خبت وخسرتَ»، روي بفتح التاء في خبتَ وخسرت، وبضمّهما فيهما، ومعنى الضّم ظاهرٌ؛ وتقدير الفتح: خبت أنت أيّها التابع إذا كنتُ لا أعدل لكونك تابعاً ومقتدياً بمن لا يعدل، والفتح أشهر والله أعلم. قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم» قال القاضي - عياض -: فيه تأويلان، أحدهما معناه: لا تفقهه قلوبهم ولا ينتفعون بما تلوا منه، ولا لهم حظّ فيه سوى تلاوة الفم: الحنجرة والحلق، إذ بهما تقطيع الحروف. والثاني: معناه لا يصعد لهم عمل ولا تلاوة. قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله «يمرقون منه كما يمرق السهم من الرميّة»، وفي الرواية الأُخرى يمرقون من الإسلام، معناه: يخرجون منه خروج السهم إذا نفذ الصيد من جهة أخرى ولم يتعلّق به شيء منه.

وقال الخطابيّ: هو هنا الطاعة، أي من طاعة الإمام، وفي هذه الأحاديث دليل لمن يُكفّر الخوارج.

١١٣

تمييز، فبالضرورة أنّك تتولّى الخارجيّ الأوّل، فهل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عادل عندك؟!

رواية أبي ذرّ: مسلم: حدّثنا شيبان بن فرّوخ، حدّثنا سليمان بن المُغيرة، حدّثنا حُميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذرّ قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ بعدي من أمّتي قومٌ يقرأون القرآن لا يجاوز حلاقِيَهم، يخرجون من الدّين كما يخرج السهم من الرّميّة ثم لا يعودون فيه، هم شرُّ الخلق والخليقة».

فقال ابن الصامت: لقيت رافع بن عمرو الغفاريّ أخا الحكم الغفاريّ فقلت له: ما حديث سمعته من أبي ذرّ كذا وكذا؛ فقال وأنا سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

فالخوارج شرّ خلق الله، وفسّر ذلك بخروجهم من الدين، ومن طاعة الإمام، وكلُّ ذلك متحقّق في الخوارج منفيّ عن شيعة أهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد ذكرنا شيئاً من أخبارهم وفساد معتقدهم وفساد سلوكهم، ونعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إيّاهم بسنده عن أبي سعيد الخُدريّ؛ من حديث توزيع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مغنماً بعثه إليه الإمام عليّعليه‌السلام ، وفيه: فجاء رجلٌ كثُّ اللّحية مشرف الوجنتين غائر العينين ناتئ الجبين محلوق الرأس(٢) ؛ فقال: اتّق الله يا محمّد، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «فمن يطع الله إن عصيتُه، أيأمَنُني على أهل الأرض ولا تأمنونني؟! قال: ثمّ أدبر الرجل، فاستأذن رجل من القوم في قتله؛ فقال رسول الله: «إنّ من ضِئْضِىء هذا قوماً يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان! يمرقون

____________________

(١) صحيح مسلم ٧: ١٧٤.

(٢) كثّ اللّحية: كثير اللّحية. والوجنة: لحم الخدّ. غائر العينين: صغيرهما كأنّهما مطموستان. ناتئ الجبين: بارز الجبين وهو جانب الجبهة. محلوق الرأس: واضح، وكانت حلاقة الرأس علامة لهم.

١١٤

من الإسلام كما يمرق السّهم من الرّميّة، لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتل عاد»(١) .

وأورده بسندٍ آخر عن أبي سعيد الخدريّ، وفيه «لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتل ثمُود»(٢) .

فهنيئاً لمن يوالى قوماً يقتلون أهل الإسلام ويَدَعون أهل الأوثان! ولذلك توعّدهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه لو أدركهم لاستأصلهم وصدق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو الصادق المصدّق؛ فلقد وجدناهم يقتلون الصحابيّ عبد الله بن خبّاب بن الأرتّ، ويبقرون بطن امرأته الحامل، ويقتلون النّسوة الثلاث؛ إلاّ أنّهم أشكلوا على صاحبهم إذ قتل خنزيراً لذمّيّ معاهد! وأخبارهم في استعراض الناس بالقتل مشهور.

وإذا فات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يدركهم فيقتلهم قتلاً عامّاً؛ فقد أدركهم أمير المؤمنينعليه‌السلام فكانت له فضيلة قتالهم كما ذكر النوويّ، ولم يسلم من مجموع أربعة آلاف خارجيّ إلاّ تسعة انتهى أحدهم إلى قرب حرّان، وتناسل هناك؛ ولا ندري جزماً لِمَ احتجّ ابن تيميه الحرّانيّ بالخوارج على عليّ أميرالمؤمنين وشيعته؟!

____________________

(١) صحيح مسلم ٧: ١٦٢. وفي شرح النوويّ: قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ من ضِئضِي هذا» هو الأصل، والسنخ، والعنصر، والأرومة. قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتل عاد» أي قتلاً عامّاً مستأصلاً كما قال تعالى:( فَهَلْ تَرَى‏ لَهُم مِن بَاقِيَةٍ ) (الحاقّة: ٨) وفيه الحثّ على قتالهم، وفضيلة لعليّرضي‌الله‌عنه في قتالهم.

(٢) نفسه / ١٦٣.

١١٥

الحثّ على قتل الخوارج؛ واختصاص أميرالمؤمنين بذلك

أخرج النّسائيّ، قال: أخبرنا عليّ بن المنذر قال: أخبرنا عاصم بن كليب عن أبيه، قال: كنت عند عليّرضي‌الله‌عنه جالساً إذ دخل رجلٌ عليه ثياب السفر، وعليّ يكلّم الناس ويكلّمونه، فقال: يا أمير المؤمنين أتأذن لي أن أتكلّم؟ فلم يلتفت إليه وشغله ما فيه، فجلس إلى رجل قال له: ما عندك؟ قال: كنت معتمراً فلقيت إليه وشغله ما فيه، فجلس إلى رجل قال له: ما عندك؟ قال: كنت معتمراً فلقيت عائشة فقالت: هؤلاء القوم الذين خرجوا في أرضكم يسمّون حروريّة؟ قلت: خرجوا في موضع يسمّى حروراء؛ فقالت: طوبى لمن شهد منكم، لو شاء ابن أبي طالب لأخبركم خبرهم! فجئت أسأله عن خبرهم، فلمّا فرغ عليّعليه‌السلام قال: أين المستأذن؟ فقصّ عليه كما قصّت عليه؛ قال: إنّي دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وليس عنده غير عائشة، فقال لي كيف أنت يا عليّ وقومٌ كذا وكذا؟

قلتُ: الله ورسوله أعلم. قال: ثم أشار بيده فقال: قوم يخرجون من المشرق، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقِيَهم، يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّميّة، فيهم رجلٌ مُخَدَّج(١) ، كأنّ يده ثدْيُ حبشيّة، أنشدكم باللهِ أخبرتكم أنّه فيهم؟ قالوا: نعم؛ فجئتموني وأخبرتموني أنّه ليس فيهم، فحلفت لكم باللهِ أنّه فيهم، ثمّ أتيتموني به كما نعتّ لكم؟ قالوا: نعم؛ صدق اللهُ ورسوله(٢) .

وعبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي اسحاق، عن سويد بن غفلة، عن عليّعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «يخرج قوم في آخر الزمان، يقرأون

____________________

(١) مُخَدَّج: أي ناقص اليد.

(٢) خصائص أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام للنّسائيّ ١٤٥ - ١٤٦ / ح ١٧٨.

١١٦

القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرّميّة، قتالهم حقّ على كلّ مسلم»(١) .

والروايات كثيرة في أنّ الخوارج هم شرّ الخلق، يقتلهم أولى الناس بالحقّ، وقد قتلهم أمير المؤمنينعليه‌السلام ومعه أهل العراق.

عن الأعمش، عن خيثمة، عن سويد بن غفلة، عن عليّعليه‌السلام قال: والحديث نظير الذي قبله، إلاّ أنّ آخره: «فأينما أدركتموهم فاقتلوهم، فإنّ في قتلهم أجراً لمن قتلهم عند الله يوم القيامة»(٢) .

وبسندٍ عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدريّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه ذكر أناساً يخرجون في فرقةٍ من الناس سيماهم التحليق، يمرقون من الدين كما يمرق السّهم من الرّميّة، هم شرّ الخلق، تقتلهم أولى الطائفتين بالحقّ، وأنتم قتلتموهم يا أهل العراق(٣) .

التفريع الثالث

افترض ابن تيميه أمراً بلا دليل! وذلك: إن كان أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام أفضل من غيره في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فلا يدلُّ ذلك على أفضليّته بعد!

____________________

(١) مسند أحمد ١: ١٥٦، وخصائص أمير المؤمنين ١٤٤ / ح ١٧٤، ومسند أبي يعلى ١: ٢٧٣.

(٢) صحيح البخاريّ ٣٦١١، ٥٠٥٧، ٦٩٣٠ باب علامات النبوّة، وصحيح مسلم ٧: ١٦٧ - ١٦٨، ومسند أحمد ١ / ٨١، ١١٣، ١٣١، والفضائل لأحمد / ١١٩٨، وسنن أبي داود / ٤٧٦٧، ومسند أبي يعلى ١ / ٢٢٦، والخصائص للنّسائيّ ١٤٣ / ١٧٣.

(٣) صحيح مسلم ٧: ١٦٩، والخصائص للنّسائيّ ١٤٠ / ١٦٨.

١١٧

ولو كان عنده ثمّة ما يعضّد ما ذهب إليه لذكره؛ فعليه: إنّ عليّاً أمير المؤمنينعليه‌السلام أفضل الجميع بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في حياته وبعد مماته.

التفريع الرابع

وفرّع رابعاً، ذلك قوله: لو قدّرنا أفضليّته، لم يدلّ ذلك على أنّه إمام معصوم منصوصٌ عليه.

وجوابنا: لقد جارينا ابن تيميه، بغية إمامة الحجّة على من وقع في حبائل فتنته من غير تدبّر؛ وإلاّ فأمير المؤمنين قد نطق القرآن الكريم بأفضليّته إذ اختاره الله تعالى وليّاً للمسلمين؛ وذلك قوله تعالى:( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (١) ، وقد تكلّمنا حول الآية فيما مضى، وأنّها نزلت في أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام لمّا تصدّق بخاتمه في الصلاة، فقرن الله سبحانه ولاية عليّعليه‌السلام بولايته وولاية رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا يجوز على الله عزّ وجلّ أن يختار إلاّ من هو أفضل.

ولم ينزل سبحانه بياناً ينسخ ذلك، فالآية محكمة، وعليّعليه‌السلام ولايته دائمة، خالدة مع خلود القرآن؛ فهو الأفضل بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى آخر الدهر.

____________________

(١) المائدة: ٥٥.

ولا بأس بذكر بعض مصادر نزول الآية في أمير المؤمنينعليه‌السلام : تفسير مقاتل بن سليمان (ت ١٥٠ هـ) ١: ٤٨٥ - ٤٨٧، والذرّيّة الطّاهرة للدولابيّ (ت ٣١٠ هـ) ١٠٩ / ١١٤، وتفسير الطبريّ ٦: ١٥٦، وتفسير الحبريّ (ت ٢٨٩ هـ) ٢٦١، وأنساب الأشراف (ت ٢٧٩ هـ) ٢: ٣٨١، وشواهد التنزيل ١: ١٨١، والتفسير الكبير للفخر الرازيّ ٣: ٤٣١، وتفسير ابن كثير ٢: ٧١.

١١٨

وهذا دليل على عصمة أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ؛ فإنّ الله تعالى اختار محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله نبيّاً، والنبيّ معصومٌ بالضرورة، فكذلك وليُّ الله.

ومن أدلّة عصمتهعليه‌السلام : آية التطهير؛ وذلك قوله تعالى« إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً » (١) .

والآية في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين:.

روى ذلك: أم سلمة، وعائشة، وأبو سعيد الخدريّ، وأنس بن مالك، وسعد بن أبي وقّاص، وابن عبّاس عن عبد الرحمان بن عبد الله بن دينار، عن شريك بن أبي نمر، عن عطاء بن أبي يسار، عن أمّ سلمة أنّها قالت: في بيتي نزلت هذه الآية:« إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً » . قالت: فأرسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين، فقال: «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي»، قالت أمّ سلمة، يا رسول الله، ما أنا من أهل البيت؟ قال: «إنّك أهلي، وهؤلاء أهل بيتي»(٢) .

وعن فضيل بن مرزوق، عن عطيّة العوفيّ، عن أبي سعيد الخدريّ عن أمّ سلمة أنّها قالت: نزلت هذه الآية في عليّ:« إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً » . وقالت: قلت: يا رسول الله، ألست من أهل

____________________

(١) الأحزاب: ٣٣.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٢: ٤١٦ و ٣: ١٤٦ وبذيله التلخيص للذهبيّ. وفي سنن الترمذيّ ٥: ٣٢٨ عن عمر بن أبي سلمة، ربيب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّ النبيّ قال: «أنت على مكانك وأنت إلى خير». وفي الباب عن أمّ سلمة، ومعقل بن يسار، وأبي الحمراء، وأنس بن مالك.

١١٩

البيت؟ قال: «إنّك على خير، إنّك من أزواج النّبيّ». وكان في البيت: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليٌّ وفاطمة والحسن والحسين:(١) .

ومثله عن عائشة: قال جُمَيع بن عُمَير: دخلت مع أمّي على عائشة فقالت: أخبريني كيف كان حبّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ؟ فقالت عائشة: كان أحبّ الناس إلى رسول الله، لقد رأيته يوماً أدخله تحت ثوبه وفاطمة وحسناً وحسيناً؛ فقال: «اللّهمّ اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً». قال: فذهبت لأدخل رأسي فمنعني، فقلت: يا رسول الله، أولستُ من أهلك؟ قال «إنّك على خير»(٢) .

منزلة دعوان

قال أبو الفرج: كتب إليّ عبد الله الجبائيّ قال: رأيت دعوان بن عليّ بعد موته وكأنّ عليه ثياباً بيضاً وعمامةً بيضاء وهو يمضي إلى الجامع لصلاة الجمعة، فأخذت يده اليسرى ومضينا، فلمّا بلغنا إلى حائط الجامع قلت له: يا سيّدي، إيش لقيت؟ فقال: عُرِضتُ على الله خمسين مرّة وقال لي: إيش عملت؟ فقلت: قرأتُ القرآن وأقرأته، فقال لي: أنا أتولاّك، أنا أتولاك. قال عبد الله: فأصابني الوجد وصحت: آه، وضربتُ بيدي حائط الجامع ثلاث مرّات أتأوّه وأضرب الحائط بكتفي، ثمّ استيقظت.(٣)

____________________

(١) مشكل الآثار للطحاويّ ١: ٣٣٤، وتفسير الحبريّ ٢٩٨، والمعجم الكبير للطبرانيّ ١: ١٢٧، وشواهد التنزيل الرقم ٧١٢ - ٧١٣، وتفسير ابن كثير ٣: ٤٨٥.

(٢) مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٣٦٥.

(٣) المنتظم لأبي الفرج ابن الجوزيّ ١٨: ٥٨ / ٤١٣٧.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492