ابن تيميه الجزء ٢

ابن تيميه12%

ابن تيميه مؤلف:
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 492

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 492 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 169265 / تحميل: 5903
الحجم الحجم الحجم
ابن تيميه

ابن تيميه الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

ولو ذكرنا ما سرده ابن الجوزيّ من أمثال هذه الحكايات الخوارق لكانت كتاباً ضخماً!

وإنّما نقلنا بعضاً قليلاً منها لنقول: إنّ الرجل ذكرها على أنّها مسلّمات، فيما أنكر حديث ردّ الشمس، وشايعه ابن تيميه على ذلك.

نكتفي بما ذكرناه بشأن الآية المباركة، فإنّ الأحاديث التي ذكرها: ابن عبّاس وأنس بن مالك، وأبو سعيد الخدريّ، وسعد بن أبي وقّاص، وأبو الحمراء... كلّها في أنّ الآية في الخمسة أصحاب الكساء: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعليّ وفاطمه والحسن والحسينعليهم‌السلام (١) .

يحيى بن سلاّم، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي داود، عن أبي الحمراء

____________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ١: ١٨٥ و ٣٣١ و ٦: ٢٩٢، وصحيح مسلم ٧: ١٣٠، والمعارف لابن قتيبة ٤٤٨، وسنن الترمذيّ ٥: ٣٦١، وتفسير الطبريّ ٢٢: ٦، وتفسير الحبريّ ٢٩٨، و ٣٠٠ - ٣٠٧، ومشكل الآثار للطّحاويّ الحنفيّ ٣٢١، والكنى والأسماء للدولابيّ ٢: ٢٥٤ / ٢٦١٩ و ٢٥٥ / ٢٦٢٢، وأسباب النزول للواحديّ ٢٣٩، والمعجم الكبير للطبرانيّ ١: ١٢٨، والمعجم الصغير، له ١: ١٣٥، والمستدرك على الصحيحين للحاكم الشافعيّ، وبذيله التلخيص للذهبيّ الحنبليّ ٢: ٤١٦، و ٣: ١٤٦ - ١٤٧، وكفاية الطالب للكنجيّ الشافعيّ ٢٧٦ و ٣٧٣ - ٣٧٥، وتفسير ابن أبي زمنين ٢: ١٦٤، والسنن الكبرى للبيهقيّ ٢: ١٥٢، وتاريخ بغداد ١: ٢٧٨، ومناقب الإمام عليّعليه‌السلام لابن المغازليّ الشافعي ٣٠١ - ٣٠٧ / الرقم ٣٤٥ - ٣٥١، وتفسير ابن كثير الحنبليّ ٣: ٤٨٥، وتذكرة الخواصّ لسبط ابن الجوزي الحنفي ٢٤٨، وشواهد التنزيل / الرقم ٧١٢ - ٧١٣، ومناقب الإمام عليّ لابن مردويه ٣٠١ / ٤٧٥٤، ومطالب السؤول لابن طلحة الشافعي ٨، والفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكيّ ١٢، والرياض النضرة للمحبّ الطبري ٢: ٢٦٩، وذخائر العقبى له: ٢٥، والمحرّر الوجيز لابن عطيّة ٤: ٣٨٤.

١٢١

قال: «رابطتُ المدينة سبعة أشهر مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا طلع الفجر جاء إلى باب عليّ وفاطمة فقال: الصلاة - ثلاثاً -« إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً » (١) ».

قال: الرِّجْس، يعني: الشيطان، وقال بعضهم: الرِّجس الإثم. والرجس في اللّغة: كلّ مستنكرٍ مستقذرٍ من مأكولٍ أو عملٍ أو فاحشة.(٢)

قال ابن عطيّة: الرجس اسم يقع على الإثم وعلى العذاب وعلى النجاسات والنقائص؛ فأذهب الله جميع ذلك عن «أهل البيت». وذكر حديث أمّ سلمة(٣) .

عصمة أهل البيتعليهم‌السلام

إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله معصوم ضرورةً، وإلا لم يصلح للنبوّة! والآية المباركة زيادة بيانٍ في عصمتهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يَشرِكه فيها إلاّ أهل بيته: عليّ وفاطمة والحسن والحسين؛ فهم معصومون كذلك، لا يقربهم الشيطان، ولا يقارفون إثماً، ولا يأتون بفاحشة ولا تُصيبهم النجاسات التي أصابت غيرهم، وهم مُبَرّأون من كلّ نقصٍ وعيب ومن كلّ ما ينفّر؟ فكيف نفى ابن تيميه عصمة أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ؟!

____________________

(١) المسند لابن أبي شيبة (٧٢٠)، وتفسير ابن أبي زمنين (٢ / ١٦٤)، ومختصر تاريخ دمشق (١٧: ٣٤٢).

(٢) المسند لابن أبي شيبة (٧٢٠)، وتفسير الطبري (٢٢/٦)، وتفسير ابن أبي زمنين (٢ / ١٦٤).

(٣) المحرّر الوجيز لابن عطيّة الأندلسيّ ٤ / ٣٨٤.

١٢٢

حديث الثّقلين

وحديث الثّقلين دليل آخر علي عصمة أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام .

يَرِد حديث الثّقلين من طُرقٍ عدّة تنتهي بجلّة الصّحابة وأمّهات المؤمنين.

عن زيد بن أرقم قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي تاركٌ فيكم الثّقلين: كتاب الله وعِترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض»(١) .

وقد تكلّمنا حول حديث الثّقلين في غير هذا الموضع كلاماً وافياً، وإنّما أردنا القول: إنّ تركة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اثنان: القرآن الكريم، وعِترتُه أهل بيته. ولما كان القرآن الكريم معصوماً مُصَاناً من قبل الله تعالى؛ فكذلك عِدْلُه الثّقل الثاني: أهل البيت: فهم معصومون، وعليّعليه‌السلام منهم، فأمير المؤمنين عليّ معصوم.

وبهذا الاستدلال، وما سبقه من آية التطهير؛ فإنّ عليّاًعليه‌السلام أفضل الجميع بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم ينزل نصّ من الله تعالى. ولا جاء حديث في نسخ العصمة أو الأفضليّة.

آية المباهلة

ومن أدلّة أفضليّة وعصمة أهل بيت الرحمة وموضع الرسالة قوله تعالى:

____________________

(١) الجامع الصحيح للترمذيّ ٥: ٣٢٨، وكتاب الولاية لابن عُقدة: ١٧٥، والمستدرك على الصحيحين ٣: ١٤٨، ومناقب الإمام عليّ لابن المغازليّ: ٢٣٤ ح ٢٨١، وعن زيد أيضاً، وبلفظ آخر، في: مسند أحمد ٤: ٣٦٧، وصحيح مسلم ١٦: ١٨٠ - ١٨١، وسنن الدارميّ ٢: ٤٣١، وسنن البيهقيّ ٢: ١٤٨، ومناقب الإمام عليّ لابن المغازلي: ٢٣٦، وكنز العمّال ١٣: ٦٤١.

١٢٣

« تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِل فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ » (١) .

والآية في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي أخيه وعيبة علمه ونفسه عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وابنته الطاهرة فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وسبطَيه الحسن والحسينعليهما‌السلام .

وذلك أنّ وفد نصارى نجران حاجّوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بباطلهم، وأبَوُا الإسلام، فدعاهم إلى المباهلة، أي الملاعنة وإلى دعاء الله تعالى أن ينزل عقابه على الكاذبين، وهي سنّةٌ أمضاها الأنبياء من قبله، فنال العذاب العاجل المذنبين من أقوامهم. ورجال الدّين وأحبار النصارى يعلمون ذلك، فلمّا حان الموعد خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يباهلهم بعليٍّ؛ فكان نفس رسول الله، وببضعته الطاهرة فاطمة الزهراء، وبولديه الحسن والحسين: فلمّا رأى الوفد هذه الوجوه المقدّسة، استشعروا الهزيمة، وامتنعوا من المباهلة ورضوا بإعطاء الجزية(٢) .

ومن هنا كان عليّ وفاطمة والحسن والحسين: معجزة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم

____________________

(١) آل عمران / ٦١.

(٢) مسند أحمد ٢: ٣٠٠، وتفسير الطبريّ ٣: ١٩٢، والجامع الصحيح للترمذيّ ٥: ٣٠١، وصحيح مسلم ١٥: ١٧٦، وأسباب النزول للواحديّ ٦٧، وتفسير ١: ١١٤، وتفسير ابن العربي ١: ٢٣٠، وشواهد التنزيل ١: ٢٠ - ١٢٩ / ١٦٨ - ١٧٥، وأحكام القرآن لابن العربيّ ١: ٣٣١، والتفسير الكبير للفخر الرازيّ ٢: ٢٩٩، والمستدرك على الصحيحين ٣: ١٦٣ / ٤٧١٩، ودلائل النبوّة لابي نعيم ٢٩٧، وتفسير ابن كثير ١: ٣٧٠، وكفاية الطالب ١٤٢ ووافقه الذهبيّ في التلخيص، ومصابيح السّنّة للبغويّ ٢: ٤٥٤، ومناقب الإمام عليّ لابن المغازليّ ٣١٨ / ٣٦٢، والمناقب للخوارزميّ ١٠٨، والكشّاف للزمخشريّ ١: ٣٦٨، والسّنن الكبرى للبيهقيّ ٧: ٦٣.

١٢٤

المباهلة ولو قامت الحجّة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وحلّ العذاب بساحته؛ لبطلت معجزته وانتهت رسالته، فدلّ ذلك على أفضليّتهم وعصمتهم، إذ لم يختر غيرهم. وبدوام الآية في القرآن يتلوها المؤمنون، دامت أفضليّتهم وعصمتهم! ولو عَلِم الله أنّ في الأرض عباداً أكرم منهم وأفضل، لأمر نبيّه أن يباهل بهم.

تتويج أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام وليّاً للمسلمين

ونختم حديثنا في أفضليّة أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام وعصمته بما كان من تتويج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاًعليه‌السلام وليّاً وخليفةً للمسلمين بأمر الله تعالى؛ وذلك قوله عزّ وجلّ:

« يَا أَيّهَا الرّسُولُ بَلّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبّكَ وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ » (١) .

نزلت يوم الثامن عشر من ذي الحجّة سنة (١٠ هـ) وتسمّى حجّةَ الوداع، إذ هي آخر حجّة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يلبث بعدها طويلاً فتوفّي سنة (١١ هـ). ولمّا قفلصلى‌الله‌عليه‌وآله راجعاً، وبلغ غدير خمّ أتاه جبرئيل بهذه الآية، فنادىصلى‌الله‌عليه‌وآله : الصلاة جامعة، فاجتمع الحجيج، وخطب رسول الله وبلّغ أمر الله تعالى، وأخذ بيد عليّعليه‌السلام وقال: «مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللّهمَّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه».

وقد تكلّمنا بما لا مزيد عليه حول الحادثة في غير هذا الموضع وتضمّن شعرحسّان بن ثابت في ذلك، ورُواة حديث الغدير ومصادره، كان فيهم (٨٧)

____________________

(١) المائدة: ٦٧.

١٢٥

صحابيّاً، ومن التابعين (٦٢) تابعيّاً، وأمّا مصادره فتربو على (٧٠) مصدراً.

الاستدلال بالحديث

ودلالة حديث الغدير مثل الآيات والأحاديث التي ذكرناها من حيث ظهورها في أفضلية أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام وديمومتها، وعصمته. فالآية المباركة وتبليغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المسلمين بما ينبغي عليهم من طاع أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام امتثالاً منهم لأمر الله تعالى؛ هو تتويجٌ لما سبق من حثّه إيّاهم في أكثر من مناسبة على وجوب ملازمة عليّعليه‌السلام ، والآية الولاية: الآية ٥٥ من سورة المائدة، وقد مضى الكلام حولها وأنّها في أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام .

والكلام في الغدير هو نفسه في الكلام حول آية الولاية إذ لم ينزل بيان ينسخها؛ فكذلك الحال في آية التبليغ يوم الغدير، فعليّعليه‌السلام أفضل الجميع بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولو لا ذلك لَمَا اختاره الله تعالى أميراً للمؤمنين وخليفةً لرسول ربّ العالمين، لم يدم على هذا الاختيار طويلاً حتّى رحل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ربّه تبارك وتعالى.

ولا يعقل أن يكون خليفة رسول الله والقائم مقامه في التبليغ بعده غير من عصمه الله سبحانه، لئلاّ يركب بالأُمّة سبيل الخطل، فعليّ معصوم والمعصوم دائم الأفضليّة.

حديث المنزلة

وحديث المنزلة من الأدلّة الساطعة في أفضليّة أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام

١٢٦

الدائمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعصمته وإمامته قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي».

وظهور الحديث فيما ألمحنا إليه جليّ، ذلك أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هو سيّد الأنبياء والرُّسُل، ورسالته خاتمة الرسالات؛ فوصيّه خير الأوصياء، وهارونعليه‌السلام نبيّ معصوم؛ فمنزلة عليّعليه‌السلام بمنزلة نبيّ وإن لم يكن نبيّاً.

والحديث يرد عن: أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ، وعن فاطمة ابنة عليّ عن أسماء بنت عميس، وزين العابدين عليّ بن الحسين، وجعفر بن محمّد عن أبيه وجابر بن عبد الله الأنصاريّ، ومحدوج بن زيد الذّهليّ، وأبي سعيد الخدريّ، وسعد بن أبي وقّاص، وسعيد بن المسيّب، وأبي أيّوب الأنصاريّ، وجابر بن سمرة، ومجاهد، وأمّ سلمة زوج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأبي هريرة، وأنس بن مالك.

مصادر حديث المنزلة

وقد ذكرته كتب الحديث والتراجم في موارد كثيرة، نقتصر على ذكر المصادر وبعض الموارد:

مسند أبي داود (ت ٢٠٤ هـ) الحديث ٢٠٥.

المصنّف لعبد الرزّاق (ت ٢١١ هـ) ٢: ٤٢٠ / ٣٥٧٩، و ٣: ٥٨٦ / ٦١٥٩.

الطبقات الكبرى لابن سعد (ت ٢٣٠ هـ) ٣: ٢٤، ومواضع أُخرى.

المصنّف لابن أبي شيبة (ت ٢٣٥ هـ) الحديث ١٢ من فضائل عليّعليه‌السلام .

صحيح البخاريّ، كتاب فضائل أصحاب النبيّ - باب مناقب عليّ. كما

١٢٧

أخرجه في كتاب المغازي، باب غزوة تبوك.

تاريخ البخاريّ الكبير ٣ / ٤٨: ١٧٩.

صحيح مسلم (ت ٢٦١ هـ) ١٥: ١٧٤ - ١٧٦.

مسند أحمد؛ مسند أبي سعيد / الحديث ١٠٨٧٩، ومواضع أخرى.

الفضائل لأحمد / الحديث ١٤٢.

تاريخ الثّقات للعجليّ (ت ٢٦١ هـ) ٥٢٢ / ٢١٠٦.

خصائص أميرالمؤمنين عليعليه‌السلام للنّسائي / الحديث ٤٣ - ٥٦، و ٥٩ - ٦٠ و ٦٨.

سنن التّرمذيّ: ٥، كتاب المناقب، باب مناقب عليّ ٢١.

مشكل الآثار للطحاويّ الحنفيّ (ت ٣٢١ هـ) ٢ / ٢١٣: ١٩٠٣.

مسند أبي يعلى (ت ٣٠٧ هـ).

مسند سعد ٢: ٦٦ - ١٣٢، وغيره.

مسند ابن حبّان (ت ٣٥٤ هـ) ١٥ / ٣٦٩ / ٦٩٢٦.

المعجم الكبير للطبرانيّ (ت ٣٦٠ هـ) ٢٤ / ١٤٦ / ٣٨٤.

سنن ابن ماجة (ت ٢٧٥ هـ) ١: ٤٢ حديث ١١٥.

الكامل لابن عديّ ٢ / ٤١٦ / ترجمة حرب بن شدّاد.

مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ، لابن المغازلي الشافعي (ت ٤٨٣ هـ) ٣٤ / الحديث ٥١.

أنساب الأشراف للبلاذريّ ١: ٣٤٦.

١٢٨

تاريخ بغداد ٣: ٢٨٩ / ١٣٧٦.

مناقب عليّ بن أبي طالب، لابن مردويه (ت ٤١٠ هـ) ٦١ / ٢٨ - ٢٩ و ١١٢ / ١٣٠.

حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهانيّ (ت ٤٣٠ هـ) ٧ / ١٩٤.

المناقب للخوارزمي الموفّق الحنفيّ (ت ٥٦٨ هـ) ١٣٣ / ١٤٨.

مناقب الإمام عليعليه‌السلام لمحمّد بن سليمان الكوفيّ «القرن الرابع» ١: ٥٦١ / ٤١٨.

مختصر تاريخ دمشق ١٧ / ٢٤٣ - ٢٤٨.

تهذيب الكمال للمزّيّ السّلفيّ ٣٥ / ٢٦٣.

مسند البزّار / الحديث ١٠٧٤.

حديث الطّير

وذلك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أهدي إليه طير، فدعا الله تعالى أن يأتيه بأحبّ الخلق إليه ليأكل معه، فجاء عليّعليه‌السلام فأكل معه.

وقد احتجّ به أميرالمؤمنين في جملة ما احتجّ به يوم الشورى، قال: فأُنشدكم بالله، هل فيكم أحدٌ قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «اللّهمّ ائتني بأحبّ الخلق

١٢٩

إليك وإليّ، وأشدّهم حبّاً لك وحبّاً لي، يأكل معي من هذا الطائر(١) » فأتاه فأكل معه، غيري؟ قالوا: اللّهمّ لا.

وأحبّ الخلق إلى الله بعد رسول الله هو أفضلهم من غير مراء، ولم ينقض هذا الحديث حديث فيما بعد، وإنّما ترادفت الأحاديث في ترسيخ هذا الحبّ وتلك الفضيلة الظاهرة في العصمة والإمامة حتّى تُوّج ذلك بحديث الولاية يوم غدير خمّ، فأعلن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولاية عليّعليه‌السلام   المتفرّعة من ولايتهصلى‌الله‌عليه‌وآله وألزمهم إيّاها، ودعا الله تعالى: أن ينصر من نصره، وأن يخذل من خذله!

وما من مناسبة إلاّ وصدحصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا الحبّ الذي صار علامة فارقة بين المؤمن والمنافق؛ فلينظر من ناصب عليّا البغضاء: أين يكون إذا حُشرت الخلائق للحساب؟!

أبو كريب محمّد بن العلاء الكوفيّ قال حدّثنا أبو معاوية - الضرير -، عن

____________________

(١) رواه: أنس خادم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجابر بن عبد الله الأنصاريّ وعبد الله بن عبّاس، وسعيد بن المسيّب. يراجع: التاريخ الكبير للبخاريّ ١: ٣٥٨، والجامع الصحيح للترمذيّ ٢: ٢٩٩، وأنساب الأشراف للبلاذريّ ٢: ٣٧٨، ومسند أبي يعلى ٧: ٦٢٦ / ٣٦٢١، والمستدرك على الصحيحين ٣: ١٤٢، وكتاب الولاية لابن عقدة - حديث المناشدة، الفقرة ١٠، وتاريخ بغداد ٣: ١٧١ و ٣٦٩ و ٨: ٣٨٢ و ١١: ٣٧٦، وموضّح أوهام الجمع والتفريق، له ٢: ٢٩٨، ومناقب الإمام عليّعليه‌السلام لابن المغازليّ، ذكره بطرقٍ تنيف على العشرين، وتهذيب التهذيب ١: ٣٠٣، وحليه الأولياء ٦: ٣٣٩، والمناقب للخوارزميّ ٦٨، ومصابيح السّنن للبغويّ ٤: ١٧٣ / ٤٧٧٠، وتذكرة الخواصّ ٤٤، ولسان الميزان ٥: ١٩٩، ومجمع الزوائد ٩: ١٢٦، وتذكرة الحفّاظ ٣: ١١٢، وذخائر العقبى ٦١، وكنز العمّال ١٣: ١٦٧ / ٣٦٥٠٧.

١٣٠

الأعمش، عن عديّ بن ثابت، عن رزّ بن حبيش، عن عليّ كرّم الله وجهه قال: والله الذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة، إنّه لعهد النبيّ الأمّيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إليّ: أنّه لا يحبّني إلاّمؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق(١) .

احتجاج المأمون على الفقهاء في فضل عليّعليه‌السلام

ناظر المأمون حشداً من الفقهاء في فضل أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام وكان ممّا احتجّ به: حديث الطّير.

إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل، عن حمّاد بن زيد قال: بعث إليّ يحيى ابن أكثم وإلى عدّة من أصحابي، وهو يومئذ قاضي القضاة، فقال: إنّ أمير

____________________

(١) مسند الحميديّ (ت ٢١٩ هـ) ١ / ٣١، والمعيار والموازنة للإسكافيّ (ت ٢٢٠ هـ) / ٢٤٤، المصنّف لابن أبي شيبة (ت ٢٣٥ هـ) ٧ / ٥٠٥، ومسند أحمد ١ / ٨٤ - ٩٥ - ١٢٨، وفضائل الصحابة، له ٩٤٨ - ٩٦١، وصحيح مسلم ٢ / ٦٤، وسنن ابن ماجة ١ / ٤٢ / ١١٤، والسّنّة لعمرو بن أبي عاصم ٢ / ٥٩٨، وأنساب الأشراف للبلاذريّ ٢ / ٩٦، وخصائص أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام للنّسائي ١٠١ / ٩٧، والسُّنن، له ٨ / ١١٥ - ١١٦، والمسند لأبي يعلي الموصليّ ١ / ٨٤ - ٩٥ - ١٢٨، وصحيح ابن حبّان ٢ / ١٧٧ / ٢، ومناقب الإمام عليّ لابن المغازليّ ٢٤١ / ح ٢٢٥ - ٢٢٦ و ٢٢٨ و ٢٣١، والعقد الفريد لابن عبد ربّه ٥: ٣٥٤، وعلوم الحديث للحاكم / ١٨٠، وتاريخ بغداد ١٤ / ٤٢٦ / ٧٧٨٥.

وللحديث طريق آخر عن أم سلمة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال «لا يُحبّ عليّاً منافق، ولا يبغضه مؤمن».

مسند أحمد بن حنبل ١: ٨٤، ونذكر كتاب الفضائل له ١٤٣ / ٢٠٨، والمصنّف لابن أبي شيبة ٧: ٥٠٥، وسنن ابن ماجة ١: ١١٤، ومناقب الإمام عليّ لابن المغازليّ ١٣٧.

١٣١

المؤمنين [ يعني المأمون ] أمرني أن أُحضر معي غداً مع الفجر أربعين رجلاً كلّهم فقيه يَفْقَه ما يُقال له ويُحسِن الجواب، فسمّوا من تظنّونه يصلح لما يطلب أميرالمؤمنين. فسمّينا له عدّة، وذكر هو عدّة، حتى اكتمل العدد الذي أراد، وأمر بالبكور في السّحر، فغدونا عليه قبل طلوع الفجر، فقال: أحببت أن أُنْبئكم أنّ أميرالمؤمنين أراد مناظرتكم في مذهبه الذي هو عليه والذي يدين اللهَ به.

قلنا: فليفعل أمير المؤمنين، وفّقه الله.

فقال: إنّ أمير المؤمنين يدين الله على أنّ عليّ بن أبي طالب خيرُ خلق الله بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأولى الناس بالخلافة.

قال إسحاق: فقلت: يا أميرالمؤمنين، إنّ فينا من لا يعرف ما ذكر أميرالمؤمنين في عليّ، وقد دعانا أميرالمؤمنين للمناظرة.

فقال: يا إسحاق، اختر، إن شئت سألتك أسألك، وإن شئت أن تسأل فَقُلْ. قال إسحاق: فاغتنمتها منه فقلت: بل أسألك يا أميرالمؤمنين.

قال: سل. قلتُ: من أين قال أميرالمؤمنين أنّ عليّ بن أبي طالب أفضل الناس بعد رسول الله وأحقّهم بالخلافة بعده؟

قال: يا إسحاق، خبِّرني عن الناس بِمَ يتفاضلون حتّى يقال فلانٌ أفضل من فلان؟ قلت بالأعمال الصالحة.

قال: صدقت فأخبرني عمّن فضل صاحبه على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ إنّ المفضول عمل بعد وفاة رسول الله بأفضل من عمل الفاضل على عهد رسول الله، أيُلحق به؟

١٣٢

فقلت: لا يلحق المفضول على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الفاضل أبداً.

قال: فانظر يا إسحاق ما رواه لك أصحابك، ومَن أخذت عنهم دينك وجعلتهم قدوتك، من فضائل عليّ بن أبي طالب؛ فقس عليها ما أتوك به من فضائل أبي بكر، فإن رأيت فضائل أبي بكر تشاكل فضائل عليّ، فقل إنّه أفضل منه؛ لا والله، ولكن فقس إلى فضائله ما روي لك من فضائل أبي بكر وعمر، فإن وجدت لهما من الفضائل ما لعليّ وحده، فقل إنّهما أفضل منه؛ ولا والله، ولكن قس إلى فضائله فضائل أبي بكر وعمر وعثمان، فإن وجدتها مثل فضائل عليّ فقل إنّهم أفضل منه؛ لا والله، ولكن قس بفضائل العشرة الذين شهد لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالجنة، فإن وجدتها تشاكل فضائله فقل إنّهم أفضل منه.

ومضى المأمون يناظره بدءاً بالسبق إلى الإسلام.

وهكذا حتّى سأله عن حديث الطّير، قال المأمون:

فهل تعرف حديث الطّير؟

قلت: نعم.

قال: فحدّثني به.

قال: فحدّثته الحديث، فقال: يا إسحاق، إنّي كنت أكلّمك وأنا أظنّك غير معاند للحقّ، فأمّا الآن فقد بان لي عنادك؛ إنّك توقن أنّ هذا الحديث صحيح؟

قلت: نعم، رواه من لا يمكنني ردّه!

قال: أفرأيت من أيقن أنّ هذا الحديث صحيح، ثمّ زعم أنّ أحداً أفضل من

١٣٣

عليّ، لا يخلو من إحدى ثلاثة: من أن تكون دعوة(١) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عنه مردودةً عليه! أو أن يقول عرف الفاضل من خلقه وكان المفضول أحبّ إليه! أو أن يقول إن الله عزّوجلّ لم يعرف الفاضل من المفضول!! فأيّ الثلاثة أحبّ إليك أن تقول؟ فأطرقت.

ثمّ قال: يا إسحاق لا تقل منها شيئاً؛ فإنّك إن قلت منها شيئاً استنبئتك، وإن كان للحديث عندك تأويل غير هذه الثلاثة الأوجه فقله.

قلت: لا أعلم، وإنّ لأبي بكر فضلاً.

قال: أجل، لو لا أنّ له فضلاً لما قيل إنّ عليّاً أفضل منه.

والمناظرة طويلة انتهت بقول الفقهاء: كلّنا نقول بقول أميرالمؤمنين أعزه الله(٢) وهذه فضيلة أخرى لأميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ثابتة، إذ دامت مع حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى رحلته... فعليّعليه‌السلام أفضل من غيره وإلاّ لما ضمّه إلى نفسه فآخاه؛ فلقد كانصلى‌الله‌عليه‌وآله في المؤاخاة يضمّ الشكل إلى شكله، والنظير إلى نظيره، فاختار عليّاً أخاً دون سواه، ولو كان غيره أفضل مه لآخاه ولم يقدّم عليّاً عليه.

قال ابن إسحاق: وآخى رسول الله بين أصحابه من المهاجرين والأنصار فقال - فيما بلغنا، ونعوذ بالله من أن نقول عليه ما لم يقل -: «تآخوا في الله أخَوَينِ أخوين» ثم أخذ بيد عليّ بن أبي طالب فقال: «هذا أخي».. فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سيّد المرسلين وإمام المتّقين ورسول ربّ العالمين الذي ليس له خطير

____________________

(١) وهي دعوة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يأتيه الله تعالى بأحبّ الخلق إليه ليأكل معه من الطير.

(٢) العقد الفريد ٥: ٣٤٩ - ٣٥٩.

١٣٤

ولا نظير من العباد، وعليّ بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه أخوين(١) .

وكلامنا في المؤاخاة نظير كلامنا في آية المباهلة؛ إذ أقامه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مقام نفسه الطاهرة المقدّسة، وذلك يوم التحدّي مع نصارى نجران، وما نزل فيها من قرآن ما زال يتلى حتّى قيام الساعة؛ وآية التطهير التي يتلوها المسلمون فيذكرون في كلّ واحدة منهما: عليّاً وزوجه البتول فاطمة وابنيهما الحسن والحسينعليهم‌السلام لا يشركهم في ذلك إلاّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فأفضليّة عليّعليه‌السلام وعصمته جارية وحيّة ما زال القرآن الكريم حيّاً محفوظاً، وقد تكفّل الله تعالى بحفظه وكفى به حافظاً ووكيلاً« إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا الذّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (٢) .

وكلامنا فيه مثل كلامنا في حديث الثّقلين: فالقرآن الكريم قرين عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته، وهم: عليّ وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام . وظهوره في الأفضليّة والعصمة الجارية أمرها بيّن لمن آتاه الله عقلاً وقلباً سليماً« إِنّ فِي ذلِكَ لَذِكْرَى‏ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ » (٣) .

وكذلك: حديث المنزلة، وهو من أكثر الأحاديث من حيث احتفاء المصادر به، ممّا يُظهِر الموقعَ الخاصّ لأميرالمؤمنينعليه‌السلام .

فعليّعليه‌السلام هارون هذه الأمّة كما أنّ هارون النبيّعليه‌السلام أخو موسى النبيّعليه‌السلام ؛

____________________

(١) السيرة النبويّة، لابن هشام ٢: ١٥١.

(٢) الحجر: ٩.

(٣) ق: ٣٧.

١٣٥

فعليّعليه‌السلام له من حقّ الأخوّة والمنزلة الخاصّة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّعليه‌السلام أخو رسول الله في الدنيا والآخرة فأفضليّته لذلك متّصلة، لا منفصلة.

من طرق عدّة: آخى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بين أصحابه، فآخى بين أبي بكر وعمر، وفلانٍ وفلان، فجاءه عليّرضي‌الله‌عنه فقال آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحدٍ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنت أخي في الدنيا والآخرة»(١) .

فمثلما خُلِّدَتْ عصمة عليّعليه‌السلام وأفضليّته فيما ذكرنا من نصوص قرآنيّة؛ كذلك كانت أخوّته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وذكره ابن أبي شيبة، ونصّه: «أنت أخي وصاحبي»(٢) .

ونحيل القارئ الكريم إلى موضوع المؤاخاة، فقد بسطنا البحث هناك؛ وإنّما أوردناه بإيجاز ليكون واحداً من أدلّتنا على أفضليّة أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام التي أنكرها ابن تيميه.

حديث رد الشمس

قال ابن تيميه: وحديث ردّ الشمس له - أيّ لعليٍّعليه‌السلام - قد ذكره طائفة: كالطحاويّ، والقاضي عياض، وغيرهما. وعدوّا ذلك من معجزات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكن

____________________

(١) الجامع الصحيح، للترمذيّ ٢ / ٢١٣، والاستيعاب، لابن عبد البَرّ ٣ / ٣٥، والمستدرك على الصحيحين ٣ / ١٥ / ٤٢٨٨، والرياض النضرة ٢ / ١٦٧.

(٢) المصنّف، لابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٨.

١٣٦

المحقّقون من أهل العلم والمعرفة بالحديث يعلمون أنّ هذا الحديث كذب موضوع. كما ذكره ابن الجوزيّ في «الموضوعات»، فرواه من عبيد الله بن موسى عن فضيل بن مرزوق، عن إبراهيم بن الحسن، عن فاطمة بنت الحسن عن أسماء بنت عميس قالت: - ثمّ ذكر الحديث -(١) .

قال: قال أبو الفرج - ابن الجوزيّ -: هذا الحديث موضوع بلا شكّ...(٢) .

قال: وفضيل بن مرزوق ضعّفه يحيى، وقال أبو حاتم بن حبّان: يروي الموضوعات ويُخطئ على الثّقات(٣) .

قال أبو الفرج: وهذا الحديث مداره على عبيد الله بن موسى عنه(٤) .

قال: قال أبو الفرج: وقد روى هذا الحديث ابن شاهين:...، حدّثنا عبد الرحمان بن شريك، حدّثني أبي، عن عروة، عن عبيد الله بن قيس، قال: دخلت على فاطمة بنت عليّ فحدّثتني أنّ عليّ بن أبي طالب، - وذكر حديث رجوع الشّمس -.

قال أبو الفرج: وهذا حديثٌ باطل. أمّا حديث عبد الرحمان بن شريك؛ فقال أبو حاتم: هو واهي الحديث. قال: وأنا لا أتّهم بهذا الحديث إلاّ ابن عقدة؛

____________________

(١) منهاج السنّة النبويّة، ابن تيميه ٤: ١٨٦.

(٢) نفسه.

(٣) نفسه.

(٤) نفسه.

١٣٧

فإنّه كان رافضيّاً يحدّث بمثالب الصّحابة(١) .

قال: قال أبو الفرج: وقد رواه ابن مردويه من حديث: داود بن فراهيج، عن أبي هريرة. قال: وداود ضعيف ضعّفه شعبة. قلت: فليس في هؤلاء من يحتجّ به(٢) .

قال: وأمّا الثاني: ببابل؛ فلا ريب أنّ هذا كذب، وإنشاد الحميريّ لا حجّة فيه؛ لأنّه لم يشهد ذلك(٣) .

قال: وقد أخرجا في الصحيحين عن أبي هريرة قال: غزا نبيٌّ من الأنبياء، فدنا من القرية حتّى صلّى العصر قريباً من ذلك، فقال للشّمس: أنت مأمورة وأنا مأمور؛ اللّهمّ احبِسها عليّ شيئاً. فحبست عليه حتّى فتح الله عليه. فإن قيل: فهذه الأمّة أفضل من بني إسرائيل، فإذا كانت ردّت ليوشع فما المانع أن تردّ لفضلاء هذه الأمة؟ فيقال: يوشع لم تردّ له الشّمس، ولكن تأخّر غروبها، طوّل له النهار... ولا مانع من طول ذلك، لو شاء الله لفعل ذلك...

قال: لكنّ يوشع كان محتاجاً إلى ذلك؛ لأنّ القتال كان محرّماً عليه بعد غروب الشّمس؛ وأمّا أمّة محمّدٍ فلا حاجة لهم إلى ذلك ولا منفعة لهم فيه، فإنّ الذي فاتته العصر إن كان مفرّطاً لم يسقط ذنبه إلاّ بالتوبة، ومع التوبة لا يحتاج إلى ردّه وإن لم يكن مفرّطاً كالنائم والناسي فلا ملام عليه في الصلاة بعد

____________________

(١) منهاج السنة ٤: ١٨٦.

(٢) نفسه.

(٣) نفسه.

١٣٨

الغروب(١) .

(فصل) قال الرافضيّ: التاسع رجوع الشّمس له - أي لعليّعليه‌السلام - مرّتين: إحداهما في زمن النبيّ! والثانية بعده.

أما الأولى: فروى جابر وأبو سعيد - الخدريّ - أنّ رسول الله نزل عليه جبريل يوماً يناجيه من عند الله، فلمّا تغشّاه الوحي توسّد فَخِذَ أميرالمؤمنين، فلم يرفع رأسه حتّى غابت الشّمس، فصلّى عليّ العصر بالإيماء، فلمّا استيقظ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال له: سل الله تعالى يردّ عليك الشّمس لتصلّي العصر قائماً.

وأمّا الثانية: فلمّا أراد أن أن يعبر الفرات ببابل، استعمل كثير من أصحابه دوابّهم، وصلّى لنفسه في طائفةٍ من أصحابه وفات كثيراً منهم، فتكلّموا في ذلك؛ فسأل الله ردّ الشّمس فردّت ونظمه الحِمْيَريّ فقال:

ردّت عليه الشَّمس لما فاتهُ

وقت الصّلاة، وقد دنت للمغرب

حتّى تبلّج نورها في وقتها

للعصر ثمّ هوت هويّ الكوكب

وعليه قد حُبست ببابل مرّةً

أُخرى، وما حُبست لخلق معرب

إلاّ ليوشع أوْ لهُ، ولحبسها

ولردّها تأويلُ أمر مُعجب(٢)

قال: وأمّا الإسناد الثاني، فمدارُه على فضيل بن مرزوق؛ وهو معروف بالخطأ على الثّقات وإن كان لا يتعمّد الكذب. قال فيه يحيى بن معين مرّةً: هو ضعيف، وهذا لا يناقضه قول أحمد بن حنبل فيه: لا أعلم إلاّ خيراً. وقول

____________________

(١) منهاج السنة ٤: ١٨٦.

(٢) الخبر والشّعر في خصائص أميرالمؤمنين للشريف الرضيّ سنعرض له فيما بعد.

١٣٩

سفيان: هو ثقةٌ.

ويحيى مرّةً - أخرى -: هو ثقة، فإنّه ليس ممّن يتعمّد الكذب ولكنّه يخطئ؛ وإذا روى له مسلم، ما تابعه غيره عليه، لم يلزم أن يروي ما انفرد به!(١)

قال: وروى من طريق أبي العبّاس بن عقدة؛ وكان مع حفظه جمّاعاً لأكاذيب الشّيعة!

قال: قال ابن عقدة: حدّثنا يحيى بن زكريّا، أخبرنا يعقوب بن معبد، حدّثنا عمرو بن ثابت قال: سألت عبد الله بن حسن بن حسن بن عليّ عن حديث ردّ الشّمس على عليّ...، فذكر حديث أسماء بنت عميس.

قال: وهذا الحديث، إن كان ثابتاً عن عمرو بن ثابت الذي رواه عن عبدالله بن حسن؛ فهو الذي اختلقه، فإنّه كان معروفاً بالكذب. قال أبو حاتم بن حبّان: يروي الموضوعات عن الأثبات. وقال يحيى بن معين: ليس بشيء، وقال مرّة: ليس بثقة ولا مأمون. وقال النّسائي: متروك الحديث.(٢)

قال: وأمّا رواية أبي هريرة: إسناده مظلم لا يثبت به شيء عند أهل العلم؛ بل يُعرف كذبه من وجوه: فإنّه وإن كان داود بن عبد الملك النّوفليّ، وهو الذي رواه عنه، قال البخاريّ: أحاديثه شبه لا شيء. وذكر ابن الجوزيّ أنّ ابن مردويه رواه من طريق داود بن فراهيج، وذكر ضعف ابن فراهيج(٣) .

____________________

(١) منهاج السنّة ٤: ١٩٢.

(٢) نفسه ١٩٢ - ١٩٣.

(٣) نفسه ١٩٣.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

الفصل السادس

التوثيقات العامة

1 ـ أصحاب الاجماع.

2 ـ مشايخ الثقات.

3 ـ العصابة التي لا يروون إلا عن ثقة.

4 ـ رجال أسانيد « نوادر الحكمة ».

5 ـ رجال أسانيد « كامل الزيارات ».

6 ـ رجال اسانيد « تفسير القمّي ».

7 ـ أصحاب « الصادق » عليه‌السلام .

8 ـ شيخوخة الإجازة.

9 ـ الوكالة عن الإمام عليه‌السلام .

10 ـ كثرة تخريج الثقة عن شخص.

١٦١
١٦٢

1 ـ أصحاب الاجماع

* ما هو الاصل في ذلك.

* « أصحاب الاجماع » اصطلاح جديد.

* عددهم وما نظمه السيد بحر العلوم.

* كيفية تلقي الاصحاب هذا الاجماع وحجيته.

* مفاد « تصحيح ما يصح عنهم ».

١٦٣
١٦٤

قد وقفت على الطُّرق التي تثبت بها وثاقة راو معيَّن وهناك طرق تثبت بها وثاقة جمع كثير تحت ضابطة خاصة ، وإليك هذه الطرق واحداً بعد واحد. وأهمّها مسألة أصحاب الاجماع المتداولة في الألسن وهم ثمانية عشر رجلاً على المشهور.

إن البحث عن أصحاب الاجماع من أهمّ أبحاث الرجال ، وقد اشار اليه المحدّث النوري وقال : « إنه من مهمّات هذا الفنّ ، إذ على بعض التقادير تدخل آلاف من الاحاديث الخارجة عن حريم الصحة إلى حدودها أو يجري عليها حكمها »(1) .

ولتحقيق الحال يجب البحث عن أمور :

الأول : ما هو الاصل في ذلك؟

الأصل في ذلك ما نقله الكشّي في رجاله في مواضع ثلاثة نأتي بعبارته في تلك المواضع.

1 ـ « تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبداللهعليهما‌السلام : اجتمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب أبي جعفر

__________________

1 ـ مستدرك الوسائل : 3 / 757.

١٦٥

عليه‌السلام وأصحاب أبي عبداللهعليه‌السلام وانقادوا لهم بالفقه فقالوا : أفقه الأولين ستّة : زرارة ، ومعروف بن خربوذ ، وبريد ، وأبو بصير الاسدي ، والفضيل بن يسار ، ومحمد بن مسلم الطائفي ، قالوا : أفقه الستّة زرارة ، وقال بعضهم مكان أبي بصير الاسدي ، ابو بصير المرادي وهو ليث بن البختري »(1) .

2 ـ « تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد اللهعليه‌السلام : أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون ، وأقرّوا لهم بالفقه من دون اُولئك الستّة الذين عددناهم وسمَّيناهم(2) وهم ستّة نفر : جميل بن درّاج ، وعبدالله بن مسكان ، وعبدالله بن بكير ، وحمّاد بن عثمان ، وحمّاد بن عيسى ، وأبان بن عثمان ، قالوا : وزعم أبو اسحاق الفقيه وهو ثعلبة بن ميمون(3) أن أفقه هؤلاء جميل بن درّاج وهم أحداث أصحاب أبي عبد اللهعليه‌السلام »(4) .

3 ـ « تسمية الفقهاء من اصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسنعليهما‌السلام : أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم وأقرّوا لهم بالفقه والعلم ، وهم ستّة نفر أُخر دون ستّة نفر الذين ذكرناهم(5) في أصحاب أبي عبداللهعليه‌السلام منهم : يونس بن عبد الرحمان ، وصفوان بن يحيى بيّاع السابري ، ومحمد بن أبي عمير ، وعبدالله بن مغيرة ، والحسن بن محبوب ، وأحمد بن محمد بن أبي نصر ، وقال بعضهم مكان الحسن بن

____________

1 ـ رجال الكشي : 206.

2 ـ يريد بذلك العبارة المتقدمة التي نقلناها آنفاً.

3 ـ قال النجاشي ( في الرقم 302 ) : « كان وجهاً في أصحابنا قارئاً فقيهاً نحوياً لغوياً راوية وكان حسن العمل ، كثير العبادة والزهد ، روى عن أبي عبدالله وأبي الحسنعليهما‌السلام ».

4 ـ رجال الكشي : 322 ، والمراد من الاحداث : الشبان.

5 ـ يريد العبارة الثانية التي نقلناها عن رجاله.

١٦٦

محبوب ، الحسن بن علي بن فضال ، وفضالة بن أيوّب(1) وقال بعضهم مكان فضالة بن أيوّب ، عثمان بن عيسى ، وأفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمان وصفوان بن يحيى »(2) .

ويظهر من ابن داود في ترجمة « حمدان بن أحمد » أنه من جملة من اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ منهم والاقرار لهم بالفقه(3) ونسخ الكشي خالية منه ، ولعله أخذه من الاُصول ، لا من منتخب الشيخ ، كما احتمله المحدّث النوري ، لكن التأمل يرشدنا إلى خلاف ذلك وأن العبارة كانت متعلقة بـ « حمّاد بن عيسى » المذكور قبل حمدان. وقد سبق قلمه الشريف فخلط هو أو النسّاخ ووجه ذلك أنه عنون أربعة اشخاص بالترتيب الآتي :

1 ـ حمّاد بن عثمان النّاب. 2 ـ حمّاد بن عثمان بن عمرو. 3 ـ حمّاد بن عيسى. 4 ـ حمدان بن أحمد وصرّح في ترجمة حمّاد بن عثمان الناب أنه ممّن اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم وأتى بهذا المضمون في ترجمة حمدان ، مع أن اللازم عليه أن يأتي به في ترجمة ابن عيسى ولعل الجميع كان مكتوباً في صفحة واحدة فزاغ البصر ، فكتب ما يرجع إلى ابن عيسى في حق حمدان(4) .

أضف إلى ذلك أن ابن داود نفسه خصّ الفصل الأول من خاتمة القسم الأول من كتابه بذكر أصحاب الاجماع ـ كما سيوافيك عبارته ـ وذكر أسماءهم

__________________

1 ـ الظاهر أن « الواو بمعنى « أو » أي أحد هذين ، ويحتمل كونها بمعناها فيزداد العدد.

2 ـ رجال الكشي : الرقم 1050.

3 ـ رجال ابن داود : 84 ، الرقم 524.

4 ـ والجدير بالذكر ان تغاير « حمّادين » الاولين محلّ نظر. بل استظهر جمع من أئمة الرجال اتحادهما ولعله الاصح. راجع قاموس الرجال : 3 / 397 ـ 398 ؛ ومعجم رجال الحديث : 6 / 212 ـ 215.

١٦٧

مصّرحاً بكون حمّاد بن عيسى منهم من دون أن يذكر حمدان بن أحمد.

والعجب أنّه ذكر الطبقة الثّالثة بعنوان الطبقة الثانية وقال : إنّهم من أصحاب أبي عبداللهعليه‌السلام مع أنّه صرح في ترجمة كل منهم أنّهم كانوا من أصحاب الرضاعليه‌السلام وبعضهم من أصحاب أبي إبراهيم وأبي جعفر الثانيعليهما‌السلام (1) .

هذا ، مضافاً إلى أنه لا اعتبار بما انفرد به داود مع اشتمال رجاله على كثير من الهفوات.

الثاني : « أصحاب الاجماع » اصطلاح جديد

إن التّعبير عن هذه الجماعة بـ « أصحاب الاجماع » أمر حدث بين المتأخرين ، وجعلوه أحد الموضوعات التّي يبحث عنها في مقدمات الكتب الرجالية أو خواتيهما ، ولكنّ الكشّي عبر عنهم بـ « تسمية الفقهاء من أصحاب الباقرينعليهما‌السلام » أو « تسمية الفقهاء من أصحاب الصادقعليه‌السلام » أو « تسمية الفقهاء من اصحاب الكاظم والرضاعليهما‌السلام » فهورحمه‌الله كان بصدد تسمية الفقهاء من أصحاب هؤلاء الأئمّة ، الذين لهم شأن كذا وكذا ، والهدف من تسميتهم دون غيرهم ، هو تبيين أنّ الأحاديث الفقهية تنتهي إليهم غالباً ، فكأنّ الفقه الإماميّ مأخوذ منهم ، ولو حذف هؤلاء وأحاديثهم من بساط الفقه ، لما قام له عمود ، ولا اخضرّ له عود ، ولتكن على ذكر من هذا المطلب ، فأنّه يفيدك في المستقبل.

الثالث : في عددهم

قد عرفت أنه لا اعتبار بما هو الموجود في رجال ابن داود من عدّ « حمدان بن أحمد » من أصحاب الإجماع ، فلابدّ من الرجوع إلى عبارة

__________________

1 ـ الرجال : طبعة النجف ، الرقم : 118 ، 442 ، 454 ، 782 ، 909 و 1272.

١٦٨

الكشي فقد نقل الكشي اتفاق العصابة على ستة نفر من أصحاب الصادقينعليهما‌السلام وهم : 1 ـ زرارة أعين ، 2 ـ معروف بن خربوذ ، 3 ـ بريد بن معاوية ، 4 ـ أبو بصير الأسدي ، 5 ـ الفضيل بن يسار ، 6 ـ محمد بن مسلم الطائفي.

ونقل أيضاً اتّفاقهم على ستة من أحداث أصحاب أبي عبد اللهعليه‌السلام فقط وهم : 7 ـ جميل بن دراج ، 8 ـ عبد الله بن مسكان ، 9 ـ عبد الله بن بكير ، 10 ـ حماد بن عثمان ، 11 ـ حماد بن عيسى ، 12 ـ أبأن بن عثمان.

كما نقل اتفاقهم على ستة نفر من أصحاب الامامين الكاظم والرضاعليهما‌السلام وهم : 13 ـ يونس بن عبد الرحمان ، 14 ـ صفوان بن يحيى بيّاع السابري ، 15 ـ محمد بن أبي عمير ، 16 ـ عبد الله بن مغيرة ، 17 ـ الحسن بن محبوب ، 18 ـ أحمد بن محمّد بن نصر.

هذا ما اختار الكشي في من اجمعت العصابة عليهم ، ولكن نقل في حق الستة الأولى أن بعضهم قال مكان أبي بصير الأسدي ، أبو بصير المرادي ، فالخمسة من الستة الأولى موضع اتّفاق من الكشي وغيره ، كما أن الستة الثانية موضع اتفاق من الجميع ، وأما الطبقة الثالثة فخمسة منهم مورد اتفاق بينه وبين غيره حيث قال : « ذكر بعضهم مكان الحسن بن محبوب ، الحسن بن علي بن فضال وفضالة بن أيوب ، وذكر بعضهم مكان فضالة بن أيوب ، عثمان بن عيسى » فيكون خمسة من الطبقة الثالثة مورد اتفاق بينه وبين غيره وبالنتيجة يكون ستة عشر شخصاً موضع اتفاق من الكل ، وانفرد الكشي بنقل الإجماع على شخصين وهما أبو بصير الأسدي من الطبقة الأولى ، والحسن بن محبوب من الثالثة ونقل الاخرون ، الاتفاق على أربعة وهم : أبو بصير المرادي من الستة الأولى والحسن بن علي بن فضال ، وفضالة بن أيوب وعثمان بن عيسى من الثالثة ، فيكون المجموع : اثنين وعشرين شخصاً ، بين ما اتفق الكل على

١٦٩

كونهم من أصحاب الاجماع ، أو قال به الكشي وحده أو غيره فالمتيقن هو 16 شخصاً ، والمختلف فيه هو 6 اشخاص.

ثم إن المتتبع النوري قد حاول رفع الاختلاف قائلاً : « إنه لا منافاة بين الإجماعين في محل الانفراد لعدم نفي أحد الناقلين ما أثبته الآخر وعدم وجوب كون العدد في كل طبقة ستة ، وأنما اطلع كل واحد على ما لم يطلع عليه الاخر ، والجمع بينهما ممكن ، فيكون الجميع مورداً للاجماع.

ونقل عن بعض الأجلة الاشكال عليه ، بأنّ الكشّي جعل الستّة الأولى أفقه الأوّليين وقال : « فقالوا أفقه الأوّين ستة » ومعناه هؤلاء أفقه من غيرهم ومنهم أبو بصير المرادي. وعليه فالأسدي الّذي هو جزء من الستة أفقه من أبي بصير المرادي وعلى القول الآخر يكون المرادي من أفراد الستة ويكون أفقه من أبي بصير الاسدي ، فيحصل التكاذب بين النقلين ، فواحد منهم يقول : الأفقه هو الأسدي ، والآخر يقول : الأفقه هو المرادي »(1) .

وفيه أولاً : أنه يتم في القسم الأول من هذه الطّبقات الثلاث ، حيث اشتمل على جملة « أفقه الأولين ستة » دون سائر الطبقات ، فهي خالية عن هذا التعبير.

وثانياً أنه يحتمل أن يكون متعلق الاجماع هو التصديق والانقياد لهم بالفقه ، لا الأفقهيّة من الكلّ ، فلاحظ وتأمّل.

الرابع : فيما نظمه السيد بحر العلوم

إن السيد الجليل بحر العلوم جمع أسماء من ذكره الكشي في المواضع الثلاثة في منظومته وخالفه في أشخاص من الستة الأولى ، قالقدس‌سره :

قد أجمع الكل على تصحيح ما

يصح عن جماعة فليعلما

__________________

1 ـ خاتمة مستدرك الوسائل : 3 / 757 ، الفائدة السابعة.

١٧٠

وهم أولو نجابة ورفعة

أربعة وخمسة وتسعة

فالستة الأولى من الأمجاد

أربعة منهم من الأوتاد

زرارة كذا بريد(1) قد أتى

ثم محمد(2) وليث(3) يافتى

كذا الفضيل(4) بعده معروف(5)

وهو الذي ما بيننا معروف

والستة الوسطى اولو الفضائل

رتبتهم أدنى من الأوائل

جميل الجميل(6) مع أبان(7)

والعبدلان(8) ثم حمّادان(9)

والستة الاخرى هم صفوان(10)

ويونس(11) عليهما الرضوان

ثم ابن محبوب(12) كذا محمد(13)

كذاك عبدالله(14) ثم أحمد(15)

وما ذكرناه الأصحّ عندنا

وشذّ قول من به خالفنا(16)

قوله : « وما ذكرناه الأصح » إشارة إلى الاختلاف الذي حكاه الكشي في عبارته حيث اختار الكشي ان أبا بصير الاسدي منهم ، واختار غيره أن أبا

__________________

1 ـ المراد بريد بن معاوية.

2 ـ المراد محمد بن مسلم.

3 ـ ابو بصير المرادي وهو ليث بن البختري ، وقد خالف فيه مختار الكشي.

4 ـ الفضيل بن يسار.

5 ـ معروف بن خربوذ.

6 ـ جميل بن دراج.

7 ـ أبان بن عثمان.

8 ـ عبد الله بن مسكان وعبد الله بن بكير.

9 ـ حمّاد بن عثمان وحمّاد بن عيسى.

10 ـ صفوان بن يحيى. المتوفّى عام 220 هـ.

11 ـ يونس بن عبد الرحمن.

12 ـ الحسن بن محبوب.

13 ـ محمد بن أبي عمير.

14 ـ عبد الله بن المغيرة.

15 ـ أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي.

16 ـ قد مضى القولان في عبارة الكشي.

١٧١

بصير المرادي منهم واختار السيد بحر العلوم القول الثاني ونسب القول الأول إلى الشذوذ.

الخامس : في كيفية تلقي الأ صحاب هذا الاجماع

إن المتتبع النوري قد قام بتصفح كلمات الأصحاب حتى يستكشف من خلالها كيفية تلقيهم هذا الإجماع بالقبول وإليك الإشارة إلى بعض الكلمات التي نقلها المحدث النوري في الفائدة السابعة من خاتمة المستدرك بتحرير منّا حسب القرون :

1 ـ إن أول من نقله من الأصحاب هو أبو عمرو الكشي وهو من علماء القرن الرابع وكان معاصراً للكليني ( المتوفّى عام 329 هـ ) وتتلمذ للعياشي صاحب التفسير.

2 ـ ويتلوه في النقل ، الشيخ الطوسي ، وهو من علماء القرن الخامس ( المتوفّى عام 460 هـ ) حيث إنه قام باختصار رجال الكشي بحذف أغلاطه وهفواته ، وأملاه على تلاميذه وشرع بالإملاء يوم الثلاثاء السادس والعشرين من صفر سنة 456 هـ ، بالمشهد الشريف الغري ، ونقل سبط الشيخ ، السيد الأجل « علي بن طاووس » في كتاب « فرج المهموم » عن نفس خط الشيخ في أول الكتاب أنه قال : « هذه الأخبار اختصرتها من كتاب الرجال لأبي عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي واخترنا ما فيها »(1) . وظاهر كلامه أن الموجود في الكشي مختاره ومرضيه.

أضف إلى ذلك أنه يقول في العدة : « سوَّت الطائفة بين ما رواه محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر وغيرهم من الثقات ، الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا ممَّن يوثق به ، وبين ما

__________________

1 ـ مستدرك الوسائل : 3 / 757 ، نقلاً عن فرج المهموم.

١٧٢

أسنده غيرهم ، ولذلك عملوا بمرسلهم إذا انفرد عن رواية غيرهم »(1) .

فان قوله « وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا ممَّن يوثق به » دليل على أن فيهم جماعة معروفين عند الاصحاب بهذه الفضيلة ، ولا تجد في كتب هذا الفنّ من طبقة الثقات ، عصابة مشتركة في هذه الفضيلة غير هؤلاء.

3 ـ وممَّن تلقّاه بالقبول ، رشيد الدين محمد بن علي بن شهرآشوب من علماء القرن السادس ( المتوفّى عام 588 هـ ) فقد أتى بما ذكره الكشّي في أحوال الطبقة الاُولى والثانية ، وترك ذكر الثالثة ، ونقل الطبقتين بتغيير في العبارة كما سيوافيك وجهه(2) .

4 ـ وممَّن تلقّاه بالقبول ، فقيه الشيعة ، العلامة الحلي من علماء القرن الثامن ( المتوفّى عام 726 هـ ) وقد أشار بما ذكره الكشّي في خلاصته في موارد كثيرة كما في ترجمة « عبدالله بن بكير » و « صفوان بن يحيى » و « البزنطي » و « أبان بن عثمان ».

5 ـ وقال ابن داود مؤلّف الرجال وهو من علماء القرن الثامن ، حيث ولد عام 648 وألَّف رجاله عام 707 هـ : « أجمعت العصابة على ثمانية عشر رجلا فلم يختلفوا في تعظيمهم غير أنهم يتفاوتون ثلاث درج »(3) .

6 ـ وقال الشهيد الأول ( المستشهد عام 786 هـ ) في « غاية المراد » عند

__________________

1 ـ عدة الاصول : 1 / 386 ، وسيوافيك حق القول في تفسير كلام العدة ، وتقف على أن كلام العدة غير مستنبط من كلام الكشي ، وانما ذكرناه في المقام تبعاً للمحدث النوري.

2 ـ المناقب : 4 / 211 ، أحوال الإمام الباقر ، والإمام الصادقعليهما‌السلام : 280.

3 ـ رجال ابن داود : 209 ، خاتمة القسم الأول ، الفصل الأول ، طبعة النجف والصفحة : 384 ، طبعة جامعة طهران.

١٧٣

البحث عن بيع الثمرة بعد نقل حديث في سنده الحسن بن محبوب : « وقد قال الكشي : أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن الحسن بن محبوب ».

نعم ، لم نجد من يذكر هذا الاجماع أو يشير إليه من علماء القرن السّابع كالحسن بن زهرة ( المتوفّى عام 620 هـ ) ونجيب الدين ابن نما ( المتوفّى عام 645 هـ ) ، وأحمد بن طاووس ( المتوفّى عام 673 هـ ) ، والمحقق الحلّي ( المتوفّى عام 676 هـ ) ويحيى بن سعيد ( المتوفّى عام 689 هـ ).

كما لم نجد من يذكره من علماء القرن التّاسع كالفاضل المقداد ( المتوفّى عام 826 هـ ) وابن فهد الحلّي ( المتوفّى عام 841 ).

نعم ذكره الشّهيد الثّاني ( وهو من علماء القرن العاشر وقد استشهد عام 966 هـ ) في شرح الدراية في تعريف الصحيح حيث قال : « نقلوا الاجماع على تصحيح ما يصح عن أبان بن عثمان مع كونه فطحيّاً ، وهذا كلّه خارج عن تعريف الصحيح الّذي ذكروه ».

كما نقل في الروضة البهية ، في كتاب الطلاق عن الشيخ أنه قال : « ان العصابة اجمعت على تصحيح ما يصح عن عبد الله بن بكير وأقرّوا له بالفقه والثقة »(1) .

وأما القرون التالية ، فقد تلقاه عدة من علماء القرن الحادي عشر بالقبول كالشيخ البهائي ( المتوفّى عام 1031 هـ ). والمحقق الداماد ( المتوفّى عام 1041 هـ ) ، والمجلسي الأوّل ، وفخر الدين الطّريحي ( المتوفّى عام 1085 هـ ) والمحقق السبزواري ( المتوفّى عام 1090 هـ ) مؤلّف « ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد ».

كما تلقاه بالقبول كثير من علماء القرن الثاني عشر كالمجلسي الثاني

__________________

1 ـ الروضة البهية : 2 / 131 ، كتاب الطلاق.

١٧٤

( المتوفّى عام 1110 هـ ) وعلماء القرون التالية ولا نرى حاجة في ذكر عبائرهم(1) .

اقول : ان الأصحاب وان تلقوه بالقبول ، لكن ذلك التلقّي لا يزيدنا شيئاً ، لأنهم اعتمدوا على نقل الكشي ولولاه لما كان من ذلك الاجماع أثر ، ولأجل ذلك نرى أن الشيخ لم يذكره في كتابي الرجال والفهرست ، ولا نجد منه اثرا في رجال البرقي ورجال النجاشي ، وذكره ابن شهرآشوب تبعاً للكشي وتصرف في عبارته ، على أن ذكر الشيخ في رجال الكشي لا يدل على كونه مختاراً عنده لأنه هذبه عن الأغلاط ، لا عن كل محتمل للصدق والكذب ، وابقاؤه يكشف عن عدم كونه مردوداً عنده ، لا كونه مقبولاً.

السادس : في وجه حجية ذاك الاجماع

عقد الاصوليون في باب حجية الظنون ، فصلاً خاصاً للبحث عن حجية الاجماع المنقول بخبر الواحد وعدمها ، فذهب البعض إلى الحجّية بادعاء شمول أدلة حجية خبر الواحد له ، واختار المحققون وعلى رأسهم الشيخ الأعظم عدمها ، قائلاً بأن أدلة حجّية خبر الواحد تختص بما إذا نقل قول المعصوم عن حس لا عن حدس ، وناقل الإجماع ينقله حدساً لا حسّاً وذلك من ناحيتين :

الأولى : من ناحية السبب ، وهو الاتفاق الملازم عادة لقول الإمامعليه‌السلام ووجه كونه حدسياً ، لا حسياً ، ان الجل ـ لولا الكل ـ يكتفون في احراز السبب ، باتفاق عدة من الفقهاء لا اتفاق الكل ، وينتقلون من اتفاق عدة منهم إلى اتفاق الجميع.

الثانية : من ناحية المسبب ، وهو قول الإمام ، فإنهم يجعلون اتفاق

__________________

1 ـ لاحظ خاتمة المستدرك : 3 / 758 ـ 759 ، بتحرير وتلخيص واضافات منا.

١٧٥

العلماء دليلاً على موافقة قولهم لقول الإمامعليه‌السلام حدساً لا حساً ، مع ان الملازمة بين ذاك الاتفاق ، وقول الامام غير موجودة ، وعلى ذلك فناقل الاجماع ينقل السبب ( اتفاق الكل ) والمسبب ( قول الامام ) حدساً لا حساً ، وهو خارج عن مورد أدلة الحجية.

والاشكال من ناحية السبب ، مشترك بين المقام وسائر الاجماعات المنقولة ، حيث ان المظنون ان ابا عمرو الكشي لم يتفحص في نقل إجماع العصابة على هؤلاء ، وإنما وقف على آراء معدودة واكتفى ، وهي لا تلازم اتفاق الكل.

وهناك اشكال اخر يختص بالمقام ، وهو ان الاجماع المنقول لو قلنا بحجّيته ، انما هو فيما إذا تعلق على الحكم الشرعي ، لا على الموضوع ، ومتعلق الاجماع في المقام موضوع من الموضوعات لا حكم من الأحكام ، كما تفصح منه عبارة الكشي : « أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن جماعة ».

والاجماع على موضوع ولو كان محصلاً ، ليس بحجة ، فكيف إذا كان منقولاً.

والجواب عن الاشكال الأول مبني على تعيين المفاد من عبارة الكشي في حق هؤلاء الثمانية عشر ، فلو قلنا بأن المراد منها هو تصديق هؤلاء الأعلام في نفس النقل والحكاية الملازم لوثاقتهم ـ كما هو المختار ويظهر من عبارة المناقب أيضاً وغيرها كما ستوافيك ـ فلا يحتاج في إثبات وثاقة هؤلاء إلى اتفاق الكل حتى يقال انه أمر حدسي بل يكفي توثيق شخص أو شخصين أو ثلاثة وقف عليه الكشي عن حس ، ليس الاطلاع على هذا القدر أمراً عسيراً حتى يرمي الكشي فيه إلى الحدس ، بل من المقطوع أنه وقف عليه وعلى أزيد منه.

نعم ، لو كان المراد من عبارة الكشي هو اتفاق العصابة على صحة رواية هؤلاء ، بالمعنى المصطلح عند القدماء اعتماداً على القرائن الخارجية ،

١٧٦

فالإشكال باق بحاله ، لان العلم بالصحة ليس أمراً محسوساً حتى تعمه أدلة حجية خبر الواحد إذا أخبر عنها مخبر ، وليست القرائن الموجبة للعلم بالصحة ، كلها من قبيل عرض الكتاب على الإمامعليه‌السلام وتصديقه إياه ، أو تكرر الحديث في الاصول المعتمدة ، حتى يقال « انها من قبيل الامور الحسية ، وأن المسبب ـ أعني صحة روايات هؤلاء ـ وان كان حدسيّاً ، لكن أسبابه حسّية ، ولا يلزم في حجة قول العادل كون المخبر به أمراً حسياً ، بل يكفي كون مقدمات حسية » ، وذلك لأن القرائن المفيدة لصحة أخبار هؤلاء ليست حسّية دائماً ، وإنما هي على قسمين : محسوس وغير محسوس ، والغالب عليها هو الثاني وقد مر الكلام فيه عند البحث عن شهادة الكليني في ديباجة الكافي على صحة رواياته.

وقد حاول بعض الأجلة الإجابة عنه ( ولو قلنا بأن المراد هو تصحيح روايات هؤلاء ) بأن نقل الكشي ، اتفاق العصابة على تصحيح مرويات هؤلاء بالقرائن الدالة على صدق مفهومها أو صدورها ، وأن لم يكن كافياً في إثبات الاتفاق الحقيقي ، لكنه كاشف عن اتفاق مجموعة كبيرة منهم على تصحيح مرويات هؤلاء ، ومن البعيد أن يكون مصدره ادعاء واحد أو اثنين من علماء الطائفة ، لأن التساهل في دعوى الإجماع شائعاً وأن كان بين المتأخرين ، لكنه بين القدماء ممنوع جداً ، هذا من جانب.

ومن جانب آخر إن اتفاق جماعة على صحة روايات هؤلاء العدة ، يورث الاطمئنان بها ، والقرائن التي تدل على الصحة وإن كانت على قسمين : حسي واستنباطي ، لكن لما كان النظر والاجتهاد في تلك الأيام قليل ، وكان الأساس في المسائل الفقهية وما يتصل بها ، هو الحس والشهود ، يمكن أن يقال باعتمادهم على القرائن العامة التي تورث الاطمئنان لكل من قامت عنده أيضاً ، ككونه من كتاب عرض على الإمام ، أو وجد في أصل معتبر ، أو تكرر في الاصول ، إلى غير ذلك من القرائن المشهورة.

١٧٧

والحاصل ؛ أنه إذا ثبت ببركة نقل الكشي كون صحة روايات هؤلاء ، أمراً مشهوراً بين الطائفة ، يحصل الاطمئنان بها من اتفاق مشاهيرهم ، لكونهم بعداء عن الاعتماد على القرائن الحدسية ، بل كانوا يعتمدون على المحسوسات أو الحدسيات القريبة منها ، لقلة الاجتهاد والنظر في تلك الأعصار.

أقول : لو صحت تلك المحاولة لصحت في ما ادعاه الكليني في ديباجة كتابه ، من صحة رواياته ، ومثله الصدوق في مقدمة « الفقيه » ، بل الشيخ حسب ما حكاه المحدث النوري بالنسبة إلى كتابيه « التهذيب والاستبصار » والاعتماد على هذه التصحيحات ، بحجة ان النظر والاجتهاد يوم ذاك كان قليلاً ، وكان الغالب عليها هو الاعتماد على الامور الحسية مشكل جداً وقد مرَّ اجمال ذلك عند البحث عن أدلة نفاة الحاجة إلى علم الرجال فلاحظ ، على ان احراز القرائن الحسية بالنسبة إلى أحاديث هؤلاء مع كثرتها ، بعيد غايته وسيوافيك بعض الكلام في ذلك عند تبيين مفاد العبارة.

واما الاشكال الثاني فالاجابة عنه واضحة ، لأنه يكفي في شمول الأدلة كون المخبر به مما يترتب على ثبوته اثر شرعي ، ولا يجب ان يكون دائماً نفس الحكم الشرعي ، فلو ثبت بإخبار الكشي ، اتفاق العصابة على وثاقتهم أو صحة اخبارهم ، لكفى ذلك في شمول ادلة الحجية كما لا يخفى.

السابع : في مفاد « تصحيح ما يصح عنهم »

وهذا هو البحث المهم الذي فصل الكلام فيه المتتبع النوري في خاتمة مستدركه ، كما فصل في الامور السابقة ـ شكر الله مساعيه ـ.

والخلاف مبني على ان المقصود من الموصول في « ما يصح » ما هو؟ فهل المراد ، الرواية والحكاية بالمعنى المصدري ، أو ان المراد المروي ونفس الحديث؟

١٧٨

فتعيين أحد المعنيين هو المفتاح لحل مشكلة العبارة ، وأما الاحتمالات الاُخر ، فكلها من شقوق هذين الاحتمالين ، ويتلخص المعنيان في جملتين :

1 ـ المراد تصديق حكاياتهم.

2 ـ المراد تصديق مروياتهم.

وان شئت قلت : هل تعلق الإجماع على تصحيح نفس الحكاية وان ابن ابي عمير صادق في قوله ، بأنّه حدثه ابن اُذينة أو عبدالله بن مسكان أو غيرهما من مشايخه الكثيرة الناهزة إلى أربعمائة شيخ أو تعلق بتصحيح نفس الحديث والمروي ، وان الرواية قد صدرت عنهمعليهم‌السلام .

وبعبارة اخرى ؛ هل تعلق بما يرويه بلا واسطة كروايته عن شيخه « ابن اُذينة » ، أو تعلق بما يرويه مع الواسطة أعني نفس الحديث الذي يرويه عن الإمام بواسطة استاذه.

والمعنى الأول يلازم توثيق هؤلاء ويدل عليه بالدلالة الالتزامية ، فان اتفاق العصابة على تصديق هؤلاء في حكايتهم وتحدثهم ملازم لكونهم ثقات ، فيكون مفاد العبارة هو توثيق هؤلاء لأجل تصديق العصابة حكايتهم ونقولهم عن مشايخهم.

وأما المعنى الثاني فله احتمالات :

1 ـ صحة نفس الحديث والرواية وان كانت مرسلة أو مروية عن مجهول أو ضعيف لأجل كونها محفوفة بالقرائن.

2 ـ صحتها لأجل وثاقة خصوص هؤلاء الجماعة فتكون الصحة نسبية لا مطلقة ، لاحتمال عدم وثاقة من يروون عنه فيتحد مع المعنى الأول.

3 ـ صحتها لأجل وثاقتهم ووثاقة من يروون عنهم حتى يصل إلى الإمامعليه‌السلام فعلى الاحتمال الثالث ، تنسلك مجموعة كبيرة من الرواة ممَّن

١٧٩

لم يوثقوا خصوصاً ، في عداد الثقات ، فإن لمحمد بن ابي عمير مثلا « 645 » حديثاًيرويها عن مشايخ كثيرة(1) .

واليك توضيح هذين المعنيين(2) .

المعنى الأول : وهو ما احتمله صاحب الوافي في المقدمة الثالثة من كتابه : « ان ما يصح عنهم هو الرواية لا المروي »(3) . وعلى هذا تكون العبارة كناية عن الاجماع على عدالتهم وصدقهم بخلاف غيرهم ممن لم ينقل الإجماع على عدالته.

ونقل المحدث النوري عن السيد المحقق الشفتي في رسالته في تحقيق حال « أبان » ان متعلق التصحيح هو الرواية بالمعنى المصدري أي قولهم أخبرني ، أو حدثني ، أو سمعت من فلان ، وعلى هذا فنتيجة العبارة أن أحداً من هؤلاء إذا ثبت أنه قال : حدثني ، فالعصابة أجمعوا على أنه صادق في اعتقاده.

وقد سبقه في اختيار هذا المعنى رشيد الدين ابن شهر آشوب في مناقبه ، حيث اكتفى بنقل المضمون وترك العبارة وقال : « اجتمعت العصابة على تصديق ستة من فقهائه ( الإمام الصادقعليه‌السلام ) وهم جميل بن دراج ، وعبدالله بن مسكان الخ » فقد فهم من عبارة الكشي اتفاق العصابة على تصديق هؤلاء وكونهم صادقين فيما يحكون ، فيدل بالدلالة الالتزامية على وثاقة هؤلاء لا غير ، والتصديق مفاد مطابقي ، والوثاقة مفاد التزامي كما لا يخفى.

__________________

1 ـ لاحظ معجم رجال الحديث : 14 / 303 ـ 304 ، طبعة النجف.

2 ـ وقد ادغمنا الوجه الثاني والثالث من الاحتمال الثاني فبحثنا عنهما بصفقة واحدة ، لان وثاقة هؤلاء ليست مورداً للشك والترديد وانما المهم اثبات وثاقة مشايخهم.

3 ـ الوافي : المقدمة الثالثة ، الصفحة 12 ، وجعل الفيض كونها كناية عن الاجماع على عدالتهم وصدقهم في عرض ذلك الاحتمال ، والظاهر أنه في طوله ، لان تصديق حكايتهم في الموارد المجردة عن القرائن غير منفك عن التصديق بعدالتهم فلاحظ.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492