ابن تيميه الجزء ٢

ابن تيميه12%

ابن تيميه مؤلف:
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 492

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 492 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 169311 / تحميل: 5906
الحجم الحجم الحجم
ابن تيميه

ابن تيميه الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بسم الله الرحمن الرحيم

ابن تيميه المجلّد الثاني

نقد منهجه

حبيب طاهر الشمّريّ

مراجعة: جعفر البياتيّ

١

٢

سبَقُ عليّعليه‌السلام إلى الإسلام

امتدّت يدُ النَّصْب إلى فضيلةٍ - وإن شئت فسمّها خصوصيّة من خصائص أمير المؤمنينعليه‌السلام - فأنكَرَتْها، تلك هي سَبْق عليّعليه‌السلام إلى الإسلام!

قال ابن تَيمِيَه: قولُه - أي العلاّمة الحِلّيّ - «وهذه الفضيلة - السَبْق - لم تثبت لغيره من الصحابة» ممنوع، فإنّ الناس متنازعون في أوّل مَن أسلم، فقيل: أبوبكر أوّل مَن اسلم فهو أسبقُ إسلاماً من عليّ، وقيل إنّ عليّاً أسلم قبلَه لكنّ عليّاً كان صغيراً وإسلام الصبيّ فيه نزاعٌ بين العلماء، ولا نزاعَ في أنّ إسلام أبي بكر أكملُ وأنفع؛ فيكون هو أكمل سبقاً وأسبقُ على الإطلاق على القول الآخَر! فكيف يُقال عليّ كان أسبق منه، بلا حجّةٍ تدلّ على ذلك(١) ؟!

جوابنا وبالله التوفيق

إنّ القول بسَبْق أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام إلى الإسلام ليس من أقوال العلاّمة

____________________

(١) منهاج السنّة ٤: ٤٢.

٣

الحِلّيّ الّذي كان معاصراً لابنِ تَيميَه، وإنّما هو من أقوال علماء القرن الثاني الهجريّ فما بعد، ومنهم تلقّاه الحِلّيّ. وأمّا قوله بشأن صحّة الحديث: ممنوع! فغريب ومضحك، زاد في خروجه عن المألوف منه في هذه الأحاديث، فلم يقل بشأنه: «وهذا كذِبٌ موضوع عند أهل المعرفة بالحديث» أو «هذا كَذِبٌ بإجماع أهل العلم» ولما كان أبو الفرج قبلةَ ابن تَيميَه قد ذكر سَبْق عليّعليه‌السلام ، فقد ضاقت به السُّبُل، فلاذَ بالناس، وبذا جعل الناسَ جميعاً علماءَ وأهلَ معرفة بالحديث، مستثنياً منهم أصحابَ المصنّفات شيوخ البخاريّ ومسلم، وأصحابَ السُّنن والتراجم والسيرة والتاريخ...؛ فهذه الشرائح من الناس قد أجمعت على سَبْق عليّعليه‌السلام إلى الإسلام؛ ولا ندري إن كان ابن تَيميَه يعدّ هؤلاء من الناس أم لا؟! فإن قال: نعم؛ فقد حكم نفسَه! وإن قال: لا؛ فإلى الله المشتكى! ومع كلّ ذلك، هلاّ ذكر بعضاً من أولئك الناس الذين زعم اختلافهم في أوّل مَن أسلم!

وأمّا التعلّل بمسألة السنّ، وأنّ عليّاًعليه‌السلام أسلَمَ صغيراً...؛ فإنّ هذا المزعم لا موقع له؛ إذِ الكلام جارٍ في سَبْق عليّ إلى الإسلام، وأنت زعمتَ أن أبابكر قال الناس فيه: أنّه هو الذي سَبَق، فكان عليك أن تأتيَ بالحجّة على قولك كما طلبت ذلك منّا! ولمّا لم تفعل فقد سقط زعمك، وأمّا نحن فسنوافيك بما لا تستطيع دفعه فضلاً عن منعه!

وأمّا مسألة السنّ، فقد قيل إنّهعليه‌السلام أسلم وعمره ثلاثَ عشرةَ سنة، وقالوا: خمسة عشر...، والذين قالوا بصغر سنّه إنّما أرادوا حطّ فضيلته هذه، فرفعوا من منزلته - كما سنذكر - وحان أن نذكر حجّتنا:

٤

الناس الذين قالوا بسَبْقِ عليّعليه‌السلام

جارَيْنا ابن تَيميَه حتّى في هذا اللّفظ، فلم نقل مثلاً: إنّ العلماء هم الذين ذكروا فضيلة عليّعليه‌السلام ؛ والعلماء ناسٌ، إلاّ أنّ لهم شأناً في المجتمع وكلمةً مسموعة...

يونس بن بُكير، عن ابن إسحاق(١) قال: حدّثني يحيى بن أبي الأشعث الكنديّ، قال: حدّثني إسماعيل بن إياس بن عفيف، عن أبيه عن جدّه عفيف، أنّه قال: كنتُ امرءًا تاجراً فقدِمتُ أيّامَ مِنى، أيّام الحجّ، وكان العبّاس بن عبد المطّلب امرءًا تاجراً، فأتيتُه أبتاعُ منه وأبيعه؛ قال: فبينا نحن إذ خرج رجل من خِباء يصلّي فقام تجاه الكعبة، ثمّ خرجت امرأةٌ فقامت تصلّي معه، وخرج غلام فقام

____________________

(١) محمّد بن إسحاق بن يَسار، شيخ رجال السّيرة، عاش القرنَين الأوّل والثاني، تُوفّي سنة ١٥٠ هـ قال عبّاس الدُّوريّ: سألتُ يحيى - بن مَعين -: أيُّما أحبُّ إليك: موسى بن عُبيدة الرَّبَذيّ، أو محمّد بن إسحاق؟ فقال: محمّد بن إسحاق. (تاريخ يحيى بن مَعين ١: ٥٠/٢٢٩). وأيضاً الدوريّ، قال: سمعتُ أحمد بن حنبل، وسُئل فقيل له: يا أبا عبد الله، ما تقول في موسى بن عُبيدة الرَّبَذيّ، وفي محمّد بن إسحاق؟ فقال: أمّا محمّد بن إسحاق فهو رجل تُكتَب عنه هذه الأحاديث - كأنّه يعني المغازي ونحوها -، وأمّا موسى بن عُبيدة فلم يكن به بأس، ولكنّه حدّث بأحاديثَ مناكيرَ عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (تاريخ يحيى / الرقم ٢٣١). وقال العجليّ: محمّد بن إسحاق مدنيّ ثقة. (تاريخ الثِّقات: ٤٠٠/١٤٣٣). وذكره ابن حبّان في الثِّقات وقال: قال عليّ بن المدينيّ - وقد سُئل عن محمّد بن إسحاق - فقال: ثقة. (الثقات لابن حبّان ٤: ٢٣٥/٤٠٦٧). وانظره في: تاريخ البخاريّ الكبير ١: ١: ٤٠، والجرح والتعديل ٣/٢/١٩٢، والكامل لابن عَدِيّ ٣٢٣.

٥

يصلّي معه، فقلتُ: يا عبّاس ن ما هذا الدّين؟! إنّ هذا الدّين ما ندري ما هو؟ فقال العبّاس: هذا محمّد بن عبد الله يزعم أنّ الله أرسله وأنّ كنوز كسرى وقيصر ستُفتح عليه، وهذه امرأته خديجة بنت خويلد آمَنَت به، وهذا الغلام ابن عمّه عليُّ بن أبي طالب آمَنَ به؛ قال العفيف: فليتني آمنتُ يومئذ وكنتُ أكون ثانياً(١) !

وكذلك ابنُ إسحاق، عن يونس بن يوسف بن صُهَيب عن عبد الله بن بُرَيدة قال: أوّل الرجال إسلاماً عليّ بن أبي طالب، ثمّ الرَّهَط الثلاثة: أبو ذرّ، وبُرَيدة، وابن عمٍّ لأبي ذرّ(٢) .

هذه واحدة من حُججنا، وقد طلبتَ حجّةً فأتيناك بها من رجلٍ لا تستطيع خدشَه! كيف وأئمّتُك: ابن حنبل، وابن معين، وابن أبي حاتِم، والعجليّ... قد وثّقوه؟! وسنُلقي على مسامعك حُججاً تَترى؛ لأنّها من الناس إلاّ أنّ رجالها ثقات وليس فيهم نكِرة:

فهذا عبد الرزّاق بن هَمّام الصنعانيّ، لم تبعد الشقّة بينه وبين ابن إسحاق مثلما بعدت بينك وبينه، فهي لا تزيد على ١١ سنة، فقد تُوفّي عبد الرزّاق سنة ٢١١ هـ قال: قال مَعْمَر: أخبرنا قتادة عن الحسن وغيره فقال: كان أوّلَ مَن آمن به عليُّ بن أبي طالب وهو ابن خمسَ عشرةَ أو ستَّ عشرة(٣) . قال: وأخبرني

____________________

(١) سيرة ابن إسحاق: ١٣٧.

(٢) نفسه: ١٣٨.

(٣) المصنَّف، لعبد الرزّاق ٥: ٢١٩.

٦

عثمان الجَزريّ عن مِقسم عن ابن عبّاس قال: عليٌّ أوّل مَن أسلم(١) .

فمَن كان عمره ستّ عشرة سنة، لا يقال عنه صبيّ لا يرقى في إسلامه إلى صفّ الشيوخ الذين أمضوا قرابة خمسين سنة في جاهليّة وعبادة أوثان...؛ وهل الذين قادوا الحروب على الإسلام وماتوا أو قُتلوا وهم مشركون إلاّ شيوخ قريش؟!

أمّا الإمام عليّعليه‌السلام فلقد كان ممّا أنعم الله عليه أنّه كان قد نشأ في حِجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل الإسلام، ولم يكن يفارق رسول الله، فلقد تكفّل النبيُّ عليّاً - في قصّة معروفة - وكان له مِثْلَ الشيء وظِلّه لا يزايله. وكانعليه‌السلام يسمع صوتَ الوحي ويراه - ذكرنا حديثه في حديث مدينة العلم والخطبة القاصعة لأميرالمؤمنينعليه‌السلام ؛ «فكان عليٌّ أوّلَ مَن آمن برسول الله وصلّى معه، وصدّق بما جاءه من الله تعالى... صلّى النبيّ يومَ الإثنين، وصلّى عليٌّ يومَ الثُّلاثاء»(٢) .

مع التذكير: بأنّ خديجةرضي‌الله‌عنها أوّلُ مَن أسلم هي وعليّ، ثمّ تَبِعهم الرهط الثلاثة - مضى ذِكْرهم. ولا ندري كم هو عمرُ هؤلاء الرهط، صبياناً كانوا حين أسلموا، أم شيوخاً فيكونوا أكمل إسلاماً من عليّعليه‌السلام ؟ إلاّ أنّا ندري أنّ خديجة أسنَّ من عليّ بكثيرٍ حين أسلمت، فماذا نقول عن إسلامها وإسلام أبي بكر؟!

والحكم على إسلام مَن أسلم هو من شأن الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا من

____________________

(١) نفسه.

(٢) سيرة ابن إسحاق ١٣٧ - ١٣٨، والسيرة النبويّة، لابن هشام ١: ٢٦٢، وصحيح الترمذيّ ٥: ٦٤٠، وشواهد التنزيل ٢: ١٢٦....

٧

شأن ابن تَيمِيَه وأضرابه.

وقبل الاسترسال في ذكر الحجج التي طلب ابن تيميه في سَبْق عليّعليه‌السلام ، نذكر حديث العشيرة؛ لنعرف مدى ضرورة السنّ لدى النوابغ في التَّلقّي وأهمّيتها في الإعداد الرساليّ في مثل شخص الإمام عليّعليه‌السلام وتهيأته للوصاية والخلافة الكبرى.

حديث العشيرة

لما نزل قوله تعالى:( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (١) : بسندٍ عن أبي عَوانة، عن عثمان بن المُغيرة، عن أبي صادق، عن رَبيعة بن ناجذ: أنّ رجلاً قال لعليٍّ: يا أمير المؤمنين، لِمَ وَرثْتَ ابن عمِّك دونَ عمِّك؟ قال: جَمعَ رسول الله بني عبد المطّلب، كلُّهم يأكلُ الجَذَعة ويشربُ الفَرق(٢) . قال: فصنع لهم مُدًّا من طعام فأكلوا حتّى شبعوا، وبقيَ الطعامُ كما هو كأنّه لم يُمَسَّ ولم يُشرب. فقال: يا بني عبد المطّلب، إنّي بُعِثتُ إليكم خاصّةً وإلى الناس عامّةً، وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم، فأيُّكم يُبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووارثي؟ فلم يقُمْ إليه أحد. قال: فقُمتُ - وكنتُ أصغرَ القوم سِنّاً - فقال: اجلِسْ. قال: ثمّ قال ثلاثَ مرّاتٍ، كلُّ ذلك أقومُ إليه فيقول لي: اجلِسْ، حتّى كانت الثالثة، ضرب يدَه على يدي.

____________________

(١) الشعراء: ٢١٤.

(٢) الجذعة: الضّأن لم تتمّ سنة. والفرق: مكيال يسع ستّة عشر رطلاً.

٨

فقال: فلذلك ورثتُ ابن عمّي دونَ عمّي(١) .

فلو كان عليّعليه‌السلام صبيّاً ليس له من صفات الكمال التي هي خاصّة بالشيوخ، لَما اختاره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وارثاً وأخاً وصاحباً وخليفةً دون غيره.

ولقد أنكر ابن تيميه حديث العشيرة، وسنأتي عليه في موضعه، وإنّما ذكرناه هنا للمناسبة.

وذكر ابن سعد (المتوفّى سنة ٢٣٠ هـ) قال: أخبرنا وكيع بن الجرّاح ويزيد ابن هارون وعفّان بن مسلم، عن شعبة عن عمرو بن مرّة، عن أبي حمزة مولى الأنصاريّ، عن زيد بن أرقم قال: أوّلُ مَن أسلم مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّ. قال عفّان بن مسلم: أوّل مَن صلّى(٢) .

____________________

(١) وفي بعض طُرق الحديث يَرِد بلفظ: «أخي وصاحبي وخليفتي...».

مصادر الحديث: تفسير الطبريّ ١٩: ٧٤ - ٧٥، خصائص النَّسائيّ: ٨٦، مسند أحمد بن حنبل ١: ٢٥٧ / ١٣٧٥، والفضائل له: ٩١، صحيح البخاريّ في كتاب الأشربة: ١٣، دلائل النبوّة، للبيهقيّ: ٤٠١، تفسير الحِبَريّ: ٣٤٧/ ٨٥، تاريخ الطبريّ ٢: ٩٣، صحيح مسلم ١: ١١٨ ح ٣٥٥، التفسير الكبير ١٢: ٢٦، الولاية ن لابن عُقْدة: ١٦١، تفسير البغويّ (معالم التنزيل) ٥: ١٠٥، شواهد التنزيل ١: ٥٤٢، كفاية الطالب: ١٧٧، تفسير الثعلبيّ ٧: ١٨٢، مناقب ابن المغازليّ: ٢٦١، شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد ١٣: ٢١٠، تذكرة الخواصّ: ٣٨، الصواعق المحرقة: ١٥٧، مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٣١٠، مجمع البيان ٤: ٢٠٦، أمالي الطوسيّ: ٥٨٢، العُمدة، لابن البِطريق ك ٧٦، كنز العمّال ٦: ٣٩٦، مناقب ابن شهر آشوب ٢: ٣١، مناقب الكوفيّ ١: ٤٢٩ / ٢٩٦، علل الشرائع - الباب ١٣٣ / ح ٢، وغيرها من المصادر.

(٢) طبقات ابن سعد ٣: ٢١.

٩

وعلى القول الثاني، فلا صلاة بلا إسلام! إذ كان الوحي في الدعوة إلى التوحيد، ثمّ جاءت الفرائض والأحكام، فهو أوّل مَن سبق إلى الصلاة، وهو تأويل ما كان يرفع به صوته فيقول: «أنا أوّلُ مَن صلّى مع رسول الله؛ وصلّيت معه سبع سنين...» وقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «صلّيت الملائكةُ علَيَّ وعلى عليٍّ سبع سنين... لم يكن معي مَن أسلم من الرجال غيرُه...»(١) .

وابن سعد، قال: أخبرنا يزيد بن هارون وسليمان أبو داود الطيالسيّ قالا: أخبرنا شُعبة عن سلَمة بن كُهَيل، عن حبّة العُرَني قال: سمعتُ عليّ بن أبي طالب يقول: «أنا أوّل مَن صلّى»، قال يزيد: «أو أسلم»(٢) .

وابن أبي شَيْبة (المتوفّى ٢٣٥ هـ): حدّثنا معاوية بن هشام عن سلمة بن كُهَيل، عن أبي صادق، عن عليم، عن سلمان - الفارسيّ - قال: إنّ أوّل هذه الأُمّة وروداً على نبيّها، أوّلُها إسلاماً عليُّ بن أبي طالب(٣) .

عبد الله بن إدريس عن أبي مالك الأشجعيّ عن سالم بن أبي الجَعْد قال: قلت لابنِ الحنفيّة: أبوبكر أوّل القوم إسلاماً؟ قال: لا(٤) .

وفي نثر الدُّرّ: قيل لابن عبّاس، أو لقُثم بن عبّاس: كيف وَرِث عليٌّ

____________________

(١) نفسه ٣: ٢١.

(٢) نفسه.

(٣) المصنَّف، لابن أبي شيبة ٧: ٥٠٣ حديث ٤٩ - من فضائل عليّعليه‌السلام ، و ٨: ٣٥٠ / ٢٢٢ و ٨: ٣٢٩ / ٣٣ - كتاب الأوائل.

(٤) المصنَّف، لابن أبي شيبة ٨: ٣٣٢ / ٦١.

١٠

النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله دونكم؟ فقال: كان أوّلَنا به لُحوقاً، وأشدَّنا به لُصوقاً(١) .

وتكلّم المسعوديّ فيما قيل بشأن سنّ أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام يوم أسلم، قال: وتُنُوزع في سِنّه يومَ أسلم، فقالت فرقة: كان سنُّه يومَ أسلم خمسَ عشرةَ سنة، وقال آخرون: ثلاثَ عشرةَ سنة، وقيل: إحدى عشرة سنة... قال: وهذا قول مَن قصد إلى إزالة فضائله، ودفع مناقبه؛ ليجعل إسلامه إسلام طفلٍ صغير، وصبيٍّ غرير، لا يُفرِّق بين الفضل والنقصان، ولا يميّز بين الشكّ واليقين، ولا يعرف حقًّا فيطلبَه، ولا باطلاً فيجتنبّه(٢) . ونحن مع المسعوديّ فيما ذكر من سنّ الإمام عليّعليه‌السلام يومَ أسلم، فقد ذكروا بشأن غزوة بدر: أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عرض أصحابَه وردّ مَن استصغر منهم، فكان ممّن ردّ: عبد الله، ورافع بن خديج...، علماً أنّ غزوة بدر كانت في السنة الثانية من الهجرة، فلو كان سنُّ عليّعليه‌السلام كما زعموا، لاستصغره النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كما استصغر غيره، فردّه. وبلاءُ الإمام عليّ يوم بدر أشهرُ من أن يُتحدَّث عنه. حتّى أنّ الوحي هتف يومئذ بشجاعته: لا فتى إلاّ عليّ، لا سيف إلاّ ذو الفَقار، ويُقال إنّ الهتاف كان يومَ أُحد في السنة الثالثة من الهجرة - سنتحدّث عنه في: شجاعة عليّ، وقد أنكرها ابن تيميه أيضاً! -، ويوم الخندق أحجم المسلمون عن عمرو بن عبد وَدّ، الذي اقتحم عليهم الخندق وطلب البراز، فلم يقم إليه إلاّ عليّ فأقعده النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فنادى عمرو... وهكذا يفعل ثلاث مرّات لا يقوم إلاّ عليّ، فبرز إليه فقَتَله، فأين الشيوخ مكتملو الإسلام عن

____________________

(١) نثر الدُّرّ، للآبيّ (المتوفّى سنة ٤٢١ هـ) ١: ٤١٦.

(٢) التنبيه والإشراف، للمسعوديّ: ١٩٨.

١١

أفعال عليّعليه‌السلام ؟!

ولم يستصغره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ بعثه خلف أبي بكر فأخذ منه سورة براءة فبلّغها، ولم يستصغره إذ أعرضَ عن أبي بكر وعن عمر بن الخطّاب لمّا خطبا بضعته فاطمةعليها‌السلام ، وزوّجها عليّاًعليهما‌السلام .

وما استصغره إذ كان يخلو به يناجيه، ولمّا شَكَوُا انتجاءه إيّاه قال لهم: «ما أنا انتجيتُه، ولكنّ الله انتجاه».

كرامة عليّعليه‌السلام

لو سلّمنا أنّ الإمام عليّاًعليه‌السلام أسلم صغيراً؛ فإنّما ذلك زيادةٌ في كرامته، إذ تربّى في حِجْر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلم يتلوّث بكَدَر الجاهليّة كما حصل لغيره، فقد كرّم الله وجهه عن عبادة الأوثان؛ فالنقيصة فيمَن تنقّصه؛ ولذا فعليّ سلام الله عليه لم ينتقل من كفر إلى إيمان، وإنّما لمّا جاء الوحي بالإسلام وعرضه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عليه، أسلم، فكان أوّل مَن أسلم مع خديجة «سلام الله عليها».

ولادة الحسن

في السنة الثالثة من الهجرة وُلد الحسن بن عليّ بن أبي طالب(١) ، فكيف يكون عمر عليّعليه‌السلام سبعاً أو... يومَ أسلم؟!

عن جعفر بن محمّد، عن أبيه قال: بايَعَ رسولَ الله: الحسنُ والحسين وعبد

____________________

(١) الثِّقات، لابن حبّان ١: ٨٢.

١٢

الله بن جعفر، وهم صغار، ولم يبايِعْ قطُّ صغيرٌ إلاّ هُم(١) .

قال ابن حبّان: أوّل مَن آمن برسول الله زوجتُه خديجة بنت خويلد، ثمّ آمن عليُّ بن أبي طالب وصَدَّقه بما جاء به(٢) .

وذكر ابن أبي الدنيا إسلامَ عليّعليه‌السلام على النحو الذي ذكره ابن اسحاق مع زيادة واختلاف في بعض الألفاظ؛ قال: عن ابن أبي يحيى بن عفيف قال: قدمتُ مكّةً في الجاهليّة أُريد شراء بَزٍّ وعطر لأهلي، فنزلتُ على العبّاس، فأنا عنده وأنا أنظر إلى الكعبة، إذ جاء شابٌّ فنظر إلى السماء، فتوجّه إلى الكعبة فصلّى، فجاء غلام عن يمينه، ثمّ جاءت امرأة فقامت خلفهما. فقال: يا عبّاس، ما هذا الذي حدث في بلادكم؟! إنّ هذا لأَمرٌ عظيم! قال: هذا محمّد بن عبد الله بن عبد المطّلب، ابن أخي، وهذا الغلام ابن أخي عليُّ بن أبي طالب، وهذه خديجة بنت خويلد. قال: فصَلّوا، قال: إنّ ابن أخي هذا حدّث حديثاً أنّ ربّه ربُّ السماوات والأرض، ولا واللهِ ما أعلمُ على ظهر الأرض على دِين هؤلاء غيرَ هؤلاء(٣) .

قال أبو عمر بن عبد البَرّ القرطبيّ المالكيّ (المتوفّى سنة ٤٦٣ هـ): رُوي عن سلمان وأبي ذرّ والمقداد وخَبّاب وجابر وأبي سعيد الخُدْريّ وزيد بن أرقمرضي‌الله‌عنهم ، أنّ عليّ بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه أوّلُ مَن أسلم، وفضّله هؤلاءِ على غيره(٤) .

____________________

(١) العقد الفريد ٥: ١٣٣.

(٢) الثِّقات، لابن حِبّان ١: ٢٤.

(٣) كتاب الأشراف، لابن أبي الدنيا: ٨٣.

(٤) الاستيعاب، لابن عبد البَرّ ٣: ١١١٠.

١٣

وابن عبد البرّ عالم زمانه وهو مالكيّ؛ فهو غيرُ متّهَم فيما يَروي حول الإمام عليّعليه‌السلام . وقد روى إسلامَ عليّ عن طليعة الصحابة وخيرتهم، فهذه حجة أخرى أقمناها على ابن تَيمِيه.

وروى بإسناده عن عِكْرمة عن ابن عبّاس أنّه قال: لعليّ أربعُ خصال ليست لأحدٍ غيره: هو أوّل عربيّ وعَجَميّ صلّى مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو الذي لواؤه معه في كلّ زحف، وهو الذي صبَرَ معه حين فرّ عنه غيرُه، وهو الذي غسّله وأدخله قبره(١) .

وذَكَره المِزّيّ؛ وهو سَلَفيّ العقيدة شافعيّ المذهب، معاصر لابن تيميَه والذهبيّ؛ فقولُنا فيه مثل قولنا في المالكيّ ابن عبد البرّ؛ قال: وروى بإسناده عن أبي عَوَانة، عن أبي بَلْج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عبّاس قال: كان عليٌّ أوّلَ مَن آمن مِن الناس بعد خديجة، وقال: هذا إسنادٌ لامَطْعَنَ فيه لأحدٍ؛ لصحّتِه وثقة نَقَلتِه(٢) .

وروى بإسناده عن عبد السلام بن صالح عن الدَّراوَرديّ، عن عمر مولى غَفْرة قال: سُئِل محمّد بن كعب القُرَظيّ عن أوّل مَن أسلم: عليٌّ أو أبوبكر: قال: سبحانَ الله! أوّلُهما إسلاماً عليّ(٣) .

وذكر الذهبيّ، وهو سَلَفيّ وتلميذٌ لابن تيميَه، بسنده عن القُرظيّ: أوّل مَن

____________________

(١) نفسه.

(٢) تهذيب الكمال ٢٠: ٤٨٠.

(٣) تهذيب الكمال: ٤٨١.

١٤

أسلم عليّ.(١)

حجّة بيّنة

اتّخذ ابنُ تيميَه أبا الفرج حجّةً بينه وبين الله! فإذا أراد أن يُنكر حديثاً ذكَرَتْه الصَحاح والسُّنَن والمصنَّفات... هرع إلى أبي الفَرَج ابنِ الجوزيّ، فإن وجده قد جعل الحديث في الموضوعات، أناخ عنده وكذّب ذلك الحديث بكلّ جرأة؛ ولكنّ العجيب أنّ أبا الفرج قد قال: «عليٌّ أوّل مَن أسلم»(٢) .

النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يصف عليّاًعليه‌السلام

أخرج عبد الرزّاق عن وكيع بن الجرّاح قال: أخبرني شريك عن أبي إسحاق - السَّبيعيّ -: أنّ عليّاً لمّا تزوّج فاطمة قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لها: «لقد زوّجتُكِهِ وإنّه لأوّلُ أصحابي سِلْماً، وأكثرُهم عِلْماً، وأعظمُهم حِلْماً»(٣) .

وعن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «صلّت الملائكة علَيّ وعلى عليّ ابن أبي طالب سبع سنين»، قالوا: ولِمَ ذلك يا رسول الله؟! قال: لم يكن معي مَن أسلم من الرجال غيره، وذلك أنّه لم تُرفَع شهادةُ أن لا إله إلاّ الله إلى السماء إلاّ

____________________

(١) تاريخ الإسلام، للذهبيّ ٣: ٦٢٤.

(٢) المنتظَم، لأبي الفرج ابن الجَوزيّ ٢: ٣٥٩.

(٣) المصنَّف، لعبد الرزّاق ٥: ٣٤١ / ٩٨٤٦.

١٥

منّي ومن عليّ»(١) .

خطبة الحسنعليه‌السلام

ومن خطبة الحسن بن عليّعليهما‌السلام ليلةَ شهادة أبيه أميرالمؤمنينعليه‌السلام : عن جابر، عن أبي الطفيل وزيد بن وهب وعبد الله بن نُجيّ وعاصم بن ضَمْرة، عن الحسن بن عليّ قال: لقد قُبِض في هذه اللّيلة رجلٌ لم يَسْبِقه أحد كان قَبلَه، ولم يخلف بعده مثله، وهو عليّ بن أبي طالب حبيبُ رسول الله وأخوه»(٢) .

شهادة أميرالمؤمنين بحقّ نفسه

بسندٍ عن حبّة العرَنيّ قال: قال عليّ: لا أعرف أنّ عبداً لك من هذه الأُمّة عَبَدكَ قَبْلي غيرَ نبيِّك - ثلاث مرّاتٍ -، لقد صلّيتُ قبلَ أن يصلّيَ الناسُ سبعاً(٣) .

ولو أطلقنا للقلم عنانه فسيطول الكلام عن أسبقيّة الإمام عليّعليه‌السلام في كلّ الفضائل، وهو الأوّل فيها لم يتقدّمه أحد، ولكنّنا نختم بحثنا الموجز هذا بقوله تعالى:( وَالسّابِقُونَ الْأَوّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالّذِينَ اتّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللّهُ

____________________

(١) شواهد التنزيل ٢: ١٢٥، وفي أسد الغابة ٤: ١٩٤ عن أبي أيّوب الأنصاريّ، وفي مناقب الإمام عليّ: ١٤ (عن أنس)، والمستدرك على الصحيحين ٣: ١٣٦، والمناقب، للخوارزميّ: ٥٣.

(٢) الذُّرّية الطاهرة: ١٠٩ / ح ١١٤.

(٣) المنتظم، لأبي الفرج ٢: ٣٥٩، ومسند أحمد بن حنبل ١: ١٦٠. ولعلّ شهادة أميرالمؤمنينعليه‌السلام كانت بعد أن تنكّر الناسُ بيعتَهم له في واقعة الغدير العظمى، فأخّروه وقدّموا غيره، وأنكروا فضائله ومنها سبقه إلى الإسلام.

١٦

عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدَاً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (١) .

قالوا: الّذين صَلّوا إلى القبلتين: عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وعشر نفر من أهل بدر(٢) .

فأنت تراهم قد ذكروا عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فيما أجملوا النفر العشر، وعن عبد الرحمان بن عوف في قوله تعالى:( وَالسّابِقُونَ الْأَوّلُونَ ...) الآية، قال: «هم عشرة من قريش، كان أوّلهم عليّ بن أبي طالب»(٣) . فالأوّل السابق هو عليّ، والآخَرون لم يُسَمِّهم، وهم بَعدَه!

المؤاخاة

قال ابن تيميَه: «إنّ أحاديث المؤاخاة لعليّ كلّها موضوعة! والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم لم يُؤاخِ أحداً»(٤) .

وبحسب المألوف من منهاجه، فإنّه لم يُقم دليلاً واحداً في تكذيبه كلَّ

____________________

(١) التوبة: ١٠٠.

(٢) تفسير مقاتل بن سليمان (ت ١٥٠ هـ) ٢: ٦٨، وتفسير الطبريّ ١١: ٧، ومعاني القرآن، للأخفش ٢: ٣٣٦، والجامع لأحكام القرآن ٨: ٢٣٥، والكشّاف ٢: ٢١٠، وإعراب القرآن، للعكبريّ ٢: ١١، وتفسير الفخر الرازيّ ١٦: ١٧١، وإعراب القرآن، للنحّاس ٢: ٣٧، والبحر المحيط ٥: ٩٢.

(٣) مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٣٠٧.

(٤) منهاج السنّة ٤: ٩٦، وكذّبه في الجزء الثالث صفحة ١٧.

١٧

أحاديث المؤاخاة لعليّ. وهو إذ يُنكر مؤاخاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام ، فإنّه لم يذكر مَن قد آخى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

قال ابن إسحاق: وآخى رسولُ الله بين أصحابه من المهاجرين والأنصار فقال - فيما بلغنا، ونعوذ باللهِ أنّ نقول عليه ما لم يَقُل(١) -: «تآخَوا في الله أخَوَينِ أخوين»، ثمّ أخذ بيد عليّ بن أبي طالب فقال: «هذا أخي». فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سيّد المرسلين وإمام المتّقين، ورسول ربّ العالمين الذي ليس له خطيرٌ ولا نظيرٌ من العباد، وعليُّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه أخَوَين(٢) .

ومن طرق عدّة: آخى رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بين أصحابه، فآخى بين أبي بكر وعمر، وفلانٍ وفلان، فجاءه عليّرضي‌الله‌عنه فقال: آخيتَ بين أصحابك ولم تُؤاخِ بيني وبين أحد، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت أخي في الدنيا والآخرة(٣) .

وعن سعد بن حذيفة عن أبيه حذيفة بن اليمان، قال: آخى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بين أصحابه الأنصار والمهاجرين، فكان يواخي بين الرجل ونظيره، ثمّ أخذ بيد عليّ بن أبي طالب فقال: «هذا أخي». قال حذيفة: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سيّد المسلمين

____________________

(١) كان ابن إسحاق دقيقاً يقظاً، فأورد هذه العبارة الحذرة ليؤكّد أمراً بالغ الأهمّية، وهو (المؤاخاة).

(٢) السيرة النبويّة، لابن هشام ٢: ١٥١؛ السيرة النبويّة، لابن كثير ٢: ٣٢٤، السيرة الحلبيّة ١٠١؛ البداية والنهاية ٣: ٢٢٦؛ الفتاوى الحديثيّة، لابن حجَر ٤٢.

(٣) جامع الترمذيّ ٢: ٢١٣؛ الاستيعاب ٣: ٣٥؛ مستدرك الصحيحين ٣: ١٥ /٤٢٨٨؛ الرياض النضرة ٢: ١٦٧؛ وقال على صفحة ٢١٢: ومن أدلّ دليل على عِظَم منزلة عليّعليه‌السلام من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، صنيعه في المؤاخاة، فإنّه جعل يضمّ الشكل إلى الشكل يؤلّف بينهما، إلى أن آخى بين أبي بكر وعمر...

١٨

وإمام المتّقين ورسول ربّ العالمين الذي ليس له في الأنام شبيه ولا نظير، وعليّ ابن أبي طالب أخَوان(١) .

وطُرق حديث المؤاخاة كثيرة وبألفاظ عديدة، ورواتُه عِلْية الصحابة وأعيان التابعين، هذه طائفة منهم:

أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب، الحسن والحسين ابنا عليّ بن أبي طالب، أبوبكر، مُعاذ بن جبل، عثمان بن عفّان، طلحة بن عبيد الله، الزبير بن العوّام، عبد الرحمان بن عوف، سعد بن أبي وقّاص، عبد الله بن مسعود، أبوذرّ الغفاريّ، أبو سعيد الخُدْريّ، سلمان الفارسيّ، عبد الله بن عبّاس، أبو رافع، حُذَيفة بن اليمان، أنس بن مالك، جابر بن عبد الله الأنصاريّ، حسّان بن ثابت، عبد الرحمان بن عابس، أسماء بنت عُمَيس(٢) ، أمّ سلَمة زوج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ليلى الغِفاريّة(٣) ، أبو الطُّفَيل عامر بن واثلة، عبّاد بن عبد الله، زيد بن أبي أوفى(٤) ، عبد الله بن أبي أوفى(١) ،

____________________

(١) أمالي الشيخ الطوسيّ ٢٣؛ مناقب الإمام عليّ، لابن المغازلي ٣٨؛ البداية والنهاية ٣: ٢٢٦؛ ينابيع المودّة ٥٧.

(٢) أخت ميمونة زوج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، هاجرت الهجرتين وصلّت القبلتين. روى عنها: عمر بن الخطّاب، وأبو موسى الأشعريّ، وعروة بن الزبير... (الاستيعاب ٤: ٢٣٦، الإصابة ٤: ٢٣١، رجال الطوسيّ: ٣٤).

(٣) كانت تَخرج مع النبيّ في غزواته تُداوي الجرحى وتقوم على المرضى (أُسد الغابة ٧: ٢٥٩ / ٧٢٦٥).

(٤) زيد بن أبي أوفى، واسم أبي أوفى عَلْقمة بن خالد بن الحارث بن أبي أُسيد بن رفاعة بن ثعلبة ابن هوازن بن أسلم الأسلميّ، له صُحبة، روى عن النبيّ حديثَ المؤاخاة بين الصحابة بالمدينة، =

١٩

عِكْرِمة(٢) ، عمر بن عليّ(٣) ، حذيفة بن أسيد، زيد بن وَهْب(٤) ، عبد الله بن الحارث(١) ،

____________________

= فآخى بين أبي بكر وعمر، وبين عثمان و عبد الرحمان بن عوف، وبين طلحة والزبير... وبين عليّ والنبيّ. (أُسد الغابة ٢: ٢٧٧ / ١٨٢٢).

(١) عبد الله بن أبي أوفى - أخو زيد الماضي - شهد الحديبيّة وبايع بيعة الرضوان، وشهد خيبر وما بعدها من المشاهد، ولم يزل بالمدينة حتّى قُبِض رسول الله ثمّ تحوّل إلى الكوفة (وهو آخر من بقي بالكوفة من أصحاب النبيّ. (أُسد الغابة ٣: ١٨٢ / ٢٨٢٨).

(٢) عكرمة مولى ابن عبّاس، كنيته أبو عبد الله. يروي عن: ابن عبّاس وأبي سعيد الخُدْريّ وعائشة وأبي هريرة، روى عنه الشعبيّ. وجابر بن زيد والناس. (الثِّقات لابن حِبّان ٢: ٣٩٧ / ٣٠٤١). قال العجليّ: ثقة، وهو بريء ممّا يرميه الناس به من الحَروريّة، وهو تابعيّ. (تاريخ الثِّقات للعجليّ ٣٣٩ / ١١٦٠). قال ابن حِبّان: كان عِكْرِمة من علماء الناس في زمانه بالقرآن والفقه، وكان جابر ابن زيد يقول: عكرمة من أعلم الناس، ومَن زعم أنّا كنّا نتّقي حديث عكرمة فلم ينصف... (الثِّقات، لابن حبّان ٢: ٣٩٧).

(٣) عمر بن عليّ بن أبي طالب: تابعيّ، ثقة. (تاريخ الثقات ٣٦٠ / ١٢٤٣).

(٤) حُذيفة بن أسيد الغِفاريّ أبو سُريحة، ثقة. (رجال ابن داود، القسم الأول ١٠١ / ٣٨٤). وذكره البرقيّ في أصحاب الحسن بن عليّعليه‌السلام . (رجال البرقيّ: ٧). وذكره العجليّ في أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (تاريخ الثِّقات ١١١ / ٢٦٣). وفي طبقات ابن سعد: حُذيفة بن أسِيد الغفاريّ ويُكنّى أبا سُريحة - بضمّ  أوّله - وأوّل مشهد شهده مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : الحُدَيبيّة. وقد روى عن أبي بكر، ونزل الكوفة بعد ذلك. (الطبقات الكبرى ٦: ١٠١ / ١٨٥٨). وترجم له خليفة وساق نَسَبه إلى جَروة بن غِفار الغِفاريّ وقال: أبو سَريحة. (طبقات خليفة ٧٢ / ١٩٣؛ و ٢١٦ / ٨٤٢: أبو سُريحة - بالضمّ -). و (زيد بن وَهْب الجُهَنيّ) ذكره ابن داود في خواصّ أمير المؤمنين عليّ وذكره العجليّ في الثِّقات قال: زيد بن وَهْب الجُهَنيّ أبو سليمان من أصحاب عبد الله - بن مسعود - (تاريخ الثِّقات للعجليّ ١٧١ / ٤٩٠). وترجم له ابن سعد: زيد بن وَهب الجُهَنيّ. روى عن عمر وعليّ وعبد الله =

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

الناس إن هذا من توقير الصلاة »(١) .

وقال المرتضى بالوجوب لأنه مأمور به ، والأمر للوجوب(٢) . ونمنع الكبرى ؛ لأنّ زرارة قال : رأيت الباقرعليه‌السلام ، والصادقعليه‌السلام إذا رفعا رؤوسهما من الثانية نهضا ولم يجلسا(٣) .

وقال مالك ، والثوري ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي ، والشافعي في القول الآخر ، وأحمد في الرواية الاُخرى : يقوم ولا يجلس(٤) . ورووه عن عليعليه‌السلام ، وعمر ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وابن عباس(٥) لأن وائل ابن حجر روى أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا رفع رأسه من السجود استوى قائماً بتكبيرة(٦) . ولا حجة فيه ؛ لأنه مندوب فجاز له تركه ليعلم ندبيته ، وللشافعية قول باستحبابها للضعيف لا القويّ(٧) .

فروع :

أ - يستحب الدعاء‌ ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا قمت من السجود قلت : اللهم رب بحولك وقوتك ، أقوم وأقعد ، وإن شئت قلت : وأركع وأسجد »(٨) .

____________________

(١) التهذيب ٢ : ٣١٤ / ١٢٧٧.

(٢) الانتصار : ٤٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٨٣ / ٣٠٥ ، الاستبصار ١ : ٣٢٨ / ١٢٣١.

(٤) المجموع ٣ : ٤٤٣ ، فتح العزيز ٣ : ٤٨٦ ، رحمة الامة ١ : ٤٧ ، مغني المحتاج ١ : ١٧٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ٨٤ ، الميزان ١ : ١٥٢ ، بدائع الصنائع ١ : ٢١١ ، المغني ١ : ٦٠٢ ، الشرح الكبير ١ : ٦٠٥ ، الانصاف ٢ : ٧١.

(٥) المجموع ٣ : ٤٤٣ ، المغني ١ : ٦٠٢ - ٦٠٣ ، الشرح الكبير ١ : ٦٠٥.

(٦) تلخيص الحبير ٣ : ٤٨٦.

(٧) المجموع ٣ : ٤٤١ ، المهذب للشيرازي ١ : ٨٤ ، حلية العلماء ٢ : ١٠٢.

(٨) التهذيب ٢ : ٨٦ / ٣٢٠.

٢٠١

ب - يستحب الجلوس متوركاً كما تقدم‌ ، وقال الشافعي : يجلس مفترشاً كما بين السجدتين(١) لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ثنّى رجليه وقعد واعتدل حتى يرجع كل عضو إلى موضعه(٢) . وأحمد وافقنا(٣) ليفرّق بينه وبين الجلوس بين السجدتين فيأمن الشك ، هل جلس عن الاُولى ، أو الثانية؟.

ج - قالت الشافعية : إن قلنا بالجلوس أنهى التكبير حالة الجلوس ، ويقوم بغير تكبير ، وإن قلنا لا يجلس أنهاه مع انتهاء الرفع وذلك عند ابتداء القيام. وقال بعضهم : يتم التكبير عند انتهاء القيام فيمدّه(٤) . وقد بينا أنه يكبر عند انتهاء الجلوس.

مسألة ٢٧٢ : يستحب الاعتماد على يديه‌ سابقاً برفع ركبتيه عند القيام من السجدة الثانية ، أو من جلسة الاستراحة عند علمائنا أجمع - وبه قال ابن عمر ، وعمر بن عبد العزيز ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق(٥) - لأن مالك بن الحويرث لما وصف صلاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : فلمـّا رفع رأسه من السجدة الأخيرة في الركعة الاُولى واستوى قاعداً ، قام واعتمد على الأرض بيديه(٦) .

ومن طريق الخاصة قول محمد بن مسلم : رأيت الصادقعليه‌السلام

____________________

(١) المجموع ٣ : ٤٤٢ ، الوجيز ١ : ٤٤ ، كفاية الاخيار ١ : ٧٤ ، المغني ١ : ٦٠٣.

(٢) سنن الدارمي ١ : ٣١٤ ، سنن البيهقي ٢ : ١٢٣.

(٣) المغني ١ : ٦٠٢ ، الشرح الكبير ١ : ٦٠٥.

(٤) المجموع ٣ : ٤٤١ و ٤٤٢ ، فتح العزيز ٣ : ٤٨٩.

(٥) الاُم ١ : ١١٧ ، المجموع ٣ : ٤٤٤ ، السراج الوهاج : ٥١ ، المهذب للشيرازي ١ : ٨٦ ، المنتقى للباجي ١ : ١٦٦ ، المغني ١ : ٦٠٣ ، الشرح الكبير ١ : ٦٠٣ ، المحرر في الفقه ١ : ٦٤ ، الجوهر النقي ٢ : ١٢٥.

(٦) سنن النسائي ٢ : ٢٣٤ ، صحيح البخاري ١ : ٢٠٩ ، سنن البيهقي ٢ : ١٢٤.

٢٠٢

إذا سجد وأراد القيام ، رفع ركبتيه قبل يديه(١) ، ولأنه أشبه بالتواضع وأعون للمصلي.

وقال أبو حنيفة ، والثوري : لا يعتمد على يديه بل يرفعهما أولاً ويقوم على صدور قدميه معتمداً على ركبتيه. وهو رواية عن أحمد ، ورواه الجمهور عن عليعليه‌السلام ، وابن مسعود(٢) لقول أبي هريرة : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ينهض من الصلاة معتمداً على صدور قدميه(٣) ، وخبرنا زائد والزائد أولى.

مسألة ٢٧٣ : يكره الإِقعاء بين السجدتين ، وهو أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض‌ ويجلس على عقبيه ، وقال بعض أهل اللغة : هو أن يجلس على ألييه ناصباً فخذيه مثل إقعاء الكلب(٤) . وتفسير الفقهاء أولى لأن البحث على تقديره.

وبالكراهة قال عليعليه‌السلام ، وأبو هريرة ، ومالك ، وقتادة ، والشافعي ، وأحمد ، وأصحاب الرأي ، وعليه العمل عند أكثر أهل العلم(٥) - وفعله ابن عمرو قال : لا تفتدوا بي فإني قد كبرت(٦) - لأن علياًعليه‌السلام

____________________

(١) التهذيب ٢ : ٧٨ / ٢٩١.

(٢) شرح فتح القدير ١ : ٢٦٨ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٥١ ، شرح العناية ١ : ٢٦٨ ، عمدة القاري ٦ : ٩٩ ، اللباب ١ : ٧١ ، المغني ١ : ٦٠٣ ، الشرح الكبير ١ : ٦٠٣ ، سنن البيهقي ٢ : ١٢٥ ، المجموع ٣ : ٤٤٤.

(٣) سنن البيهقي ٢ : ١٢٤.

(٤) الصحاح ٦ : ٢٤٦٥ ، مجمع البحرين ١ : ٣٤٨.

(٥) المجموع ٣ : ٤٣٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ٨٤ ، مغني المحتاج ١ : ١٥٤ ، السراج الوهاج : ٤٢ ، المدونة الكبرى ١ : ٧٣ ، المنتقى للباجي ١ : ١٦٦ ، بداية المجتهد ١ : ١٣٩ - ١٤٠ ، المغني ١ : ٥٩٩ ، الانصاف ٢ : ٩١ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٢٦.

(٦) سنن البيهقي ٢ : ١٢٤.

٢٠٣

قال : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لا تقع بين السجدتين ) »(١) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « لا تقع بين السجدتين »(٢) والنهي للكراهة لا التحريم ، لقول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس بالإِقعاء في الصلاة بين السجدتين »(٣) .

وللشافعي قول آخر باستحبابه(٤) لأنّ طاوسا قال لابن عباس في الإِقعاء على القدمين فقال : هي السنّة(٥) . قال طاوس : رأيت العبادلة - ابن عمر ، وابن الزبير ، وابن العباس - يقعون بين السجدتين(٦) .

والأصح الأول ؛ لأنّ أبا حميد الساعدي لمـّا وصف جلوسهعليه‌السلام في ( عشرة )(٧) من الصحابة قال : ثم ثنى رجله اليسرى فقعد عليها ثم هوى ساجداً ، فصدقه كلهم(٨) .

مسألة ٢٧٤ : يستحب له رفع اليدين بالتكبير عند القيام من السجود ، وبالجملة عند كل تكبير ، وبه قال ابن المنذر(٩) ، قال : وهذا باب ( أغفله )(١٠) كثير من أصحابنا قد ثبت فيه حديث أبي حميد‌

____________________

(١) سنن الترمذي ٢ : ٧٢ - ٢٨٢ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٨٩ - ٨٩٤ ، سنن البيهقي ٢ : ١٢٠.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣٦ / ٣ ، التهذيب ٢ : ٣٠١ / ١٢١٣ ، الاستبصار ١ : ٣٢٧ / ١٢٢٥.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٠١ / ١٢١٢ ، الاستبصار ١ : ٣٢٧ / ١٢٢٦.

(٤) المجموع ٣ : ٤٣٨ - ٤٣٩ ، مغني المحتاج ١ : ١٥٤.

(٥) صحيح مسلم ١ : ٣٨٠ - ٣٨١ / ٥٣٦ ، سنن الترمذي ٢ : ٧٣ / ٢٨٣ ، سنن ابي داود ١ : ٢٢٣ / ٨٤٥.

(٦) المجموع ٣ : ٤٣٨ ، المغني ١ : ٥٩٩.

(٧) في نسخة ( ش ) : غيره.

(٨) سنن الترمذي ٢ : ١٠٥ - ١٠٧ / ٣٠٤ ، سنن الدارمي ١ : ٣١٣ - ٣١٤ ، مسند أحمد ٥ : ٤٢٤ ، سنن البيهقي ٢ : ١١٨.

(٩) المجموع ٣ : ٤٤٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ٨٤ - ٨٥.

(١٠) وفي نسخة ( م ) : أغلقه.

٢٠٤

الساعدي(١) ، وروي في حديث عليعليه‌السلام أيضاً(٢) ، ولأنه ابتداء ركعة فكان بمنزلة تكبيرة الافتتاح.

وقال الشافعي : لا يستحب الرفع(٣) ، لأن ابن عمر قال : رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه ، وإذا أراد أن يركع ، وبعد ما رفع ، ولا يرفع بين السجدتين(٤) ، ولأنها تكبيرة يتصل طرفها بسجود أو قعود فلا يرفع يديه فيها كتكبيرة السجود من القيام. ولا تقبل رواية النفي مع الإثبات ، والحكم في الأصل ممنوع.

مسألة ٢٧٥ : قد بينا وجوب وضع الجبهة على الأرض ، فإن كان عليها دمل حفر حفيرة ليقع الدمل فيها ، والصحيح على الأرض لأن مصادفاً قال : خرج بي دمل فكنت أسجد على جانب ، فرآني الصادقعليه‌السلام فقال : « ما هذا؟ » فقلت : لا استطيع أن أسجد لمكان الدمل. فقال : « احفر حفيرة واجعل الدمل في الحفيرة حتى تقع جبهتك على الأرض »(٥) .

فإن كانت مستوعبة سجد على أحد اللحيين ؛ لأنه أشبه بالسجود على الجبهة من الإيماء ، والإيماء سجود مع تعذر الجبهة فالجبين أولى.

فإن تعذّر سجد على ذقنه وهو مجمع اللحيين ؛ لقوله تعالى( يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً ) (٦) وإذا صدق عليه اسم السجود وجب أن يكون مجزئاً ، وقد سئل الصادقعليه‌السلام عمّن بجبهته علّة لا يقدر على السجود عليها ،

____________________

(١) سنن الترمذي ٢ : ١٠٥ - ١٠٧ / ٣٠٤ ، سنن أبي داود ١ : ١٩٤ / ٧٣٠ ، مسند أحمد ٥ : ٤٢٤.

(٢) سنن ابي داود ١ : ١٩٨ / ٧٤٤.

(٣) المجموع ٣ : ٤٤٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ٨٤.

(٤) سنن البيهقي ٢ : ٢٣.

(٥) الكافي ٣ : ٣٣٣ / ٥ ، التهذيب ٢ : ٨٦ / ٣١٧.

(٦) الاسراء : ١٠٧.

٢٠٥

فقال : « يضع ذقنه على الأرض ، إن الله سبحانه يقول( يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً ) (١) »(٢) فإن تعذّر أومأ.

مسألة ٢٧٦ : لو عجز عن التنكيس - وهو الانحناء إلى أن تستعلي الأسافل - لمرض ، وجب وضع وسادة ليضع الجبهة عليها‌ أو رفع ما يسجد عليه عند علمائنا - وبه قال أحمد(٣) - لأن السجود فرض فيجب أن يؤدّى على القدر الممكن ، ولأنه أشبه بالسجود من الإيماء ، وقول الصادقعليه‌السلام : « وإن كان له من يرفع الخمرة إليه فليسجد »(٤) ، ولأن على الساجد هيئة التنكس ووضع الجبهة فلا يسقط الثاني بتعذر الأول.

وقال أبو حنيفة : لا يجب(٥) . وللشافعي قولان : أحدهما : وجوبه ، والآخر : وجوب الهوي بقدر الإِمكان لأن هيئة السجود فاتته ، وإن وضع الجبهة فيكتفي بالانحناء المقدور عليه(٦) ، ولو تعذر رفع شي‌ء أجزأه الإِيماء إجماعاً ، ولو عجز عن الطمأنينة سقطت.

مسألة ٢٧٧ : يجب أن لا يقصد بهويّه غير السجود‌ ، فلو سقط لا للسجود لم يجزئه ، والأقرب بطلان الصلاة لوجود ما ينافيها ، ولأنه تغيير لهيئة الصلاة ، ولو أراد السجود فسقط من غير قصد أجزأته إرادته السابقة ، إذ لا يجب في كل فعل تجديد قصد مقارن على التفصيل ، ولو لم تسبق منه نيّة السجود ففي الإِجزاء إشكال أقربه ذلك ، لأنه لم يخرج بذلك عن هيئة الصلاة ونيّتها.

____________________

(١) الاسراء : ١٠٧.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣٤ / ٦ ، التهذيب ٢ : ٨٦ / ٣١٨.

(٣) المغني ١ : ٥٩١ ، الشرح الكبير ١ : ٥٩٢.

(٤) الفقيه ١ : ٢٣٨ / ١٠٥٢ ، التهذيب ٣ : ٣٠٧ / ٩٥١.

(٥) بدائع الصنائع ١ : ١٠٥.

(٦) المجموع ٣ : ٤٣٦ ، الوجيز ١ : ٤٤ ، فتح العزيز ٣ : ٤٦٧ - ٤٦٨ ، كفاية الأخيار ١ : ٦٨.

٢٠٦

ولو هوى ليسجد فسقط على بعض جسده ثم انقلب على وجهه فماست جبهته الأرض ، قال الشافعي : لا يعتد بهذا السجود لأنه لم يرده بانقلابه وإنما أراد انقلابه فقطع بذلك نية السجود كما لو نوى الطهارة ثم نوى بغسل بعض الأعضاء التبرد ، وقطع بذلك نيّة الطهارة(١) .

ولو انقلب يريده أجزأه فلو سجد فعرض له ألم ألقاه على جنبه ثم عاد للسجود ، فإن تطاول انقلابه لم يجزئه ، وإلّا أجزأه لبقائه على النيّة.

مسألة ٢٧٨ : ويجب الاعتماد على موضع السجود‌ فلا يتحامل عنه بثقل رأسه وعنقه ، ولو كان يسجد على قطن ، أو حشيش ثقّل عليه حتى ينكبس وتمكن جبهته عليه. ويجب أن يجافي بطنه عن الأرض فلو أكب على وجهه ومدّ يديه ورجليه ووضع جبهته على الأرض منبطحاً لم يجزئه ؛ لأن ذلك لا يسمّى سجوداً. ولو كان به مرض ولا يتمكن من السجود إلّا على هذا الوجه أجزأه. وهل يجب أن يلقى الأرض ببطون راحتيه ، أو يجزئه إلقاء زنديه؟ ظاهر كلام الأصحاب الأول ، وكلام المرتضى(٢) الثاني.

ولو ضم أصابعه إلى كفه ، وسجد عليها ، ففي الإِجزاء إشكال أقربه المنع ؛ لأنهعليه‌السلام جعل يديه مبسوطتين حالة السجود(٣) . ولو قلب يديه وسجد على ظهر راحتيه لم يجزئه - وبه قال الشافعي(٤) - لأنّه مناف لفعلهعليه‌السلام .

ويستحب أن يفرج بين رجليه في السجود ؛ لأنهعليه‌السلام صلّى‌

____________________

(١) الاُم ١ : ١١٤ ، المجموع ٣ : ٤٣٤ - ٤٣٥ ، فتح العزيز ٣ : ٤٧١ ، مغني المحتاج ١ : ١٦٩.

(٢) جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٣٢.

(٣) سنن البيهقي ٢ : ١١٣.

(٤) الاُم ١ : ١١٤ ، المجموع ٣ : ٤٢٩ ، كفاية الاخيار ١ : ٦٨.

٢٠٧

كذلك(١) - وبه قال الشافعي(٢) - وهل يجزئه وضع الأصابع دون الكف وبالعكس؟ الأقرب ذلك ، وبه قال الشافعي(٣) .

مسألة ٢٧٩ : المريض الذي يصلي مضطجعا يومئ برأسه بالركوع والسجود‌ ، ويجعل إشارته بالسجود أخفض من إشارته بالركوع ، فإن عجز عن الإِشارة بالرأس أومأ بطرفه ، فإن عجز عن ذلك تفكَّر بقلبه.

ولا يسقط فرض الصلاة ما دام عقله تاما(٤) - وبه قال الشافعي(٥) - للعموم(٦) ، ولما رووه عن عليعليه‌السلام : « فإن لم يستطع صلّى مستلقياً على قفاه ورجلاه إلى القبلة وأومى بطرفه »(٧) .

وقال أبو حنيفة : إذا عجز عن الإِشارة بالرأس سقط عنه فرض الصلاة(٨) . وقد تقدم.

خاتمة : السجدات الخارجة عن الصلاة ثلاث :

الاُولى : سجدة التلاوة وهي في خمسة عشر موضعاً : في الأعراف ، والرعد ، والنحل ، وبني اسرائيل ، ومريم ، والحج في موضعين ،

____________________

(١) مصنف ابن ابي شيبة ١ : ٢٥٧ ، سنن البيهقي ٢ : ١١٥.

(٢) مختصر المزني : ١٤ ، المجموع ٣ : ٤٣١ ، المهذب للشيرازي ١ : ٨٣ ، مغني المحتاج ١ : ١٧٠.

(٣) الاُم ١ : ١١٤ ، المجموع ٣ : ٤٢٩.

(٤) في نسخة ( م ) : ثابتا.

(٥) فتح العزيز ٣ : ٢٩١ ، الوجيز ١ : ٤١ - ٤٢ ، كفاية الاخيار ١ : ٦٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠٨ ، الميزان ١ : ١٣٨.

(٦) انظر الآية ١١٤ من سورة هود.

(٧) سنن الدارقطني ٢ : ٤٢ / ١ ، سنن البيهقي ٢ : ٣٠٧.

(٨) المبسوط للسرخسي ١ : ٢١٦ - ٢١٧ ، بدائع الصنائع ١ : ١٠٧ ، فتح العزيز ٣ : ٢٩١ ، الوجيز ١ : ٤٢ ، المغني ١ : ٨١٨ ، الميزان ١ : ١٣٨.

٢٠٨

والفرقان ، والنمل ، والم تنزيل وهي سجدة لقمان ، وص ، وحم السجدة ، والنجم ، والانشقاق ، واقرأ باسم ربّك ، ثلاث منها في المفصل وهي النجم ، والانشقاق ، وإقرأ عند علمائنا ، لأن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : أقرأني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خمس عشرة سجدة ثلاث في المفصل ، وسجدتان في الحج(١) .

والخلاف مع الجمهور في المـُفَصَّل(٢) ، والثانية في الحج ، و « ص » ، فأما المـُفَصَّل فقال الشافعي في القديم : ليس فيه سجود - وبه قال مالك في المشهور عنه(٣) - لان ابن عباس روى أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يسجد في شي‌ء من المفصل منذ تحول إلى المدينة(٤) .

وقال في الجديد : فيه سجود - وبه قال أبو حنيفة ، وأحمد ، وإسحاق(٥) - كما قلناه نحن ، لأن أبا رافع صلّى خلف أبي هريرة العتمة فقرأ إذا السماء انشقت وسجد ، فقلت : ما هذه السجدة؟ فقال : سجدت‌

____________________

(١) سنن ابي داود ٢ : ٥٨ / ١٤٠١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٣٥ / ١٠٥٧ ، سنن الدارقطني ١ : ٤٠٨ / ٨ ، مستدرك الحاكم ١ : ٢٢٣ ، وفيها : عبد الله بن منين عن عمرو بن العاص. فلاحظ.

(٢) قيل : سُمي به لكثرة ما يقع فيه من فصول التسمية بين السور ، وقيل : لقصر سوره. واختلف في أوله فقيل : من سورة محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وقيل : من سورة ق وقيل : غير ذلك. أنظر مجمع البحرين ٥ : ٤٤١ ومفردات ألفاظ القرآن للراغب : ٣٨١ « فصل ».

(٣) مختصر المزني : ١٦ ، المجموع ٤ : ٦٠ و ٦٢ ، فتح العزيز ٤ : ١٨٥ ، الميزان ١ : ١٦٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٢ ، بلغة السالك ١ : ١٥٠ ، الشرح الصغير ١ : ١٥٠ ، المنتقى للباجي ١ : ٣٤٩ و ٣٥١ ، بداية المجتهد ١ : ٢٢٣ ، الموطأ ١ : ٢٠٧ ، المغني ١ : ٦٨٣ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢٠ ، بدائع الصنائع ١ : ١٩٣.

(٤) سنن أبي داود ٢ : ٥٨ / ١٤٠٣.

(٥) الاُم ١ : ١٣٧ و ١٣٨ ، مختصر المزني : ١٦ ، المجموع ٤ : ٦٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٢ ، الميزان ١ : ١٦٥ ، بدائع الصنائع ١ : ١٩٣ ، اللباب ١ : ١٠٢ ، الحجة على أهل المدينة ١ : ١٠٩ ، المغني ١ : ٦٨٣ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢٠ ، المنتقى للباجي ١ : ٣٤٩ ، بداية المجتهد ١ : ٢٢٣ ، سبل السلام ١ : ٣٥٣.

٢٠٩

فيها خلف أبي القاسمصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا أزال أسجدها حتى ألقاه(١) . وأبو هريرة متأخر أسلم بالمدينة(٢) ، وهو مثبت فيقدم على النافي.

وقال أبو ثور : ليس في النجم خاصة سجدة(٣) . ويدفعه حديث عبد الله بن عمرو بن العاص(٤) .

وأما الحج فقال الشافعي كقولنا بالسجدتين فيها - وبه قال أحمد وإسحاق ، وأبو ثور(٥) - لأن عقبة بن عامر قال : قلت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : في سورة الحج سجدتان؟ فقال : ( نعم من لم يسجدهما فلا يقرأهما )(٦) وسجدهما عليعليه‌السلام ، وعمر ، وابن عباس ، وأبو الدرداء ، وأبو موسى الأشعري ، وابن عمر(٧) . قال أبو إسحاق : أدركت الناس منذ سبعين سنة يسجدون في الحج سجدتين(٨) ، وهذا إجماع.

وقال أبو حنيفة ، ومالك : الثانية ليست سجدة ؛ لأنه جمع فيها بين‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ٥٢ ، صحيح مسلم ١ : ٤٠٧ - ١١٠ ، سنن أبي داود ٢ : ٥٩ - ١٤٠٨ ، سنن النسائي ٢ : ١٦٢.

(٢) أسد الغابة ٥ : ٣١٦ ، الاستيعاب بهامش الاصابة ٤ : ٢٠٨.

(٣) نيل الاوطار ٣ : ١٢٤.

(٤) سنن ابن ماجة ١ : ٣٣٥ / ١٠٥٧ ، جامع الاصول ٥ : ٥٥٤ ، مستدرك الحاكم ١ : ٢٢٣.

(٥) الاُم ١ : ١٣٣ ، المجموع ٤ : ٦٢ ، فتح العزيز ٤ : ١٨٧ ، الوجيز ١ : ٥٣ ، مختصر المزني : ١٦ ، السراج الوهاج : ٦١ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٢ ، الميزان ١ : ١٦٥ ، المغني ١ : ٦٨٤ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢٣ ، بدائع الصنائع ١ : ١٩٣ ، المنتقى للباجي ١ : ٣٤٩ ، بداية المجتهد ١ : ٢٢٤.

(٦) سنن أبي داود ٢ : ٥٨ - ١٤٠٢ ، سنن الترمذي ٢ : ٤٧٠ - ٤٧١ - ٥٧٨ ، مسند أحمد ٤ : ١٥١ ، سنن الدارقطني ١ : ٤٠٨ / ٩ ، مستدرك الحاكم ١ : ٢٢١.

(٧) الاُم ١ : ١٣٣ ، المجموع ٤ : ٦٢ ، المغني ١ : ٦٨٤ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢٣ ، المنتقى للباجي ١ : ٣٤٩ ، سبل السلام ١ : ٣٥٦.

(٨) المجموع ٤ : ٦٢ ، المغني ١ : ٦٨٥ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢٣.

٢١٠

الركوع والسجود(١) فقال( ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا ) (٢) كقوله لمريم :( وَاسْجُدِي وَارْكَعِي ) (٣) ولا حجة فيه.

وأما ( ص ) ، فعند الشافعي أنها سجدة شكر ليست من سجود التلاوة - وبه قال أحمد في إحدى الروايتين(٤) - لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قرأ على المنبر ( ص ) فلمـّا بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه فلمـّا كان يوم آخر قرأها فلمـّا بلغ السجود ( تشزن )(٥) الناس للسجود ، فقال : ( إنما هي توبة نبي ولكني رأيتكم تشزنتم للسجود فنزلت وسجدت )(٦) فبيّن أنها توبة وليست سجدة.

وقال أبو حنيفة ، ومالك ، وأبو ثور ، وإسحاق ، وأحمد في الرواية الاُخرى : إنها من عزائم السجود(٧) لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص(٨) ، وعن ابن عباس أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سجدها(٩) ،

____________________

(١) اللباب ١ : ١٠٢ ، بدائع الصنائع ١ : ١٩٣ ، المنتقى للباجي ١ : ٣٤٩ ، بلغة السالك ١ : ١٥٠ ، الشرح الصغير ١ : ١٥٠ ، المغني ١ : ٦٨٤ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢٣ ، الميزان ١ : ١٦٥ ، المجموع ٤ : ٦٢.

(٢) الحج : ٧٧.

(٣) آل عمران : ٤٣.

(٤) المجموع ٤ : ٦٢ ، مختصر المزني : ١٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٢ ، السراج الوهاج : ٦٢ ، الميزان ١ : ١٦٥ ، المغني ١ : ٦٨٤ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢٢٣ ، القوانين الفقهية : ٨٧ - ٨٨ ، بدائع الصنائع ١ : ١٩٣.

(٥) التشزن : التأهب والتهيؤ للشي‌ء والاستعداد له لسان العرب ١٣ : ٢٣٧.

(٦) سنن ابي داود ٢ : ٥٩ / ١٤١٠ ، سنن الدارقطني ١ : ٤٠٨ / ٧.

(٧) اللباب ١ : ١٠٢ ، بدائع الصنائع ١ : ١٩٣ ، بداية المجتهد ١ : ٢٢٣ ، القوانين الفقهية : ٨٧ ، المغني ١ : ٦٨٤ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢١ - ٨٢٢ ، المجموع ٤ : ٦٢ ، الميزان ١ : ١٦٥ ، سبل السلام ١ : ٣٥٣.

(٨) سنن ابي داود ٢ : ٥٨ / ١٤٠١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٣٥ / ١٠٥٧.

(٩) صحيح البخاري ٢ : ٥٠ ، سنن ابي داود ٢ : ٥٩ / ١٤٠٩ ، سنن النسائي ٢ : ١٥٩ ، سنن الترمذي ٢ : ٤٦٩ / ٥٧٧.

٢١١

وروى غيره أنه سجدها وقرأ( أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ ) (١) (٢) .

مسألة ٢٨٠ : موضع السجود في ( حم ) عند قوله تعالى( وَاسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ ) (٣) ‌- وبه قال ابن عمر ، والحسن البصري ، ومالك ، وحكاه مسروق عن أصحاب ابن مسعود(٤) - لأن الأمر بالسجود فيها فيجب عندها.

وقال الشافعي : في الآية الثانية عند قوله( وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ ) (٥) - وبه قال سعيد بن المسيب ، والنخعي ، والثوري ، وأبو حنيفة ، وأحمد ، وهو مروي عن ابن عباس(٦) - لأن تمام الكلام في الثانية فكان السجود عقيبها ، وأولوية السجود عند الذكر راجحة عليه عند التتمة.

أما الأعراف فآخرها( وَلَهُ يَسْجُدُونَ ) (٧) والرعد( وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ ) (٨) والنحل( وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ) (٩) وبني إسرائيل :( وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً ) (١٠) ومريم( خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا ) (١١) والحج :( يَفْعَلُ

____________________

(١) الانعام : ٩٠.

(٢) سنن الدارمي ١ : ٣٤٢ ، سنن أبي داود ٢ : ٥٩ / ١٤١٠ ، سنن الدارقطني ١ : ٤٠٨ / ٧.

(٣) فصلت : ٣٧.

(٤) الشرح الصغير ١ : ١٥٠ ، المنتقى للباجي ١ : ٣٥٢ ، المجموع ٤ : ٦٠ ، المغني ١ : ٦٨٥ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢٤.

(٥) فصلت : ٣٨.

(٦) المجموع ٤ : ٦٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٢ ، بدائع الصنائع ١ : ١٩٤ ، المغني ١ : ٦٨٥ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢٤.

(٧) الأعراف : ٢٠٦.

(٨) الرعد : ١٥.

(٩) النحل : ٥٠.

(١٠) الاسراء : ١٠٩.

(١١) مريم : ٥٨.

٢١٢

ما يَشاءُ ) (١) ( وَافْعَلُوا الْخَيْرَ ) (٢) والفرقان( وَزادَهُمْ نُفُوراً ) (٣) والنمل :( رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) (٤) والم تنزيل( وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ) (٥) والنجم :( فَاسْجُدُوا لِلّهِ ) (٦) والانشقاق( وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ ) (٧) والقلم( وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ) (٨) .

مسألة ٢٨١ : سجود التلاوة واجب في العزائم الأربع : سجدة لقمان ، وحم ، والنجم ، والقلم. ومستحب في البواقي عند علمائنا أجمع ؛ لأنّ علياًعليه‌السلام قال : « عزائم السجود أربع »(٩) وقال الصادقعليه‌السلام : « إذا قرئ شي‌ء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد ، وان كنت على غير وضوء ، وان كنت جنباً ، وان كانت المرأة لا تصلي ، وسائر القرآن أنت فيه بالخيار »(١٠) ولأنها تتضمن الأمر بالسجود فتكون واجبة ؛ لأن الأمر للوجوب ، وغير الأربع ليس بصريح في الأمر فيكون ندباً.

وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : السجود واجب في الجميع(١١) ولم يفصل لقوله تعالى( وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ ) (١٢) وهذا ذم ، ولأنه‌

____________________

(١) الحج : ١٨.

(٢) الحج : ٧٧.

(٣) الفرقان : ٦٠.

(٤) النمل : ٢٦.

(٥) السجدة : ١٥.

(٦) النجم : ٦٢.

(٧) الانشقاق : ٢١.

(٨) العلق : ١٩.

(٩) سنن البيهقي ٢ : ٣١٥.

(١٠) الكافي ٣ : ٣١٨ - ٢ ، التهذيب ٢ : ٢٩١ - ١١٧١.

(١١) المبسوط للسرخسي ٢ : ٤ ، اللباب ١ : ١٠٣ ، المغني ١ : ٦٨٧ ، الميزان ١ : ١٦٤ ، المنتقى للباجي ١ : ٣٥١ ، بداية المجتهد ١ : ٢٢٢ ، القوانين الفقهية : ٨٧.

(١٢) الانشقاق : ٢١.

٢١٣

سجود يفعل في الصلاة فكان واجباً كسجودها ، والذم على ترك السجود الواجب وهي العزائم الأربع ، أو غير معتقد فضله ولا مشروعيته. ونمنع المشترك ، وينتقض بسجود السهو فإنه ليس بواجب عندهم.

وقال مالك ، والأوزاعي ، والليث ، والشافعي ، وأحمد : الكل مستحب ، لأن عمر خطب يوم الجمعة ولم يسجد في النحل(١) . ونقول بموجبه فإنه ليس بواجب عندنا.

مسألة ٢٨٢ : وتجب الأربع على القاري والمستمع بلا خلاف عندنا‌ وعند الموجبين ، ومستحب في الباقي عندنا لهما وعند الباقين لأن ابن عمر قال : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقرأ علينا السورة في غير الصلاة فيسجد ونسجد معه حتى لا يجد أحدنا مكانا لموضع جبهته(٢) .

أما السامع غير القاصد للسماع فيستحب في حقه في الجميع عندنا عملاً بالأصل ، ولقول الصادقعليه‌السلام وقد سأله عبد الله بن سنان عن رجل يسمع السجدة تقرأ قال : « لا يسجد إلّا أن يكون منصتاً ، مستمعاً لها ، أو يصلّي بصلاته ، فأما أن يكون يصلّي في ناحية وأنت في ناحية فلا تسجد لما سمعت »(٣) .

وقال أبو حنيفة : يجب على السامع أيضاً. ونحوه عن ابن عمر ،

____________________

(١) الاُم ١ : ١٣٦ ، الوجيز ١ : ٥٣ ، الميزان ١ : ١٦٤ ، بلغة السالك ١ : ١٤٩ ، الشرح الصغير ١ : ١٤٩ ، المنتقى للباجي ١ : ٣٥٠ و ٣٥١ ، بداية المجتهد ١ : ٢٢٢ ، المغني ١ : ٦٨٧ ، الشرح الكبير ١ : ٨١٤ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٤.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ٥١ و ٥٢ ، صحيح مسلم ١ : ٤٠٥ / ٥٧٥ ، سنن ابي داود ٢ : ٦٠ / ١٤١٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٨ / ٣ ، التهذيب ٢ : ٢٩١ / ١١٦٩.

٢١٤

والنخعي ، وسعيد بن جبير ، ونافع ، وإسحاق(١) ، لأنه سامع للسجدة فأشبه المستمع.

وقال الشافعي : لا اُؤكد عليه السجود ، وإن سجد فحسن(٢) .

وقال مالك ، وأحمد : لا يستحب للسامع ، وهو مروي عن عثمان ، وابن عباس وعمران بن الحصين(٣) ، لأن عثمان مرَّ بقاص فقرأ القاص سجدة ليسجد عثمان معه فلم يسجد وقال : إنما السجدة على من استمع(٤) .

مسألة ٢٨٣ : هذا السجود ليس بصلاة ، ولا بجزء منها فلا يشترط فيه ما يشترط في الصلاة عند علمائنا - وبه قال عثمان ، وسعيد بن المسيب ، والشعبي(٥) - عملاً بالأصل ، وقول الصادقعليه‌السلام : « فاسجد وإن كنت على غير وضوء ، وإن كنت جنباً ، وإن كانت المرأة لا تصلّي »(٦) .

وقال الشافعي ، وأحمد ، وأبو حنيفة ، ومالك : تشترط الطهارة من الحدث والخبث ، وستر العورة ، والاستقبال(٧) لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

____________________

(١) المبسوط للسرخسي ٢ : ٤ ، شرح فتح القدير ١ : ٤٦٦ ، الكفاية ١ : ٤٦٦ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٧٨ ، المجموع ٤ : ٦١ ، المغني ١ : ٦٨٨ ، الشرح الكبير ١ : ٨١٥ - ٨١٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٢٥ ، اللباب ١ : ١٠٣.

(٢) المجموع ٤ : ٥٨ ، الوجيز ١ : ٥٣ ، السراج الوهاج : ٦٢ ، المغني ١ : ٦٨٨ ، الشرح الكبير ١ : ٨١٦.

(٣) المغني ١ : ٦٨٨ ، الشرح الكبير ١ : ٨١٤ و ٨١٥ و ٨١٦ ، المجموع ٤ : ٥٨ ، العدة شرح العمدة : ٩٢.

(٤) المغني ١ : ٦٨٨ ، الشرح الكبير ١ : ٨١٦.

(٥) المغني ١ : ٦٨٥ ، الشرح الكبير ١ : ٨١٣ ، سبل السلام ١ : ٣٥٤.

(٦) الكافي ٣ : ٣١٨ / ٢ ، التهذيب ٢ : ٢٩١ / ١١٧١.

(٧) المجموع ٤ : ٦٣ ، السراج الوهاج : ٦٢ ، المغني ١ : ٦٨٥ ، الشرح الكبير ١ : ٨١٣ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٤ ، شرح العناية ١ : ٤٦٤ ، المنتقى للباجي ١ : ٣٥٢ ، بلغة السالك ١ : ١٥٠ ، الشرح الصغير ١ : ١٤٩.

٢١٥

( لا يقبل الله صلاة بغير طهور )(١) فيدخل في عمومه السجود ، ولأنّ ما نافى الصلاة نافى السجود كالكفر.

ولا دلالة في الخبر ؛ لأنها ليست صلاة ، والكفر مناف للعبادات الواجبة والمندوبة المشروطة فيها الطهارة وغير المشروطة بها.

أما النية فلا بدَّ منها ؛ لأنه فعل مشترك فيفتقر التخصيص إلى نيته.

فروع :

أ - لو سمع السجود وهو على غير طهارة لم يلزمه الوضوء‌ ولا التيمم - وبه قال أحمد(٢) - لأنها تتعلق بسبب فإذا فات لم يسجد كما لو قرأ سجدة في الصلاة فلم يسجد لم يسجد بعدها ، ونحن نوجب السجود ، أو نستحبه وإن لم يتطهر ؛ لعدم اشتراط الطهارة كما تقدم.

وقال النخعي : يتيمم ويسجد ، وعنه : يتوضأ ويسجد ، وبه قال الثوري وأصحاب الرأي(٣) .

ب - لو توضأ سجد ، وقال أحمد : لا يسجد ؛ لفوات سببها ، ولا يتيمم لها مع وجود الماء(٤) .

ج - لو عدم الماء فتيمم سجد عندنا‌ ، وبه قال أحمد إذا لم يطل ؛ لعدم بعد سببها ، بخلاف الوضوء عنده(٥) .

مسألة ٢٨٤ : ولا تكبير فيها للسجود‌ عندنا - وبه قال أبو حنيفة في رواية ،

____________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٢٠٤ / ٢٢٤ ، سنن الترمذي ١ : ٥ - ١.

(٢) المغني ١ : ٦٨٦ ، الشرح الكبير ١ : ٨١٣.

(٣) المبسوط للسرخسي ٢ : ٤ ، المغني ١ : ٦٨٦ ، الشرح الكبير ١ : ٨١٣.

(٤) المغني ١ : ٦٨٦ ، الشرح الكبير ١ : ٨١٤.

(٥) الشرح الكبير ١ : ٨١٤.

٢١٦

وابن أبي هريرة(١) - عملاً بالأصل ، قال الشيخ : ويكبّر للرفع منه(٢) لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا قرأت السجدة فاسجد ، ولا تكبّر حتى ترفع رأسك »(٣) وقالعليه‌السلام فيمن يقرأ السجدة من القرآن من العزائم : « فلا يكبّر حين يسجد ولكن يكبّر حين يرفع رأسه »(٤) .

وقال الشافعي : إن كان في غير صلاة نوى الساجد ، وكبّر للافتتاح ، ورفع يديه حذو منكبيه كما في افتتاح الصلاة(٥) - خلافاً لأبي حنيفة في الرفع(٦) - ثم يكبّر تكبيرة اُخرى للهويّ من غير رفع ، فإذا رفع رأسه كبّر.

وفي وجه : لا يكبّر للافتتاح.

ثم هو مستحب أو شرط؟ وجهان.

وإن كان في الصلاة فلا يكبّر للافتتاح ، ويكبّر للهوي من غير رفع اليدين ثم يكبّر عند رفع الرأس(٧) .

وقال ابن أبي هريرة : لا يكبّر للسجود ، ولا للرفع في غير الصلاة(٨) .

وقال النخعي ، وأحمد ، وأصحاب الرأي - كقول الشافعي - : باستحباب التكبير للسجود ، والرفع منه ؛ لأنها صلاة ذات سجود فوجب أن‌

____________________

(١) بدائع الصنائع ١ : ١٩٢ ، حلية العلماء ٢ : ١٢٤.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ١١٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٩٢ / ١١٧٥.

(٤) الكافي ٣ : ٣١٧ / ١ ، التهذيب ٢ : ٢٩١ / ١١٧٠.

(٥) المجموع ٤ : ٦٤ - ٦٥ ، الوجيز ١ : ٥٣ ، فتح العزيز ٤ : ١٩٢ ، مغني المحتاج ١ : ٢١٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٣ ، السراج الوهاج : ٦٢ ، المغني ١ : ٦٨٦.

(٦) شرح فتح القدير ١ : ٤٧٦ ، اللباب ١ : ١٠٤ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٨٠ ، شرح العناية ١ : ٤٧٦.

(٧) المجموع ٤ : ٦٣.

(٨) المجموع ٤ : ٦٣.

٢١٧

تفتقر إلى تكبيرة الإِحرام كسائر الصلوات(١) . والصغرى ممنوعة.

فروع :

أ - منع أحمد من تثنية التكبير في الابتداء‌ وإن كان خارجاً من الصلاة(٢) ، وقال الشافعي : إذا سجد خارجاً من الصلاة كبّر واحدة للافتتاح ، واُخرى للسجود ؛ لأنها صلاة فيكبّر للافتتاح غير تكبيرة السجود(٣) . والصغرى ممنوعة.

ب - قال الشافعي ، وأحمد : يرفع يديه عند تكبيرة الابتداء‌ إن كان في غير الصلاة ؛ لأنها تكبيرة إحرام(٤) . وإن سجد في الصلاة ، قال أحمد : يرفع(٥) ، خلافا للشافعي(٦) .

ج - ليس فيها ذكر موظف ؛ لأصالة براءة الذمة فإن الأمر تعلق بالسجود خاصة ، وقال أحمد : يقول ما يقول في سجود صلب صلاته(٧) . وهو ممنوع ، نعم يستحب الذكر.

مسألة ٢٨٥ : وليس في سجود التلاوة تشهد ، ولا تسليم‌ عند علمائنا أجمع - وهو قول أبي حنيفة ، وأحد قولي الشافعي(٨) - لأن الأمر بالسجود‌

____________________

(١) المغني ١ : ٦٨٦ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢٤ ، العدة شرح العمدة : ٩٣ ، المحرر في الفقه ١ : ٨٠ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٠ ، الميزان ١ : ١٦٦.

(٢) المغني ١ : ٦٨٦ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢٥.

(٣) المجموع ٤ : ٦٤ - ٦٥ ، السراج الوهاج : ٦٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٣.

(٤) المجموع ٤ : ٦٤ - ٦٥ ، الوجيز ١ : ٥٣ ، فتح العزيز ٤ : ١٩٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٣ ، السراج الوهاج : ٦٢ ، المغني ١ : ٦٨٦ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢٧.

(٥) المغني ١ : ٦٨٦ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢٧.

(٦) الوجيز ١ : ٥٣ ، فتح العزيز ٤ : ١٩٥.

(٧) المغني ١ : ٦٨٦ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢٦.

(٨) المجموع ٤ : ٦٥ ، الوجيز ١ : ٥٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٣ ، السراج الوهاج : ٦٢ ، الميزان ١ : ١٦٦ ، اللباب ١ : ١٠٤ ، المغني ١ : ٦٨٧.

٢١٨

لا يتناول غيره فيكون منفياً بالأصل ، ولأنه لم ينقل عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا عن أحد من الأئمةعليهم‌السلام تشهد ولا تسليم ، ولأن التشهد في مقابلة القيام ولا قيام ، ولأنه لا تشهد فيه عند أحمد فلا يستحب له التسليم كغير الصلاة ، وبه قال النخعي ، والحسن ، وسعيد بن جبير(١) .

وقال بعض الشافعية : يتشهد ؛ لأنه سجود يحتاج إلى الإِحرام والسلام فيكون كسجود الصلاة(٢) . والصغرى ممنوعة ، وهو خلاف نص الشافعي(٣) .

والقول الثاني للشافعي : أنه يسلّم من غير تشهد - وبه قال أحمد(٤) - لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( تحريمها التكبير وتحليلها التسليم )(٥) ولأنّها ذات تكبيرة إحرام فافتقرت إلى التسليم. والصغرى ممنوعة ، وضمير الحديث راجع إلى الصلاة.

إذا ثبت هذا فاختلفت الرواية عن أحمد فروي إيجاب تسليمتين ، وروي واحدة(٦)

مسألة ٢٨٦ : لا يقوم الركوع مقام السجود‌ عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي ، وأحمد(٧) - لأنه سجود مشروع فلا يقوم الركوع مقامه كسجود الصلاة ، ولأن الأمر ورد بالسجود والركوع مغاير.

____________________

(١) المغني ١ : ٦٨٧ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢٥ - ٨٢٦.

(٢) المجموع ٤ : ٦٦ ، الوجيز ١ : ٥٣ ، فتح العزيز ٤ : ١٩٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٣.

(٣) المجموع ٤ : ٦٥ - ٦٦ ، الوجيز ١ : ٥٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٣.

(٤) المجموع ٤ : ٦٦ ، الوجيز ١ : ٥٣ ، الميزان ١ : ١٦٦ ، المغني ١ : ٦٨٧ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢٥.

(٥) سنن ابي داود ١ : ١٦ / ٦١ ، سنن الدارمي ١ : ١٧٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٠١ / ٢٧٥ و ٢٧٦ ، سنن الترمذي ١ : ٨ / ٣ ، مسند أحمد ١ : ١٢٣.

(٦) المغني ١ : ٦٨٧ ، الشرح الكبير ١ : ٨٢٦.

(٧) المجموع ٤ : ٧٢ ، المغني ١ : ٦٨٩ ، الشرح الكبير ١ : ٨١٨.

٢١٩

وقال أبو حنيفة : يقوم مقامه استحساناً(١) ؛ لقوله تعالى( وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ ) (٢) وإنما يقال : خرّ ساجداً لا راكعاً فعبّر بالركوع عن السجود مجازاً ، ولأن المروي عن داود [عليه‌السلام ] السجود(٣) .

مسألة ٢٨٧ : يجوز السجود في الأوقات المكروهة‌ عند علمائنا - وبه قال الحسن ، والشعبي ، وسالم ، وعطاء ، وعكرمة ، والشافعي ، وأحمد في رواية(٤) - لإِطلاق الأمر بالسجود فيتناول بإطلاقه جميع الأوقات ، ولأنها ذات سبب.

وقال أبو ثور ، وابن عمر ، وسعيد بن المسيب ، وأحمد في رواية ، وإسحاق : إنّه لا يسجد(٥) لقولهعليه‌السلام : ( لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس ، ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس )(٦) ونحن نقول بموجبه فإنها ليست صلاة ، وكره مالك قراءة السجدة في وقت النهي(٧) .

مسألة ٢٨٨ : لا يشترط لسجود المستمع سوى الاستماع‌ لعموم الأمر ، وقال مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وقتادة : يشترط كون التالي ممّن يصلح أن يكون إماماً للمستمع ، فإن كان التالي امرأة أو خنثى مشكلاً لم يسجد الرجل باستماعه منهما ، ولو كان التالي اُمّياً سجد القارئ المستمع‌

____________________

(١) المبسوط للسرخسي ٢ : ٨ - ٩ ، المجموع ٤ : ٧٢ ، المغني ١ : ٦٨٩ ، الشرح الكبير ١ : ٨١٨.

(٢) ص : ٢٤.

(٣) سنن النسائي ٢ : ١٥٩ ، سنن الدارقطني ١ : ٤٠٧ / ٣ و ٤.

(٤) المجموع ٤ : ١٧٠ ، فتح العزيز ٣ : ١١٠ ، الوجيز ١ : ٣٥ ، الميزان ١ : ١٧١ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٩ ، المغني ١ : ٦٨٧.

(٥) المغني ١ : ٦٨٧ ، الشرح الكبير ١ : ٨٤٠.

(٦) الكامل لابن عدي ٣ : ١٢٢٥ ونحوه في صحيح البخاري ١ : ١٥٢ ، صحيح مسلم ١ : ٥٦٧ / ٨٢٧ ، تاريخ بغداد ٥ : ٣٦.

(٧) المغني ١ : ٦٨٧.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492