ابن تيميه الجزء ٢

ابن تيميه8%

ابن تيميه مؤلف:
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 492

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 492 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 169314 / تحميل: 5906
الحجم الحجم الحجم
ابن تيميه

ابن تيميه الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

الطبيعيّ لأحد أنبيائه بعد أن دعا الله تعالى أن يحبسها عليه وهو في حال جهاد، فاستجاب له - وهو ما قرّره الابنان: ابن الجوزيّ، وابن تيميه فيما أنكرا رجوعها! -، وانشقاق القمر يومَ وُلِد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وضربت النّجومُ بعضُها بعضاً، وغيض ماء بُحيرة ساوه، ونبع الماء من بين أصابعهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وانفلق البحر لموسىعليه‌السلام ، فسلكه ومن معه، فلمّا جاوزه انطبق على فرعون وجنده فكانوا من المُغرقين.

ومن آيات عيسىعليه‌السلام : إحياء الموتى بإذن الله تعالى، والموت والحياة من شأن الله سبحانه.

وأوتي سليمانعليه‌السلام من الآيات الباهرات وخوارق العادات الكثير وكانت النار التي أوقدها نمرود برداً وسلاماً على إبراهيم الخليلعليه‌السلام «وهو مخالف لما جعله الله تعالى للنار من طبيعة الإحراق.

ومثلما حُبست الشمس ليوشع فتأخّر غروبها وطوّل الله تعالى له النهار، إلى آخر كلامه؛ فنقول: إنّ حبس الشمس عن جريها الطبيعيّ وتأخير الغروب وتطويل النّهار، كلّ ذلك خروج عن سنّة الله تعالى في خلقه، لكنّه واقع في مشيّته كما ذكرنا من قبل، ولا فرق بين حبسها وبين ردّها!

وإضافة إلى ما ذكرناه من معاجز الأنبياء، ومنها ما كان لنبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله نذكر بعضاً آخر من ذلك، مثل: تسبيح الحصى في يده الشريفة، واستجابة النخلة له لمّا طلب منه المشركون فتحوّلت من مكانها وانحنت أمامه وشهدت له بالنبوّة، وهذا خروج للجمادات عمّا هو مألوف منها من حال الجمود. وهذه أمثلة من حرمة الجمادات وشأنها؛ فكيف بسادات الورى؟

١٨١

حرمة الحجر الأسود

للحجر الأسود شأن خاصّ ليس لبقيّة موجودات الله تعالى مثله، حتّى ولا للشمس.

عن أبي الطّفيل: رأيتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يطوف بالبيت ويستلم الركن بمِحْجنٍ معه، ويقبّل المحجن.(١)

وعن ابن عبّاس قال: رأيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يسجد على الحجر.(٢)

ولقد قيل في الحجر الأسعد أنّه نزل من الجنّة. روي ذلك عن ابن عبّاس، قال: إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: «الحَجَرُ الأَسودُ من الجنّة».(٣)

وقد استنّ المسلمون بفعلِ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكانوا يقبّلون الحجر الأسود ويتبرّكون به، إلاّ أنّه قد عرض لبعضهم شبهة للجهلِ بعلّة تقبيل الحجر والسجود عليه!

عن عابس بن ربيعة(٤) ، قال: رأيت عمر بن الخطّاب قام عند الحجر وقال: والله إنّي أعلم أنّك حجرٌ لا تضرّ ولا تنفع، ولو لا أنّي رأيتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبّلك ما قبّلتُك. فقال له عليّ: بلى؛ هو يضرّ وينفع، ولو علمت ذلك من كتاب الله لعلمت أنّه كما أقول، قال الله تعالى:« وَإِذْ أَخَذَ رَبّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ

____________________

(١) سُنن أبي داود ٢: ١٧٦؛ سنن ابن ماجة ٢: ٩٨٣؛ صحيح مسلم ٢: ٨٩٣.

(٢) السنن الكبرى للبيهقيّ ٥: ٧٥.

(٣) سنن النَّسائيّ ٥: ٢٢٦؛ الدّر المنثور ١: ١٣٥.

(٤) عابس بن ربيعة: كوفيّ، تابعيّ، ثقة (تاريخ الثقات للعجليّ ٢٣٩ / ٧٣٤).

١٨٢

وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى‏ أَنْفُسِهِمْ) (١) ، فلمّا اقرّوا أنّه الربّ عزّوجلّ، وأنّهم العبيد، كتب ميثاقهم في رَقّ وألقمه في هذا الحجر، وأنّه يبعث يوم القيامة وله عينان ولسان وشفتان، يشهد لمن وافى بالموافاة، فهو أمين الله في هذا الكتاب. فقال عمر: أعوذ بالله أن أعيش في قوم لستَ فيهم يا أبا الحسن!(٢)

وأخرج عبد الرزّاق عن معمر عن عاصم عن عبد الله بن سَرْجِس قال: رأيتُ عمر بن الخطّاب يقبّل الركن وكان يقول: والله إنّي لأقبّلك وأعلم أنّك حجر، وأعلم أنّ الله ربّي، ولكن رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبّلك فقبّلتك.(٣)

وعبد الرزّاق بسنده عن سُوَيد بن غفلة قال: رأيت عمر بن الخطّاب يقبّل الحجر ويقول: والله إنّي لأعلم أنّك حجر، ولكن رأيت أبا القاسمصلى‌الله‌عليه‌وآله بك حفيّاً.(٤)

وعبد الرزّاق عن محمّد بن راشد قال: سمعتُ مكحولاً يحدّث أنّ عمر بن الخطّاب استقبل الركن فقال: قد علمت أنّك حجر، وأنّك لا تضرّ ولا تنفع، ولو لا

____________________

(١) الأعراف: ١٧٢.

(٢) المستدرك على الصحيحين ١: ٤٥٧، شرح نهج البلاغة للمعتزليّ ٣: ١٢٢، السيرة الحلبية ١: ١٨٨، كنز العمّال ٥: ٩٣، وذكره أبو داود في سننه ٢: ١٧٥ / ١٨٧٣، واقتصر على شطره الأوّل من غير كلام أميرالمؤمنينعليه‌السلام .

(٣) المصنّف لعبد الرزّاق ٥: ٥٣ / ٩٠٩٦. وأخرجه مسلم / الحديث (١٢٧٠) برقم فرعيّ (٢٥٠). وذكره ابن ماجة بتغيير وإضافة بعض الألفاظ، سنن ابن ماجة ٢: ٩٨١ / ٢٩٤٣.

(٤) المصنّف لعبد الرزّاق ٥: ٥٤ / ٩٠٩٧. وأخرجه مسلم / الحديث (١٢٧١) من طريق إبراهيم بن عبد الأعلى. وحفيّاً: مبالغاً في إكرامه.

١٨٣

أنّي رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقبّلك ما قبّلتك. قال: ثمّ قبّله.(١)

الحجر يمين الله

فلمّا كان الحجر الأسود من الجنّة، كما في رواية ابن عبّاس التي ذكرناها، فهو بذاته حجر مبارك وجاز التبرّك به لذلك. إلاّ أنّ ما أوضحه أميرالمؤمنين عليعليه‌السلام من أنّ الحجر هو أمينُ الله في أرضه يشهد لمن وافاه بالبيعة! زاد في كرامة الحجر وتعظيمه عند رسول الله وطليعة الصحابة.

عن ابن عبّاس قال: الحجر الأسود يمين الله في الأرض، فمن لم يدرك بيعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاستلم الحجر، فقد بايع الله ورسوله!(٢)

فما أعظم شأنه؟! وكم تخفى علينا أمور وعلل نجهلها؛ فما علينا إلاّ التسليم بعد ثبوت شرعيّتها والإتيان بها من غير حرج.

عن فاطمة بنت حسين، عن أبيها قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لمّا أخذ الله ميثاق العباد جُعل في الحجر، فمِن الوفاء بالبيعة استلامُ الحجر»(٣) .

حُرمة الكعبة، والتعوّذ بالبيت

عبد الرزّاق عن ابن جُرَيْج قال: حُدّثتُ أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يضع يده على

____________________

(١) المصنّف لعبد الرزّاق ٥: ٥٤ / ٩٠٩٨.

(٢) الدّر المنثور ١: ١٣٤.

(٣) الذّرية الطاهرة للدولابيّ ١٣١ / ١٦٠.

١٨٤

الركن اليمانيّ.(١)

عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جدّه قال: طفت مع عبد الله بن عمر -، فلمّا فرغنا من السبع ركعنا في دبر الكعبة، فقلت: ألا تتعوّذ، قال أعوذ بالله من النار. ثمّ مشى فاستلم الركن، ثم قام بين الحجر والباب فألصق صدره ويديه وخدّه إليه، ثمّ قال: هكذا رأيت رسول الله يصنع.(٢)

عبد الرزّاق، عن معمر، عن هشام بن عروة، عن أبيه أنّه كان يلصق بالبيت صدره ويده وبطنه.(٣)

عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله يقول: «مَن طافَ بالبيت وصلّى ركعتين، كان كعتقِ رقبةٍ».(٤)

سأل ابن هشام عطاء بن أبي رباحٍ عن الركن اليمانيّ، وهو يطوف بالبيت. فقال عطاء: حدّثني أبو هريرة أنّ النبيّ قال: «وُكِل به سبعون ملكاً، فمن قال: اللّهمّ إنّي أسألك العفوَ والعافية في الدنيا والآخرة، ربّنا آتنا في الدّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقِنا عذاب النار؛ قالوا: آمِين».

فلمّا بلغ الرّكن الأَسود قال: يا أبا محمّدٍ، ما بلغك في هذا الرّكن الأسود؟

____________________

(١) المصنّف لعبد الرزّاق ٥: ٥٥ / ٩١٠٢.

(٢) المصنّف لعبد الرزّاق ٥: ٥٥ / ٩١٠٦، سنن ابن ماجة ٢: ٩٨٧ / ٢٩٦٢، سُنن أبي داود ١: ١٨١ / ١٨٩٩.

(٣) المصنّف لعبد الرزّاق ٥: ٥٦ / ٩١١١.

(٤) سنن ابن ماجة ٢: ٩٨٥ / ٢٩٥٦.

١٨٥

فقال عطاء: حدّثني أبو هريرة أنّه سمع رسول الله يقول: «مَن فاوضَه(١) فإنّما يفاوض يدَ الرحمان».

قال له ابن هشام: يا أبا محمّد، فالطّواف؟ قال عطاء: حدّثني أبو هريرة أنّه سمع النبيّ يقول: «من طاف بالبيت سبعاً ولا يتكلّم إلاّ بسبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ اللهُ، واللهُ أكبر، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله؛ مُحِيَت عنه عشر سيّئات، وكُتبت له عشر حسنات ورُفع له بها عشرةَ درجات. ومن طاف فتكلّم وهو في تلك الحال، خاض في الرحمة برِجْلَيه، كخائض الماء برجلَيه».(٢)

عبد الرزّاق عن معمر قال: رأيت أيّوب يلصق بالبيت صدره ويديه.(٣)

عن مكحول قال: إذا طفت بين السّادس والسابع فالتزم بالبيت ما بين الركن الأسود والركن اليمانيّ، ثم تعوّذ بالله.(٤)

تكريم البيت

اللّيث عن عطاء، وطاووس، ومجاهد؛ قالوا: لا يُدخَل البيت بحذاء ولا بسلاح، ولا خُفَّين، وكان عطاء ومجاهد يريان الحِجر من البيت.(٥)

وعن عبد الله بن عبّاس قال: كانت الأنبياء تدخل الحرم مُشاةً حُفاة،

____________________

(١) فاوضه: أي قابله بوجهه.

(٢) سنن ابن ماجة ٢: ٢٤ / ٩٥٧.

(٣) المصنّف لعبد الرزّاق ٥: ٥٥ / ٩١٠٥.

(٤) نفسه / ٩١٠٩.

(٥) نفسه: ٦١ / ٩١٣٥.

١٨٦

ويطوفون بالبيت، ويقضون المناسك حفاةً مشاة.(١)

عن سهل بن سعد الساعديّ، عن رسول الله قال: «ما من مُلَبٍّ يُلَبِّي إلاّ لبّى ما عن يمينه وشماله، من حجرٍ أو شجرٍ أو مَدَر، حتّى تنقطع الأرض من ههنا وههنا».(٢)

ضيوف الرحمان

و للمنزلة الخاصّة لبيت الله الحرام، فإنّ من قصده من قريب أو بعيد فهو في ضيافة الله تعالى؛ الكريم، ومن كرمه، وقد نزلوا أشرف البقاع وأقربها إليه عزّوجلّ، وأن يستجيب دعاءهم.

بسندٍ عن أبي هريرة، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: «الحُجّاج والعُمّار وفدُ اللهِ، إن دَعَوْه أجابهم، وإن استغفروه غَفَرلهم».(٣)

و بسندٍ عن ابن عمر، عن النبيّ قال: «الغازي في سبيل الله والحاجُّ والمُعتمر وفدُ الله، دعاهم فأجابوه، وسألوهُ فأعطاهم».(٤)

وبسند عن سعيد بن جُبير قال: سمعتُ ابنَ عبّاس يقول: قال رسول الله «ليأتينّ هذا الحجر يوم القيامة، وله عينان يُبصرُ بهما، ولسان ينطق به، يشهد على

____________________

(١) سنن ابن ماجة ٢: ٩٨٠ / ٢٩٣٩.

(٢) نفسه: ٩٧٤ / ٢٩٢١.

(٣) سنن ابن ماجة ٢: ٩٦٦ / ٢٨٩٢.

(٤) نفسه / ٢٨٩٣.

١٨٧

من يَستلِمُه بحقّ».(١)

وعن نافع، عن ابن عمر قال: استقبل رسول الله الحجر، ثم وضع شفتيه عليه يبكي طويلاً، ثم التفت فإذا هو بعمر بن الخطّاب يبكي فقال: «يا عمر، ههنا تُسكبُ العَبَراتُ».(٢)

عثمان بن أبي شيبة بسنده عن عبد الرحمان بن صفوان قال: لما فتح رسول الله مكّة، انطلقتُ فرأيتُ النبيَّ قد خرج من الكعبة هو وأصحابه، وقد استلموا البيت من الباب إلى الحطيم، وقد وضعوا خدودهم على البيت.(٣)

حرمةُ المؤمن

جرى الكلام عن بيت الله وحُرمته، وأثره في النفوس وفضيلته، والمقام الخاصّ للحجر الأسود وعظمته، إلاّ أنّ النصوص من القرآن والسنّة تقرّر حقيقةً هي عظم حرمة المؤمن، فيذكر القرآن الكريم المنزلة الخاصّة للإنسان بين مخلوقاته:« لَقَدْ كَرّمْنَا بَنِي آدَمَ) (٤) الآية.

هذا في عموم بني آدم، إلاّ أنّ الإنسان يستأهل هذا التكريم بقدر قربه من الله وتقواه:« إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ » . (٥)

____________________

(١) نفسه: ٩٨٢ / ٢٩٤٤.

(٢) نفسه.

(٣) سُنن أبي داود ٢: ١٨١ / ١٨٩٨.

(٤) الإسراء: ٧٠.

(٥) الحجرات: ١٣.

١٨٨

ولأجل الإنسان خلقت الجنّة يسعد بها المؤمن في نعيمٍ مقيم خالد، فإذا كانت تلك هي حرمة الحجر الأسعد لأنّه من الجنّة، وتلك هي حرمة الكعبة ومنزلتها إذ هي بيت الله تعالى ومحلّ ضيافته؛ فما هو موقع الإنسان المؤمن المتّقي، وما هي حُرمته؟ بسندٍ عن مكحول: إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لمّا رأى البيت حين دخل مكّة رفع يديه وقال: «اللّهمّ زد هذا البيت تشريفاً وتعظيماً وتكريماً ومهابة، وزد من شرّفه وكرّمه ممّن حجَّه واعتمره تشريفاً وتعظيماً وتكريماً وبِرّاً».(١)

إنّ أشرف بقاع الأرض هي مكّة المكرّمة، فيها أوّلُ بيتٍ وضعه الله تعالى لعبادته« إِنّ أَوّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلّذِي بِبَكّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ) (٢) .

والمؤمن أولى بهذا البيت، وكلّما حجّه واعتمره زاد شرفاً إلى شرفه، إذ كما للبيت والحجر وظيفة هي الشّهادة لمن وافاهما، فكذلك المؤمن فهو شاهد على غيره« لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النّاسِ وَيَكُونَ الرّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً » (٣) ، والآية بيان منه سبحانه لفضل هذه الأمّة على سائر الأمم. ومعنى شهداء على الناس أي: لتشهدوا على النّاس بأعمالهم، أو لتكونوا حُجّةً على الناس فتُبيِّنوا لهم الحقّ والدّين ويكون الرسول عليكم شهيداً بما يكون من أعمالكم، وحجّةً عليكم. (٤)

ولسعة أُفق مسؤوليّة المؤمن في هذه الحياة، كانت حُرمته أعظم، فعن ابن

____________________

(١) الدرّ المنثور ١: ١٣٢.

(٢) آل عمران: ٩٦.

(٣) البقرة: ١٤٣.

(٤) مجمع البيان - تفسير الآية ١٤٣ سورة البقرة.

١٨٩

عبّاس قال: لما نظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الكعبة قال: «مرحباً بكِمن بيتٍ ما أعظمك وأعظمَ حرمتك، لَلْمُؤمنُ أعظمُ عند الله حرمةً منكِ».(١)

تفاوت منازل المؤمنين

تتفاوت منازل المؤمنين عند الله تعالى، وميزان هذا التفاوت هو التقوى:« إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ » (٢) وأتقى الأمّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو سيّد البشر مطلقاً، وهو خاتم الأنبياء، قد بشّر به مَن كان قبله منهم، ورسالته خاتمة الرسالات؛ فهو أولى بالشرف الباذخ الذي لا تنال ذُراه الكعبة. وهو الذي حرّر البيت الحرام، فطهّر الكعبة من أدران الجاهليّة وحطّم الأصنام التي على سطحها، فكان النظر إلى وجهه الكريم وتعظيمه هو مثلما يكون للكعبة. وكان الذي باشر عمل ذلك هو عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، أصعده رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مَنْكِبَيه، فكان ذلك منزلةً له وكرامة.(٣)

وللشافعيّ نظم في هذه المكرمة العلويّة:

قيلَ لي: قُل في عليّ مدحاً

ذكرُهث يخمدُ ناراً مُوصَدَهْ

____________________

(١) الدّر المنثور ١: ١٣٢.

(٢) الحجرات: ١٣.

(٣) مسند أحمد ١: ٨٤، ١٥١، خصائص أمير المؤمنين للنّسائيّ ٣١، المستدرك على الصحيحين ٢: ٣٦٧ و ٣: ٥، تاريخ بغداد ١٣: ٢، ٣، صفة الصفوة لابن الجوزيّ ١: ١١٩، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام لابن المغازليّ: ٢٠٢ - ٢٠٣، المناقب للخوارزميّ: ١٢٣، ذخائر العقبى: ٨٥، كفاية الطالب: ٢٥٧، ينابيع المودّة: ١٣٩ الرياض النضرة ٢: ٢٠٠، المواهب اللّدنيّة للقسطلانيّ ١: ٢٠٤.

١٩٠

قلتُ: لا أقدم في مدح امرئ

ضلّ ذواللُّبّ إلى أن عَبَدهْ

والنبيُّ المصطفى قال لنا

ليلة المعراج لمّا صَعده

وضع اللهُ بظهري يدَهُ

فأحسّ القلبُ أنْ قد بردَهْ

وعليّ واضعٌ أقدامَهُ

في محلٍّ وَضَعَ اللهُ يَدَهْ(١)

فبهذا اللّحاظ، وبلحاظ بقيّة مناقبهعليه‌السلام : من سابقته إلى الإسلام، وأنّه لم يسجد لصنمٍ قطّ ولم يوجّه وجهه في ركوع ولا سجود إلاّ إلى الكعبة التي وُلد فيها، ولم يولد قبله ولا بعده فيها أحد غيره، ولأعلميّته وشرائه النّفسَ في سبيل الله، وغير ذلك من المناقب الخاصّة به ممّا سيأتي الكلام عنها. لكلّ ذلك؛ ولأنّه نَفْسُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما في آية المباهلة(٢) ، فكان له ما لرسول الله إلاّ النبوّة، ولذا.. فكما أنّ النظر إلى وجه النبيّ عبادة؛ كذلك النظر إلى وجه عليّعليه‌السلام عبادة.

النظر إلى وجه عليّ عبادة

والأحاديث في هذا المعنى من الكثرة نذكر بعضها: بسندٍ عن عبد الله بن

____________________

(١) ينابيع المودّة للقندوزيّ: ١٤٠.

(٢) تفسير مقاتل ١: ٢٨٢، مسند أحمد ١: ١٨٥، صحيح مسلم ٧: ١٢٠، الجامع الصحيح للترمذيّ ٤: ٢٩٣، كتاب الولاية لابن عقدة: ١٨٦، دلائل النبوّة لأبي نعيم: ١٢٤، المستدرك للحاكم ٣: ١٥٠، أسباب النزول للواحديّ: ٦٨، تفسير الطبريّ ٣: ٢١٢، شواهد التنزيل ١: ١٢٨، مصابيح البغويّ ٢: ٢٧٧، تفسير الحِبَريّ ٢٤٨، تفسير فرات: ٢٩، تذكرة الخواصّ: ١٧؛ تفسير الثعلبيّ ٣: ٨٥، تفسير ابن كثير ١: ٣٧١، مناقب عليّ لابن مردويه: ٢٢٦ - ٢٢٨، أسد الغابة ٤: ١٠٥، وله مصادر كثيرة نذكرها في موضعها.

١٩١

مسعود قال: قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «النظر إلى وجه عليّ عبادة».(١)

وكيع عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنّ النبيّ قال: «النظر إلى وجه عليّ عبادة».(٢)

وعن أبي هريرة قال: رأيت مُعاذ بن جبل يُديم النظر إلى عليّ بن أبي طالب، فقلت: ما لكَ تديم النظر إلى عليّ كأنّك لم تره؟! فقال: سمعتُ رسول الله يقول: «النظر إلى وجه عليّ عبادة».(٣)

وبطرقٍ عدّة عن عمران بن حصين: «النظر إلى عليّ عبادة».(٤)

معمر، عن الزّهريّ، عن عروة، عن عائشة قالت: رأيت أبا بكر يكثر النظر إلى وجه عليّ، فقلت له: يا أبه، أراك تُكثر النظر إلى وجه عليّ! فقال: يا بُنيّة سمعتُ رسول الله يقول: «النظر إلى وجه عليّ عبادة».(٥)

____________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٣: ١٥٢ / ٤٦٨٢، المناقب للخوارزميّ ٣٦١، حلية الأولياء ٥: ٥٨، ميزان الاعتدال للذهبيّ ٤: ٤٠١، لسان الميزان لابن حجر ٦: ١٧٨، الصواعق المحرقة: ٧٣.

(٢) حلية الأولياء ٢: ١٨٢، مناقب الإمام عليّ لابن المغازليّ: ٢٠٧، لسان الميزان ١: ٢٤٢، منتخب كنز العمّال ٥: ٣٠.

(٣) تاريخ بغداد ٢: ٥١، مناقب الإمام عليّ لابن المغازليّ: ٢٠٧، ميزان الاعتدال ٣: ٤٨٤.

(٤) مناقب الإمام عليّ: ٢٠٩، المناقب للخوارزمي: ٣٦٣، كفاية الطّالب: ١٦١، الرياض النضرة ٢: ٢١٩، البداية والنهاية ٧: ٣٥٧، ينابيع المودّة: ٩٠، تاريخ الخلفاء: ٦٦.

(٥) تاريخ بغداد ٢: ٥١، مناقب الإمام عليّ: ٢١١، كفاية الطّالب: ١٦١.

١٩٢

مثَلُ عليّ في الأُمّة

و لكون عليّعليه‌السلام المَثَل الأعلى بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ أنزله النبيّ منزلة الكعبة، فعلى المسلمين أن يشدّوا الرّحال إليه ليستمدّوا منه معالم دينهم، فهم جميعاً محتاجون إليه وعليهم أن يقصدوه كما يقصدون الكعبة.

عن صالح بن ميثم(١) عن يَريم بن العلا(٢) ، عن أبي ذرّ قال:

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «مثَلُ عليّ فيكم - أو قال: في هذه الأمّة - كَمثَلِ الكعبة المستورة - أو المشهورة -، النظرُ إليها عبادة، والحجّ إليها فريضة».(٣)

عن شريك، عن سَلَمة، عن الصُّنابحي(٤) ، عن عليّ قال: قال رسول الله لعليّ:

____________________

(١) صالح بن ميثم. قال له أبو جعفر - الباقرعليه‌السلام - (إنّي أحبّك وأُحبّ أباك حبّاً شديداً) (رجال ابن داود ١٨٦ / ٧٦٠). وذكره البرقيّ في أصحاب الباقرعليه‌السلام (رجال البرقيّ: ١٥). وذكره هو وابنه عُقبةَ بن صالح في أصحاب الصادقعليه‌السلام (رجال البرقيّ: ١٦).

(٢) لم أعثر له على ترجمة.

(٣) مناقب الإمام عليّ ١٠٧، كفاية الطالب: ١٦١، الرياض النضرة ٢: ٢١٩، مجمع الزوائد ١٩: ١١٩، كنز العمّال ٦: ١٥٨.

(٤) شَرِيك بن عبد الله النّخعيّ القاضي، كوفيّ ثقة. (تاريخ الثقات للعجلي ٢١٧ / ٦٤٤).

وسَلَمة بن كُهَيل الحضرميّ: كوفيّ، ثقةٌ ثبتٌ في الحديث، تابعيّ. قال سفيان الثّوري لحمّاد بن سلمة: رأيتَ سلمة بن كهيل؟ قال: نعم، قال: لقد رأيت شيخاً كيِّساً، قال: وكان فيه تشيّع قليل، وهو من ثقات الكوفيّين (تاريخ الثقات ١٩٧ / ٥٩١). وذكره الطوسيّ في أصحاب أميرالمؤمنين، وقال تابعيّ. ثمّ ذكره في أصحاب الأئمّة: عليّ بن الحسين، والباقر، والصادقعليهم‌السلام (رجال الطوسيّ: ٤٣، ٩١، ١٢٤، ٢١١). وذكره البرقيّ في خواصّ أصحاب أميرالمؤمنين، وفي أصحاب: =

١٩٣

«أنت بمنزلة الكعبة: تؤتى ولا تأتي، فإن أتاك هؤلاء القوم فسَلَّمُوها إليك - يعني الخلافة - فاقبَلْ منهم، وإن لم يأتوك فلا تأتهم حتّى يأتوك».(١)

فالسعيُ إلى عليّعليه‌السلام كالسعي بين الصفا والمروة، والتزامُه مثل التزام ملتزم الكعبة، فهو وبنوه مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومَن تخلّف عنها غرق.

أخرج الشريف الرضيّ بسندٍ عالٍ، عن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ ابن موسى بن جعفر قال: حدّثني أبي عليّ، قال حدّثني أبي محمّد، قال: حدّثني أبي عليّ، قال: حدّثني أبي موسى، قال: حدّثني أبي جعفر، قال: حدّثني أبي محمّد، قال: حدّثني أبي عليّ، قال: حدّثني الحسين بن عليّ، عن أبيه أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا عليّ، مَثَلُكُم في الناس مَثَلُ سفينة نوح: من رَكِبَها نجا، ومن تخلّف عنها غرق، فمن أحبّكم يا عليّ نجا، ومن

____________________

= السجّاد والباقرعليهم‌السلام (رجال البرقيّ: ٤، ٨، ٩). قال ابن سعد: توفّي سلمة بن كهيل الحضرميّ سنة اثنتين وعشرين ومائة حين قُتل زيد بن عليّ بالكوفة. (الطبقات الكبرى ٦: ٣١٤ / ٢٤١٥).

والصّنابحي: شاميّ، تابعيّ، ثقة، من خيار التابعين. (تاريخ الثقات ٢٣٠ / ٧٠٥). وهو عبد الرحمان بن عسيلة المراديّ الصّنابحي، رحل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فوجده قد مات فنزل الشام، روى عن النبيّ مرسلاً، وعن أبي بكر وعمر وعليّ وغيرهم (تهذيب الكمال ٦: ٢٢٩). ومثله في (طبقات ابن سعد) عبد الرحمان بن عسيلة الصّنابحي، من حِمْيَر، ويكنّى أبا عبد الله، وكان ثقة قليل الحديث، روى عن أبي بكر وعمر وبلال. وذكر بسنده عن الصّنابحي قال: ما فاتني رسول الله إلاّ بخمس ليالٍ، توفّي رسول الله وأنا بالجحفة، فقدمت على أصحابه متوافرين، فسألت بلالاً عن ليلة القدر فقال: ليلة ثلاث وعشرين (الطبقات الكبرى ٧: ٣٥٣ / ٤٠٣٨).

(١) أسد الغابة ٤: ١١٢. وبلفظٍ آخر في: كفاية الطالب: ١٦١، ومناقب الإمام عليّعليه‌السلام : ١٠٧، كنز العمّال ٦: ١٥٨، ومجمع الزوائد ٩: ١١٩.

١٩٤

أبغضكم ورفض محبّتكم هوى في النار». ومَثَلُكُم يا عليّ مثل بيت الله الحرام: من دخله كان آمناً، فمن أحبّكم ووالاكُم كان آمناً من عذاب النار، ومن أبغضكم ألقي في النار يا عليّ« وَللّهِ‏ِ عَلَى النّاسِ حِجّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً » (١) ، ومن كان له عذر فله عذره، ومن كان مريضاً فله عذره، والله لا يعذر غنيّاً ولا فقيراً ولا مريضاً ولا أعمى ولا بصيراً في تفريطه في موالاتكم ومحبّتكم.(٢)

وأخرج سفيان الفسويّ، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه قال: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمانٌ لأمّتي».(٣)

وعن قتادة، عن عطاء، عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمانٌ لأمّتي من الاختلاف؛ فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس».(٤)

وعن أبي إسحاق - السّبيعيّ -، عن حنش الكنانيّ(٥) قال: سمعت أبا ذرّ يقول وهو آخذ بباب الكعبة: «مَن عرفني فأنا مَن عرفني، ومن أنكرني فأنا أبوذرّ، سمعتُ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: ألا إنّ مَثَل أهل بيتي فيكم مَثَلُ سفينة نوح في

____________________

(١) آل عمران: ٩٧.

(٢) خصائص أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب للشريف الرضيّ: ٤٨.

(٣) المعرفة والتاريخ للفسويّ ١: ٢٩٦.

(٤) المستدرك على الصحيحين للحاكم ٣: ١٦٢ / ٤٧١٥.

(٥) حنش بن المعتمر الكنانيّ، كوفيّ ثقة تابعيّ (تاريخ الثقات للعجليّ ١٣٦ / ٣٤٧)، ووثّقه ابن داود وأخرج له في سُننه، والترمذيّ في جامعه.

١٩٥

قومه، من رَكِبَها نجا، ومن تخلّف عنها غَرِق».(١)

وعليّ بن زيد، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي ذرّ قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَثَلُ أهل بيتي مَثَلُ سفينة نوح، من ركب فيها نجا، ومن تخلّف عنها غرق، ومَن قاتلنا في آخر الزمان فإنّما قاتل مع الدّجال».(٢)

وأخرج ابن أبي شيبة في مصنّفه قال: حدّثنا معاوية بن هشام(٣) ، قال: حدّثنا عمّار، عن الأعمش، عن المنهال، عن عبد الله بن الحارث، عن عليّ قال: إنّما مثَلُنا في هذه الأمّة كسفينة نوح، وكتاب حِطّة في بني إسرائيل.(٤)

هذا هو شأن عليّ ومنزلته، ومن كان كذلك لا يكبر عليه ردّ الشمس إليه كرامةً له من عند الله تعالى.

وأمّا من حيث الوقوع: فيكفي أنّ أميرالمؤمنين عليّاعليه‌السلام ، ذكر ذلك في محاججته القوم يوم الشّورى، فأخبتوا له في كلّ ما احتجّ به من فضائله.

أبو ساسان(٥) ، وأبو حمزة، عن أبي إسحاق السبيعيّ، عن عامر بن واثلة قال:

____________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٣: ١٦٣ / ٤٧٢٠، والمعارف لابن قتيبة ٢٥٢.

(٢) المعرفة والتاريخ للفسويّ ١: ٢٩٦، والكنى والأسماء للدولابيّ ١: ١٣٧ / الترجمة ٢٤١ ولكن من غير العبارة الأخيرة.

(٣) معاوية بن هشام القصّار الأزديّ، أبو الحسن الكوفيّ. قال العجليّ: ثقة (تاريخ الثقات للعجليّ ٤٣٣ / ١٥٩٨).

(٤) المصنّف لابن أبي شيبة ٧: ٥٠٣ / ٥٢.

(٥) حُضين بن المنذر، أبو ساسان السدوسيّ (بصريّ) تابعيّ، ثقة، وكان على راية عليّ يوم صفّين (تاريخ الثقات ١٢٣ / ٣٠٤). =

١٩٦

____________________

= قال خليفة في صفة جيش أميرالمؤمنين يوم صفّين:... وعلى بكر البصرة حُضين بن المنذر (تاريخ خليفة ١٤٦).

وذكره الطوسيّ في أصحاب أميرالمؤمنين قال: أبو سنان الأنصاريّ (رجال الطوسيّ: ٦٣).

وذكر البرقيّ أنّ له صحبة (رجال البرقيّ: ١). ثم ذكره في طبقة الأصفياء من أصحاب أميرالمؤمنينعليه‌السلام (رجال البرقيّ: ٣). وذكره كذلك في شرطة الخميس من أصحابهعليه‌السلام (رجال البرقيّ: ٤).

وذكره ابن داود في أصحاب أميرالمؤمنينعليه‌السلام (رجال ابن داود القسم الأوّل ٣٩٨ / ٤٢). إلاّ أنّ البرقيّ وابن داود سمّياه: الحصين - بصادٍ مهملة غير منقوطة -.

وذكره ابن سعد في الطبقة الثالثة من أهل البصرة (الطبقات الكبرى ٧: ١٥٥). وأبو حمزة: هو ثابت بن أبي صفيّة واسم أبي صفيّة دينار الأزديّ الكوفيّ، مات سنة خمسين ومائة. ذكره الطوسي في: أصحاب عليّ بن الحسين، وفي أصحاب الباقر، وفي أصحاب الصادقعليهم‌السلام (رجال الطوسيّ ٨٤، ١١٠، ١٦٠).

قال النجاشيّ: كوفي ثقة، وأولاده: نوح، ومنصور، وحمزة - قُتلوا مع زيد بن عليّ قال: لَقِيَ عليَّ ابن الحسين وأبا جعفر وأبا عبد الله وأبا الحسنعليهم‌السلام ، وروى عنهم، وكان من خيار أصحابنا وثقاتهم ومعتمديهم في الرواية والحديث. ورُوي عن أبي عبد الله أنّه قال: أبو حمزة في زمانه مثلُ سلمان في زمانه. وروى عنه العامّة. له كتاب تفسير القرآن، وكتاب النوادر ورسالة الحقوق عن عليّ بن الحسين (رجال النجاشي ٨٣ - ٨٤).

وذكره ابن داود فقال: ثقة، له كتاب (رجال ابن داود ٧٦ / ٢٧٣).

وذكره البرقيّ في أصحاب عليّ بن الحسينعليه‌السلام (رجال البرقيّ ٨).

وترجم له المزّيّ ترجمة وافية نذكر منها أسماء من روى عنهم، ومن رَوَوا عنه؛ لنعرف منزلته ووثاقته، قال: روى عن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، وأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن أبي طالب، وعكرمة مولى ابن عبّاس، والأصبغ بن نُباتة، وأنس بن مالك، وسعيد بن جُبير، وعامر الشعبيّ، وسالم بن أبي الجعد الغطفانيّ، وأبي إسحاق السّبيعيّ... وغيرهم. =

١٩٧

____________________

= روى عنه: سفيان الثّوريّ، وشريك بن عبد الله النخعيّ وعمرو بن أبي المقدام ثابت بن هرمز، و عبيدالله بن موسى وأبونعيم الفضل بن دكين، ووكيع بن الجرّاح، وأبوبكر بن عيّاش، وحفص بن غياث، والحسن بن محبوب... وغيرهم. روى له الترمذيّ، والنّسائيّ في (مسند عليّ) (تهذيب الكمال للمزّيّ ٤: ٣٥٧ / ٨١٩).

وأبو إسحاق: هو أبو إسحاق السبيعيّ، واسمه عمرو بن عبد الله بن عليّ... بن سبيع... بن هَمْدان، السّبيعيّ الهَمْدانيّ الفقيه (النّسب لابن سلام ٣٣٧، الطبقات الكبرى ٦: ٣١١ / ٢٤١١).

قال العجليّ: أبو إسحاق السّبيعيّ (كوفيّ) تابعيّ، ثقة، روى عن ثمانية وثلاثين من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (تاريخ الثقات ٣٦٦ / ١٢٧٢).

روى عن: زيد بن أرقم، والبراء بن عازب، عديّ بن حاتم، وعبد الله بن عمرو و أسامة بن زيد، وأنس بن مالك، وحُبْشيّ بن جُنادة وزيد بن يُثيع، وسعيد بن جبير، وسليمان بن صرد الخزاعيّ، وجرير بن عبد الله البجلي، وعامر بن شراحيل الشّعبي، وعبد الله بن الحارث بن نوفل، وعبد الله بن الزبير بن العوّام، وعبد الله بن عبّاس والحارث بن عبد الله الأعور، وعبد الرحمان بن أبي ليلى، وعبد خير الهمدانيّ وعكرمة مولى ابن عباس، وكميل بن زياد، ومجاهد بن جبر المكّيّ، وأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين... وخلقٍ كثير.

روى عنه: أبان بن تغلب، وأبو شيبة إبراهيم بن عثمان العبسيّ، وسفيان الثّوريّ وهو أثبت الناس فيه، وسفيان بن عيينة، وسليمان الأعمش، وشريك بن عبد الله وشعبة بن الحجّاج، وفضيل بن مرزوق، وفِطْر بن خليفة، وأبو حمزة الثّماليّ، وموسى بن عقبة، ومنصور بن المعتمر، ومِسعَر بن كِدام، وعبد الله بن المختار، وحمزة بن حبيب الزّيّات، ومالك بن مِغْول... وكثيرون.

مات سنة سبع وعشرين ومائة (الطبقات الكبرى ٦: ٣١١، الكنى والأسماء للدولابيّ ١: ١٠٠، التاريخ الكبير للبخاريّ: ٦ / الترجمة ٢٥٩٤، الجرح والتعديل: ٦ / الترجمة ١٣٤٧، طبقات خليفة ٢٧٥ / ١٢١٠، وقد ذكره في الطبقة الرابعة من أهل الكوفة ن من مُضَر اليمن).

قال أحمد بن حنبل: أبو إسحاق ثقة، وكذلك يحيى بن معين والنّسائي (الجرح والتعديل: ٦ / الترجمة ١٣٤٧). =

١٩٨

كنت مع عليّعليه‌السلام في البيت يوم الشورى، فسمعت عليّاً يقول لهم: لأحتجّنّ عليكم بما لا يستطيع عربيّكم ولا عجميّكم يُغيّر ذلك. ثمّ قال: أنشدكم بالله أيّها النّفر جميعاً! هل فيكم أحد ردّت عليه الشّمس حتّى صلّى العصر في وقتها، غيري؟

____________________

= قال أبو داود الطّيالسيّ: قال رجل لشعبة: سمع أبو إسحاق من مجاهد؟ قال: وما كان يصنع بمجاهد، كان هو أحسنَ حديثاً من مجاهد، ومن الحسن وابن سيرين (الجرح والتعديل: ٦: الترجمة ١٣٤٧).

وسبق أن ذكرنا قول العجليّ فيه وتوثيقه له.

وعامر بن واثلة بن عبد الله بن عمرو، أبو الطّفيل اللّيثيّ الكنانيّ، آخر الصحابة موتاً. ولد عام اُحدٍ، وأدرك ثماني سنين من حياة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله . روى عن: النبيّ، وعليّ، وأبي بكر، وعمر، ومعاذ، وابن مسعود، وحذيفة بن أسيد الغفاريّ، وحذيفة بن اليمان، وزيد بن أرقم، وأبي سعيد الخدريّ، وسلمان الفارسيّ، وابن عبّاس... وغيرهم.

روى عنه: جابر بن يزيد الجعفيّ، والزهريّ، وحبيب بن أبي ثابت، وفطر بن خليفة، وعليّ بن زيد ابن جدعان، وحمران بن أعين، وعمرو بن دينار، وقتادة، وإسماعيل بن مسلم المكّيّ.. وخلق كثير (الطبقات الكبرى ٥: ٤٥٧، طبقات خليفة ٦٨ / ١٧٦، ٢١٦ / ٨٤١، ٤٨٨ / ٢٥١٩، الجرح والتعديل: ٦ / الترجمة ١٨٢٩، جمهرة أنساب العرب ١٨٣، جمهرة النسب ١٤٥).

وذكره ابن داود في خواصّ أميرالمؤمنينعليه‌السلام (رجال ابن داود) ١٩٤ / ١٩٤).

وكذلك البرقيّ (رجال البرقيّ: ٤)، وذكر الطوسيّ في أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي أصحاب أميرالمؤمنين، وفي أصحاب الحسن (رجال الطوسيّ: ٢٥، ٤٧، ٦٩).

قال العجليّ: عامر بن واثلة، أبو الطفيل (مكّيذ) ثقة، سكن الكوفة مع عليّ، وكان من كبار التابعين، وقد رأى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (تاريخ الثقات ٢٤٥ / ٧٥٧).

١٩٩

قالوا: اللّهمّ لا.(١)

____________________

(١) كتاب الولاية لابن عقدة: ١٧٤، وهي واحدة من (٢٩) فقرة احتجّ بها أميرالمؤمنينعليه‌السلام ، فشهدوا له بتصديقها. والسند الذي ذكرناه من القوّة والوثاقة ممّا يقطع بصحّة المناشدة وإخبات القوم وتصديقهم لأميرالمؤمنين فيما احتجّ به ومنه ردّ الشمس. وذكرها ابن المغازليّ الشافعيّ المتوفّى سنة (٥٤٢ هـ) في كتابه (مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب: ١١٢ / ١٥٥)، والجوينيّ في كتابه (فرائد السمطين ١: ٣١٩ / ٢١٥)؛ والخوارزميّ الحنفيّ المتوفّى سنة (٥٦٨ هـ) في كتابه (المناقب: ٣١٣ / ٣١٤) بسنده عن زافر بن سليمان بن الحارث [ زافر بن سليمان، ثقه (تاريخ يحيى بن معين ٢: ٢٧٣ / ٤٧٥١، الجرح والتعديل للرازيّ ١: ٢ / ٦٢٥) ]، عن عامر ابن واثلة؛ وذكر من المناشدة (٢٤) فقرة.

وذكرها الگنجي الشافعيّ (المقتول سنة ٦٥٨ هـ) في كتابه (كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب: ٣٨٦) بسنده عن أبان بن تغلب [ أبان بن تغلب بن رياح القاري الربعيّ، أبو سعد الكوفيّ. مات سنة إحدى وأربعين ومائة. روى عن أبي إسحاق السبيعيّ والحَكَم، روى عنه شعبة بن الحجّاج، وحمّاد بن زيد (كتاب الثّقات لابن حبّان ٣: ٢١٥ / ٢٩٠). وفي (تاريخ أسماء الثقات لابن شاهين ٦٧ / ٧٥): قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: أبان بن تغلب ثقة، كان شعبة يحدّث عنه. قيل له: أبان، وإدريس الأوديّ؟ فقال: أبان أكبر.

ووثّقه أبو حاتم الرازيّ، حيث قال عن أحمد أنّه سُئل فقال: ثقة، وكذا ابن معين (الجرح والتعديل للرازيّ ١: ١ / ٢٩٦).

ذكره الطوسيّ في أصحاب عليّ بن الحسين، وفي أصحاب الباقر أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسينعليهم‌السلام (رجال الطوسيّ ٨٢، ١٠٦).

وذكره البرقيّ في أصحاب الباقر، وأصحاب الصادقعليهما‌السلام (رجال البرقيّ ٩، ١٦).

وترجم له النجاشيّ: أبان بن تغلب بن رباح، أبو سعيد البكريّ الجُريريّ، ثقة جليل القدر عظيم المنزلة في أصحابنا، لقي عليّ بن الحسين، وأبا جعفر - الباقر - وأبا عبد الله - الصادق -عليهم‌السلام ، روى عنهم، وكانت له عندهم منزلة وقَدَم. وذكره البلاذريّ قال: روى عن عطية العوفيّ [ عطيّة بن =

٢٠٠

أقوال العلماء في الحديث: الگنجيّ الشافعيّ:

نعتضد بالله ونقول: منكر ذلك إمّا أن يُنكره من حيث الإمكان، أو من حيث صحّة النقل من عدالة الرواة. أما القسم الأوّل، فإنّ المتكلّم فيه أحد رجلين: إمّا أن يُثبت الشرايع أو ينفيها. فأمّا نُفاتها، كالدّهريّة، والفلاسفة والمنجّمين، فلا كلام معهم. وأمّا مثبتوها، فلا يتمكّنون من ذلك؛ للحديث الذي خرّجه مسلم في صحيحه في حبس الشمس:

____________________

= سعد بن جنادة العوفيّ من جديلة قيس، يكنّى أبا الحسن. قال سعد بن محمد بن الحسن بن عطيّة قال: جاء سعد بن حنادة إلى عليّ بن أبي طالب وهو بالكوفة فقال: يا أمير المؤمنين، إنّه ولد لي غلام فسمّه. قال: هذا عطيّة الله، فسمّي عطيّة. وخرج عطيّة مع ابن الأشعث علي الحجّاج، فلمّا انهزم جيش الأشعث هرب عطيّة إلى فارس، فكتب الحجّاج إلى محمّد بن القاسم الثقفيّ أن ادع عطيّة، فإن لعن عليّ بن أبي طالب وإلا فاضربه أربعمائة سوط واحلق رأسه ولحيته. فدعاه فأقرأه كتاب الحجّاج، فأبى عطيّة أن يفعل فضربه أربعمائة سوط وحلق رأسه ولحيته. قدم الكوفة بعد ذلك وتوفّي بها سنة إحدي عشرة ومائة ]. وكان ثقة إن شاء الله (الطبقات الكبرى 6: 305 / 2375). وذكره الطوسيّ والبرقيّ في أصحاب الباقرعليه‌السلام (رجال الطوسيّ: 129، رجال البرقيّ: 14): قال له أبو جعفرعليه‌السلام : اجلس في مسجد المدينة وافت الناس؛ فإنّي أحبّ أن يرى في شيعتي مثلك. وقال أبو عبد اللهعليه‌السلام لمّا اتاه نعيه: والله لقد أوجع قلبي موت أبان. وذكره أبو زرعة الرازيّ في كتابه: ذكر من روى عن جعفر بن محمّد من التابعين ومن قاربهم، فقال: أبان بن تغلب روى عن أنس بن مالك، وروى عن الأعمش وعن محمّد بن المنكدر، وعن سماك بن حرب، وعن إبراهيم النّخعيّ... (رجال النجاشيّ 7 - 8، رجال ابن داود 10 - 11). وذكره ابن سعد في الطبقة الخامسة وقال: ثقة، روى عنه شعبة (الطبقات الكبرى: 3426 / 2594)، عن عامر بن واثلة، وذكر المناشدة.

٢٠١

عن أبي هريرة عن رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: «غزا نبيّ من الأنبياء حين صلاة العصر أو قريباً من ذلك فقال للشمس: أنت مأمورة وأنا مأمور، اللّهمّ احبِسْها عليّ شيئاً، فحبست عليه حتّى فتح الله عليه».

قلت - أي الگنجيّ - هذا حديث متّفق على صحّته، رواه البخاريّ في الغلول وأخرجه مسلم في الجهاد، كما سقناه.(1)

قال: ورواه أحمد بن حنبل في مسنده وقال: إنّ الشمس حبست ليوشع ابن نونعليه‌السلام . ورواه الطبرانيّ في معجمه، ولا يخلو إمّا أن يكون ذلك معجزةً لموسىعليه‌السلام ، أو ليوشععليه‌السلام ؛ فإن كان لموسى فنبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل، وعليّعليه‌السلام أقرب إليه من يوشع إلى موسى. وإن كان معجزةً ليوشععليه‌السلام ، فإن كان نبيّاً فعليّ مِثْلُه، وإن لم يكن نبيّاً فعليّ أفضل منه، إذ قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «علماء أمّتي كأنبياء بني إسرائيل»، وفي لفظ آخر: «أنبياءُ بني إسرائيل» وحذف الكاف لقوّة المشابهة.

والمعنى: أنّ أنبياء بني إسرائيل دعاةٌ إلى الله سبحانه، بالوعظ والزجر والتحذير والترغيب والترهيب، وعلماء أمّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله قائمون في هذا المقام، مُنخرطون في سلك هذا النظام، وعليّعليه‌السلام أولى بهذا النصّ؛ لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أقضاكم عليّ»(2) .

____________________

(1) صحيح البخاريّ 2: الحديث 119، وصحيح مسلم 2: 49، ومسند أحمد 2: 318، وكفاية الطالب: 382 / 1058.

(2) الطبقات الكبرى 2: 339، أنساب الأشراف 2: 97، المستدرك على الصحيحين 3: 135، فضائل الصحابة لأحمد 2: 58، المناقب للخوارزميّ 81، ذخائر العقبى 83.

٢٠٢

وأمّا القسم الثاني، وهو الإنكار من حيث عدالة من نقل ذلك وذكره في كتابه، فقد عدّه جماعة من العلماء في معجزاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومنهم: ابن سبع ذكره في «شفاء الصدور» وحكم بصحّته، ومنهم القاضي عياض ذكره في «الشفا بتعريف حقوق المصطفى 240» وحكى فيه عن الطّحاويّ أنّه ذكر ذلك في «مشكل الآثار 2: 8 و 4: 388». وكان أحمد بن صالح - شيخ البخاريّ - يقول: لا ينبغي لمن سبيله العلم التخلّف عن حديث أسماء - من رواة الحديث - بنت عميس في ردّ الشمس؛ لأنّه من علامات نبوّة نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقد شفى الصدور الإمام الحافظ أبو الفتح الموصليّ في جمع طرقه في كتابٍ مفرد، ورواه الحافظ أبو عبد الله الحاكم.(1)

سبط ابن الجوزيّ

يوسف بن فرغليّ بن عبد الله البغداديّ الحنفيّ، سبط أبي الفرج عبد الرحمان بن الجوزيّ؛ ردّ على جدّه لأمّه تكذيبه للحديث، قال: فإن قيل: فقد قال جدّك في «الموضوعات»: هذا حديث موضوع بلا شكّ، وروايته مضطربة؛ فإنّ في إسناده أحمد بن داود، وليس بشيء، وكذا فيه فضيل بن مرزوق وهو ضعيف، وجماعة منهم عبد الرحمان بن شريك ضعّفه أبو حاتم؛ وقال جدّك: أنا لا أتّهم به إلاّ ابن عقدة؛ فإنّه كان رافضيّاً. ولو سُلِّم فصلاة العصر صارت قضاءً بغيبوبة الشمس، فرجوع الشمس لا يفيد؛ لأنّها - أي الصلاة - لا تصير أداءً. قالوا: وفي

____________________

(1) كفاية الطالب: 387.

٢٠٣

الصحيح أنّ الشمس لم تُحبَس على أحدٍ إلاّ على يوشع بن نون.

والجواب: إنّ قول جدّي: «هذا حديث موضوع بلا شكّ» دعوى بلا دليل؛ لأنّ قدحه في رواته الجواب عنه ظاهر، لأنّا ما رويناه إلاّ عن العدول الثّقات الذين لا مغمز فيهم، وليس في إسناده أحدٌ ممّن ضعّفه. وكذا قول جدّي: «أنا لا أتّهم به إلاّ ابن عقدة» من باب الظنّ والشّكّ، لا من باب القطع واليقين، وابن عقدة مشهور بالعدالة، كان يروي فضائل أهل البيت ويقتصر عليها، ولا يتعرّض للصحابة بمدحٍ ولا ذمّ. فنسبوه إلى الرفض.

وقوله: صارت صلاة العصر قضاءً؛ قلنا: أرباب العقول السليمة والفِطَر الصحيحة لا يعتقدون أنّها غابت ثمّ عادت وإنّما وقفتْ عن سيرها المعتاد، ولو ردّت على الحقيقة لم يكن عجباً؛ لأنّ ذلك يكون معجزةً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكرامةً لعليّعليه‌السلام ، وقد حُبست بالإجماع ليوشع، ولا يخلو أن يكون ذلك معجزةً لموسى أو كرامةً ليوشع؛ فإن كان لموسى فنبيّنا أفضل منه، وإن كان ليوشع فعليّ أفضل منه. قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «علماء أمّتي كأنبياء بني إسرائيل». وهذا في حقّ الآحاد فما ظنّك بعليّ؟! والدليل عليه أيضاً ما ذكره أحمد في الفضائل: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «الصّدّيقون ثلاثة: حزقيل مؤمن آل فرعون، وحبيب النجّار وهو مؤمن آل ياسين، وعليّ بن أبي طالب وهو أفضلهم».(1) وحزقيل كان نبيّاً من بني إسرائيل مثل

____________________

(1) المناقب لأحمد 156 / 193، و 194 / 239؛ وأخرجه عنه المعتزليّ في شرح نهج البلاغة 2: 451، والمحبّ الطبريّ في ذخائر العقبى: 59، والمتّقيّ في منتخب العمّال 5: 31، والقندوزيّ في ينابيع المودّة 124. وأخرجه ابن عساكر بنفس اللّفظ عن ابن أبي ليلى: =

٢٠٤

يوشع؛ فدلّ على فضل عليّ على أنبياء بني إسرائيل. وفي وقوف الشمس يقول الصّاحب بن عبّاد كافي الكُفاة:

من كمولايَ عليٍّ

والوغى تحمي لظاها؟!

من يصيد الصِّيدَ فيها

بالظّبى حين انتضاها؟!

من له في كلِّ يوم

وَقَعاتٌ لا تُضاهى؟!

كم وكم حرب ضروس

سدَّ بالـمُرهَف فاها!

اذكروا أفعال بدر

لستُ أبغي ماسواها

اذكروا غزوة أُحْد

إنّه شمسُ ضُحاها

اذكروا حربَ حُنين

إنّه بدرُ دُجاها

اُذكروا الأحزاب قدْماَ

إنّه ليثُ شَراها

اذكروا مهجة عمرو

كيف أفناها شجاها

اذكروا أمر براءة

واصدقوني من تلاها؟

اذكروا من زوجُه الز

هراءُ قد طابَ ثراها

حالهُ حالةُ هارون

لموسى، فافهماها

أعلى حبّ عليٍّ لا

مَني القومُ سفاها؟!

أوّلُ الناس صلاةً

جعل التقوى حُلاها

ردّت الشمسُ عليه

بعدما غاب سَناها

____________________

= مختصر تاريخ دمشق 17: 378، وأخرجه الحسكانيّ الحنفيّ (ت 490 هـ) في شواهد التنزيل 2: 224، أخرجه بطرقٍ كثيرة. وأخرجه ابن المغازليّ بنفس السند وفيه: (... وخِرْبيل - براءٍ غير منقوطة)، وفي العرائس للثعلبيّ: 99، والسيرة الحلبيّة 1: 270: (سُبّاق الأمم ثلاثة، لم يكفروا بالله طرفة عين: حزقيل مؤمن آل فرعون، وحبيب النجّار صاحب ياسين، وعليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه، وهو أفضلهم). والعرائس: 107: (سبّاق الأمم...، وعليّ مؤمن آل محمّد، وهو أفضلهم).

٢٠٥

قال: وفي الباب حكاية عجيبة حدّثني بها جماعة من مشايخنا بالعراق، قالوا: شاهدنا أبا منصور المظفّر بن أردشير العباديّ الواعظ، وقد جلس بالتاجيّة مدرسة بباب أبرز، محلّة ببغداد، وكان بعد العصر، وذكر حديث ردّ الشمس لعليّعليه‌السلام ، وطرّزه بعبارته ونمّقه بألفاظه، ثمّ ذكر فضائل أهل البيتعليهم‌السلام ، فنشأت سحابة غطّت الشمس حتّى ظنّ الناس أنّها قد غابت، فقام أبو منصور على المنبر قائماً وأومى إلى الشمس وأنشد:

لا تَغْرُبي يا شمسُ حتّى ينتهي

مدحي لآل المصطفى ولنجله

واثني عَنَانَك إن أردتُ ثاءَهم

أنسيت إن كان الوقوف لأجله

إن كان للمولى وقوفُك فليكن

هذا الوقوف لخَيله ولرَجْله

قال: فانجاب السّحاب عن الشمس، وطلعت!(1)

الطّحاويّ: الحافظ أحمد بن محمّد الطّحاويّ الحنفيّ (توفّي سنة 321 هـ). أخرجه بلفظين، وقال: هذان الحديثان ثابتان، ورواتهما ثقات.(2)

قال: فقال قائل: كيف تقبلون هذا وأنتم تُرْوُون عن أبي هريرة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ما يدفعه، فعن أبي هريرة قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لم تَحْتَبس الشمس على أحدٍ إلاّ ليوشع». وأيضاً عنه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لم تُرَدّ الشمس منذ رُدّت على يوشع بن نون، لياليَ سار إلى بيت الـمَقْدِس».

فكان جوابنا - أي الطحاويّ - له في ذلك بتوفيق الله تعالى وعونه: إنّ هذا

____________________

(1) تذكرة الخواصّ: 53 - 56، وكفاية الطالب: 388، والشعر في ديوان الصاحب بن عبّاد: 114 - 119.

(2) مشكل الآثار للطحاويّ 2: 8 - 9، و 4: 388 - 389.

٢٠٦

الحديث قد اختلف علينا راوياه، فأمّا ما رواه لنا عليّ بن الحسين فهو أنّ الشمس لم تحتبس على أحد إلاّ على يوشع. فإنّ كان حقيقة الحديث كذلك، فليس فيه خلاف؛ لما في الحديثين الأوّلَين؛ لأنّ الذي فيه هو حبس الشمس عن الغيبوبة، والذي في الحديثين الأوّلين هو ردُّها بعد الغيبوبة. وأمّا ما رواه لنا يحيى بن زكريّا فهو على أنّها لم تُردّ مذ رُدّت على يوشع بن نون إلى الوقت الذي قال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هذا القول، فذلك غير دافع أن يكون: لم تُردّ إلى يومئذ، ثم رُدّت بعد هذا، وهو غير مستنكَر من أفعال الله عزّوجلّ... وكلّ هذه الأحاديث من علامات النبوّة. وقد حكى عليّ بن عبد الرحمان بن المـُغيرة،(1) عن أحمد بن صالح أنّه كان يقول: لا ينبغي لمن كان سبيله العلم التخلّفُ عن حفظ حديث أسماء الذي رُوِي لنا عنه؛ لأنّه من أجلّ علامات النبوّة. قال الطحاويّ: وهذا كما قال، وفيه لمن كان دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اللهَ عزّ وجلّ - أي لعليّعليه‌السلام - بما دعا به له حتّى يكون له ذلك المقدار الجليل والرّتبة الرفيعة؛ لأنّ ذلك كان من رسول الله ليصلّي صلاته تلك التي احتبس نفسه على رسول الله حتّى غربت الشمس في وقتها على غير فوتٍ منها إيّاه؛ وفي ذلك ما قد دلّ على التغليظ في فوات العصر. ومن ذلك ما روي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: «من فاتته صلاة العصر فكأنّما وتر

____________________

(1) عليّ بن عبد الرحمان بن محمّد بن المغيرة المخزوميّ مولاهم، المصريّ لقبه علاّن، وكان أصله من الكوفة، صدوق. (التقريب / الترجمة رقم 4765). قال في التحرير: بل ثقة، فقد روى عنه جمع من الثقات، منهم ابن أبي حاتم.

٢٠٧

أهله وماله»، فوقى الله عزّ وجلّ عليّاً ذلك؛ لطاعته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .(1)

وذكره القاضي أبو المحاسن يوسف بن موسى الحنفيّ من مختصر الباجيّ المالكيّ المتوفّى سنة 474 هـ.(2)

فعودة الشمس إنّما كانت إرادةً من الله تعالى وحكمته، واستجابةً لدعاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكرامةً لوليّ الله وصنو رسوله ونفسه وأخيهعليه‌السلام ، والعلّة: أن يؤدّي طاعة الله في الصلاة بعد أن كان في طاعة النبيّ، ويكونَ عبرة لغيره: فبقدر القرب من الله تعالى ومن طاعة رسوله، يُكرمَ المرء وتعلو رتبته.

نور الدين الحلبيّ الشافعيّ، ذكره في كتابه (السيرة الحلبية 1: 413)، قال: وأمّا عَوْد الشمس بعد غروبها، فقد وقع لهصلى‌الله‌عليه‌وآله في خيبر.

وذكر حديثَ أسماء وقال: قال بعضهم: لا ينبغي لمن سبيلهُ العلم أن يتخلّف عن حفظ هذا الحديث؛ لأنّه من أجَلّ أعلام النّبوّة وهو حديث متّصل.

الحافظ أبوبكر البيهقيّ (المتوفى سنة 458 هـ)، رواه في كتاب «دلائل النّبوّة».

شهاب الدّين الخفاجيّ الحنفيّ (المتوفى سنة 1069 هـ)، له ردّ مفحم على ابن الجوزيّ وابن تيميه، وقال: رواه الطبرانيّ بأسانيد مختلفة، رجال أكثرها ثقات. وقد اعترض عليه - أي على الحديث - بعض الشّرّاح، وقال: «إنّه موضوع، ورجاله مطعونٌ فيهم، كذّابون وضّاعون». ولم يَدْرِ أنّ الحقّ خلافُه،

____________________

(1) مشكل الآثار 2: 9 - 12.

(2) المعتصر من المختصر للقاضي أبي المحاسن 1: 9.

٢٠٨

والذي غرّه كلام ابن الجوزيّ، ولم يقف على أنّ كتابه أكثره مردود. وقد قال خاتمة الحفّاظ السيوطيّ وكذا السخاويّ: إنّ ابن الجوزيّ في موضوعاته تحامل تحاملاً كثيراً، حتّى أدرج فيه كثيراً من الأحاديث الصحيحة، كما أشار إليه ابن الصّلاح.

وهذا الحديث صحّحه المصنّفرحمه‌الله ، أشار إلى أنّ تعدّد طرقه شاهد صدقٍ على صحّته، وقد صحّحه قبله كثير من الأئمّة، كالطحاويّ، وأخرجه ابن شاهين وابن منده وابن مردويه، والطبرانيّ في معجمه وقال: إنّه حسن، وحكاه العراقيّ في «التقريب» فقال: وإنكار ابن الجوزيّ فائدةَ ردِّها - أي ردّ الشمس - مع القضاء، لا وجه له؛ فإنّها فاتته بعذرٍ مانعٍ من الأداء، وهو عدم تشويشه على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله . وهذه فضيلةٌ أيُّ فضيلة! فلمّا عادت الشمس حاز فضيلة الأداء أيضاً. وقد صنّف السيوطيّ (شافعيّ ت 911 هـ) في هذا الحديث رسالةً مستقلّةً سمّاها «كشف اللّبس عن حديث ردّ الشمس». وسبق بمثله أبو الحسن الفضليّ، أورد طرقه بأسانيد كثيرة، وصحّحه بما لا مزيد عليه، ونازع ابنَ الجوزيّ في بعض مَن طعن فيه من رجاله.

وفي قول الطحاويّ «لأنّه من علامات النبوّة» قال: وهذا مؤيّد لصحّته؛ فإنّ أحمد - أي أحمد بن صالح المصريّ - هذا من كبار أئمّة الحديث الثّقات. ويكفي في توثيقه أنّ البخاريّ روى عنه في صحيحه، فلا يُلتفت إلى من ضعّفه

٢٠٩

وطعن في روايته(1) .

ابن حجر الهيتميّ المكّيّ الشافعيّ (المتوفى سنة 974 هـ)، ذكره في الصواعق المحرقة: 76 وقال: وحديث ردّها صحّحه الطحاويّ والقاضي - عياض - في «الشفاء»، وحسّنه شيخ الإسلام أبو زرعة، وتبعه غيره، وردّوا على جمعٍ قالوا أنّه موضوع. وزعم فوات الوقت بغروبها فلا فائدة لردّها في محلّ المنع، بل نقول: كما إنّ ردّها خصوصيّة، كذلك إدراك العصر الآن - أي بعد الشمس - أداءً خصوصيّة وكرامة. ثمّ ذكر قصّة الواعظ أبي المنصور العباديّ.

وفي شرح همزيّة البوصيريّ، في حديث شقّ القمر قال: ويناسب هذه المعجزة ردّ الشمس لهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد ما غابت حقيقةً، لما نامصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فردّت ليصلّي عليٌّ العصر أداءً، كرامةً لهصلى‌الله‌عليه‌وآله . هذا الحديث اختلف في صحّته جماعة، بل جزم بعضهم بوضعه، وصحّحه آخرون، وهو الحقّ.

العَينيّ الحنفيذ (المتوفّى سنة 855 هـ)، في كتابه عمدة القاري شرح صحيح البخاري 7: 146، قال: وقد وقع ذلك للإمام عليّرضي‌الله‌عنه ، أخرجه الحاكم عن أسماء بنت عميس، وذكره الطحاويّ في مشكل الآثار. قال: وهو حديث متّصل، رواته ثقات. وإعلالُ ابن الجوزيّ هذا الحديث لا يلتفت إليه!

الحافظ ابن عساكر الشافعيّ (المتوفّى سنة 573 هـ)، ذكره في تاريخه مختصر تاريخ دمشق 17: 378 من حديث أسماء بنت عميس.

أبو إسحاق الثعلبيّ (ت 427 هـ) ذكره في كتابه العرائس - أو: قصص

____________________

(1) شرح الشفا بتعريف حقوق المصطفى: 11 - 15.

٢١٠

الأنبياء: 139.

محبّ الدّين الطبريّ الشافعيّ (ت 694 هـ) في كتابه الرياض النضرة 2: 179.

القاضي عياض اليحصبيّ (المتوفّى سنة 544 هـ) في كتابه: الشفا بتعريف حقوق المصطفى: 240 بسندَيه اللذين في مشكل الآثار.

الذهبيّ محمد بن أحمد بن عثمان الحنبلي (المتوفّى سنة 748 هـ)، في ميزان الاعتدال 2: 244.

الدّولابيّ محمد بن أحمد (المتوفّى سنة 310 هـ) في كتابه الذرّيّة الطّاهرة: 244 - 310.

نور الدّين السّمهوديّ الشافعيّ (المتوفّى سنة 911 هـ) في وفاء الوفا 2: 33 روى الحديث من طريق القاضي عياض، بعين ما في مشكل الآثار.

و للحسكاني عبيد الله بن عبد الله الحنفيّ (المتوفّى سنة 490 هـ) رسالة مسألة في تصحيح ردّ الشَّمس وترغيم النّواصب الشَّمس.

الموفّق بن أحمد المكّيّ الخوارزميّ الحنفيّ المعروف بأخطب خوارزم (المتوفّى سنة 568 هـ) في كتابه المناقب: 306 / الحديث 301 و 302 من طريقين عن أسماء بنت عميس. كما أفرد له كتاباً باسم: ردّ الشّمس لأميرالمؤمنين.

الحافظ جلال الدين السيوطيّ الشافعيّ (المتوفّى سنة 911 هـ) ذكره في كتابه: الخصائص الكبرى 2: 137 رباب ردّ الشّمس بعد غروبها لعليّرضي‌الله‌عنه من حديث أسماء من عن: ابن منده وابن شاهين والطبرانيّ، وقال: صحيح. وعن ابن

٢١١

مردويه، عن أبي هريرة، وبسندٍ عن جابر، وقال: قال الطبرانيّ حسَن.

و للسيوطيّ كشف اللّبس عن حديث ردّ الشمس توسّع فيه بالكلام عن الحديث. وفي الجزء الأوّل من كتابه اللآلئ المصنوعة، ذكره بُطرقه المتعدّدة، وحكم بصحّتها متناً وسنداً، وأنّ الحديث من أعلام النبوة والكرامة لأميرالمؤمنينعليه‌السلام . ذكره في ص 336 عن فضيل بن مرزوق، عن إبراهيم بن الحسن بن الحسن، عن فاطمة بنت الحسن، عن أسماء بنت عميس ونفس المصدر: عن فاطمة بنت عليّ بن أبي طالب، عن أسماء. وأيضاً نفس المصدر عن أبي هريرة. وفي ص 337 عن الحسين بن عليّعليهما‌السلام . وفي ص 340 عن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام . وفي ص 341 عن أبي ذرّ في حديث الشّورى.

وقفة تأمّل في المصادر والرّواة

ليس في مصدر من المصادر التي أوردناها لمن هو رافضيّ! وإنّما أصحابها بين مالكيّ وحنفيّ وشافعيّ؛ مع وثاقة وصدق وعلوّ سند الحديث فتبيّن الحقّ بذلك« فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقّ إِلّا الضّلاَلُ فَأَنّى‏ تُصْرَفُونَ » (1) .

لفظ الحديث

حديث أسماء بنت عميس: أحمد بن صالح المصريّ، بسنده عن أمّ جعفر،

____________________

(1) يونس: 32.

٢١٢

عن أسماء بنت عميس(1) أنّ النبيّ صلّي الظهر بالصَهباء، ثمّ أرسل عليّاً في حاجة، فرجع وقد صلّى النبيّ العصر، فوضع النبيّ رأسه في حجر عليّ فلم يحرّكه حتّى غابت الشمس، فقال النبيّ: اللّهمّ إنّ عبدك عليّاً احتبس بنفسه على نبيّك، فردّ عليها شرقها. قالت أسماء: فطلعت الشّمس حتّى وقعت على الجبال وعلى الأرض ثمّ قام فتوضّأ وصلّى العصر، ثم غابت، وذلك في الصهباء.(2)

وأيضاً أبو جعفر الطّحاويّ، عن أسماء قالت: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوحى إليه ورأسه في حجر عليّ، فلم يصلّ العصر حتّى غربت الشمس، فقال له رسول الله: صلّيتَ يا عليّ؟ فقال: لا، فقال النبيّ: اللّهمّ إنّه كان في طاعتك وطاعة رسولك، فاردُد عليه الشمس. قالت أسماء: فرأيتها قد غربت، ثمّ رأيتها قد طلعت

____________________

(1) أسماء بنت عميس بن معد الخَثْعميّة، أسلمت قديماً، قبل دخول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دار الأرقم بمكّة، وبايعت وهاجرت إلى أرض الحبشة مع زوجها: جعفر بن أبي طالب، فولدت له هناك عبد الله ومحمّداً وعوناً، ثمّ قُتل عنها جعفر بمؤتة شهيداً في جمادى الأولى سنة ثمان للهجرة.

وأسماء أخت ميمونة بنت الحارث زوج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأخت لبابة أمّ الفضل زوجة العبّاس بن عبد المطّلب. ولمّا قدمت أسماء من أرض الحبشة قال لها عمر: يا حبشيّة! سبقناكم بالهجرة. فقالت: أي لَعمْري لقد صدقتَ، كنتم مع رسولَ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يطعم جائعكم ويعلّم جاهلكم وكنّا البعداء الطّرداء، أما والله لآتين رسول الله، فلأذكرنّ ذلك له. فأنت أسماء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبرته؛ فقال: «كذِب مَن يقول ذلك، لكم هجرتان: هاجرتَم إلى النجاشيّ، وهاجرتم إليّ». والقاسم بن محمّد، وعروة بن الزبير، وعبد الله بن شدّاد بن الهاد وهو ابن أختها، وابن المسيّب، وغيرهم (الطبقات الكبرى 8: 219 / 4229، أسد الغابة 7: 14 / 6706، حلية الأولياء 2: 74، الاستيعاب 4: 236).

(2) مشكل الأثار للطحاويّ 4: 388.

٢١٣

بعد ما غربت.(1)

رواه ابن عساكر بنفس اللّفظ في مختصر تاريخ دمشق 17: 378 / الحديث 807، وابن المغازليّ في مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب: 96 / الحديث 140، والقاضي عياض في الشفا بتعريف حقوق المصطفى: 240، والگنجيّ الشافعي في كفاية الطالب: 388، والعينيّ في عمدة القاري شرح البخاري 7: 146، والمحبّ الطبريّ في الرياض النّضرة 2: 179.

الحسين بن عليّعليه‌السلام

عن فاطمة بنت حسين، عن الحسين قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حجر عليّ، وكان يوحى إليه، فلمّا سرى عنه قال: يا عليّ، صلّيتَ العصر؟ قال: لا. قال: اللّهمّ إنّك تعلم أنّه كان في حاجتك وحاجة رسولك، فُرّد عليه الشمس. فردّها عليه، فصلّى وغابت الشمس.(2)

أبو هريرة: أخرج ابن مردويه، عن أبي هريرة قال: نام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ورأسه في حِجْر عليّ، ولم يكن صلّى العصر حتّى غربت الشمس. فلمّا قام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله دعا له، فُردّت عليه الشمس حتّى صلّى، ثمّ غابت ثانية.(3)

ورواه السخاويّ في (المقاصد الحسنة: 226). قال السيوطيّ: وذكره

____________________

(1) نفسه 2: 8 و 4: 388، والخصائص الكبرى للسيوطيّ 2: 137، وتذكرة الخواصّ لسبط ابن الجوزيّ: 53.

(2) الذّرّيّة الطاهرة للدولابيّ (ت 310 هـ): 129 / الحديث 156. ينابيع المودّة: 138.

(3) الخصائص الكبرى للسيوطيّ 2: 137.

٢١٤

الحسكانيّ في رسالة ردّ الشمس / الحديث 9.

حديث جابر: وممّن ذكره الحديث: الصحابيّ الجليل جابر بن عبد الله الأنصاريّ؛ ففي الخصائص الكبرى 2: 137، قال: وأخرج الطبرانيّ بسندٍ حسَن عن جابر: أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر الشمس فتأخّرت ساعةً من نهار. وذكره الهيتميّ في مجمع الزوائد 8: 296، قال: رواه الطبرانيّ في الأوسط وإسناده حسَن.

حديث أبي رافع: واسمه أسلم، وكان عبداً للعبّاس بن عبد المطّلب فوهبه للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا بشّر رسول الله بإسلام العبّاس أعتقه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . شهد أحداً والخندق والمشاهد كلّها مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وزوّجه رسول الله سَلمى مولاته، وشهدت معه خيبر، وولدت لأبي رافع عبيد الله بن أبي رافع وكان كاتباً لعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

مات أبو رافع بالمدينة بعد قتل عثمان بن عفّان، وله عقب.(1)

بسندٍ عن أبي رافع قال: رقَد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على فخذ عليّ وحضرت صلاة العصر، ولم يكن عليّ صلّى، وكره أن يوقظ النبيّ حتّى غابت الشمس، فلمّا استيقظ قال: ما صلّيت أبا الحسن؟ قال: لا يا رسول الله. فدعا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فرُدّت الشمس على عليّ كما غابت، حتّى رجعت لصلاة العصر في الوقت، فقام عليّ فصلّى العصر، فلمّا قضى صلاة العصر غابت الشمس، فإذا النجوم مشتبكة!

أخرجه ابن المغازليّ الشافعيّ في: مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب: 98 /

____________________

(1) الطبقات الكبرى 4: 54 / 358.

٢١٥

الحديث 141.

ابن عبّاس: محمّد بن سلمة(1) ، عن خُصَيف(2) ، عن مجاهد، قال: قيل لابن عبّاس: ما تقول في عليّ بن أبي طالب؟ فقال: ذكرت واللهِ أحدَ الثّقلين! سبق بالشهادتين، وصلّى القبلتين، وبايع البيعتين، وأُعطي السِّبطين الحسن والحسين، ورُدّت عليه الشمس مرّتين بعدما غابت عن الثّقلين، وجرّد السّيف تارتين، وهو صاحب الكَرّتَين، فمَثَلُه في الأمّة مَثَل ذي القَرنَين؛ ذلك مولاي عليّ بن أبي طالب.(3)

إذن: إنّ ما أكبره ابن تيميه وأنكره من ردّ الشمس لأمير المؤمنين عليّعليه‌السلام بدعاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لم يقع مرّة واحدة، ولكن وقع مرّتين كما قاله ابن عبّاس. ولم يكن راويه امرأةً كما قال ابن تيميه! ويعني بذلك: جُوَيرية ابن مُسهر العبديّ؛ وقد مضت ترجمته ووقفنا على حُسن حاله كما لم يكن مصدرنا لرافضيّ - كذا - وإنّما هو لأحد أعلام الحنفيّة.

____________________

(1) محمّد بن سَلَمه بن كُهيل الحضرميّ - مضت ترجمة أبيه - روى عنه سفيان بن عُيَينة. وروى محمّد بن سلمة عن أبيه (الطبقات الكبرى 6: 356 / 2662، رجال الطوسيّ: 289، وذكره في أصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام وقال: أسند عنه).

(2) خُصَيف بن عبد الرحمان، ويكنّى أبا عون من أهل حرّان، مولى لعثمان وكان ثقة، مات سنة سبع وثلاثين ومائة (الطبقات الكبرى 7: 334 / 3960، وقال العجليّ: ثقة: 143 / 381. وكذلك ابن معين 2: 327 / 5097 والدولابيّ في الكنى والأسماء 2: 148).

(3) المناقب للخوارزميّ: 330 / الحديث 349. وفي جواب ابن عبّاس مفردات من مناقب عليّعليه‌السلام أنكرها ابن تيميه حسب منهجه، مثل: حديث الثقلين، وسابقة عليّ، نعرض لها في محلّها.

٢١٦

وقد ذكر الخبر الشريف الرضيّ المتوفّى سنة 406 هـ في كتابه: خصائص أميرالمؤمنينعليه‌السلام : 24 - 25؛ ذكر عن: جويرة بن مسهر قال: قطعنا مع أميرالمؤمنين جسر الصراة في وقت صلاة العصر، فقال: إنّ هذه أرضٌ معذّبة لا ينبغي لنبيّ ولا وصيّ أن يصلّي فيها، فمن أراد منكم أن يصلّي فليصلّ.

قال: فتفرّق الناس يَمنةً ويَسرةً، وقلتُ أنا: لأقلّدنّ هذا الرجل ديني ولا أصلّي حتّى يصلّي. قال: فسرنا، وجعلت الشمس تنتقل، وجعل يَدْخُلني من ذلك أمرٌ عظيم، حتّى وجبت الشمس وقطعت الأرض، قال: فقال: يا جويرةُ أذّن، فقلت: تقول لي أذّن وقد غابت الشمس؟! قال: فأذّنت. ثمّ قال لي: أقم، فأقمت. فلمّا قلت: قد قامت الصلاة، رأيت شَفَتَيه تتحرّكان، وسمعت كلاماً كأنّه كلام العِبْرانيّة. قال: فرجعت الشمس حتّى صارت في مثل وقتها في العصر، فصلّى، فلمّا انصرف هَوَت إلى مكانها واشتبكت النّجوم. قال: فقلت أنا: أشهد أنّك وصيُّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا جويرة، أما سمعتَ الله يقول:« فَسَبّحْ بِاسْمِ رَبّكَ الْعَظِيمِ) (1) فقلت: بلى، فقال: إنّي سألت ربّي باسمه العظيم، فردّها عَلَيّ.

وذكر الخبر الفضل بن شاذان بن جبرائيل المتوفّى سنة 660 هـ في كتابه الفضائل: 88 - 69، مع اختلاف في بعض الألفاظ، ثمّ قال: ورُدّت لهعليه‌السلام في حياة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بمكّة، وقد كان النبيّ قد غشيه الوحي، فوضع رأسه في حِجْر أميرالمؤمنين، وحضر وقت العصر فلم يبرح من مكانه وموضعه حتّى غربت

____________________

(1) الواقعة: 96.

٢١٧

الشمس، فاستيقظ النبيّ وقال: (اللّهمّ إنّ عليّاً كان في طاعتك، فُردَّ عليه الشمس ليصلّي العصر)، فردّها الله عليه بيضاء نقيّة، حتّى صلّى ثمّ غابت وقال السيّد الحميريّ (1) في ذلك قصيدته المعروفة بالمذهّبة ومنها:

____________________

(1) ترجم له أبو الفرج الأصبهانيّ عليّ بن الحسين المتوفّى سنة 365 هـ في كتابه الأغاني 7: 229 قال: السيّد الحِمْيَريّ: إسماعيل بن محمّد بن يزيد بن ربيعة بن مُفرّغ الحِمْيَريّ، يكنّى أبا هاشم، توفّي سنة 179 هـ له أشعار في فضائل أهل البيتعليهم‌السلام ؛ فمن قصيدة له:

إنّ يوم التطهير يومٌ عظيمٌ

خُصّ بالفضل فيه أهل الكساء

(الأغاني: 239)، إشارةً منه إلى حديث الكساء ونزول آية التطهير في النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام .

قال: تلاحى رجلان من بني عبد الله بن دارم في المفاضلة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فرضيا بحكم أوّل من يطلع، فطلع السيّد، فقاما إليه وهما لا يعرفانه، فقال له مفضّل عليّ بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه : إنّي وهذا اختلفنا في خير الناس بعد رسول الله، فقلت: عليّ بن أبي طالب. فقطع السيّد كلامة ثمّ قال: وأيّ شيء قال هذا الآخر ابن الزانية! فضحك من حضر، وجَم الرجل ولم يِحُر جواباً (الأغانيّ 7: 241).

ومن قصيدة له جاء فيها:

أُقسم باللهِ وآلائهِ

والمرء عمّا قال مسؤولُ

إن عليّ بن أبي طالبٍ

على التّقى والبرّ مجبول

(الأغاني 7: 247).

وقال ابن سليمان بن عليّ - بن عبد الله بن العبّاس - يعرّض بالسيّد: أشعر الناس والله الذي يقول:

محمّدٌ خيرُ من يمشي على قدمٍ

وصاحباه وعثمانُ بن عفّانا

فوثب السيّد وقال: أشعرُ والله منه الذي يقول: =

٢١٨

رُدّت عليه الشّمسُ لما فاتَهُ

وقتُ الصلاة وقد دنت للمغرب

حتّى تبلّجَ نورُها في وقتها

للعصر، ثم هَوتْ هُويَّ الكوكب

وعليه قد حُبست ببابل مرّة

أُخرى، وما حُبست لخلق معرب

إلاّ ليوشع أو له، ولجِسِها

ولردّها تأويلُ أمرٍ مُعجْبِ

عود الشمس بعد مغيبها - لنبيّ الله سليمانعليه‌السلام -

جرى الحديث مع ابن تيميه وفق دعواه في تكذيب حديث ردّ الشمس لأميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام بدعاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فطعن في رواته، مع جلالتهم ووثاقتهم وتقدّمهم على ما ظهر لنا فيما تقدّم، فسقط بذلك أقوى ركني دعواه.

وتمسّك مضطرّاً بحديث ردّ الشمس ليوشع النبيّعليه‌السلام ، لكنّه قال: لم تردّ له الشمس، ولكن تأخّر غروبها، طُوِّل له النهار، فأغمض عمّا أخرجه العلماء من ردّ الشمس على يوشع لياليَ سار إلى بيت المقدس، وأيضاً عود الشمس لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بعد غروبها، في خيبر. وقد ذكرنا ذلك فيما مضى، وحان الآن أن نتكلّم عن ردّ الشمس في موضع آخر، فقد ردّت على نبيّ الله سليمان ابن داودعليهما‌السلام ، وصرح القرآن بذلك ممّا يعني أنّ ردّ الشمس بعد غروبها جرى أكثر من مرّة،

____________________

=

سائلْ قريشاً إذا ما كنت ذا عمهٍ

من كان أثبتَها في الدِّين أوتادا

من كان أعلمها علماً، وأحلمَها

حلماً، وأصدقَها قولاً وميعادا

إن يصدقوك فلن يعدوا أبا حسنٍ

إن أنت لم تلق للأبرار حُسّادا

(الأغانيّ 7: 266).

وأشعاره كثيرة تنمّ عن ولائه لأهل البيتعليهم‌السلام ، وهذا الذي أثار حفيظة ابن تيميه بشأنه.

٢١٩

زيادةً في إعجاز أنبيائه وكرامةً لأوليائه. ثمّ إنّ بين يوشع بن نون. وسليمانعليهما‌السلام ، فاصلة زمنيّة ليست بالقليلة، فمن بعد يوشع كان إسماعيل، ومن بعده استخلف الله تعالى داودعليه‌السلام ، فخلف سليمان أباه داودعليهما‌السلام .

القصّة في القرآن

« وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنّهُ أَوّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيّ الصّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنّي أَحْبَبْتُ حُبّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبّي حَتّى‏ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدّوهَا عَلَيّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسّوقِ وَالْأَعْنَاقِ » (1) .

قال مقاتل:« إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيّ الصّافِنَاتُ الْجِيَادُ) يعنيّ بالصفن إذا رفعت الدّابّةُ إحدى يديها فتقوم على ثلاث ثوائم، (الجياد) يعني السِّراع؛ وذلك أنّ سليمان صلّى الأولى، ثمّ جلس على كرسيه لتعرض عليه الخيل، فغابت الشمس ولم يصلُّ العصر. فذلك قوله، « فَقَالَ إِنّي أَحْبَبْتُ حُبّ الْخَيْرِ » يعني المال، وهو الخيل الذي عُرض عليه عَنْ (ذِكْرِ رَبّي يعني صلاة العصر حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ). يعني غربت الشمس.

ثمّ قال: (رُدُّوهَا عَلَيَّ يعني كرّوها عليّ، فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالأعْنَاقِ) يقول: فجعل يمسح بالسيف سُوقَها وأعناقها.(2)

وبسنده أخرج عبد الرزّاق قال: أنبأنا معمر، عن الحسن وقتادة والكلبي،

____________________

(1) سورة ص 30 - 33.

(2) تفسير مقاتل بن سليمان الأزديّ (ت 150 هـ) 3: 118، وأيضاً تفسير مقاتل 3: 8،(عَشِيًّا) الروم: 18 - قال: صلاة العصر.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492