ابن تيميه الجزء ٢

ابن تيميه12%

ابن تيميه مؤلف:
المحقق: جعفر البياتي
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 492

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 492 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 169476 / تحميل: 5920
الحجم الحجم الحجم
ابن تيميه

ابن تيميه الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

المقالة هم جمهور النصارى من الملكانية واليعقوبية، والنسطورية والمقصود أنّه أحد الثلاثة: الأب والإبن وروح القدس أي أنّه ينطبق على كل واحد من الثلاثة وهذا لازم قولهم: إنّ الأب إله، والإبن إله، والروح إله، وهو ثلاثة وهو واحد، ويمثّلون لذلك بقولهم: إنّ زيد بن عمرو إنسان فهناك اُمور ثلاثة هي زيد، وابن عمرو والإنسان، وهناك أمر واحد وهو المنعوت بهذه النعوت.

ويلاحط عليه: أنّ هذه الكثرة إن كانت حقيقية غير اعتبارية أوجبت الكثرة في المنعوت حقيقة، وإنّ المنعوت إن كان واحداً حقيقة أوجب ذلك أن تكون الكثرة إعتباريّة غير حقيقيّة، فالجمع بين هذه الكثرة العددية والوحدة العددية كما في المثال بحسب الحقيقة ممّا يستنكف العقل عن تعقله.

ولأجل ذلك التجأ دعاة النصارى في الآونة الأخيرة إلى القول بأنّ مسألة التثليث من المسائل المأثورة من مذاهب الأسلاف وهي لا تخضع للموازين العلميّة(١) .

وقد ردّ الذكر الحكيم على ذلك بقوله:( وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إلّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ) ببيان أنّ الله سبحانه لا يقبل بذاته المتعالية، الكثرة بوجه من الوجوه، فهو تعالى ذاته واحد وإذا اتّصف بصفاته الكريمة وأسمائه الحسنى لم يزد ذلك على ذاته الواحدة شيئاً، ولا الصفة إذا اُضيفت إليها أورثت كثرة وتعدّداً، فهو تعالى أحديّ الذات لا ينقسم لا في خارج ولا في وهم ولا في عقل.

ويستفاد من قوله:( وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) بحكم الإتيان بلفظ ( منهم ) المشعرة بالتبعيض ـ، أنّ هناك طائفة لا يعتقدون بالتثليث ولا يقولون في المسيح إلّا إنّه عبد الله ورسوله كما عليه مسيحيّة الحبشة بعضهم أو جلّهم.

__________________

(١) الميزان: ج ٤ ص ٧٠.

٢٤١

مشكلة الجمع بين التوحيد والتثليث:

إنّ المسيحيّين يعتبرون أنفسهم موّحدين وإنّهم من المقتفين أثر التوحيد الذي جاءت به جميع الشرائع السماوية، ومن جانب آخر يعتقدون بالتثليث اعتقاداً جازماً، وهذان لا يجتمعان إلّا أن يكون أحد الوصفين حقيقيّاً والآخر مجازيّاً ولكنّهم ياللأسف يقولون بكونهما معاً حقيقيين، ولأجل ذلك أصبحت عندهم: ١ = ٣ وهو محال ببداهة العقل.

والقرآن الكريم ينسب التثليث إلى أقوام آخرين كانوا قبل المسيح والمسيحيّة وهؤلاء إنّما اتّبعوا اُولئك، ولعلّ الثالوث الهندي هو الأصل حيث يعتقدون بأنّ الإله الواحد له مظاهر ثلاثة: « برهما »: « الموجد »، و « فيشفو »: « الحافظ »، و « سيفا »: « المميت » فقد دان بتلك العقيدة المسيحيّون بعد رفع المسيح آماداً متطاولة، ولـمـّا جاء المتأخّرون منهم ورأوا أنّ الوحدة الحقيقية لا تخضع للكثرة كذلك حاولوا أن يصحّحوه بوجهين:

الأوّل: تفكيك المسائل الدينية عن المسائل العلميّة وأنّ الدين فوق العلم وأن مسألة ١ = ٣ وإن كانت باطلة حسب القوانين الرياضية المسلّمة ولكن الدين قبلها ونحن نعتقد بها. ولكنّه عذر أقبح من ذنب فكيف نعتنق ديناً يتصادم مع أوضح الواضحات وأبده البديهيّات.

الثاني: إنّ المعادلة الرياضية السابقة ليست باطلة وذلك لوجود نظائرها في الخارج، فإنّ الشمس بها جرم ولها نور ولها حرارة ومع ذلك فهي شيء واحد.

وهذا الإستدلال يكشف عن جهل مطبق بحقيقة الوحدة المعتبرة في حقه سبحانه فإنّ المقصود منها في حقّه هو الوحدة الحقيقية التي لا كثرة فيها لا خارجاً ولا ذهناً ولا وهماً وأين هو من وحدة الشمس التي هي وحدة إعتبارية لا حقيقية حيث تتركّب من جرم ونور وحرارة وكل منها ينقسم إلى انقسامات.

وعلى كلّ تقدير فماذا يريدون من قولهم ( إنّه إِله واحد ) وفي الوقت نفسه

٢٤٢

ثلاثة، فهل يريدون أنّ هناك أفراداً متميّزة ومتشخّصة من الإله الصادق هو عليهم صدق الكلي على الأفراد ؟

أو يريدون أنّ هناك فرداً واحداً ذا أجزاء وليس لكل واحد منها إستقلال ولا تشخّص وإنّما يتشكّل الإله من تلك الأجزاء ؟

فالفرض الأوّل يستلزم تعدّد الإله تعدّداً حقيقيّاً وهو لا يجتمع مع التوحيد بحال من الحالات.

والفرض الثاني لا يخلو إمّا أن يكون كل واحد من هذه الأجزاء واجبة الوجود أو ممكنة، فعلى الأوّل يلزم منه كثرة الإله ( واجب الوجود ) وهم يدّعون الفرار منه.

وعلى الثاني يلزم أن يكون واجب الوجود محتاجاً في تحقّقه وتشخّصه إلى أجزاء ممكنة وهو كما ترى.

ولأجل ذلك نرى أنّ الذكر الحكيم ينادي ببطلان التثليث بأيّ نحو يمكن أنّ يتصوّر بقوله:( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إلّا الحَقَّ إِنَّمَا المَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَىٰ بِاللهِ وَكِيلاً ) ( النساء / ١٧١ ).

إنّ الآية تركّز على أنّ نسبة الإلوهيّة إلى المسيح من آثار الغلوّ في حقّه فلو تنزّه القوم عن هذا التمادي الفكريّ المفرط لوقفوا على سمة المثالية فيه ونفوا عنه مقام الإلوهية.

والآية تصف المسيح بالصّفات الخمس:

١ ـ عيسى بن مريم ٢ ـ رسول الله ٣ ـ كلمته ٤ ـ ألقاها إلى مريم ٥ ـ روح منه. إنّ بعض هذه الصفات المسلّمة في حق المسيح تشهد بعبوديّته وتنفي الوهيّته وإليك مزيد من التوضيح حولها:

٢٤٣

١ ـ عيسى بن مريم: وقد ورد في الذكر الحكيم ذكره عشر مرّات وبنوّته لمريم التي لا تنفك عن كونه جنيناً رضيعاً في المهد صبيّاً يافعاً و لدليل واضح على بشريّته.

٢ ـ رسول الله: ومعناه مبعوثه ومرسله وليس نفسه.

٣ ـ كلمة الله: وقد أطلق القرآن لفظ الكلمة على المسيح كما أطلقه على جميع الموجودات الإمكانية وقال:( قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي ) ( الكهف / ١٠٩ ).

وأمّا إطلاق الكلمة على الموجودات الإمكانية لأجل وجود التشابه بين الكلمة والموجود الإمكاني فإنّ الكلمة تكشف عمّا يقوم في ذهن المتكلّم من المعاني فهكذا الموجودات الإمكانية عامّة، وخلقة المسيح على وجه الإعجاز خاصّة تكشف هي الاُخرى عن علم وقدرة وسيعين وكمال لا متناه يكمن في ذاته سبحانه ولأجل ذلك يعد القرآن المسيح وجميع العوالم الإمكانية كلمات الله سبحانه.

٤ ـ ألقاها إلى مريم: إنّ الإلقاء إلى رحم الاُم آية كونه مخلوقاً وقد ذكر تفصيله في سورة مريم، الآية ١٦ إلى ٣٦ واختتمها بقوله:( ذَٰلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ) ( مريم / ٣٤ ).

٥ ـ وروح منه: إنّ هذا التعبير ربّما وقع دليلاً على تطرّف فكرة الاُلوهيّة في حق المسيح وهم يتخيّلون أنّ ( منه ) تبعيضية ولكنّها إبتدائية مثل قوله سبحانه:( وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ) ( الجاثية / ١٣ ) والمعنى أنّ السموات وما في الأرض جميعاً ناشئ منه وحاصل من عنده، ومبتدأ منه، فذوات الأشياء تبتدئ منه بإيجاده لها من غير مثال سابق وكذلك خواصّها وآثارها. قال تعالى:( اللهُ يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ) ( الروم / ١١ ).

أضف إلى ذلك أنّ ذلك التعبير لا يفوق في حقّ آدم حيث قال:( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ) ( الحجر / ٢٩ ).

٢٤٤

فقد وصف آدمعليه‌السلام بلفظة « من روحي » ولم يقل أحد بأنّه جزء من الإله.

ثمّ إنّه سبحانه ختم تلك الصفات بقوله:( فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ ) .

سمات العبودية في المسيح:

إنّ الذكر الحكيم يستدل على عبوديته بوجوه ثلاثة:

١ ـ كيفيّة خلق المسيح واُمّه.

٢ ـ طبيعة عيشهما في المجتمع.

٣ ـ تصريح المسيح بعبوديّته.

هذه هي الوجوه التي يستدلّ بها القرآن الكريم على عبوديّته، أمّا الأوّل فقد بسط الذكر الحكيم في تناولها في سورة مريم كما مرّ وهذه الآيات تلقي الضوء على كيفيّة خلقه إلى أن توّج بالرسالة، فيقول سبحانه:

( فَأَجَاءَهَا المَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا ) إلى أن يقول:( ذَٰلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ) .

ولو تمّسك الخصم على عدم بشريته بأنّه ولد من غير أب فهو محجوج بخلقة آدم فقد خلق من غير اُمٍّ ووالد، قال سبحانه:( إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) ( آل عمران / ٥٩ ).

وأمّا الثاني فيلمح إليه ما ورد بأنّ المسيح واُمّه كانا يعيشان شأنهما كشأن سائر بني آدم ولا يحيدان عنها قيد شعرة، قال سبحانه:( مَّا المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ

٢٤٥

الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ) ( المائدة / ٧٥ ) فمن الممتنع أن يكون آكل الطعام إله العالمين.

وأمّا الثالث فيشير إليه قوله سبحانه:( لَّن يَسْتَنكِفَ المَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا للهِ وَلا المَلائِكَةُ المُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا ) ( النساء / ١٧٢ ).

وليس بوسع إنسان أن ينكر عبادة المسيح وهي آية وجود المعبود له وهناك كلمة قيّمة للإمام الطاهر عليّ بن موسى الرضا في مناظرته مع الجاثليق، قال الإمام: يا نصراني والله إنّا لنؤمن بعيسى الذي آمن بمحمّد وما ننقم على عيسى شيئاً إلّا ضعفه وقلّة صيامه وصلاته.

قال الجاثليق: أفسدت والله علمك وضعفت أمرك وما كنت أظن إلّا أنّك أعلم أهل الإسلام.

قال الرضا: وكيف ذلك ؟

قال الجاثليق: من قولك إنّ عيسى كان ضعيفاً قليل الصيام والصلاة وما أفطر عيسى يوم قطّ وما نام بليل قطّ وما زال صائم الدهر قائم الليل.

قال الرضا: فلمن كان يصوم ويصلّي ؟

فخرس الجاثليق وانقطع(١) الحديث.

إنّ الذكر الحكيم يصرّح بأنّ المسيح سوف يعترف يوم البعث بعبوديته على رؤوس الأشهاد وانّه لم يأمر قطّ الناس بعبادة نفسه:

( وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ) ( المائدة / ١١٦ ).

__________________

(١) الاحتجاج: ج ٢ ص ٢٠٣ و ٢٠٤.

٢٤٦

وقال عزّ اسمه حاكياً عنه:( مَا قُلْتُ لَهُمْ إلّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) ( المائدة / ١١٧ ).

ج ـ المسيح ابن الله:

قد طرأت أزمة حادّة على خط التوحيد من قبل المشركين واليهود والنّصارى بزعم وجود الابن أو البنت لله سبحانه، فتارة جعلوا بينه وبين الجِنَّة نسباً، واُخرى اتّهموه بأنّه اتّخذ من الملائكة إناثاً، وثالثة نسبوا إليه الولد بصورة مطلقة، وقد جاء الجميع في الذكر الحكيم مشفوعاً بالردّ والنقض:

١ ـ الجن:( وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجِنَّةِ نَسَبًا ) ( الصافّات / ١٥٨ ).

وأمّا ما هذا النسب، فيحتمل أن يكون المراد نسب البنوّة والاُبوّة ولأجل ذلك كان جماعة من العرب يعبدون الجن، كما ورد في قوله سبحانه:( قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الجِنَّ ) ( سبأ / ٤١ ).

٢ ـ الملائكة:( أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ المَلائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيمًا ) ( الإسراء / ٤٠ ) ولأجل ذلك كان جماعة أيضاً من العرب تعبد الملائكة، وبما أنّهم كانوا يتخيّلون الملائكة على أنّهم خلقوا بصور جذّابة جميلة خالوا إنّهم اُناثاً قال سبحانه:( وَجَعَلُوا المَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَٰنِ إِنَاثًا ) ( الزخرف / ١٩ ).

٣ ـ المسيح: وقد اشتهر النصارى بأنّهم جعلوا « المسيح » إبناً لله تعالى، وهذه الفكرة الخاطئة وإن لم تكن منحصرة فيهم، بل كان لليهود أيضاً مثل تلك الفكرة في حقّ « عزير » لكن النصارى أكثر، اشتهاراً بهذه النسبة، غير نافين عن أنفسهم هذا العار، واليهود يؤوّلون الفكرة بأنّه ولد فخري لا حقيقي.

والقرآن الكريم يندّد بتلك الفكرة في غير واحد من الآيات مشيراً إلى براهين

٢٤٧

عقلية محتاجة إلى التوضيح، وإليك نقل الآيات مع توضيح مضامينها:

١ ـ البقرة / ١١٦ ـ ١١٧:

( وَقَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ *بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) .

تريك هذه الآية كيف أنّهم نسبوا إلى الله ولداً من غير فرق بين أن يكون الناسب يهوديّاً أو مسيحيّاً، ولكنّ الآيتين تتضمّنان ردّاً لهذه النسبة، يستفاد من الإمعان في الجمل التالية:

١ ـ سبحانه. ٢ ـ بل له ما في السموات والأرض كل له قانتون.

٣ ـ بديع السموات والأرض. ٤ ـ وإذا قضى أمراً فإنّما يقول له كن فيكون.

وإليك شرح هذه الجمل التي يعد كل واحد منها بمثابة ردّ ونقض للفكرة الخاطئة المصرّحة بالبنوّة لله عزّ وجلّ.

أ ـ « سبحانه »: وهذه الكلمة تفيد تنزيه الله سبحانه من كل نقص وعيب وشائنة، ولأجل ذلك يأتي هذا اللفظ في آية اُخرى بعد بيان تلك النسبة الخاطئة، قال تعالى:( قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ ) ( يونس / ٦٨ ).

واللفظة تفيد أنّ اتّخاذ الولد نقص وعيب على الله تعالى، يجب تنزيهه عنه، وذلك لأنّ اتّخاذ الولد إمّا لغاية إشباع الغريزة الجنسية أو لأجل الإستعانة من الولد أيّام الهرم والكهولة، أو لأجل إبقاء النسل وإدامته التي تعد نوع بسط وجود للشخصية، والكل غير لائق بساحته سبحانه.

ويمكن أن يكون اللفظ مشيراً إلى أمر آخر وهو أنّ اتّخاذ الابن فرع التوالد والتناسل وهو من شؤون الموجودات المادية حيث ينتقل جزءً من الأب إلى رحم الاُم فتتّحد نطفة الأب مع البويضة في رحم الاُمّ فتخصّبها فينتج عن ذلك نشأة الجنين والله سبحانه أعلى وأجل وأنبل عن أن يكون جسماً أو جسمانيّاً.

٢٤٨

ب ـ( بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ) :

إنّ هذه الجملة مشعرة ببرهان دامغ وهو أنّ كل ما في الكون قانت لله وخاضع لسلطته ومسخّر ومقهور له ومن هذا شأنه لا يتصوّر أن يكون له ولد وذلك لأنّ الولد يكون مماثلاً للوالد، فكما هو واجب الوجود يكون الولد مشاطراً له في ذلك، وما هو كذلك لا يمكن أن يكون مقهوراً ومسخّراً لموجود من الموجودات.

ج ـ( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) :

أي انّه سبحانه خالق مبدع لهما وما فيهما والمراد من الإبداع هو خلقهما بلا مثال سابق ولا مادّة متقدّمة، فيكون المجموع مسبوقاً بالعدم، وما هو كذلك كيف يمكن أن يكون ولداً لله سبحانه ؟ لما عرفت من أنّ الولد يماثل الوالد في الالوهيّة ووجوب الوجود، وهو لا يجتمع مع كون السموات والأرض وما فيهما مخلوقاً حادثاً مسبوقاً بالعدم.

د ـ( وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) :

وهذه الآية تفيد أنّ سنّة الله تبارك وتعالى في الإيجاد والإنشاء والخلق، وأنّه لو أراد إيجاد شيء فإنّه يوجد بلا تريّث أو تلبّث، ولكنّ الولد إنّما يتكوّن من إلتقاء النطفتين في رحم الاُم ثمّ يتكامل تدريجيّاً على إمتداد أمد بعيد وهذا لا يجتمع مع ما مرّ ذكره في السنّة الحكيمة.

ثمّ إنّ العلّامة الطباطبائي جعل الجمل الثلاث مشيرة إلى برهانين ( لا إلى ثلاثة براهين كما أوضحناه ) فقال:

إنّ قوله:( بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ) يشتمل على برهانين ينفي كلّ منهما الولادة وتحقّق الولد منه سبحانه، فإنّ اتّخاذ الولد هو أن يجزي موجود طبيعي، بعض أجزاء وجوده ويفصله عن نفسه فيصيّره بتربية تدريجية فرداً من نوعه مماثلاً لنفسه، وهو سبحانه منزّه عن المثل بل كل شيء ممّا في السموات والأرض مملوك له قائم الذات به قانت ذليل عنده ذلّة وجودية فكيف يكون شيء من الأشياء ولداً له

٢٤٩

مماثلاً نوعيّاً بالنسبة إليه ؟ وهو سبحانه بديع السموات والأرض، إنّما يخلق ما يخلق على غير مثال سابق فلا يشبه شيء من خلقه خلقاً سابقاً ولا يشبه فعله فعل غيره في التقليد والتشبيه ولا في التدريج والتوّصل بالأسباب إذا قضى أمراً فإنّما يقول له كن فيكون من غير مثال سابق ولا تدريج، فكيف يمكن أن ينسب إليه اتّخاذ الولد ؟ وتحقّقه يحتاج إلى تربية وتدريج فقوله:( لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ) برهان تام، وقوله:( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) برهان آخر تام(١) .

٢ ـ الأنعام / ١٠٠ ـ ١٠٢:

( وَجَعَلُوا للهِ شُرَكَاءَ الجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ ) ( الأنعام / ١٠٠ ).

( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) ( الأنعام / ١٠١ ).

( ذَٰلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلَٰهَ إلّا هُوَ خَالِقُ كُلَّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ) ( الأنعام / ١٠٢ ).

وفي هذه الآيات إشارات إلى بطلان النظرية القائلة بكون الجن شركاء لله سبحانه وخرق بنين وبنات له بغير علم، وإليك بيانها:

أ ـ( سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ ) : وقد مرّ توضيح تلك الجملة في القسم الأوّل من الآيات.

ب ـ( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) : وقد تقدّم معناه أيضاً.

ج ـ( أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ ) : وهذه الجملة تشير إلى أنّ إتّخاذ الإبن يستلزم اتّخاذ الزوجة حتى يقع جزء من الزوج في رحم الزوجة والله

__________________

(١) الميزان: ج ١ ص ٢٦١.

٢٥٠

سبحانه منزّه، عن أن تكون له زوجة.

د ـ( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ) : فإذا كان هو خالق كل شيء، والكل مخلوق له فلا يتصوّر كون المخلوق ولداً، لأنّ الولد يشاطر الوالد في الطبيعة والنوعيّة فإذا كان سبحانه واجب الوجود لاستغنى عن العلّة والخالق ولترفّع عن حيز الإمكان، والمفروض خلافه.

٣ ـ يونس / ٦٨:

( قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَٰذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ) .

وهذه الآية تشتمل على مثل ما اشتملت عليه الآيات السابقة وإليك تفصيل جملها.

أ ـ( سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ ) : وقد عرفت أنّ إتّخاذ الولد إمّا لغاية إشباع الغريزة الجنسية أو لاستعانة به في أيّام الكهولة أو لبسط نفوذ الشخصية، والله غني عن الجميع.

ب ـ( لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ) : وفيه إشارة إلى أنّ كل ما في الكون مقهور ومسخّر فكيف يكون شيء منه ولداً له مع لزوم المماثلة بين الولد والوالد.

ج ـ( إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَٰذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ) : وهو إشارة اُخرى إلى أنّه إنّما تبنّوا هذه الفكرة تقليداً بلا علم وبرهان، وقد تقدّم في الآيات السابقة ( بغير علم سبحانه ).

٤ ـ الكهف / ٤ و ٥:

( وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا *مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إلّا كَذِبًا ) .

٢٥١

وفي هذه الآية إكتفاء ببرهان واحد وهو أنّ القوم يتفوّهون بذلك بلا علم لهم ولا لآبائهم.

٥ ـ مريم / ٣٥:

( مَا كَانَ للهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) وفي الآية إشارة إلى برهانين أحدهما قوله( سُبْحَانَهُ ) والثاني( إِذَا قَضَىٰ ) ، وقد مرّ تفسيرهما فلا نعيد.

٦ ـ مريم / ٨٨ ـ ٩٥:

( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا ) .

( لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا ) .

( تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الجِبَالُ هَدًّا ) .

( أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا ) .

( وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا ) .

( إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إلّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا ) .

( لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا ) .

( وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ) .

وقد ركّزت الآيات على برهانين:

أحدهما قولهُ:( وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا ) وهذه الجملة واقعة مكان لفظة( سُبْحَانَهُ ) في الآيات السابقة.

وثانيهما: قوله:( إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إلّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا ) وهو يفيد نفس ما يفيده قوله:( بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ) في الآيات السابقة والمعنى بعد التطبيق واضح ومحصّله أنّ من في الكون عبد

٢٥٢

مسخّر لله سبحانه، وهو لا يجتمع مع كون واحد منهم ولداً له، لأنّه يقتضي المماثلة والمشاركة في الوجوب والإستغناء عن العلّة مع أنّ المفروض كونه ممكناً.

٧ ـ الأنبياء / ٢٦ و ٢٧:

( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ ) .

( لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) .

فلفظة( سُبْحَانَهُ ) مشيرة إلى أنّ اتّخاذ الولد ملازم للنقص والعيب وهو سبحانه منزّه عنه.

وقوله:( بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ ) إشارة إلى ما مرّ من أنّ العبودية لا تجتمع مع البنوّة لأنّ مقتضى البنوّة، المشاركة والمسانخة مع الوالد في الطبيعة، والمفروض وجوب وجود الوالد فيكون الولد واجباً وهو محال.

٨ ـ المؤمنون / ٩١:

( مَا اتَّخَذَ اللهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ ) .

والآية تشير إلى أنّ اتّخاذ الولد ينافي التوحيد والوحدانية لأنّ الولد يجب أن يكون مماثلاً للوالد على نحو ما مرّ ذكره وعندئذ يكون إلهاً مثله، والمفروض أنّه ليس معه إله.

٩ ـ الزمر / ٤:

( لَّوْ أَرَادَ اللهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا لاَّصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) .

وفي الآية إشارة إلى دحض تلك العقيدة المنحرفة باُمور ثلاثة:

أ ـ( سُبْحَانَهُ ) .

٢٥٣

ب ـ( الْوَاحِدُ ) .

ج ـ( الْقَهَّارُ ) .

أمّا الأوّل: فدلالته على نفي البنوّة مثل الآيات السابقة.

وأمّا الثاني: أعني كونه واحداً، فهو يدلّ على نفي البنوّة لأنّ اتّخاذ الإبن يستلزم المماثلة بين الأب والولد، فيلزم تعدّد الإله وواجب الوجود.

وأمّا الثالث: أعني كونه قهّاراً وغيره مقهوراً عليه فدلالته مثل دلالة قوله:( إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إلّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا ) وقوله:( بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ) وقوله:( بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ ) وذلك لأنّ اتّخاذ الإبن يستلزم أن يكون له مماثل من ذاته لأنّ الولد يماثل الوالد في النوعية والطبيعة فيلزم أن يكون الولد واجب الوجود، والمفروض أنّه مقهور ومسخّر لله سبحانه.

وأنت إذا قارنت هذه الآيات بعضها ببعض لوقفت على أنّ الجميع في المادة والمعنى وكيفيّة الإستدلال مصبوب في قالب واحد بينها كمال الإئتلاف والتناسب، والعبارات الواردة في المقام وإن كانت مختلفة المواضع ولكنّ المؤدّى والمعنى واحد، وتلك الآيات نزلت على النبيّ في ظروف مختلفة وأجواء متباينة والنبيّ لم يزل بين كونه منهمكاً في الحرب وهادئ البال في الصلح والسلم ومع ذلك يتكلّم على نسق واحد مع كونه أمّيّاً لم يقرأ قطّ ولم يكتب. صدق الله العليّ العظيم حيث قال:( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا ) ( النساء / ٨٢ ).

قسمة ضيزي:

ومن عجائب اُمورهم أنّهم اتّخذوا لأنفسهم البنين ونسبوا إلى الله عزّ وجلّ الإناث من الملائكة، قال سبحانه:( أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ المَلائِكَةِ إِنَاثًا ) ( الإسراء / ٤٠ ).

٢٥٤

وقال تعالى:( أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِالْبَنِينَ ) ( الزخرف / ١٦ ).

وقال تعالى:( أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَىٰ *تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ ) ( النجم / ٢١ ـ ٢٢ ).

ثمّ إنّه سبحانه أبطل ادّعاءهم بكون الملائكة إناثاً وقال:( وَجَعَلُوا المَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَٰنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ) ( الزخرف / ١٩ ) فكيف يدّعون ما لم يشهدوه ؟!

إلى هنا تمّ حوار القرآن مع اليهود والنّصارى في اتّخاذه سبحانه ولداً من الإنس والجنّ والملائكة، وقوّة البرهان القرآني وإتقانه وتعاضد بعضه بعضاً يدلّ على أنّه وحي إلهي نزل به الروح الأمين على قلبه، وأنّى للإنسان الغارق في الحياة البدائيّة أن يأتي بمثل ذلك لولا كونه مسدّداً بالوحي، مؤيّداً بالمدد الغيبي منه سبحانه.

وإليك بقية المناظرات الواردة في القرآن الكريم.

اليهود ونقض المواثيق والعهود

حطّ النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله رحاله بالمدينة، والتفّ حوله الأوس والخزرج، ففشى أمر الإسلام وشاع خبره وذكره بين الناس والقبائل القاطنة بأطراف المدينة، وكان ذلك بمثابة جرس إنذار لليهود ينبئ عن إقتراب اُفول شوكتهم في المدينة وما والاها بل في شبه الجزيرة العربية برمّتها.

وكانت اليهود في سابق عهدها تفتخر على سائر الاُمم بأنّها تقتفي أثر التوحيد وأنّ لهم كتاباً سماويّاً يجمع بين دفّتيه الأحكام الإلهية، ولكنّ تلك المفخرة أوشكت أن تذهب أدراج الرياح بدعوة النبيّ الأكرم الناس كافّة إلى التوحيد الأصيل ونزول القرآن عليه، فما كانت لهم بعد إذ ذاك ميزة يمتازون بها على العرب.

وكانت اليهود لفرط حبّهم للدنيّا وزبرجها تمكّنوا من السيطرة على مقاليد أزّمة

٢٥٥

إدارة التجارة، وكان وجود الشّقة السحيقة بين الأوس والخزرج، والنزاعات القبلية بينهما، خير معين للإنفراد بإدارة دفّة القوافل التجارية، غير أنّ تلك الأرضية التي فسحت لهم المجال لتسلّم زمام التجارة فيما مضىٰ كادت تنعدم بالاُخوّة الإسلامية التي جاء بها الإسلام، فصار المتصارعان متصافيين متآخيين متآلفين في مقابل اليهود وأطماعهم.

كلّ ذلك صار سبباً لتحفيز اليهود لإثارة الشبهات حول رسالة الرسول الأكرم وبثّ السموم وتشوية معالم الرسالة الجديدة ليضعضعوا أركان الإيمان الفتي في قلوب المؤمنين بالإسلام، وقد غاب عن خلدهم أنّ سنّة الله الحكيمة تتكفّل بنصر رسله. قال سبحانه:

( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ ) ( غافر / ٥١ ).

وإليك نماذج من أسئلتهم وشبهاتهم التي أثاروها حول الرسالة النبويّة:

١ ـ إفشاء علائم النبوّة:

إنّ أوّل خطوة خطوها لأجل إيقاف مدّ الصحوة الدينية والإيمان برسالة النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله هو إصدار مرسوم يقضي بكتمان علائم نبوّته التي وردت في التوراة حتى لا تقع للمسلمين ذريعة يتمسّكون بها ضدّهم في عزوفهم عن قبول الدعوة، وهذا ما يحكي عنه الذكر الحكيم بقوله:

١ ـ( وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) ( البقرة / ٧٦ ).

وروي عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه قال: كان قوم من اليهود ليسوا من المعاندين المتواطئين إذا لقوا المسلمين حدّثوهم بما في التوراة من صفة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فنهاهم كبراؤهم عن ذلك وقالوا: لاتخبروهم بما

٢٥٦

في التوراة من صفة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فيحاجّوكم به عند ربّكم(١) .

وردّ سبحانه عليهم بقوله:( أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ) ( البقرة / ٧٧ ) فالله سبحانه يحتجّ بكتابهم عليهم سواء تفوّهوا بسمات النبيّ الأكرم المذكورة في التوراة أم لم يتفوّهوا بها على الرّغم من أنّهم كانوا يستفتحون ويستنصرون على الأوس والخزرج برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل مبعثه فلمّا بعثه الله من بين العرب ولم يكن من بني إسرائيل، كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه، فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء ابن معرور: يا معشر اليهود اتّقوا الله واسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمّد ونحن أهل الشرك، وتصفونه وتذكرون أنّه مبعوث، فقال سلام بن مثكم أخو بني النضير: ما جاءنا بشيء نعرفه وما هو بالذي كنّا نذكر لكم، فأنزل الله تعالى قوله:

( وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) ( البقرة / ٨٩ ).

٢ ـ السؤال عن الروح الأمين:

إنّ نفراً من أحبار اليهود جاءوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا: يا محمداً أخبرنا عن أربع نسألك عنهنّ، فإن فعلت ذلك اتّبعناك وصدّقناك وآمنّا بك، فقال لهم رسول الله: عليكم بذلك عهد الله وميثاقه لئن أنا أخبرتكم بذلك لتصدّقنّني ؟ قالوا: نعم، قال: فسألوا عمّا بدا لكم وممّا سألوا عنه نوم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا: كيف نومك ؟ فقال: تنام عيني وقلبي يقظان. قالوا: فأخبرنا عمّا حرّم إسرائيل على نفسه ؟ قال: حرّم على نفسه لحوم الإبل وألبانها، فصدّقوه في الإجابة عن هذاين السؤالين، ثمّ قالوا له: فأخبرنا عن الروح ،

__________________

(١) مجمع البيان: ج ١ ص ٢٨٦ ( طبع بيروت ).

٢٥٧

قال: أنشدكم بالله وبأيّامه عند بني إسرائيل هل تعلمونه جبرئيل وهو الذي يأتيني ؟ قالوا: أللّهم نعم، ولكنّه يا محمد لنا عدوّ وهو ملك إنّما يأتي بالشدّة وسفك الدماء ولولا ذلك لاتّبعناك، فأنزل الله عزّ وجلّ فيهم:( قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ *مَن كَانَ عَدُوًّا للهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ ) ( البقرة / ٩٧ و ٩٨ )(١) .

وما ذكرنا من شأن النزول يؤيّد ما ذكرناه سابقاً من أنّ المقصود من الروح في قوله سبحانه:( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ) ( الإسراء / ٨٥ ) هو الروح الأمين لا الروح الإنسانية، وأنّ ما اُثير حولها في التفاسير المختلفة مبني على تفسير الروح بالروح الإنسانية وهو غير صحيح.

وعلى أيّ تقدير فنصب العداء لجبرئيل نصب للعداء له سبحانه، لأنّ جبرئيل مأمور من جانبه ومبلّغ عنه هو وجميع الملائكة:( لاَّ يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) ( التحريم / ٦ ).

٣ ـ إنكار نبوّة سليمانعليه‌السلام :

إنّ رسول الله لـمّا ذكر سليمان بن داود في المرسلين، قال بعض أحبارهم: ألا تعجبون من محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله يزعم أنّ سليمان بن داود كان نبيّاً، والله ما كان إلّا ساحراً، فأنزل الله تعالى في ذلك:( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ) ( البقرة / ١٠٢ )(٢) .

__________________

(١) السيرة النبويّة: ج ١ ص ٥٤٣. مجمع البيان: ج ٢ ص ٣٢٤ ( طبع بيروت ).

(٢) السيرة النبوية: ج ١ ص ٥٤٠. مجمع البيان: ج ٢ ص ٣٣٦ ( طبع بيروت ).

٢٥٨

٤ ـ كتابه إلى يهود خيبر:

كتب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى يهود خيبر بكتاب جاء فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صاحب موسى وأخيه والمصدّق لما جاء به موسى على أنّ الله قد قال لكم يا معشر أهل التوراة، وأنّكم لتجدون ذلك في كتابكم:( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) .

وإنّي انشدكم بالله، وانشدكم بما أنزل عليكم وانشدكم بالذي أطعم من كان قبلكم من أسباطكم المنّ والسلوى، وانشدكم بالذي أيبس البحر لآبائكم حتى أنجاهم من فرعون وعمله إلّا أخبرتموني: هل تجدون فيما أنزل الله عليكم أن تؤمنوا بمحمّد ؟ فإن كنتم لا تجدوني ذلك في كتابكم فلا كره عليكم( قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) فادعوكم إلى الله وإلى نبيّه(١) .

٥ ـ إنكار أخذ الميثاق منهم:

إنّ أحد أحبار اليهود قال لرسول الله: يا محمد ما جئتنا بشيء نعرفه وما أنزل الله عليك من آية بيّنة فنتّبعك لها، وقد كانوا ينكرون العهد الذي أخذه الأنبياء عليهم أن يؤمنوا بالنبيّ الاُمّي، فأنزل الله سبحانه في ردّهم:( وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إلّا الْفَاسِقُونَ *أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) ( البقرة / ٩٩ و ١٠٠ ).

__________________

(١) السيرة النبويّة: ج ١ ص ٥٤٤ ـ ٥٤٥.

٢٥٩

ولفظة « كلّما » تفيد التكرّر فيقتضي تكرّر النقض منهم(١) .

٦ ـ الإقتراحات التعجيزيّة:

وقد كان اليهود قد تقدّموا بإقتراحات تعجيزيّة على غرار ما بدر من المشركين فقد سألت العرب محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يأتيهم بالله فيروه جهرة، فنزل قوله سبحانه:( أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ) ( البقرة / ١٠٨ ).

وقال رافع بن حريملة لرسول الله: يا محمد إن كنت رسولاً من الله كما تقول فقل لله فيكلّمنا حتى نسمع كلامه، فنزل قوله سبحانه:( وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) (٢) .

٧ ـ تنازع اليهود والنصارى عند الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله

لـمـّا قدم أهل نجران من النصارى على رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أتتهم أحبار اليهود فتنازعوا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال رافع بن حريملة: ما أنتم على شيء، وكفر بعيسىٰ وبالإنجيل، فقال رجل من أهل نجران من النصارىٰ لليهود: ما أنتم على شيء، وجحد نبوّة موسى وكفر بالتوراة، فأنزل الله في ذلك قولهم:

( وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) ( البقرة / ١١٣ ).

__________________

(١) مجمع البيان: ج ١ ص ٣٢٧.

(٢) السيرة النبوية: ج ١ ص ٥٤٩.

٢٦٠

٤٩ - تفسير القرآن العظيم، لابن كثير الدّمشقيّ الحنبليّ، ت ٧٧٤ هـ.

٥٠ - تفسير الثعالبيّ عبد الرحمان أبو زيد، ت ٨٥٧ هـ «جواهر الحسان في تفسير القرآن».

٥١ - التلخيص، لمحمّد بن أحمد بن عثمان الذهبيّ الحنبليّ، ت ٨٤٨ هـ، بذيل المستدرك على الصحيحين للحاكم ٢: ٣٣١.

٥٢ - فتح الباري شرح صحيح البخاريّ، لأحمد بن عليّ بن حجر العسقلانيّ الشافعيّ، ت ٨٥٢ هـ، ٨: ١٠٤، ٤٠٤ - ٤٠٩.

٥٣ - الصواعق المحرقة، لابن حجر العسقلانيّ، ١٩، ٧٣.

٥٤ - الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور، لجلال الدين السيوطيّ الشافعيّ، ت ٩١١ هـ.

٥٥ - كنز العمّال، لعليّ المتّقي بن حسام الدين الهنديّ، ت ٩٧٥ هـ، في مواضع كثيرة منها ج ٢: ٣٧٩، ٤١٧، ٤٢٠، ٤٢٢ - ٤٢٤، ٤٣١.

٥٦ - ينابيع المودّة لذي القربى، لسليمان بن إبراهيم القندوزيّ الحنفيّ، ت ١٢٩٤ هـ، ٨٨ - ٨٩.

٢٦١

لفظ الحديث

ذكرنا في صدر البحث بعض ألفاظ الحديث إجمالاً، ويحسن أن نختمه بما ذكر النّسائيّ وغيره، قال:

أخبرنا محمّد بن بشّار «محمّد بن بشّار بندار، بصريّ ثقة كثير الحديث يكنّى أبا بكر - تاريخ الثقات للعجليّ ٤٠١ / ١٤٣٥»، حدّثنا عفّان «عفّان بن مسلم الصفّار، أبو عثمان، بصريّ ثقة ثَبْت، صاحب سنّة - تاريخ الثقات ٣٣٦ / ١١٤٥»، وعبد الصّمد «عبد الصّمد بن عبد الوارث التّميميّ، بصريّ ثقة - تاريخ الثقات ٣٠٣ / ١٠٠٣» قالا: حدّثنا حمّاد بن سلمة «بصريّ، ثقة رجل صالح حسن الحديث - تاريخ الثقات ١٣١ / ٣٣٠»، عن سماك بن حرب، عن أنس، قال: بعث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله براءة مع أبي بكر، ثم دعاه فقال: «لا ينبغي أن يبلّغ هذا إلاّ رجلٌ من أهلي، فدعا عليّاً فأعطاه إيّاها.(١)

وقال: أخبرنا العبّاس بن محمّد الدّوريّ قال: حدّثنا أبو نوحٍ قُراد، عن يونس بن أبي إسحاق، عن زيد بن يُثَيْعٍ، عن عليّرضي‌الله‌عنه أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث ببراءة إلى أهل مكّة مع أبي بكر، ثمّ أتبعه بعليٍّ فقال له: خذ الكتاب فامضِ به إلى أهل مكّة.

قال: فلحقه فأخذ الكتاب منه؛ فانصرف أبوبكر وهو كئيب فقال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنَزَل فِيَّ شيء؟ قال لا، إلاّ أنّي أُمرتُ أن، أُبلّغه أنا أو رجلٌ من أهل

____________________

(١) خصائص أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب، للنّسائيّ ٨٢ / ٧٢.

٢٦٢

بيتي».(١)

أخبرنا زكريّا بن يحيى قال: حدّثنا عبد الله بن عمر، قال: حدّثنا أسباط - بن محمّد -، عن فطر - بن خليفة -، عن عبد الله بن شريك، عن عبد الله بن الرقيم، عن سعد قال: بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر ببراءة، حتّى إذا كان ببعض الطريق أرسل عليّاًرضي‌الله‌عنه ، فأخذها منه، ثمّ سار بها؛ فوجد أبو بكر في نفسه، فقال رسول الله «لا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو رجلٌ منّي».(٢)

فائدة

نستفيد ممّا أوردناه بشأن حديث تبليغ براءة، أمرين: الأوّل: أنّ ابن تيميه قد رمى: الحنابلة والمالكيّة، والحنفيّة، والشافعيّة بالكذب! لما حلّ بساحته، إذ حكَمَه قُضاتُهم بالفسق والنفاق والزندقة...

فبذريعة ردّ الرافضيّ - كذا - كذّب أئمّة هذه المذاهب. ولمّا كان البخاريّ وشيوخه المتقدّمون قد ذكروا الحديث وأنّه من خصائص أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ، لم يمكنه أن يفصلهم عن حكمه هذا، أي تكذيبهم!

الثاني: أنّه قد أظهر ناصبيّته بشكلٍ جليّ في تكذيبه هذا الحديث، كما هو شأنه في الأحاديث الثابتة من فضائل وخصائص أهل بيت النبوّةعليهم‌السلام .

____________________

(١) نفسه ٨٣ / ٧٣.

(٢) خصائص أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب، للنّسائيّ ٨٣ / ٧٤.

٢٦٣

آية النجوى

قال ابن تيميه: قال الرافضيّ في قوله تعالى:« يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرّسُولَ فَقَدّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً » (١) .

قال أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام : «لم يعمل بهذه الآية غيري، وبي خفّف الله عن هذه الأمّة أمْرَ هذه الآية».

قال ابن تيميه: «والجواب» أن يقال: الأمر بالصدقة لم يكن واجباً على المسلمين حتّى يكونوا عصاةً بتركه، وإنّما اُمر به من أراد النّجوى، واتّفق أنّه لم يُرد النّجوى إذ ذاك إلاّ عليّ؛ فتصدّق لأجل المناجاة...، فمثل هذا العمل ليس من خصائص الأئمّة ولا من خصائص عليّ، ولا يقال أنّ غير عليّ ترك النّجوى بُخلاً بالصدقة.(٢)

جوابنا، وبالله التوفيق:

قوله: إنّما أمر به من أراد النّجوى، فصحيح. وأمّا قوله: واتُّفق أنّه لم يرد النّجوى إذ ذاك إلاّ عليّعليه‌السلام ، فلا دليل عليه، ولو كان موجوداً لَذَكَره، بل وفرّع عليه أموراً في تكذيب من قال بأنّ الآية من خصائص عليّعليه‌السلام سواءً كان من قال بذلك هو: مقاتل بن سليمان، أو عبد الرزّاق الصنعانيّ، أو ابن أبي شيبة، أو

____________________

(١) المجادلة: ١٢.

(٢) منهاج السنّة، لابن تيميه ٣: ٥.

٢٦٤

الطبريّ أو النّسائيّ...

ولقد وجدنا ابن تيميه في ردّه وإنكاره لما نزل في أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ، حينما يكون الخطاب بلفظ الجمع، يقول: هذا في عموم المؤمنين ولو كان في عليّ لكان بلفظ المفرد.

والخطاب في آية النّجوى جاء بلفظ الجمع، فكيف يوفّق بين هذا وبين تصدّق عليّعليه‌السلام وحده في المناجاة؟!

وإذا عُدم الدليل عنده على ما ذهب إليه، فالدليل عندنا إضافة لما ذكرناه - قائم على أنّ الخطاب للمؤمنين بوجوب التصدّق، فلم يفعله إلاّ عليّ، فالآية خاصّة به.

واختصاص الآية بعليّعليه‌السلام ، أنّ الخطاب موجّه لمن يناجي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أرادوا مناجاته إذ كانوا يكثرون مناجاته فيشقّ ذلك عليه، فلمّا نزلت الآية امتنعوا عن المناجاة فيما مضى عليّعليه‌السلام في المناجاة مع تقديم الصدقة طاعةً لله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكانت الآية خاصةً به.

والآية بعدها تؤيّد ذلك، قال تعالى:« ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا... » .(١)

يقول: أشَقَّ عليكم يا أهل الميسرة أن تقدّموا الصدقة ولم تفعلوا ما اُمرتم به؟! فتاب الله عليكم؛ فنسخت هذه الآية حكم الآية التي قبلها.

____________________

(١) المجادلة: ١٣.

٢٦٥

ولذلك قال أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام : لم يعمل بهذه الآية غيري، وبي خفّف الله عن هذه الاُمّة أمر هذه الآية.

والحكم لمن كان أقرب عهداً من عصر الرسالة، خاصّةً وأنّ ابن تيميه لم يذكر لنا أحداً من المتأخّرين يعتصم به.

ذكر مقاتل بن سليمان(١) في تفسيره، قال: «و ذلك أنّ الأغنياء كانوا يكثرون مناجاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويغلبون الفقراء على مجالس النبيّ، وكان النبيّ يكره طول مجالستهم وكثرة نجواهم، فلمّا أمرهم بالصدقة عند المناجاة انتهوا عند ذلك، وقدرت الفقراء على كلام النبيّ ومجالسته، ولم يقدّم أحد من أهل الميسرة صدقةً غير عليّ بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ، قدّم ديناراً وكلّم النبيّ عشر كلمات، فلم يلبثوا إلاّ يسيراً حتّى أنزل الله تعالى:« أَأَشْفَقْتُمْ » يقول أشقّ عليكم« أَن تُقَدّمُوا بَيْنَ يَدَيْ

____________________

(١) ذكرنا ترجمته في الحديث عن آية الولاية «تصدُّق أميرالمؤمنين حال الركوع». ونذكر هنا شيئاً ممّا قيل فيه: عن عبد المجيد من أهل مرو: سألت مقاتل بن حيّان، فقلت: يا أبا بسطام، أنت أعلم أو مقاتل بن سليمان؟ قال: ما وجدت علمَ مقاتل في علم الناس إلاّ كالبحر الأخضر في سائر البحور. تهذيب الكمال ٢٨: ٤٣٦.

وللشافعيّ أقوال في تفسير مقاتل، منها: الناس كلّهم عيالٌ على مقاتل في التفسير. (المصدر نفسه). والشافعيّ أيضاً قال: من أراد أن يتبحَّر في المغازي، فهو عيالٌ على محمّد بن إسحاق، ومن أراد أن يتبحَّر في الشّعر فهو عيال على زهير بن أبي سُلمى، ومن أراد أن يتبحّر في النّحو فهو عيال على الكسائيّ، ومن أراد أن يتبحّر في تفسير القرآن فهو عيال على مقاتل بن سليمان. (المصدر نفسه).

٢٦٦

نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً » يعني أهل الميسرة ولو فعلتم لكان خيراً لكم.(١)

إنّ مقاتل بن سليمان لم يعاصر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فبين وفاة النبيّ ووفاة مقاتل (١٤٠) سنة؛ وابن تيميه كذلك لم يعاصر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ أنّ الفاصلة الزمنيّة بين وفاة النبيّ ووفاة ابن تيميه (٧١٨) سنة!

وممّن هم أقرب عهداً بمقاتل، وأبعد عهداً من ابن تيميه:

عبد الرزّاق الصنعانيّ (١٢٦ - ٢١١ هـ)، فبينه وبين ابن تيميه (٦٥٧) سنة.

ذكر عبد الرزّاق بسنده عن ابن عُيُيْنة(٢) ، عن سليمان الأحْول(٣) ، عن مجاهد في قوله تعالى:« فَقَدّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً » ، قال: أمروا أن لا يناجيَ أحدٌ النبيَّ حتّى يتصدّق بين يدي ذلك، فكان أوّل من تصدّق بين يدي ذلك عليّ بن أبي طالب فناجاه، فلم يناجه أحدٌ غيره، ثمّ نزلت الرخصة:« أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدّمُوا

____________________

(١) تفسير مقاتل بن سليمان ٣: ٣٣٤.

(٢) مضت ترجمته في حديث ردّ الشّمس بما فيه الكفاية، توفّي سفيان بن عينية سنة ١٩٨ هـ.

(٣) سليمان بن أبي مسلم المكّيّ الأحْوَل.

روى عن: مجاهد بن جبر، وسعيد بن جبير، وطاووس بن كيسان، وعطاء بن أبي رباح، وأبي معبد مولى ابن عبّاس، وطارق بن شهاب...

روى عنه: سفيان بن عُيَيْنَة، وشعبة بن الحجّاج...

قال فيه سفيان، أحمد بن حنبل، يحيى بن معين، والجليّ، وأبو حاتم، وأبو داود، والنّسائيّ: ثقة.

الجرح والتعديل للرازيّ ٤ / الترجمة ٦٢٠، وتاريخ الدارميّ، الرقم ٣٦٢، وتاريخ الثقات للعجليّ ٢٠٣ / ٦١٧، وتاريخ أسماء الثقات / الترجمة ٤٥٤، وثقات ابن حبّان ٣: ١٧٦، وابن سعد في طبقاته ٥: ٤٨٣.

٢٦٧

بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ » (١) .(٢)

وأخرج الحبريّ (ت ٢٨٦ هـ) في تفسيره (صفحه ٢٢٠ / الحديث ٦٥) قال: حدّثنا مالك بن إسماعيل، عن عبد السلام، عن ليث، عن مجاهد، قال: قال عليّعليه‌السلام : آيةٌ من القرآن لم يعمل بها أحد قبلي، ولا يعمل بها أحد بعدي: أُنزلتْ آية النجوى فكان عندي دينار، فبعته بعشرة دراهم، فكنت إذا أردت أن أناجي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله تصدّقت بدرهم حتّى فَنِيَت، ثمّ نَسخَتْها الآية التي بعدها:« فَإِن لّمْ تَجِدُوا... » الآية.

وبنفس السند والمتن ذكره الحسكانيّ الحنفيّ في (شواهد التنزيل ٢: ٣١٣ / الرقم ٩٥٢).

سند الحديث

الحبريّ، الحسين بن الحكم بن مسلم أبو عبد الله القُوشيّ الكوفيّ الوشّاء. روى عن مالك بن إسماعيل - وهو في سند الحديث - وإسماعيل بن أبان الورّاق، وحسن بن حسين العرنيّ...

قال ابن ماكولا، والذهبيّ: توفّي سنة إحدى ثمانين ومائتين. (الإكمال، لابن ماكولا ٣: ٣١، وتاريخ الإسلام للذهبيّ).

مالك بن إسماعيل أبو غسّان النّهديّ الكوفيّ.(١)

____________________

(١) المجادلة: ١٣.

(٢) تفسير عبد الرزّاق الصنعانيّ ٢: ٢٢٥ / ٣١٧٧.

٢٦٨

روى عن: جويرية بن أسماء - ترجمنا له في حديث ردّ الشّمس، ثقة -، وعبد السلام بن حرب - وعنه روى مالك بن إسماعيل الحديث كما ذكر الحبريّ -، وحبّان بن عليّ العَنَزيّ، والحسن بن صالح بن حيّ، وحمّاد بن زيد، وسفيان بن عُيَيْنة، وفضيل بن مرزوق، وزهير بن معاوية، وأبي معشر وأبي إسرائيل الملائيّ... «وكلّ هؤلاء مذكورون في الثّقات، انظرهم في كتب الرجال».

روى عنه: البخاريّ، وأبو بكر أحمد بن أبي خيثمة، وعبّاس الدّوريّ، وأبو حاتم الرازيّ، وأبو زُرْعة الرازيّ، وأبو زرعة الدمشقيّ، ومحمّد بن إسحاق البكّائيّ، وأبو بكر بن أبي شيبة... (والقول فيهم مثل من روى عنهم).

قال أبو حاتم: قال يحيى بن معين: ليس بالكوفة أتقن منه.(٢)

وقال محمّد بن عليّ بن داود البغداديّ: سمعت يحيى بن معَين يقول لأحمد بن حنبل: إن سَرك أن تكتب عن رجلٍ ليس في قلبك منه شيء - أي شكّ - فاكتب عن أبي غسّان.(٣)

وقال عبّاس الدوريّ: قلت ليحيى بن معين: كان أبو غسّان أثبت من أبي نعيم في زهير؟ قال: في زهير وغيره. فراجعته في أبي غسّان وأبي نعيم، فثبت

____________________

(١) طبقات ابن سعد ٦: ٤٠٤، وتاريخ البخاريّ الكبير ٧ / الترجمة ١٣٤٢، العجليّ ٤١٧ / ١٥١٩، تاريخ الدوريّ ٢: ٥٤٣، تاريخ خليفة ٤٧٦، وطبقاته ١٧٢، والجرح والتعديل ٨ / الترجمة ٩٠٥، وثقات ابن شاهين / الترجمة ١٣٢٨، ورجال صحيح مسلم ١٦٦.

(٢) الجرح والتعديل ٨ / الترجمة ٩٠٥.

(٣) تهذيب الكمال ٢٧: ٨٩.

٢٦٩

على أبي غسّان أثبت من أبي نعيم، قال: هو أجود كتاباً وأثبت.(١)

قال ابن سعد: كان أبو غسّان ثقةً صدوقاً متشيّعاً شديد التشيّع.(٢)

وقال العجليّ: ثقة، وكان متعبّداً، وكان صحيح الكتاب.(٣)

وقال محمّد بن عبد الله بن نُمير: أبو غسّان أحبُّ إليَّ من محمّد بن الصّلت، أبو غسّان من أئمّة المحدّثين.(٤)

وقال يعقوب بن شيبة: ثقة صحيح الكتاب، وكان من العابدين.(٥)

وقال: كان ثقةً متثبّتاً.(٦)

وقال النّسائيّ: ثقة.(٧)

مات مالك بن إسماعيل سنة تسع عشرة ومئتين.(٨)

____________________

(١) تاريخ الدّوريّ ٢: ٥٤٣.

(٢) طبقات ابن سعد ٦: ٤٠٤.

(٣) تاريخ الثقات ٧: ٤١٧ / ١٥١٩.

(٤) الجرح والتعديل ٨ / الترجمة ٩٠٥.

(٥) تهذيب الكمال ٢٧: ٩٠.

(٦) نفسه.

(٧) نفسه.

(٨) طبقات ابن سعد ٦: ٤٠٤، وطبقات خليفة ٢٩٤.

٢٧٠

عبد السلام بن حرب(١) :

عبد السلام بن حرب بن سلم النّهديّ الملائيّ الكوفيّ.

روى عن: ليث بن أبي سليم، وسليمان الأعمش، ويحيى بن سعيد الأنصاريّ، وخُصَيف بن عبد الرحمان الجزَريّ...

روى عنه: أبو غسّان مالك بن إسماعيل، ومحمّد بن إسحاق بن يسار (صاحب السيرة) وهو أكبر منه، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن مَعين، وأبو الصّلت عبد السلام بن صالح الهرويّ، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وعثمان بن محمّد بن أبي شيبة، وأبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، وأبو أسامة حمّأد بن أُسامة...

قال أبو حاتم: ثقةٌ صدوقٌ.(٢)

وقال عثمان بن سعيد الدارميّ، عن يحيى بن معين: صدوق.(٣)

قال الترمذيّ: ثقة حافظ.(٤)

مات عبد السلام بن حرب سنة ١٨٧، وقيل غير ذلك.(١)

____________________

(١) طبقات ابن سعد ٦: ٣٨٦، وتاريخ خليفة ٤٥٨، وطبقاته ١٧٠، وتاريخ البخاريّ الكبير ٦ / الترجمة ١٧٢٩، والجرح والتعديل ٦: ٢٤٦، والمعرفة والتاريخ ٣: ٢١٩، وتهذيب الكمال ١٨: ٦٦.

(٢) الجرح والتعديل ٦ / الترجمة ٢٤٦.

(٣) تاريخ الدارميّ ٥٥٠ / الترجمة ٢٥٢.

(٤) سنن الترمذيّ / بعد الحديث ٦٢٢.

٢٧١

ليث بن أبي سُلَيم بن زُنَيم القُرشيّ الكوفيّ، مولى عُتبة بن أبي سُفيان، ويقال: مولى معاوية بن أبي سفيان.(٢)

روى عن: مجاهد بن جَبْر المكّيّ، والمنهال بن عمرو، ونافع مولى ابن عمر، وأبي إسحاق السّبيعيّ، وعِكْرِمة مولى ابن عبّاس، وعطاء بن أبي رباح، وعامر الشّعبيّ، وشهر بن حوشب، وطاووس بن كيسان، وزيد بن أرطاة... وغيرهم ممّن ذكر في الثقات. انظرهم في المصادر.

روى عنه: عبد السلام بن حرب، وسفيان الثّوريّ، وشريك بن عبد الله، وشعبة بن الحجّاج، وزهير بن معاوية، وحفص بن غياث، وإسماعيل بن عُلَيّة، وإسماعيل بن عيّاش، والحسن بن صالح بن حَيّ، وزائدة بن قُدامة، وأبو معاوية محمّد بن خازم الضّرير، ومحمّد بن فضيل بن غزوان، ومعتمر بن سليمان...

عبد الرحمان بن مهديّ: ليث بن أبي سُلَيم، وعطاء بن السائب، ويزيد ابن أبي زياد؛ ليث أحسنهم حالاً عندي.(٣)

عن فضيل بن عياض: كان ليث بن أبي سليم أعلم أهل الكوفة بالمناسك.(٤)

وقال الدار قطنيّ: ليث بن أبي سليم صاحب سنّة، يُخَرَّج حديثُه.(١)

____________________

(١) طبقات ابن سعد ٦: ٣٨٦، وتاريخ خليفة ٤٥٨، وانظر: تهذيب الكمال ١٨: ٦٧.

(٢) طبقات ابن سعد ٦: ٣٤٩، ثقات ابن شاهين ٢٧٥، الجرح والتعديل ٧ / الترجمة ١٠١٤، وسنن الدار قطنيّ ١: ٦٨، ٣٣١ و ٣: ٢٦٩، وتاريخ الدوريّ ٢: ٥٠١، وتاريخ الدارميّ، ترجمة ٥٦٠، ٧٢٠، وتاريخ خليفة ٢٧٤، وطبقاته ١٦٦، وتاريخ البخاريّ الكبير ٧ / الترجمة ١٠٥١...

(٣) الجرح والتعديل ٧ / الترجمة ١٠١٤.

(٤) الجرح والتعديل ٧ / الترجمة ١٠١٤.

٢٧٢

وذكره ابن شاهين، عن عثمان، فقال: ليث بن أبي سليم: ثقة، صدوق، وليس بحجّة.(٢)

قال ابن عديّ: له أحاديث صالحة، وقد روى عنه شعبة والثّوريّ، وغيرهما من ثقات الناس، ومع الضّعف الذي فيه يكتب حديثه.(٣)

استشهد به البخاريّ في «الصحيح»، وروى له مسلم مقروناً بأبي إسحاق الشّيبانيّ، وروى له الباقون.(٤)

مات سنة ثمان وثلاثين ومئة، وفي قول: مات سنة ثلاث وأربعين ومائة.(٥)

مجاهد(٦) : وهو آخر من في سند الحديث الذي رواه عنه ليث. جاء في ترجمته: مجاهد بن جبر المكّيّ.

روى عن: جابر بن عبد الله الأنصاريّ، وعبد الله بن عبّاس، وسعد بن أبي وقّاص، وسعيد بن جبير - وهو من أقرانه -، وعبد الله بن عمر بن الخطّاب، وأبي

____________________

(١) تهذيب الكمال للمزّيّ ٢٤: ٢٨٧.

(٢) تاريخ أسماء الثّقات ٢٧٥ / الرقم ١١٣٥.

(٣) الكامل لابن عديّ ٣: ٢٠.

(٤) تهذيب الكمال للمزّيّ ٢٤: ٢٨٨.

(٥) رجال صحيح مسلم ١٥١.

(٦) طبقات ابن سعد ٥: ٤٦٦، وتاريخ الدوريّ ٢: ٥٤٩، وتاريخ خليفة ٢٥٨، وطبقاته ٤٩١، وتاريخ البخاريّ الكبير ٧ / الترجمة ١٨٠٥، والجرح والتعديل للرازيّ ٨ / الترجمة ١٤٦٩، ورجال صحيح مسلم ١٧١، وجمهرة أنساب العرب ١٤٢، والثّقات لابن حبّان ٣: ٥١ / ٤٨٩٦، وتهذيب الكمال للمزّيّ ٢٧: ٢٢٨ / ٥٧٨٣.

٢٧٣

سعيد الخدريّ، وأبي هريرة، وجويرية أُمّ المؤمنين، وأُمّ سلمة، وعائشة، وأُمّ هاني بنت أبي طالب، وعبد الرحمان بن أبي ليلى، وإبراهيم بن الأشتر النَّخعيّ... وخلق كثير.

وقد وجدناه يروي عن صحابة وتابعين، وأُمّهات المؤمنين.

روى عنه: ليث بن أبي سليم - الذي روى عن مجاهد الحديث -، وسلمة ابن كُهيل، وسعيد بن مسروق الثّوريّ، وسليمان الأعمش، وسليمان الأحول، وطاووس بن كيسان، وعطاء بن أبي رباح، وفطر بن خليفة، ومنصور بن المعتمر، والمنهال بن عمرو، وأبو إسحاق السّبيعيّ، وأبو الزبير المكّيّ...

ذكره ابن سعد في الطبقة الثانية من أهل مكّة، وقال: كان فقيهاً عالماً ثقة كثير الحديث.(١)

وعن أبي الليث الفضل بن ميمون: سمعت مجاهداً يقول: عرضتُ القرآن على ابن عبّاس ثلاثين مرّة.(٢)

وقال عبد السلام بن حرب، عن خُصَيف: كان أعلمهم بالتفسير مجاهد، وبالحجّ عطاء.(٣)

وقال يحيى القطّان: مُرسَلات مجاهد أحبّ إليّ من مرسلات عطاء بكثير.(٤)

____________________

(١) طبقات ابن سعد ٥: ٤٦٦ - ٤٦٧.

(٢) الجرح والتعديل للرازيّ ٨ / الترجمة ١٤٦٩، وانظر ابن سعد.

(٣) الجرح والتعديل للرازي ٨ / الترجمة ١٤٦٩، وتاريخ البخاريّ الكبير ٧ / الترجمة ١٨٠٥.

(٤) نفسه.

٢٧٤

وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين، وأبو زرعة: ثقة.(١)

وقال سفيان الثّوريّ عن سلمة بن كهيل: ما رأيت أحداً أراد بهذا العلم وجهَ الله إلاّ عطاء، وطاووس، ومجاهداً.(٢)

وروي عن مجاهد قال: قال لي ابن عمر: وددتُ أنّ نافعاً - نافع مولى ابن عمر - يحفظ حفظك وأنّ علَيّ دِرهماً زائفاً! قلت: هلاّ كان جيّداً! قال: هكذا كان في نفسي.(٣)

قيل: مات مجاهد بمكّة سنة مائة. وقيل غير ذلك.(٤)

وعن الكلبيّ، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس، في قوله تعالى:« يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرّسُولَ » الآية، قال: نزلت في عليّعليه‌السلام خاصّةً، وكان له دينار فباعه بعشرة دراهم، فكان كلّما ناجاه قدّم درهماً حتّى ناجاه عشرَ مرّاتٍ، ثمّ نُسِخَت، فلم يعمل بها أحدٌ قبله ولا بعده.(٥)

ويردُ الحديث بألفاظٍ أُخرى وطرق عدّة، كلّها تنصّ على عليّعليه‌السلام ، منها: أسباب النزول للواحديّ ٢٧٦، والأوائل للعسكريّ ١٦٧؛ عن أبي أيّوب الأنصاريّ. والدرّ المنثور للسيوطيّ ٦: ١٨٦ عن سلمة بن كهيل عن عبد ابن

____________________

(١) الجرح والتعديل للرازي ٨ / الترجمة ١٤٦٩.

(٢) تهذيب الكمال للمزّيّ ٢٧: ٢٣٣.

(٣) تهذيب الكمال للمزّيّ ٢٢٣: ٢٧.

(٤) طبقات ابن سعد ٥: ٤٦٧، وتاريخ البخاريّ الكبير ٧ ترجمة ١٨٠٥.

(٥) تفسير الحبريّ ٣٦٨ رقم ٩٦.

٢٧٥

حميد. ورواية ابن جرير وعطاء والكلبيّ عن ابن عبّاس، في تفسيره الفخر الرازيّ ٢٩: ٢٧١، وتذكرة الخواصّ لسبط ابن الجوزيّ ٢١. وعن عبدالرحمان بن أبي ليلى في المستدرك على الصحيحين ٢: ٤٨١. وعن ابن عمر في تذكرة الخواصّ ٢٢، وكفاية الطالب الگنجيّ الشافعيّ ١٣٦، والجامع لأحكام القرآن للقرطبيّ ١٧: ٣٠٢، وتفسير البغويّ ٢٨: ٣٤٧.

وعن مجاهد مرفوعاً عن عليّعليه‌السلام ، تفسير الطبريّ ٢٨: ١٤، وأحكام القرآن للجصّاص ٣: ٥٢٦، وتفسير ابن كثير ٤: ٣٢٦، ومناقب عليّ بن أبي طالب لابن المغازليّ ٣٢٦ ؛ كلٌّ عن ليث، عن مجاهد.

وأخرجه النّسائي بالإسناد إلى سفيان بن سعيد في خصائص أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ٣٩، والذهبيّ عن العقيليّ في ميزان الاعتدال ٣: ١٤٦.

وأخرجه الترمذيّ في الجامع الصحيح ٥: ٨٠ الحديث ٣٣٥٥، وجامع الأُصول لابن الأثير الجزريّ ٢: ٤٥٢.

وذكره ابن أبي شيبة (ت ٢٣٥ هـ) في كتابه (المصنّف ٧: ٥٠٥ / ح ٦٢ و ٦٣)، ثم قال: إنّها في عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

وذكره كلّ من: ابن عقدة (ت ٣٣٢ هـ) في المناشدة يوم الشورى ت الفقرة ٧ - وأحمد بن حنبل في المسند ٣: ٣٠٧ / ح ١٧٨٨، والطبرانيّ (ت ٣٦٠ هـ) في المعجم الكبير ١٢: ٨١ / ح ٨٢٦٠٤، والكوفيّ (القرن الرابع الهجريّ) في مناقب أميرالمؤمنينعليه‌السلام ١: ١٣٨ / ح ٦٨ و ٢١٦ / ح ١١١ و ٢١٧ / ح ١١٢ و ١١٣ و ١١٤ ؛ وتفسير الثعلبيّ ٢: ١٤٠، ودلائل النبوّة للبيهقيّ ١: ١٧٠، والمعرفة

٢٧٦

والتاريخ للفسويّ ١: ٤٩٨، ومسند أبي يعلى ١: ٣٢٢، وصحيح ابن حبّان ١٥: ٣٩١، والكامل لابن عديّ ٥: ٢٠٤.

خاتمة البحث

ثبت أنّ تقديم الصدقة حال النجوى لم يعمل به غير عليّعليه‌السلام وبطل قول ابن تيميه: أنّ الصدقة لم تكن واجبة! فقد أوجبها الله تعالى على المسلمين المستطيعين لها، كما أوجب سبحانه الواجبات الأُخرى المشروطة، فامتنع المستطيعون عن أدائها، وأدّاها عليّعليه‌السلام وحده، فصارت من خصائصه في التفويض والطاعة لله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

بقي قوله: «فِمْثلُ هذا العمل ليس من خصائص الأئمّة».

فهذا صحيح إن كان يعني بهم المسلمين والنبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله بينهم، فهو إمامهم وإليه يرجعون وهم لم يُخصّوا بها من دون المسلمين إلاّ عليّاً على ما ذكرنا، علماً أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان ينصّ على إمامته - على ما سنذكر في مواضعه - وما مرّ بنا من حديث الولاية «آية التصدّق حال الرّكوع»، وتنصيب الإمام عليّ وليّاً وإماماً في آخر حجّةٍ «عيد غدير خمّ»، وحديث المنزلة...

ولذا كان عبد الله بن عمر يقول: لعليّ ثلاث لو كانت لي واحدة منهنّ كانت أحبّ اليّ من حُمْر النّعم: تزويجه فاطمة، وإعطاؤه الرّاية يوم خيبر، وآية النجوى، والزهيد قليل. وهنالك قول مشابه لسعد بن أبي وقّاص (تذكرة الخواصّ

٢٧٧

٢٧).

واختيار ابن عمر هذه الفضائل من بين فضائل وخصائص عليّعليه‌السلام هو: المنع لغير عليّ والإيجاب لهعليه‌السلام ، ففاطمةعليها‌السلام هي بضعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد انتهى نسل رسول الله إلاّ فاطمة ومنها كانت ذرّيّته وهي سيّدة نساء العالمين، معصومة بحكم القرآن الكريم، وأبوها سيّد البشر بما فيهم الأنبياء والرسل ؛ فهي أحبّ النساء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي أُمّ الحسن والحسينعليهما‌السلام سيّدي شباب أهل الجنّة، ولم يكن الإمام عليّعليه‌السلام دونها في الفضل، فهو ابن عمّ النبيّ وزوج ابنته فاطمة، زوّجه إيّاها بعد أن خطبها أبوبكر وعمر وابن عوف فردّهم! والإمام عليّعليه‌السلام سيّد العرب كما في حديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله - نأتي عليه - وهو أبو سيّدي شباب أهل الجنّة، وعصمته وعصمة الحسنين مقرّرة في القرآن. وعليّ أحبّ الرجال إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

والقول الذي ذكرناه لم يكن لابن عمر فقط، فقد ذكره أكثر من صحابي. وابن عمر يرى الزواجَ من فاطمة أعظمَ وأحبّ من حُمْر النّعم لا ليكون معصوماً مثل عليّعليه‌السلام ولا إماماً، وإنّما ليقال له صهر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيفخر بذلك، ويكون أبا عترته، وأحبّ الرجال إليه.

وذَكَر الراية، وذلك أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أعطى الراية يوم خيبر إلى أبي بكر فرجع منهزماً يجبّن أصحابه ويجبّنونه، ثمّ أرسل عمر بن الخطّاب فكان منه ما كان من أبي بكر، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «سأعطي الرّاية غداً رجلاً يُحبّ الله ورسوله ويُحبّه اللهُ ورسولهُ، كرّار غير فرّار، يفتح الله عليه».(١)

____________________

(١) مصادره في حديث الراية.

٢٧٨

وكان الإمام عليّعليه‌السلام كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله . وكلّ ما ذكرنا من خصائص عليّعليه‌السلام ؛ فآية النّجوى من خصائصه لم يشركه فيها أحد.

ولا نتعب أنفسنا في سؤال ابن تيميه: لم هذا النضال في دفع هذه الفضيلة وإنكار كونها من خصائص أميرالمؤمنين عليعليه‌السلام ، فلنا وقفات وحوار يطول معه!

آية الأُذُن الواعية

قوله تعالى:« لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ » (١) .

الآية في أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ، فهو الأُذن الأولى التي سمعت الوحي الكريم، وهو يُشافه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويتلو عليه القرآن الكريم، فوعاه قلبه وآمن بما جاء به، مع طهارة نفسه وما آتاه الله تعالى من مواهب الحفظ والذكاء والفهم. فهي واحدة من الأدلّة على أعلميّة أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، تلك الفضيلة التي أنكرها ابن تيميه. وقد تحدّثنا فيما مضى عن حديث «أنا مدينة العلم وعليّ بابها»، والذي أنكره ابن تيميه أشدّ الإنكار، وثبتت لنا صحّته.

أنساب الأشراف: أخرج البلاذريّ بسنده عن هشام بن عمّار، عن الوليد ابن مسلم، عن عليّ بن حَوْشب، قال: سمعتُ مكحولاً يقول: قرأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ » فقال: «يا عليّ سألتُ اللهَ أن يجعلها أذُنَك».

____________________

(١) الحاقّة: ١٢.

٢٧٩

قال عليّ: فما نسيتُ حديثاً أو شيئاً سمعتُه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .(١)

سند الحديث

هشام بن عمّار: هشام بن عمّار بن نُصَير بن مَيْسَرة بن أبان السُّلَميّ الدمشقيّ.

روى عن: الوليد بن مسلم ؛ أحد سلسلة الحديث وسنده.

ومالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، وعبد العزيز بن أبي حازم المحاربيّ، وبقيّة بن الوليد، وعبد العزيز الدّراورديّ، ومروان بن معاوية الفزاريّ، وصدقة بن خالد...، وخلقٍ كثير.

روى عنه: البخاريّ، وأبو داود، والنّسائيّ، وابن ماجة، والوليد بن مسلم - وهو من شيوخه ؛ وأبو عبيد القاسم بن سلاّم - صاحب كتاب النّسب وغيره ومات قبله، وأبو حاتم محمّد بن إدريس الرازيّ، ومحمّد بن سعد - كاتب الواقديّ ومات قبله، ويعقوب بن سفيان الفَسَويّ، وأبو زُرعة الدمشقيّ، وأبو زرعة الرازيّ، وأحمد بن يحيى بن جابر البلاذريّ الكاتب...

لفتُ نظر: إنّ الذين ذكرناهم فيمن روى عنهم هشم بن عمّار، أو فيمن روى عن هشام، قد وردت تراجمهم في الثّقات. انظرهم في: الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، وتاريخ الثّقات للعجليّ، والثّقات لابن حِبّان، وطبقات ابن سعد،

____________________

(١) أنساب الأشراف للبلاذريّ (ت ٢٧٩ هـ) ٢: ٣٦٢.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492